سورة الحديد
سميت بهذا الاسم فى قوله "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد".
"بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحى ويميت وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد أطاع الله الذى فى السموات والأرض إلا من كفر وهو الناصر القاضى له حكم السموات والأرض يخلق ويتوفى وهو لكل أمر يريده فاعل،يبين الله أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو أن سبح أى أطاع حكم الله أى سجد لله ما أى الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة النحل"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض"إلا من حق عليهم العذاب وهم الكفار مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب" والله هو العزيز أى الناصر لمسبحيه الحكيم أى القاضى بالحق ،له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران يحى ويميت والمراد يخلق الخلق ويتوفى الخلق وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للناس على لسان النبى(ص).
"هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم "المعنى هو السابق والباقى والمبين والمخفى وهو بكل أمر خبير،يبين الله للناس أن الله هو الأول والمراد السابق فى الوجود وهو الأخر أى الباقى أى الحى الذى لا يموت وهو الظاهر أى المعلن للأشياء وهو الباطن أى المخفى للأشياء وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير محيط مصداق لقوله بسورة فصلت"أنه بكل شىء محيط".
"هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير"المعنى هو الذى أنشأ السموات والأرض فى ستة أيام وأوحى إلى الكون يعرف الذى يدخل فى الأرض وما ينبت منها وما يسقط من السماء وما يصعد إليها وهو عالم بكم أين ما وجدتم والرب بالذى تفعلون عليم ،يبين الله على لسان النبى (ص)للناس أن الله هو الذى خلق أى أنشأ والمراد"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام فى ستة أيام والمراد فى مدة قدرها ستة أيام إلهية أى ستة آلاف سنة بحساب البشر ثم استوى على العرش أى أوحى إلى الكون والمراد قال للمخلوقات أنا ملك الخلق وهو يعلم ما يلج فى الأرض وهو ما يدخل فى جوف الأرض وما يخرج منها والمراد وما يصعد من الأرض وما ينزل وهو ما يسقط من السماء وما يعرج فيها والمراد وما يصعد إلى جوفها من أشياء وهو معكم أين ما كنتم والمراد وهو عالم بكم أينما وجدتم والله بما تعملون بصير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما يفعلون "والخطاب وما بعده للكفار على لسان النبى(ص)
"له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وهو عليم بذات الصدور "المعنى له حكم السموات والأرض وإلى الرب تعود المخلوقات يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهو خبير بنية النفوس،يبين الله للناس أن الله له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض"كما قال بسورة آل عمران وإلى الله ترجع الأمور والمراد وإلى جزاء الرب تصير أى تدخل المخلوقات مصداق لقوله بسورة الشورى"ألا إلى الله تصير الأمور"يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل والمراد "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "كما قال بسورة الزمر والمراد يزيل بظلام الليل تدريحيا بعض نور النهار ويزيل بنور النهار تدريجيا بعض ظلام الليل وهو عليم بذات الصدور والمراد وهو خبير بنية وهو ما فى النفوس مصداق لقوله بسورة الإسراء"وربكم أعلم بما فى نفوسكم ".
"آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير "المعنى صدقوا بالرب ونبيه (ص)واعملوا بما جعلكم حاكمين به فالذين صدقوا وأطاعوا لهم ثواب عظيم ،يخاطب الله الناس فيقول :آمنوا بالله ورسوله والمراد صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)وهو الكتاب مصداق لقوله بسورة النساء"آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه والمراد واعملوا بالذى جعلكم حاكمين به وهو الكتاب ،فالذين آمنوا منكم والمراد فالذين صدقوا بكتاب الله وأنفقوا أى وعملوا بحكم الله لهم أجر كبير أى ثواب كريم مصداق لقوله بنفس السورة "وله أجر كريم "وهو الجنة.
"وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين "المعنى وما لكم لا تصدقون بالرب والنبى (ص)يناديكم لتصدقوا بإلهكم وقد فرض حكمكم إن كنتم مصدقين ،يسأل الله الناس وما لكم لا تؤمنون بالله والمراد ما الذى يجعلكم لا تصدقون بحكم الرب والرسول وهو النبى (ص)يدعوكم أى يناديكم لتؤمنوا بربكم أى لتصدقوا بحكم إلهكم وقد أخذ ميثاقكم أى وقد فرض حكمكم وهو الإسلام عليكم إن كنتم مؤمنين أى مصدقين بحكم الله ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب الإيمان بحكم الله والعمل به والخطاب للناس وما قبله وما بعده.
"هو الذى ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم "المعنى هو الذى يوحى إلى مملوكه أحكام واضحات ليبعدكم من الضلالات إلى الهدى وإن الرب لكم لنافع مفيد،يبين الله للناس أن الله هو الذى ينزل على عبده آيات بينات والمراد الذى يلقى إلى مملوكه محمد(ص)أحكام مفهومات ليخرجكم من الظلمات إلى النور والمراد ليبعدكم عن العقوبات إلى الرحمة وإن الله بكم لرءوف رحيم والمراد وإن الرب لكم لنافع مفيد إن أسلمتم .
"وما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير "المعنى وما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله ولله ملك السموات والأرض لا يتساوى منكم من عمل من قبل النصر وجاهد أولئك أكبر سلطة من الذين عملوا من بعد وجاهدوا وكلا أخبر الرب الجنة والرب بالذى تفعلون عليم ،يسأل الله المؤمنين ما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله والمراد ما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب نصر الإسلام بالمال ويبين لهم أن لله ميراث أى حكم أى "ملك السموات والأرض "كما قال بنفس السورة ،ويبين للمؤمنين أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل وهو الذى عمل أى صرف ماله وجهده من قبل النصر فى مكة وجاهد العدو لا يستوى أى لا يتساوى مع من أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا وهم من عملوا للإسلام بعد نصر مكة وجاهدوا العدو ويبين أن الأوائل وهو المنفقون المجاهدون قبل الفتح أعظم درجة أى أكبر سلطة وهذا يعنى أن رؤساء المؤمنين كانوا يختارون من بين المسلمين المقاتلين قبل فتح مكة فقط وأما من بعدهم فلم يكن لهم نصيب فى الرئاسة وهى القيادة بسبب تأخر إسلامهم وكلا وعد الله الحسنى والمراد وكلا الفريقين أخبر الرب بدخول الجنة والله بما تعملون خبير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم وسيحاسب عليه مصداق لقوله بسورة النور"والله بما تفعلون عليم".
"من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم"المعنى من ذا الذى يطيع الرب طاعة طيبة فيزيد ثوابها له أى له ثواب كبير ،يسأل الله من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا والمراد من ذا الذى يتبع حكم الله اتباعا مخلصا فيضاعفه له أى فيديم ثوابه له وفسر هذا بأنه له أجر كريم أى ثواب كبير والغرض من السؤال إخبار الناس بوجوب قرض وهو طاعة حكم الله للحصول على الأجر الكريم والخطاب وما قبله للمؤمنين .
"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم" المعنى يوم تشهد المصدقين والمصدقات يظهر حسنهم أمامهم أى فى أيمانهم فرحتكم الآن حدائق تتحرك من أسفلها العيون مقيمين فيها ذلك النصر المبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأجر الكبير للمقرض يكون يوم يرى المؤمنين والمؤمنات والمراد يوم يشاهد المصدقين والمصدقات بحكم الله يسعى نورهم بين أيديهم والمراد يوجد كتاب أعمالهم فى أيديهم وفسرها بأنها أيمانهم وهى أيديهم اليمنى مصداق لقوله بسورة الحاقة"فأما من أوتى كتابه بيمينه"ويقال لهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد فرحتكم الآن حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فى الجنة ذلك أى دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور "المعنى يوم يقول المذبذبون والمذبذبات بين الكفر والإسلام للذين صدقوا ترقبونا نأخذ من عملكم قيل عودوا خلفكم فاطلبوا عملا فحجز بينهم بسياج له باب خفيه فيه المتاع وواضحه من أمامه العقاب يدعونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم أسقطتم أنفسكم أى ترقبتم أى كذبتم أى خدعتكم الأقوال حتى أتى عذاب الرب وخدعكم فى الرب الخادع ،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقون والمنافقات وهم المترددون والمترددات بين الإسلام والكفر يقولون يوم القيامة للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله :انظروا نقتبس من نوركم أى أقيموا مكانكم حتى نستعير من عملكم الصالح حتى ندخل معكم الجنة فيقال لأهل النفاق:ارجعوا وراءكم والمراد عودوا لدنياكم فالتمسوا نورا والمراد فخذوا عملا صالحا من هناك،وضرب بينهم بسور له باب والمراد وفصل بين الفريقين بسياج له مدخل وهذا المدخل باطنه فيه الرحمة والمراد وجهه الخفى عن المنافقين فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والمراد وأمامه من قبله العقاب والمراد وجانبه الواضح للمنافقين فى أرضه العقاب والمنافقين ينادونهم أى يدعون المؤمنين فيقولون:ألم نكن معكم والمراد ألم نؤمن معكم فى الدنيا؟فيجيب المؤمنون :بلى ولكنكم فتنتم أى أضللتم أنفسكم أى تربصتم أى انتظرتم أى كفرتم أى ارتبتم أى كذبتم بالحق أى غرتكم الأمانى والمراد خدعتكم الوساوس حتى جاء أمر الله والمراد حتى أتى عذاب الله أى غركم بالله الغرور أى خدعكم فى الله الخادع وهو الهوى الضال وهذا كله يعنى أنهم أبعدوا أنفسهم عن الحق ولذا استحقوا العذاب والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص)
"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير "المعنى فالآن لا يقبل منكم مال ولا من الذين كذبوا مقامكم جهنم هى ناصركم وساء المقام ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمنين يقولون لأهل النفاق:فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا والمراد لا يقبل منكم مال أى عدل ولا من الذين كذبوا حكم الله مقابل الإخراج من النار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولا يؤخذ منها عدل" ،مأواكم النار أى مقامكم جهنم هى مولاكم أى حسبكم أى ناصرتكم وهو قول ساخر منهم مصداق لقوله بسورة المجادلة "حسبهم جهنم"وبئس المصير أى وساء المقام أى المهاد مصداق لقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد".
"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ألم يحن للذين صدقوا أن تخضع نفوسهم لحكم الله أى ما أوحى من العدل ولا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فبعد عليهم الموعد فتحجرت نفوسهم وكثير منهم كافرون ،يسأل الله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله والمراد ألم يجب على الذين صدقوا حكم الله أن تطمئن نفوسهم بطاعة حكم الله وفسر الله الذكر بأنه ما نزل من الحق وهو ما أوحى من العدل وفسر هذا بألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب والمراد ألا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فطال عليهم الأمد والمراد فبعد عليهم الموعد وهذا يعنى أنهم استحالوا ميقات القيامة فقست قلوبهم أى فكفرت نفوسهم ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب خشوع قلوبهم لذكر الله ويبين الله للمؤمنين أن كثير منهم فاسقون والمراد أن كثير من أهل الكتاب كافرون بحكم الله مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون "والخطاب للمؤمنين.
"اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون "المعنى اعرفوا أن الرب يبعث الأرض بعد جدبها قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يعلموا أى يعرفوا أن الله يحيى الأرض بعد موتها والمراد أن الرب يعيد الحياة للأرض بعد جدبها ،وقد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون والمراد قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تعلمون أى تطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد فصلنا الآيات لعلكم تعلمون "والخطاب للناس.
"إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم "المعنى إن المؤمنين والمؤمنات وأطاعوا الرب طاعة جميلة يزاد لهم أى لهم ثواب كبير ،يبين الله لنبيه(ص) أن المصدقين والمصدقات وهم المؤمنين والمؤمنات بحكم الله وأقرضوا الله قرضا حسنا والمراد واتبعوا حكم الرب اتباعا أمينا يضاعف لهم أى يزاد لهم الثواب وفسر هذا بأن لهم أجر كريم والمراد ثواب كبير والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى والذين صدقوا بالرب ومبعوثيه أولئك هم العادلون أى الحكام لدى إلههم لهم ثوابهم أى رحمتهم والذين جحدوا أى كفروا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين آمنوا بالله ورسله وهم الذين صدقوا بحكم الرب المنزل على أنبيائه (ص)أولئك هم الصديقون أى العادلون قى قولهم وفسرهم بأنهم الشهداء أى الحاكمون على الناس بالعدل مصداق لقوله بسورة البقرة "لتكونوا شهداء على الناس"،وعند ربهم لهم أجرهم والمراد ولدى خالقهم ثوابهم وفسره بأنه نورهم أى أجرهم وهو الجنة،والذين كفروا أى كذبوا أى جحدوا بآياتنا وهى أحكامنا أولئك أصحاب الجحيم أى سكان النار .
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"المعنى اعرفوا أنما المعيشة الأولى عندكم عبث أى تمتع أى لذة وتباهى بينكم وتعاظم فى الأملاك والعيال كشبه مطر أحب الكاذبون نباته ثم يقوى فتشهده قويا ثم يكون هشيما وفى القيامة عقاب عظيم ورحمة من الرب أى قبول وما المعيشة الأولى إلا لذة الخداع ،يطلب الله من الناس أن يعلموا والمراد أن يعرفوا أن قول أديانهم الباطلة على لسانهم أنما الحياة الدنيا لعب أى لهو أى زينة والمراد أن المعيشة الأولى عبث أى انشغال أى متاع وفسر هذا بأنه تفاخر بينهم أى تكابر بينهم فى الأشياء وفسر هذا بأنه تكاثر فى الأموال والأولاد والمراد تزايد فى الأملاك والعيال وهذا يعنى أن أديان الباطل تطالبهم باشباع شهواتهم من متاع الدنيا ،ويبين لنبيه (ص)أن مثل الدنيا كمثل أى كشبه غيث أعجب الكفار نباته والمراد كشبه مطر أحب المكذبون لله زرعه الذى نبت بعد نزوله ثم يهيج أى ثم ينمو أى يكبر فتراه مصفرا والمراد ثم تشاهده ناضجا وبعد ذلك يكون حطاما أى مدمرا وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه النبات الذى يكون له نفع وقت قصير هو وقت قوته وبعد ذلك يزول،ويبين له أن فى الآخرة وهى القيامة عذاب شديد أى عقاب عظيم للكفار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"ومغفرة من الله أى رضوان والمراد ورحمة من الرب أى جنة للمؤمنين ،ويبين أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى هى متاع الغرور والمراد نفع الخداع وهى لذة المكر للكافر والخطاب حتى الأولاد هو قول للكفار لبعضهم والخطاب كله للنبى(ص)
"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى سارعوا إلى رحمة من إلهكم أى جنات وسعها كوسع السموات والأرض جهزت للذين صدقوا بالرب وأنبيائه (ص)تلك رحمة من الله يدخلها من يريد والرب صاحب الرحمة الكبرى ،يطلب الله من الناس التالى أن يسابقوا إلى مغفرة من ربهم والمراد أن يسارعوا إلى نيل رحمة من خالقهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم"وفسر المغفرة بأنها جنة أى حديقة عرضها السماء والأرض والمراد مساحتها هى نفس مساحة السموات والأرض ،أعدت للذين آمنوا بالله ورسله (ص)والمراد جهزت الجنة للذين صدقوا بحكم الله المنزل على أنبيائه(ص)وهم المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"أعدت للمتقين"،ذلك وهو دخول الجنة هو فضل الله أى رحمة أى أجر الرب مصداق لقوله بسورة الفتح"فسيؤتيه أجرا عظيما"يؤتيه من يشاء والمراد يعطيه من يريد وهو المتقى والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة"والخطاب للناس وما بعده.
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد"المعنى ما حدث من حدث فى الأرض ولا فى ذواتكم إلا فى سجل من قبل أن نخلقها إن ذلك على الرب هين لكى لا تحزنوا على ما سبقكم ولا تسروا بما أعطاكم والرب لا يرحم كل متباهى منان الذين يكفرون ويوصون الخلق بالكفر ومن يكفر فإن الرب هو الرازق الشاكر،يبين الله للناس أن ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسهم إلا فى كتاب والمراد أن ما حدث من حادث فى الأرض ولا فى ذواتهم إلا هو مسجل فى سجل هو الكتاب الشامل من قبل أن نبرأه والمراد من قبل أن نخلقه فى وقته المحدد وهذا يعنى علمه بكل شىء قبل حدوثه وذلك وهو العلم على الله يسير أى هين أى سهل مصداق لقوله بسورة مريم"هو على هين "وقد ذكر الله ما سبق لكيلا يأسوا على ما فاتهم والمراد حتى لا يحزنوا على الذى حدث لهم من الأذى ولا يفرحوا بما أتاهم والمراد ولا يسروا بالذى أعطاهم من الخير ويبين لهم أن الله لا يحب كل مختال فخور والمراد لا يثيب أى لا يرحم كل متباهى منان أى كافر ظالم وهم الذين يبخلون أى يمنعون الخير وهو الحق ويأمرون الناس بالبخل والمراد ويوصون الخلق بالمنكر مصداق لقوله بسورة التوبة "يأمرون بالمنكر"ومن يتول والمراد ومن يكفر فإن الله هو الغنى الحميد أى الرزاق الشاكر لمن يطيعه مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين ".
"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز "المعنى لقد بعثنا مبعوثينا بالآيات وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليعمل الخلق بالعدل وخلقنا الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد للخلق وليعرف الرب من يطيعه ومبعوثيه بالخفاء إن الرب متين غالب ،يبين الله أنه أرسل رسله بالبينات والمراد بعث أنبيائه بالآيات وهى المعجزات الدالة على صدقهم مصداق لقوله بسورة البقرة"فبعث الله النبيين"وأنزلنا معهم الكتاب والميزان والمراد وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليقوم الناس بالقسط والمراد ليعمل الخلق بالعدل وقد أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس والمراد ولقد خلقنا معدن الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد كثيرة للخلق والسبب فى إرسال الرسل بالكتاب هو أن يعلم الله من ينصره ورسله بالغيب والمراد أن يعرف الرب من يطيعه أى يطيع مبعوثيه خوفا من عذابه فى الخفاء والذى لا يراه ممن يعصاه والله قوى عزيز والمراد والله ناصر غالب على أمره والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون "المعنى ولقد بعثنا نوحا(ص)وإبراهيم (ص)ووضعنا فى شيعتهما الحكم أى الوحى فمنهم راشد وكثير منهم كافرون ،يبين الله أنه أرسل أى بعث كل من نوح(ص)وإبراهيم (ص)وجعل فى ذريتهما النبوة وهى الكتاب والمراد وأبلغ شيعتهما وهم المؤمنين الحكم وهو العدل الممثل فى الوحى المنزل فمن الشيعة مهتد أى مسلم مؤمن ومنهم كثير فاسقون ومنهم كثير كافرون مصداق لقوله بسورة التغابن"فمنكم كافر ومنكم مؤمن".
"ثم قفينا على آثارهم برسلنا بعيسى ابن مريم وأتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ثم أتبعنا على خطاهم بمبعوثينا بعيسى ولد مريم(ص)وأوحينا لهم الإنجيل ووضعنا فى نفوس الذين أطاعوه نفع أى فائدة أى خوفانية اخترعوها ما فرضناها عليهم إلا طلب ثواب الله فما حفظوها واجب حفظها فأعطينا الذين صدقوا منهم ثوابهم وعديد منهم كافرون ،يبين الله أنه قفى على آثار والمراد أنه أرسل على خطا وهو دين نوح(ص)وإبراهيم (ص)برسله وهم مبعوثيه الذى منهم عيسى ابن مريم (ص)الذى أتاه الإنجيل والمراد الذى أوحى له الإنجيل وجعل فى قلوب الذين اتبعوه رأفة أى رحمة والمراد ووضع فى نفوس الذين أطاعوا حكمه نفع أى فائدة ورهبانية ابتدعوها والمراد وخوفانية زائدة اخترعوا أحكامها من عند أنفسهم بحيث لا تخالف حكم الله ما كتبناها عليهم والمراد ما فرضنا طاعتها عليهم وهم اخترعوها ابتغاء رضوان الله والمراد طلبا لثواب الله وهو الجنة فما رعوها حق رعايتها والمراد فما حافظوا عليها واجب حفظها ويبين أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم والمراد أنه أعطى الذين صدقوا منهم ثوابهم وكثير منهم فاسقون والمراد كافرون مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون"والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اعبدوا الله أى صدقوا بنبيه(ص)يعطكم حسنتين من فضله ويجعل لكم حكما تحكمون به ويرحمكم والرب نافع مفيد ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول اتقوا الله أى "اعبدوا الله "كما قال بسورة النساء والمراد أطيعوا حكم الله وفسره بقوله آمنوا برسوله أى صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)يؤتكم كفلين من رحمته أى يعطكم حسنتين من فضله حسنة الدنيا وهى النور أى حكم الأرض وحسنة الآخرة وهى الدنيا مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا أتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة "وفسر الكفلين فقال ويجعل لكم نورا تمشون به والمراد ويعطى لكم حكما تحكمون به الأرض وهو حسنة الدنيا ويغفر لكم أى ويرحمكم فى الآخرة والله غفور رحيم والمراد والرب نافع مفيد للمؤمنين والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى لكى لا يعرف أصحاب الوحى ألا يملكون من بعض من رحمة الرب وأن الرحمة بحكم الرب يعطيها من يريد والرب صاحب الرحمة الواسعة ،يبين الله للمؤمنين أن إعطاء المؤمنين رحمته هو لئلا أى لكى لا يعلم أهل الكتاب والمراد لكى لا يعرف أصحاب الوحى السابق ألا يقدرون على شىء من فضل الله والمراد أنهم لا يملكون من جزء من رحمة الله وأن الفضل وهو الرحمة بيد الله أى بأمر وهو حكم الله يؤتيه من يشاء والمراد يعطى الرحمة من يريد وهم المؤمنين والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة
سميت بهذا الاسم فى قوله "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد".
"بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحى ويميت وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد أطاع الله الذى فى السموات والأرض إلا من كفر وهو الناصر القاضى له حكم السموات والأرض يخلق ويتوفى وهو لكل أمر يريده فاعل،يبين الله أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو أن سبح أى أطاع حكم الله أى سجد لله ما أى الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة النحل"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض"إلا من حق عليهم العذاب وهم الكفار مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب" والله هو العزيز أى الناصر لمسبحيه الحكيم أى القاضى بالحق ،له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران يحى ويميت والمراد يخلق الخلق ويتوفى الخلق وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للناس على لسان النبى(ص).
"هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم "المعنى هو السابق والباقى والمبين والمخفى وهو بكل أمر خبير،يبين الله للناس أن الله هو الأول والمراد السابق فى الوجود وهو الأخر أى الباقى أى الحى الذى لا يموت وهو الظاهر أى المعلن للأشياء وهو الباطن أى المخفى للأشياء وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير محيط مصداق لقوله بسورة فصلت"أنه بكل شىء محيط".
"هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير"المعنى هو الذى أنشأ السموات والأرض فى ستة أيام وأوحى إلى الكون يعرف الذى يدخل فى الأرض وما ينبت منها وما يسقط من السماء وما يصعد إليها وهو عالم بكم أين ما وجدتم والرب بالذى تفعلون عليم ،يبين الله على لسان النبى (ص)للناس أن الله هو الذى خلق أى أنشأ والمراد"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام فى ستة أيام والمراد فى مدة قدرها ستة أيام إلهية أى ستة آلاف سنة بحساب البشر ثم استوى على العرش أى أوحى إلى الكون والمراد قال للمخلوقات أنا ملك الخلق وهو يعلم ما يلج فى الأرض وهو ما يدخل فى جوف الأرض وما يخرج منها والمراد وما يصعد من الأرض وما ينزل وهو ما يسقط من السماء وما يعرج فيها والمراد وما يصعد إلى جوفها من أشياء وهو معكم أين ما كنتم والمراد وهو عالم بكم أينما وجدتم والله بما تعملون بصير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما يفعلون "والخطاب وما بعده للكفار على لسان النبى(ص)
"له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وهو عليم بذات الصدور "المعنى له حكم السموات والأرض وإلى الرب تعود المخلوقات يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهو خبير بنية النفوس،يبين الله للناس أن الله له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض"كما قال بسورة آل عمران وإلى الله ترجع الأمور والمراد وإلى جزاء الرب تصير أى تدخل المخلوقات مصداق لقوله بسورة الشورى"ألا إلى الله تصير الأمور"يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل والمراد "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "كما قال بسورة الزمر والمراد يزيل بظلام الليل تدريحيا بعض نور النهار ويزيل بنور النهار تدريجيا بعض ظلام الليل وهو عليم بذات الصدور والمراد وهو خبير بنية وهو ما فى النفوس مصداق لقوله بسورة الإسراء"وربكم أعلم بما فى نفوسكم ".
"آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير "المعنى صدقوا بالرب ونبيه (ص)واعملوا بما جعلكم حاكمين به فالذين صدقوا وأطاعوا لهم ثواب عظيم ،يخاطب الله الناس فيقول :آمنوا بالله ورسوله والمراد صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)وهو الكتاب مصداق لقوله بسورة النساء"آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه والمراد واعملوا بالذى جعلكم حاكمين به وهو الكتاب ،فالذين آمنوا منكم والمراد فالذين صدقوا بكتاب الله وأنفقوا أى وعملوا بحكم الله لهم أجر كبير أى ثواب كريم مصداق لقوله بنفس السورة "وله أجر كريم "وهو الجنة.
"وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين "المعنى وما لكم لا تصدقون بالرب والنبى (ص)يناديكم لتصدقوا بإلهكم وقد فرض حكمكم إن كنتم مصدقين ،يسأل الله الناس وما لكم لا تؤمنون بالله والمراد ما الذى يجعلكم لا تصدقون بحكم الرب والرسول وهو النبى (ص)يدعوكم أى يناديكم لتؤمنوا بربكم أى لتصدقوا بحكم إلهكم وقد أخذ ميثاقكم أى وقد فرض حكمكم وهو الإسلام عليكم إن كنتم مؤمنين أى مصدقين بحكم الله ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب الإيمان بحكم الله والعمل به والخطاب للناس وما قبله وما بعده.
"هو الذى ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم "المعنى هو الذى يوحى إلى مملوكه أحكام واضحات ليبعدكم من الضلالات إلى الهدى وإن الرب لكم لنافع مفيد،يبين الله للناس أن الله هو الذى ينزل على عبده آيات بينات والمراد الذى يلقى إلى مملوكه محمد(ص)أحكام مفهومات ليخرجكم من الظلمات إلى النور والمراد ليبعدكم عن العقوبات إلى الرحمة وإن الله بكم لرءوف رحيم والمراد وإن الرب لكم لنافع مفيد إن أسلمتم .
"وما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير "المعنى وما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله ولله ملك السموات والأرض لا يتساوى منكم من عمل من قبل النصر وجاهد أولئك أكبر سلطة من الذين عملوا من بعد وجاهدوا وكلا أخبر الرب الجنة والرب بالذى تفعلون عليم ،يسأل الله المؤمنين ما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله والمراد ما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب نصر الإسلام بالمال ويبين لهم أن لله ميراث أى حكم أى "ملك السموات والأرض "كما قال بنفس السورة ،ويبين للمؤمنين أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل وهو الذى عمل أى صرف ماله وجهده من قبل النصر فى مكة وجاهد العدو لا يستوى أى لا يتساوى مع من أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا وهم من عملوا للإسلام بعد نصر مكة وجاهدوا العدو ويبين أن الأوائل وهو المنفقون المجاهدون قبل الفتح أعظم درجة أى أكبر سلطة وهذا يعنى أن رؤساء المؤمنين كانوا يختارون من بين المسلمين المقاتلين قبل فتح مكة فقط وأما من بعدهم فلم يكن لهم نصيب فى الرئاسة وهى القيادة بسبب تأخر إسلامهم وكلا وعد الله الحسنى والمراد وكلا الفريقين أخبر الرب بدخول الجنة والله بما تعملون خبير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم وسيحاسب عليه مصداق لقوله بسورة النور"والله بما تفعلون عليم".
"من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم"المعنى من ذا الذى يطيع الرب طاعة طيبة فيزيد ثوابها له أى له ثواب كبير ،يسأل الله من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا والمراد من ذا الذى يتبع حكم الله اتباعا مخلصا فيضاعفه له أى فيديم ثوابه له وفسر هذا بأنه له أجر كريم أى ثواب كبير والغرض من السؤال إخبار الناس بوجوب قرض وهو طاعة حكم الله للحصول على الأجر الكريم والخطاب وما قبله للمؤمنين .
"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم" المعنى يوم تشهد المصدقين والمصدقات يظهر حسنهم أمامهم أى فى أيمانهم فرحتكم الآن حدائق تتحرك من أسفلها العيون مقيمين فيها ذلك النصر المبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأجر الكبير للمقرض يكون يوم يرى المؤمنين والمؤمنات والمراد يوم يشاهد المصدقين والمصدقات بحكم الله يسعى نورهم بين أيديهم والمراد يوجد كتاب أعمالهم فى أيديهم وفسرها بأنها أيمانهم وهى أيديهم اليمنى مصداق لقوله بسورة الحاقة"فأما من أوتى كتابه بيمينه"ويقال لهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد فرحتكم الآن حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فى الجنة ذلك أى دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور "المعنى يوم يقول المذبذبون والمذبذبات بين الكفر والإسلام للذين صدقوا ترقبونا نأخذ من عملكم قيل عودوا خلفكم فاطلبوا عملا فحجز بينهم بسياج له باب خفيه فيه المتاع وواضحه من أمامه العقاب يدعونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم أسقطتم أنفسكم أى ترقبتم أى كذبتم أى خدعتكم الأقوال حتى أتى عذاب الرب وخدعكم فى الرب الخادع ،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقون والمنافقات وهم المترددون والمترددات بين الإسلام والكفر يقولون يوم القيامة للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله :انظروا نقتبس من نوركم أى أقيموا مكانكم حتى نستعير من عملكم الصالح حتى ندخل معكم الجنة فيقال لأهل النفاق:ارجعوا وراءكم والمراد عودوا لدنياكم فالتمسوا نورا والمراد فخذوا عملا صالحا من هناك،وضرب بينهم بسور له باب والمراد وفصل بين الفريقين بسياج له مدخل وهذا المدخل باطنه فيه الرحمة والمراد وجهه الخفى عن المنافقين فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والمراد وأمامه من قبله العقاب والمراد وجانبه الواضح للمنافقين فى أرضه العقاب والمنافقين ينادونهم أى يدعون المؤمنين فيقولون:ألم نكن معكم والمراد ألم نؤمن معكم فى الدنيا؟فيجيب المؤمنون :بلى ولكنكم فتنتم أى أضللتم أنفسكم أى تربصتم أى انتظرتم أى كفرتم أى ارتبتم أى كذبتم بالحق أى غرتكم الأمانى والمراد خدعتكم الوساوس حتى جاء أمر الله والمراد حتى أتى عذاب الله أى غركم بالله الغرور أى خدعكم فى الله الخادع وهو الهوى الضال وهذا كله يعنى أنهم أبعدوا أنفسهم عن الحق ولذا استحقوا العذاب والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص)
"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير "المعنى فالآن لا يقبل منكم مال ولا من الذين كذبوا مقامكم جهنم هى ناصركم وساء المقام ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمنين يقولون لأهل النفاق:فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا والمراد لا يقبل منكم مال أى عدل ولا من الذين كذبوا حكم الله مقابل الإخراج من النار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولا يؤخذ منها عدل" ،مأواكم النار أى مقامكم جهنم هى مولاكم أى حسبكم أى ناصرتكم وهو قول ساخر منهم مصداق لقوله بسورة المجادلة "حسبهم جهنم"وبئس المصير أى وساء المقام أى المهاد مصداق لقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد".
"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ألم يحن للذين صدقوا أن تخضع نفوسهم لحكم الله أى ما أوحى من العدل ولا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فبعد عليهم الموعد فتحجرت نفوسهم وكثير منهم كافرون ،يسأل الله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله والمراد ألم يجب على الذين صدقوا حكم الله أن تطمئن نفوسهم بطاعة حكم الله وفسر الله الذكر بأنه ما نزل من الحق وهو ما أوحى من العدل وفسر هذا بألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب والمراد ألا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فطال عليهم الأمد والمراد فبعد عليهم الموعد وهذا يعنى أنهم استحالوا ميقات القيامة فقست قلوبهم أى فكفرت نفوسهم ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب خشوع قلوبهم لذكر الله ويبين الله للمؤمنين أن كثير منهم فاسقون والمراد أن كثير من أهل الكتاب كافرون بحكم الله مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون "والخطاب للمؤمنين.
"اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون "المعنى اعرفوا أن الرب يبعث الأرض بعد جدبها قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يعلموا أى يعرفوا أن الله يحيى الأرض بعد موتها والمراد أن الرب يعيد الحياة للأرض بعد جدبها ،وقد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون والمراد قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تعلمون أى تطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد فصلنا الآيات لعلكم تعلمون "والخطاب للناس.
"إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم "المعنى إن المؤمنين والمؤمنات وأطاعوا الرب طاعة جميلة يزاد لهم أى لهم ثواب كبير ،يبين الله لنبيه(ص) أن المصدقين والمصدقات وهم المؤمنين والمؤمنات بحكم الله وأقرضوا الله قرضا حسنا والمراد واتبعوا حكم الرب اتباعا أمينا يضاعف لهم أى يزاد لهم الثواب وفسر هذا بأن لهم أجر كريم والمراد ثواب كبير والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى والذين صدقوا بالرب ومبعوثيه أولئك هم العادلون أى الحكام لدى إلههم لهم ثوابهم أى رحمتهم والذين جحدوا أى كفروا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين آمنوا بالله ورسله وهم الذين صدقوا بحكم الرب المنزل على أنبيائه (ص)أولئك هم الصديقون أى العادلون قى قولهم وفسرهم بأنهم الشهداء أى الحاكمون على الناس بالعدل مصداق لقوله بسورة البقرة "لتكونوا شهداء على الناس"،وعند ربهم لهم أجرهم والمراد ولدى خالقهم ثوابهم وفسره بأنه نورهم أى أجرهم وهو الجنة،والذين كفروا أى كذبوا أى جحدوا بآياتنا وهى أحكامنا أولئك أصحاب الجحيم أى سكان النار .
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"المعنى اعرفوا أنما المعيشة الأولى عندكم عبث أى تمتع أى لذة وتباهى بينكم وتعاظم فى الأملاك والعيال كشبه مطر أحب الكاذبون نباته ثم يقوى فتشهده قويا ثم يكون هشيما وفى القيامة عقاب عظيم ورحمة من الرب أى قبول وما المعيشة الأولى إلا لذة الخداع ،يطلب الله من الناس أن يعلموا والمراد أن يعرفوا أن قول أديانهم الباطلة على لسانهم أنما الحياة الدنيا لعب أى لهو أى زينة والمراد أن المعيشة الأولى عبث أى انشغال أى متاع وفسر هذا بأنه تفاخر بينهم أى تكابر بينهم فى الأشياء وفسر هذا بأنه تكاثر فى الأموال والأولاد والمراد تزايد فى الأملاك والعيال وهذا يعنى أن أديان الباطل تطالبهم باشباع شهواتهم من متاع الدنيا ،ويبين لنبيه (ص)أن مثل الدنيا كمثل أى كشبه غيث أعجب الكفار نباته والمراد كشبه مطر أحب المكذبون لله زرعه الذى نبت بعد نزوله ثم يهيج أى ثم ينمو أى يكبر فتراه مصفرا والمراد ثم تشاهده ناضجا وبعد ذلك يكون حطاما أى مدمرا وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه النبات الذى يكون له نفع وقت قصير هو وقت قوته وبعد ذلك يزول،ويبين له أن فى الآخرة وهى القيامة عذاب شديد أى عقاب عظيم للكفار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"ومغفرة من الله أى رضوان والمراد ورحمة من الرب أى جنة للمؤمنين ،ويبين أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى هى متاع الغرور والمراد نفع الخداع وهى لذة المكر للكافر والخطاب حتى الأولاد هو قول للكفار لبعضهم والخطاب كله للنبى(ص)
"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى سارعوا إلى رحمة من إلهكم أى جنات وسعها كوسع السموات والأرض جهزت للذين صدقوا بالرب وأنبيائه (ص)تلك رحمة من الله يدخلها من يريد والرب صاحب الرحمة الكبرى ،يطلب الله من الناس التالى أن يسابقوا إلى مغفرة من ربهم والمراد أن يسارعوا إلى نيل رحمة من خالقهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم"وفسر المغفرة بأنها جنة أى حديقة عرضها السماء والأرض والمراد مساحتها هى نفس مساحة السموات والأرض ،أعدت للذين آمنوا بالله ورسله (ص)والمراد جهزت الجنة للذين صدقوا بحكم الله المنزل على أنبيائه(ص)وهم المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"أعدت للمتقين"،ذلك وهو دخول الجنة هو فضل الله أى رحمة أى أجر الرب مصداق لقوله بسورة الفتح"فسيؤتيه أجرا عظيما"يؤتيه من يشاء والمراد يعطيه من يريد وهو المتقى والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة"والخطاب للناس وما بعده.
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد"المعنى ما حدث من حدث فى الأرض ولا فى ذواتكم إلا فى سجل من قبل أن نخلقها إن ذلك على الرب هين لكى لا تحزنوا على ما سبقكم ولا تسروا بما أعطاكم والرب لا يرحم كل متباهى منان الذين يكفرون ويوصون الخلق بالكفر ومن يكفر فإن الرب هو الرازق الشاكر،يبين الله للناس أن ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسهم إلا فى كتاب والمراد أن ما حدث من حادث فى الأرض ولا فى ذواتهم إلا هو مسجل فى سجل هو الكتاب الشامل من قبل أن نبرأه والمراد من قبل أن نخلقه فى وقته المحدد وهذا يعنى علمه بكل شىء قبل حدوثه وذلك وهو العلم على الله يسير أى هين أى سهل مصداق لقوله بسورة مريم"هو على هين "وقد ذكر الله ما سبق لكيلا يأسوا على ما فاتهم والمراد حتى لا يحزنوا على الذى حدث لهم من الأذى ولا يفرحوا بما أتاهم والمراد ولا يسروا بالذى أعطاهم من الخير ويبين لهم أن الله لا يحب كل مختال فخور والمراد لا يثيب أى لا يرحم كل متباهى منان أى كافر ظالم وهم الذين يبخلون أى يمنعون الخير وهو الحق ويأمرون الناس بالبخل والمراد ويوصون الخلق بالمنكر مصداق لقوله بسورة التوبة "يأمرون بالمنكر"ومن يتول والمراد ومن يكفر فإن الله هو الغنى الحميد أى الرزاق الشاكر لمن يطيعه مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين ".
"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز "المعنى لقد بعثنا مبعوثينا بالآيات وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليعمل الخلق بالعدل وخلقنا الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد للخلق وليعرف الرب من يطيعه ومبعوثيه بالخفاء إن الرب متين غالب ،يبين الله أنه أرسل رسله بالبينات والمراد بعث أنبيائه بالآيات وهى المعجزات الدالة على صدقهم مصداق لقوله بسورة البقرة"فبعث الله النبيين"وأنزلنا معهم الكتاب والميزان والمراد وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليقوم الناس بالقسط والمراد ليعمل الخلق بالعدل وقد أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس والمراد ولقد خلقنا معدن الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد كثيرة للخلق والسبب فى إرسال الرسل بالكتاب هو أن يعلم الله من ينصره ورسله بالغيب والمراد أن يعرف الرب من يطيعه أى يطيع مبعوثيه خوفا من عذابه فى الخفاء والذى لا يراه ممن يعصاه والله قوى عزيز والمراد والله ناصر غالب على أمره والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون "المعنى ولقد بعثنا نوحا(ص)وإبراهيم (ص)ووضعنا فى شيعتهما الحكم أى الوحى فمنهم راشد وكثير منهم كافرون ،يبين الله أنه أرسل أى بعث كل من نوح(ص)وإبراهيم (ص)وجعل فى ذريتهما النبوة وهى الكتاب والمراد وأبلغ شيعتهما وهم المؤمنين الحكم وهو العدل الممثل فى الوحى المنزل فمن الشيعة مهتد أى مسلم مؤمن ومنهم كثير فاسقون ومنهم كثير كافرون مصداق لقوله بسورة التغابن"فمنكم كافر ومنكم مؤمن".
"ثم قفينا على آثارهم برسلنا بعيسى ابن مريم وأتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ثم أتبعنا على خطاهم بمبعوثينا بعيسى ولد مريم(ص)وأوحينا لهم الإنجيل ووضعنا فى نفوس الذين أطاعوه نفع أى فائدة أى خوفانية اخترعوها ما فرضناها عليهم إلا طلب ثواب الله فما حفظوها واجب حفظها فأعطينا الذين صدقوا منهم ثوابهم وعديد منهم كافرون ،يبين الله أنه قفى على آثار والمراد أنه أرسل على خطا وهو دين نوح(ص)وإبراهيم (ص)برسله وهم مبعوثيه الذى منهم عيسى ابن مريم (ص)الذى أتاه الإنجيل والمراد الذى أوحى له الإنجيل وجعل فى قلوب الذين اتبعوه رأفة أى رحمة والمراد ووضع فى نفوس الذين أطاعوا حكمه نفع أى فائدة ورهبانية ابتدعوها والمراد وخوفانية زائدة اخترعوا أحكامها من عند أنفسهم بحيث لا تخالف حكم الله ما كتبناها عليهم والمراد ما فرضنا طاعتها عليهم وهم اخترعوها ابتغاء رضوان الله والمراد طلبا لثواب الله وهو الجنة فما رعوها حق رعايتها والمراد فما حافظوا عليها واجب حفظها ويبين أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم والمراد أنه أعطى الذين صدقوا منهم ثوابهم وكثير منهم فاسقون والمراد كافرون مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون"والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اعبدوا الله أى صدقوا بنبيه(ص)يعطكم حسنتين من فضله ويجعل لكم حكما تحكمون به ويرحمكم والرب نافع مفيد ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول اتقوا الله أى "اعبدوا الله "كما قال بسورة النساء والمراد أطيعوا حكم الله وفسره بقوله آمنوا برسوله أى صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)يؤتكم كفلين من رحمته أى يعطكم حسنتين من فضله حسنة الدنيا وهى النور أى حكم الأرض وحسنة الآخرة وهى الدنيا مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا أتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة "وفسر الكفلين فقال ويجعل لكم نورا تمشون به والمراد ويعطى لكم حكما تحكمون به الأرض وهو حسنة الدنيا ويغفر لكم أى ويرحمكم فى الآخرة والله غفور رحيم والمراد والرب نافع مفيد للمؤمنين والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى لكى لا يعرف أصحاب الوحى ألا يملكون من بعض من رحمة الرب وأن الرحمة بحكم الرب يعطيها من يريد والرب صاحب الرحمة الواسعة ،يبين الله للمؤمنين أن إعطاء المؤمنين رحمته هو لئلا أى لكى لا يعلم أهل الكتاب والمراد لكى لا يعرف أصحاب الوحى السابق ألا يقدرون على شىء من فضل الله والمراد أنهم لا يملكون من جزء من رحمة الله وأن الفضل وهو الرحمة بيد الله أى بأمر وهو حكم الله يؤتيه من يشاء والمراد يعطى الرحمة من يريد وهم المؤمنين والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة