عن محمد بن مسلمة عن محمد بن بدران قال :
حدثنا المهدى يوما فقال عندما كان جدى الحسين بن محمد يحتضر جمع أولاده وقال لهم وصيتى لكم هى ما فى هذه الصناديق الصغيرة الموضوعة حولى لكل واحد منكم صندوق أقول لكم أنها تقليد توارثناه كابر عن كابر ومن ثم فعلى كل منكم أن يفعل مثلما أفعل معكم الآن مع أولادكم ولا يعلمن أحد من غير العائلة بأمر هذه الصناديق ولو كلفكم ذلك حياتكم ،كانت هذه الوصية فى حضورى ومع هذا لم يفتح أبى صندوقه ولا أخبرنى عما فيه وكذلك أعمامى لم يخبروا أحدا من أولادهم لأنهم لم يفتحوا الصناديق فشغلنى موضوع الوصية بعد أن أصبحت المهدى شغلا عظيما حتى أننى قلت لأبى أما تفتح صندوق الوصية لنعرف ما فيه ؟فقال وهل توصى عائلتنا إلا بالموت على الإسلام؟فقلت متعجبا لا تحتاج الوصية بالإسلام لكل هذه السرية وهى موجودة فى القرآن لابد أنها شىء خفى على معظم البشر فقال أبى مندهشا صدقت ثم وضع يده على رأسه وقال هل تكون الجفر ؟قلت لا يا أبى لو كان الجفر لوجدنا من أعمامى ومن أجدادنا من استعمله أو عرف به ولكنه أمر أخر أعظم وأكبر فقال والدى أنت تثير فضولى يا مهدى وتدفعنى الآن للبحث عن الصندوق لأفتحه لمعرفة ما فيه فقلت وهل نسيت أين وضعته ؟فرد مجيبا لا أدرى ولكن الذى أعرفه جيدا أن القصور التى بنيت لى ولإخوتى ولكل قريب لنا نظامها واحد فى البناء وفى كل قصر يوضع الصندوق فى مكان ما هو واحد فى كل القصور حتى إذا نسى أحدنا بعث للأخرين ليذكروه بهذا الموضع السرى وعلى إثر المحادثة أرسل أبى لأعمامى يطلب منهم الحضور لقصرنا لأمر هام فحضر بعضهم فى عجلة فلما جلسوا معه وأنا وبعض إخوتى أخليت القاعة من الجنود وكان الكلام بصوت خفيض وقد عرفنا من الأعمام موضع الصندوق الذى اتضح أن أحدا منهم لم يهتم به ولا فتح صندوقه من يوم موت جدى فقمت مع أبى ونزلنا للموضع المقصود ووجدنا الصندوق عليه تراب كثير فنفضته عنه ومسحته بملابسى وقلت لأبى تفضل يا أبت افتحه فابتسم وقال وهو يمسكه تعال يا سر الأسرار فأحسست وأبى يقوم بفتح الصندوق أن شرور العالم كله مجتمعة فى هذا الصندوق الصغير الذى لا يتجاوز شبرين فى شبرين ففتح أبى القمقم وأخرج منه العفريت الذى جعلنا أنا وهو فى حالة ذهول تام لعدة ساعات بعد أن قرأنا ما فى الصحيفة لم يكن فى نفسى شىء ساعتها سوى ترديد بعض أبيات شعر تقول :
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكر من القدماء
أرادوا بها جمع الحطام فأدركوا وبادوا وماتت سنة الحكماء
كان الذى فى الصحيفة :
هذا عهد وميثاق رؤساء الأديان التى كانت فى العالم وقت وجود الدولة الإسلامية فى عهد محمد اللعين ومن بعده من الخلفاء على تحريف هذا الدين وإزالة دولته وتحويلها لدولة كافرة نحكمها نحن بأسماء المسلمين الذين أسلموا منا فى الظاهر نحكمها بغير الإسلام ولكننا ندعى أنه الإسلام لقد اتفقنا نحن بعد إزالة الدولة الإسلامية وتحريف الإسلام على أن نكون يدا واحدة ونبقى الملك فى أولادنا وأحفادنا من بعدنا وأن يتزاوج أولادنا من بعضهم لأننا وإن كنا على أديان مختلفة فهدفنا واحد يجب أن نظل متمسكين به لذا اتفقنا على أن نكون جميعا العائلة المقدسة عائلة محمد اللعين وقد قمنا بنسبة الأحاديث التى تثبت وجود العائلة له وأنها المستحقة وحدها لحكم العالم واتفقنا على إنشاء جماعة الأشراف وهى تضم كل أبناءنا وأحفادنا وذلك حتى يتعرفوا على بعضهم فى المستقبل ويحافظوا على ملكيتهم للعالم بشتى السبل الممكنة أمامهم.
هذا كان أهم ما فى الصحيفة أنه لا يوجد حسن ولا حسين ولا غيرهم من العائلة النبوية وأن الأشراف كلهم هم أبناء عظماء الكفار الذين أزالوا حكم الإسلام من الوجود عندما تحدث أبى قال هذا جنون لابد أن أحد غير الصحيفة ووضع هذا الكذب مكانه ،لم يصدق الرجل وكأنما أصيب بمس من الجنون وقال لى هيا بنا لابد أن نذهب لقصور أعمامك لنعرف هل هذا كذب أم صدق فقلت له لا سبيل للتأكد من هذا سوى فتح الصناديق كلها وخرجنا من القصر وركبنا الخيل وتوجهنا لقصور أعمامى الواحد بعد الأخر وفى كل قصر نجد نفس الصحيفة ونفس الكلام الكل لم يصدق وأصيب بالذهول وكانوا فى غيبوبة عما حولهم ومن ثم كان لابد أن نتحدث حتى يفيقوا فقلت لهم وقد اجتمعنا فى قصر عمى الأصغر :لا سبيل للتأكد من صحة أوكذب الكلام إلا بالذهاب لقصور أولاد أعمامكم حتى نتأكد من الأمر وبالفعل سافر كل جمع لجهة وكانت النتيجة واحدة وكأنما قول الشاعر الذى قال :
وفى بطحاء مكة شر قوم وليسوا بالحماة ولا الغيارى
وإن رجال شيبة سادنيها إذا راحت لكعبتها الجمارى
قيام يدفعون الناس شفعا إلى البيت الحرام وهم سكارى
إذا أخذوا الزوائف أولجوهم وإن كانوا يهودا أو النصارى
قد صدق فى أجدادنا واجتمع القوم فى قصر أبى فقلت لهم :لا يهم ماذا كان الآباء فقد كان والد إبراهيم(ص)كافرا وهذا لم ينقص من شأنه وحتى والد محمد(ص)كان كافرا ومع هذا لم يقلل هذا من شأنه إنكم الآن بين خيارين الأول أن تسلكوا مسلك الاباء فتصبحوا مثلهم كفارا بالإسلام الذى حرفوه والثانى أن تكونوا مسلمين حقا فتتركوا العمل بوصية الآباء وعلى كل واحد منكم أن يختار مصلحته وتركت القوم بعدها وقد ظلوا حيارى لا يدرون ماذا يفعلون عدة أشهر فمنهم من عقل وقرر البقاء على الإسلام حتى ولو كان إسلاما محرفا ومنهم من جن وأصبح مجنونا يهيم فى القفار والصحارى أما أنا فكانت مصيبتى أعظم منهم فقد أصبحت كاذبا فى أمر المهدى إذا كان من ضمن تحريف القوم للإسلام .
عن حسن المعرى عن أبى العلاء بن عربى قال حدثنا ابن منصور صاحب المهدى قال :
لما تجالس والد المهدى مع والد العروس كى يبلغه برأيهم فى الزواج قال حسان وقد أعد فى نفسه كلاما حتى يخفف وقع الرفض على الرجل :
تعلم يا ابن عم أن شرط الزواج هو القبول ولما عرضت الأمر على كنت فرحا مسرورا لأن هذا يزيد من الأواصر بيننا ولكن كما تعلم أن جدنا عليه الصلاة والسلام قال "لا تنكح البكر حتى تستأمر قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت "(صحيح البخارى كتاب النكاح ج ص )ومن ثم فقد عملت بسنة جدنا وأخذت رأى الفتاة فرفضت متعللة بأن لها رغبة فى ابن عم أخر لها يريد زواجها وقالت أنها لا تعرف المهدى ولم تره ولو مرة فى حياتها ومن ثم كيف تقبله زوجا والزواج قائم على المعرفة أولا ؟فقال عبد الله :هذا حقها
فقال حسان أرجو أن تبلغ سلامى للمهدى وتكرر شديد أسفى على الرفض فقال عبد الله أفعل إن شاء الله وعاد عبد الله لولده وقال له أكره أن أخبرك بما جئت به فابتسم المهدى لقد رفضت الفتاة هذا أمر عادى فقال الوالد وهو يربت على كتفه لقد كان حسان محرجا خجلا عندما أخبرنى الخبر فقال المهدى هذه ليست نهاية العالم لا تفكر كثيرى فى هذا .
ومضت مدة على الأمر حتى جاء يوما دخل فيه على المهدى رجل من جند حسان مبايعا له على الجهاد تحت إمرته فسأله المهدى بعد المبايعة عن الفتاة بنت حسان فقال هل تزوجت فلانة ابنة حسان من ابن عمها ؟فقال الرجل لا لم تتزوج البنت ولم تعلم بأمر طلبك لها فاستشاط المهدى غضبا ولكنه بعد قليل أمسك زمام نفسه فسأل الرجل وما أدراك بهذا ؟فقال الرجل كنت من الحرس الخاص بالأمير حسان وقد سمعته يتشاور مع أولاده فى أمر زواجك من أختهم وفى الحقيقة كان الأمير حسان موافقا وسعيدا ولكن أولاده رفضوا الأمر من البداية متعللين – ولا تؤاخذنى بكلامهم – بأنك كاذب ضحكت على الناس فى أنك المهدى رغم أن المهدى كما يقولون لابد أن يكون من الفرع الحسنى طبقا لحديث أبى داود فى سننه "قال على رضى الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن إن ابنى هذا سيد كما سماه النبى (ص)وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فى الخلق ولا يشبهه فى الخلق يملأ الأرض عدلا(ج4حديث 4290)فضحك المهدى وقال كلمة لم أفهمها وهى آه لو علم هؤلاء الأوغاد ما علمنا من الأمر ما رفضوا أبدا فقلت ولكن إحقاقا للحق فقد جادلهم الأمير حسان واحتج عليهم بحديث "المهدى من عترتى من ولد فاطمة (أبو داود ج 4 حديث 4284)مبينا لهم أن هذا الحديث لم يبين أن المهدى من أى فرع من الفروع ومن ثم فهو يخرج من أى فرع فيهم فقال المهدى ضاحكا حق على السفر إليهم لكى أعرفهم الحقيقة فقلت لا يا مولانا لا تحارب أولاد عمك من أجل مسألة لا تستحق غضبك عليها فقال وهو يربت على ظهرى هون عليك فلا حرب ولا قتال وفى خلال أيام سافر المهدى مع بعض من جيشه للطالقان بعد أن أرسل للأمير حسان رسولا يخبره بحضوره لقصره فتوجس الأمير حسان من حضور المهدى لقصره ورأى أن هنالك من أوصله السبب الحقيقى لرفض زواجه ولكنه لم يعلم ما أتى له المهدى بالضبط فأخذنى المهدى معه فتوسلت له ألا أذهب معه لهناك فقال لى لا تخف فلن أخبرهم شىء عن ما حكيت لى ولما وصلنا لقصر الأمير حسان استقبلنا الأمير والأولاد وأقيمت الولائم وأفسح الأمير للمهدى مكان الصدارة وأجلسه على كرسيه وبعد أن انفضت الولائم قال لمهدى للأمير يا عم اصرف هؤلاء الناس وابق أولادك ومن هنا من إخوتك ،استجاب الأمير للطلب فصرف الناس وأبقى أولاده وإخوته ولما خلت القاعة عليهم قال المهدى وهو يمسك بصندوق طوله شبرين فى شبرين :ألا يذكركم هذا الصندوق بشىء ؟فرد الأمير حسان بلى يذكرنا بوصية الآباء لنا وقال أخوه جعفر نعم إن فى قصر كل واحد منا صندوق مماثل له وعند هذا قال المهدى لهم أليس غريبا أن أحدا من الحاضرين هنا أو غير الحاضرين من سلالة النبى(ص)لم يفكر يوما أن يفتح الصندوق ليعلم ما فيه؟فقال الأمير علام هذا صحيح فهذه الصناديق مقفلة من يوم أن تسلمها كل واحد منا من والده عند هذا قال هاشم بن حسان ماذا تريد يا محمد بن عبد الله بهذا الكلام ؟فقال المهدى ألا تقول لى يا هاشم يا مهدى ؟فأعرض هاشم بوجهه فقال الأمير حسان هل تريد منا فتح الصناديق كلها هنا ؟فقال المهدى نعم أريدكم أن تحضروا صناديقكم ويقوم كل واحد منا بفتح صندوقه أمام الأخرين لنعرف فى وقت واحد ما ظللنا نجهله طوال سنوات طويلة فقال عمر بن حسان يا ترى ماذا يوجد فى هذه الصناديق ؟فقال على بن حسان إن الوصية لا تكون عند الموت إلا بالإسلام وهذا الأمر لا يحتاج إلى كتابتها ووضعها فى صناديق لأنها موجودة فى المصاحف كلها إن هذا لأمر عجيب ،بعد هذا قال المهدى موعدنا بعد يومين فى هذه القاعة عصرا لنفتح الصناديق ،انصرف الإخوة وذهبوا لقصورهم التى كانت قريبة من قصر الأمير حسان وأحضر كل منهم صندوقه وفى الموعد المحدد اجتمع المهدى معهم وقال لهم ليفتح كل واحد منكم صندوقه ويقرأ ما فيه وفتحوا الصناديق وأخرجوا الصحف وبدأ كل منهم يقرأ فلاحظت أن الكل عدا المهدى بدأ وجهه يتلون بألوان مختلفة ومنهم من ضرب كفا بكف ومنهم من لطم على خديه ومنهم من جلس على الأرض صامتا لا يحرك ساكنا ومنهم من وضع عينيه فى الأرض وأمسك بدماغه بين كفيه وعند هذا قال المهدى :
ليرى كل واحد منكم صحيفته للأخر حتى يعرف أن الكلام المكتوب كله واحد ،لم يستجب أحد للكلام فالكل كان فى حالة ذهول تام عما حوله فأيقنت أن المسألة أخطر مما تخيلت ما الذى يجعل أناسا فى عقل وسلطة هؤلاء يصيبهم الذهول من مجرد صحيفة مكتوبة ؟لابد أنه أمر عظيم لا يتوقعه عقل أيا منهم .
تركهم المهدى وخرج وخرجت معه وبعد وقت طويل عاد المهدى للقاعة فوجد بعضهم قد أفاق والبعض الأخر ما زال الذهول مسيطرا عليه فتوجه المهدى بحديثه لأولاد حسان فقال يا على يا عمر يا هاشم ما رأيكم فى المهدى هل يرفض فى الزواج بعد أن قرأتم الصحيفة ؟لم يتكلم أحد منهم ولم ينبت ببنت شفة فقال المهدى عرفتم الآن أن آباءنا كانوا سواء لا يتميز أحد منهم على الأخر ومن ثم زال سبب رفضكم زواج أختكم حتى أنا زالت عنى صفة المهدى وأصبحنا سواء
فى الحقيقة لم أفهم شىء فهو كلام غامض ولكن ما فهمته أن هناك كذبة كبرى أظهرتها الصحف وكنت أريد مد يدى لصحيفة منهم وأقوم بقراءة ما فيها ولكنى خفت من هذه الوجوه المذهولة المتحيرة التى لا تتوقع منها فى تلك الساعة إلا الشر المستطير فأيقنت أننى لو مددت يدى فستقطع يدى ومن بعدها رقبتى أو ستقطع رقبتى أولا فقال جعفر بن حسان بعد طول صمت قد يكون كل هذا كذبا فقال المهدى اذهب لكل قصور الفاطميين والعلويين وغيرهم من الأشراف فى أى مكان فى العالم واستخرج صناديقهم ستجد نفس الصحيفة فقال جعفر ماذا سنفعل ؟فضحك المهدى وقال أمامكم خياران الأول أن تكفروا كالأباء والثانى أن تظلوا على الإسلام المحرف وتبحثوا عن الحق .
كلام كله ألغاز لم أفهم شىء منه بعد كل هذا العمر فى خدمة المهدى .
عن عفراء جارية المهدى قالت :
لما عاد المهدى من رحلته للأمير حسان كان شاردا منطويا دخل خلوته وطلب ألا يدخل عليه أحد حتى يطلبه هو وظل فى الخلوة أياما لا يتكلم إلا مع الخدم الذى يقدمون له الطعام والشراب كلاما مختصرا ،حكى لى فيما بعد أنه كان يفكر كيف يسلك فى حياته بعدما علمه من كفر أبائه فقلت له يا سيدى كلنا لنا فى أصولنا كفارا من الأجداد فحتى النبى (ص)الكريم كان أبوه وجده وكثير من أعمامه كانوا كفارا وحتى على بن أبى طالب كان والده كافرا ومن ثم لا يضيرك هذا الأمر فقال صدقت يا عفراء فقلت يا سيدى إن الله يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى "ومن ثم فأنت لا تتحمل عقاب شىء مما عملوا فقال أعرف هذا جيدا ولكن ما يحز فى نفسى هو ثم سكت وأطال فترة السكوت فقلت له تقصد الفضيحة أو الإعتراف أمام الناس بأنه لا يوجد حسن أو حسين وأنك لست المهدى لأنه لا يوجد فى الإسلام إنسان يدعى المهدى ؟!قال بامتعاض هذا قصدى فقلت له لو فكرت تفكير المسلم لقلت الحق ولو كان مرا فقال ضاحكا هناك مشكلة أكبر من الاعتراف وهى ما بعد الاعتراف وهى الألوف المؤلفة فى الأرض التى تؤمن بالمهدى وفجأة يعلن المهدى لها أنه كذاب وعلى الباطل ماذا يكون ردهم على الإعتراف؟قلت له يا سيدى ردهم لا يمكن توقعه فغالبيتهم من الفقراء والمحتاجين وغضبة هؤلاء تكون مدمرة فى الغالب فقال لى وهو يمسك دماغه بين يديه غالبا سيقتلوننى وإما سيكذبوننى ويقولون أننى جننت أو أصابنى أحد بسحر هذه هى النتيجة المتوقعة من الإعتراف
قال مخارق بن الكميت تابع المهدى :
خرج المهدى وأنا معه لخارج حدود دولتنا وعبرنا للدولة التى يقودها الفقيه بن حذافة فسألته يا سيدى أين نحن ذاهبان ؟فرد لدار الفقيه فقلت له تذهب لألد أعدائك فى داره؟!فضحك ضحكة باهتة وقال هذا جنون فقلت يا سيدى سامحنى فى سؤالى لماذا ؟فرد أريد أن أعرف طريق الخروج من المأزق الذى أنا فيه قلت أى مأزق ؟فقال كونى المهدى
ولما وصلنا عاصمة الدولة سألنا عن دار الفقيه فأخبرنا بعضهم عن مكانها ولما جئنا عندها لم نجد حرسا فطلبنا الإذن بالدخول فطلع الرجل ورد السلام وقال تفضلوا بالدخول فدخلنا للبيت المتواضع الذى لا يدل على كون الرجل حاكم دولة طويلة عريضة وأجلسنا الرجل فى حجرة الضيوف ثم نادى على أهل الدار طالبا منهم الطعام فأحضروه فأكلنا وشربنا وحمدنا الله على نعمه وبعد الأكل قال الفقيه خيرا إن شاء الله فقال المهدى أنا المهدى فقال الفقيه كلنا مهديون بأمر الله فكرر المهدى قوله أنا المهدى الذى تحاربه فقال الفقيه ما سبب حضورك؟فأجاب لأنى عرفت أننى لست المهدى فتساءل الفقيه ولما زعمت من البداية أنك هو ؟فضحك المهدى وقال لم أقل لأحد فى العالم كله أننى المهدى المذكور فى الأحاديث الموضوعة فقال الفقيه كيف أصبحت المهدى إذا ؟فقال اسم أطلقه الأطفال والناس على فى طفولتى لهدوئى والتصق بى وزاد الطين بلة أن اسمى هو محمد ووالدى عبد الله فأصبح مطابقا للأحاديث وزاده أكثر كون أبى من الفرع الحسينى المزعوم واستغل هذا شيعة أهل البيت ودعوا الناس لنصرى والإيمان بى فى الخفاء والعلن وجيشوا الجيوش وبنوا عاصمة الدولة وأصبحت المهدى دون أن أقول هذا فقال الفقيه لما جئت إلى ؟فرد جئت أسألك نصيحة المسلم للمسلم فتساءل الفقيه فيما ؟فقال المهدى لقد اكتشفت حقيقة مرة وهى أنه لا يوجد لا حسن ولا حسين ولا مهدى ولا أشراف ولا عائلة نبوية وأنها كذبة كبرى قام بها رؤساء أهل الأديان القدامى الذين هدموا دولة الإسلام وحولوها لدولة كافرة يدعى كل منها أنه دولة إسلامية فقال الفقيه ما المطلوب تحديدا منى؟ فرد تقول لى ماذا أفعل ؟فسأله الفقيه هل تريد أن تكون على الحق أم على الباطل ؟فأجاب قطعا على الحق فقال الفقيه بداية الآباء والأجداد أمة قد خلت لا تحاسب عما فعلوا ولا يحاسبون عما تفعله كما قال تعالى بسورة البقرة "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يفعلون "وأما الإعتراف أمام الناس بالحقيقة فواجب عليك طالما تريد الحق فقد قال الله فى المسلمين بسورة الأحزاب "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله "وقال بسورة المائدة "ولا يخافون لومة لائم "ومن ثم عليك ألا تخاف من الفضيحة أو من رد فعل أنصارك السابقين لأنك لو وضعتهم فى نفسك لأدخلوك النار لأنك لو وضعتهم فى نفسك لأدخلوك النار لأنك ستخاف منهم ومن ثم ستطيعهم فيما تعلم أنه باطل وكذب فقال المهدى ولكنى أريد أن أهدى هؤلاء الناس الذين ضلوا بسببى فقال الفقيه أنت لست سبب فى ضلال أحد إنهم كانوا ضالين من عند أنفسهم لأنهم لم يفكروا فى الأمر ولم يسمعوا حجج المكذبين لخرافة المهدى فقال المهدى من الصعب على نفسى أن أكون سببا فى دخول الألوف المؤلفة من الناس النار فابتسم الفقيه وقال وهل أنت أفضل من النبى (ص)الذى قال الله له"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء "الإهتداء ليس من عند الأخر وإنما من النفس المريدة له فقال المهدى وماذا تقترح على أيضا ؟فقال الفقيه تبقى معنا فى دولة المسلمين ولا تعود لمملكتك لأنك ستقتل لو أعلنت الحقيقة هناك وسيكون قتلك ليس على أيدى العامة كما تظن وإنما على يد أقاربك الذين يخشون من الفضيحة فقال المهدى إن شاء الله أفعل
حدثنا المهدى يوما فقال عندما كان جدى الحسين بن محمد يحتضر جمع أولاده وقال لهم وصيتى لكم هى ما فى هذه الصناديق الصغيرة الموضوعة حولى لكل واحد منكم صندوق أقول لكم أنها تقليد توارثناه كابر عن كابر ومن ثم فعلى كل منكم أن يفعل مثلما أفعل معكم الآن مع أولادكم ولا يعلمن أحد من غير العائلة بأمر هذه الصناديق ولو كلفكم ذلك حياتكم ،كانت هذه الوصية فى حضورى ومع هذا لم يفتح أبى صندوقه ولا أخبرنى عما فيه وكذلك أعمامى لم يخبروا أحدا من أولادهم لأنهم لم يفتحوا الصناديق فشغلنى موضوع الوصية بعد أن أصبحت المهدى شغلا عظيما حتى أننى قلت لأبى أما تفتح صندوق الوصية لنعرف ما فيه ؟فقال وهل توصى عائلتنا إلا بالموت على الإسلام؟فقلت متعجبا لا تحتاج الوصية بالإسلام لكل هذه السرية وهى موجودة فى القرآن لابد أنها شىء خفى على معظم البشر فقال أبى مندهشا صدقت ثم وضع يده على رأسه وقال هل تكون الجفر ؟قلت لا يا أبى لو كان الجفر لوجدنا من أعمامى ومن أجدادنا من استعمله أو عرف به ولكنه أمر أخر أعظم وأكبر فقال والدى أنت تثير فضولى يا مهدى وتدفعنى الآن للبحث عن الصندوق لأفتحه لمعرفة ما فيه فقلت وهل نسيت أين وضعته ؟فرد مجيبا لا أدرى ولكن الذى أعرفه جيدا أن القصور التى بنيت لى ولإخوتى ولكل قريب لنا نظامها واحد فى البناء وفى كل قصر يوضع الصندوق فى مكان ما هو واحد فى كل القصور حتى إذا نسى أحدنا بعث للأخرين ليذكروه بهذا الموضع السرى وعلى إثر المحادثة أرسل أبى لأعمامى يطلب منهم الحضور لقصرنا لأمر هام فحضر بعضهم فى عجلة فلما جلسوا معه وأنا وبعض إخوتى أخليت القاعة من الجنود وكان الكلام بصوت خفيض وقد عرفنا من الأعمام موضع الصندوق الذى اتضح أن أحدا منهم لم يهتم به ولا فتح صندوقه من يوم موت جدى فقمت مع أبى ونزلنا للموضع المقصود ووجدنا الصندوق عليه تراب كثير فنفضته عنه ومسحته بملابسى وقلت لأبى تفضل يا أبت افتحه فابتسم وقال وهو يمسكه تعال يا سر الأسرار فأحسست وأبى يقوم بفتح الصندوق أن شرور العالم كله مجتمعة فى هذا الصندوق الصغير الذى لا يتجاوز شبرين فى شبرين ففتح أبى القمقم وأخرج منه العفريت الذى جعلنا أنا وهو فى حالة ذهول تام لعدة ساعات بعد أن قرأنا ما فى الصحيفة لم يكن فى نفسى شىء ساعتها سوى ترديد بعض أبيات شعر تقول :
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكر من القدماء
أرادوا بها جمع الحطام فأدركوا وبادوا وماتت سنة الحكماء
كان الذى فى الصحيفة :
هذا عهد وميثاق رؤساء الأديان التى كانت فى العالم وقت وجود الدولة الإسلامية فى عهد محمد اللعين ومن بعده من الخلفاء على تحريف هذا الدين وإزالة دولته وتحويلها لدولة كافرة نحكمها نحن بأسماء المسلمين الذين أسلموا منا فى الظاهر نحكمها بغير الإسلام ولكننا ندعى أنه الإسلام لقد اتفقنا نحن بعد إزالة الدولة الإسلامية وتحريف الإسلام على أن نكون يدا واحدة ونبقى الملك فى أولادنا وأحفادنا من بعدنا وأن يتزاوج أولادنا من بعضهم لأننا وإن كنا على أديان مختلفة فهدفنا واحد يجب أن نظل متمسكين به لذا اتفقنا على أن نكون جميعا العائلة المقدسة عائلة محمد اللعين وقد قمنا بنسبة الأحاديث التى تثبت وجود العائلة له وأنها المستحقة وحدها لحكم العالم واتفقنا على إنشاء جماعة الأشراف وهى تضم كل أبناءنا وأحفادنا وذلك حتى يتعرفوا على بعضهم فى المستقبل ويحافظوا على ملكيتهم للعالم بشتى السبل الممكنة أمامهم.
هذا كان أهم ما فى الصحيفة أنه لا يوجد حسن ولا حسين ولا غيرهم من العائلة النبوية وأن الأشراف كلهم هم أبناء عظماء الكفار الذين أزالوا حكم الإسلام من الوجود عندما تحدث أبى قال هذا جنون لابد أن أحد غير الصحيفة ووضع هذا الكذب مكانه ،لم يصدق الرجل وكأنما أصيب بمس من الجنون وقال لى هيا بنا لابد أن نذهب لقصور أعمامك لنعرف هل هذا كذب أم صدق فقلت له لا سبيل للتأكد من هذا سوى فتح الصناديق كلها وخرجنا من القصر وركبنا الخيل وتوجهنا لقصور أعمامى الواحد بعد الأخر وفى كل قصر نجد نفس الصحيفة ونفس الكلام الكل لم يصدق وأصيب بالذهول وكانوا فى غيبوبة عما حولهم ومن ثم كان لابد أن نتحدث حتى يفيقوا فقلت لهم وقد اجتمعنا فى قصر عمى الأصغر :لا سبيل للتأكد من صحة أوكذب الكلام إلا بالذهاب لقصور أولاد أعمامكم حتى نتأكد من الأمر وبالفعل سافر كل جمع لجهة وكانت النتيجة واحدة وكأنما قول الشاعر الذى قال :
وفى بطحاء مكة شر قوم وليسوا بالحماة ولا الغيارى
وإن رجال شيبة سادنيها إذا راحت لكعبتها الجمارى
قيام يدفعون الناس شفعا إلى البيت الحرام وهم سكارى
إذا أخذوا الزوائف أولجوهم وإن كانوا يهودا أو النصارى
قد صدق فى أجدادنا واجتمع القوم فى قصر أبى فقلت لهم :لا يهم ماذا كان الآباء فقد كان والد إبراهيم(ص)كافرا وهذا لم ينقص من شأنه وحتى والد محمد(ص)كان كافرا ومع هذا لم يقلل هذا من شأنه إنكم الآن بين خيارين الأول أن تسلكوا مسلك الاباء فتصبحوا مثلهم كفارا بالإسلام الذى حرفوه والثانى أن تكونوا مسلمين حقا فتتركوا العمل بوصية الآباء وعلى كل واحد منكم أن يختار مصلحته وتركت القوم بعدها وقد ظلوا حيارى لا يدرون ماذا يفعلون عدة أشهر فمنهم من عقل وقرر البقاء على الإسلام حتى ولو كان إسلاما محرفا ومنهم من جن وأصبح مجنونا يهيم فى القفار والصحارى أما أنا فكانت مصيبتى أعظم منهم فقد أصبحت كاذبا فى أمر المهدى إذا كان من ضمن تحريف القوم للإسلام .
عن حسن المعرى عن أبى العلاء بن عربى قال حدثنا ابن منصور صاحب المهدى قال :
لما تجالس والد المهدى مع والد العروس كى يبلغه برأيهم فى الزواج قال حسان وقد أعد فى نفسه كلاما حتى يخفف وقع الرفض على الرجل :
تعلم يا ابن عم أن شرط الزواج هو القبول ولما عرضت الأمر على كنت فرحا مسرورا لأن هذا يزيد من الأواصر بيننا ولكن كما تعلم أن جدنا عليه الصلاة والسلام قال "لا تنكح البكر حتى تستأمر قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت "(صحيح البخارى كتاب النكاح ج ص )ومن ثم فقد عملت بسنة جدنا وأخذت رأى الفتاة فرفضت متعللة بأن لها رغبة فى ابن عم أخر لها يريد زواجها وقالت أنها لا تعرف المهدى ولم تره ولو مرة فى حياتها ومن ثم كيف تقبله زوجا والزواج قائم على المعرفة أولا ؟فقال عبد الله :هذا حقها
فقال حسان أرجو أن تبلغ سلامى للمهدى وتكرر شديد أسفى على الرفض فقال عبد الله أفعل إن شاء الله وعاد عبد الله لولده وقال له أكره أن أخبرك بما جئت به فابتسم المهدى لقد رفضت الفتاة هذا أمر عادى فقال الوالد وهو يربت على كتفه لقد كان حسان محرجا خجلا عندما أخبرنى الخبر فقال المهدى هذه ليست نهاية العالم لا تفكر كثيرى فى هذا .
ومضت مدة على الأمر حتى جاء يوما دخل فيه على المهدى رجل من جند حسان مبايعا له على الجهاد تحت إمرته فسأله المهدى بعد المبايعة عن الفتاة بنت حسان فقال هل تزوجت فلانة ابنة حسان من ابن عمها ؟فقال الرجل لا لم تتزوج البنت ولم تعلم بأمر طلبك لها فاستشاط المهدى غضبا ولكنه بعد قليل أمسك زمام نفسه فسأل الرجل وما أدراك بهذا ؟فقال الرجل كنت من الحرس الخاص بالأمير حسان وقد سمعته يتشاور مع أولاده فى أمر زواجك من أختهم وفى الحقيقة كان الأمير حسان موافقا وسعيدا ولكن أولاده رفضوا الأمر من البداية متعللين – ولا تؤاخذنى بكلامهم – بأنك كاذب ضحكت على الناس فى أنك المهدى رغم أن المهدى كما يقولون لابد أن يكون من الفرع الحسنى طبقا لحديث أبى داود فى سننه "قال على رضى الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن إن ابنى هذا سيد كما سماه النبى (ص)وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فى الخلق ولا يشبهه فى الخلق يملأ الأرض عدلا(ج4حديث 4290)فضحك المهدى وقال كلمة لم أفهمها وهى آه لو علم هؤلاء الأوغاد ما علمنا من الأمر ما رفضوا أبدا فقلت ولكن إحقاقا للحق فقد جادلهم الأمير حسان واحتج عليهم بحديث "المهدى من عترتى من ولد فاطمة (أبو داود ج 4 حديث 4284)مبينا لهم أن هذا الحديث لم يبين أن المهدى من أى فرع من الفروع ومن ثم فهو يخرج من أى فرع فيهم فقال المهدى ضاحكا حق على السفر إليهم لكى أعرفهم الحقيقة فقلت لا يا مولانا لا تحارب أولاد عمك من أجل مسألة لا تستحق غضبك عليها فقال وهو يربت على ظهرى هون عليك فلا حرب ولا قتال وفى خلال أيام سافر المهدى مع بعض من جيشه للطالقان بعد أن أرسل للأمير حسان رسولا يخبره بحضوره لقصره فتوجس الأمير حسان من حضور المهدى لقصره ورأى أن هنالك من أوصله السبب الحقيقى لرفض زواجه ولكنه لم يعلم ما أتى له المهدى بالضبط فأخذنى المهدى معه فتوسلت له ألا أذهب معه لهناك فقال لى لا تخف فلن أخبرهم شىء عن ما حكيت لى ولما وصلنا لقصر الأمير حسان استقبلنا الأمير والأولاد وأقيمت الولائم وأفسح الأمير للمهدى مكان الصدارة وأجلسه على كرسيه وبعد أن انفضت الولائم قال لمهدى للأمير يا عم اصرف هؤلاء الناس وابق أولادك ومن هنا من إخوتك ،استجاب الأمير للطلب فصرف الناس وأبقى أولاده وإخوته ولما خلت القاعة عليهم قال المهدى وهو يمسك بصندوق طوله شبرين فى شبرين :ألا يذكركم هذا الصندوق بشىء ؟فرد الأمير حسان بلى يذكرنا بوصية الآباء لنا وقال أخوه جعفر نعم إن فى قصر كل واحد منا صندوق مماثل له وعند هذا قال المهدى لهم أليس غريبا أن أحدا من الحاضرين هنا أو غير الحاضرين من سلالة النبى(ص)لم يفكر يوما أن يفتح الصندوق ليعلم ما فيه؟فقال الأمير علام هذا صحيح فهذه الصناديق مقفلة من يوم أن تسلمها كل واحد منا من والده عند هذا قال هاشم بن حسان ماذا تريد يا محمد بن عبد الله بهذا الكلام ؟فقال المهدى ألا تقول لى يا هاشم يا مهدى ؟فأعرض هاشم بوجهه فقال الأمير حسان هل تريد منا فتح الصناديق كلها هنا ؟فقال المهدى نعم أريدكم أن تحضروا صناديقكم ويقوم كل واحد منا بفتح صندوقه أمام الأخرين لنعرف فى وقت واحد ما ظللنا نجهله طوال سنوات طويلة فقال عمر بن حسان يا ترى ماذا يوجد فى هذه الصناديق ؟فقال على بن حسان إن الوصية لا تكون عند الموت إلا بالإسلام وهذا الأمر لا يحتاج إلى كتابتها ووضعها فى صناديق لأنها موجودة فى المصاحف كلها إن هذا لأمر عجيب ،بعد هذا قال المهدى موعدنا بعد يومين فى هذه القاعة عصرا لنفتح الصناديق ،انصرف الإخوة وذهبوا لقصورهم التى كانت قريبة من قصر الأمير حسان وأحضر كل منهم صندوقه وفى الموعد المحدد اجتمع المهدى معهم وقال لهم ليفتح كل واحد منكم صندوقه ويقرأ ما فيه وفتحوا الصناديق وأخرجوا الصحف وبدأ كل منهم يقرأ فلاحظت أن الكل عدا المهدى بدأ وجهه يتلون بألوان مختلفة ومنهم من ضرب كفا بكف ومنهم من لطم على خديه ومنهم من جلس على الأرض صامتا لا يحرك ساكنا ومنهم من وضع عينيه فى الأرض وأمسك بدماغه بين كفيه وعند هذا قال المهدى :
ليرى كل واحد منكم صحيفته للأخر حتى يعرف أن الكلام المكتوب كله واحد ،لم يستجب أحد للكلام فالكل كان فى حالة ذهول تام عما حوله فأيقنت أن المسألة أخطر مما تخيلت ما الذى يجعل أناسا فى عقل وسلطة هؤلاء يصيبهم الذهول من مجرد صحيفة مكتوبة ؟لابد أنه أمر عظيم لا يتوقعه عقل أيا منهم .
تركهم المهدى وخرج وخرجت معه وبعد وقت طويل عاد المهدى للقاعة فوجد بعضهم قد أفاق والبعض الأخر ما زال الذهول مسيطرا عليه فتوجه المهدى بحديثه لأولاد حسان فقال يا على يا عمر يا هاشم ما رأيكم فى المهدى هل يرفض فى الزواج بعد أن قرأتم الصحيفة ؟لم يتكلم أحد منهم ولم ينبت ببنت شفة فقال المهدى عرفتم الآن أن آباءنا كانوا سواء لا يتميز أحد منهم على الأخر ومن ثم زال سبب رفضكم زواج أختكم حتى أنا زالت عنى صفة المهدى وأصبحنا سواء
فى الحقيقة لم أفهم شىء فهو كلام غامض ولكن ما فهمته أن هناك كذبة كبرى أظهرتها الصحف وكنت أريد مد يدى لصحيفة منهم وأقوم بقراءة ما فيها ولكنى خفت من هذه الوجوه المذهولة المتحيرة التى لا تتوقع منها فى تلك الساعة إلا الشر المستطير فأيقنت أننى لو مددت يدى فستقطع يدى ومن بعدها رقبتى أو ستقطع رقبتى أولا فقال جعفر بن حسان بعد طول صمت قد يكون كل هذا كذبا فقال المهدى اذهب لكل قصور الفاطميين والعلويين وغيرهم من الأشراف فى أى مكان فى العالم واستخرج صناديقهم ستجد نفس الصحيفة فقال جعفر ماذا سنفعل ؟فضحك المهدى وقال أمامكم خياران الأول أن تكفروا كالأباء والثانى أن تظلوا على الإسلام المحرف وتبحثوا عن الحق .
كلام كله ألغاز لم أفهم شىء منه بعد كل هذا العمر فى خدمة المهدى .
عن عفراء جارية المهدى قالت :
لما عاد المهدى من رحلته للأمير حسان كان شاردا منطويا دخل خلوته وطلب ألا يدخل عليه أحد حتى يطلبه هو وظل فى الخلوة أياما لا يتكلم إلا مع الخدم الذى يقدمون له الطعام والشراب كلاما مختصرا ،حكى لى فيما بعد أنه كان يفكر كيف يسلك فى حياته بعدما علمه من كفر أبائه فقلت له يا سيدى كلنا لنا فى أصولنا كفارا من الأجداد فحتى النبى (ص)الكريم كان أبوه وجده وكثير من أعمامه كانوا كفارا وحتى على بن أبى طالب كان والده كافرا ومن ثم لا يضيرك هذا الأمر فقال صدقت يا عفراء فقلت يا سيدى إن الله يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى "ومن ثم فأنت لا تتحمل عقاب شىء مما عملوا فقال أعرف هذا جيدا ولكن ما يحز فى نفسى هو ثم سكت وأطال فترة السكوت فقلت له تقصد الفضيحة أو الإعتراف أمام الناس بأنه لا يوجد حسن أو حسين وأنك لست المهدى لأنه لا يوجد فى الإسلام إنسان يدعى المهدى ؟!قال بامتعاض هذا قصدى فقلت له لو فكرت تفكير المسلم لقلت الحق ولو كان مرا فقال ضاحكا هناك مشكلة أكبر من الاعتراف وهى ما بعد الاعتراف وهى الألوف المؤلفة فى الأرض التى تؤمن بالمهدى وفجأة يعلن المهدى لها أنه كذاب وعلى الباطل ماذا يكون ردهم على الإعتراف؟قلت له يا سيدى ردهم لا يمكن توقعه فغالبيتهم من الفقراء والمحتاجين وغضبة هؤلاء تكون مدمرة فى الغالب فقال لى وهو يمسك دماغه بين يديه غالبا سيقتلوننى وإما سيكذبوننى ويقولون أننى جننت أو أصابنى أحد بسحر هذه هى النتيجة المتوقعة من الإعتراف
قال مخارق بن الكميت تابع المهدى :
خرج المهدى وأنا معه لخارج حدود دولتنا وعبرنا للدولة التى يقودها الفقيه بن حذافة فسألته يا سيدى أين نحن ذاهبان ؟فرد لدار الفقيه فقلت له تذهب لألد أعدائك فى داره؟!فضحك ضحكة باهتة وقال هذا جنون فقلت يا سيدى سامحنى فى سؤالى لماذا ؟فرد أريد أن أعرف طريق الخروج من المأزق الذى أنا فيه قلت أى مأزق ؟فقال كونى المهدى
ولما وصلنا عاصمة الدولة سألنا عن دار الفقيه فأخبرنا بعضهم عن مكانها ولما جئنا عندها لم نجد حرسا فطلبنا الإذن بالدخول فطلع الرجل ورد السلام وقال تفضلوا بالدخول فدخلنا للبيت المتواضع الذى لا يدل على كون الرجل حاكم دولة طويلة عريضة وأجلسنا الرجل فى حجرة الضيوف ثم نادى على أهل الدار طالبا منهم الطعام فأحضروه فأكلنا وشربنا وحمدنا الله على نعمه وبعد الأكل قال الفقيه خيرا إن شاء الله فقال المهدى أنا المهدى فقال الفقيه كلنا مهديون بأمر الله فكرر المهدى قوله أنا المهدى الذى تحاربه فقال الفقيه ما سبب حضورك؟فأجاب لأنى عرفت أننى لست المهدى فتساءل الفقيه ولما زعمت من البداية أنك هو ؟فضحك المهدى وقال لم أقل لأحد فى العالم كله أننى المهدى المذكور فى الأحاديث الموضوعة فقال الفقيه كيف أصبحت المهدى إذا ؟فقال اسم أطلقه الأطفال والناس على فى طفولتى لهدوئى والتصق بى وزاد الطين بلة أن اسمى هو محمد ووالدى عبد الله فأصبح مطابقا للأحاديث وزاده أكثر كون أبى من الفرع الحسينى المزعوم واستغل هذا شيعة أهل البيت ودعوا الناس لنصرى والإيمان بى فى الخفاء والعلن وجيشوا الجيوش وبنوا عاصمة الدولة وأصبحت المهدى دون أن أقول هذا فقال الفقيه لما جئت إلى ؟فرد جئت أسألك نصيحة المسلم للمسلم فتساءل الفقيه فيما ؟فقال المهدى لقد اكتشفت حقيقة مرة وهى أنه لا يوجد لا حسن ولا حسين ولا مهدى ولا أشراف ولا عائلة نبوية وأنها كذبة كبرى قام بها رؤساء أهل الأديان القدامى الذين هدموا دولة الإسلام وحولوها لدولة كافرة يدعى كل منها أنه دولة إسلامية فقال الفقيه ما المطلوب تحديدا منى؟ فرد تقول لى ماذا أفعل ؟فسأله الفقيه هل تريد أن تكون على الحق أم على الباطل ؟فأجاب قطعا على الحق فقال الفقيه بداية الآباء والأجداد أمة قد خلت لا تحاسب عما فعلوا ولا يحاسبون عما تفعله كما قال تعالى بسورة البقرة "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يفعلون "وأما الإعتراف أمام الناس بالحقيقة فواجب عليك طالما تريد الحق فقد قال الله فى المسلمين بسورة الأحزاب "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله "وقال بسورة المائدة "ولا يخافون لومة لائم "ومن ثم عليك ألا تخاف من الفضيحة أو من رد فعل أنصارك السابقين لأنك لو وضعتهم فى نفسك لأدخلوك النار لأنك لو وضعتهم فى نفسك لأدخلوك النار لأنك ستخاف منهم ومن ثم ستطيعهم فيما تعلم أنه باطل وكذب فقال المهدى ولكنى أريد أن أهدى هؤلاء الناس الذين ضلوا بسببى فقال الفقيه أنت لست سبب فى ضلال أحد إنهم كانوا ضالين من عند أنفسهم لأنهم لم يفكروا فى الأمر ولم يسمعوا حجج المكذبين لخرافة المهدى فقال المهدى من الصعب على نفسى أن أكون سببا فى دخول الألوف المؤلفة من الناس النار فابتسم الفقيه وقال وهل أنت أفضل من النبى (ص)الذى قال الله له"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء "الإهتداء ليس من عند الأخر وإنما من النفس المريدة له فقال المهدى وماذا تقترح على أيضا ؟فقال الفقيه تبقى معنا فى دولة المسلمين ولا تعود لمملكتك لأنك ستقتل لو أعلنت الحقيقة هناك وسيكون قتلك ليس على أيدى العامة كما تظن وإنما على يد أقاربك الذين يخشون من الفضيحة فقال المهدى إن شاء الله أفعل