-قال "فنلاحظ مرة أخرى أن العقل المصرى القديم لم يتأثر بالشرق الأقصى ولا بالشرق البعيد قليلا ولا كثيرا وإنما نشأ مصريا ثم أثر فينا حوله وتأثر به وأما الأوربيون فهم كالمصريين يقررون هذه الأوليات فى كتبهم ويعلمونها فى مدارسهم ويبذلون الجهود الخصبة الشاقة فى تحقيق الصلات بين المصريين وليس من المهم أو النافع الآن أن نبحث عن مصدر هذا التعنت الأوربى الذى يرجع إلى السياسة وإلى المنافع قبل كل شىء وإنما المهم أن نمضى فى هذه الملاحظة التاريخية حتى يثبت لنا فى وضوح وجلاء أن من السخف الذى ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءا من الشرق واعتبار العقلية المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصين "ص24
ما زال طه حسين مصرا على مقولة المصرية وأن العقل المصرى نشأ مصريا خالصا وهى مقولة يكذبها دين طه سواء الإسلام أو النصرانية فمصر كانت خالية من السكان ككل بلاد العالم وهاجر لها بعض أولاد آدم(ص) وسكنوها من أم القرى مكة فكيف يكون العقل مصريا خالصا إذا كان السكان الأوائل لم يكونوا يسكنون فيها وإنما كانت خالية ؟
كما قلنا لا يوجد عقل مصرى ولا عقل أوربى ولا عقل هندى ولا صينى ولا غير ذلك فالأرض لا تنتج عقولا فالعقل واحد فى الكل ولكن الإرادة الإنسانية هى من تقرر استخدام العقل أو استخدام الشهوات
-قال "كان العقل المصرى إذا إلى أيام الإسكندر مؤثرا فى العقل اليونانى متأثرا به مشاركا له فى كثير من خصاله إن لم يشاركه فى خصاله كلها .... وأصبحت مصر دولة يونانية أو كاليونانية...ومن المحقق أن الثقافة اليونانية على اختلاف فروعها وألوانها قد لجأت إلى مصر فوجدت فيها ملجأ أمينا وحصنا حصينا وظفرت فيها من النمو والانتشار بما لم تظفر بمثله حين كانت مستقرة فى أثينا أو فى غيرها من المدن اليونانية الأوربية أو الأسيوية "ص25
نلاحظ التناقض بين كون العقل المصرى هنا عقلا يونانيا وبين كون العقل المصرى مصرى خالص فى قوله :
"-قال "فنلاحظ مرة أخرى أن العقل المصرى القديم لم يتأثر بالشرق الأقصى ولا بالشرق البعيد قليلا ولا كثيرا وإنما نشأ مصريا ثم أثر فيما حوله وتأثر به"ص24
والسؤال كيف يكون العقل المصرى عقلا يونانيا تاما ويكون مصريا ؟
والمقولة بكون العقل المصرى أصبح يونانيا تناقض كون العقل المصرى هو الأكبر فى دول البحر المزعومة فى قوله :
-قال "فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سنا وأبلغها أثرا " ص22
فالأكبر لا يندمج فيمن هو أصغر ويتخلى عن كبره وإنما الأصغر هو من يتخلى عن نفسه ويندمج فى الأكبر
-قال "وجاء الإسلام وانتشر فى أقطار الأرض وتلقته مصر لقاء حسنا وأسرعت إليه إسراعا شديدا فاتخذته لها دينا و واتخذت لغته العربية لها لغة فهل أخرجها ذلك عن عقليتها الأولى وهل جعلها أمة شرقية بالمعنى الذى يفهم من هذه الكلمة كلا لأن المسيحية التى ظهرت فى الشرق قد غمرت أوربا واستأثرت بها دون غيرها من الأديان فلم تصبح أوربا شرقية ولم تتغير طبيعة العقل الأوربى وإذا كان فلاسفة أوربا وقادة الرأى الحديث فيها يعدون المسيحية عنصرا من عناصر العقل الأوربى فلست أدرى ما الذى يفرق بين المسيحية والإسلام وكلاهما قد ظهر فى الشرق الجغرافى وكلاهما نبع من منبع كريم واحد وهبط به الوحى من لدن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء" ص26
الخطأ أن تغيير الدين لم يغير عقلية مصر وكذلك عقلية أوربا وهو كلام خاطىء فلو كان العقل المصرى – وبالقطع ليس العقل الحق-قال ثابتا فلماذا يغير دينه ؟
إن الثابت لا يغير شىء فيه فلو كان هذا العقل المصرى المزعوم لا يتغير فيه شىء فالسؤال لماذا غير أديانه من وثنية إلى نصرانية إلى إسلام فضلا عن ديانات أخرى ؟
والخطأ الأخر أن المسيحية والإسلام كلاهما نبع من منبع كريم واحد وهبط به الوحى من لدن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء
فالله لم يرسل وحى بالمسيحية فالدين عند الله واحد من لدن آدم (ص) وحتى يوم القيامة وهو الإسلام كما قال تعالى :
"إن الدين عند الله الإسلام"
والخطأ الأخر أن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء وهو كلام ينافى الحقيقة فالله ليس واحد فى الدينين فالله واحد فى الإسلام وشركة آلهة فى المسيحية ولا ندرى كيف يقول بتلك المقولة ؟
-قال "إذا صح أن المسيحية لم تمسخ العقل الأوربى ولم تخرجه عن يونانيته الموروثة ولم تجرده من خصائصه التى جاءته من إقليم البحر الأبيض المتوسط فيجب أن يصح أن الإسلام لم يغير العقل المصرى أو لم يغير عقل الشعوب التى اعتنقته والتى كانت متأثرة بهذا البحر الأبيض المتوسط بل يجب أن نذهب على أبعد من هذا فنقول مطمئنين أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط فقد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما ولم يستطع أن يستقر فيها استقرارا متصلا إلا بعد أن استقر فيها الإسلام "ص26
نفس الخطأ السابق وهو أن تغيير الدين لم يغير عقلية مصر وكذلك عقلية أوربا وهو كلام خاطىء فلو كان العقل المصرى – وبالقطع ليس العقل الحق-قال ثابتا فلماذا يغير دينه ؟
والخطأ أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط قد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما
الرجل هنا يخرف فالإسلام والفلسفة اليونانية لا يتفقان فى الغالب فكيف ينشر دين ما يضاده ويعاديه؟
فلسفة تقوم على الوثنية غالبا وبلاد لم تتحد إلا نادرا ومع هذا يسميها الرجل بالعقل اليونانى مع أنه لم تكن هناك طبقا للتاريخ المعروف وحدة سياسية لها ولا وحدة فلسفية لأن الاختلافات كانت بينهم واسعة
-قال "وأغرب من هذا أن بين الإسلام والمسيحية تشابها فى التاريخ عظيما فقد اتصلت المسيحية بالفلسفة اليونانية قبل ظهور الإسلام فأثرت فيها وتاثرت بها وتنصرت الفلسفة وتفلسفت النصرانية ثم اتصل الإسلام بهذه الفلسفة اليونانية فاثر فيها وتأثر بها وأسلمت الفلسفة اليونانية وتفلسف الإسلام وتاريخ الديانتين واحد بالقياس إلى هذه الظاهرة فما بال اتصال المسيحية بالفلسفة بجعلها مقوما من مقومات العقل الأوربى وما بال اتصال الإسلام بهذه الفلسفة نفسها لا يجعله مقوما من مقومات هذا العقل "ص27
-قال "جوهر الإسلام ومصدره هما جوهر المسيحية ومصدرها واتصال الإسلام بالفلسفة اليونانية هو اتصال المسيحية بالفلسفة اليونانية فمن أين يأتى التفريق بين ما لهاتين الديانتين من الأثر فى تكوين العقل الذى ورثته الإنسانية عن شعوب الشرق القريب وعن اليونان "ص27
نلاحظ الجنون الذى يقوله طه وهو انطباق جوهر ومصدر الإسلام والمسيحية وهو كلام يرفضه أى إنسان فلو كانا واحد المصدر والجوهر ففيما الخلاف ؟ ولماذا كانت التسميتين لشىء واحد؟
ويكرر نفس الخطأ وهو تأثير الفلسفة اليونانية فى الإسلام وهو كلام جنونى فالإسلام شىء ومن يتسمون بالمسلمين شىء أخر فالإسلام ثابت لا يتغير فالوحى المنزل لا يضاف له شىء ولا ينقص منه شىء كما قال تعالى "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"
-قال "ومعنى ذلك عندى وعند بيرين فيما أظن أن قوام الحياة العقلية فى أوربا إنما هو إتصالها بالشرق عن طريق البحر الأبيض المتوسط فما بال هذا البحر ينشىء فى الغرب عقلا متفوقا ويترك الشرق بلا عقل أو ينشىء فيه عقلا منحطا ضعيفا؟ وما بال العقل الذى ينشئه البحر نفسه على ساحله الشرقى وما بال الفلسفة اليونانية التى نشأت على الساحل الشرقى لبحر الروم فى العصور القديمة وفى القرون الوسطى لا تؤثر فى عقول أصحابها شيئا فإذا أرسلوها إلى غرب هذا البحر خلقت أهل هذا الغرب خلقا جديدا"ص28
نلاحظ التناقض فى كون مصدر التفوق هو البحر" فما بال هذا البحر ينشىء فى الغرب عقلا متفوقا" وبين كون مصدر التفوق هو الفلسفة اليونانية " وما بال الفلسفة اليونانية التى نشأت على الساحل الشرقى لبحر الروم فى العصور القديمة وفى القرون الوسطى لا تؤثر فى عقول أصحابها شيئا فإذا أرسلوها إلى غرب هذا البحر خلقت أهل هذا الغرب خلقا جديدا"
والكلام فى الفقرة عن الضعف أو عن العقل يتناقض مع الكلام فى فقرة سابقة عن التفوق الإسلامى الذى نشر الفلسفة اليونانية فى الشرق البعيد وهو "
" فنقول مطمئنين أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط فقد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما ولم يستطع أن يستقر فيها استقرارا متصلا إلا بعد أن استقر فيها الإسلام "ص26
كما يتناقض مع كلامه عن كون العقل المصرى هو العقل الأكبر بين دول البحر فهنا مصر ومن جاورها أصبحت بلا عقل أو ضعيفة العقل
-قال "وإنما كانت مصر دائما جزءا من أوربا فى كل ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية على اختلاف فروعها وألوانها "ص28
كون مصر جزء من أوربا يتناقض مع كونها جزء من البحر المتوسط فى قوله :
-قال "فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سنا وأبلغها أثرا " ص22
وأوربا بالقطع الجزء الجنوبى منها هو المشترك مع البحر المتوسط بينما بقيتها بعيدة وجعله أوربا قطعة واحدة هو ضرب من الجنون فأوربا ككل العالم جملة من المتناقضات فى الأديان واللغات والعادات والتقاليد بحيث لا نكاد نجد بلدين منها متطابقان فى كل شىء
والسؤال الذى يجب طرحه :
كيف كانت أوربا عندما كانت مصر متقدمة وهى متأخرة ؟
كيف يكون السابق المتقدم جزء من الكل المتخلف ؟
سؤال لأمثال طه ممن يعتنقون نفس المقولة
وهذه الفقرة وهو كوننا جزء من أوربا تناقض كلامه عن كوننا أساتذتهم فى العصور القديمة والوسطى فى قوله:
"-قال " كيف بنا ونحن نشارك الأوربيين فى هذا كله ولم يكن اليابانيين وبينهم شركة فى شىء منه قليل أو كثير فإذا اليابانيون قد زاحموا الأوربيون حتى زحموهم وإذا نحن ما نزال متخلفين ومنا من يجادل فى أن من الحق أو من الباطل وفى أن من الخير أو من الشر وفى أن من النفع أو من الضر أن نأخذ بحظنا من تراثنا القديم أستغفر الله بل كنا لهم أساتذة فى العصور الوسطى وفى العصر القديم "ص36
-قال "وهذا البلد هو مصر التى آوت الإسلام وعلومه وحضارته وتراثه المجيد فحفظتها كنزا مدخرا حتى إذا أتيحت لها الفرصة أخذت ترد هذا الكنز إلى الشرق والغرب جميعا فما بال قوم ينكرون على مصر حقها فى أن تفاخر بأنها حمت العقل الإنسانى مرتين حمته حين آوت فلسفة اليونان وحضارته أكثر من عشرة قرون وحمته حين آوت الحضارة الإسلامية وحمتها إلى هذا العصر الحديث "ص29
ما زال طه حسين يخرف فيجعل لمصر التى لا يعرفها هو ولا غيره تعريفا صحيحا فضل على دين الله فمصر هى التى آوت أى حمت الإسلام وهو كلام يكذب قوله تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون "
كما نلاحظ التخريف التاريخى فى حماية مصر فلسفة اليونان فمكتبة الاسكندرية احترقت فى عهد البطالمة ومن بعدهم والمسيحية فى عهد الرومان قضت على فلسفة اليونان فى مصر حيث تم حرق وقتل الفلاسفة وكذلك كتب الفلسفة فأين هى الحماية المزعومة للفلسفة اليونانية ؟
حركة ترجمة الكتب الفلسفية فيما يسمى بالدولة الأموية والعباسية لم تشارك فيها مصر إلا نادرا فمن قام بهذا الدور هم مسيحيو ويهود العراق والشام وانضم لهم فيما بعد بعض المسلمين
-قال "حياتنا المادية أوربية خالصة فى الطبقات الراقية وهى فى الطبقات الأخرى تختلف قربا وبعدا من الحياة الأوربية باختلاف قدرة الأفراد والجماعات من الثروة وسعة اليد ومعنى هذا أن المثل الأعلى للمصرى فى حياته المادية إنما هو المثل الأعلى الأوربى فى حياته المادية...ولكننا ماضون فيه على كل حال وليس فى الأرض قوة تستطيع أن تردنا عن أن نستمتع بالحياة على النحو الذى يستمتع بها عليه الأوربيون "ص31
الخطأ كون حياتنا المادية أوربية خالصة فى الطبقات الراقية وهو كلام يخالف أن طبقاتنا الراقية ما زال الحريم التركى موجود فيها وما زالت المطابخ والآكلات والأزياء فيها شرقية غالبا وما زال البعض منهم يقيمون بيوتهم وقصورهم على الطرز العربية والتركية
ما طرأ هو استخدام الآلات والأثاث فى بعض الأمور
-قال "وأين المصرى الذى يرضى بأن ترجع مصر عن هذه الخطوات التى خطتها فى سبيل النظام الديمقراطى ؟ وأين المصرى الذى يطمئن على أن تعود مصر على نظام للحكم يقوم على غير الحياة الدستورية النيابية "ص33
والسؤال من ألغى النظام الديمقراطى ودستور 1923 أليس بعض المصريين وللأسف هم من أصدقاء طه أو من المثقفين ؟
الديمقراطية التى يتشدق بها طه حسين هل أتت بأحد من الفقراء لمجلس النواب أو الشيوخ ؟
بالقطع حوادث نادرة جدا فكل الأعضاء باشوات وبكوات من الأغنياء وهو ما يعنى أن النظام لم يتغير فالنخبة هى نفسها النخبة الغنية أضيف لها بعض البهار الذى انجرف للعمالة أو للترف
أليس غريبا أن يصبح سعد زغلول نسيبا لواحد من كبار المناصرين للاحتلال وهو كان يقاوم الاحتلال ؟
إنها نفس الدائرة التى ينجرف لها الكثيرون حتى الآن ممن يقاومون ظلم النظام ثم تخفت أصواتهم ومن ظل فى المقاومة قتل أو سجن أو أصبح مجرما
-قال " كيف بنا ونحن نشارك الأوربيين فى هذا كله ولم يكن اليابانيين وبينهم شركة فى شىء منه قليل أو كثير فإذا اليابانيون قد زاحموا الأوربيون حتى زحموهم وإذا نحن ما نزال متخلفين ومنا من يجادل فى أن من الحق أو من الباطل وفى أن من الخير أو من الشر وفى أن من النفع أو من الضر أن نأخذ بحظنا من تراثنا القديم أستغفر الله بل كنا لهم أساتذة فى العصور الوسطى وفى العصر القديم "ص36
كرر طه حسين كلامه عن اليابانيين عدة مرات فى الكتاب وهو يظن أن اليابان خلعت ثوبها وأصبحت أوربية كأوربا وهو كلام يناقض الواقع فاليابانيون كما هم على أديانهم وكما هم على عاداتهم وتقاليدهم وما تغير هو شىء واحد هو أنهم اهتموا بالتقنية وبرعوا فيها لأن لدى حكامهم رغبة فى أن تكون دولتهم امبراطورية حربية كفرنسا وانجلترا تحتل بلاد العالم وأما بلادنا فحكامها لا يريدون سوى البقاء فى الكراسى بواسطة المحتلين لأن بعض آباءهم حسب التاريخ المعروف حاول أن يتخلص من نفوذ الاحتلال أو نفوذ أوربا فكانت النتيجة خلعه من على الكرسى كإسماعيل أو تم تحجيمه كمحمد على
-قال " ولكن السبيل إلى ذلك ليست فى الكلام يرسل إرسالا ولا فى المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة وإنما هى واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهى واحدة فذة ليس لها تعدد وهى أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء فى الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب" ص39
طه حسين يعلنها صراحة أن علينا أن نكون كأوربا فى كل شىء محبوب أو مكروه محمود أو معيب وهى دعوة صريحة للكفر فهو يدعونا للفاحشة المكروهة والمعيبة
ومع هذا فطه هنا يقول كلام لا يعقله فأوربا التى يتحدث عنها خليط متناقض فى كل شىء فمثلا فى أنظمة الحكم منها النظام الملكى الملك فيه هو الحاكم المطلق كما كان فى بلجيكا ومنها النظام الملكى حيث يملك الملك ولا يحكم كبريطانيا ومنها الجمهورى والجمهورى منها النظام الرئاسى كالنظام الفرنسى ومنها النظام النيابى حيث يحكم رئيس الوزراء كألمانيا ومنها النظام الكنسى حيث البابا هو رئيس الجمهورية ومنها النظام الحزبى حيث تتصارع الأحزاب فى الانتخابات النيابية والرئاسية ومنها النظام ذو الحزب الواحد كروسيا السوفيتية وفى الاقتصاد نجد نظاما رأسماليا ونجد نظاما شيوعيا ونجد نظام وسط وفى الدساتير نجد لبعضها دستورا مكتوبا كفرنسا ولبعضها دستورا ليس مكتوبا كبريطانيا
بالقطع لو قعدنا نتكلم عن الخلافات بين أوربا فسنجد مئات أو آلاف الاختلافات والسؤال
أى واحدة نتبع يا طه أنت وأمثالك ؟
ومع ذلك يهدم طه كلامه هنا بضرورة الاندماج فى أوربا وأن نكون مثلهم فى كل شىء وهو ما يضيع شخصيتنا ومع هذا يبين أن الشخصية لا تضيع بكلامه عن ضرورة الحفاظ على الشخصية المصرية كما حافظ اليابانيون على شخصيتهم وهو قولهم:
" كلا ليس على الشخصية المصرية خطر من الحضارة الحديثة كما لم يكن على الشخصية اليابانية خطر من الحضارة الحديثة ولست أدرى لم تضيع شخصية المصريين إذا ساروا سيرة الأوربيين ولا تضيع شخصية اليابانيين مع أن لمصر من المجد والسابقة ما ليس لليابان مثله؟ص50
-قال "فلم يتحرج العرب المسلمون من أن يأخذوا بأسباب الحضارة الفارسية واليونانية كما أخذ بها الفرس والروم الذين لم يكونوا مسلمين فى ذلك الوقت لم يتحرجوا من ذلك ولم يرفضوه وليس من شك فى أنهم جنوا من ذلك بعض الشر فساءت الأخلاق والسير فى بعض الجهات وفسدت العقائد ودخائل النفوس فى بعضها الآخر ولكن شيئا من ذلك لم يرد المسلمين عن الأخذ بأسباب الحضارة الفارسية واليونانية لأنهم جنوا من ذلك ثمرات حلوة لا تزال الإنسانية تستمتع بها إلى الآن فهم قد صاغوا من هاتين الحضارتين ومن تراثهم القديم هذه الحضارة الإسلامية الرائعة التى أزهرت أيام بنو أمية وبنى العباس والتى يحرص المحافظون منا عليها أشد الحرص وهذه الحضارة الإسلامية الرائعة لم يأت بها المسلمون من بلاد العرب وإنما أتوا ببعضها من هذه البلاد وببعضها الآخر من مجوس الفرس وببعضها الآخر من نصارى الروم"ص45
طه حسين ينسب الحضارة الإسلامية لغير الإسلام فلها ثلاث مصادر الحضارة الفارسية والحضارة اليونانية والتراث القديم لبلاد العرب وهو كلام ليس لصاحبه عقل فكيف تكون إسلامية وليس الإسلام مصدر لها أو حتى لجزء منها ؟
ومن ثم فالإسلام عنده هنا ليس من عند الله وإنما هو اختراع بشرى مشترك وكتب التاريخ المعروفة تخبرنا أن لا الفرس ولا الروم ولا حتى العرب كان لديهم حضارة تقنية متقدمة فالتقنية هى أساس الحضارة عند الناس فالكل كان يعيش فى ظلم وتخلف فى ظل المجوسية وظلم الرومان المسيحيين فأدوات الحرب كانت سيوفا ورماحا وسهاما وخيولا ومنجنيق ونفط وكانت لدى الكل تقريبا
والخطأ هو أن المسلمين أخذوا بأسباب تلك الحضارات ولا نعرف مسلما يأخذ بأسباب يحرمها دينه وإنما هو يأخذ ما أباحه الله
-قال " ولست أدرى أمخطىء أنا أم مصيب ولكنى أوثر إذا أردت أن أسعى إليه جهرة وفى وضح النهار لا أن أسعى إليه سرا وفى ظلمة الليل "ص48
بعد كل هذا اللت والعجن فى كتاب تبلغ صفحاته الثلاثمائة ولكن الخمسين الأولى منه هى المهمة وهى التى فيها معظم الأخطاء نجد الرجل يقول أن كلامه السابق كله لا يعرف صحته من بطلانه ونجد أن الرجل مصر على نشر لته وعجنه للناس مع أنه جاهل بصحته أو بطلانه
هل هذه المقولة هى للتخلص من دعواته للكفر حتى إذا وقف بين يدى قاضى يتملص مما قاله ؟
بالقطع الله أعلم ولكن ما أراه هو أن الرجل كان محميا من فرنسا ومن غيرها
-قال " كلا ليس على الشخصية المصرية خطر من الحضارة الحديثة كما لم يكن على الشخصية اليابانية خطر من الحضارة الحديثة ولست أدرى لم تضيع شخصية المصريين إذا ساروا سيرة الأوربيين ولا تضيع شخصية اليابانيين مع أن لمصر من المجد والسابقة ما ليس لليابان مثله؟ص50
ما زال طه مصرا على مقولة الشخصية المصرية التى قلنا مرارا وتكرارا أنه لا وجود لها فهذه القطعة الأرضية تحوى شخصيات متعددة لأن التقاليد والسنن تختلف من بلد لبلد فيها ومن منطقة لأخرى
-قال " من الحق أن الحضارة الأوربية مادية المظاهر وقد نجحت من هذه الناحية نجاحا باهرا فوفقت على العلم الحديث ....ولكن من أجهل الجهل واخطأ الخطأ أن يقال إن هذه الحضارة المادية قد صدرت عن المادة الخالصة إنها نتيجة العقل إنها نتيجة الخيال إنها نتيجة الروح إنها نتيجة الروح الخصب المنتج نتيجة الروح الحى الذى يتصل بالعقل فيغذوه وينميه ويدفعه إلى التفكير ثم على الإنتاج ثم على استغلال الإنتاج نتيجة هذا الروح العاكف على نفسه الفارغ لها الفانى فيها الذى تفسده الأثرة عليه أمره فلا ينفع ولا ينتفع ولا يفيد ولا يستفيد "ص51
نجد طه هنا يناقض نفسه فى مصدر الحضارة الأوربية فهى نتيجة العقل مرة ونتيجة الخيال مرة ونتيجة الروح وهى ليست روحا واحدة بل أرواح متعددة أو نتيجتهم معا ومع هذا يقول أنها صدرت عن شرقنا القريب فى قوله:
"فشرقنا القريب كما رأيت هو مهد هذا العقل الذى يزدهى ويزدهر فى أوربا وهو مصدر هذه الحضارة الأوربية التى نريد أن نأخذ بأسبابها "ص52
-قال "وقد سمعت منذ عهد بعيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر يتحدث إلى المسلمين عن طريق الراديو فى موسم من المواسم الدينية فيعلن أن محور القومية يجب أن يكون القبلة المطهرة وهذا صحيح حين يتحدث شيخ من شيوخ المسلمين إلى المسلمين ولكن الشباب الأزهريين يجب أن يتعلموا فى طفولتهم وشبابهم أن هناك محورا أخر للقومية لا يناقض المحور الذى ذكره الشيخ الأكبر وهو محور الوطنين التى تحصرها الحدود الجغرافية الضيقة لأرض الوطن ولست أرى بأسا على الشيخ الأكبر ولا على زملائه من أن يتصوروا القومية الإسلامية كما تصورها المسلمون منذ أقدم العصور إلى هذه الأيام ولكن هناك صورا جديدة للقومية والوطنية قد نشأت فى هذا العصر الحديث "ص64
الخطأ أن محور الوطنية لا يناقض محور الإسلام وهو محور القبلة فالمسلم عندما يكون فى بلد كافر لا يحق له أن يحارب المسلمين فى دولتهم لأن وطنيته المزعومة ساعتها تناقض أحكام دينه والوطنية المزعومة نجعل تجنيده فى جيش بلده الكافر واجب ولكن الإسلام يحرم عليه الانضمام لذلك الجيش وإلا كان كافرا بدينه
وتناول طه حكاية الثقافة المصرية فبين أنها موجودة وجودا ضعيفا بقوله :
"أتوجد ثقافة مصرية؟ وما عسى أن تكون؟ فأما أنا فأجيب على هذه المسألة بأن الثقافة المصرية مهما تكن ضعيفة ومهما تكن ناقصة ومهما تكن محتاجة إلى التقوية والتنمية والإصلاح فهى موجودة ما فى ذلك وما ينبغى أن يكون فى ذلك شك "ص293
ومع قوله بكونها ضعيفة ناقض نفسه فجعلها متميزة متفردة بقوله :
"هى موجودة متميزة فى خصالها وأوصافها التى تنفرد بها عن غيرها من الثقافات "ص293
وقد عدد طه صفاتها وهى :
"وأول هذه الصفات المميزة لثقافتنا المصرية أنها تقوم على وحدتنا الوطنية وتتصل اتصالا قويا بنفوسنا المصرية الحديثة كما تتصل بنفوسنا المصرية القديم أيضا تتصل بوجودها المصرى فى حاضره ومستقبله ومن حيث لأنها تصور آمالنا ومثلنا العليا فى الحياة فهى تتصل بمستقبلنا أيضا بل هى تدفعنا إلى هذا المستقبل دفعا ولك أن تنظر فى أى لون من ألوان العلم والأدب والفن التى تدرس فى مصر التى ينتج فيها العلماء والأدباء والفنانون المصريون فسترى أنها مطبوعة بالطابع المصرى سترى فيها هذا الذوق المصرى الذى ليس هو ابتساما خالصا ولا عبوسا خالصا ولكنه شىء فيما بين ذلك فيه كثير من الابتهاج وفيه قليل من البؤس...سترى فيها الاعتدال المصرى الذى يشتق من اعتدال الجو المصرى ....... ثم ستراها قد اتخذت اللغة العربية المصرية لها أداة مرنة أنيقة رشيقة........ ولا تقل إن اللغة العربية مشتركة بين مصر وغيرها من البلاد العربية فهذا حق ولكن لمصر مذهبها الخاص فى التعبير كما أن لها مذهبها الخاص فى التفكير والبلاد الأخرى تتأثر مصر ولعلها تتنافس فى تأثر مصر فى تفكيرها وتعبيرها ص293
هنا عناصر أو ًصفات الثقافة المصرية هى :
الوحدة الوطنية والنفوس المصرية القديمة والذوق المصرى والاعتدال المصرى واللغة العربية وهو ما يناقض كونها التراث المصرى القديم والتراث العربى والحياة الأوربية الحديثة فى قوله :
"وإذا أردت أن تحلل الثقافة المصرية إلى عناصرها الأولى فهذه العناصر بينة واضحة هى التراث المصرى الفنى القديم وهى التراث العربى الإسلامى وهى ما تكسبه كل يوم من من خير ما أثمرت الحياة الأوربية الحديثة هى هذه العناصر المختلفة المتناقضة فيما بينها أشد الاختلاف والتناقض تلتقى فى مصر فيصفى بعضها بعضا ويهذب بعضها ببعضا"ص
ينتهى هنا الكلام الخاطىء الذى صدعنا به طه حسين ويبدأ الكتاب بداية أخرى غالبها فى إصلاح التعليم وهو الجزء الأكبر من الكتاب وللرجل فيه حسنات كدعوته لإلغاء تدريس اللغات الأجنبية فى المراحل الأولى من التعليم فى قوله:
"-قال " أما نحن فجوابنا فى ذلك قاطع صريح وهو أن اللغة الأجنبية لا ينبغى أن تدرس فى هذا القسم من التعليم العام لا فى السنة الأولى ولا فى الثانية ولا فى الثالثة ولا فى الرابعة وإنما يجب أن يخلص هذا القسم من أقسام التعليم العام كما خلص التعليم الأولى للثقافة الوطنية الخالصة"ص151
وكدعوته لتنويع اللغات الأجنبية التى ينبغى تدريسها فيما بعد فى المراحل الأخرى وله فيها سيئات وهذا الجزء يعرض فيها طه حسين مشاكل المعلمين والتعليم وهى مشاكل ما زالت قائمة حتى الآن مثل ضعف مرتبات المعلمين ومثل النزاع بين وزارتى التعليم فيمن يعد المعلم للتعليم قبل الجامعى ومثل عدم تبعية جهات التعليم لجهة واحدة حيث يوجد تعليم مدنى وتعليم دينى وتعليم عام وتعليم خاص كما يعرض لمشكلة أساتذة الجامعة
ومع هذا لم يسلم الرجل فى هذا الجزء من التناقض فمثلا يطالب بكون التعليم خاضع لجهة واحدة تضع المناهج والبرامج بحيث يكون التعليم واحدا لكل من فى الوطن فى قوله:
"والدولة وحدها هى التى تستطيع أن تضع المناهج والبرامج لهذا التعليم وأن تقوم على تنفيذ هذه المناهج والبرامج وأن تلاحظ ذلك ملاحظة متصلة دقيقة حتى لا ينحرف التعليم عن الطريق التى رسمت له وحتى لا ينتهى إلى غرض مباين للغرض الذى أنشىء من أجله "ص54
ومع هذا يعود فيبيح وجود التعليم الأجنبى فى مصر بقوله:
" ولست أدعو إلى إغلاق المدارس والمعاهد الأجنبية بل أنا بعيد عن ذلك كل البعد نافر منه أشد النفور "ص57
ويطالب بالرقابة عليه فيقول:
"ومن الأوليات ان من حقنا ومن الحق علينا أن نثبت بالملاحظة والتفتيش أن المدارس الأجنبية لا تنحرف بالتلاميذ عن دين آباءهم ولا تتخذهم موضوعا للدعوة والتبشير"ص59
ويعود فيحرمه لكونه مخالف للسيادة الوطنية فيقول:
"ويجب أن يفهم الأجانب والمصريون جميعا أن قيام المدارس الأجنبية فى أرض البلاد المستقلة مخالف لطبيعة السيادة الوطنية "ص59
ومع هذا يعود فيهدم المقولة فيبيح التعليم الأجنبى والخاص الوطنى فيقول :
"أنا بعيد كل البعد عن هذا لأنى أعلم أن الدولة التى تبيح لأجانب أن يقيموا المدارس فى أرضها لا تستطيع أن تحظر ذلك على أبناء الوطن ثم لأنى من أشد الناس حرصا على تشجيع الجهود الخاصة التى يبذلها الأفراد والجماعات لا فى سبيل التعليم وحده بل فى سبيل المرافق العامة كلها"ص60
ومع كلامه السابق فى وحدة التعليم يعود فيبقى على التعليم الأزهرى كما هو فيقول :
"وأنا بعيد كل البعد عن أن أدعو على المساس بجوهر التعليم الدينى فى الأزهر وما يتصل به من المعاهد المنبثة فى الإقليم فقد قدمت أن الدين مقوم من مقومات الشخصية الوطنية وأنا مؤمن بهذا فيما بينى وبين نفسى اشد الإيمان"ص61
ويعيد طه حسين سبب فساد التعليم للإنجليز فيقول :
"فهناك التعليم الرسمى المدنى الذى تنشئه الدولة وتقوم عليه وقد كان على الآن متواضعا هين الأمر يقصد به على أغراض متواضعة هينة وقد رسم الإنجليز له طريقة محدودة ضيقة فأفسدوه وأفسدوا نتائجه وآثاره أشد إفساد ونحن نبذل منذ أعوام جهودا مختلطة مضطربة لإصلاح ما أفسد الإنجليز فلا نكاد نوفق فى بعض الأمر حتى تعدو العاديات فتردما على الإخفاق والخذلان "ص54
تم
ما زال طه حسين مصرا على مقولة المصرية وأن العقل المصرى نشأ مصريا خالصا وهى مقولة يكذبها دين طه سواء الإسلام أو النصرانية فمصر كانت خالية من السكان ككل بلاد العالم وهاجر لها بعض أولاد آدم(ص) وسكنوها من أم القرى مكة فكيف يكون العقل مصريا خالصا إذا كان السكان الأوائل لم يكونوا يسكنون فيها وإنما كانت خالية ؟
كما قلنا لا يوجد عقل مصرى ولا عقل أوربى ولا عقل هندى ولا صينى ولا غير ذلك فالأرض لا تنتج عقولا فالعقل واحد فى الكل ولكن الإرادة الإنسانية هى من تقرر استخدام العقل أو استخدام الشهوات
-قال "كان العقل المصرى إذا إلى أيام الإسكندر مؤثرا فى العقل اليونانى متأثرا به مشاركا له فى كثير من خصاله إن لم يشاركه فى خصاله كلها .... وأصبحت مصر دولة يونانية أو كاليونانية...ومن المحقق أن الثقافة اليونانية على اختلاف فروعها وألوانها قد لجأت إلى مصر فوجدت فيها ملجأ أمينا وحصنا حصينا وظفرت فيها من النمو والانتشار بما لم تظفر بمثله حين كانت مستقرة فى أثينا أو فى غيرها من المدن اليونانية الأوربية أو الأسيوية "ص25
نلاحظ التناقض بين كون العقل المصرى هنا عقلا يونانيا وبين كون العقل المصرى مصرى خالص فى قوله :
"-قال "فنلاحظ مرة أخرى أن العقل المصرى القديم لم يتأثر بالشرق الأقصى ولا بالشرق البعيد قليلا ولا كثيرا وإنما نشأ مصريا ثم أثر فيما حوله وتأثر به"ص24
والسؤال كيف يكون العقل المصرى عقلا يونانيا تاما ويكون مصريا ؟
والمقولة بكون العقل المصرى أصبح يونانيا تناقض كون العقل المصرى هو الأكبر فى دول البحر المزعومة فى قوله :
-قال "فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سنا وأبلغها أثرا " ص22
فالأكبر لا يندمج فيمن هو أصغر ويتخلى عن كبره وإنما الأصغر هو من يتخلى عن نفسه ويندمج فى الأكبر
-قال "وجاء الإسلام وانتشر فى أقطار الأرض وتلقته مصر لقاء حسنا وأسرعت إليه إسراعا شديدا فاتخذته لها دينا و واتخذت لغته العربية لها لغة فهل أخرجها ذلك عن عقليتها الأولى وهل جعلها أمة شرقية بالمعنى الذى يفهم من هذه الكلمة كلا لأن المسيحية التى ظهرت فى الشرق قد غمرت أوربا واستأثرت بها دون غيرها من الأديان فلم تصبح أوربا شرقية ولم تتغير طبيعة العقل الأوربى وإذا كان فلاسفة أوربا وقادة الرأى الحديث فيها يعدون المسيحية عنصرا من عناصر العقل الأوربى فلست أدرى ما الذى يفرق بين المسيحية والإسلام وكلاهما قد ظهر فى الشرق الجغرافى وكلاهما نبع من منبع كريم واحد وهبط به الوحى من لدن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء" ص26
الخطأ أن تغيير الدين لم يغير عقلية مصر وكذلك عقلية أوربا وهو كلام خاطىء فلو كان العقل المصرى – وبالقطع ليس العقل الحق-قال ثابتا فلماذا يغير دينه ؟
إن الثابت لا يغير شىء فيه فلو كان هذا العقل المصرى المزعوم لا يتغير فيه شىء فالسؤال لماذا غير أديانه من وثنية إلى نصرانية إلى إسلام فضلا عن ديانات أخرى ؟
والخطأ الأخر أن المسيحية والإسلام كلاهما نبع من منبع كريم واحد وهبط به الوحى من لدن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء
فالله لم يرسل وحى بالمسيحية فالدين عند الله واحد من لدن آدم (ص) وحتى يوم القيامة وهو الإسلام كما قال تعالى :
"إن الدين عند الله الإسلام"
والخطأ الأخر أن إله واحد يؤمن به الشرقيون والغربيون على السواء وهو كلام ينافى الحقيقة فالله ليس واحد فى الدينين فالله واحد فى الإسلام وشركة آلهة فى المسيحية ولا ندرى كيف يقول بتلك المقولة ؟
-قال "إذا صح أن المسيحية لم تمسخ العقل الأوربى ولم تخرجه عن يونانيته الموروثة ولم تجرده من خصائصه التى جاءته من إقليم البحر الأبيض المتوسط فيجب أن يصح أن الإسلام لم يغير العقل المصرى أو لم يغير عقل الشعوب التى اعتنقته والتى كانت متأثرة بهذا البحر الأبيض المتوسط بل يجب أن نذهب على أبعد من هذا فنقول مطمئنين أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط فقد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما ولم يستطع أن يستقر فيها استقرارا متصلا إلا بعد أن استقر فيها الإسلام "ص26
نفس الخطأ السابق وهو أن تغيير الدين لم يغير عقلية مصر وكذلك عقلية أوربا وهو كلام خاطىء فلو كان العقل المصرى – وبالقطع ليس العقل الحق-قال ثابتا فلماذا يغير دينه ؟
والخطأ أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط قد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما
الرجل هنا يخرف فالإسلام والفلسفة اليونانية لا يتفقان فى الغالب فكيف ينشر دين ما يضاده ويعاديه؟
فلسفة تقوم على الوثنية غالبا وبلاد لم تتحد إلا نادرا ومع هذا يسميها الرجل بالعقل اليونانى مع أنه لم تكن هناك طبقا للتاريخ المعروف وحدة سياسية لها ولا وحدة فلسفية لأن الاختلافات كانت بينهم واسعة
-قال "وأغرب من هذا أن بين الإسلام والمسيحية تشابها فى التاريخ عظيما فقد اتصلت المسيحية بالفلسفة اليونانية قبل ظهور الإسلام فأثرت فيها وتاثرت بها وتنصرت الفلسفة وتفلسفت النصرانية ثم اتصل الإسلام بهذه الفلسفة اليونانية فاثر فيها وتأثر بها وأسلمت الفلسفة اليونانية وتفلسف الإسلام وتاريخ الديانتين واحد بالقياس إلى هذه الظاهرة فما بال اتصال المسيحية بالفلسفة بجعلها مقوما من مقومات العقل الأوربى وما بال اتصال الإسلام بهذه الفلسفة نفسها لا يجعله مقوما من مقومات هذا العقل "ص27
-قال "جوهر الإسلام ومصدره هما جوهر المسيحية ومصدرها واتصال الإسلام بالفلسفة اليونانية هو اتصال المسيحية بالفلسفة اليونانية فمن أين يأتى التفريق بين ما لهاتين الديانتين من الأثر فى تكوين العقل الذى ورثته الإنسانية عن شعوب الشرق القريب وعن اليونان "ص27
نلاحظ الجنون الذى يقوله طه وهو انطباق جوهر ومصدر الإسلام والمسيحية وهو كلام يرفضه أى إنسان فلو كانا واحد المصدر والجوهر ففيما الخلاف ؟ ولماذا كانت التسميتين لشىء واحد؟
ويكرر نفس الخطأ وهو تأثير الفلسفة اليونانية فى الإسلام وهو كلام جنونى فالإسلام شىء ومن يتسمون بالمسلمين شىء أخر فالإسلام ثابت لا يتغير فالوحى المنزل لا يضاف له شىء ولا ينقص منه شىء كما قال تعالى "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"
-قال "ومعنى ذلك عندى وعند بيرين فيما أظن أن قوام الحياة العقلية فى أوربا إنما هو إتصالها بالشرق عن طريق البحر الأبيض المتوسط فما بال هذا البحر ينشىء فى الغرب عقلا متفوقا ويترك الشرق بلا عقل أو ينشىء فيه عقلا منحطا ضعيفا؟ وما بال العقل الذى ينشئه البحر نفسه على ساحله الشرقى وما بال الفلسفة اليونانية التى نشأت على الساحل الشرقى لبحر الروم فى العصور القديمة وفى القرون الوسطى لا تؤثر فى عقول أصحابها شيئا فإذا أرسلوها إلى غرب هذا البحر خلقت أهل هذا الغرب خلقا جديدا"ص28
نلاحظ التناقض فى كون مصدر التفوق هو البحر" فما بال هذا البحر ينشىء فى الغرب عقلا متفوقا" وبين كون مصدر التفوق هو الفلسفة اليونانية " وما بال الفلسفة اليونانية التى نشأت على الساحل الشرقى لبحر الروم فى العصور القديمة وفى القرون الوسطى لا تؤثر فى عقول أصحابها شيئا فإذا أرسلوها إلى غرب هذا البحر خلقت أهل هذا الغرب خلقا جديدا"
والكلام فى الفقرة عن الضعف أو عن العقل يتناقض مع الكلام فى فقرة سابقة عن التفوق الإسلامى الذى نشر الفلسفة اليونانية فى الشرق البعيد وهو "
" فنقول مطمئنين أن انتشار الإسلام فى الشرق البعيد وفى الشرق الأوسط فقد مد سلطان العقل اليونانى وبسطه على بلاد لم يكن قد زارها إلا لماما ولم يستطع أن يستقر فيها استقرارا متصلا إلا بعد أن استقر فيها الإسلام "ص26
كما يتناقض مع كلامه عن كون العقل المصرى هو العقل الأكبر بين دول البحر فهنا مصر ومن جاورها أصبحت بلا عقل أو ضعيفة العقل
-قال "وإنما كانت مصر دائما جزءا من أوربا فى كل ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية على اختلاف فروعها وألوانها "ص28
كون مصر جزء من أوربا يتناقض مع كونها جزء من البحر المتوسط فى قوله :
-قال "فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سنا وأبلغها أثرا " ص22
وأوربا بالقطع الجزء الجنوبى منها هو المشترك مع البحر المتوسط بينما بقيتها بعيدة وجعله أوربا قطعة واحدة هو ضرب من الجنون فأوربا ككل العالم جملة من المتناقضات فى الأديان واللغات والعادات والتقاليد بحيث لا نكاد نجد بلدين منها متطابقان فى كل شىء
والسؤال الذى يجب طرحه :
كيف كانت أوربا عندما كانت مصر متقدمة وهى متأخرة ؟
كيف يكون السابق المتقدم جزء من الكل المتخلف ؟
سؤال لأمثال طه ممن يعتنقون نفس المقولة
وهذه الفقرة وهو كوننا جزء من أوربا تناقض كلامه عن كوننا أساتذتهم فى العصور القديمة والوسطى فى قوله:
"-قال " كيف بنا ونحن نشارك الأوربيين فى هذا كله ولم يكن اليابانيين وبينهم شركة فى شىء منه قليل أو كثير فإذا اليابانيون قد زاحموا الأوربيون حتى زحموهم وإذا نحن ما نزال متخلفين ومنا من يجادل فى أن من الحق أو من الباطل وفى أن من الخير أو من الشر وفى أن من النفع أو من الضر أن نأخذ بحظنا من تراثنا القديم أستغفر الله بل كنا لهم أساتذة فى العصور الوسطى وفى العصر القديم "ص36
-قال "وهذا البلد هو مصر التى آوت الإسلام وعلومه وحضارته وتراثه المجيد فحفظتها كنزا مدخرا حتى إذا أتيحت لها الفرصة أخذت ترد هذا الكنز إلى الشرق والغرب جميعا فما بال قوم ينكرون على مصر حقها فى أن تفاخر بأنها حمت العقل الإنسانى مرتين حمته حين آوت فلسفة اليونان وحضارته أكثر من عشرة قرون وحمته حين آوت الحضارة الإسلامية وحمتها إلى هذا العصر الحديث "ص29
ما زال طه حسين يخرف فيجعل لمصر التى لا يعرفها هو ولا غيره تعريفا صحيحا فضل على دين الله فمصر هى التى آوت أى حمت الإسلام وهو كلام يكذب قوله تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون "
كما نلاحظ التخريف التاريخى فى حماية مصر فلسفة اليونان فمكتبة الاسكندرية احترقت فى عهد البطالمة ومن بعدهم والمسيحية فى عهد الرومان قضت على فلسفة اليونان فى مصر حيث تم حرق وقتل الفلاسفة وكذلك كتب الفلسفة فأين هى الحماية المزعومة للفلسفة اليونانية ؟
حركة ترجمة الكتب الفلسفية فيما يسمى بالدولة الأموية والعباسية لم تشارك فيها مصر إلا نادرا فمن قام بهذا الدور هم مسيحيو ويهود العراق والشام وانضم لهم فيما بعد بعض المسلمين
-قال "حياتنا المادية أوربية خالصة فى الطبقات الراقية وهى فى الطبقات الأخرى تختلف قربا وبعدا من الحياة الأوربية باختلاف قدرة الأفراد والجماعات من الثروة وسعة اليد ومعنى هذا أن المثل الأعلى للمصرى فى حياته المادية إنما هو المثل الأعلى الأوربى فى حياته المادية...ولكننا ماضون فيه على كل حال وليس فى الأرض قوة تستطيع أن تردنا عن أن نستمتع بالحياة على النحو الذى يستمتع بها عليه الأوربيون "ص31
الخطأ كون حياتنا المادية أوربية خالصة فى الطبقات الراقية وهو كلام يخالف أن طبقاتنا الراقية ما زال الحريم التركى موجود فيها وما زالت المطابخ والآكلات والأزياء فيها شرقية غالبا وما زال البعض منهم يقيمون بيوتهم وقصورهم على الطرز العربية والتركية
ما طرأ هو استخدام الآلات والأثاث فى بعض الأمور
-قال "وأين المصرى الذى يرضى بأن ترجع مصر عن هذه الخطوات التى خطتها فى سبيل النظام الديمقراطى ؟ وأين المصرى الذى يطمئن على أن تعود مصر على نظام للحكم يقوم على غير الحياة الدستورية النيابية "ص33
والسؤال من ألغى النظام الديمقراطى ودستور 1923 أليس بعض المصريين وللأسف هم من أصدقاء طه أو من المثقفين ؟
الديمقراطية التى يتشدق بها طه حسين هل أتت بأحد من الفقراء لمجلس النواب أو الشيوخ ؟
بالقطع حوادث نادرة جدا فكل الأعضاء باشوات وبكوات من الأغنياء وهو ما يعنى أن النظام لم يتغير فالنخبة هى نفسها النخبة الغنية أضيف لها بعض البهار الذى انجرف للعمالة أو للترف
أليس غريبا أن يصبح سعد زغلول نسيبا لواحد من كبار المناصرين للاحتلال وهو كان يقاوم الاحتلال ؟
إنها نفس الدائرة التى ينجرف لها الكثيرون حتى الآن ممن يقاومون ظلم النظام ثم تخفت أصواتهم ومن ظل فى المقاومة قتل أو سجن أو أصبح مجرما
-قال " كيف بنا ونحن نشارك الأوربيين فى هذا كله ولم يكن اليابانيين وبينهم شركة فى شىء منه قليل أو كثير فإذا اليابانيون قد زاحموا الأوربيون حتى زحموهم وإذا نحن ما نزال متخلفين ومنا من يجادل فى أن من الحق أو من الباطل وفى أن من الخير أو من الشر وفى أن من النفع أو من الضر أن نأخذ بحظنا من تراثنا القديم أستغفر الله بل كنا لهم أساتذة فى العصور الوسطى وفى العصر القديم "ص36
كرر طه حسين كلامه عن اليابانيين عدة مرات فى الكتاب وهو يظن أن اليابان خلعت ثوبها وأصبحت أوربية كأوربا وهو كلام يناقض الواقع فاليابانيون كما هم على أديانهم وكما هم على عاداتهم وتقاليدهم وما تغير هو شىء واحد هو أنهم اهتموا بالتقنية وبرعوا فيها لأن لدى حكامهم رغبة فى أن تكون دولتهم امبراطورية حربية كفرنسا وانجلترا تحتل بلاد العالم وأما بلادنا فحكامها لا يريدون سوى البقاء فى الكراسى بواسطة المحتلين لأن بعض آباءهم حسب التاريخ المعروف حاول أن يتخلص من نفوذ الاحتلال أو نفوذ أوربا فكانت النتيجة خلعه من على الكرسى كإسماعيل أو تم تحجيمه كمحمد على
-قال " ولكن السبيل إلى ذلك ليست فى الكلام يرسل إرسالا ولا فى المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة وإنما هى واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهى واحدة فذة ليس لها تعدد وهى أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء فى الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب" ص39
طه حسين يعلنها صراحة أن علينا أن نكون كأوربا فى كل شىء محبوب أو مكروه محمود أو معيب وهى دعوة صريحة للكفر فهو يدعونا للفاحشة المكروهة والمعيبة
ومع هذا فطه هنا يقول كلام لا يعقله فأوربا التى يتحدث عنها خليط متناقض فى كل شىء فمثلا فى أنظمة الحكم منها النظام الملكى الملك فيه هو الحاكم المطلق كما كان فى بلجيكا ومنها النظام الملكى حيث يملك الملك ولا يحكم كبريطانيا ومنها الجمهورى والجمهورى منها النظام الرئاسى كالنظام الفرنسى ومنها النظام النيابى حيث يحكم رئيس الوزراء كألمانيا ومنها النظام الكنسى حيث البابا هو رئيس الجمهورية ومنها النظام الحزبى حيث تتصارع الأحزاب فى الانتخابات النيابية والرئاسية ومنها النظام ذو الحزب الواحد كروسيا السوفيتية وفى الاقتصاد نجد نظاما رأسماليا ونجد نظاما شيوعيا ونجد نظام وسط وفى الدساتير نجد لبعضها دستورا مكتوبا كفرنسا ولبعضها دستورا ليس مكتوبا كبريطانيا
بالقطع لو قعدنا نتكلم عن الخلافات بين أوربا فسنجد مئات أو آلاف الاختلافات والسؤال
أى واحدة نتبع يا طه أنت وأمثالك ؟
ومع ذلك يهدم طه كلامه هنا بضرورة الاندماج فى أوربا وأن نكون مثلهم فى كل شىء وهو ما يضيع شخصيتنا ومع هذا يبين أن الشخصية لا تضيع بكلامه عن ضرورة الحفاظ على الشخصية المصرية كما حافظ اليابانيون على شخصيتهم وهو قولهم:
" كلا ليس على الشخصية المصرية خطر من الحضارة الحديثة كما لم يكن على الشخصية اليابانية خطر من الحضارة الحديثة ولست أدرى لم تضيع شخصية المصريين إذا ساروا سيرة الأوربيين ولا تضيع شخصية اليابانيين مع أن لمصر من المجد والسابقة ما ليس لليابان مثله؟ص50
-قال "فلم يتحرج العرب المسلمون من أن يأخذوا بأسباب الحضارة الفارسية واليونانية كما أخذ بها الفرس والروم الذين لم يكونوا مسلمين فى ذلك الوقت لم يتحرجوا من ذلك ولم يرفضوه وليس من شك فى أنهم جنوا من ذلك بعض الشر فساءت الأخلاق والسير فى بعض الجهات وفسدت العقائد ودخائل النفوس فى بعضها الآخر ولكن شيئا من ذلك لم يرد المسلمين عن الأخذ بأسباب الحضارة الفارسية واليونانية لأنهم جنوا من ذلك ثمرات حلوة لا تزال الإنسانية تستمتع بها إلى الآن فهم قد صاغوا من هاتين الحضارتين ومن تراثهم القديم هذه الحضارة الإسلامية الرائعة التى أزهرت أيام بنو أمية وبنى العباس والتى يحرص المحافظون منا عليها أشد الحرص وهذه الحضارة الإسلامية الرائعة لم يأت بها المسلمون من بلاد العرب وإنما أتوا ببعضها من هذه البلاد وببعضها الآخر من مجوس الفرس وببعضها الآخر من نصارى الروم"ص45
طه حسين ينسب الحضارة الإسلامية لغير الإسلام فلها ثلاث مصادر الحضارة الفارسية والحضارة اليونانية والتراث القديم لبلاد العرب وهو كلام ليس لصاحبه عقل فكيف تكون إسلامية وليس الإسلام مصدر لها أو حتى لجزء منها ؟
ومن ثم فالإسلام عنده هنا ليس من عند الله وإنما هو اختراع بشرى مشترك وكتب التاريخ المعروفة تخبرنا أن لا الفرس ولا الروم ولا حتى العرب كان لديهم حضارة تقنية متقدمة فالتقنية هى أساس الحضارة عند الناس فالكل كان يعيش فى ظلم وتخلف فى ظل المجوسية وظلم الرومان المسيحيين فأدوات الحرب كانت سيوفا ورماحا وسهاما وخيولا ومنجنيق ونفط وكانت لدى الكل تقريبا
والخطأ هو أن المسلمين أخذوا بأسباب تلك الحضارات ولا نعرف مسلما يأخذ بأسباب يحرمها دينه وإنما هو يأخذ ما أباحه الله
-قال " ولست أدرى أمخطىء أنا أم مصيب ولكنى أوثر إذا أردت أن أسعى إليه جهرة وفى وضح النهار لا أن أسعى إليه سرا وفى ظلمة الليل "ص48
بعد كل هذا اللت والعجن فى كتاب تبلغ صفحاته الثلاثمائة ولكن الخمسين الأولى منه هى المهمة وهى التى فيها معظم الأخطاء نجد الرجل يقول أن كلامه السابق كله لا يعرف صحته من بطلانه ونجد أن الرجل مصر على نشر لته وعجنه للناس مع أنه جاهل بصحته أو بطلانه
هل هذه المقولة هى للتخلص من دعواته للكفر حتى إذا وقف بين يدى قاضى يتملص مما قاله ؟
بالقطع الله أعلم ولكن ما أراه هو أن الرجل كان محميا من فرنسا ومن غيرها
-قال " كلا ليس على الشخصية المصرية خطر من الحضارة الحديثة كما لم يكن على الشخصية اليابانية خطر من الحضارة الحديثة ولست أدرى لم تضيع شخصية المصريين إذا ساروا سيرة الأوربيين ولا تضيع شخصية اليابانيين مع أن لمصر من المجد والسابقة ما ليس لليابان مثله؟ص50
ما زال طه مصرا على مقولة الشخصية المصرية التى قلنا مرارا وتكرارا أنه لا وجود لها فهذه القطعة الأرضية تحوى شخصيات متعددة لأن التقاليد والسنن تختلف من بلد لبلد فيها ومن منطقة لأخرى
-قال " من الحق أن الحضارة الأوربية مادية المظاهر وقد نجحت من هذه الناحية نجاحا باهرا فوفقت على العلم الحديث ....ولكن من أجهل الجهل واخطأ الخطأ أن يقال إن هذه الحضارة المادية قد صدرت عن المادة الخالصة إنها نتيجة العقل إنها نتيجة الخيال إنها نتيجة الروح إنها نتيجة الروح الخصب المنتج نتيجة الروح الحى الذى يتصل بالعقل فيغذوه وينميه ويدفعه إلى التفكير ثم على الإنتاج ثم على استغلال الإنتاج نتيجة هذا الروح العاكف على نفسه الفارغ لها الفانى فيها الذى تفسده الأثرة عليه أمره فلا ينفع ولا ينتفع ولا يفيد ولا يستفيد "ص51
نجد طه هنا يناقض نفسه فى مصدر الحضارة الأوربية فهى نتيجة العقل مرة ونتيجة الخيال مرة ونتيجة الروح وهى ليست روحا واحدة بل أرواح متعددة أو نتيجتهم معا ومع هذا يقول أنها صدرت عن شرقنا القريب فى قوله:
"فشرقنا القريب كما رأيت هو مهد هذا العقل الذى يزدهى ويزدهر فى أوربا وهو مصدر هذه الحضارة الأوربية التى نريد أن نأخذ بأسبابها "ص52
-قال "وقد سمعت منذ عهد بعيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر يتحدث إلى المسلمين عن طريق الراديو فى موسم من المواسم الدينية فيعلن أن محور القومية يجب أن يكون القبلة المطهرة وهذا صحيح حين يتحدث شيخ من شيوخ المسلمين إلى المسلمين ولكن الشباب الأزهريين يجب أن يتعلموا فى طفولتهم وشبابهم أن هناك محورا أخر للقومية لا يناقض المحور الذى ذكره الشيخ الأكبر وهو محور الوطنين التى تحصرها الحدود الجغرافية الضيقة لأرض الوطن ولست أرى بأسا على الشيخ الأكبر ولا على زملائه من أن يتصوروا القومية الإسلامية كما تصورها المسلمون منذ أقدم العصور إلى هذه الأيام ولكن هناك صورا جديدة للقومية والوطنية قد نشأت فى هذا العصر الحديث "ص64
الخطأ أن محور الوطنية لا يناقض محور الإسلام وهو محور القبلة فالمسلم عندما يكون فى بلد كافر لا يحق له أن يحارب المسلمين فى دولتهم لأن وطنيته المزعومة ساعتها تناقض أحكام دينه والوطنية المزعومة نجعل تجنيده فى جيش بلده الكافر واجب ولكن الإسلام يحرم عليه الانضمام لذلك الجيش وإلا كان كافرا بدينه
وتناول طه حكاية الثقافة المصرية فبين أنها موجودة وجودا ضعيفا بقوله :
"أتوجد ثقافة مصرية؟ وما عسى أن تكون؟ فأما أنا فأجيب على هذه المسألة بأن الثقافة المصرية مهما تكن ضعيفة ومهما تكن ناقصة ومهما تكن محتاجة إلى التقوية والتنمية والإصلاح فهى موجودة ما فى ذلك وما ينبغى أن يكون فى ذلك شك "ص293
ومع قوله بكونها ضعيفة ناقض نفسه فجعلها متميزة متفردة بقوله :
"هى موجودة متميزة فى خصالها وأوصافها التى تنفرد بها عن غيرها من الثقافات "ص293
وقد عدد طه صفاتها وهى :
"وأول هذه الصفات المميزة لثقافتنا المصرية أنها تقوم على وحدتنا الوطنية وتتصل اتصالا قويا بنفوسنا المصرية الحديثة كما تتصل بنفوسنا المصرية القديم أيضا تتصل بوجودها المصرى فى حاضره ومستقبله ومن حيث لأنها تصور آمالنا ومثلنا العليا فى الحياة فهى تتصل بمستقبلنا أيضا بل هى تدفعنا إلى هذا المستقبل دفعا ولك أن تنظر فى أى لون من ألوان العلم والأدب والفن التى تدرس فى مصر التى ينتج فيها العلماء والأدباء والفنانون المصريون فسترى أنها مطبوعة بالطابع المصرى سترى فيها هذا الذوق المصرى الذى ليس هو ابتساما خالصا ولا عبوسا خالصا ولكنه شىء فيما بين ذلك فيه كثير من الابتهاج وفيه قليل من البؤس...سترى فيها الاعتدال المصرى الذى يشتق من اعتدال الجو المصرى ....... ثم ستراها قد اتخذت اللغة العربية المصرية لها أداة مرنة أنيقة رشيقة........ ولا تقل إن اللغة العربية مشتركة بين مصر وغيرها من البلاد العربية فهذا حق ولكن لمصر مذهبها الخاص فى التعبير كما أن لها مذهبها الخاص فى التفكير والبلاد الأخرى تتأثر مصر ولعلها تتنافس فى تأثر مصر فى تفكيرها وتعبيرها ص293
هنا عناصر أو ًصفات الثقافة المصرية هى :
الوحدة الوطنية والنفوس المصرية القديمة والذوق المصرى والاعتدال المصرى واللغة العربية وهو ما يناقض كونها التراث المصرى القديم والتراث العربى والحياة الأوربية الحديثة فى قوله :
"وإذا أردت أن تحلل الثقافة المصرية إلى عناصرها الأولى فهذه العناصر بينة واضحة هى التراث المصرى الفنى القديم وهى التراث العربى الإسلامى وهى ما تكسبه كل يوم من من خير ما أثمرت الحياة الأوربية الحديثة هى هذه العناصر المختلفة المتناقضة فيما بينها أشد الاختلاف والتناقض تلتقى فى مصر فيصفى بعضها بعضا ويهذب بعضها ببعضا"ص
ينتهى هنا الكلام الخاطىء الذى صدعنا به طه حسين ويبدأ الكتاب بداية أخرى غالبها فى إصلاح التعليم وهو الجزء الأكبر من الكتاب وللرجل فيه حسنات كدعوته لإلغاء تدريس اللغات الأجنبية فى المراحل الأولى من التعليم فى قوله:
"-قال " أما نحن فجوابنا فى ذلك قاطع صريح وهو أن اللغة الأجنبية لا ينبغى أن تدرس فى هذا القسم من التعليم العام لا فى السنة الأولى ولا فى الثانية ولا فى الثالثة ولا فى الرابعة وإنما يجب أن يخلص هذا القسم من أقسام التعليم العام كما خلص التعليم الأولى للثقافة الوطنية الخالصة"ص151
وكدعوته لتنويع اللغات الأجنبية التى ينبغى تدريسها فيما بعد فى المراحل الأخرى وله فيها سيئات وهذا الجزء يعرض فيها طه حسين مشاكل المعلمين والتعليم وهى مشاكل ما زالت قائمة حتى الآن مثل ضعف مرتبات المعلمين ومثل النزاع بين وزارتى التعليم فيمن يعد المعلم للتعليم قبل الجامعى ومثل عدم تبعية جهات التعليم لجهة واحدة حيث يوجد تعليم مدنى وتعليم دينى وتعليم عام وتعليم خاص كما يعرض لمشكلة أساتذة الجامعة
ومع هذا لم يسلم الرجل فى هذا الجزء من التناقض فمثلا يطالب بكون التعليم خاضع لجهة واحدة تضع المناهج والبرامج بحيث يكون التعليم واحدا لكل من فى الوطن فى قوله:
"والدولة وحدها هى التى تستطيع أن تضع المناهج والبرامج لهذا التعليم وأن تقوم على تنفيذ هذه المناهج والبرامج وأن تلاحظ ذلك ملاحظة متصلة دقيقة حتى لا ينحرف التعليم عن الطريق التى رسمت له وحتى لا ينتهى إلى غرض مباين للغرض الذى أنشىء من أجله "ص54
ومع هذا يعود فيبيح وجود التعليم الأجنبى فى مصر بقوله:
" ولست أدعو إلى إغلاق المدارس والمعاهد الأجنبية بل أنا بعيد عن ذلك كل البعد نافر منه أشد النفور "ص57
ويطالب بالرقابة عليه فيقول:
"ومن الأوليات ان من حقنا ومن الحق علينا أن نثبت بالملاحظة والتفتيش أن المدارس الأجنبية لا تنحرف بالتلاميذ عن دين آباءهم ولا تتخذهم موضوعا للدعوة والتبشير"ص59
ويعود فيحرمه لكونه مخالف للسيادة الوطنية فيقول:
"ويجب أن يفهم الأجانب والمصريون جميعا أن قيام المدارس الأجنبية فى أرض البلاد المستقلة مخالف لطبيعة السيادة الوطنية "ص59
ومع هذا يعود فيهدم المقولة فيبيح التعليم الأجنبى والخاص الوطنى فيقول :
"أنا بعيد كل البعد عن هذا لأنى أعلم أن الدولة التى تبيح لأجانب أن يقيموا المدارس فى أرضها لا تستطيع أن تحظر ذلك على أبناء الوطن ثم لأنى من أشد الناس حرصا على تشجيع الجهود الخاصة التى يبذلها الأفراد والجماعات لا فى سبيل التعليم وحده بل فى سبيل المرافق العامة كلها"ص60
ومع كلامه السابق فى وحدة التعليم يعود فيبقى على التعليم الأزهرى كما هو فيقول :
"وأنا بعيد كل البعد عن أن أدعو على المساس بجوهر التعليم الدينى فى الأزهر وما يتصل به من المعاهد المنبثة فى الإقليم فقد قدمت أن الدين مقوم من مقومات الشخصية الوطنية وأنا مؤمن بهذا فيما بينى وبين نفسى اشد الإيمان"ص61
ويعيد طه حسين سبب فساد التعليم للإنجليز فيقول :
"فهناك التعليم الرسمى المدنى الذى تنشئه الدولة وتقوم عليه وقد كان على الآن متواضعا هين الأمر يقصد به على أغراض متواضعة هينة وقد رسم الإنجليز له طريقة محدودة ضيقة فأفسدوه وأفسدوا نتائجه وآثاره أشد إفساد ونحن نبذل منذ أعوام جهودا مختلطة مضطربة لإصلاح ما أفسد الإنجليز فلا نكاد نوفق فى بعض الأمر حتى تعدو العاديات فتردما على الإخفاق والخذلان "ص54
تم