إن الله لا يعذّب الكافرين لأنه سادي كما يزعم الملحدون كثيراً .. بل لأن العذاب والنار هما (عقوبة الجريمة الأخلاقية) ..

وبالعكس يكون النعيم والجنة هما ( جزاء ومثوبة الإلتزام الأخلاقي ) ..

إن حكاية الله مع البشر ، ليست في طاعة أوامر وإجتناب نواهي وإلتزام بشرائع محددة للنجاة فقط.. لا ، هذا كله غير صحيح ..

إن حكاية الله مع البشر ، هي حكاية (أخلاقية) ..

الله يتعامل بالأخلاق مع البشر ، فمثلاً الله هو البادئ والخالق لهذا الكون ، مما يعني أن الله يعطي ، والعطاء عبارة عن فضيلة وخلق ..
والله خلق الإنسان وجعل ما في الكون (مسخراً) ومهيّئاً له .. وهذه نعمة وفضيلة أخرى أعطاها للإنسان ..
والله خلق السمع والبصر والحس للإنسان من أجل أن يعرف كيف يتعاطى مع العالم من حوله .. وهذه نعمة أخرى ..
والله وهب الإنسان عقلاً يفكر فيه ، ويستعمله لحل المشاكل التي تواجه في حياته .. وهذه نعمة أخرى ..

لا استطيع أن استمر في تعداد نعم الله علينا فقط ، فكيف بالنعم التي لا نعلم ؟ ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، هكذا قال الله عن نفسه ..

عند استحضار هذه النعم في بالنا .. نجد أنفسنا غارقين في الديون الأخلاقية مع الله ، فهو صاحب النعمة والفضيلة علينا في كل شيء ..

نحن البشر الآن مديونون عند الله ، ولا بد من طريقة لنردّ هذا (الدَّيْن) الذي علينا لله سبحانه ، أو على الأقل بعض منه ..

هنا تأتي فكرة (الدِّيْن) تماماً .. لتسد هذه الأزمة المقلقة أخلاقياً للإنسان الذي يجد نفسه مثقلاً بالديون الأخلاقية الإلهية ..

الدين ما هو إلا استرداد للديون الأخلاقية الإلهية ، أو بالأحرى بعضها ، بل أقل القليل منها ..

وبالتالي ، فإن الله (يحاسب) الناس على (ديونهم) الأخلاقية التي عليهم .. "لاحظ أن المصطلحات البين قوسين تشبه تماما المصطلحات التي نستخدمها في المديونية" ..

ولكن البشر لهم حرية إختيار مكفولة بالضرورة .. فبعض الناس (ينكر) هذا الدّين الأخلاقي الذي عليه لله ، بأي شكل كان ، وهي مختلفة ومتباينة جداً .. وهذا النكران للدين ، سوف يُحاسَب عليه المنكر للأخلاق ، وهذه المحاسبة هي المحاسبة الأخروية ، وبالتالي يستحق المنكر النار ، لأنه لم يسدد الديون الأخلاقية التي عليه ، وهو سيعترف بها لاحقاً هناك في الآخرة ، ولكن بعد فوات الأوان ..

والبعض الآخر يقرّ بوجود هذا الدين الأخلاقي الذي عليه ، وبالتالي فهو يتبع ديناً يسدد من خلاله المستحقات التي عليه لله ، ومن فعل ذلك لله وحده ، فهو الذي سينجو من العقاب الأخلاقي الأخروي ، ويفوز بالنعيم لأنه أوفى الأخلاق إلى صاحب الأخلاق ..

هذه هي حكاية الدين ، الدين هو الخيط الدقيق الذي يمسك بأحجار الأخلاق الكريمة والفضائل ، المحيطة كالعِقْد على رقبة الإنسان ..