الراحة
جلس عزت بن منير فى حجرة الجلوس ببيته وقد وضع رأسه بين كفيه وقد راح فى غم عظيم بسبب إجراءات التغيير التى لحقت به وبعد لحظات دخلت زوجته مهموما وجلست بجانبه وقالت له :مالك يا حبيبى ؟رد يعنى لا تعرفين فقالت وهى تهز رأسها أعرف أنك مهموم بسبب المصنع والفلوس اللى صادروها ولكن الهم لن يأتى بشىء من ذلك ،هز رأسه وامتعض وقال وأخر الأخبار إنى عينونى موظف فى مصنعى بمرتب مثل مرتب أى موظف فى المصنع ،ابتسمت المرأة وقالت بصراحة يا حبيبى اجراءات التغيير فوائدها أكثر من ضررها خاصة عندنا فمثلا أنا قبل التغيير كنت لا أشوفك إلا عند العشاء وأما الآن فأنت أمامى من الظهر حتى الصبح والأولاد أيضا يعنى التغيير خلا فيه جو عائلى ،قال عزت بزهق يعنى كان ناقصكم حاجة ،قالت المرأة كان ناقصنا أهم شىء فى حياتنا هو وجودك معنا :قال فهمينى يمكن أنا لا أفهم ،ضحكت المرأة وقالت أنت أحسن من يفهم ولكن سأسألك سؤال قال قولى قالت هل لو استمررت فى الهم ستقدر على تغيير الوضع ؟قال لا قالت إذا ففيما الهم ؟وعموما التغيير شىء حسن وتساءل عزت قائلا فهمينى ربنا يقول "يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر "وهذا يعنى وجود الغنى والفقير كيف يأتى هؤلاء ويقولون لا يوجد أغنياء وفقراء وإنما الكل سواء ؟ردت المرأة فقالت صحيح ربنا أعطانا العطايا درجات ولكن هذه العطايا الإلهية كثير منها أتى من طرق الحرام ولذا لابد من مصادرة الحرام وقال عزت يعنى مصنعى كان من حرام ؟قالت أصله حرام والدليل إن جدك عمله بالفلوس اللى باع بها الأرض التى أعطاها الحاكم له والأرض الزراعية فى الأصل لا تباع ولا تشترى لأنها أرض فتح وأرض الفتح لا تملك لأحد لأنها ملك كل المسلمين قال قولى وضحى قالت المرأة لو أنت قرأت الكتاب الذى يشرح التغييرات الإقتصادية لعرفت الحقيقة قال وهو يتكىء على الكرسى يعنى كنت سأعرف ماذا ؟قالت كنت ستعرف أن المسلمين شركاء فى كل شىء من المال بدليل قوله تعالى "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "فوراثة الأرض لكل الصالحين وليس لبعضهم قال متسائلا طيب يا فالحة كيف يكون هناك أغنياء وفقراء ؟ردت إن أى نظام يكون فيه أغنياء وفقراء يعنى وجود ظلم ولكن عليك أن تفهم أن اقتصاد الدولة الإسلامية يمر بمرحلتين الأولى مرحلة المساواة وهى أن يشترك الكل فى الإنتفاع سواء بالرضا أو بالإجبار وأمامك ما حدث من الأنصار أيام النبى (ص)فقد تنازلوا راضين عن أموالهم وفى هذا قال تعالى بسورة الحشر "والذين تبوءوا الدار وإلإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة "تساءل والمرحلة الثانية هر مرحلة نشوء الفروق بين المسلمين حيث يصبح هناك أناس على مستوى عالى من وجود المال وأناس على مستوى متوسط والأسباب التى يرجع لها الفرق هى أسباب محللة قال وما أسباب الغنى الحلال ؟قالت مجيبة أسباب الغنى الحلال تتمثل فى الإدخار ووراثة مال الأقارب والهبات والديات والغنيمة الجهادية يعنى بصراحة معظمها أسباب لا دخل للإنسان بها ،تساءل وهل التجارة حرام ؟قالت ضاحكة لو نظرت فى الكتاب لعرفت أن التجارة أمر من أمور الباطل بدليل قوله بسورة النساء "ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة "ورغم كون التجارة باطل أى لا أساس صحيح لها والمراد لا أساس عادل لها فقد حللها الله بشرط هو التراضى بين البائع والمشترى فقال بنفس الآية "إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم "وقد عملت قيادة التغيير على إلغاء التجارة الفردية وجعلتها تجارة عامة بمعنى أن كل واحد من الناس يبيع ويشترى فى نفس الوقت هذا إن جاز التعبير القائل تجارة فردية وجماعية ،قال لها وقد ظهر على وجهه الإمتعاض لماذا تدافعين عنهم ؟قالت بهدوء شديد أنا أدافع عنك بالدفاع عنهم قال لقد سلبونا ما نملك وجعلونا فى أسوأ حال قالت فكر معى وستعرف أننا كسبنا الكثير من التغيير قال ماذا كسبنا ردت فقالت كنا نصرف عشرة عشرين ألف فى الشهر والآن نصرف نصف ألف ولكن النصف نصرفه فى حاجاتنا الحقيقية أيام زمان كان الصرف على الخمرة والمزه والراقصات والمغنيين يعنى لو شطبت الصرف فى الحرام من الآلاف لوجدت أننا أحسن حال وأيضا صحتنا تحسنت بعد الإمتناع عن الخمر والكلام الفارغ قال بسخرية إيه قالت نحن نشعر الآن بأمان كنا زمان عاوزين نحوش ونكوش لأننا لا نضمن ما سيحدث لنا وأما الآن فأمان تام فالنظام يكفل لنا المرتب الشهرى والمعونات وقت الحاجة قال بزهق كل ما قلتيه لن يغير من اعتقادى أن الدنيا قائمة على وجود أغنياء وفقراء ،ابتسمت وقالت سأسألك سؤال قال لها تفضلى قالت هل فى بداية الخلق كان هناك غنى وفقير رد قائلا ماذا تقصدين قالت أقصد لما أدم (ص)وزوجته خلفوا العيال هل كان فيهم عيل غنى وعيل فقير ؟قاعد ساكت لماذا؟لم يكن هناك أغنياء وفقراء لأن الكل سواسية يملكون نفس الشىء قال فى هذا معك حق قالت فكر جيدا فى الكلمة التى قالوها فى بداية التغيير قال متسائلا وما قالوا ؟ردت لقد جئنا لإنقاذكم من النار ولو لم نفعل لذهبنا معكم إن إنقاذكم معناه إنقاذنا وقد ضربوا لنا مثلا فقالوا سنفرض أنكم ملاك السفينة وكلنا فى البحر وهاجت الأمواج وأتت العاصفة هل ستقولون ساعتها نريد النجاة أم ستقولون نريد السفينة سليمة إن فى ساعة الخطر لا توجد ملكية وإنما توجد رغبة فى النجاة وليتحطم الملك قال ضاحكا هذا مثال صادق فالإنسان يريد النجاة عند الخطر بنفسه حتى ولو فقد كل شىء يملكه قالت إن المغيرين يقولون فى ساعة الخطر سيتعاون الكل على إنجاء أنفسهم جميعا قال وقد علا وجهه الإبتسام زيدينى علما قالت لو نظرت فى قصص الأقوام مع الرسل (ص)لوجدت أن القصص كلها تدور حول محور واحد هو استغلال الأغنياء المال فى المحرمات وحرمان الفقراء منه وهذا المحور كان السبب فى نشوء أديان الباطل كلها ولذا حارب الأغنياء الرسل (ص)ولذا قال تعالى "وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها "وبعد أن أفنى الله الأقوام الأغنياء ومن معهم من الكفار رد الله الأموال للمؤمنين جميعا ولم يقل إنها لفلان وفلان دون فلان وفلان وأصبحت الأموال قسمة بينهم قال هذا يعنى أن الغنى قرين الكفر ؟قالت اقرأ قوله "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى "صحيح أن الإستغناء يدفع للطغيان ولكن الغنى يدفع أيضا للعدل فى حالة كون صاحبه عاقلا قال يعنى أنت معجبة بهذا الوضع ؟قالت نعم وأود لو أنك أخذت الأمر كما تأخذ أمر الطبيب فالطبيب لا يأمر المريض بما يضره قال الدواء هو النسيان .