كان يجلس مع زوجته يبثها شجوه وشجنه والبوادر تسيل من عينيه مدرارا كان يرتمى فى أحضانها كطفل صغير يشب على صدرها كى يسمع نبضات القلب التى هى كالدواء وهى تستمع إليه وتحنو وتجيل يديها على ظهره وهو يقول لها :
اعذرينى لم يعد فى قاموسى اللغوى كلام إلا كلام الشكوى والحزن لقد مات كلام الحب بعد كل هذا الحقد الأسود من أعز الناس على قلبى لكنه مؤقت وحتما سيعود كى نحيى جميعا فى الحب وللحب اعذرينى فدب الآثام أقوى من الحب فهو كثرة اصبرى فهذا طريقنا كتب علينا أن نسيره فتجيبه وهى تجيل يديها فى شعر رأسه الأبيض :
بعد هذه العشرة التى عشتها معك فى الحب والهناء تقول هذا الكلام أنا معك ولو ظللت تشتكى إلى أخر يوم فى عمرى أنا معك ولو بلغت الدنيا مبلغا بنا
فلم يسع حسنين أن يجيب ولكن دموعه كانت جوابه
وجاء اليوم المحدد وأقبل الأبناء بأزواجهم وأولادهم فاستقبلهم حسنين وزوجته استقبالا عظيما ولم يشأ أن يفاتحهم فى الموضوع إلا بعد أن يستريحوا هم وعائلاتهم وبدأ يلمح تلميحا بسيطا فى أحاديثه معهم ومر يومان فأصابهم القلق وأحس هو بقلقهم فجمعهم فقال لهم قبل أن نتحدث فى الموضوع يجب أن نصلى سويا فوافقوا متبرمين وصلى بهم وبعد الصلاة وقبل أن يبدأ يتحدث معهم طلب من وفاء أن تذهب لحجرتها كى ترعى وليدها ثم قال :
هناك مثل يقول إن النار إن لم تجد من تأكله أكلت نفسها وأنا لست مستعدا لأن أكون تلك النار التى تأكل نفسها ثم إنى لا أضى أن أطبق عليكم سياسة جوع كلبك يتبعك لأنكم لستم أعدائى وإنما أبنائى وأنتم اتبعتم معى أقسى جباية لحبى لكم وهى طلب المال من غير أن تعطوا شيئا حتى الكلمة الحلة والبسمة منعتوها عنى ومع ذلك أعطيتكم ولم أبخل ولم أضن عليكم بشىء مهما أجهدنى طلبه وغلا على ثمنه وتستغلون نقطة الضعف هذه ضدى ومع ذلك أعطيكم ولكنى قررت قرارا سيغير مصير حياتكم إما إلى سعادة أو جحيم فقاطعوه جميعا فى صوت واحد وهم متغيرى الوجوه ما هو ؟ابتلع ريقه وأخذ نفسه واستجمع قواه ثم قال صلوا على النبى عليه الصلاة والسلام فردوا عليه ألف صلاة وسلام فأكمل حديثه قائلا إن لم ينصلح حالكم معى وتتبدل نظم حياتكم قررت أن أكتب الميراث كله لوفاء وابنها ومع إن هذا جحود لكم لكنى لا أنكر أن لكم حق لكنكم أنت ستدفعوننى لذلك وبذلك أكون قد خسرتكم
صوبت الأنظار نحوه فى حدة وقسوة فغض عنهم طرفه الكليل قائلا ستقولون أن بى مس من جنون لكن لا والله ما بى من ذلك من شىء لكنى فى كامل قوتى العقلية فرد ابنه سعيد يا أبى ما تقصد بصلاح حالنا وتبديل نظم حياتنا فرد وهو يحك ذقنه بيديه قبل أن أجيب على سؤالك أجب عن هذا السؤال ما قصدى من وراء دعوتكم للصلاة ؟فرد لا أعرف فأجاب حسنين قائلا دعوتكم للصلاة كى أختبر مدى صلتكم بالله فظهر على وجوهكم التأفف والاستكاك والضجر كأن الصلاة هذه ليست من دينكم الذى تؤمنون به وكأنه لا يوجد إله حتى وأنتم تصلون خلفى رأيتكم من بين رجلى وراقبتكم فرأيت ما تبكى عليه العيون من الدمع والدم ووجدت نفوسكم قد شاخت وجدت عالمكم الشهوات ولا أقصد بانصلاح حالكم الصلاة وإنما كل شىء خاصة صلة الرحم أما تبدل نظم حياتكم فقصدت به ذلك الإسراف بغير وعى والطلب عند اللازم وغير اللازم قصدت فلذات أكبادكم أولادكم فى لباسهم وتخلف نفوسهم وفساد طويتها كأنى علمتكم ولم تعلموا شيئا وعدتم أغبياء فماذا أقول بعد هذا؟
قاطعه زوج ابنته الكبرى قائلا يا عمى حدد ما تريد ونحن ننفذه
فرد قائلا أريد الحب أريدكم أن تعرفوا أن الكنز الذى تغرفون منه سينضب فى يوم ما ولكن ماذا ستفعلون ساعتها بالقطع لن تشحذوا ولن تكدوا لأنكم لم تتعودا على الكد لأنكم مازلتم أطفال تعودتم أن تأتى لكم الأشياء وسيدفعكم هذا للنصب والاحتيال فرد سعيد وهو عابس الوجه لما تتصور يا أبى إننا أطفال إنا لنا حق عليك ولك حق علينا لكنك عودتنا على الأخذ دوما بلا عطاء
فرد حسنين لكن الإنسان عنده شىء اسمه الشعور وإذا فقده أصبح كأنه غير موجود أفبعد هذا الكلام لا تفهمون؟ لكن من الممكن أن تقولوا لى سنفعل بالألسنة لا القلوب وأنا ليس لى إلا الظاهر وأما الباطن فالله يعلمه كالظاهر لذا فسأربطكم بعهد الله وهذا هو المصحف وأخرج المصحف من جيبه لتقسموا على أن من يحيد منكم عن الجادة يسقط ميراثه
بدأ الجميع يتحاورون بالعيون ثم أجمعوا وكأنهم نفس واحدة على أن يجعل لهم فرص عدة كما فى المدرسة عندما يطلب التلميذ أن يعطيه المعلم فرصة للمذاكرة ثم يتكرر نفس الوعد
تكلم زوج ابنته الكبرى باسمهم جميعا فقال يا عمى أعطنا فرص بعد العهد يعنى إذا أخطأ أحدنا تسامحه هذه المرة وتعطيه فرصة أخرى فقال له حسنين اقسموا وقدم لهم المصحف فأقسموا على الوفاء بالعهد وعدم النكوص عنه وبعد هذا مضى كل منهم مصاحبا عائلته للبلد التى يعيش فيها بعد أن سكن قلب حسنين واطمأن للعهد
بعد ذلك انداجت أسارير حسنين وكشر فى وجه وفاء قائلا :
الحمد لله لقد نفسى ووقيتك بهذا القسم من حقد الأولاد .
بعد انقضاء هذه الزيارة كان الأبناء يطون إلى وكرهم الرءوم كل فترة حتى لا تسهو عن واجب عليها واجب تشتاق النفس وتتواق إلى القيام به حتى تمنع غضب الرب وترضى نفسها المجبولة على الخير وكان حسنين وزوجته وفاء وابنهم يحيون حياة كلها حب لا ينقطع عنه حرارة ودفء وحنان يملأ الصدر وشوق دائم وقر فى القلب وأحاطته شوامخ لا تقتلع تحميه من غدر الأيام ونوائب المستقبل وبينما هم فى الحب والسعادة يهيمون حتى مرض حسنين مرضا خفيفا عاوده عدة مرات حتى وقع فريسة سائغة للمرض فشل ذراعه الأيمن ورجله فجلست وفاء بجانبه وقلبها منفطر على زوج مهيض الجسد وطفل صغير جلست والبوادر لا تنى عن الانهمار حتى بلل ملابسها وشكل على وجهها شبكة من تقاطع الدموع مع بعضها وبينما هى غارقة فى البكاء استك حسنين من الأنين وطلب منها أن تتنهنه عن البكاء قائلا ما قدر الله كان وما لم يقدر لم يكن هذه مشيئته جل وعلا فلا تبكى بل قومى فلا يبكى إلا البليه
ردت وهى تمسح دموعها بقبضة يدها ما ذنب الولد وما ذنبى وما ذنبك فى أن يفعل الله بنا هذا ؟فرد وهو يربت على ظهرها ما زلت لا تفهمين أن الله يريد أن يختبر إيماننا وله فى ذلك طرق وحكم لا يعلمها إلا هو جلت قدرته فاصبرى فلكل صبر نهاية
لم تزد وفاء على أن قامت فحملت الولد وقبلته وأعطته لأبيه كى يقبله ويضمه إلى صدره الذى أنهكه الشلل
بعد ذلك شمرت وفاء عن ساعديها كى تعمل على راحة حسنين وتعتنى بابنها الصغير وما إن علم الأبناء بذلك حتى حطت رحالهم عند أبيهم يعادونه ويبثون فيه نفس المقاومة ويدعون الله أن يبرئه من المرض وأن يطيل عمره وبعد أن كانوا يحطون رحالهم كل شهر أصبحت تحط كل أسبوع حتى تمتلأ العين منه وتستعيد القلوب راحتها وقيضت وفاء نفسها على الوضع الجديد وجشمت نفسها ما لا طاقة لها به حتى أصبحت كالبلسم فلقد تغلبت على نفسها وحزمتها عندما أصبح حسنين غير قادر على مباضعتها وهى من هى خلقة جمالا وشبابا يموج جسدها بالحيوية والنشاط لقد فكرت كثيرا واستكت نفسها من الإنشغال فلقد ظلت عدة أيام تتحرق شوقا للمباشرة وزين لها الشيطان خلالها أن تخون زوجهاولكنها كانت تنجذب إلى زوجها بدافع دفاق لا تعرف مصدره بيد أن الأيام الخوالى تترائى أمامها وقلبها يكاد يثب من موضعه وتكاد نياطه أن تتقطع ووجهها يعلوه الاصفرار وتصيبه الرعشة ونفسها فى عرك كشقى الرحى لكن شيطانها استمر فى الضرب على الوتر الحساس فى النفس ويتسلل لها ينفخ فيها من سمومه حتى يتقد الجسد وتتصور النفس عمل أشياء هى فى الحقيقة دنس يستحق إزهاق النفس وسحق الجسد وبعد جلسات مع النفس التى جبلت على عمل الخير أحست أن إنشغالها ذهب بعيدا جدا إنشغال كان سيغير مجرى حياتها تغييرا جذريا انشغال كان سيسبب خيانة لله وللزوج وللابن انشغال كان سيسجنها فى سجن بلا أسوار يلفح الوجه ويحرق الجسد يجعل الأرض تتنكر للإنسان تضيق وتقبض على الأضلاع بقسوة وتضغط على الجسم بعنف وشدة وقد نتج عن الإنشغال قلة الاتصال بناس وعدم وجود جارات غير واحدة تشارك زوجها العمل فى البقالة مما جعلها فى حوار مستمر مع نفسها سبب لها القلق ومما زاد القلق مرض حسنين الذى يكاد يكون الصلة الوحيدة لها مع الناس
كان حسنين يعرف مدى معانتها من جراء ذلك وكانت عينيه تنطق بما عجز عنه لسانه ولكن حسنين رفض أن يكون جليس الفراش فقاوم ولم يقتنع أبدا بأن يحرم من حرية الحركة وهو على قيد الحياة ،لما يعيش إن لم يعامل الناس يشاهدهم يتحدث معهم يصلى معهم وكانت الصلاة تؤرق حسنين وتجعله يسهد حتى ينام وهو جالس فهو لا يريد أن يضيف عبء جديد على وفاء ويريد أن يرضى نفسه بالصلاة فى المسجد وفجأة انهارت مقاومته لكن رضا نفسه غلبه على رضا وفاء لذا فكان على وفاء أن تسانده إلى المسجد وهو ما لا طاقة لها به ولكنها فعلت وأحس حسنين بثقل العب الواقع على وفاء فقصر ذهابه على يوم الجمعة وكان يصلى بقية الصلوات فى البيت ولم يكد حسنين يسلخ عامه الثانى حتى بخع عليه المرض فأصبح هناك فى البيت طبيب يكشف عليه أسبوعيا حتى مل العلاج والأطباء وأصبح يتجرع مرارة المضض فى صمت ووفاء حائرة متهدجة القلب لا يرقأ لها دمع تكاد دمائها تنبجس من عروقها ونفسها أصبحت تحمل عب أكبر من الأرض أصبحت ترتجف مع كل بكاء لصغيرها ترتعب فى نفسها عند سماع آهات زوجها أصبحت كأنها من طالبى الموت
بدأ حسنين يضيق صدرا بالحياة ويتمنى فى كل لحظة الموت لأن الحياة أصبحت رتيبة نوم كثير وحديث قليل ودواء بميعاد ضل الطريق وابن صغير وزوجة أنهكها التفرغ للزوج والابن والابن المجنون وجلوس طويل لا قراءة فى الكتب طويلة ولا حديث مع الخلان 000ولا 000ولا 000إلخ .
ولج حسنين إلى انشغال جديد فلقد بدأ يفكر فى أن يطلق وفاء من أجل أن يسعدها لكن من يخدمه وابنه فلذة كبده أيتركه لغريب يتجهمه ومحمد من يرعاه ولم يستطع أن يخفى الأمر عنها فبادرها قائلا :
اسمعى يا بنت الناس أنا أعرف إنك متضررة من هذا الوضع فقاطعته قائلة ومن قال إنى متضررة فقال أنا عندى إحساس ومدرك لأحاسيسك فردت وهى تقبله فى جبهته وهل قلت لك أنى تضايقت من الحياة معك فرد محتدا من حقك أن تطلبى منى الطلاق لأنى لم أعد قادر على أن أنظر فى عينيك لأنهما تنطقان بما عجز عنه اللسان إنك صغيرة أريدك أن تستمتعى بحياتك فلا تضيعى وقتك هباء فردت وقد علا صوتها كأنه صراخ مجنون مجنون وابننا أين يذهب أنت تهذى أطلبتها منك منذ شللت أظهر على التأفف وأنا أرقد بجانبك أأثرتك مرة إنى من يومها وأنا حريصة على مشاعرك نعم خضعت لك بالقول ولكن ليس من باب الشهوة بل من باب عدم الملل والخوف عليك فرد وقد عبس وجهه لأول مرة ترفعى صوتك على وتسبينى فردت قائلة مضطرة كى أدافع عن حقى وقد قلت لى أنه ما ضاع حق ورائه مطالب به وقلت أيضا أن التخمين قد يخطىء وقد يصيب وإحساسك قد خمن خطأ فرد والدموع تملأ عينيه سامحينى فردت بل سامحنى أنت واحتضنته كطفل صغير طال غيابه عن أمه فى عالم حياته منصبة على المال والجسم يعبأ الملهوف منه ويذوق عاشق الأجساد كم كبير عالم فقير العاطفة يسير كالترس وبين أهله صلة رحم عالم امتلأ بالجرائم التى تنزف فيها دماء المئات كل إنسان عبد نفسه إله وحاد عن نور البينات كل قال لم يعد هناك وقت لعبادة رب السموات كل نزع إلى المال والجسد ولا يريد سوى المزيد عالم باع فيه الجبناء الأقوات عالم علم ولم يتعلم وعاد جهال .
اعذرينى لم يعد فى قاموسى اللغوى كلام إلا كلام الشكوى والحزن لقد مات كلام الحب بعد كل هذا الحقد الأسود من أعز الناس على قلبى لكنه مؤقت وحتما سيعود كى نحيى جميعا فى الحب وللحب اعذرينى فدب الآثام أقوى من الحب فهو كثرة اصبرى فهذا طريقنا كتب علينا أن نسيره فتجيبه وهى تجيل يديها فى شعر رأسه الأبيض :
بعد هذه العشرة التى عشتها معك فى الحب والهناء تقول هذا الكلام أنا معك ولو ظللت تشتكى إلى أخر يوم فى عمرى أنا معك ولو بلغت الدنيا مبلغا بنا
فلم يسع حسنين أن يجيب ولكن دموعه كانت جوابه
وجاء اليوم المحدد وأقبل الأبناء بأزواجهم وأولادهم فاستقبلهم حسنين وزوجته استقبالا عظيما ولم يشأ أن يفاتحهم فى الموضوع إلا بعد أن يستريحوا هم وعائلاتهم وبدأ يلمح تلميحا بسيطا فى أحاديثه معهم ومر يومان فأصابهم القلق وأحس هو بقلقهم فجمعهم فقال لهم قبل أن نتحدث فى الموضوع يجب أن نصلى سويا فوافقوا متبرمين وصلى بهم وبعد الصلاة وقبل أن يبدأ يتحدث معهم طلب من وفاء أن تذهب لحجرتها كى ترعى وليدها ثم قال :
هناك مثل يقول إن النار إن لم تجد من تأكله أكلت نفسها وأنا لست مستعدا لأن أكون تلك النار التى تأكل نفسها ثم إنى لا أضى أن أطبق عليكم سياسة جوع كلبك يتبعك لأنكم لستم أعدائى وإنما أبنائى وأنتم اتبعتم معى أقسى جباية لحبى لكم وهى طلب المال من غير أن تعطوا شيئا حتى الكلمة الحلة والبسمة منعتوها عنى ومع ذلك أعطيتكم ولم أبخل ولم أضن عليكم بشىء مهما أجهدنى طلبه وغلا على ثمنه وتستغلون نقطة الضعف هذه ضدى ومع ذلك أعطيكم ولكنى قررت قرارا سيغير مصير حياتكم إما إلى سعادة أو جحيم فقاطعوه جميعا فى صوت واحد وهم متغيرى الوجوه ما هو ؟ابتلع ريقه وأخذ نفسه واستجمع قواه ثم قال صلوا على النبى عليه الصلاة والسلام فردوا عليه ألف صلاة وسلام فأكمل حديثه قائلا إن لم ينصلح حالكم معى وتتبدل نظم حياتكم قررت أن أكتب الميراث كله لوفاء وابنها ومع إن هذا جحود لكم لكنى لا أنكر أن لكم حق لكنكم أنت ستدفعوننى لذلك وبذلك أكون قد خسرتكم
صوبت الأنظار نحوه فى حدة وقسوة فغض عنهم طرفه الكليل قائلا ستقولون أن بى مس من جنون لكن لا والله ما بى من ذلك من شىء لكنى فى كامل قوتى العقلية فرد ابنه سعيد يا أبى ما تقصد بصلاح حالنا وتبديل نظم حياتنا فرد وهو يحك ذقنه بيديه قبل أن أجيب على سؤالك أجب عن هذا السؤال ما قصدى من وراء دعوتكم للصلاة ؟فرد لا أعرف فأجاب حسنين قائلا دعوتكم للصلاة كى أختبر مدى صلتكم بالله فظهر على وجوهكم التأفف والاستكاك والضجر كأن الصلاة هذه ليست من دينكم الذى تؤمنون به وكأنه لا يوجد إله حتى وأنتم تصلون خلفى رأيتكم من بين رجلى وراقبتكم فرأيت ما تبكى عليه العيون من الدمع والدم ووجدت نفوسكم قد شاخت وجدت عالمكم الشهوات ولا أقصد بانصلاح حالكم الصلاة وإنما كل شىء خاصة صلة الرحم أما تبدل نظم حياتكم فقصدت به ذلك الإسراف بغير وعى والطلب عند اللازم وغير اللازم قصدت فلذات أكبادكم أولادكم فى لباسهم وتخلف نفوسهم وفساد طويتها كأنى علمتكم ولم تعلموا شيئا وعدتم أغبياء فماذا أقول بعد هذا؟
قاطعه زوج ابنته الكبرى قائلا يا عمى حدد ما تريد ونحن ننفذه
فرد قائلا أريد الحب أريدكم أن تعرفوا أن الكنز الذى تغرفون منه سينضب فى يوم ما ولكن ماذا ستفعلون ساعتها بالقطع لن تشحذوا ولن تكدوا لأنكم لم تتعودا على الكد لأنكم مازلتم أطفال تعودتم أن تأتى لكم الأشياء وسيدفعكم هذا للنصب والاحتيال فرد سعيد وهو عابس الوجه لما تتصور يا أبى إننا أطفال إنا لنا حق عليك ولك حق علينا لكنك عودتنا على الأخذ دوما بلا عطاء
فرد حسنين لكن الإنسان عنده شىء اسمه الشعور وإذا فقده أصبح كأنه غير موجود أفبعد هذا الكلام لا تفهمون؟ لكن من الممكن أن تقولوا لى سنفعل بالألسنة لا القلوب وأنا ليس لى إلا الظاهر وأما الباطن فالله يعلمه كالظاهر لذا فسأربطكم بعهد الله وهذا هو المصحف وأخرج المصحف من جيبه لتقسموا على أن من يحيد منكم عن الجادة يسقط ميراثه
بدأ الجميع يتحاورون بالعيون ثم أجمعوا وكأنهم نفس واحدة على أن يجعل لهم فرص عدة كما فى المدرسة عندما يطلب التلميذ أن يعطيه المعلم فرصة للمذاكرة ثم يتكرر نفس الوعد
تكلم زوج ابنته الكبرى باسمهم جميعا فقال يا عمى أعطنا فرص بعد العهد يعنى إذا أخطأ أحدنا تسامحه هذه المرة وتعطيه فرصة أخرى فقال له حسنين اقسموا وقدم لهم المصحف فأقسموا على الوفاء بالعهد وعدم النكوص عنه وبعد هذا مضى كل منهم مصاحبا عائلته للبلد التى يعيش فيها بعد أن سكن قلب حسنين واطمأن للعهد
بعد ذلك انداجت أسارير حسنين وكشر فى وجه وفاء قائلا :
الحمد لله لقد نفسى ووقيتك بهذا القسم من حقد الأولاد .
بعد انقضاء هذه الزيارة كان الأبناء يطون إلى وكرهم الرءوم كل فترة حتى لا تسهو عن واجب عليها واجب تشتاق النفس وتتواق إلى القيام به حتى تمنع غضب الرب وترضى نفسها المجبولة على الخير وكان حسنين وزوجته وفاء وابنهم يحيون حياة كلها حب لا ينقطع عنه حرارة ودفء وحنان يملأ الصدر وشوق دائم وقر فى القلب وأحاطته شوامخ لا تقتلع تحميه من غدر الأيام ونوائب المستقبل وبينما هم فى الحب والسعادة يهيمون حتى مرض حسنين مرضا خفيفا عاوده عدة مرات حتى وقع فريسة سائغة للمرض فشل ذراعه الأيمن ورجله فجلست وفاء بجانبه وقلبها منفطر على زوج مهيض الجسد وطفل صغير جلست والبوادر لا تنى عن الانهمار حتى بلل ملابسها وشكل على وجهها شبكة من تقاطع الدموع مع بعضها وبينما هى غارقة فى البكاء استك حسنين من الأنين وطلب منها أن تتنهنه عن البكاء قائلا ما قدر الله كان وما لم يقدر لم يكن هذه مشيئته جل وعلا فلا تبكى بل قومى فلا يبكى إلا البليه
ردت وهى تمسح دموعها بقبضة يدها ما ذنب الولد وما ذنبى وما ذنبك فى أن يفعل الله بنا هذا ؟فرد وهو يربت على ظهرها ما زلت لا تفهمين أن الله يريد أن يختبر إيماننا وله فى ذلك طرق وحكم لا يعلمها إلا هو جلت قدرته فاصبرى فلكل صبر نهاية
لم تزد وفاء على أن قامت فحملت الولد وقبلته وأعطته لأبيه كى يقبله ويضمه إلى صدره الذى أنهكه الشلل
بعد ذلك شمرت وفاء عن ساعديها كى تعمل على راحة حسنين وتعتنى بابنها الصغير وما إن علم الأبناء بذلك حتى حطت رحالهم عند أبيهم يعادونه ويبثون فيه نفس المقاومة ويدعون الله أن يبرئه من المرض وأن يطيل عمره وبعد أن كانوا يحطون رحالهم كل شهر أصبحت تحط كل أسبوع حتى تمتلأ العين منه وتستعيد القلوب راحتها وقيضت وفاء نفسها على الوضع الجديد وجشمت نفسها ما لا طاقة لها به حتى أصبحت كالبلسم فلقد تغلبت على نفسها وحزمتها عندما أصبح حسنين غير قادر على مباضعتها وهى من هى خلقة جمالا وشبابا يموج جسدها بالحيوية والنشاط لقد فكرت كثيرا واستكت نفسها من الإنشغال فلقد ظلت عدة أيام تتحرق شوقا للمباشرة وزين لها الشيطان خلالها أن تخون زوجهاولكنها كانت تنجذب إلى زوجها بدافع دفاق لا تعرف مصدره بيد أن الأيام الخوالى تترائى أمامها وقلبها يكاد يثب من موضعه وتكاد نياطه أن تتقطع ووجهها يعلوه الاصفرار وتصيبه الرعشة ونفسها فى عرك كشقى الرحى لكن شيطانها استمر فى الضرب على الوتر الحساس فى النفس ويتسلل لها ينفخ فيها من سمومه حتى يتقد الجسد وتتصور النفس عمل أشياء هى فى الحقيقة دنس يستحق إزهاق النفس وسحق الجسد وبعد جلسات مع النفس التى جبلت على عمل الخير أحست أن إنشغالها ذهب بعيدا جدا إنشغال كان سيغير مجرى حياتها تغييرا جذريا انشغال كان سيسبب خيانة لله وللزوج وللابن انشغال كان سيسجنها فى سجن بلا أسوار يلفح الوجه ويحرق الجسد يجعل الأرض تتنكر للإنسان تضيق وتقبض على الأضلاع بقسوة وتضغط على الجسم بعنف وشدة وقد نتج عن الإنشغال قلة الاتصال بناس وعدم وجود جارات غير واحدة تشارك زوجها العمل فى البقالة مما جعلها فى حوار مستمر مع نفسها سبب لها القلق ومما زاد القلق مرض حسنين الذى يكاد يكون الصلة الوحيدة لها مع الناس
كان حسنين يعرف مدى معانتها من جراء ذلك وكانت عينيه تنطق بما عجز عنه لسانه ولكن حسنين رفض أن يكون جليس الفراش فقاوم ولم يقتنع أبدا بأن يحرم من حرية الحركة وهو على قيد الحياة ،لما يعيش إن لم يعامل الناس يشاهدهم يتحدث معهم يصلى معهم وكانت الصلاة تؤرق حسنين وتجعله يسهد حتى ينام وهو جالس فهو لا يريد أن يضيف عبء جديد على وفاء ويريد أن يرضى نفسه بالصلاة فى المسجد وفجأة انهارت مقاومته لكن رضا نفسه غلبه على رضا وفاء لذا فكان على وفاء أن تسانده إلى المسجد وهو ما لا طاقة لها به ولكنها فعلت وأحس حسنين بثقل العب الواقع على وفاء فقصر ذهابه على يوم الجمعة وكان يصلى بقية الصلوات فى البيت ولم يكد حسنين يسلخ عامه الثانى حتى بخع عليه المرض فأصبح هناك فى البيت طبيب يكشف عليه أسبوعيا حتى مل العلاج والأطباء وأصبح يتجرع مرارة المضض فى صمت ووفاء حائرة متهدجة القلب لا يرقأ لها دمع تكاد دمائها تنبجس من عروقها ونفسها أصبحت تحمل عب أكبر من الأرض أصبحت ترتجف مع كل بكاء لصغيرها ترتعب فى نفسها عند سماع آهات زوجها أصبحت كأنها من طالبى الموت
بدأ حسنين يضيق صدرا بالحياة ويتمنى فى كل لحظة الموت لأن الحياة أصبحت رتيبة نوم كثير وحديث قليل ودواء بميعاد ضل الطريق وابن صغير وزوجة أنهكها التفرغ للزوج والابن والابن المجنون وجلوس طويل لا قراءة فى الكتب طويلة ولا حديث مع الخلان 000ولا 000ولا 000إلخ .
ولج حسنين إلى انشغال جديد فلقد بدأ يفكر فى أن يطلق وفاء من أجل أن يسعدها لكن من يخدمه وابنه فلذة كبده أيتركه لغريب يتجهمه ومحمد من يرعاه ولم يستطع أن يخفى الأمر عنها فبادرها قائلا :
اسمعى يا بنت الناس أنا أعرف إنك متضررة من هذا الوضع فقاطعته قائلة ومن قال إنى متضررة فقال أنا عندى إحساس ومدرك لأحاسيسك فردت وهى تقبله فى جبهته وهل قلت لك أنى تضايقت من الحياة معك فرد محتدا من حقك أن تطلبى منى الطلاق لأنى لم أعد قادر على أن أنظر فى عينيك لأنهما تنطقان بما عجز عنه اللسان إنك صغيرة أريدك أن تستمتعى بحياتك فلا تضيعى وقتك هباء فردت وقد علا صوتها كأنه صراخ مجنون مجنون وابننا أين يذهب أنت تهذى أطلبتها منك منذ شللت أظهر على التأفف وأنا أرقد بجانبك أأثرتك مرة إنى من يومها وأنا حريصة على مشاعرك نعم خضعت لك بالقول ولكن ليس من باب الشهوة بل من باب عدم الملل والخوف عليك فرد وقد عبس وجهه لأول مرة ترفعى صوتك على وتسبينى فردت قائلة مضطرة كى أدافع عن حقى وقد قلت لى أنه ما ضاع حق ورائه مطالب به وقلت أيضا أن التخمين قد يخطىء وقد يصيب وإحساسك قد خمن خطأ فرد والدموع تملأ عينيه سامحينى فردت بل سامحنى أنت واحتضنته كطفل صغير طال غيابه عن أمه فى عالم حياته منصبة على المال والجسم يعبأ الملهوف منه ويذوق عاشق الأجساد كم كبير عالم فقير العاطفة يسير كالترس وبين أهله صلة رحم عالم امتلأ بالجرائم التى تنزف فيها دماء المئات كل إنسان عبد نفسه إله وحاد عن نور البينات كل قال لم يعد هناك وقت لعبادة رب السموات كل نزع إلى المال والجسد ولا يريد سوى المزيد عالم باع فيه الجبناء الأقوات عالم علم ولم يتعلم وعاد جهال .