"قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الرعد "وقد خلت من قبلهم المثلات"فالسنن هى المثلات وهم الأقوام الهالكة وقوله بسورة ق"فنقبوا فى البلاد"فانظروا تعنى نقبوا والأرض تعنى البلاد وقوله بسورة النمل"فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" فالمكذبين هم المجرمين والمعنى قد مضت من قبلكم أمم فارتحلوا فى البلاد فاعلموا كيف كان جزاء الكافرين ،يبين الله للناس أن السنن وهى الأمم السابقة قد خلت أى هلكت بسبب الكفر ويطلب منهم أن يسيروا فى الأرض والمراد أن يسافروا عبر البلاد فينظروا كيف كان عاقبة المكذبين والمراد فيعلموا كيف كان جزاء الكافرين حتى يأخذوا مما حدث لهم العظة والعبرة .
"هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة إبراهيم "هذا بلاغ للناس"فالبيان هو البلاغ وقوله بسورة الجاثية"هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون"فالبيان هو البصائر والموعظة هى الرحمة والمتقين هم الذين يوقنون والمعنى هذا بلاغ للخلق و إرشاد أى علامة للمطيعين لله،يبين الله للناس أن القرآن هو بيان للناس والمراد حكم يوضح لهم الحق من الباطل و هو هدى أى معرفة ترشد الخلق للحق وفسره بأنه موعظة أى علامة تعلم المتقين أى المطيعين لله الحق من الباطل فتؤدى بهم للرحمة وهى الجنة والخطاب للنبى(ص).
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم "فالوهن هو الدعوة للسلام وقت النصر وقوله بسورة البقرة"إن كنتم صادقين"فمؤمنين تعنى صادقين والمعنى ولا تضعفوا أى لا تخافوا من الكفار وأنتم المنتصرون إن كنتم مصدقين بحكم الله ،يطلب الله من المؤمنين ألا يهنوا أى ألا يحزنوا والمراد ألا يضعفوا فيطلبوا السلام من الكفار وهم الأعلون والمراد وهم المنتصرين على الكفار إن كانوا مؤمنين أى مصدقين لحكم الله ومن هنا يحرم على المسلمين أن يطلبوا الصلح مع الكفار وقت انتصارهم على الكفار والخطاب للمؤمنين.
"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها"فالقرح هو المصيبة ومس تعنى أصاب وقوله بنفس السورة "فإن الله لا يحب الكافرين "فالظالمين هم الكافرين والمعنى إن يصبكم ضرر فقد أصاب الكفار ضرر مشابه وتلك الأوقات نديرها بين الخلق وليعرف الله الذين صدقوا منكم ويجعل منكم شهداء والله لا يرحم الكافرين،يبين الله للمؤمنين أنهم إن يمسسهم قرح والمراد إن تصبهم هزيمة فقد مس القوم قرح مثله والمراد فقد أصابت الكفار هزيمة مماثلة لها فى بدر ،ويبين لهم أن الأيام يداولها بين الناس والمراد أن الإنتصارات فى الحرب يديرها بين الخلق فليس هناك أمة تنتصر بإستمرار فقد تنتصر اليوم أمة ثم تنهزم فى الغد وهكذا ،ويبين لهم أن الجهاد شرع ليعلم أى ليعرف الله الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله من الذين كفروا به ،ويبين لهم أنه يتخذ منهم شهداء والمراد ويجعل بعض المؤمنين قتلى فى سبيل الله ،ويبين لهم أنه لا يحب الظالمين أى لا يرحم الكافرين فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين.
"وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"المعنى وليرحم الله الذين صدقوا بحكمه ويعذب المكذبين بحكمه،يبين الله للنبى(ص) أنه يمحص الذين آمنوا أى يرحم أى ينصر الذين صدقوا به فى الدنيا والأخرة ويمحق الكافرين والمراد ويهزم أى ويعذب المكذبين بحكمه فى الدنيا والأخرة والخطاب للنبى(ص).
"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" المعنى هل ظننتم أن تسكنوا الحديقة ولما يعرف الله الذين حاربوا منكم أى يعرف المطيعين له،يسأل الله المؤمنين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والمراد هل خلتم أن تقيموا بالجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم أى الصابرين والمراد ولما يعرف الذين حاربوا منكم فى سبيل الله أى المطيعين له من العاصين له ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن دخول الجنة متوقف على الجهاد وهو الصبر وهو طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون "المعنى ولقد كنتم تطلبون الوفاة من قبل أن تقابلوها فقد شاهدتموها وأنتم تعلمون ،يبين الله للمؤمنين أنهم كانوا يتمنون الموت أى كانوا يطلبون الوفاة وهى الشهادة فى سبيل الله من قبل أن تأتى لهم أسباب الشهادة وهى الحرب التى رأوها أى شاهدوها وهم ينظرون أى وهم يرون مصير غيرهم من القتل والجرح .
"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المرسلات"إنا كذلك نجزى المحسنين"فالشاكرين هم المحسنين والمعنى وما محمد(ص)إلا مبعوث قد ماتت من قبل المبعوثين أفإن توفى أو استشهد رجعتم إلى أديان الكفر ومن يرجع إلى كفره فلن يؤذى الله أذى وسيرحم الله المطيعين ،يبين الله للمؤمنين أن محمد(ص)ليس سوى رسول قد خلت من قبله الرسل(ص)ليس سوى نبى قد ماتت الأنبياء(ص)الذين تم بعثهم قبله ومن ثم فهو يموت مثلهم ويسأل الله :أفإن مات أى توفى أو قتل أى استشهد فى القتال انقلبتم على أعقابكم أى عدتم إلى أديان الكفر التى كنتم عليها سابقا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن موت الرسول (ص)أو قتله لا يعنى إنتهاء الإسلام والعودة لأديان الكفر وإنما يعنى التمسك بالإسلام سواء كان حيا أو ميتا ،ويبين لهم أن من ينقلب على عقبيه والمراد من يرجع إلى كفره فسيعاقبه الله ولن يضر الله شيئا والمراد لن ينقص من دين الله بعضا ويبين لهم أنه سيجزى الشاكرين أى سيرحم المطيعين لحكمه فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين.
"وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الإسراء" من كان يريد العاجلة عجلنا له منها ما نشاء لمن نريد"فالدنيا هى العاجلة ونؤته تعنى عجلنا له وقوله بسورة الشورى"من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه"فثواب تعنى حرث ونؤته تعنى نزد له وقوله بسورة النحل"كذلك يجزى الله المتقين"فالشاكرين هم المتقين والمعنى وما كان لمخلوق أن يتوفى إلا بأمر الله موعدا محددا ومن يطلب متاع الأولى نعطه منها ومن يطلب جنة القيامة نعطه منها وسنرحم المطيعين لله ،يبين الله لنا أن النفس والمراد المخلوق لا يمكن أن يموت أى يتوفى إلا بإذن الله والمراد بأمر الله وأمر الله يكون فى الكتاب المؤجل والمراد الموعد المحدد لموت المخلوق فى الكتاب عند الله،ويبين لنا أن من يرد ثواب الدنيا والمراد من يطلب متاع الحياة الأولى يؤته الله منها والمراد يعطى الله له فيها الذى يريد الله وليس هو ومن يرد ثواب الآخرة يؤته منها والمراد ومن يطلب جنة القيامة بطاعة حكم الله يعطه جزء منها هو جنتان كما قال بسورة الرحمن"ولمن خاف ربه جنتان"ويبين لنا أنه سيجزى الشاكرين والمراد سيدخل الله المطيعين لحكمه الجنة والخطاب للناس .
"وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام"ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا"فعدم الوهن هو الصبر على التكذيب والأذى وقوله بسورة آل عمران "والله يحب المحسنين"فالصابرين هم المحسنين والمعنى وكم من رسول حارب معه مسلمون كثيرون فما ضعفوا للذى أذاهم فى نصر دين الله أى ما وهنوا أى ما سكتوا والله يرحم المطيعين لله ،يبين الله أن عدد المرات التى قاتل أى جاهد فيها النبيون (ص)مع الربيون وهم أتباع الرب أى المطيعين لحكم الله كانت كثيرة وكان أتباع الرب كانوا كثيرين وهم لم يهنوا أى يضعفوا أى يستكينوا والمراد لم يسكتوا على الكفار بسبب ما أصابهم أى ما مسهم من الأذى والضرر فى سبيل الله وهو نصر دين الله والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الجهاد واجب وأن الوهن وهو الضعف مرفوض محرم ،ويبين لنا أنه يحب الصابرين والمراد أنه يرحم المطيعين له بإدخالهم الجنة والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "كفر عنا سيئاتنا"فاغفر تعنى كفر وذنوبنا تعنى سيئاتنا وقوله بسورة هود"ما نثبت به فؤادك "فتثبيت الأقدام هو تثبيت الفؤاد وقوله بسورة الصف "فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم "فانصرنا تعنى أيدنا والكافرين هم العدو والمعنى وما كان ردهم إلا أن قالوا :إلهنا كفر عنا سيئاتنا أى تفريطنا فى إسلامنا ورسخ قلوبنا و أيدنا على الناس المكذبين بحكمك ،يبين الله لنا أن الصابرين وهم الربيون قالوا :ربنا اغفر لنا ذنوبنا أى كفر عنا سيئاتنا أى اترك عقابنا على جرائمنا وفسروا الذنوب بأنها إسرافهم فى الأمر أى تفريطهم فى طاعة حكم الله فهى عصيانهم لحكم الله وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله العفو عن الخطايا التى ارتكبوها ،وقالوا وثبت أقدامنا أى رسخ أنفسنا أى انصر قلوبنا على وساوس الشهوات بطاعة حكمك فهم يطلبون أن يجعلهم الله مستمرين فى إسلامهم حتى الموت ،وقالوا وانصرنا على القوم الكافرين والمراد أيدنا على الجماعة المكذبين بحكم الله وهذا يعنى أنهم يطلبون التأييد على الظالمين .
"فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا"فثواب الدنيا هو نصر المسلمين على الكفار وقوله بسورة المائدة "فأثابهم الله بما قالوا جنات "فأتاهم تعنى أثابهم وثواب الآخرة تعنى الجنات وقوله بسورة آل عمران "والله يحب الصابرين"فالمحسنين هم الصابرين والمعنى فأعطاهم الله حكم الأولى وخير جزاء القيامة والله يرحم المطيعين لحكمه،يبين الله لنا أنه أعطى الربيين ثواب الدنيا وهو حكم الأولى بحكم الله وهذا هو نصرهم على الكفار وحسن ثواب الأخرة وهو خير جزاء القيامة وهو الجنة ،ويبين لنا أنه يحب المحسنين أى يرحم المتبعين لحكمه بإدخالهم الجنة ونصرهم فى الدنيا.
"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"فالأعقاب هى أديان الكافرين وقوله بسورة آل عمران"فينقلبوا خائبين "فخاسرين تعنى خائبين والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله إن تتبعوا حكم الذين كذبوا حكم الله يرجعوكم إلى كفركم فتصبحوا معذبين إن الله ناصركم أى هو أفضل المؤيدين ، يبين الله للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله أنهم إن يطيعوا الذين كفروا والمراد إن يتبعوا حكم الذين كذبوا حكم الله يردوهم على أعقابهم والمراد يعيدوهم إلى أديان الكفر التى كانوا عليها فينقلبوا خاسرين والمراد فيصبحوا هالكين معذبين فى الدنيا والأخرة ،ويبين الله لهم أنه مولاهم أى ناصرهم على عدوهم وفسر هذا بأنه خير الناصرين أى أحسن المؤيدين للمسلمين فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده.
"سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"فبئس مثوى المتكبرين" فالظالمين هم المتكبرين وقوله بسورة فصلت"فالنار مثوى لهم"فمأوى تعنى مثوى والمعنى سندخل فى نفوس الذين كذبوا الخوف بما جعلوا لله الذى لم يوح به وحيا ومقامهم جهنم وقبح مقام الكافرين،يبين الله للمؤمنين أنه سيلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب والمراد أنه سيدخل فى نفوس الذين كذبوا بوحى الله الخوف من حرب المسلمين والسبب فى إدخال الخوف فى نفوسهم هو أنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والمراد أنهم جعلوا لله أندادا لم يوحى فيهم وحيا أى بألفاظ أخرى أنهم جعلوا لله شركاء دون أن يصدر بهم حكم يبيح عبادتهم مثله ،ويبين لهم أن مأوى الكفار وهو المقام الذى سيقيمون فيه هو النار وأنه بئس أى ساء أى قبح مقام الكافرين.
"ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الأخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"وإذ يعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم "فالوعد الصادق هو إحدى الطائفتين وقوله بسورة البقرة"فتاب عليكم "فعفا تعنى تاب والمعنى ولقد حقق لكم الله قوله حين تقتلونهم بأمره حتى إذا خبتم أى اختلفتم فى الحكم أى خالفتم من بعد ما عرفكم ما تريدون منكم من يرجو الدنيا ومنكم من يرجو الجنة ثم شغلكم عنهم ليختبركم ولقد صفح عنكم والله صاحب نعمة على المصدقين ،يبين الله للمؤمنين أن الله صدقهم وعده والمراد أن الله نفذ لهم قوله إذ تحسونهم بإذنه أى حين تقتلوهم بأمر الله والمراد أن الله حقق لهم قوله بقتل الكفار فى بداية معركة أحد حتى اللحظة التى فشلوا أى تنازعوا فى الأمر أى عصوا والمراد اللحظة التى خابوا فيها أى اختلفوا فى حكم الغنائم أيتركونها أم يأخذونها فى وسط المعركة أى خالفوا أمر الرسول(ص)بالثبات من بعد ما أراهم ما يحبون والمراد من بعد ما أشهدهم الذى يودون وهو قتل الكفار ،ويبين الله للمؤمنين أن ساعة الخلاف منهم من يريد الدنيا والمراد منهم من يطلب متاع الأولى وهو هنا غنائم المعركة ومنهم من يريد الآخرة والمراد ومنهم من يسعى لنيل ثواب القيامة ،ويبين لهم أنه صرفهم أى شغلهم عن الكفار بالغنائم والسبب أن يبتليهم أى يختبرهم بالضرر الذى أصابهم من الكفار ،ويبين لهم أنه عفا عنهم أى تاب عليهم أى غفر لهم ذنب الخلاف ،ويبين لهم أنه ذو فضل على المؤمنين والمراد أنه صاحب رحمة بالمصدقين لحكم الله.
"إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الحديد"لكيلا تأسوا على ما فاتكم"فتحزنوا تعنى تأسوا وقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فخبير تعنى عليم وتعملون تعنى تصنعون والمعنى حين تعرجون ولا تجيبون على أحد والنبى(ص)يناديكم فى مؤخرتكم فجازاكم هما بهم لكيلا تغتموا بما سبقكم ولا ما أذاكم والله عليم بالذى تصنعون ،يبين الله للمؤمنين أنه شغلهم عن الكفار بالغنائم حين يصعدون والمراد حين يذهبون لأخذها من أماكنها وهم لا يلوون على أحد أى لا يجيبون على أحد ممن نادى عليهم بالثبات فى مواقعهم ،كما يبين لهم أن الرسول(ص)كان يدعوهم فى أخراهم والمراد أنه كان يناديهم فى مؤخرتهم أن يثبتوا فى مواقعهم ولا يذهبوا لأخذ الغنائم ،ويبين للمؤمنين أنه أثابهم والمراد عاقبهم على غمهم وهو همهم أى عصيانهم بغم هو عقاب ممثل فى إضرار الكفار بهم وعدم أخذهم الغنائم والسبب فى هذا العقاب هو ألا يحزنوا أى ألا يغتموا وألا يخافوا على ما فاتهم وهو ما سبقهم والمراد الغنائم وما أضرهم وهو ما وصلهم من أذى الكفار من جرح وقتل ،ويبين لهم أنه خبير بما يعملون أى عليم بكل ما يصنعون وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين.
"ثم أنزل من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شىء قل إن الأمر كله لله يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم فى بيوتكم لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور"المعنى ثم أرسل لكم من بعد الهم طمأنينة نوما يصيب جماعة منكم وجماعة قد أحزنتهم أنفسهم يعتقدون فى الله غير العدل اعتقاد الكفر يقولون هل لنا من الحكم من بعض قل إن الحكم كله لله يكتمون فى قلوبهم ما لا يظهرون لك يقولون لو كان لنا من الحكم أمر ما ذبحنا ها هنا قل لو كنتم فى مساكنكم لخرج الذين فرض عليهم الذبح إلى مراقدهم وليختبر الله الذى قلوبكم أى ليميز الذى فى نفوسكم والله محيط بنية النفوس ،يبين الله للمؤمنين أنه أنزل أمنة والمراد أرسل إليهم سكينة أى طمأنينة هى النعاس أى النوم الذى غشى أى أصاب طائفة أى جماعة من المسلمين وذلك من بعد الغم وهو العقاب الممثل فى الهزيمة،ويبين لهم أن منهم طائفة وهى جماعة قد أهمتهم أنفسهم والمراد قد غمتهم قلوبهم فشغلتهم بالباطل فهم يظنون فى الله غير الحق والمراد يعتقدون فى الله الباطل وهو ظن الجاهلية أى اعتقاد الكفر وهذا الإعتقاد هو أن الله ليس بيده الحكم بدليل أنه تركهم يهزمون ولم ينصرهم ومن ثم قالوا هل لنا من الأمر من شىء والمراد هل لنا من الحكم من بعض ؟وهذا يعنى أنهم يريدون بعض الحكم لهم ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للطائفة المغتمة إن الحكم كله لله مصداق لقوله تعالى بسورة يوسف"إن الحكم إلا لله" وهذا يعنى أن ليس لهم من الحكم بعض كما يريدون كما يعنى أن ما حدث لهم هو بأمر الله كعقاب على عصيانهم له ،ويبين الله لرسوله(ص)أنهم يخفون فى صدورهم ما لا يبدون والمراد يكتمون فى قلوبهم الذى لا يظهرون ولهذا قالوا:لو كان لنا من الأمر وهو الحكم بعض منه ما قتلنا أى ما ذبحنا فى هذا المكان وهذا يعنى أنهم يعترفون أن الحكم كله لله ولكنهم يعترضون على حدوث القتل فيهم وهو الذى أعلنوه ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للطائفة المغتمة :لو كنتم فى بيوتكم أى مساكنكم لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم والمراد لذهب الذين قدر لهم الذبح إلى مقاتلهم وهى أماكن قتلهم وهذا يعنى أن لا أحد يمنع الموت حتى ولو بعد عن مكان موته ،ويبين الله للمؤمنين أنه يبتلى ما فى صدورهم وفسر هذا بأنه يمحص ما فى قلوبهم فيبتلى تعنى يمحص والصدور هى القلوب والمعنى أنه يختبر الذى فى نفوس المؤمنين حتى يعلم المؤمن الحقيقى من المنافق وهو عليم بذات الصدور والمراد عارف بنية النفوس ويحاسب عليها والخطاب للمؤمنين فى مواضع وللنبى(ص)فى مواضع ردا على أقوال المؤمنين والخطاب بعده لهم .
"إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"قد كان لكم آية فى فئتين التقتا"فالجمعان هم الفئتان وقوله بسورة المجادلة "استحوذ عليهم الشيطان "فاستزلهم تعنى استحوذ عليهم وقوله بسورة التوبة "ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم "فعفا عنهم تعنى تاب عليهم والغفور هو الرءوف والحليم هو الرحيم والمعنى إن الذين فروا منكم يوم تقابلت الفئتان إنما أضلتهم الشهوة ببعض الذى عملوا ولقد تاب الله عليهم إن الله تواب رحيم،يبين الله للمؤمنين أن الذين تولوا منهم يوم التقى الجمعان وهم الذين هربوا من القتال يوم تقاتل المسلمون والكفار إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا والمراد إنما أوقعتهم شهوة جمع المال فى المعصية وهى الهروب من القتال ببعض الذى كسبوا أى عن طريق بعض ما أخذوا من الغنائم ،ويبين الله أنه قد عفا عنهم أى غفر لهم ذنب الهروب من القتال لإستغفارهم إياه وهو الغفور أى التواب أى الرءوف الحليم أى الرحيم بالتائبين.
"يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم والله يحى ويميت والله بما تعملون بصير"يفسر الآية قوله تعالى بنفس السورة "ولا تكونوا كالذين تفرقوا "فكفروا تعنى تفرقوا فى الدين وقوله "يقولون لو كان لنا من الأمر شيئا ما قتلنا هاهنا " يعنى يزعمون لو كان لهم من الحكم بعضا لمنعنا موتهم أو قتلهم وقوله بسورة البروج"إنه هو يبدىء ويعيد"فيحيى تعنى يبدىء وقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فيعملون تعنى يصنعون وبصير تعنى عليم والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تصبحوا كالذين كذبوا وحى الله فقالوا لأصحابهم عندما سعوا فى البلاد أو كانوا مقاتلين :لو كانوا لدينا ما توفوا وما استشهدوا ،ليضع الله غم فى نفوسهم والله ينشىء ويهلك والله بالذى تصنعون عليم ،يطلب الله من الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله ألا يكونوا كالذين كفروا أى كذبوا حكم الله وقد قالوا لإخوانهم وهم أصحابهم إذا ضربوا فى الأرض والمراد عندما سعوا فى البلاد وراء الرزق أو عندما كانوا غزى أى مقاتلين للعدو:لو كانوا عندنا أى لو كانوا مقيمين معنا ما ماتوا أى توفوا وما قتلوا أى ذبحوا فى القتال وهذا يعنى أنهم يقولون أن السبب فى الموت أو القتل هو الخروج من بلدهم التى يعيشون فيها مع الكفار ،ويبين الله لهم أنه سيجعل قولهم حسرة فى قلوبهم والمراد أنه سيضع بسبب قولهم غم وحزن فى نفوسهم ويبين لهم أنه يحيى أى ينشىء الخلق ويميت أى ويتوفى الخلق كيف أراد وفى أى مكان أو زمان ويبين لهم أنه بما يعملون بصير والمراد أنه بالذى يفعلون فى الدنيا عليم وسيحاسبهم عليه ومن ثم عليهم أن يأخذوا حذرهم من مخالفته والخطاب وما بعده للمؤمنين وما بعده.
"ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"لمثوبة من الله خير"فالمغفرة هى المثوبة هى الرحمة والمعنى ولئن استشهدتم على نصر دين الله أو توفيتم لعفو من الله أى مثوبة أفضل مما يلمون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن قتلوا أى استشهدوا أو ماتوا أى توفوا فى سبيل الله والمراد وهم على نصر دين الله فالجزاء هو مغفرة أى رحمة أى ثواب من الله وهو الجنة التى هى خير مما يجمعون والمراد التى هى أحسن من الذى يتمتع به الكفار فى الدنيا .
"ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة السجدة "ثم إلى ربكم ترجعون"فتحشرون تعنى ترجعون والمعنى ولئن توفيتم أو ذبحتم فإلى جزاء الله تعودون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن ماتوا أى توفوا أو قتلوا أى ذبحوا فى الحرب فإنهم يحشرون إلى الله والمراد يعودون إلى جنة الله ثوابا لهم .
"فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحجر"فاصفح الصفح الجميل"فاعف تعنى اصفح وقوله بسورة التوبة "وصل عليهم"فاستغفر لهم تعنى صل عليهم وقوله بسورة هود "فاعبده وتوكل عليه"فتوكل تعنى اعبد وقوله بسورة البقرة"إن الله يحب المحسنين"فالمتوكلين هم المحسنين والمعنى فبما حكم من إلهك سهلت لهم ولو أصبحت قاسيا جامد النفس لتخلوا عنك فاغفر لهم واطلب لهم من الله العفو وشاركهم فى القرار فإذا قررت فاحتمى بحكم الله أن الله يثيب المحتمين به ،يبين الله لرسوله(ص)أنه برحمة من الله والمراد بوحى منه أطاعه لان للمؤمنين أى ذل لهم والمراد أصبح خادما لهم ،ويبين له أنه لو كان فظا أى غليظ القلب والمراد قاسى النفس أى كافر الصدر لإنفض المؤمنين من حوله أى لتخلى المؤمنين عن طاعته والمراد لكفروا بما يقول فتركوه وحيدا ،ويطلب الله من رسوله(ص) أن يعفو عن المؤمنين والمراد أى يصفح عن ذنبهم بعصيانه فى الحرب وطلب منه أن يستغفر لهم أى أن يطلب لهم من الله العفو عن ذنبهم وأن يشاورهم فى الأمر والمراد وأن يشاركهم فى اتخاذ القرار وهذا يعنى أن النبى(ص)واحد من ضمن المشاركين فى اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم ويبين له أنه إن عزم فعليه أن يتوكل عليه والمراد أنه إن قرر فى مسألة قرارا فعليه أن يطيع حكم الله فى المسألة محتميا بهذه الطاعة من عذاب الله ومن ثم قرارات المسلمين لابد أن توافق حكم الله ويبين له أن الله يحب المتوكلين والمراد أن الله يرحم الطائعين لحكمه والخطاب للنبى(ص) .
"إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "ومن يهن الله فما له من مكرم"فيخذل تعنى يهن والذى لا ينصر من الله هو ليس المكرم وقوله بسورة يوسف "وعليه فليتوكل المتوكلون"فالمؤمنون هم المتوكلون والمعنى إن يؤيدكم الله فلا هازم لكم وإن يهزمكم فمن هذا الذى يؤيدكم من بعده وبطاعة الله فليحتمى المطيعون ،يبين الله للمؤمنين أنه إن ينصرهم أى يؤيدهم على عدوهم فلا غالب لهم والمراد لا هازم لهم يقدر على تحويل فوزهم إلى هزيمة وإن يخذلهم أى يهزمهم أى يتخلى عنهم فليس هناك أحد ينصرهم أى يؤيدهم ويبين لهم أن على الله يتوكل المؤمنون والمراد بطاعة حكم الله يحتمى الطائعون لحكمه من عذابه والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة"فما غل هو الوزر أى الذنب الذى يأتى معه يوم البعث وقوله بسورة غافر"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت"فتوفى تعنى تجزى وقوله بسورة النحل"وتوفى كل نفس ما عملت "فكسبت تعنى عملت والمعنى وما كان لرسول(ص)أن يسرق ومن يسرق يجىء بما أذنب يوم البعث ثم تعطى كل نفس جزاء ما عملت وهم لا ينقصون حقا،يبين الله للمؤمنين أن النبى أى نبى لا يمكن أن يغل أى يسرق من الغنيمة أو غيرها مهما حدث وأن من يغلل أى من يسرق من الغنيمة أو غيرها يأت بما غل يوم القيامة والمراد يحضر بذنب السرقة فى كتابه يوم البعث وبعد توفى كل نفس ما كسبت والمراد ويعطى كل فرد جزاء ما عمل فى الدنيا ثوابا أو عقابا وهم لا يظلمون أى لا ينقصون من حقهم شيئا وهذا يعنى أن العدل هو الذى يحكم يوم القيامة .
" أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يونس"مأواهم النار"فجهنم تعنى النار وقوله بسورة الأنفال"فقد باء بغضب من الله"فسخط تعنى غضب وقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد"فالمصير هو المهاد والمعنى أفمن دخل جنة الله كمن عاد بعقاب من الله أى مكانه النار وقبح المقام ،يسأل الله هل من اتبع رضوان الله أى من أطاع الله فدخل الجنة كمن باء بسخط من الله أى كمن عاد بعذاب من الله أى مأواه جهنم أى مقامه النار وبئس المصير أى وساء المقام ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المسلم لا يتساوى مع الكافر فى الجزاء فهذا فى رحمة الله وهذا فى عذاب الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده.
"هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون"يفسر القول الأخير قوله تعالى بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فبصير تعنى عليم ويعملون تعنى يصنعون والمعنى هم طبقات لدى الله والله عليم بالذى يصنعون،يبين الله لنا أن المسلمين والكفار درجات عند الله والمراد جزاءات مختلفة لدى الله ويبين لهم أنه بصير بما يعملون والمراد أنه عليم بالذى يفعلون وسيحاسبهم عليه ومن ثم علينا أن نحذر من مخالفته .
"ولقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"كما أرسلنا فيكم رسولا منكم"فبعث تعنى أرسل وقوله بسورة التوبة"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق"فآيات الله وهى الكتاب وهى الحكمة هى الهدى أى دين الله وقوله بسورة الروم"وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين"فكونهم على الضلال المبين هو كونهم مبلسين والمعنى ولقد تفضل الله على المصدقين بحكمه إذ أرسل لهم مبعوثا من وسطهم يبلغ لهم أحكام الله أى يطهرهم أى يعرفهم الوحى أى حكم الله وإن كانوا من قبل لفى جهل كبير ،يبين الله لنا أنه من على المؤمنين والمراد أنه رحم المصدقين بحكم الله إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم والمراد عندما أرسل منهم نبيا من بينهم يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله وفسر هذا بأنهم يزكيهم أى يطهرهم بطاعة أحكام الله التى يبلغها لهم وفسر هذا بأنه يعلمهم أى يعرفهم الكتاب أى الحكم وهو دين الله،ويبين لنا أن المؤمنين كانوا من قبل نزول الكتاب على الرسول(ص) فى ضلال مبين أى جهل كبير أى كفر عظيم والخطاب للناس.
"أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شىء قدير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"إن يمسسكم قرح"فأصابتكم تعنى مسكم وقوله بسورة الشورى"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"فمن عند الأنفس هو كسب الأيدى وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فقدرة الله على كل شىء هى فعله لما يريد والمعنى أإذا مسكم ضرر قد فعلتم ضعفيه قلتم كيف هذا قل هو من عمل أنفسكم إن الله لكل أمر يريده فاعل،يبين الله للمؤمنين أنهم لما أصابتهم المصيبة والمراد أنهم لما مسهم الضر الممثل فى قتل بعضهم فى أحد قد أصابوا مثليها والمراد أنهم قد قتلوا ضعف العدد الذى قتل منهم فى معاركهم مع كفار مكة قالوا :أنى هذا أى كيف حدث هذا مع أن الله ناصرنا؟فطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لهم ردا على سؤالهم:هو من عند أنفسكم والمراد هو من عمل أنفسكم وهذا يعنى أن السبب فى الهزيمة هو عمل المؤمنين الممثل فى عصيانهم أمر الرسول(ص)فى الحرب وأن يقول لهم:إن الله على كل شىء قدير والمراد أن الله لكل أمر يريده فاعل والخطاب للمؤمنين ثم للنبى(ص)
"وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لأتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والله أعلم بما يكتمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة "يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم"فقول الأفواه ما ليس فى قلوبهم هو إرضاء المؤمنين بالقول مع رفض القلوب لهذا وقوله بسورة آل عمران "ويعلم الصابرين"فالمؤمنين هم الصابرين وقوله بسورة الأحزاب"قد يعلم الله المعوقين منكم"فالذين نافقوا هم المعوقين لكم وقوله بسورة هود"الله أعلم بما فى أنفسهم "فما يكتمون هو الذى فى أنفسهم والمعنى وما مسكم يوم تقاتلت الفئتان فبأمر الله وليعرف المصدقين بحكم الله وليعرف الذين مرضوا وقيل لهم :هلموا حاربوا فى نصر دين الله أى قاوموا قالوا لو نعرف حربا واقعة لذهبنا معكم هم للتكذيب يومذاك أدنى منهم للتصديق يقولون بألسنتهم الذى ليس فى نفوسهم والله أعرف بالذى يسرون،يبين الله للمؤمنين أن ما أصابهم وهو ما نزل بهم من الهزيمة يوم التقى الجمعان أى يوم تقاتلت جماعة المسلمين وجماعة الكافرين هو بإذن أى أمر الله والسبب فى الهزيمة هو أن يعلم الله المؤمنين ويعلم الذين نافقوا والمراد أن يميز الله المسلمين ويميز الذين أظهروا الإسلام وأخفوا الكفر ،ويبين الله للمؤمنين أنهم قالوا للمنافقين:تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا والمراد هيا لتجاهدوا فى نصر دين الله أى حاربوا كان ردهم :لو نعلم قتالا لأتبعناكم والمراد لو نعرف حربا ستحدث لذهبنا معكم وهذا يعنى أنهم يعتقدون اعتقادا جازما أن الحرب لن تحدث ولذا فهم لن يذهبوا لمعرفتهم بذلك وهذا إدعاء بعلم الغيب منهم وهو ذنب أخر ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين كانوا فى ذلك اليوم أقرب للكفر أى أعمل للتكذيب بحكم الله من الإيمان وهو التصديق بحكم الله ،ويبين لهم أنهم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والمراد يتكلمون بألسنتهم كلاما حسنا ليس فى نفوسهم التى تمتلىء بالحقد ،ويبين للمؤمنين أنه أعلم بما يكتمون والمراد أعرف بالذى يخفون فى أنفسهم من الحقد والخطاب حتى فبإذن الله للمؤمنين ثم للنبى(ص)بعده وما بعده.
"الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة البقرة"إن كنتم مؤمنين"فصادقين تعنى مؤمنين والمعنى الذين قالوا لأصحابهم وتخلفوا عن القتال :لو اتبعونا ما ذبحوا قل فامنعوا عن أنفسكم الوفاة إن كنتم محقين ، يبين الله للمؤمنين أن المنافقين قالوا لإخوانهم وهم أصحابهم وقد قعدوا أى تخلفوا عن الذهاب عن الحرب :لو أطاعونا أى لو اتبعنا المسلمين فى القعود ما قتلوا أى ما ذبحوا فى الحرب ،ويطلب الله من رسوله (ص)أن يقول لهم:فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين والمراد فامنعوا عن ذواتكم الوفاة إن كنتم محقين فى زعمكم أنكم مؤمنين ،والغرض من الرد إخبارهم أن الموت لا هروب منه بالقعود عن الحرب أو غير هذا .
"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"المعنى ولا تظنن الذين ذبحوا فى نصر دين الله متوفين إنما شهداء لدى خالقهم ينتفعون ،يطلب الله من رسوله(ص)ألا يحسب والمراد ألا يظن الظن التالى :أن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا والمراد الذين ذبحوا من أجل نصر دين الله متوفين لا يعيشون بعد الدنيا وإنما عليه أن يظن أنهم أحياء أى عائشين عند ربهم والمراد يعيشون لدى خالقهم فى جنته وهم يرزقون أى يتمتعون بنعيم الجنة والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فرحين بما أتاهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "يستبشرون بنعمة من الله"فالفضل هو النعمة وقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون"فالخوف هو السوء والمعنى مسرورين بالذى أعطاهم الله من رحمته ويستفرحون بالذين لم يصلوا إليهم من وراءهم ألا عقاب لهم أى ليسوا يعذبون ،يبين الله لرسوله(ص)أن الشهداء فرحين أى مسرورين والمراد متمتعين بما أتاهم الله من فضله والمراد بالذى أعطاهم الله من رحماته وهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم والمراد أن الشهداء يطلبون الفرحة بالذين لم يصلوا للجنة من الدنيا لأنهم لم يموتوا بعد من المسلمين ،ويبين له أن الشهداء لا خوف عليهم أى لا عقاب عليهم فهم لا يدخلون النار وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون فى البرزخ والقيامة .
"ويستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين"فالمؤمنين أى المصلحين والمعنى ويفرحون بحكم من الله أى رحمة وإن الله لا ينقص ثواب المصدقين بحكمه ،يبين الله لرسوله(ص)أن الشهداء يستبشرون بنعمة من الله أى فضل والمراد يطلبون الخبر المفرح عن رحمة الله وهى متاعه للمؤمنين ،ويبين لنا أنه لا يضيع أجر المؤمنين أى لا ينقص ثواب المصدقين بحكم الله وهذا يعنى أنه لا يحبط ثواب عملهم .
"الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأحزاب"من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "فالاستجابة لله ورسوله(ص) هى طاعتهم والأجر هو الفوز العظيم والمعنى الذين أطاعوا الله ورسوله(ص)من بعد ما مسهم الضرر للذين أصلحوا منهم أى اتبعوا ثواب كبير ،يبين الله للمؤمنين أن الذين استجابوا لله ورسوله(ص)وهم الذين أطاعوا أمر الله ونبيه(ص) بالذهاب لقتال الكفار بعد معركة أحد من بعد ما أصابهم القرح والمراد من بعد ما نزلت بهم الهزيمة وفسرهم بأنهم الذين أحسنوا أى اتقوا أى اتبعوا حكم الله ونبيه(ص) لهم من الله الأجر العظيم وهو الثواب الكبير الممثل فى دخول الجنة والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده .
"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"ويخوفونك بالذين من دونه"فاخشوهم تعنى أنهم يخوفوهم بالكفار وقوله بسورة محمد"زادهم هدى"فإيمانا تعنى هدى وقوله بسورة الأنفال "نعم المولى ونعم النصير" فالوكيل هو المولى هو النصير والمعنى الذين قال لهم المنافقون إن الكفار قد احتشدوا لكم فخافوهم فأدامهم تصديقا وقالوا كافينا الله وحسن الناصر،يبين الله لنا أن المستجيبين لله ونبيه(ص)هم الذين قال لهم الناس والمراد المنافقين : إن الناس أى كفار قريش قد تحزبوا لكم فاخشوهم أى فخافوا أذاهم لكم فكان ردهم أن قالوا :حسبنا الله والمراد ناصرنا الله ونعم الوكيل أى وحسن الناصر وهو رد يبين أن الله زادهم إيمانا والمراد أدام تصديقهم بحكمه أى جعل إسلامهم مستمر .
"فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" فرضوان الله هو ما أنزل الرب وقوله بسورة الأنعام "وربكم ذو رحمة واسعة"فالفضل العظيم هو الرحمة الواسعة والمعنى فعادوا برحمة من الله أى نفع لم يصبهم أذى وأطاعوا حكم الله والله صاحب رحمة واسعة ،يبين الله لنا أن المستجيبين لله ونبيه(ص)لما ذهبوا للقتال خاف منهم الكفار فانقلب أى فعاد المسلمون بنعمة أى فضل أى رحمة أى عطاء من الله هو النصر حيث لم يمسسهم سوء والمراد لم يصبهم ضرر ،وقد اتبعوا رضوان الله والمراد وقد أطاعوا حكم الله وهو الإسلام الذى رضاه لهم دينا بقوله بسورة المائدة"ورضيت لكم الإسلام دينا"ويبين لنا أنه ذو فضل عظيم أى صاحب رحمة واسعة لمن يستجيب له.
"إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة "فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "فخافون تعنى اخشونى وقوله بسورة البقرة"إن كنتم صادقين"فمؤمنين تعنى صادقين والمعنى إنما تلكم الشهوة تفزع أنصارها فلا ترهبوها وارهبون إن كنتم صادقين ،يبين الله للمؤمنين أن الشيطان وهو شهوات النفس تخوف أوليائها والمراد تفزع أنصارها من الموت فى القتال أو غيره حتى يطيعوها ويطلب الله من المؤمنين ألا يخافوا الكفار والمراد ألا يرهبوا أذى الكفار وأن يخافوه أى يرهبوا عذاب الله فيطيعوا حكمه إن كانوا مؤمنين أى مصدقين لحكمه أى صادقين فى زعمهم أنهم مسلمون والخطاب للمؤمنين.
"هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة إبراهيم "هذا بلاغ للناس"فالبيان هو البلاغ وقوله بسورة الجاثية"هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون"فالبيان هو البصائر والموعظة هى الرحمة والمتقين هم الذين يوقنون والمعنى هذا بلاغ للخلق و إرشاد أى علامة للمطيعين لله،يبين الله للناس أن القرآن هو بيان للناس والمراد حكم يوضح لهم الحق من الباطل و هو هدى أى معرفة ترشد الخلق للحق وفسره بأنه موعظة أى علامة تعلم المتقين أى المطيعين لله الحق من الباطل فتؤدى بهم للرحمة وهى الجنة والخطاب للنبى(ص).
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم "فالوهن هو الدعوة للسلام وقت النصر وقوله بسورة البقرة"إن كنتم صادقين"فمؤمنين تعنى صادقين والمعنى ولا تضعفوا أى لا تخافوا من الكفار وأنتم المنتصرون إن كنتم مصدقين بحكم الله ،يطلب الله من المؤمنين ألا يهنوا أى ألا يحزنوا والمراد ألا يضعفوا فيطلبوا السلام من الكفار وهم الأعلون والمراد وهم المنتصرين على الكفار إن كانوا مؤمنين أى مصدقين لحكم الله ومن هنا يحرم على المسلمين أن يطلبوا الصلح مع الكفار وقت انتصارهم على الكفار والخطاب للمؤمنين.
"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها"فالقرح هو المصيبة ومس تعنى أصاب وقوله بنفس السورة "فإن الله لا يحب الكافرين "فالظالمين هم الكافرين والمعنى إن يصبكم ضرر فقد أصاب الكفار ضرر مشابه وتلك الأوقات نديرها بين الخلق وليعرف الله الذين صدقوا منكم ويجعل منكم شهداء والله لا يرحم الكافرين،يبين الله للمؤمنين أنهم إن يمسسهم قرح والمراد إن تصبهم هزيمة فقد مس القوم قرح مثله والمراد فقد أصابت الكفار هزيمة مماثلة لها فى بدر ،ويبين لهم أن الأيام يداولها بين الناس والمراد أن الإنتصارات فى الحرب يديرها بين الخلق فليس هناك أمة تنتصر بإستمرار فقد تنتصر اليوم أمة ثم تنهزم فى الغد وهكذا ،ويبين لهم أن الجهاد شرع ليعلم أى ليعرف الله الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله من الذين كفروا به ،ويبين لهم أنه يتخذ منهم شهداء والمراد ويجعل بعض المؤمنين قتلى فى سبيل الله ،ويبين لهم أنه لا يحب الظالمين أى لا يرحم الكافرين فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين.
"وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"المعنى وليرحم الله الذين صدقوا بحكمه ويعذب المكذبين بحكمه،يبين الله للنبى(ص) أنه يمحص الذين آمنوا أى يرحم أى ينصر الذين صدقوا به فى الدنيا والأخرة ويمحق الكافرين والمراد ويهزم أى ويعذب المكذبين بحكمه فى الدنيا والأخرة والخطاب للنبى(ص).
"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" المعنى هل ظننتم أن تسكنوا الحديقة ولما يعرف الله الذين حاربوا منكم أى يعرف المطيعين له،يسأل الله المؤمنين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والمراد هل خلتم أن تقيموا بالجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم أى الصابرين والمراد ولما يعرف الذين حاربوا منكم فى سبيل الله أى المطيعين له من العاصين له ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن دخول الجنة متوقف على الجهاد وهو الصبر وهو طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون "المعنى ولقد كنتم تطلبون الوفاة من قبل أن تقابلوها فقد شاهدتموها وأنتم تعلمون ،يبين الله للمؤمنين أنهم كانوا يتمنون الموت أى كانوا يطلبون الوفاة وهى الشهادة فى سبيل الله من قبل أن تأتى لهم أسباب الشهادة وهى الحرب التى رأوها أى شاهدوها وهم ينظرون أى وهم يرون مصير غيرهم من القتل والجرح .
"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المرسلات"إنا كذلك نجزى المحسنين"فالشاكرين هم المحسنين والمعنى وما محمد(ص)إلا مبعوث قد ماتت من قبل المبعوثين أفإن توفى أو استشهد رجعتم إلى أديان الكفر ومن يرجع إلى كفره فلن يؤذى الله أذى وسيرحم الله المطيعين ،يبين الله للمؤمنين أن محمد(ص)ليس سوى رسول قد خلت من قبله الرسل(ص)ليس سوى نبى قد ماتت الأنبياء(ص)الذين تم بعثهم قبله ومن ثم فهو يموت مثلهم ويسأل الله :أفإن مات أى توفى أو قتل أى استشهد فى القتال انقلبتم على أعقابكم أى عدتم إلى أديان الكفر التى كنتم عليها سابقا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن موت الرسول (ص)أو قتله لا يعنى إنتهاء الإسلام والعودة لأديان الكفر وإنما يعنى التمسك بالإسلام سواء كان حيا أو ميتا ،ويبين لهم أن من ينقلب على عقبيه والمراد من يرجع إلى كفره فسيعاقبه الله ولن يضر الله شيئا والمراد لن ينقص من دين الله بعضا ويبين لهم أنه سيجزى الشاكرين أى سيرحم المطيعين لحكمه فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين.
"وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الإسراء" من كان يريد العاجلة عجلنا له منها ما نشاء لمن نريد"فالدنيا هى العاجلة ونؤته تعنى عجلنا له وقوله بسورة الشورى"من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه"فثواب تعنى حرث ونؤته تعنى نزد له وقوله بسورة النحل"كذلك يجزى الله المتقين"فالشاكرين هم المتقين والمعنى وما كان لمخلوق أن يتوفى إلا بأمر الله موعدا محددا ومن يطلب متاع الأولى نعطه منها ومن يطلب جنة القيامة نعطه منها وسنرحم المطيعين لله ،يبين الله لنا أن النفس والمراد المخلوق لا يمكن أن يموت أى يتوفى إلا بإذن الله والمراد بأمر الله وأمر الله يكون فى الكتاب المؤجل والمراد الموعد المحدد لموت المخلوق فى الكتاب عند الله،ويبين لنا أن من يرد ثواب الدنيا والمراد من يطلب متاع الحياة الأولى يؤته الله منها والمراد يعطى الله له فيها الذى يريد الله وليس هو ومن يرد ثواب الآخرة يؤته منها والمراد ومن يطلب جنة القيامة بطاعة حكم الله يعطه جزء منها هو جنتان كما قال بسورة الرحمن"ولمن خاف ربه جنتان"ويبين لنا أنه سيجزى الشاكرين والمراد سيدخل الله المطيعين لحكمه الجنة والخطاب للناس .
"وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام"ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا"فعدم الوهن هو الصبر على التكذيب والأذى وقوله بسورة آل عمران "والله يحب المحسنين"فالصابرين هم المحسنين والمعنى وكم من رسول حارب معه مسلمون كثيرون فما ضعفوا للذى أذاهم فى نصر دين الله أى ما وهنوا أى ما سكتوا والله يرحم المطيعين لله ،يبين الله أن عدد المرات التى قاتل أى جاهد فيها النبيون (ص)مع الربيون وهم أتباع الرب أى المطيعين لحكم الله كانت كثيرة وكان أتباع الرب كانوا كثيرين وهم لم يهنوا أى يضعفوا أى يستكينوا والمراد لم يسكتوا على الكفار بسبب ما أصابهم أى ما مسهم من الأذى والضرر فى سبيل الله وهو نصر دين الله والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الجهاد واجب وأن الوهن وهو الضعف مرفوض محرم ،ويبين لنا أنه يحب الصابرين والمراد أنه يرحم المطيعين له بإدخالهم الجنة والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "كفر عنا سيئاتنا"فاغفر تعنى كفر وذنوبنا تعنى سيئاتنا وقوله بسورة هود"ما نثبت به فؤادك "فتثبيت الأقدام هو تثبيت الفؤاد وقوله بسورة الصف "فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم "فانصرنا تعنى أيدنا والكافرين هم العدو والمعنى وما كان ردهم إلا أن قالوا :إلهنا كفر عنا سيئاتنا أى تفريطنا فى إسلامنا ورسخ قلوبنا و أيدنا على الناس المكذبين بحكمك ،يبين الله لنا أن الصابرين وهم الربيون قالوا :ربنا اغفر لنا ذنوبنا أى كفر عنا سيئاتنا أى اترك عقابنا على جرائمنا وفسروا الذنوب بأنها إسرافهم فى الأمر أى تفريطهم فى طاعة حكم الله فهى عصيانهم لحكم الله وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله العفو عن الخطايا التى ارتكبوها ،وقالوا وثبت أقدامنا أى رسخ أنفسنا أى انصر قلوبنا على وساوس الشهوات بطاعة حكمك فهم يطلبون أن يجعلهم الله مستمرين فى إسلامهم حتى الموت ،وقالوا وانصرنا على القوم الكافرين والمراد أيدنا على الجماعة المكذبين بحكم الله وهذا يعنى أنهم يطلبون التأييد على الظالمين .
"فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا"فثواب الدنيا هو نصر المسلمين على الكفار وقوله بسورة المائدة "فأثابهم الله بما قالوا جنات "فأتاهم تعنى أثابهم وثواب الآخرة تعنى الجنات وقوله بسورة آل عمران "والله يحب الصابرين"فالمحسنين هم الصابرين والمعنى فأعطاهم الله حكم الأولى وخير جزاء القيامة والله يرحم المطيعين لحكمه،يبين الله لنا أنه أعطى الربيين ثواب الدنيا وهو حكم الأولى بحكم الله وهذا هو نصرهم على الكفار وحسن ثواب الأخرة وهو خير جزاء القيامة وهو الجنة ،ويبين لنا أنه يحب المحسنين أى يرحم المتبعين لحكمه بإدخالهم الجنة ونصرهم فى الدنيا.
"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"فالأعقاب هى أديان الكافرين وقوله بسورة آل عمران"فينقلبوا خائبين "فخاسرين تعنى خائبين والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله إن تتبعوا حكم الذين كذبوا حكم الله يرجعوكم إلى كفركم فتصبحوا معذبين إن الله ناصركم أى هو أفضل المؤيدين ، يبين الله للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله أنهم إن يطيعوا الذين كفروا والمراد إن يتبعوا حكم الذين كذبوا حكم الله يردوهم على أعقابهم والمراد يعيدوهم إلى أديان الكفر التى كانوا عليها فينقلبوا خاسرين والمراد فيصبحوا هالكين معذبين فى الدنيا والأخرة ،ويبين الله لهم أنه مولاهم أى ناصرهم على عدوهم وفسر هذا بأنه خير الناصرين أى أحسن المؤيدين للمسلمين فى الدنيا والأخرة والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده.
"سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"فبئس مثوى المتكبرين" فالظالمين هم المتكبرين وقوله بسورة فصلت"فالنار مثوى لهم"فمأوى تعنى مثوى والمعنى سندخل فى نفوس الذين كذبوا الخوف بما جعلوا لله الذى لم يوح به وحيا ومقامهم جهنم وقبح مقام الكافرين،يبين الله للمؤمنين أنه سيلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب والمراد أنه سيدخل فى نفوس الذين كذبوا بوحى الله الخوف من حرب المسلمين والسبب فى إدخال الخوف فى نفوسهم هو أنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والمراد أنهم جعلوا لله أندادا لم يوحى فيهم وحيا أى بألفاظ أخرى أنهم جعلوا لله شركاء دون أن يصدر بهم حكم يبيح عبادتهم مثله ،ويبين لهم أن مأوى الكفار وهو المقام الذى سيقيمون فيه هو النار وأنه بئس أى ساء أى قبح مقام الكافرين.
"ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الأخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"وإذ يعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم "فالوعد الصادق هو إحدى الطائفتين وقوله بسورة البقرة"فتاب عليكم "فعفا تعنى تاب والمعنى ولقد حقق لكم الله قوله حين تقتلونهم بأمره حتى إذا خبتم أى اختلفتم فى الحكم أى خالفتم من بعد ما عرفكم ما تريدون منكم من يرجو الدنيا ومنكم من يرجو الجنة ثم شغلكم عنهم ليختبركم ولقد صفح عنكم والله صاحب نعمة على المصدقين ،يبين الله للمؤمنين أن الله صدقهم وعده والمراد أن الله نفذ لهم قوله إذ تحسونهم بإذنه أى حين تقتلوهم بأمر الله والمراد أن الله حقق لهم قوله بقتل الكفار فى بداية معركة أحد حتى اللحظة التى فشلوا أى تنازعوا فى الأمر أى عصوا والمراد اللحظة التى خابوا فيها أى اختلفوا فى حكم الغنائم أيتركونها أم يأخذونها فى وسط المعركة أى خالفوا أمر الرسول(ص)بالثبات من بعد ما أراهم ما يحبون والمراد من بعد ما أشهدهم الذى يودون وهو قتل الكفار ،ويبين الله للمؤمنين أن ساعة الخلاف منهم من يريد الدنيا والمراد منهم من يطلب متاع الأولى وهو هنا غنائم المعركة ومنهم من يريد الآخرة والمراد ومنهم من يسعى لنيل ثواب القيامة ،ويبين لهم أنه صرفهم أى شغلهم عن الكفار بالغنائم والسبب أن يبتليهم أى يختبرهم بالضرر الذى أصابهم من الكفار ،ويبين لهم أنه عفا عنهم أى تاب عليهم أى غفر لهم ذنب الخلاف ،ويبين لهم أنه ذو فضل على المؤمنين والمراد أنه صاحب رحمة بالمصدقين لحكم الله.
"إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الحديد"لكيلا تأسوا على ما فاتكم"فتحزنوا تعنى تأسوا وقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فخبير تعنى عليم وتعملون تعنى تصنعون والمعنى حين تعرجون ولا تجيبون على أحد والنبى(ص)يناديكم فى مؤخرتكم فجازاكم هما بهم لكيلا تغتموا بما سبقكم ولا ما أذاكم والله عليم بالذى تصنعون ،يبين الله للمؤمنين أنه شغلهم عن الكفار بالغنائم حين يصعدون والمراد حين يذهبون لأخذها من أماكنها وهم لا يلوون على أحد أى لا يجيبون على أحد ممن نادى عليهم بالثبات فى مواقعهم ،كما يبين لهم أن الرسول(ص)كان يدعوهم فى أخراهم والمراد أنه كان يناديهم فى مؤخرتهم أن يثبتوا فى مواقعهم ولا يذهبوا لأخذ الغنائم ،ويبين للمؤمنين أنه أثابهم والمراد عاقبهم على غمهم وهو همهم أى عصيانهم بغم هو عقاب ممثل فى إضرار الكفار بهم وعدم أخذهم الغنائم والسبب فى هذا العقاب هو ألا يحزنوا أى ألا يغتموا وألا يخافوا على ما فاتهم وهو ما سبقهم والمراد الغنائم وما أضرهم وهو ما وصلهم من أذى الكفار من جرح وقتل ،ويبين لهم أنه خبير بما يعملون أى عليم بكل ما يصنعون وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين.
"ثم أنزل من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شىء قل إن الأمر كله لله يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم فى بيوتكم لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور"المعنى ثم أرسل لكم من بعد الهم طمأنينة نوما يصيب جماعة منكم وجماعة قد أحزنتهم أنفسهم يعتقدون فى الله غير العدل اعتقاد الكفر يقولون هل لنا من الحكم من بعض قل إن الحكم كله لله يكتمون فى قلوبهم ما لا يظهرون لك يقولون لو كان لنا من الحكم أمر ما ذبحنا ها هنا قل لو كنتم فى مساكنكم لخرج الذين فرض عليهم الذبح إلى مراقدهم وليختبر الله الذى قلوبكم أى ليميز الذى فى نفوسكم والله محيط بنية النفوس ،يبين الله للمؤمنين أنه أنزل أمنة والمراد أرسل إليهم سكينة أى طمأنينة هى النعاس أى النوم الذى غشى أى أصاب طائفة أى جماعة من المسلمين وذلك من بعد الغم وهو العقاب الممثل فى الهزيمة،ويبين لهم أن منهم طائفة وهى جماعة قد أهمتهم أنفسهم والمراد قد غمتهم قلوبهم فشغلتهم بالباطل فهم يظنون فى الله غير الحق والمراد يعتقدون فى الله الباطل وهو ظن الجاهلية أى اعتقاد الكفر وهذا الإعتقاد هو أن الله ليس بيده الحكم بدليل أنه تركهم يهزمون ولم ينصرهم ومن ثم قالوا هل لنا من الأمر من شىء والمراد هل لنا من الحكم من بعض ؟وهذا يعنى أنهم يريدون بعض الحكم لهم ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للطائفة المغتمة إن الحكم كله لله مصداق لقوله تعالى بسورة يوسف"إن الحكم إلا لله" وهذا يعنى أن ليس لهم من الحكم بعض كما يريدون كما يعنى أن ما حدث لهم هو بأمر الله كعقاب على عصيانهم له ،ويبين الله لرسوله(ص)أنهم يخفون فى صدورهم ما لا يبدون والمراد يكتمون فى قلوبهم الذى لا يظهرون ولهذا قالوا:لو كان لنا من الأمر وهو الحكم بعض منه ما قتلنا أى ما ذبحنا فى هذا المكان وهذا يعنى أنهم يعترفون أن الحكم كله لله ولكنهم يعترضون على حدوث القتل فيهم وهو الذى أعلنوه ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للطائفة المغتمة :لو كنتم فى بيوتكم أى مساكنكم لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم والمراد لذهب الذين قدر لهم الذبح إلى مقاتلهم وهى أماكن قتلهم وهذا يعنى أن لا أحد يمنع الموت حتى ولو بعد عن مكان موته ،ويبين الله للمؤمنين أنه يبتلى ما فى صدورهم وفسر هذا بأنه يمحص ما فى قلوبهم فيبتلى تعنى يمحص والصدور هى القلوب والمعنى أنه يختبر الذى فى نفوس المؤمنين حتى يعلم المؤمن الحقيقى من المنافق وهو عليم بذات الصدور والمراد عارف بنية النفوس ويحاسب عليها والخطاب للمؤمنين فى مواضع وللنبى(ص)فى مواضع ردا على أقوال المؤمنين والخطاب بعده لهم .
"إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"قد كان لكم آية فى فئتين التقتا"فالجمعان هم الفئتان وقوله بسورة المجادلة "استحوذ عليهم الشيطان "فاستزلهم تعنى استحوذ عليهم وقوله بسورة التوبة "ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم "فعفا عنهم تعنى تاب عليهم والغفور هو الرءوف والحليم هو الرحيم والمعنى إن الذين فروا منكم يوم تقابلت الفئتان إنما أضلتهم الشهوة ببعض الذى عملوا ولقد تاب الله عليهم إن الله تواب رحيم،يبين الله للمؤمنين أن الذين تولوا منهم يوم التقى الجمعان وهم الذين هربوا من القتال يوم تقاتل المسلمون والكفار إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا والمراد إنما أوقعتهم شهوة جمع المال فى المعصية وهى الهروب من القتال ببعض الذى كسبوا أى عن طريق بعض ما أخذوا من الغنائم ،ويبين الله أنه قد عفا عنهم أى غفر لهم ذنب الهروب من القتال لإستغفارهم إياه وهو الغفور أى التواب أى الرءوف الحليم أى الرحيم بالتائبين.
"يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم والله يحى ويميت والله بما تعملون بصير"يفسر الآية قوله تعالى بنفس السورة "ولا تكونوا كالذين تفرقوا "فكفروا تعنى تفرقوا فى الدين وقوله "يقولون لو كان لنا من الأمر شيئا ما قتلنا هاهنا " يعنى يزعمون لو كان لهم من الحكم بعضا لمنعنا موتهم أو قتلهم وقوله بسورة البروج"إنه هو يبدىء ويعيد"فيحيى تعنى يبدىء وقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فيعملون تعنى يصنعون وبصير تعنى عليم والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تصبحوا كالذين كذبوا وحى الله فقالوا لأصحابهم عندما سعوا فى البلاد أو كانوا مقاتلين :لو كانوا لدينا ما توفوا وما استشهدوا ،ليضع الله غم فى نفوسهم والله ينشىء ويهلك والله بالذى تصنعون عليم ،يطلب الله من الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله ألا يكونوا كالذين كفروا أى كذبوا حكم الله وقد قالوا لإخوانهم وهم أصحابهم إذا ضربوا فى الأرض والمراد عندما سعوا فى البلاد وراء الرزق أو عندما كانوا غزى أى مقاتلين للعدو:لو كانوا عندنا أى لو كانوا مقيمين معنا ما ماتوا أى توفوا وما قتلوا أى ذبحوا فى القتال وهذا يعنى أنهم يقولون أن السبب فى الموت أو القتل هو الخروج من بلدهم التى يعيشون فيها مع الكفار ،ويبين الله لهم أنه سيجعل قولهم حسرة فى قلوبهم والمراد أنه سيضع بسبب قولهم غم وحزن فى نفوسهم ويبين لهم أنه يحيى أى ينشىء الخلق ويميت أى ويتوفى الخلق كيف أراد وفى أى مكان أو زمان ويبين لهم أنه بما يعملون بصير والمراد أنه بالذى يفعلون فى الدنيا عليم وسيحاسبهم عليه ومن ثم عليهم أن يأخذوا حذرهم من مخالفته والخطاب وما بعده للمؤمنين وما بعده.
"ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"لمثوبة من الله خير"فالمغفرة هى المثوبة هى الرحمة والمعنى ولئن استشهدتم على نصر دين الله أو توفيتم لعفو من الله أى مثوبة أفضل مما يلمون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن قتلوا أى استشهدوا أو ماتوا أى توفوا فى سبيل الله والمراد وهم على نصر دين الله فالجزاء هو مغفرة أى رحمة أى ثواب من الله وهو الجنة التى هى خير مما يجمعون والمراد التى هى أحسن من الذى يتمتع به الكفار فى الدنيا .
"ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة السجدة "ثم إلى ربكم ترجعون"فتحشرون تعنى ترجعون والمعنى ولئن توفيتم أو ذبحتم فإلى جزاء الله تعودون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن ماتوا أى توفوا أو قتلوا أى ذبحوا فى الحرب فإنهم يحشرون إلى الله والمراد يعودون إلى جنة الله ثوابا لهم .
"فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحجر"فاصفح الصفح الجميل"فاعف تعنى اصفح وقوله بسورة التوبة "وصل عليهم"فاستغفر لهم تعنى صل عليهم وقوله بسورة هود "فاعبده وتوكل عليه"فتوكل تعنى اعبد وقوله بسورة البقرة"إن الله يحب المحسنين"فالمتوكلين هم المحسنين والمعنى فبما حكم من إلهك سهلت لهم ولو أصبحت قاسيا جامد النفس لتخلوا عنك فاغفر لهم واطلب لهم من الله العفو وشاركهم فى القرار فإذا قررت فاحتمى بحكم الله أن الله يثيب المحتمين به ،يبين الله لرسوله(ص)أنه برحمة من الله والمراد بوحى منه أطاعه لان للمؤمنين أى ذل لهم والمراد أصبح خادما لهم ،ويبين له أنه لو كان فظا أى غليظ القلب والمراد قاسى النفس أى كافر الصدر لإنفض المؤمنين من حوله أى لتخلى المؤمنين عن طاعته والمراد لكفروا بما يقول فتركوه وحيدا ،ويطلب الله من رسوله(ص) أن يعفو عن المؤمنين والمراد أى يصفح عن ذنبهم بعصيانه فى الحرب وطلب منه أن يستغفر لهم أى أن يطلب لهم من الله العفو عن ذنبهم وأن يشاورهم فى الأمر والمراد وأن يشاركهم فى اتخاذ القرار وهذا يعنى أن النبى(ص)واحد من ضمن المشاركين فى اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم ويبين له أنه إن عزم فعليه أن يتوكل عليه والمراد أنه إن قرر فى مسألة قرارا فعليه أن يطيع حكم الله فى المسألة محتميا بهذه الطاعة من عذاب الله ومن ثم قرارات المسلمين لابد أن توافق حكم الله ويبين له أن الله يحب المتوكلين والمراد أن الله يرحم الطائعين لحكمه والخطاب للنبى(ص) .
"إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "ومن يهن الله فما له من مكرم"فيخذل تعنى يهن والذى لا ينصر من الله هو ليس المكرم وقوله بسورة يوسف "وعليه فليتوكل المتوكلون"فالمؤمنون هم المتوكلون والمعنى إن يؤيدكم الله فلا هازم لكم وإن يهزمكم فمن هذا الذى يؤيدكم من بعده وبطاعة الله فليحتمى المطيعون ،يبين الله للمؤمنين أنه إن ينصرهم أى يؤيدهم على عدوهم فلا غالب لهم والمراد لا هازم لهم يقدر على تحويل فوزهم إلى هزيمة وإن يخذلهم أى يهزمهم أى يتخلى عنهم فليس هناك أحد ينصرهم أى يؤيدهم ويبين لهم أن على الله يتوكل المؤمنون والمراد بطاعة حكم الله يحتمى الطائعون لحكمه من عذابه والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة"فما غل هو الوزر أى الذنب الذى يأتى معه يوم البعث وقوله بسورة غافر"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت"فتوفى تعنى تجزى وقوله بسورة النحل"وتوفى كل نفس ما عملت "فكسبت تعنى عملت والمعنى وما كان لرسول(ص)أن يسرق ومن يسرق يجىء بما أذنب يوم البعث ثم تعطى كل نفس جزاء ما عملت وهم لا ينقصون حقا،يبين الله للمؤمنين أن النبى أى نبى لا يمكن أن يغل أى يسرق من الغنيمة أو غيرها مهما حدث وأن من يغلل أى من يسرق من الغنيمة أو غيرها يأت بما غل يوم القيامة والمراد يحضر بذنب السرقة فى كتابه يوم البعث وبعد توفى كل نفس ما كسبت والمراد ويعطى كل فرد جزاء ما عمل فى الدنيا ثوابا أو عقابا وهم لا يظلمون أى لا ينقصون من حقهم شيئا وهذا يعنى أن العدل هو الذى يحكم يوم القيامة .
" أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يونس"مأواهم النار"فجهنم تعنى النار وقوله بسورة الأنفال"فقد باء بغضب من الله"فسخط تعنى غضب وقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد"فالمصير هو المهاد والمعنى أفمن دخل جنة الله كمن عاد بعقاب من الله أى مكانه النار وقبح المقام ،يسأل الله هل من اتبع رضوان الله أى من أطاع الله فدخل الجنة كمن باء بسخط من الله أى كمن عاد بعذاب من الله أى مأواه جهنم أى مقامه النار وبئس المصير أى وساء المقام ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المسلم لا يتساوى مع الكافر فى الجزاء فهذا فى رحمة الله وهذا فى عذاب الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده.
"هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون"يفسر القول الأخير قوله تعالى بسورة فاطر"إن الله عليم بما يصنعون"فبصير تعنى عليم ويعملون تعنى يصنعون والمعنى هم طبقات لدى الله والله عليم بالذى يصنعون،يبين الله لنا أن المسلمين والكفار درجات عند الله والمراد جزاءات مختلفة لدى الله ويبين لهم أنه بصير بما يعملون والمراد أنه عليم بالذى يفعلون وسيحاسبهم عليه ومن ثم علينا أن نحذر من مخالفته .
"ولقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"كما أرسلنا فيكم رسولا منكم"فبعث تعنى أرسل وقوله بسورة التوبة"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق"فآيات الله وهى الكتاب وهى الحكمة هى الهدى أى دين الله وقوله بسورة الروم"وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين"فكونهم على الضلال المبين هو كونهم مبلسين والمعنى ولقد تفضل الله على المصدقين بحكمه إذ أرسل لهم مبعوثا من وسطهم يبلغ لهم أحكام الله أى يطهرهم أى يعرفهم الوحى أى حكم الله وإن كانوا من قبل لفى جهل كبير ،يبين الله لنا أنه من على المؤمنين والمراد أنه رحم المصدقين بحكم الله إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم والمراد عندما أرسل منهم نبيا من بينهم يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله وفسر هذا بأنهم يزكيهم أى يطهرهم بطاعة أحكام الله التى يبلغها لهم وفسر هذا بأنه يعلمهم أى يعرفهم الكتاب أى الحكم وهو دين الله،ويبين لنا أن المؤمنين كانوا من قبل نزول الكتاب على الرسول(ص) فى ضلال مبين أى جهل كبير أى كفر عظيم والخطاب للناس.
"أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شىء قدير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"إن يمسسكم قرح"فأصابتكم تعنى مسكم وقوله بسورة الشورى"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"فمن عند الأنفس هو كسب الأيدى وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فقدرة الله على كل شىء هى فعله لما يريد والمعنى أإذا مسكم ضرر قد فعلتم ضعفيه قلتم كيف هذا قل هو من عمل أنفسكم إن الله لكل أمر يريده فاعل،يبين الله للمؤمنين أنهم لما أصابتهم المصيبة والمراد أنهم لما مسهم الضر الممثل فى قتل بعضهم فى أحد قد أصابوا مثليها والمراد أنهم قد قتلوا ضعف العدد الذى قتل منهم فى معاركهم مع كفار مكة قالوا :أنى هذا أى كيف حدث هذا مع أن الله ناصرنا؟فطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لهم ردا على سؤالهم:هو من عند أنفسكم والمراد هو من عمل أنفسكم وهذا يعنى أن السبب فى الهزيمة هو عمل المؤمنين الممثل فى عصيانهم أمر الرسول(ص)فى الحرب وأن يقول لهم:إن الله على كل شىء قدير والمراد أن الله لكل أمر يريده فاعل والخطاب للمؤمنين ثم للنبى(ص)
"وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لأتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والله أعلم بما يكتمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة "يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم"فقول الأفواه ما ليس فى قلوبهم هو إرضاء المؤمنين بالقول مع رفض القلوب لهذا وقوله بسورة آل عمران "ويعلم الصابرين"فالمؤمنين هم الصابرين وقوله بسورة الأحزاب"قد يعلم الله المعوقين منكم"فالذين نافقوا هم المعوقين لكم وقوله بسورة هود"الله أعلم بما فى أنفسهم "فما يكتمون هو الذى فى أنفسهم والمعنى وما مسكم يوم تقاتلت الفئتان فبأمر الله وليعرف المصدقين بحكم الله وليعرف الذين مرضوا وقيل لهم :هلموا حاربوا فى نصر دين الله أى قاوموا قالوا لو نعرف حربا واقعة لذهبنا معكم هم للتكذيب يومذاك أدنى منهم للتصديق يقولون بألسنتهم الذى ليس فى نفوسهم والله أعرف بالذى يسرون،يبين الله للمؤمنين أن ما أصابهم وهو ما نزل بهم من الهزيمة يوم التقى الجمعان أى يوم تقاتلت جماعة المسلمين وجماعة الكافرين هو بإذن أى أمر الله والسبب فى الهزيمة هو أن يعلم الله المؤمنين ويعلم الذين نافقوا والمراد أن يميز الله المسلمين ويميز الذين أظهروا الإسلام وأخفوا الكفر ،ويبين الله للمؤمنين أنهم قالوا للمنافقين:تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا والمراد هيا لتجاهدوا فى نصر دين الله أى حاربوا كان ردهم :لو نعلم قتالا لأتبعناكم والمراد لو نعرف حربا ستحدث لذهبنا معكم وهذا يعنى أنهم يعتقدون اعتقادا جازما أن الحرب لن تحدث ولذا فهم لن يذهبوا لمعرفتهم بذلك وهذا إدعاء بعلم الغيب منهم وهو ذنب أخر ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين كانوا فى ذلك اليوم أقرب للكفر أى أعمل للتكذيب بحكم الله من الإيمان وهو التصديق بحكم الله ،ويبين لهم أنهم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والمراد يتكلمون بألسنتهم كلاما حسنا ليس فى نفوسهم التى تمتلىء بالحقد ،ويبين للمؤمنين أنه أعلم بما يكتمون والمراد أعرف بالذى يخفون فى أنفسهم من الحقد والخطاب حتى فبإذن الله للمؤمنين ثم للنبى(ص)بعده وما بعده.
"الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة البقرة"إن كنتم مؤمنين"فصادقين تعنى مؤمنين والمعنى الذين قالوا لأصحابهم وتخلفوا عن القتال :لو اتبعونا ما ذبحوا قل فامنعوا عن أنفسكم الوفاة إن كنتم محقين ، يبين الله للمؤمنين أن المنافقين قالوا لإخوانهم وهم أصحابهم وقد قعدوا أى تخلفوا عن الذهاب عن الحرب :لو أطاعونا أى لو اتبعنا المسلمين فى القعود ما قتلوا أى ما ذبحوا فى الحرب ،ويطلب الله من رسوله (ص)أن يقول لهم:فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين والمراد فامنعوا عن ذواتكم الوفاة إن كنتم محقين فى زعمكم أنكم مؤمنين ،والغرض من الرد إخبارهم أن الموت لا هروب منه بالقعود عن الحرب أو غير هذا .
"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"المعنى ولا تظنن الذين ذبحوا فى نصر دين الله متوفين إنما شهداء لدى خالقهم ينتفعون ،يطلب الله من رسوله(ص)ألا يحسب والمراد ألا يظن الظن التالى :أن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا والمراد الذين ذبحوا من أجل نصر دين الله متوفين لا يعيشون بعد الدنيا وإنما عليه أن يظن أنهم أحياء أى عائشين عند ربهم والمراد يعيشون لدى خالقهم فى جنته وهم يرزقون أى يتمتعون بنعيم الجنة والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فرحين بما أتاهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "يستبشرون بنعمة من الله"فالفضل هو النعمة وقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون"فالخوف هو السوء والمعنى مسرورين بالذى أعطاهم الله من رحمته ويستفرحون بالذين لم يصلوا إليهم من وراءهم ألا عقاب لهم أى ليسوا يعذبون ،يبين الله لرسوله(ص)أن الشهداء فرحين أى مسرورين والمراد متمتعين بما أتاهم الله من فضله والمراد بالذى أعطاهم الله من رحماته وهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم والمراد أن الشهداء يطلبون الفرحة بالذين لم يصلوا للجنة من الدنيا لأنهم لم يموتوا بعد من المسلمين ،ويبين له أن الشهداء لا خوف عليهم أى لا عقاب عليهم فهم لا يدخلون النار وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون فى البرزخ والقيامة .
"ويستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين"فالمؤمنين أى المصلحين والمعنى ويفرحون بحكم من الله أى رحمة وإن الله لا ينقص ثواب المصدقين بحكمه ،يبين الله لرسوله(ص)أن الشهداء يستبشرون بنعمة من الله أى فضل والمراد يطلبون الخبر المفرح عن رحمة الله وهى متاعه للمؤمنين ،ويبين لنا أنه لا يضيع أجر المؤمنين أى لا ينقص ثواب المصدقين بحكم الله وهذا يعنى أنه لا يحبط ثواب عملهم .
"الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأحزاب"من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "فالاستجابة لله ورسوله(ص) هى طاعتهم والأجر هو الفوز العظيم والمعنى الذين أطاعوا الله ورسوله(ص)من بعد ما مسهم الضرر للذين أصلحوا منهم أى اتبعوا ثواب كبير ،يبين الله للمؤمنين أن الذين استجابوا لله ورسوله(ص)وهم الذين أطاعوا أمر الله ونبيه(ص) بالذهاب لقتال الكفار بعد معركة أحد من بعد ما أصابهم القرح والمراد من بعد ما نزلت بهم الهزيمة وفسرهم بأنهم الذين أحسنوا أى اتقوا أى اتبعوا حكم الله ونبيه(ص) لهم من الله الأجر العظيم وهو الثواب الكبير الممثل فى دخول الجنة والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده .
"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"ويخوفونك بالذين من دونه"فاخشوهم تعنى أنهم يخوفوهم بالكفار وقوله بسورة محمد"زادهم هدى"فإيمانا تعنى هدى وقوله بسورة الأنفال "نعم المولى ونعم النصير" فالوكيل هو المولى هو النصير والمعنى الذين قال لهم المنافقون إن الكفار قد احتشدوا لكم فخافوهم فأدامهم تصديقا وقالوا كافينا الله وحسن الناصر،يبين الله لنا أن المستجيبين لله ونبيه(ص)هم الذين قال لهم الناس والمراد المنافقين : إن الناس أى كفار قريش قد تحزبوا لكم فاخشوهم أى فخافوا أذاهم لكم فكان ردهم أن قالوا :حسبنا الله والمراد ناصرنا الله ونعم الوكيل أى وحسن الناصر وهو رد يبين أن الله زادهم إيمانا والمراد أدام تصديقهم بحكمه أى جعل إسلامهم مستمر .
"فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" فرضوان الله هو ما أنزل الرب وقوله بسورة الأنعام "وربكم ذو رحمة واسعة"فالفضل العظيم هو الرحمة الواسعة والمعنى فعادوا برحمة من الله أى نفع لم يصبهم أذى وأطاعوا حكم الله والله صاحب رحمة واسعة ،يبين الله لنا أن المستجيبين لله ونبيه(ص)لما ذهبوا للقتال خاف منهم الكفار فانقلب أى فعاد المسلمون بنعمة أى فضل أى رحمة أى عطاء من الله هو النصر حيث لم يمسسهم سوء والمراد لم يصبهم ضرر ،وقد اتبعوا رضوان الله والمراد وقد أطاعوا حكم الله وهو الإسلام الذى رضاه لهم دينا بقوله بسورة المائدة"ورضيت لكم الإسلام دينا"ويبين لنا أنه ذو فضل عظيم أى صاحب رحمة واسعة لمن يستجيب له.
"إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة "فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "فخافون تعنى اخشونى وقوله بسورة البقرة"إن كنتم صادقين"فمؤمنين تعنى صادقين والمعنى إنما تلكم الشهوة تفزع أنصارها فلا ترهبوها وارهبون إن كنتم صادقين ،يبين الله للمؤمنين أن الشيطان وهو شهوات النفس تخوف أوليائها والمراد تفزع أنصارها من الموت فى القتال أو غيره حتى يطيعوها ويطلب الله من المؤمنين ألا يخافوا الكفار والمراد ألا يرهبوا أذى الكفار وأن يخافوه أى يرهبوا عذاب الله فيطيعوا حكمه إن كانوا مؤمنين أى مصدقين لحكمه أى صادقين فى زعمهم أنهم مسلمون والخطاب للمؤمنين.