"وإذ لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون "قوله "وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا "يفسره قوله بسورة المائدة "وإذا جاءوكم قالوا أمنا "فأهل النفاق إذا لقوا أى جاءوا المسلمين قالوا أمنا أى صدقنا حكم الله والمعنى وإذا قابلوا الذين صدقوا حكم الله قالوا صدقنا حكم الله ،وقوله "وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم"يفسره قوله بسورة البقرة "وإذا خلوا إلى شياطينهم "فالبعض هو الشياطين أى الكفار الكبار الذين ينفردون بصغار الكفار فى مجالسهم وهم يقولون لهم هل تقولون للمسلمين الذى أوحاه الله لكم ليجادلوكم به لدى إلهكم؟وهذا يعنى أنهم يحذرون الصغار من أن يعرفوا المسلمين فتح الله عليهم وهو الوحى الذى أنزله الله على الرسل (ص)السابقين والسبب فى هذا التحذير هو أن لا يحاج المسلمون المنافقين فى الأخرة بهذا الوحى كدليل على صحة رسالتهم وهذا يدلنا على أن القوم يعتقدون أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون أى أنه إله جاهل سبحانه وتعالى عن ذلك والمعنى وإذا انفرد بعضهم مع بعض قالوا هل تخبرونهم بالذى أوحى الله لكم ليجادلوكم به عند خالقكم فى الأخرة ؟وقوله "أفلا تعقلون يفسره قوله بسورة الذاريات "أفلا تبصرون "فتعقلون هى تبصرون والمعنى هل لا تفهمون ؟والغرض من السؤال إخبار الصغار أنهم بقولهم الحق للمسلمين هم مجانين ومعنى الآية وإذا قابلوا الذين صدقوا حكم الله قالوا صدقنا حكم الله وإذا انفرد كبارهم مع صغارهم قالوا أتخبرونهم بالذى أوحى الله لكم ليجادلوكم به لدى إلهكم أفلا تفهمون ؟ونلاحظ هنا أن المخاطب ليس الذين أمنوا وليس المنافقين ولا شياطينهم لأن القول حكاية عما يحدث من الطرفين ومن ثم فالمخاطب هو النبى(ص) أو القارىء أو السامع بعد عصرهم للآية .
"أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "يفسر الآية قوله بسورة النور"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون "فالله يعلم ما يسرون أى ما يكتمون وما يعلنون أى ما يبدون والمعنى هل لا يعرفون أن الله يعرف الذى يخفون والذى يظهرون؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين يعرفون حق المعرفة علم الله بكل شىء سواء أسر أم أعلن ،والمخاطب هنا هو نفسه المخاطب فى الآية السابقة.
" ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون "قوله ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى "يفسره قوله بسورة البقرة "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم "فالأميون يعلمون أن الوحى وهو الكتاب ليس سوى أمانى أى أقوال تدخلهم الجنة وحدهم والمعنى ومن أهل الكتاب كفار لا يعرفون الوحى إلا أقوال تدخلهم الجنة ،وقوله "وإن هم إلا يظنون"يفسره قوله بسورة الأنعام"وإن هم إلا يخرصون"فالظن هو الخرص والمعنى وإن القوم إلا يتمنون وهذا يعنى أن الأميين يتمنون دخول الجنة ولكنهم لن يدخلوها والمعنى ومن أهل الكتاب كفار لا يعرفون الوحى إلا أقوال تدخلهم الجنة وإن هم إلا يتمنون دخولها،والمخاطب هنا هو نفسه المخاطب فى الآية قبلها .
"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "قوله "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "يفسره قوله بسورة آل عمران"وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب "وقوله بسورة المائدة "يحرفون الكلم من بعد مواضعه"فكتابة الكتاب هى لى الألسن بالكتاب حتى نحسبه كلام الله هى تحريف الكلام من بعد مواضعه والمعنى فالعذاب للذين يحرفون الوحى بكلامهم ثم يقولون هذا وحى الله ،وقوله "ليشتروا به ثمنا قليلا"يفسره قوله بسورة البقرة "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة "فالثمن القليل هو الحياة الدنيا والمعنى ليأخذوا بتحريف الوحى متاعا قصيرا وهذا يبين لنا أن سبب تحريف القوم للوحى هو أن يحصلوا على المتاع الفانى متاع الدنيا ،وقوله "فويل لهم مما كسبت أيديهم "يفسره قوله بعده"وويل لهم مما يكسبون"فما كتبت الأيدى هو ما كسبت النفوس والمعنى فعذاب الله لهم بسبب ما عملت أنفسهم أى عقاب الله لهم بما يفعلون من السيئات ومعنى الآية فعذاب الله للذين يحرفون الوحى بكلامهم ثم يقولون هذا من لدى الله ليأخذوا بتحريفه متاعا فانيا فالعذاب لهم بما صنعت أنفسهم أى العقاب لهم بما يفعلون من السيئات ،والمخاطب هو نفسه المخاطب فى الآية قبلها .
"وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "قوله "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة "يعنى وقال اليهود: لن يصيبنا العذاب سوى ليالى قليلة ،وهذا يعنى أنهم متأكدون من دخولهم النار ولكنهم يعتقدون أنهم سيبقون فى النار لمدة أيام قليلة ،وقوله "قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "يفسره قوله بسورة يونس"قل ألله أذن لكم أم على الله تفترون"فعهد الله هو إذنه وقول الذى لا يعلمون هو ما يفترون ولا هنا مثلها مثل لا فى قوله "لا أقسم بمواقع النجوم"بسورة الواقعة فهى حرف تأكيد والمعنى قل هل نزل لكم من لدى الله ميثاقا فلن ينقض الله ميثاقه أم تنسبون إلى الرب الذى تعرفون أنه باطل ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الله لم يعطى القوم عهد أى ميثاق أى فرض على نفسه أن يدخلهم النار لمدة قليلة ومن ثم فهم يتقولون على الله أى يفترون عليه الذى يعرفون أنه لم يقله فى أى وحى منزل والله لا يخلف الوعد أى لا ينقض حديثه ومعنى الآية وقالوا لن ندخل السعير سوى ليالى قليلة قل لهم يا محمد هل نزل لكم من لدى الله وحى بذلك فلن ينقض الله وحيه أم تفترون على الله الذى تعرفون أنه لم يوحيه ،والمخاطب هنا النبى(ص) .
"بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "قوله "بلى من كسب سيئة "يفسره قوله بعده "وأحاطت به خطيئته"فكسب السيئة هو إحاطة الخطيئة بفاعلها ويفسره قوله بسورة النساء "ومن يكسب خطيئة أو إثما "وقوله بسورة النمل"ومن جاء بالسيئة "فكسب الخطيئة أى الإثم هو المجىء بالسيئة والمعنى الحقيقة من فعل كفرا أى حكمه ظلمه وقوله "فأولئك أصحاب النار"الذى يفسره قوله بسورة المائدة "أولئك أصحاب الجحيم "فالنار هى الجحيم أى العذاب والمعنى فأولئك أهل العذاب وقوله "هم فيها خالدون"الذى يفسره قوله بسورة طه"فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى "فالخلود هو عدم الموت والمعنى هم فيها باقون ومعنى الآية الحقيقية من صنع كفرا أى حكم نفسه ظلمه فأولئك سكان الجحيم هم فيها ماكثون،والمخاطب هنا هو النبى(ص) .
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "يفسر الآية قوله بسورة الكهف"وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى "وقوله "ماكثين فيها أبدا"فالجنة فى البقرة هى الحسنى فى الكهف والخلود فى البقرة هو المكوث فيها للأبد والمعنى والذين صدقوا بوحى الله وفعلوا الحسنات أولئك سكان النعيم هم فيه ماكثون أبدا ،والمخاطب هو النبى(ص).
"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون"قوله "وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"يفسره قوله بسورة البقرة "يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم "فالميثاق هو نعمة الله التى هى وجوب عبادة الله والمعنى وقد فرضنا على أولاد يعقوب العهد لا تطيعون إلا حكم الله وهذا يعنى أن الله فرض على القوم عبادته وهى طاعة حكمه المنزل عليهم ،وقوله "وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين"يعنى ومن عبادة الله وبالأبوين برا وبأصحاب القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين وهذا معناه أن الله أمر القوم أن يتعاملوا مع الأباء والأمهات والأقارب ومن مات أباؤهم والمحتاجين للمال بالإحسان وهو البر أى العدل والمراد ما أمر الله به بهم فى الوحى وقوله "وقولوا للناس حسنا "يفسره قوله بسورة الأحزاب "وقولوا قولا سديدا "فالحسن هو السديد وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما "وقوله "وأقيموا الصلاة "يفسره قوله بعده"وآتوا الزكاة " فإقامة الصلاة هى إيتاء الزكاة هى إقامة الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "والمعنى وأطيعوا الإسلام أى اعملوا الحق وقوله "ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون "يفسره قوله بسورة البقرة "فقليلا ما يؤمنون"وقوله بسورة الأنبياء"بل هم عن ذكر ربهم معرضون" فالتولى هو عدم الإيمان والإعراض يكون عن ذكر الله أى حكم الله والمعنى ثم عصيتم إلا عددا قليلا منكم وأنتم مكذبون به وهذا يعنى أن عدد كبير من القوم تولوا أى عصوا حكم الله وقد عصوه وهم معرضون أى مكذبون به وأما القليل فهم الذين أطاعوا حكم الله ومعنى الآية وقد فرضنا عهد أولاد يعقوب لا تطيعون سوى حكم الله ومنه بالأبوين معروفا وبأهل القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين وتحدثوا مع الخلق حديثا سديدا وأطيعوا الدين أى اتبعوا الحق ثم عصيتم إلا عدد قليل منكم وأنتم مكذبون بالدين ،ونلاحظ أن أن أول الآية هو خطاب موجه للنبى(ص)والمؤمنين حيث يقص عليهم بعض أخبار بنى إسرائيل وأما قوله ثم توليتم حتى أخر الآية فهو خطاب موجه للكفار مما يعنى أن هذا القول جزء من آية تم حذف أولها وأبقى أخرها والملاحظ من الآية التالية أن المحذوف كان حكاية عما حدث من بنى إسرائيل فى أمر ما والله أعلم .
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم "يفسره قوله بسورة المائدة "من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا "فتحريم سفك الدماء هو تحريم قتل النفس دون قتلها لنفس أو فسادها والمعنى وقد فرضنا فى وحيكم لا تقتلون بعضكم ،وقوله "ولا تخرجون أنفسكم من دياركم "يفسره قوله بسورة البقرة "وهو محرم عليكم إخراجهم"فالله حرم إخراج القوم بعضهم البعض من ديارهم والمعنى ولا تطردون بعضكم البعض من بيوتكم وهذا معناه أن الله حرم على القوم إخراج أنفسهم أى طرد بعضهم البعض من ديارهم بأنفسهم أو عن طريق مساعدة الغير عليهم وقوله "ثم أقررتم وأنتم تشهدون"يعنى ثم اعترفتم وأنتم ترون وهذا معناه أن القوم أقروا أى اعترفوا بوجوب طاعتهم للوحى وهم يشهدون أى يرون الجبل فوقهم والله يفرضه عليهم ومعنى الآية وقد فرضنا فى وحيكم لا تقتلون بعضكم ولا تطردون بعضكم البعض من بلادكم ثم اعترفتم به وأنتم ترون الجبل فوقكم،والآية هى خطاب للمؤمنين حكاية عما حدث من بنى إسرائيل فى عصور سابقة ومثلها ما بعدها .
"ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "قوله"ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم "يفسره قوله بسورة آل عمران "ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس"فقتل الأنفس هو قتلهم الأنبياء والآمرين بالعدل من الناس وغيرهم والمعنى ثم أنتم هؤلاء تذبحون بعض منكم ،وقوله "وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان "يعنى وتطردون جمعا منكم من بيوتهم تساعدون على طردهم بالسيئة أى بالكفر ،يبين الله للقوم أنهم طردوا بعض منهم من ديارهم عن طريق المظاهرة عليهم أى مساعدة الأقوام الأخرى على طردهم وهذه المساعدة بالإثم أى العدوان والمراد من الكفر ،وقوله "وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم "يعنى وإن يجيئكم خبر أنهم أسرى حرب تفكوا أسرهم بالمال وهو ممنوع عليكم طردهم ،يبين الله للقوم أنهم من مكرهم إذا أتاهم خبر أن أقاربهم أسرى حرب لدى الأقوام الأخرى يعملون على فك أسرهم بالمال والسبب هو أنهم يريدون أن يظهروا لأقاربهم أنهم أصحاب فضل عليهم رغم أن الله حرم طرد القوم لبعضهم بأى وسيلة ،وقوله "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"يعنى هل تصدقون ببعض الوحى وتكذبون ببعض؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم أنهم يطيعون بعض الوحى وهو وجوب فك أسر إخوتهم ويعصون البعض الأخر وهو عدم طرد إخوتهم ومن ثم فهم كفرة وقوله "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب "يفسره قوله بسورة البقرة "لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الأخرة عذاب عظيم "فيوم القيامة هو الأخرة وأشد العذاب هو العذاب العظيم والمعنى فما عقاب من يعمل هذا منكم إلا ذل فى الحياة الأولى ويوم البعث يدخلون أعظم العقاب،يبين الله للقوم أن من يطيع بعض الوحى ويعصى البعض الأخر عقابه فى الدنيا هو الخزى أى الذل وهو الهوان وهو عقاب المفسد المحارب لله وفى الأخرة يكون عقابه دخول النار وقوله "وما الله بغافل عما تعملون "يعنى وما الله بساهى عما تفعلون ،والمراد أن الله يخبرهم أنه يعرف كل ما يفعلون فى دنياهم ،ومعنى الآية ثم أنتم هؤلاء تذبحون بعضا منكم وتطردون بعضا منكم من بلادهم تساعدون عليهم من الكفر أى السوء وإن يجيئكم خبر أنهم أسرى حرب تفكوهم بالمال وهو ممنوع عليكم طردهم ،هل تصدقون ببعض الوحى وتكذبون بالبعض الأخر ؟فما عقاب من يصنع هذا منكم سوى ذل فى المعيشة الأولى ويوم البعث يدخلون فى أسوأ العقاب،وما الله بساهى عن الذى تصنعون .
"أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "قوله "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة "يفسره قوله بسورة البقرة "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى "وقوله بسورة آل عمران "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان"فالحياة الدنيا هى الضلالة هى الكفر والأخرة هى جزاء الهدى هى جزاء الإيمان والمعنى أولئك الذين أخذوا متاع الحياة الأولى وتركوا متاع القيامة ،وقوله "فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "يفسره قوله بسورة آل عمران "ولا هم ينظرون "فعدم النصر هو عدم النظر أى عدم الرحمة والمعنى فلا يرفع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون ومعنى الآية أولئك الذين أخذوا متاع المعيشة الأولى وتركوا متاع القيامة فلا يمنع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون .
"لقد أتينا موسى الكتاب ولقد قفينا من بعده بالرسل وأتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "قوله ولقد أتينا موسى الكتاب"يفسره قوله بسورة غافر"ولقد أتينا موسى الهدى "فالكتاب هو الهدى أى حكم الله والمعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة ،وهذا معناه أن الله أعطى موسى (ص)التوراة ليحكم بها بنى إسرائيل وقوله "وقفينا من بعده بالرسل "يفسره قوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم"فالتقفية هى بعث الرسل بعد موت موسى (ص)والمعنى وبعثنا من بعد موسى (ص)بالأنبياء(ص)وقوله "وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس"يفسره قوله بسورة الزخرف"ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة "فالبينات هى الحكمة أى الإنجيل والمعنى وأوحينا لعيسى ابن مريم (ص)الإنجيل ونصرناه برسول الله جبريل(ص)والمراد أن الله جعل جبريل(ص)ينصره بالمعجزات وقوله "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "يعنى هل كلما أتاكم نبى بالذى لا تريد شهواتكم كفرتم فبعض من الرسل عصيتم وبعضا ذبحتم ،وهذا يخبرنا أن بنى إسرائيل كذبوا جميع رسلهم ولكن اكتفوا بتكذيب البعض وقتلوا البعض الأخر بعد تكذيبه ومعنى الآية لقد أوحينا لموسى (ص)التوراة وبعثنا من بعد موته بالأنبياء(ص)وأوحينا لعيسى بن مريم (ص)الإنجيل ونصرناه برسول الله جبريل(ص)،هل كلما أتاكم مبعوث من الله كفرتم فبعض منهم كفرتم بهم فقط وبعض منهم كفرتم به وذبحتموهم .
"وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون "قوله "قلوبنا غلف "يفسره قوله بسورة فصلت"وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعوننا إليه "فتغليف القلوب هو وجود أكنة عليها تمنع الوحى من دخولها وقوله"بل لعنهم الله بكفرهم"يعنى لقد غضب الرب عليهم بتكذيبهم وقوله "فقليلا ما يؤمنون "يفسره قوله بسورة الأعراف"فقليلا ما تذكرون "فالقوم قليل منهم هم الذين يؤمنون أى يذكرون أى يطيعون عهد الله ومعنى الآية وقالوا نفوسنا محصنة ضد الإيمان ،لقد عذبهم الله بتكذيبهم فقليلا ما يصدقون .
"ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "قوله "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم "يفسره قوله بسورة البقرة "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم "فالكتاب هو الوحى الذى جاء به الرسول(ص)من لدى الله مصدق أى مشابه لما عندهم والمعنى ولما أتاهم وحى من لدى الله مشابه للذى عندهم كفروا به ،وقوله "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا "يفسره قوله بسورة البقرة "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم"فالاستفتاح على الكفار هو تحديثهم بالوحى الذى ينصرهم على الكفار لو أطاعوه والمعنى وكانوا من قبل نزول القرآن يحدثون الكفار بالوحى بانتصارهم عليهم بطاعة الوحى ،وقوله"فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"يفسره قوله بسورة الأنعام"الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه "وقوله بسورة النحل"يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها "فالكتاب أى نعمة الله أى الذى عرف الكفار كفروا به أى كذبوا به أى نبذوه وراء ظهورهم مصداق لقوله بسورة البقرة "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم"والمعنى فلما أتاهم الذى علموا كذبوا به ،وقوله "فلعنة الله على الكافرين "يفسره قوله بسورة هود"ألا لعنة الله على الكاذبين "فالكافرين هم الكاذبين والمعنى فغضب الله على الظالمين والمراد أن عذاب الله هو نصيب الكفار ومعنى الآية ولما أتاهم وحى من لدى الله مشابه للذى لديهم وكانوا من قبل نزوله يحدثون الكفار بوحيهم فلما أتاهم الذى علموا أى القرآن كذبوا فعذاب الله نصيب الظالمين ،والخطاب هنا للمؤمنين وهو حكاية عن بنى إسرائيل فى عصر النبى(ص)وأيضا ما بعدها.
"بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين "قوله "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله "يفسره قوله بسورة المائدة "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم "فالكفر بوحى الله المنزل هو ما قدمت أنفس الناس والمعنى فساء الذى أخذوا به قلوبهم أن يكذبوا بالذى أوحى الله ،وهذا يعرفنا أن القوم باعوا أنفسهم والطريقة هى كفرهم بوحى الله المنزل والسبب"بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده "والمعنى رفضا أن يعطى الله من رحمته من يريد من خلقه فسبب كفرهم هو أنهم رفضوا أن يفضل الله عليهم بعض الناس وهم الرسل(ص)ويفسر القول قوله بسورة البقرة "والله يختص برحمته من يشاء "فالفضل هو الرحمة وتنزيل الرحمة هو الاختصاص بها وقوله "فباءوا بغضب على غضب "يفسره قوله بسورة المائدة "أن سخط الله عليهم"فالسخط هو الغضب الإلهى والمعنى فعادوا بسخط على سخط أى بعذاب خلف عذاب وقوله "وللكافرين عذاب مهين "يفسره قوله بسورة البقرة "ولهم عذاب عظيم "فالمهين هو العظيم والمعنى وللظالمين عقاب مذل ومعنى الآية ساء الذى باعوا أنفسهم أن يكذبوا بالذى أوحى الله رفضا أن يوحى حكمه إلى من يريد من خلقه فعادوا بعذاب خلف عذاب أى للمكذبين عقاب كبير
"وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "قوله وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله "يفسره قوله بسورة البقرة "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله "فأمنوا تعنى اتبعوا المنزل من الله والمعنى وإذا قال المسلمون للقوم صدقوا بالذى أوحى الله ،وهذا يعنى أن المسلمين يطلبون من أهل الكتاب اتباع وحى الله المنزل ،وقوله "قالوا نؤمن بما أنزل علينا "يفسره قوله بسورة البقرة "بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا "فالإيمان بالمنزل عليهم فقط هو اتباعهم الأباء فى دينهم والمعنى قال القوم نصدق بالذى أوحى إلينا وهذا يعنى أنهم يصدقون بوحى الله المنزل عليهم فقط "ويكفرون بما وراءه "والمعنى ويكذبون بالذى بعده وهذا يعنى أن القوم يكذبون بالذى نزل بعد وحيهم وهو القرآن وقوله "وهو الحق من ربهم مصدقا لما معهم "يعنى وهو العدل مشابه للذى معهم ،وهذا يبين لنا أن القرآن وهو العدل وهو مشابه للوحى المنزل عليهم فى مصدره وأخباره ومعظم ما فيه من أحكام وقوله "قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين"يفسره قوله بسورة آل عمران "قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين "فالأنبياء(ص)هم الرسل والصادقين هم المؤمنين والمعنى قل لهم يا محمد لماذا ذبحتم رسل الله من قبل إن كنتم صادقين ؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم أنهم غير مؤمنين أى مصدقين بوحى الله والسبب هو قتلهم رسل الله (ص)قبل وجود الرسول (ص)ومن ثم فهم كاذبون فى قولهم أنهم مؤمنون بالذى أنزل على رسلهم لأنهم لو كانوا مؤمنين بهم ما قتلوهم والمعنى وإذا قيل لهم صدقوا بما أوحى الرب قالوا نصدق بما أوحى إلينا ويكذبون بما بعده وهو العدل مشابه لما عندهم قل فلماذا تذبحون رسل الله من قبل إن كنتم صادقين ،والمخاطب هو النبى(ص).
"ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون "يفسر الآية قوله بسورة هود"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا "وقوله بسورة النساء"ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات"فمجىء موسى (ص)بالبينات هو إرساله بالآيات واتخاذ العجل من بعده يعنى من بعد ما ذهب موسى (ص)للميقات وأنتم كافرون ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يبين للقوم أن موسى (ص)لما أتى بنى إسرائيل فى عهده بالبينات وهى الآيات سواء وحى أو إعجاز كذبوها فعبدوا العجل من بعد ذهاب موسى (ص)للميقات وهم كفرة والمعنى ولقد أتاكم موسى (ص)بالآيات ثم عبدتم العجل بعد ذهابه للميقات وأنتم كافرون والخطاب للنبى (ص)والمؤمنين وهو جزء من الآيات المتحدثة عما حدث من بنى إسرائيل فى عهد موسى(ص) وكذا ما بعده .
"وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور"يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة "فالله فرض الميثاق وجبل الطور فوق رءوس بنى إسرائيل كالمظلة والمعنى وقد فرضنا عليكم عهدكم ووضعنا جبل الطور على رءوسكم ،وقوله "خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا"يفسره قوله بسورة الأعراف"خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه "فالأخذ بقوة هو السماع أى الذكر وهو طاعة حكم الله والمعنى أطيعوا الذى أوحينا لكم بعزم أى اتبعوا الوحى ،وقوله "قالوا سمعنا وعصينا "يبين لنا أنهم قالوا فى العلن سمعنا وأطعنا ولكن فى سرهم قالوا سمعنا وعصينا والمعنى قالوا عرفنا وخالفنا فى أنفسهم ،وقوله "وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم"يعنى وأحبوا فى أنفسهم العجل بظلمهم وهذا يبين لنا أن القوم قد أحبوا فى نفوسهم عبادة العجل نتيجة كفرهم أى تكذيبهم بميثاق الله ،وقوله "قل بئسما خلفتمونى من بعدى "وقوله بسورة البقرة "إن كنتم صادقين "فما أمرهم به إيمانهم هو ما خلفوا موسى (ص)فيه وهو عبادتهم للعجل ومؤمنين تعنى صادقين والمعنى قل يا محمد ساء الذى يطالبكم به تصديقكم إن كنتم صادقين ،ومعنى الآية وقد فرضنا عهدكم ووضعنا أعلاكم الجبل أطيعوا الذى أعطيناكم بتصديق له واتبعوا قالوا عرفنا وخالفنا وأحبوا فى أنفسهم العجل بتكذيبهم لحكم الله، قل ساء الذى يطالبكم به تصديقكم إن كنتم مصدقين بحكم الله ،وهذا يعرفنا أن الله فرض على القوم الميثاق وهو واضع الجبل على رءوسهم فقالوا علنا خوفا من سقوط الجبل عليهم :سمعنا وأطعنا وفى سرهم قالوا سمعنا وعصينا والسبب أنهم فضلوا عبادة العجل على عبادة الله فى نفوسهم ،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يوضح لهم أن الذنب الذى يريدون أمر قبيح أى سيىء إذا كان إيمانهم يأمرهم به من دون طاعة حكم الله ونلاحظ أن أول الآية حتى كلمة قل هو حكاية عما حدث من بنى إسرائيل وأما بقية القول من عند قل فهو خطاب للنبى(ص) فى موضوع أخر تم حذفه وله علاقة بالمؤمنين أو بمن يدعى الإيمان وهم المنافقون ومن ثم فأول الآية محذوف وهو يتكلم عن الذنب الذى هو بئس ما يأمرهم به إيمانهم .
"قل إن كانت لكم الدار الأخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين "يفسره قوله بسورة البقرة "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى "وقوله بسورة الجمعة "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين "فمعنى أن الدار الأخرة وهى الجنة لهم هو أنهم أولياء الله المستحقون وحدهم للجنة ومعنى الآية قل لهم يا محمد إن كانت لكم جنة الأخرة لدى الله خاصة من غير الخلق فاطلبوا الوفاة إن كنتم مؤمنين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يطلب من أهل الكتاب أن يتمنوا الموت وهو الوفاة فى الدنيا إن كانوا محقين فى زعمهم أن الجنة لهم لن يدخلها أحد غيرهم من الناس لأن الوفاة ستدخلهم إياها .
"ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين "قوله "ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم "يفسره قوله بسورة البقرة "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"و"بما كسبت قلوبكم"فعدم تمنى الموت إطلاقا هو حرصهم على الحياة وتقديم الأيدى وهى النفوس هو كسبها أى كفرها والمعنى ولن يطلبوا الوفاة دوما بما كفرت أنفسهم ،يبين الله لنا أن سبب عدم تمنى القوم الموت هو ما قدمت أيديهم أى ما صنعت أنفسهم وهو كفر الأنفس بحكم الله وقوله "والله عليم بالظالمين "يفسره قوله بسورة البقرة "والله محيط بالكافرين "فالعليم هو المحيط والكافرين هم الظالمين والمعنى والله عارف بأعمال الكافرين وهذا يعنى أنه لا يخفى على الله شىء ومعنى الآية ولن يطلبوا الوفاة فى الدنيا بسبب ما كفرت أنفسهم والله عارف بعمل الكافرين ،والخطاب هنا للنبى(ص)كما فى القول قبله وبعده.
"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون "قوله "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا "يفسره قوله بسورة البقرة "ولن يتمنوه أبدا "فالحرص على الحياة هو عدم تمنى الموت والمعنى ولتعرف اليهود أحفظ الخلق لحياتهم ومن الذين كفروا،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود والذين أشركوا وهم أصحاب كل دين ضال يعملون على الحفاظ على حياتهم بكل السبل ،وقوله "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر "يفسره قوله بسورة آل عمران "فمن زحزح عن النار "فالعذاب هو النار والمعنى يحب أحدهم لو يعيش ألف سنة وما هو بمبعده من النار أن يعيش ،يبين الله لرسوله (ص)أن اليهود والمشركين لن ينقذهم من النار أن يعيشوا ألف سنة والعدد هنا يعنى أطول فترة ممكنة للحياة فمهما عاشوا فمصيرهم بعد الموت هو دخول النار "وقوله "والله بصير بما يعملون "يفسره قوله بسورة البقرة "والله بما تعملون خبير "وقوله بسورة النمل"إنه خبير بما تفعلون"فالبصير هو الخبير وتعملون تعنى تفعلون والمعنى والله عليم بما يصنعون ومعنى الآية ولتعرفن اليهود أحفظ الخلق لذواتهم وأيضا الذين كفروا يحب الواحد منهم لو يعيش ألف سنة وما هو بمبعده عن النار أن يعيش أطول فترة ممكنة والله خبير بالذى يفعلون .
[justify]"أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "يفسر الآية قوله بسورة النور"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون "فالله يعلم ما يسرون أى ما يكتمون وما يعلنون أى ما يبدون والمعنى هل لا يعرفون أن الله يعرف الذى يخفون والذى يظهرون؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين يعرفون حق المعرفة علم الله بكل شىء سواء أسر أم أعلن ،والمخاطب هنا هو نفسه المخاطب فى الآية السابقة.
" ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون "قوله ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى "يفسره قوله بسورة البقرة "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم "فالأميون يعلمون أن الوحى وهو الكتاب ليس سوى أمانى أى أقوال تدخلهم الجنة وحدهم والمعنى ومن أهل الكتاب كفار لا يعرفون الوحى إلا أقوال تدخلهم الجنة ،وقوله "وإن هم إلا يظنون"يفسره قوله بسورة الأنعام"وإن هم إلا يخرصون"فالظن هو الخرص والمعنى وإن القوم إلا يتمنون وهذا يعنى أن الأميين يتمنون دخول الجنة ولكنهم لن يدخلوها والمعنى ومن أهل الكتاب كفار لا يعرفون الوحى إلا أقوال تدخلهم الجنة وإن هم إلا يتمنون دخولها،والمخاطب هنا هو نفسه المخاطب فى الآية قبلها .
"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "قوله "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "يفسره قوله بسورة آل عمران"وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب "وقوله بسورة المائدة "يحرفون الكلم من بعد مواضعه"فكتابة الكتاب هى لى الألسن بالكتاب حتى نحسبه كلام الله هى تحريف الكلام من بعد مواضعه والمعنى فالعذاب للذين يحرفون الوحى بكلامهم ثم يقولون هذا وحى الله ،وقوله "ليشتروا به ثمنا قليلا"يفسره قوله بسورة البقرة "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة "فالثمن القليل هو الحياة الدنيا والمعنى ليأخذوا بتحريف الوحى متاعا قصيرا وهذا يبين لنا أن سبب تحريف القوم للوحى هو أن يحصلوا على المتاع الفانى متاع الدنيا ،وقوله "فويل لهم مما كسبت أيديهم "يفسره قوله بعده"وويل لهم مما يكسبون"فما كتبت الأيدى هو ما كسبت النفوس والمعنى فعذاب الله لهم بسبب ما عملت أنفسهم أى عقاب الله لهم بما يفعلون من السيئات ومعنى الآية فعذاب الله للذين يحرفون الوحى بكلامهم ثم يقولون هذا من لدى الله ليأخذوا بتحريفه متاعا فانيا فالعذاب لهم بما صنعت أنفسهم أى العقاب لهم بما يفعلون من السيئات ،والمخاطب هو نفسه المخاطب فى الآية قبلها .
"وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "قوله "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة "يعنى وقال اليهود: لن يصيبنا العذاب سوى ليالى قليلة ،وهذا يعنى أنهم متأكدون من دخولهم النار ولكنهم يعتقدون أنهم سيبقون فى النار لمدة أيام قليلة ،وقوله "قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "يفسره قوله بسورة يونس"قل ألله أذن لكم أم على الله تفترون"فعهد الله هو إذنه وقول الذى لا يعلمون هو ما يفترون ولا هنا مثلها مثل لا فى قوله "لا أقسم بمواقع النجوم"بسورة الواقعة فهى حرف تأكيد والمعنى قل هل نزل لكم من لدى الله ميثاقا فلن ينقض الله ميثاقه أم تنسبون إلى الرب الذى تعرفون أنه باطل ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الله لم يعطى القوم عهد أى ميثاق أى فرض على نفسه أن يدخلهم النار لمدة قليلة ومن ثم فهم يتقولون على الله أى يفترون عليه الذى يعرفون أنه لم يقله فى أى وحى منزل والله لا يخلف الوعد أى لا ينقض حديثه ومعنى الآية وقالوا لن ندخل السعير سوى ليالى قليلة قل لهم يا محمد هل نزل لكم من لدى الله وحى بذلك فلن ينقض الله وحيه أم تفترون على الله الذى تعرفون أنه لم يوحيه ،والمخاطب هنا النبى(ص) .
"بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "قوله "بلى من كسب سيئة "يفسره قوله بعده "وأحاطت به خطيئته"فكسب السيئة هو إحاطة الخطيئة بفاعلها ويفسره قوله بسورة النساء "ومن يكسب خطيئة أو إثما "وقوله بسورة النمل"ومن جاء بالسيئة "فكسب الخطيئة أى الإثم هو المجىء بالسيئة والمعنى الحقيقة من فعل كفرا أى حكمه ظلمه وقوله "فأولئك أصحاب النار"الذى يفسره قوله بسورة المائدة "أولئك أصحاب الجحيم "فالنار هى الجحيم أى العذاب والمعنى فأولئك أهل العذاب وقوله "هم فيها خالدون"الذى يفسره قوله بسورة طه"فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى "فالخلود هو عدم الموت والمعنى هم فيها باقون ومعنى الآية الحقيقية من صنع كفرا أى حكم نفسه ظلمه فأولئك سكان الجحيم هم فيها ماكثون،والمخاطب هنا هو النبى(ص) .
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "يفسر الآية قوله بسورة الكهف"وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى "وقوله "ماكثين فيها أبدا"فالجنة فى البقرة هى الحسنى فى الكهف والخلود فى البقرة هو المكوث فيها للأبد والمعنى والذين صدقوا بوحى الله وفعلوا الحسنات أولئك سكان النعيم هم فيه ماكثون أبدا ،والمخاطب هو النبى(ص).
"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون"قوله "وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"يفسره قوله بسورة البقرة "يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم "فالميثاق هو نعمة الله التى هى وجوب عبادة الله والمعنى وقد فرضنا على أولاد يعقوب العهد لا تطيعون إلا حكم الله وهذا يعنى أن الله فرض على القوم عبادته وهى طاعة حكمه المنزل عليهم ،وقوله "وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين"يعنى ومن عبادة الله وبالأبوين برا وبأصحاب القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين وهذا معناه أن الله أمر القوم أن يتعاملوا مع الأباء والأمهات والأقارب ومن مات أباؤهم والمحتاجين للمال بالإحسان وهو البر أى العدل والمراد ما أمر الله به بهم فى الوحى وقوله "وقولوا للناس حسنا "يفسره قوله بسورة الأحزاب "وقولوا قولا سديدا "فالحسن هو السديد وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما "وقوله "وأقيموا الصلاة "يفسره قوله بعده"وآتوا الزكاة " فإقامة الصلاة هى إيتاء الزكاة هى إقامة الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "والمعنى وأطيعوا الإسلام أى اعملوا الحق وقوله "ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون "يفسره قوله بسورة البقرة "فقليلا ما يؤمنون"وقوله بسورة الأنبياء"بل هم عن ذكر ربهم معرضون" فالتولى هو عدم الإيمان والإعراض يكون عن ذكر الله أى حكم الله والمعنى ثم عصيتم إلا عددا قليلا منكم وأنتم مكذبون به وهذا يعنى أن عدد كبير من القوم تولوا أى عصوا حكم الله وقد عصوه وهم معرضون أى مكذبون به وأما القليل فهم الذين أطاعوا حكم الله ومعنى الآية وقد فرضنا عهد أولاد يعقوب لا تطيعون سوى حكم الله ومنه بالأبوين معروفا وبأهل القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين وتحدثوا مع الخلق حديثا سديدا وأطيعوا الدين أى اتبعوا الحق ثم عصيتم إلا عدد قليل منكم وأنتم مكذبون بالدين ،ونلاحظ أن أن أول الآية هو خطاب موجه للنبى(ص)والمؤمنين حيث يقص عليهم بعض أخبار بنى إسرائيل وأما قوله ثم توليتم حتى أخر الآية فهو خطاب موجه للكفار مما يعنى أن هذا القول جزء من آية تم حذف أولها وأبقى أخرها والملاحظ من الآية التالية أن المحذوف كان حكاية عما حدث من بنى إسرائيل فى أمر ما والله أعلم .
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم "يفسره قوله بسورة المائدة "من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا "فتحريم سفك الدماء هو تحريم قتل النفس دون قتلها لنفس أو فسادها والمعنى وقد فرضنا فى وحيكم لا تقتلون بعضكم ،وقوله "ولا تخرجون أنفسكم من دياركم "يفسره قوله بسورة البقرة "وهو محرم عليكم إخراجهم"فالله حرم إخراج القوم بعضهم البعض من ديارهم والمعنى ولا تطردون بعضكم البعض من بيوتكم وهذا معناه أن الله حرم على القوم إخراج أنفسهم أى طرد بعضهم البعض من ديارهم بأنفسهم أو عن طريق مساعدة الغير عليهم وقوله "ثم أقررتم وأنتم تشهدون"يعنى ثم اعترفتم وأنتم ترون وهذا معناه أن القوم أقروا أى اعترفوا بوجوب طاعتهم للوحى وهم يشهدون أى يرون الجبل فوقهم والله يفرضه عليهم ومعنى الآية وقد فرضنا فى وحيكم لا تقتلون بعضكم ولا تطردون بعضكم البعض من بلادكم ثم اعترفتم به وأنتم ترون الجبل فوقكم،والآية هى خطاب للمؤمنين حكاية عما حدث من بنى إسرائيل فى عصور سابقة ومثلها ما بعدها .
"ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "قوله"ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم "يفسره قوله بسورة آل عمران "ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس"فقتل الأنفس هو قتلهم الأنبياء والآمرين بالعدل من الناس وغيرهم والمعنى ثم أنتم هؤلاء تذبحون بعض منكم ،وقوله "وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان "يعنى وتطردون جمعا منكم من بيوتهم تساعدون على طردهم بالسيئة أى بالكفر ،يبين الله للقوم أنهم طردوا بعض منهم من ديارهم عن طريق المظاهرة عليهم أى مساعدة الأقوام الأخرى على طردهم وهذه المساعدة بالإثم أى العدوان والمراد من الكفر ،وقوله "وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم "يعنى وإن يجيئكم خبر أنهم أسرى حرب تفكوا أسرهم بالمال وهو ممنوع عليكم طردهم ،يبين الله للقوم أنهم من مكرهم إذا أتاهم خبر أن أقاربهم أسرى حرب لدى الأقوام الأخرى يعملون على فك أسرهم بالمال والسبب هو أنهم يريدون أن يظهروا لأقاربهم أنهم أصحاب فضل عليهم رغم أن الله حرم طرد القوم لبعضهم بأى وسيلة ،وقوله "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"يعنى هل تصدقون ببعض الوحى وتكذبون ببعض؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم أنهم يطيعون بعض الوحى وهو وجوب فك أسر إخوتهم ويعصون البعض الأخر وهو عدم طرد إخوتهم ومن ثم فهم كفرة وقوله "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب "يفسره قوله بسورة البقرة "لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الأخرة عذاب عظيم "فيوم القيامة هو الأخرة وأشد العذاب هو العذاب العظيم والمعنى فما عقاب من يعمل هذا منكم إلا ذل فى الحياة الأولى ويوم البعث يدخلون أعظم العقاب،يبين الله للقوم أن من يطيع بعض الوحى ويعصى البعض الأخر عقابه فى الدنيا هو الخزى أى الذل وهو الهوان وهو عقاب المفسد المحارب لله وفى الأخرة يكون عقابه دخول النار وقوله "وما الله بغافل عما تعملون "يعنى وما الله بساهى عما تفعلون ،والمراد أن الله يخبرهم أنه يعرف كل ما يفعلون فى دنياهم ،ومعنى الآية ثم أنتم هؤلاء تذبحون بعضا منكم وتطردون بعضا منكم من بلادهم تساعدون عليهم من الكفر أى السوء وإن يجيئكم خبر أنهم أسرى حرب تفكوهم بالمال وهو ممنوع عليكم طردهم ،هل تصدقون ببعض الوحى وتكذبون بالبعض الأخر ؟فما عقاب من يصنع هذا منكم سوى ذل فى المعيشة الأولى ويوم البعث يدخلون فى أسوأ العقاب،وما الله بساهى عن الذى تصنعون .
"أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "قوله "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة "يفسره قوله بسورة البقرة "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى "وقوله بسورة آل عمران "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان"فالحياة الدنيا هى الضلالة هى الكفر والأخرة هى جزاء الهدى هى جزاء الإيمان والمعنى أولئك الذين أخذوا متاع الحياة الأولى وتركوا متاع القيامة ،وقوله "فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "يفسره قوله بسورة آل عمران "ولا هم ينظرون "فعدم النصر هو عدم النظر أى عدم الرحمة والمعنى فلا يرفع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون ومعنى الآية أولئك الذين أخذوا متاع المعيشة الأولى وتركوا متاع القيامة فلا يمنع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون .
"لقد أتينا موسى الكتاب ولقد قفينا من بعده بالرسل وأتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "قوله ولقد أتينا موسى الكتاب"يفسره قوله بسورة غافر"ولقد أتينا موسى الهدى "فالكتاب هو الهدى أى حكم الله والمعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة ،وهذا معناه أن الله أعطى موسى (ص)التوراة ليحكم بها بنى إسرائيل وقوله "وقفينا من بعده بالرسل "يفسره قوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم"فالتقفية هى بعث الرسل بعد موت موسى (ص)والمعنى وبعثنا من بعد موسى (ص)بالأنبياء(ص)وقوله "وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس"يفسره قوله بسورة الزخرف"ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة "فالبينات هى الحكمة أى الإنجيل والمعنى وأوحينا لعيسى ابن مريم (ص)الإنجيل ونصرناه برسول الله جبريل(ص)والمراد أن الله جعل جبريل(ص)ينصره بالمعجزات وقوله "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "يعنى هل كلما أتاكم نبى بالذى لا تريد شهواتكم كفرتم فبعض من الرسل عصيتم وبعضا ذبحتم ،وهذا يخبرنا أن بنى إسرائيل كذبوا جميع رسلهم ولكن اكتفوا بتكذيب البعض وقتلوا البعض الأخر بعد تكذيبه ومعنى الآية لقد أوحينا لموسى (ص)التوراة وبعثنا من بعد موته بالأنبياء(ص)وأوحينا لعيسى بن مريم (ص)الإنجيل ونصرناه برسول الله جبريل(ص)،هل كلما أتاكم مبعوث من الله كفرتم فبعض منهم كفرتم بهم فقط وبعض منهم كفرتم به وذبحتموهم .
"وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون "قوله "قلوبنا غلف "يفسره قوله بسورة فصلت"وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعوننا إليه "فتغليف القلوب هو وجود أكنة عليها تمنع الوحى من دخولها وقوله"بل لعنهم الله بكفرهم"يعنى لقد غضب الرب عليهم بتكذيبهم وقوله "فقليلا ما يؤمنون "يفسره قوله بسورة الأعراف"فقليلا ما تذكرون "فالقوم قليل منهم هم الذين يؤمنون أى يذكرون أى يطيعون عهد الله ومعنى الآية وقالوا نفوسنا محصنة ضد الإيمان ،لقد عذبهم الله بتكذيبهم فقليلا ما يصدقون .
"ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "قوله "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم "يفسره قوله بسورة البقرة "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم "فالكتاب هو الوحى الذى جاء به الرسول(ص)من لدى الله مصدق أى مشابه لما عندهم والمعنى ولما أتاهم وحى من لدى الله مشابه للذى عندهم كفروا به ،وقوله "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا "يفسره قوله بسورة البقرة "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم"فالاستفتاح على الكفار هو تحديثهم بالوحى الذى ينصرهم على الكفار لو أطاعوه والمعنى وكانوا من قبل نزول القرآن يحدثون الكفار بالوحى بانتصارهم عليهم بطاعة الوحى ،وقوله"فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"يفسره قوله بسورة الأنعام"الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه "وقوله بسورة النحل"يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها "فالكتاب أى نعمة الله أى الذى عرف الكفار كفروا به أى كذبوا به أى نبذوه وراء ظهورهم مصداق لقوله بسورة البقرة "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم"والمعنى فلما أتاهم الذى علموا كذبوا به ،وقوله "فلعنة الله على الكافرين "يفسره قوله بسورة هود"ألا لعنة الله على الكاذبين "فالكافرين هم الكاذبين والمعنى فغضب الله على الظالمين والمراد أن عذاب الله هو نصيب الكفار ومعنى الآية ولما أتاهم وحى من لدى الله مشابه للذى لديهم وكانوا من قبل نزوله يحدثون الكفار بوحيهم فلما أتاهم الذى علموا أى القرآن كذبوا فعذاب الله نصيب الظالمين ،والخطاب هنا للمؤمنين وهو حكاية عن بنى إسرائيل فى عصر النبى(ص)وأيضا ما بعدها.
"بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين "قوله "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله "يفسره قوله بسورة المائدة "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم "فالكفر بوحى الله المنزل هو ما قدمت أنفس الناس والمعنى فساء الذى أخذوا به قلوبهم أن يكذبوا بالذى أوحى الله ،وهذا يعرفنا أن القوم باعوا أنفسهم والطريقة هى كفرهم بوحى الله المنزل والسبب"بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده "والمعنى رفضا أن يعطى الله من رحمته من يريد من خلقه فسبب كفرهم هو أنهم رفضوا أن يفضل الله عليهم بعض الناس وهم الرسل(ص)ويفسر القول قوله بسورة البقرة "والله يختص برحمته من يشاء "فالفضل هو الرحمة وتنزيل الرحمة هو الاختصاص بها وقوله "فباءوا بغضب على غضب "يفسره قوله بسورة المائدة "أن سخط الله عليهم"فالسخط هو الغضب الإلهى والمعنى فعادوا بسخط على سخط أى بعذاب خلف عذاب وقوله "وللكافرين عذاب مهين "يفسره قوله بسورة البقرة "ولهم عذاب عظيم "فالمهين هو العظيم والمعنى وللظالمين عقاب مذل ومعنى الآية ساء الذى باعوا أنفسهم أن يكذبوا بالذى أوحى الله رفضا أن يوحى حكمه إلى من يريد من خلقه فعادوا بعذاب خلف عذاب أى للمكذبين عقاب كبير
"وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "قوله وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله "يفسره قوله بسورة البقرة "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله "فأمنوا تعنى اتبعوا المنزل من الله والمعنى وإذا قال المسلمون للقوم صدقوا بالذى أوحى الله ،وهذا يعنى أن المسلمين يطلبون من أهل الكتاب اتباع وحى الله المنزل ،وقوله "قالوا نؤمن بما أنزل علينا "يفسره قوله بسورة البقرة "بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا "فالإيمان بالمنزل عليهم فقط هو اتباعهم الأباء فى دينهم والمعنى قال القوم نصدق بالذى أوحى إلينا وهذا يعنى أنهم يصدقون بوحى الله المنزل عليهم فقط "ويكفرون بما وراءه "والمعنى ويكذبون بالذى بعده وهذا يعنى أن القوم يكذبون بالذى نزل بعد وحيهم وهو القرآن وقوله "وهو الحق من ربهم مصدقا لما معهم "يعنى وهو العدل مشابه للذى معهم ،وهذا يبين لنا أن القرآن وهو العدل وهو مشابه للوحى المنزل عليهم فى مصدره وأخباره ومعظم ما فيه من أحكام وقوله "قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين"يفسره قوله بسورة آل عمران "قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين "فالأنبياء(ص)هم الرسل والصادقين هم المؤمنين والمعنى قل لهم يا محمد لماذا ذبحتم رسل الله من قبل إن كنتم صادقين ؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم أنهم غير مؤمنين أى مصدقين بوحى الله والسبب هو قتلهم رسل الله (ص)قبل وجود الرسول (ص)ومن ثم فهم كاذبون فى قولهم أنهم مؤمنون بالذى أنزل على رسلهم لأنهم لو كانوا مؤمنين بهم ما قتلوهم والمعنى وإذا قيل لهم صدقوا بما أوحى الرب قالوا نصدق بما أوحى إلينا ويكذبون بما بعده وهو العدل مشابه لما عندهم قل فلماذا تذبحون رسل الله من قبل إن كنتم صادقين ،والمخاطب هو النبى(ص).
"ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون "يفسر الآية قوله بسورة هود"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا "وقوله بسورة النساء"ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات"فمجىء موسى (ص)بالبينات هو إرساله بالآيات واتخاذ العجل من بعده يعنى من بعد ما ذهب موسى (ص)للميقات وأنتم كافرون ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يبين للقوم أن موسى (ص)لما أتى بنى إسرائيل فى عهده بالبينات وهى الآيات سواء وحى أو إعجاز كذبوها فعبدوا العجل من بعد ذهاب موسى (ص)للميقات وهم كفرة والمعنى ولقد أتاكم موسى (ص)بالآيات ثم عبدتم العجل بعد ذهابه للميقات وأنتم كافرون والخطاب للنبى (ص)والمؤمنين وهو جزء من الآيات المتحدثة عما حدث من بنى إسرائيل فى عهد موسى(ص) وكذا ما بعده .
"وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور"يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة "فالله فرض الميثاق وجبل الطور فوق رءوس بنى إسرائيل كالمظلة والمعنى وقد فرضنا عليكم عهدكم ووضعنا جبل الطور على رءوسكم ،وقوله "خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا"يفسره قوله بسورة الأعراف"خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه "فالأخذ بقوة هو السماع أى الذكر وهو طاعة حكم الله والمعنى أطيعوا الذى أوحينا لكم بعزم أى اتبعوا الوحى ،وقوله "قالوا سمعنا وعصينا "يبين لنا أنهم قالوا فى العلن سمعنا وأطعنا ولكن فى سرهم قالوا سمعنا وعصينا والمعنى قالوا عرفنا وخالفنا فى أنفسهم ،وقوله "وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم"يعنى وأحبوا فى أنفسهم العجل بظلمهم وهذا يبين لنا أن القوم قد أحبوا فى نفوسهم عبادة العجل نتيجة كفرهم أى تكذيبهم بميثاق الله ،وقوله "قل بئسما خلفتمونى من بعدى "وقوله بسورة البقرة "إن كنتم صادقين "فما أمرهم به إيمانهم هو ما خلفوا موسى (ص)فيه وهو عبادتهم للعجل ومؤمنين تعنى صادقين والمعنى قل يا محمد ساء الذى يطالبكم به تصديقكم إن كنتم صادقين ،ومعنى الآية وقد فرضنا عهدكم ووضعنا أعلاكم الجبل أطيعوا الذى أعطيناكم بتصديق له واتبعوا قالوا عرفنا وخالفنا وأحبوا فى أنفسهم العجل بتكذيبهم لحكم الله، قل ساء الذى يطالبكم به تصديقكم إن كنتم مصدقين بحكم الله ،وهذا يعرفنا أن الله فرض على القوم الميثاق وهو واضع الجبل على رءوسهم فقالوا علنا خوفا من سقوط الجبل عليهم :سمعنا وأطعنا وفى سرهم قالوا سمعنا وعصينا والسبب أنهم فضلوا عبادة العجل على عبادة الله فى نفوسهم ،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يوضح لهم أن الذنب الذى يريدون أمر قبيح أى سيىء إذا كان إيمانهم يأمرهم به من دون طاعة حكم الله ونلاحظ أن أول الآية حتى كلمة قل هو حكاية عما حدث من بنى إسرائيل وأما بقية القول من عند قل فهو خطاب للنبى(ص) فى موضوع أخر تم حذفه وله علاقة بالمؤمنين أو بمن يدعى الإيمان وهم المنافقون ومن ثم فأول الآية محذوف وهو يتكلم عن الذنب الذى هو بئس ما يأمرهم به إيمانهم .
"قل إن كانت لكم الدار الأخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين "يفسره قوله بسورة البقرة "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى "وقوله بسورة الجمعة "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين "فمعنى أن الدار الأخرة وهى الجنة لهم هو أنهم أولياء الله المستحقون وحدهم للجنة ومعنى الآية قل لهم يا محمد إن كانت لكم جنة الأخرة لدى الله خاصة من غير الخلق فاطلبوا الوفاة إن كنتم مؤمنين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يطلب من أهل الكتاب أن يتمنوا الموت وهو الوفاة فى الدنيا إن كانوا محقين فى زعمهم أن الجنة لهم لن يدخلها أحد غيرهم من الناس لأن الوفاة ستدخلهم إياها .
"ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين "قوله "ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم "يفسره قوله بسورة البقرة "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"و"بما كسبت قلوبكم"فعدم تمنى الموت إطلاقا هو حرصهم على الحياة وتقديم الأيدى وهى النفوس هو كسبها أى كفرها والمعنى ولن يطلبوا الوفاة دوما بما كفرت أنفسهم ،يبين الله لنا أن سبب عدم تمنى القوم الموت هو ما قدمت أيديهم أى ما صنعت أنفسهم وهو كفر الأنفس بحكم الله وقوله "والله عليم بالظالمين "يفسره قوله بسورة البقرة "والله محيط بالكافرين "فالعليم هو المحيط والكافرين هم الظالمين والمعنى والله عارف بأعمال الكافرين وهذا يعنى أنه لا يخفى على الله شىء ومعنى الآية ولن يطلبوا الوفاة فى الدنيا بسبب ما كفرت أنفسهم والله عارف بعمل الكافرين ،والخطاب هنا للنبى(ص)كما فى القول قبله وبعده.
"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون "قوله "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا "يفسره قوله بسورة البقرة "ولن يتمنوه أبدا "فالحرص على الحياة هو عدم تمنى الموت والمعنى ولتعرف اليهود أحفظ الخلق لحياتهم ومن الذين كفروا،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود والذين أشركوا وهم أصحاب كل دين ضال يعملون على الحفاظ على حياتهم بكل السبل ،وقوله "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر "يفسره قوله بسورة آل عمران "فمن زحزح عن النار "فالعذاب هو النار والمعنى يحب أحدهم لو يعيش ألف سنة وما هو بمبعده من النار أن يعيش ،يبين الله لرسوله (ص)أن اليهود والمشركين لن ينقذهم من النار أن يعيشوا ألف سنة والعدد هنا يعنى أطول فترة ممكنة للحياة فمهما عاشوا فمصيرهم بعد الموت هو دخول النار "وقوله "والله بصير بما يعملون "يفسره قوله بسورة البقرة "والله بما تعملون خبير "وقوله بسورة النمل"إنه خبير بما تفعلون"فالبصير هو الخبير وتعملون تعنى تفعلون والمعنى والله عليم بما يصنعون ومعنى الآية ولتعرفن اليهود أحفظ الخلق لذواتهم وأيضا الذين كفروا يحب الواحد منهم لو يعيش ألف سنة وما هو بمبعده عن النار أن يعيش أطول فترة ممكنة والله خبير بالذى يفعلون .