وذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم وليس له أول ولم يزل كان هكذا ولا يزال يكون هكذا رجل من نطفة ونطفة من رجل وحبة من نبات ونبات من حب ودجاجة من بيضة وبيضة من دجاجة وليل بعد نهار ونهار بعد ليل
والكلام في هذه المسالة على طريقين إثبات أصول ومقدمات إذا صحت وثبتت ثبت حدوث العالم
والثاني يدل على بطلان مذهبهم واستحالة قولهم
أما الطريق الأول فيعتمد على ثلاثة أصول الأصل الأول يدل على إثبات الأعراض وهي المعاني القائمة بالجواهر
وأنكرت طائفة من الملحدة الأعراض بالكلية وقالوا لا موجود إلا الجواهر
والدليل على ثبوت الأعراض انا نرى الجوهر ساكنا فيتحرك ويزول عن جهته التي كان فيها إلى غيرها مع جواز أن لا يتحرك ويبقى في جهته فإذا كان من الجائز أن لا يتحرك فإذا اختص بالحركة بدلا عن استمرار السكون لا بد له من موجب أوجب زواله عن محله ثم الموجب لا يخلو إما أن يكون نفسه وهو محال لأن نفسه كان موجودا قبل ذلك الوقت وبعده والحركة غير موجودة فثبت أن الموجب أمر زائد عليه
فإذا ثبت أنه يقتضي معنى زائدا عليه فلا بد وأن يكون ذلك المعنى ثانيا موجودا لأن العدم نفي محض والنفي لا يجوز أن يكون موجبا حكما
فإذا ثبت أن الزائد على الجوهر موجود فلا يخلو إما أن يكون مثل الجوهر أو خلافه ولا يجوز أن يكون مثله لأن مثل الجوهر جوهر آخر فليس أحد الجوهرين بإيجاب حركة في الآخر بأولى من أن يكون الجوهر الآخر موجبا غير تلك الحركة فيه
فإذا ثبت أنه خلافه فلا يخلو إما أن يكون فاعلا مختارا أو معنى قائما به هو الموجب
ولا يجوز أن يكون ذلك الخلاف فاعلا مختارا لأن الكلام في جوهر موجود والموجود لا يفعل بل يستغني بوجوده عن الفاعل فثبت أنه معنى زائد عليه قائم به وهو ما ذكرناه من الأعراض
الأصل الثاني يدل على أن ما أثبتناه من الأعراض حادثة والدليل
عليه أن الجوهر الساكن إذا تحرك فقد طرت عليه الحركة ودل طريانها على انتفاء السكون عنه وانتفاء السكون دليل حدوثه لأن القديم يستحيل عدمه
فإن قيل ولم أنكرتم على من يقول أن الحركة ما حدثت والسكون ما انتفى ولكن الحركة كانت كامنة فظهرت والسكون كان ظاهرا فكمن وتستر
قلنا لو كان كذلك لاجتمع الحركة والسكون في المحل وقد علمنا استحالة كون الشيء الواحد متحركا ساكنا فكذلك يستحيل اجتماع الحركة والسكون فإن قيل ولم قلتم أن القديم يستحيل عدمه
قلنا الدليل على استحالة عدمه أنه لو جاز عدمه لكان لا يخلو اما أن يقال عدمه حالة ما يعدم واجب حتى يستحيل عليه البقاء على تلك الحال أي حالة الوجود أو يقال عدمه في تلك الحالة من الجائزات ويجوز أن يستمر وجوده في تلك الحالة أي حالة الوجود بدلا عن العدم ولا يجوز أن يكون العدم في تلك الحالة واجبا حتى لا يجوز استمرار الوجود لأنا نجوز بقاء الحركة في المتحرك حالة ما سكن ولو كان عدم الحركة واجبا لاستحال تقدير بقائها في تلك الحالة وإن كان عدمه جائزا واستمرار الوجود جائزا فمحال لأنه إذا جاز بقاؤه وجاز عدمه فلا يختص بأحد الجائزين إلا بمخصص يقصد إلى التقديم لأجل الجائزين على الآخر وهم أنكروا الصانع والمخصص
فإن قيل ولم لا يجوز أن يكون عدمه لضد يطرأ عليه فيبطله
قلنا هذا محال لأن الطارئ كما يضاد القديم فالقديم يضاد الطارئ أيضا فلم كان إبطال القديم بالضد الطارئ أولى من امتناع ثبوت الطارئ بمضادة القديم له
فإن قيل ولم لا يجوز أن تكون الحركة قد انتقلت من جوهر آخر إليه
قلنا الحركة هو الانتقال ولو افتقر الانتقال إلى انتقال آخر لافتقر ذلك الانتقال إلى انتقال آخر ثم لا يزال كذلك فيتسلسل وذلك محال
الأصل الثالث أن عند أهل الحق يستحيل خلو الجواهر عن الأعراض
بيانه أنه لا يجوز أن يكون جوهر لا يكون له لون أصلا ولا يكون له طعم أصلا ولا يكون ساكنا ولا متحركا وكذلك لا يجوز أن يكون جواهر لا متصلة مجتمعة ولا متباينة متفرقة
فأما إذا أردنا الكلام مع الملحدة نفرض في الأكوان فنقول الجواهر القابلة للاجتماع والافتراق غير مجتمعة ولا متباينة لا يعقل
وأيضا فإنهم جوزوا الاجتماع والافتراق فيما لا يزال ولا يعقل اجتماع موجودين إلا عن افتراق سابق ولا افتراق موجودين إلا عن اجتماع سابق
(الغنية فى أصول الدين)
والكلام في هذه المسالة على طريقين إثبات أصول ومقدمات إذا صحت وثبتت ثبت حدوث العالم
والثاني يدل على بطلان مذهبهم واستحالة قولهم
أما الطريق الأول فيعتمد على ثلاثة أصول الأصل الأول يدل على إثبات الأعراض وهي المعاني القائمة بالجواهر
وأنكرت طائفة من الملحدة الأعراض بالكلية وقالوا لا موجود إلا الجواهر
والدليل على ثبوت الأعراض انا نرى الجوهر ساكنا فيتحرك ويزول عن جهته التي كان فيها إلى غيرها مع جواز أن لا يتحرك ويبقى في جهته فإذا كان من الجائز أن لا يتحرك فإذا اختص بالحركة بدلا عن استمرار السكون لا بد له من موجب أوجب زواله عن محله ثم الموجب لا يخلو إما أن يكون نفسه وهو محال لأن نفسه كان موجودا قبل ذلك الوقت وبعده والحركة غير موجودة فثبت أن الموجب أمر زائد عليه
فإذا ثبت أنه يقتضي معنى زائدا عليه فلا بد وأن يكون ذلك المعنى ثانيا موجودا لأن العدم نفي محض والنفي لا يجوز أن يكون موجبا حكما
فإذا ثبت أن الزائد على الجوهر موجود فلا يخلو إما أن يكون مثل الجوهر أو خلافه ولا يجوز أن يكون مثله لأن مثل الجوهر جوهر آخر فليس أحد الجوهرين بإيجاب حركة في الآخر بأولى من أن يكون الجوهر الآخر موجبا غير تلك الحركة فيه
فإذا ثبت أنه خلافه فلا يخلو إما أن يكون فاعلا مختارا أو معنى قائما به هو الموجب
ولا يجوز أن يكون ذلك الخلاف فاعلا مختارا لأن الكلام في جوهر موجود والموجود لا يفعل بل يستغني بوجوده عن الفاعل فثبت أنه معنى زائد عليه قائم به وهو ما ذكرناه من الأعراض
الأصل الثاني يدل على أن ما أثبتناه من الأعراض حادثة والدليل
عليه أن الجوهر الساكن إذا تحرك فقد طرت عليه الحركة ودل طريانها على انتفاء السكون عنه وانتفاء السكون دليل حدوثه لأن القديم يستحيل عدمه
فإن قيل ولم أنكرتم على من يقول أن الحركة ما حدثت والسكون ما انتفى ولكن الحركة كانت كامنة فظهرت والسكون كان ظاهرا فكمن وتستر
قلنا لو كان كذلك لاجتمع الحركة والسكون في المحل وقد علمنا استحالة كون الشيء الواحد متحركا ساكنا فكذلك يستحيل اجتماع الحركة والسكون فإن قيل ولم قلتم أن القديم يستحيل عدمه
قلنا الدليل على استحالة عدمه أنه لو جاز عدمه لكان لا يخلو اما أن يقال عدمه حالة ما يعدم واجب حتى يستحيل عليه البقاء على تلك الحال أي حالة الوجود أو يقال عدمه في تلك الحالة من الجائزات ويجوز أن يستمر وجوده في تلك الحالة أي حالة الوجود بدلا عن العدم ولا يجوز أن يكون العدم في تلك الحالة واجبا حتى لا يجوز استمرار الوجود لأنا نجوز بقاء الحركة في المتحرك حالة ما سكن ولو كان عدم الحركة واجبا لاستحال تقدير بقائها في تلك الحالة وإن كان عدمه جائزا واستمرار الوجود جائزا فمحال لأنه إذا جاز بقاؤه وجاز عدمه فلا يختص بأحد الجائزين إلا بمخصص يقصد إلى التقديم لأجل الجائزين على الآخر وهم أنكروا الصانع والمخصص
فإن قيل ولم لا يجوز أن يكون عدمه لضد يطرأ عليه فيبطله
قلنا هذا محال لأن الطارئ كما يضاد القديم فالقديم يضاد الطارئ أيضا فلم كان إبطال القديم بالضد الطارئ أولى من امتناع ثبوت الطارئ بمضادة القديم له
فإن قيل ولم لا يجوز أن تكون الحركة قد انتقلت من جوهر آخر إليه
قلنا الحركة هو الانتقال ولو افتقر الانتقال إلى انتقال آخر لافتقر ذلك الانتقال إلى انتقال آخر ثم لا يزال كذلك فيتسلسل وذلك محال
الأصل الثالث أن عند أهل الحق يستحيل خلو الجواهر عن الأعراض
بيانه أنه لا يجوز أن يكون جوهر لا يكون له لون أصلا ولا يكون له طعم أصلا ولا يكون ساكنا ولا متحركا وكذلك لا يجوز أن يكون جواهر لا متصلة مجتمعة ولا متباينة متفرقة
فأما إذا أردنا الكلام مع الملحدة نفرض في الأكوان فنقول الجواهر القابلة للاجتماع والافتراق غير مجتمعة ولا متباينة لا يعقل
وأيضا فإنهم جوزوا الاجتماع والافتراق فيما لا يزال ولا يعقل اجتماع موجودين إلا عن افتراق سابق ولا افتراق موجودين إلا عن اجتماع سابق
(الغنية فى أصول الدين)