"
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين "قوله "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية "يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذا قيل لهم اسكنوا هذا القرية "وقوله بسورة المائدة "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة "فدخول القرية هو سكن الأرض المقدسة والمعنى وقد قلنا أقيموا فى هذه البلدة ،وقوله "فكلوا منها حيث شئتم رغدا"يعنى فانتفعوا منها حيث أقمتم فيها تمتعا،وقوله "وادخلوا الباب سجدا"يعنى وافتحوا البلد طائعين فالله طلب من القوم أن يفتحوا الباب وهو القرية أى البلد المقدسة سجدا أى طائعين لأمر الله بالفتح وقوله "وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم "يفسره قوله بسورة آل عمران "يغفر لكم ذنوبكم "وقوله بسورة الأنفال"ويكفر عنكم سيئاتكم"فتكفير السيئات أى الذنوب هو غفران الخطايا وهذا يعنى أنه يطلب منهم أن يستغفروا لذنوبهم حتى يغفرها لهم أى يترك عقابهم عليها والمعنى وقولوا غفرانك نترك عقابكم على جرائمكم وقوله "سنزيد المحسنين "يفسره قوله بسورة المائدة "فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين "فزيادة المحسنين هى دخولهم الجنات والمعنى وسنرحم المطيعين لنا ومعنى الآية وقد قلنا لبنى إسرائيل اسكنوا هذه البلدة فتمتعوا فيها حيث أقمتم فيها تمتعا واسكنوا البلد طائعين للأمر وقولوا غفرانك نترك عقابكم على سيئاتكم أى سنرحم المسلمين .
"فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون"قوله "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم "يعنى فقال الذين كفروا غير حطة التى قيلت لهم وهذا يبين لنا أن القوم بدلا من أن يقولوا حطة أى غفرانك قالوا قولة أخرى ليست فى معناها ومن أقوال الناس فيها :أنهم قالوا حبة فى حنطة والله أعلم بصحة هذا من كذبه ،وقوله "فأنزلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون"يفسره قوله بسورة الأعراف"فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون "فأنزلنا تعنى أرسلنا ويفسقون تعنى يظلمون والمعنى فبعثنا عليهم عذابا من السحاب بسبب الذى كانوا يكفرون أى يعملون من الظلم ومعنى الآية فقال الذين كفروا بحكم الله قولة غير حطة التى قيلت لهم فأرسلنا لهم عذابا بالذى كانوا يعملون من الكفر .
"وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين "قوله "وإذ استسقى موسى قومه"يعنى وقد طلب الماء من موسى (ص)أهله وهذا يعنى أن بنى إسرائيل طلبوا من موسى (ص)السقيا وهى ماء الشرب وقوله "فقلنا اضرب بعصاك الحجر "يعنى فأمرنا موسى (ص)أن ضع عصاك على الجبل وهو الحجر فكانت النتيجة "فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا "الذى يفسره قوله بسورة الأعراف"فإنبجست منه اثنتا عشرة عينا "فانفجرت أى انبجست أى خرج من الجبل اثنا عشر نهرا وهذا يعنى أن نتيجة الضرب على الجبل بالعصا هى خروج اثنا عشر نهرا أى عينا أى مجرى لماء الشرب وقوله "قد علم أناس مشربهم "يعنى قد عرف كل سبط أى عائلة نهرهم وهذا يعنى أن الله حدد لكل سبط أى عائلة من الأسباط الاثنى عشر نهرا ليشربوا منه وحدهم دون بقية العائلات وقوله "كلوا واشربوا من رزق الله "يفسره قوله بسورة الأعراف "كلوا من طيبات ما رزقناكم "فرزق الله هو الطيبات "والمعنى تناولوا الطعام والشراب من عطاء الله ،وقوله "ولا تعثوا فى الأرض مفسدين "يفسره قوله بسورة الأعراف"ولا تتبع سبيل المفسدين "فالعثو بالفساد فى الأرض هو اتباع سبيل أى دين المفسدين ويفسره قوله بسورة الأعراف"ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها"فالعثو هو الفساد فى الأرض والمعنى ولا تصبحوا فى البلاد ظالمين ومعنى الآية وقد طلب الشرب من موسى (ص)أهله فأوحينا له ضع عصاك على الجبل فخرج من الجبل اثنا عشر نهرا قد عرفت كل عائلة نهرها فتناولوا طعامكم وشرابكم من عطاء الله و لا تصبحوا فى البلاد كافرين بحكم الله .
"وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "قوله "وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد"يفسره قوله بسورة البقرة "وأنزلنا عليكم المن والسلوى"فالطعام الواحد هو المن أى السلوى والمعنى وقد قلتم لموسى (ص)لن نطيق صنفا واحدا من الطعام باستمرار،وقوله "فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها "يعنى فاطلب من خالقك أن يعطى لنا من الذى تخرج التربة من البقول والقثاء والفاكهة والعدس والبصل ،وهذا يعنى أنهم يطلبون من موسى (ص)أن يدعو ربه لهم وليس ربهم لأنهم لم يقولوا إلهنا فلو كان إلههم فى أنفسهم لدعوه هم والمطلوب من رب موسى (ص)أن يعطيهم من نبات الأرض وهى الأرض الزراعية البقل وهو أنواع البقول والقثاء وهو كل ثمرة لها جلد بداخله لب يؤكل والفوم وهو الفاكهة والعدس وهو رمز فصيلة الحبوب والبصل وهو كل نبات له ثمرة لها ورقات متراكبة ،وقوله "قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير "يعنى قال موسى (ص)هل تتركون الذى لا تتعبون فى زراعته وتطلبون الحسن الذى تتعبون فى زراعته أو جلبه ،وقوله "اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم "يعنى اذهبوا لمصر فلكم هناك الذى تطلبون ،وهذا معناه أن المحاصيل المطلوبة لا يمكن خروجها فى أرض التيه كما أن الأرض المقدسة محرمة عليهم ومن ثم لا توجد جهة مفتوحة لهم لأخذ الزرع سوى الذهاب لمصر وهم يخشون الرجوع مرة أخرى للعذاب ،وقوله وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله "يفسره قوله بسورة آل عمران"ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة "فالقوم فرض الله عليهم الذلة وهى المسكنة وهو الهوان والضعف فى أى مكان يسكنوا فيه وقد أتبع الله ذلك العقاب الدنيوى بأنهم باءوا بغضب من الله أى عادوا بعقاب من الله هو دخول النار والمعنى فرض عليهم الهوان أى الضعف فى كل مكان وعادوا بعقاب من الله فى الأخرة والسبب"ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"والمعنى الذلة الدنيوية وغضب الله سببه أنهم كانوا يعصون أحكام الله ويذبحون الرسل(ص)بغير ذنب ارتكبوه أى بالذى خالفوا أحكام الله أى بالذى كانوا يكفرون ومعنى الآية وقد تحدثتم مع موسى (ص)فقلتم لن نطيق أكلا واحدا فاطلب من إلهك يطلع لنا مما تخرج التربة من بقولها وقثائها وفاكهتها وعدسها وبصلها قال أتتركون الذى هو أقرب لكم وتطلبون الذى هو حسن اذهبوا لمصر فإن لكم الذى طلبتم وفرض عليهم الهوان أى الضعف وعادوا بعقاب من الله والسبب أنهم كانوا يكذبون بأحكام الله ويذبحون الرسل(ص)بغير جرم ارتكبوه أى بما خالفوا أحكام الله أى بما كانوا يعصون وحى الله .
"إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "يفسر الآية قوله بسورة الكهف "وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى "فالأجر هو جزاء الحسنى ويفسرها قوله بسورة الزمر"وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون "فعدم الخوف عليهم يعنى عدم مس السوء وهو العذاب لهم ومعنى الآية إن الذين صدقوا برسالة النبى(ص)واليهود والنصارى والخارجين على أديان القوم منهم من صدق بحكم الله ويوم القيامة وفعل حسنا فلهم ثوابهم لدى إلههم أى لا عقاب عليهم أى لا يعذبون ،وهذا يعنى أن الذين صدقوا برسالة النبى(ص)والمصدقين الذين هادوا من بنى إسرائيل والمصدقين من النصارى وهم أتباع المسيح(ص)والصابئين وهم أتباع الرسل الأخرين الذين خرجوا على أديان أقوامهم لهم عند الله الأجر وهو الجنة ومن ثم لا عقاب عليهم أى لا عذاب يقع عليهم .
"وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم "يفسره قوله بسورة البقرة "وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"فالميثاق المأخوذ هو عبادة الله وحده والمعنى وقد فرضنا عبادتنا عليكم وقوله "ورفعنا فوقكم الطور"يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذ نتقنا الجبل فوقهم "فالله نتق أى رفع أى وضع جبل الطور على رءوس بنى إسرائيل والمعنى ووضعنا على رءوسكم جبل الطور وقوله خذوا ما أتيناكم بقوة "يفسره قوله بعده"واذكروا ما فيه"فالأخذ بالقوة للذى أتاه الله لهم هو ذكر الذى فيه وفسره بقوله بسورة البقرة "خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا"فسماع المأتى هو ذكره والمعنى وأطيعوا الذى أعطيناكم بعزم أى بتصديق له أى اتبعوا الذى فيه من الأحكام وقوله لعلكم تتقون "يفسره قوله بسورة النور"لعلكم تفلحون"فتتقون تعنى تفلحون والمعنى لعلكم ترحمون ومعنى الآية وقد فرضنا عبادتنا عليكم ووضعنا على رءوسكم جبل الطور أطيعوا الذى أوحينا لكم بتصديق له أى اتبعوا الذى فيه من الأحكام لعلكم تفلحون ،وهذا يعنى أن الله فرض على القوم عبادته وهى طاعة حكمه وهو واضع فوق رءوسهم جبل الطور والسبب هو أن يطيعوه لعلهم يرحمون بسبب طاعتهم إياه .
"ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين"معنى الآية ثم عصيتم ميثاق الله من بعد فرضه عليكم فلولا نعمة من الله أى رأفته بكم لكنتم من المعذبين فى النار،وهذا يعنى أن القوم عصوا أحكام الميثاق بعد أن أوجبه الله عليهم ولولا فضل أى رحمة الله بهم نتيجة توبتهم لكانوا من الخاسرين أى المعذبين فى النار وهذا معناه أنهم دخلوا الجنة .
"ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين "يفسره قوله بسورة الأعراف"وسئلهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم "فالاعتداء فى السبت هو صيد الحيتان فى يوم السبت وكلمة خاسئين يفسرها قوله بسورة المؤمنون"اخسئوا فيها "أى أقيموا بها ومن ثم فمعناها مقيمين أى باقين والمعنى ولقد عرفتم الذين عصوا منكم أمر عدم الصيد فى السبت فقلنا لهم أصبحوا قردة باقين ،وهذا يعنى أن الله بعد أن تركهم يصطادون مرات كثيرة فى السبت أنزل عليهم عقاب ممثل فى أن يظلوا قردة فى أجسامهم حتى مماتهم .
"فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين "يعنى فعاقبناها عبرة لمن فى حاضرها ومن بعدها أى ذكرى للمسلمين ،وهذا يعنى أن الله جعل عقاب المعتدين فى السبت نكال أى موعظة أى عبرة لما بين يديها أى لمن يعيش فى عصرها من المسلمين ولما خلفها أى ولمن يأتى بعدهم من الناس وهم المتقين وهم المسلمين .
"وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين "قوله "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة "يعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه إن الله أوجب عليكم أن تنحروا بقرة وهذا يعنى أن الله طلب من موسى (ص)أن يطلب من بنى إسرائيل ذبح بقرة والسبب حتى يعرفوا قاتل القتيل الذى لم يعرفوا قاتله ،وقوله "أتتخذنا هزوا "يعنى قالوا هل تجعلنا أضحوكة؟وهذا يعنى أنهم يقولون له أنه يسخر منهم لأن لا علاقة فى ظنهم بين ذبح بقرة وبين معرفة القاتل ،وقوله "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين "يعنى احتمى بطاعة الله أن أصبح من الكافرين وهذا يعنى أنه يخبرهم أنه لا يسخر منهم لأنه مطيع لأمر الله ومعنى الآية وقد قال موسى (ص)لشعبه إن الله أوجب عليكم نحر بقرة قالوا هل تجعلنا أضحوكة؟قال احتمى بطاعة الله أن أصبح من الكافرين بحكم الله .
"قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون "يعنى قالوا اطلب لنا من إلهك يظهر لنا حقيقتها قال إنه يقول إنها بقرة عجوز ولا طفل وسط بين الاثنين فاعملوا الذى تطالبون به ،وهذا يعنى أنهم طلبوا من موسى (ص)أن يدعو ربه –ولم يقولوا ربنا دليل على عدم اعترافهم به-حتى يعرفهم ماهية أى حقيقة البقرة فقال لهم إن البقرة ليست فارض أى عجوز وليست بكر أى طفلة أى صغيرة وإنما شابة ويجب أن يذبحوها تنفيذا لأمر الله .
" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين"معنى الآية قالوا اطلب لنا من إلهك يظهر لنا ما دهانها قال إنها بقرة صفراء فاتح جلدها تفرح الرائين ،وهذا يعنى أنهم لم يقتنعوا بذبح أى بقرة حيث لم يحدد الله أى شىء فيها ومن ثم طلبوا منه أن يوضح لهم لونها أى جلدها أى دهانها فأجاب موسى (ص)أن البقرة المطلوبة هى بقرة لونها أى جلدها أى دهانها أصفر يسر الناظرين أى يفرح من يشاهدها .
"قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون"المعنى قال القوم اطلب لنا من إلهك يظهر لنا حقيقتها إن البقر تماثل أمامنا وإنا إن أراد الله لعارفونها،يبين الله لنا أن القوم طلبوا من موسى (ص)أن يسأل الله مرة أخرى عن ماهية البقرة المطلوبة أى حقيقتها حتى يذبحونها والسبب فى سؤالهم كما قالوا إن البقر متشابه أمامهم فى اللون والعمر وأنهم يريدون أن يعرفوا البقرة المطلوبة ونلاحظ لأول مرة أنهم ذكروا الله ذكرا يدل على إيمانهم به وهو قولهم "وإنا إن شاء الله لمهتدون "
" قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق وما كادوا يفعلون "المعنى قال موسى (ص)إن الله يقول لكم إنها بقرة ليست عاملة تحرث التربة ولا تروى الزرع جلدها لا لون أخر فيه قالوا الآن أتيت بالعدل وما أرادوا يذبحون البقرة ،يبين الله لنا أن موسى (ص)أجاب على سؤال القوم فقال كما أمره الله:إنها بقرة لا ذلول أى ليست من بقر العمل فهى لا تثير الأرض والمراد لا تحرث التربة بشق الخطوط وتسويتها ولا تسقى الحرث والمراد لا تدير آلة الرى كى تروى الزرع كما أنها مسلمة لا شية فيها والمراد واحدة اللون لا لون أخر فيها فى جلدها ومن هذه الآية وما قبلها نعرف أن ماهية الشىء منها اللون والسن والفعل ويبين الله لنا أن القوم قالوا لموسى (ص)الآن جئت بالحق والمراد فى هذا الوقت أتيت بالأمر الفصل فى معرفة البقرة ويبين الله لنا أن القوم ما كادوا يفعلوا والمراد ما أرادوا أن يذبحوا البقرة فقد كان هناك تكاسل منهم .
"وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون "المعنى وقد ذبحتم إنسانا فتحالفتم عليه والله مظهر الذى كنتم تخفون ،يبين الله لنا أن بعض القوم قتلوا نفسا والمراد ذبحوا إنسانا فادارءوا فيه والمراد تحالفوا على كتمان خبر قتلهم له ويبين الله لهم أنه"مخرج ما كنتم تكتمون"وهذا يعنى مظهر الذى كنتم تخفون من قتلكم للإنسان وهذا يعنى أن الله كشف شخصيات القتلة .
"فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون "قوله فقلنا اضربوه ببعضها "يعنى فأمرنا أن اجلدوا القتيل ببعض أجزاء البقرة ،وهذا يعنى أن الله أمر موسى (ص)أن يطلب من القوم أن يضربوه أى يجلدوا القتيل ببعض من أجزاء البقرة حتى يعود للحياة ويخبرهم بأسماء القتلة وقد فعلوا الأمر فعاد القتيل للحياة وأخبرهم بمن قتلوه ،وقوله "كذلكم يحيى الله الموتى "يفسره قوله بسورة الأنعام"والموتى يبعثهم الله"وقوله بسورة الأعراف"كذلك نخرج الموتى "فإحياء الموتى هو بعثهم أى إخراجهم أى إعادتهم للحياة مرة أخرى والمعنى قال موسى (ص)هكذا يعيد الله الهلكى للحياة مرة ثانية وقوله "ويريكم آياته لعلكم تعقلون"يفسره قوله بسورة المائدة "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون "فجعل الله الناس يرون آياته هو تبيينه الآيات لهم والسبب أن يعقلوا أى يشكروا الله والمعنى ويعرفكم قدرته لعلكم تطيعون حكمه ومعنى الآية فقلنا اجلدوه ببعض البقرة هكذا يبعث الله الهلكى ويعرفكم قدرته لعلكم تطيعون حكمه .
"ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون "قوله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة "يعنى ثم كفرت أنفسكم من بعد الآيات فهى كالصخر أو أعظم صلابة ،يبين الله لبنى إسرائيل أن قلوبهم قست أى كفرت أى كذبت حكم الله من بعد رؤية الإحياء للقتيل وهى تشبه فى قسوتها الحجارة فى صلابتها أو هى أشد قسوة أى أعظم صلابة من الحجارة وهى الطين الجاف الصلب مصداق لقوله بسورة الذاريات"حجارة من طين"وقسوة القلوب تشبه قسوة الحجارة فى صد الاثنين لأى شىء فالقلوب تصد حكم الله عن دخولها والحجارة تصد الضربات التى تريد كسرها للدخول إلى عمقها أو لتفتيتها وقوله "وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار"يفسره قوله بعده"وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء"فتفجر الأنهار هو تشقق الأرض ليسير فيها الماء والمعنى وإن من الصخور الذى تتشقق منه العيون أى إن منها الذى يتفتح فيسير فيه الماء ،وهذا يعنى أن الأنهار تجرى فى الحجارة وهى الصخور عن طريق تشققها أى انفلاقها إلى قطع تنحر فيها المياه فتكون المجرى الذى يسير فيه الماء وقوله "وإن منها لما يهبط من خشية الله"يعنى وإن من الحجارة الذى يسقط من خوف مخالفة أمر الله ،والمراد أن من أنواع الحجارة الذى يهبط بسبب خشيته أى خوفه من عذاب الله إن هو خالف أمر الله ومن أمثلة هذا جبل الميقات الذى دكه الله والحجارة التى تنزل لإهلاك قوم مثل قوم لوط(ص)وأصحاب الفيل وقوله "وما الله بغافل عما تعملون"يفسره قوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون"فعدم غفلة الله عن أعمال القوم تعنى علمه بأفعالهم والمعنى وما الله بساهى عن الذى تفعلون ،ومعنى الآية ثم كفرت نفوسكم من بعد رؤية الآيات فهى تشبه الصخور أو أعظم صلابة وإن من الصخور للذى تخرج من خلاله العيون أى منها الذى ينفلق فيسير فيه الماء وإن منها للذى يسقط خوفا من عذاب الله طاعة لأمر السقوط وما الله بساهى عن الذى تفعلون .
"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "قوله "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم"يفسره قوله بسورة النساء"أتريدون أن تهدوا من أضل الله"فطمع المؤمنين فى إيمان المنافقين هو إرادتهم أن يهدوا من أضل الله والمعنى هل تريدون أن يصدقوا بحكمكم ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن القوم لن يصدقوا برسالة المؤمنين مهما فعلوا وقوله "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "يفسره قوله بسورة النساء"من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه"وقوله بسورة الفتح "يريدون أن يبدلوا كلام الله"فتحريف الكلام الإلهى هو تبديله هو إبعاده عن مواضعه والمعنى وقد كان جمع من المنافقين ينصتون لوحى الله ثم يبدلونه من بعد ما فهموه وهم يعرفون عاقبة التحريف ،يبين الله للمسلمين أن من المنافقين فريق أى جماعة كانت تسمع كلام الله أى كانت تنصت للرسول (ص)والمسلمين عند قراءتهم للوحى فيعقلوه أى فيفهموا مراد الله منه بعد أن يفسره الرسول (ص)وبعد أن يتركوه يحرفوا كلام الله أى يبعدوه عن مراد الله بإدخال بعض الكلمات أو الجمل التى تغير المعنى الذى أراده الله فيه وقد كان هذا الفريق يعلم أى يعرف عقوبة الله لمن يحرف كلامه ومعنى الآية هل تتمنون أن يصدقوا بدينكم وقد كان بعض منهم يعرفون حكم الله ثم يغيرونه من بعد ما عرفوه وهم يعرفون عقاب المغير لدين الله ؟ والخطاب هنا محذوف وهو للذين آمنوا .
"فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون"قوله "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم "يعنى فقال الذين كفروا غير حطة التى قيلت لهم وهذا يبين لنا أن القوم بدلا من أن يقولوا حطة أى غفرانك قالوا قولة أخرى ليست فى معناها ومن أقوال الناس فيها :أنهم قالوا حبة فى حنطة والله أعلم بصحة هذا من كذبه ،وقوله "فأنزلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون"يفسره قوله بسورة الأعراف"فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون "فأنزلنا تعنى أرسلنا ويفسقون تعنى يظلمون والمعنى فبعثنا عليهم عذابا من السحاب بسبب الذى كانوا يكفرون أى يعملون من الظلم ومعنى الآية فقال الذين كفروا بحكم الله قولة غير حطة التى قيلت لهم فأرسلنا لهم عذابا بالذى كانوا يعملون من الكفر .
"وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين "قوله "وإذ استسقى موسى قومه"يعنى وقد طلب الماء من موسى (ص)أهله وهذا يعنى أن بنى إسرائيل طلبوا من موسى (ص)السقيا وهى ماء الشرب وقوله "فقلنا اضرب بعصاك الحجر "يعنى فأمرنا موسى (ص)أن ضع عصاك على الجبل وهو الحجر فكانت النتيجة "فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا "الذى يفسره قوله بسورة الأعراف"فإنبجست منه اثنتا عشرة عينا "فانفجرت أى انبجست أى خرج من الجبل اثنا عشر نهرا وهذا يعنى أن نتيجة الضرب على الجبل بالعصا هى خروج اثنا عشر نهرا أى عينا أى مجرى لماء الشرب وقوله "قد علم أناس مشربهم "يعنى قد عرف كل سبط أى عائلة نهرهم وهذا يعنى أن الله حدد لكل سبط أى عائلة من الأسباط الاثنى عشر نهرا ليشربوا منه وحدهم دون بقية العائلات وقوله "كلوا واشربوا من رزق الله "يفسره قوله بسورة الأعراف "كلوا من طيبات ما رزقناكم "فرزق الله هو الطيبات "والمعنى تناولوا الطعام والشراب من عطاء الله ،وقوله "ولا تعثوا فى الأرض مفسدين "يفسره قوله بسورة الأعراف"ولا تتبع سبيل المفسدين "فالعثو بالفساد فى الأرض هو اتباع سبيل أى دين المفسدين ويفسره قوله بسورة الأعراف"ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها"فالعثو هو الفساد فى الأرض والمعنى ولا تصبحوا فى البلاد ظالمين ومعنى الآية وقد طلب الشرب من موسى (ص)أهله فأوحينا له ضع عصاك على الجبل فخرج من الجبل اثنا عشر نهرا قد عرفت كل عائلة نهرها فتناولوا طعامكم وشرابكم من عطاء الله و لا تصبحوا فى البلاد كافرين بحكم الله .
"وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "قوله "وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد"يفسره قوله بسورة البقرة "وأنزلنا عليكم المن والسلوى"فالطعام الواحد هو المن أى السلوى والمعنى وقد قلتم لموسى (ص)لن نطيق صنفا واحدا من الطعام باستمرار،وقوله "فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها "يعنى فاطلب من خالقك أن يعطى لنا من الذى تخرج التربة من البقول والقثاء والفاكهة والعدس والبصل ،وهذا يعنى أنهم يطلبون من موسى (ص)أن يدعو ربه لهم وليس ربهم لأنهم لم يقولوا إلهنا فلو كان إلههم فى أنفسهم لدعوه هم والمطلوب من رب موسى (ص)أن يعطيهم من نبات الأرض وهى الأرض الزراعية البقل وهو أنواع البقول والقثاء وهو كل ثمرة لها جلد بداخله لب يؤكل والفوم وهو الفاكهة والعدس وهو رمز فصيلة الحبوب والبصل وهو كل نبات له ثمرة لها ورقات متراكبة ،وقوله "قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير "يعنى قال موسى (ص)هل تتركون الذى لا تتعبون فى زراعته وتطلبون الحسن الذى تتعبون فى زراعته أو جلبه ،وقوله "اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم "يعنى اذهبوا لمصر فلكم هناك الذى تطلبون ،وهذا معناه أن المحاصيل المطلوبة لا يمكن خروجها فى أرض التيه كما أن الأرض المقدسة محرمة عليهم ومن ثم لا توجد جهة مفتوحة لهم لأخذ الزرع سوى الذهاب لمصر وهم يخشون الرجوع مرة أخرى للعذاب ،وقوله وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله "يفسره قوله بسورة آل عمران"ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة "فالقوم فرض الله عليهم الذلة وهى المسكنة وهو الهوان والضعف فى أى مكان يسكنوا فيه وقد أتبع الله ذلك العقاب الدنيوى بأنهم باءوا بغضب من الله أى عادوا بعقاب من الله هو دخول النار والمعنى فرض عليهم الهوان أى الضعف فى كل مكان وعادوا بعقاب من الله فى الأخرة والسبب"ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"والمعنى الذلة الدنيوية وغضب الله سببه أنهم كانوا يعصون أحكام الله ويذبحون الرسل(ص)بغير ذنب ارتكبوه أى بالذى خالفوا أحكام الله أى بالذى كانوا يكفرون ومعنى الآية وقد تحدثتم مع موسى (ص)فقلتم لن نطيق أكلا واحدا فاطلب من إلهك يطلع لنا مما تخرج التربة من بقولها وقثائها وفاكهتها وعدسها وبصلها قال أتتركون الذى هو أقرب لكم وتطلبون الذى هو حسن اذهبوا لمصر فإن لكم الذى طلبتم وفرض عليهم الهوان أى الضعف وعادوا بعقاب من الله والسبب أنهم كانوا يكذبون بأحكام الله ويذبحون الرسل(ص)بغير جرم ارتكبوه أى بما خالفوا أحكام الله أى بما كانوا يعصون وحى الله .
"إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "يفسر الآية قوله بسورة الكهف "وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى "فالأجر هو جزاء الحسنى ويفسرها قوله بسورة الزمر"وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون "فعدم الخوف عليهم يعنى عدم مس السوء وهو العذاب لهم ومعنى الآية إن الذين صدقوا برسالة النبى(ص)واليهود والنصارى والخارجين على أديان القوم منهم من صدق بحكم الله ويوم القيامة وفعل حسنا فلهم ثوابهم لدى إلههم أى لا عقاب عليهم أى لا يعذبون ،وهذا يعنى أن الذين صدقوا برسالة النبى(ص)والمصدقين الذين هادوا من بنى إسرائيل والمصدقين من النصارى وهم أتباع المسيح(ص)والصابئين وهم أتباع الرسل الأخرين الذين خرجوا على أديان أقوامهم لهم عند الله الأجر وهو الجنة ومن ثم لا عقاب عليهم أى لا عذاب يقع عليهم .
"وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون "قوله "وإذ أخذنا ميثاقكم "يفسره قوله بسورة البقرة "وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"فالميثاق المأخوذ هو عبادة الله وحده والمعنى وقد فرضنا عبادتنا عليكم وقوله "ورفعنا فوقكم الطور"يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذ نتقنا الجبل فوقهم "فالله نتق أى رفع أى وضع جبل الطور على رءوس بنى إسرائيل والمعنى ووضعنا على رءوسكم جبل الطور وقوله خذوا ما أتيناكم بقوة "يفسره قوله بعده"واذكروا ما فيه"فالأخذ بالقوة للذى أتاه الله لهم هو ذكر الذى فيه وفسره بقوله بسورة البقرة "خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا"فسماع المأتى هو ذكره والمعنى وأطيعوا الذى أعطيناكم بعزم أى بتصديق له أى اتبعوا الذى فيه من الأحكام وقوله لعلكم تتقون "يفسره قوله بسورة النور"لعلكم تفلحون"فتتقون تعنى تفلحون والمعنى لعلكم ترحمون ومعنى الآية وقد فرضنا عبادتنا عليكم ووضعنا على رءوسكم جبل الطور أطيعوا الذى أوحينا لكم بتصديق له أى اتبعوا الذى فيه من الأحكام لعلكم تفلحون ،وهذا يعنى أن الله فرض على القوم عبادته وهى طاعة حكمه وهو واضع فوق رءوسهم جبل الطور والسبب هو أن يطيعوه لعلهم يرحمون بسبب طاعتهم إياه .
"ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين"معنى الآية ثم عصيتم ميثاق الله من بعد فرضه عليكم فلولا نعمة من الله أى رأفته بكم لكنتم من المعذبين فى النار،وهذا يعنى أن القوم عصوا أحكام الميثاق بعد أن أوجبه الله عليهم ولولا فضل أى رحمة الله بهم نتيجة توبتهم لكانوا من الخاسرين أى المعذبين فى النار وهذا معناه أنهم دخلوا الجنة .
"ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين "يفسره قوله بسورة الأعراف"وسئلهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم "فالاعتداء فى السبت هو صيد الحيتان فى يوم السبت وكلمة خاسئين يفسرها قوله بسورة المؤمنون"اخسئوا فيها "أى أقيموا بها ومن ثم فمعناها مقيمين أى باقين والمعنى ولقد عرفتم الذين عصوا منكم أمر عدم الصيد فى السبت فقلنا لهم أصبحوا قردة باقين ،وهذا يعنى أن الله بعد أن تركهم يصطادون مرات كثيرة فى السبت أنزل عليهم عقاب ممثل فى أن يظلوا قردة فى أجسامهم حتى مماتهم .
"فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين "يعنى فعاقبناها عبرة لمن فى حاضرها ومن بعدها أى ذكرى للمسلمين ،وهذا يعنى أن الله جعل عقاب المعتدين فى السبت نكال أى موعظة أى عبرة لما بين يديها أى لمن يعيش فى عصرها من المسلمين ولما خلفها أى ولمن يأتى بعدهم من الناس وهم المتقين وهم المسلمين .
"وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين "قوله "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة "يعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه إن الله أوجب عليكم أن تنحروا بقرة وهذا يعنى أن الله طلب من موسى (ص)أن يطلب من بنى إسرائيل ذبح بقرة والسبب حتى يعرفوا قاتل القتيل الذى لم يعرفوا قاتله ،وقوله "أتتخذنا هزوا "يعنى قالوا هل تجعلنا أضحوكة؟وهذا يعنى أنهم يقولون له أنه يسخر منهم لأن لا علاقة فى ظنهم بين ذبح بقرة وبين معرفة القاتل ،وقوله "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين "يعنى احتمى بطاعة الله أن أصبح من الكافرين وهذا يعنى أنه يخبرهم أنه لا يسخر منهم لأنه مطيع لأمر الله ومعنى الآية وقد قال موسى (ص)لشعبه إن الله أوجب عليكم نحر بقرة قالوا هل تجعلنا أضحوكة؟قال احتمى بطاعة الله أن أصبح من الكافرين بحكم الله .
"قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون "يعنى قالوا اطلب لنا من إلهك يظهر لنا حقيقتها قال إنه يقول إنها بقرة عجوز ولا طفل وسط بين الاثنين فاعملوا الذى تطالبون به ،وهذا يعنى أنهم طلبوا من موسى (ص)أن يدعو ربه –ولم يقولوا ربنا دليل على عدم اعترافهم به-حتى يعرفهم ماهية أى حقيقة البقرة فقال لهم إن البقرة ليست فارض أى عجوز وليست بكر أى طفلة أى صغيرة وإنما شابة ويجب أن يذبحوها تنفيذا لأمر الله .
" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين"معنى الآية قالوا اطلب لنا من إلهك يظهر لنا ما دهانها قال إنها بقرة صفراء فاتح جلدها تفرح الرائين ،وهذا يعنى أنهم لم يقتنعوا بذبح أى بقرة حيث لم يحدد الله أى شىء فيها ومن ثم طلبوا منه أن يوضح لهم لونها أى جلدها أى دهانها فأجاب موسى (ص)أن البقرة المطلوبة هى بقرة لونها أى جلدها أى دهانها أصفر يسر الناظرين أى يفرح من يشاهدها .
"قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون"المعنى قال القوم اطلب لنا من إلهك يظهر لنا حقيقتها إن البقر تماثل أمامنا وإنا إن أراد الله لعارفونها،يبين الله لنا أن القوم طلبوا من موسى (ص)أن يسأل الله مرة أخرى عن ماهية البقرة المطلوبة أى حقيقتها حتى يذبحونها والسبب فى سؤالهم كما قالوا إن البقر متشابه أمامهم فى اللون والعمر وأنهم يريدون أن يعرفوا البقرة المطلوبة ونلاحظ لأول مرة أنهم ذكروا الله ذكرا يدل على إيمانهم به وهو قولهم "وإنا إن شاء الله لمهتدون "
" قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق وما كادوا يفعلون "المعنى قال موسى (ص)إن الله يقول لكم إنها بقرة ليست عاملة تحرث التربة ولا تروى الزرع جلدها لا لون أخر فيه قالوا الآن أتيت بالعدل وما أرادوا يذبحون البقرة ،يبين الله لنا أن موسى (ص)أجاب على سؤال القوم فقال كما أمره الله:إنها بقرة لا ذلول أى ليست من بقر العمل فهى لا تثير الأرض والمراد لا تحرث التربة بشق الخطوط وتسويتها ولا تسقى الحرث والمراد لا تدير آلة الرى كى تروى الزرع كما أنها مسلمة لا شية فيها والمراد واحدة اللون لا لون أخر فيها فى جلدها ومن هذه الآية وما قبلها نعرف أن ماهية الشىء منها اللون والسن والفعل ويبين الله لنا أن القوم قالوا لموسى (ص)الآن جئت بالحق والمراد فى هذا الوقت أتيت بالأمر الفصل فى معرفة البقرة ويبين الله لنا أن القوم ما كادوا يفعلوا والمراد ما أرادوا أن يذبحوا البقرة فقد كان هناك تكاسل منهم .
"وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون "المعنى وقد ذبحتم إنسانا فتحالفتم عليه والله مظهر الذى كنتم تخفون ،يبين الله لنا أن بعض القوم قتلوا نفسا والمراد ذبحوا إنسانا فادارءوا فيه والمراد تحالفوا على كتمان خبر قتلهم له ويبين الله لهم أنه"مخرج ما كنتم تكتمون"وهذا يعنى مظهر الذى كنتم تخفون من قتلكم للإنسان وهذا يعنى أن الله كشف شخصيات القتلة .
"فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون "قوله فقلنا اضربوه ببعضها "يعنى فأمرنا أن اجلدوا القتيل ببعض أجزاء البقرة ،وهذا يعنى أن الله أمر موسى (ص)أن يطلب من القوم أن يضربوه أى يجلدوا القتيل ببعض من أجزاء البقرة حتى يعود للحياة ويخبرهم بأسماء القتلة وقد فعلوا الأمر فعاد القتيل للحياة وأخبرهم بمن قتلوه ،وقوله "كذلكم يحيى الله الموتى "يفسره قوله بسورة الأنعام"والموتى يبعثهم الله"وقوله بسورة الأعراف"كذلك نخرج الموتى "فإحياء الموتى هو بعثهم أى إخراجهم أى إعادتهم للحياة مرة أخرى والمعنى قال موسى (ص)هكذا يعيد الله الهلكى للحياة مرة ثانية وقوله "ويريكم آياته لعلكم تعقلون"يفسره قوله بسورة المائدة "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون "فجعل الله الناس يرون آياته هو تبيينه الآيات لهم والسبب أن يعقلوا أى يشكروا الله والمعنى ويعرفكم قدرته لعلكم تطيعون حكمه ومعنى الآية فقلنا اجلدوه ببعض البقرة هكذا يبعث الله الهلكى ويعرفكم قدرته لعلكم تطيعون حكمه .
"ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون "قوله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة "يعنى ثم كفرت أنفسكم من بعد الآيات فهى كالصخر أو أعظم صلابة ،يبين الله لبنى إسرائيل أن قلوبهم قست أى كفرت أى كذبت حكم الله من بعد رؤية الإحياء للقتيل وهى تشبه فى قسوتها الحجارة فى صلابتها أو هى أشد قسوة أى أعظم صلابة من الحجارة وهى الطين الجاف الصلب مصداق لقوله بسورة الذاريات"حجارة من طين"وقسوة القلوب تشبه قسوة الحجارة فى صد الاثنين لأى شىء فالقلوب تصد حكم الله عن دخولها والحجارة تصد الضربات التى تريد كسرها للدخول إلى عمقها أو لتفتيتها وقوله "وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار"يفسره قوله بعده"وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء"فتفجر الأنهار هو تشقق الأرض ليسير فيها الماء والمعنى وإن من الصخور الذى تتشقق منه العيون أى إن منها الذى يتفتح فيسير فيه الماء ،وهذا يعنى أن الأنهار تجرى فى الحجارة وهى الصخور عن طريق تشققها أى انفلاقها إلى قطع تنحر فيها المياه فتكون المجرى الذى يسير فيه الماء وقوله "وإن منها لما يهبط من خشية الله"يعنى وإن من الحجارة الذى يسقط من خوف مخالفة أمر الله ،والمراد أن من أنواع الحجارة الذى يهبط بسبب خشيته أى خوفه من عذاب الله إن هو خالف أمر الله ومن أمثلة هذا جبل الميقات الذى دكه الله والحجارة التى تنزل لإهلاك قوم مثل قوم لوط(ص)وأصحاب الفيل وقوله "وما الله بغافل عما تعملون"يفسره قوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون"فعدم غفلة الله عن أعمال القوم تعنى علمه بأفعالهم والمعنى وما الله بساهى عن الذى تفعلون ،ومعنى الآية ثم كفرت نفوسكم من بعد رؤية الآيات فهى تشبه الصخور أو أعظم صلابة وإن من الصخور للذى تخرج من خلاله العيون أى منها الذى ينفلق فيسير فيه الماء وإن منها للذى يسقط خوفا من عذاب الله طاعة لأمر السقوط وما الله بساهى عن الذى تفعلون .
"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "قوله "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم"يفسره قوله بسورة النساء"أتريدون أن تهدوا من أضل الله"فطمع المؤمنين فى إيمان المنافقين هو إرادتهم أن يهدوا من أضل الله والمعنى هل تريدون أن يصدقوا بحكمكم ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن القوم لن يصدقوا برسالة المؤمنين مهما فعلوا وقوله "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "يفسره قوله بسورة النساء"من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه"وقوله بسورة الفتح "يريدون أن يبدلوا كلام الله"فتحريف الكلام الإلهى هو تبديله هو إبعاده عن مواضعه والمعنى وقد كان جمع من المنافقين ينصتون لوحى الله ثم يبدلونه من بعد ما فهموه وهم يعرفون عاقبة التحريف ،يبين الله للمسلمين أن من المنافقين فريق أى جماعة كانت تسمع كلام الله أى كانت تنصت للرسول (ص)والمسلمين عند قراءتهم للوحى فيعقلوه أى فيفهموا مراد الله منه بعد أن يفسره الرسول (ص)وبعد أن يتركوه يحرفوا كلام الله أى يبعدوه عن مراد الله بإدخال بعض الكلمات أو الجمل التى تغير المعنى الذى أراده الله فيه وقد كان هذا الفريق يعلم أى يعرف عقوبة الله لمن يحرف كلامه ومعنى الآية هل تتمنون أن يصدقوا بدينكم وقد كان بعض منهم يعرفون حكم الله ثم يغيرونه من بعد ما عرفوه وهم يعرفون عقاب المغير لدين الله ؟ والخطاب هنا محذوف وهو للذين آمنوا .