قراءة فى كتاب تطهير الفؤاد من أدران من أباح دخول الرجال على المغيبة لكثرة الأعداد
المؤلف عبد القاهر الأندلسي وهو يدور حول دخول الرجال على النساء الغائب أزواجهن وفى مستهل البحث ذكر انه سئل عن حديث عن المغيبة يبيح دخول عدد من الرجال معا عليها وليس واحد فقال :
"سئل العبد الفقير إلى رحمة ربه أبوالفضل عبدالقاهر الأندلسي عفا الله عنه حول تضعيفه لحديث رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبوبكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله (ص)وقال لم أر إلا خيرا فقال رسول الله (ص)إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله (ص)على المنبر فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان"
فأجاب بأن الحديث معلول فقال :
"فقال مجيبا عنه:
والحديث الذي ذكرته وإن كان في صحيح مسلم فانه معلول كما سيأتي بيانه بإذن الله وكم من حديث في صحيح مسلم بل وفي البخاري انتقده الحفاظ سواء كانت أحاديث كاملة أو زيادات أو ألفاظ تبين عندهم شذوذها أو نكارتها. من أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه قال: حدثني سريج بن يونس وهارون بن عبد الله قالا حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله (ص)بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل. فقد أعل علي بن المديني هذا الحديث باحتمال أخذ إسماعيل بن أمية عن إبراهيم بن أبي يحيى (قال يحيى بن سعيد: إبراهيم بن أبي يحيى كذاب وقال أحمد: يروي أحاديث ليس لها أصل وقال النسائي والدارقطني: متروك)، وأعله البخاري بوهم أيوب بن خالد ورفعه الحديث وأنه من كلام كعب الأحبار. أما متن الحديث فلا يشبه كلام النبي (ص)وإنما يشبه كلام أهل الكتاب ومتنه منكر مخالف للقران الكريم كقوله تعالى:"خلق الأرض في يومين" في حين أن الحديث ينص على خلق الأرض قي يوم واحد بقوله:" خلق الله عز وجل التربة يوم السبت"
وهكذا دأب كبار الحفاظ المتقدمين على نقد الروايات متنا وإسنادا بل تجدهم يتتبعون الرواة ويسبرون مروياتهم فإن وجدوها غرائب ومناكير ردت سائر رواياتهم وأثر ذلك في رتبهم عندهم وتجد الكثير من هذا في التاريخين الكبير والأوسط للبخاري وضعفاء العقيلي والكامل لابن عدي وتهذيب التهذيب والعلل لابن أبي حاتم وغيرها. وهكذا سار على نهجهم في هذا العصر ثلة قليلة من اساطنة الحديث وأذكياء العالم كالحافظ الإمام سليمان بن ناصر العلوان وعبقري الإسلام وفريد العصر العلامة الفذ عمر بن محمود أبي عمر ."

وتحدث عن سند الحديث عند مسلم فقال :
" فنقول جوابا على سؤالك وبالله التوفيق:
قال مسلم في صحيحه:
حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمروح وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن عبد الرحمن بن جبير حدثه أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبوبكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله (ص)وقال لم أر إلا خيرا فقال رسول الله (ص)إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله (ص)على المنبر فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان.

هذا حديث غريب تفرد به بكر بن سوادة ولم يروه عن عبد الرحمن بن جبير إلا هو وتفرد عبد الرحمن بن جبير بروايته عن عبدالله بن بن عمرو بن العاص لم يروه عنه إلا هو. وهذا الحديث الغريب معلول من أوجه كثيرة منها:
-تفرد بكر بن سوادة بروايته وهو إن روى له مسلم والأربعة فانه يخطئ، ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين ثم أعاده في أتباعهم فقال يخطئ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: بكر بن سوادة الجذامي روى عن عبد الرحمن بن غنم وسهل بن سعد وعبد الرحمن بن جبير روى عنه جعفر بن ربيعة وعمرو بن الحارث وعبد الرحمن بن زياد وابن لهيعة سمعت أبى يقول ذلك، سئل أبى عن بكر بن سوادة فقال: لا بأس به. اه. ولم يخرج له البخاري في صحيحه إلا معلقا وفي موضع واحد فقط وعن زياد بن نافع وليس عن عبد الرحمن بن جبير المصرى المؤذن. ومنهج المتقدمين رد حديث الثقة إذا تفرد بأصل من الأصول فما بالك إذا كان الراوي يخطئ. قال الحافظ ابن رجب: وانفراد الراوي بالحديث، وإن كان ثقة، هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذا ومنكرا، إذا لم يرو معناه من وجه يصح. وهذه طريقة أئمة الحديث المتقدمين كالإمام أحمد، ويحيى القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني وغيرهم. اه. وقال أيضا: وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه: "إنه لا يتابع عليه"، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه.

فترى أن التفرد وحده ولو بدون مخالفة يعدونه علة في الحديث فما بالك إذا كان الحديث أصلا مخالفا لنصوص الكتاب والسنة الصحيحة والفطرة السليمة كما سيأتي بيانه.
-تفرد عبد الرحمن بن جبير المصري الفقيه الفرضي المؤذن العامري بروايته عن عبدالله بن عمرو بن العاص وأين هومن أصحاب عبدالله بن عمرو بن العاص الملازمين له، المختصين به، الذين يحفظون حديثه حفظا، وهم أعلم الناس بحديثه. فنذكرهم من تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر والذي من صنيعه فيه انه يأتي بأسماء الرواة عن الشيوخ حسب مراتبهم فيذكر أولا من طالت ملازمته وهكذا:
-انس بن مالك
-أبو أمامة بن سهل بن حنيف
-عبد الله بن الحارث بن نوفل
-مسروق بن الاجدع
-سعيد بن المسيب
-جبير بن نفير
-ثابت بن عياض الاحنف
-خيثمة ابن عبدالرحمن الجعفي
-حميد بن عبدالرحمن بن عوف

-زر بن حبيش
-سالم بن أبي الجعد
-أبوالعباس السائب بن فروخ
-سعيد بن ميناء
-ابنه محمد بن عبدالله بن عمرو
-ابن ابنه شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص
-طاووس
-الشعبي
-عبد الله بن رباح الانصاري
-ابن أبي مليكة
-عروة بن الزبير
-ابو عبد الرحمن الحلبي
وقد لهج بذلك كبار الحفاظ في الكثير من الأحاديث كقول الإمام أحمد: أصحاب أبي هريرة المعروفون ليس هذا عندهم. "

وتحدث عن متن الحديث فقال :
"عدم استقامة المتن إذ لا مناسبة بين قوله في الحديث:" ... إلا ومعه رجل أو اثنان" وما حدث في بيت أبي بكر الصديق إذ أن الواقع انه لم يجد في بيته رجلا واحدا فقط وإنما وجد نفرا من الرجال فلا معنى إذا ولا حاجة أن يقول النبي (ص)ما قاله وحاشاه ذلك. لو أن أبا بكر وجد رجلا واحدا فقط في البيت لكان نهي النبي (ص)مستقيما فإذا كان الحال كما ذكر في الحديث من أن أبا بكر وجد نفرا من الرجال في البيت فإنه لا يستقيم المتن إلا بالنهي عن الدخول على المغيبات مطلقا أو يشترط لذلك إذن الزوج (وإذنه تواجده في البيت كما في رواية من حديث عمرو بن العاص وسيأتي ذكره قريبا)."
وكلام الأندلسى خطأ ظاهر فالرواية الأولى تقول :
"أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبوبكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله (ص)وقال لم أر إلا خيرا فقال رسول الله (ص)إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله (ص)على المنبر فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان"
فهنا الداخلين نفر أى كثرة " نفرا من بني هاشم دخلوا "ومن ثم النهى فى هذه الرواية عن الكثرة واباحة دخول اثنين أو ثلاثة فقط "إلا ومعه رجل أو اثنان"
وتحدث عن تداخل سند حديث فى سند حديث أخر عند مسلم فقال :
"يحتمل انه قد دخل على الرواة عند مسلم حديث في حديث وهذا شائع ومعروف عند من يشتغل بعلم العلل الجليل، فقد ثبت من طرق كثيرة صحيحة حديث عمرو بن العاص في النهي عن الدخول على المغيبات:
1 - أولها طريق شعبة عن الحكم قال: سمعت ذكوانا يحدث عن مولى لعمرو ابن العاص أنه أرسله إلى علي يستأذن على أسماء ابنة عميس فأذن له حتى إذا فرغ من حاجته سأل المولى عمرا عن ذلك فقال: إن رسول الله (ص)نهانا أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن رواه الترمذي والبيهقي في الكبرى وابن أبي شيبة في المصنف. قال الترمذي: وفي الباب عن عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو وجابر قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح ووقع عند الترمذي: حدثنا سويد حدثنا عبد الله أخبرنا شعبة عن الحكم عن ذكوان عن مولى عمرو بن العاص ومولى عمرو بن العاص هو أبو قيس عبد الرحمن بن ثابت ثقة روى له الجماعة ذكره يعقوب بن سفيان في ثقات المصريين وابن حبان في كتاب " الثقات " وقال العجلى: مصري تابعي ثقة ورواه أحمد وإبنه في المسند وابن أبي شيبة في المصنف من طريق حفص عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: نهانا رسول الله (ص)أن ندخل على المغيبات.
وفي الباب أيضا عن معاذ بن جبل، قال الرامهرمزي في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: حدثنا العباس بن أحمد بن حسان ويعرف بالشامي ثنا سليمان بن سلمة الخبائري ثنا بقية حدثني نصر بن علقمة عن ابن عائذ، قال: وجدنا في نسخة عن معاذ بن جبل:
أن النبي (ص)نهى أن يدخل على المغيبات.
في إسناده سليمان بن سلمة الخبائري أبو أيوب الحمصي سمع منه أبو حاتم وما حدث عنه وقال: متروك لا يشتغل به وقال بن الجنيد: كان يكذب ولا أحدث عنه بعد هذا وقال النسائي: ليس بشيء وقال بن عدي: له غير حديث منكر.

-ثانيها طريق وكيع عن مسعر عن زياد بن فياض عن تميم بن سلمة قال قال عمرو بن العاص: نهينا أن ندخل على المغيبات إلا بإذن أزواجهن.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف. كذا رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق وكيع به وقال: لم يرو هذا الحديث عن مسعر إلا وكيع.
وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه مرسل فتميم بن سلمة لم يسمع من عمرو بن العاص.
- ثالثها طريق الأعمش عن أبي صالح عن عمرو بن العاص.
رواه أحمد في المسند من رواية يحيى بن سعيد عن الأعمش قال سمعت أبا صالح عن عمرو بن العاص قال: نهانا رسول الله (ص)أن ندخل على المغيبات.
وفيه أيضا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قال: استأذن عمرو بن العاص على فاطمة فأذنت له قال ثم علي قالوا لا قال فرجع ثم استأذن عليها مرة أخرى فقال ثم علي قالوا نعم فدخل عليها فقال له علي ما منعك أن تدخل حين لم تجدني هاهنا قال إن رسول الله (ص)نهانا أن ندخل على المغيبات.
أبو صالح هو ذكوان أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة روى له الجماعة.

لاحظ انه في هذه الرواية لا توجد واسطة بين ذكوان وعمرو بن العاص ولقد علمنا من الطريق الأولى أن الواسطة بينهما هو مولى عمرو بن العاص.
- رابعها طريق سليمان التيمي قال: سمعت أبا صالح يقول: جاء عمرو بن العاص إلى منزل علي يلتمسه فلم يقدر عليه، ثم رجع فوجده، فلما دخل كلم فاطمة فقال له علي: ما أرى حاجتك إلى المرأة، قال: أجل، إن رسول الله (ص)نهانا أن ندخل على المغيبات. رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده ومن طريقه ابن حبان في صحيحه. قال ابن حبان: أبو صالح هذا اسمه ميزان، من أهل البصرة ثقة، سمع ابن عباس وعمرو بن العاص، وروى عنه سليمان التيمي ومحمد بن جحادة ما روى عنه غير هذين، وليس هذا بصاحب الكلبي فإنه واه ضعيف.
لم يذكر الحافظ في التهذيب إلا توثيق ابن معين وابن حبان ودرجته عنده مقبول.
5 - خامسها طريق معمر عن الحسن أن عمرو بن العاص استأذن على علي فلم يجده، فرجع، ثم استأذن عليه مرة أخرى فوجده، فكلم امرأة علي في حاجته، فقال علي: كأن حاجتك كانت إلى المرأة؟ قال: نعم، إن رسول الله (ص)نهى أن يدخل على المغيبات، فقال له علي: أجل؟ إن رسول الله (ص)نهى أن يدخل على المغيبات رواه عبدالرزاق في المصنف وهو مرسل، الحسن لم يسمع من عمرو بن العاص.
والراجح أن المرأة التي في القصة هي أسماء بنت عميس وذلك أن مولى عمرو ابن العاص كان هو ناقل القصة ورسول عمرو بن العاص إلى علي وقد ذكر أن امرأة علي هي أسماء بنت عميس والله اعلم."

وأبدى الأندلسى ملاحظات قيمة فى الحديثين فقال :
"ولنا عند هذا الحديث وقفات للتأمل:
-راوي هذا الحديث هو عمرو بن العاص وراوي حديث المغيبات عند مسلم ليس إلا ابنه عبدالله بن عمرو بن العاص!!!
-المرأة التي في حديث عمرو بن العاص هي نفسها المرأة التي في حديث ابنه عبدالله بن عمرو بن العاص (أسماء بنت عميس)!!!
-موضوع حديث عمرو بن العاص هو نفسه موضوع حديث ابنه عبدالله بن عمرو بن العاص (الدخول على المغيبات)!!!
فيا لها من صدفة غريبة! فليس ببعيد أن يكون الرواة قد اختلطت عليهم الروايات فاخطئوا وجاؤوا بمثل ذلك المتن.
- مخالفة قوله:" ... إلا ومعه رجل أو اثنان" لنصوص الكتاب والسنة الصحيحة والفطرة السليمة التي تحرم مطلقا دخول الرجال الأجانب على النساء وتحجبهن مطلقا عنهم كالدر المصون كقوله تعالى: ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)) [الأحزاب:33].وكقوله تعالى: ((وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)) [الأحزاب:53]. وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت)) (متفق عليه من حديث عقبة بن عامر).وكنهيه (ص)عن الدخول على المغيبات (في حديث عمرو بن العاص السابق). وليت شعري كيف تحرم الشريعة خروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال ثم بعد ذلك تبيح للرجال أن يدخلوا عليها وهي في بيتها!!! كمثل من يقول لشاب من الشباب لا تتعب نفسك بالخروج إلى الشارع للتمتع برؤية الفتيات المتبرجات، اقعد في بيتك وأنا آتيك بالتلفاز والدش لتستمتع بالفتيات الجميلات وأنت مستريح على أريكتك!!! تعالى ربنا عز وجل عن هذا الافك المبين. إن هذا لا يقبله رجل فيه مسكة من غيرة على عرضه إلا أن يكون ديوثا ملعونا. قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر) فلا تعارض بين خلقه وشرعه وهل كان دينه إلا دين الفطرة والعقل.
ومن اللطائف أن هذا الحديث قد أشكل على الفقهاء أيما إشكال مما دفع بهم إلى تكلف تأويله على غير ظاهره وهذا بسبب النكارة الظاهرة في المتن ولم يكن لهم بد إلا فعل ذلك إذ من يتجرا على رد حديث يرويه مسلم في الصحيح! فقال النووي في شرحه على الحديث: (ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم، أو مروءتهم، أوغير ذلك. وقد أشار القاضي إلى نحو هذا التأويل).اه وقال الحافظ أبي العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: (كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ، لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الصلاح والخير، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من التهمة والريب، كما قدمناه ولعل هذا كان قبل نزول الحجاب، وقبل أن يتقدم لهم في ذلك بأمر ولا نهي؛ غير أن أبا بكر أنكر ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية، والدينية، كما وقع لعمر في الحجاب ولما ذكر ذلك للنبي ـ (ص)ـ قال: ما يعلمه من حال الداخلين، والمدخول لها، قال: ((لم أر إلا خيرا؛ يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع؛ لأنهم كانوا من مسلمي في هاشم، ثم خص أسماء بالشهادة لها فقال: ((إن الله قد برأها من ذلك))؛ أي: مما وقع في نفس أبي بكر، فكان ذلك فضيلة عظيمة من أعظم فضائلها، ومنقبة من أشرف مناقبها، ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله ـ (ص)ـ حتى جمع الناس، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال: ((ألا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل، أو اثنان))؛ سادا لذريعة الخلوة، ودفعا لما يؤدي إلى التهمة. إنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر. فأما اليوم: فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكا، لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجر إلى بعيد التهم والارتياب؛ حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها، والسفر معه، وإن كانت محرمة عليه؛ لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي؛ إذا لم يقارنه مانع عادي، فإنه من المعلوم الذي لا شك فيه: أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه وأخته. هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية، وذلك قد أنست به النفس الشهوانية، فلا بد مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع الحاليه" وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فان مذهب المحققين ومذهب الحفاظ الكبار أنهم كانوا يردون الحديث ولا يتعزفون في التأويل.
-إباحة دخول أكثر من رجل أجنبي على المرأة في بيتها يناقض القواعد والأصول العامة التي بني عليها دين الإسلام من الحفاظ على الأعراض وسد كل الأبواب والسبل التي تؤدي إلى خدشها وصيانة المجتمع المسلم من أسباب الرذيلة. وحاشا لرسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام أن يفتحوا هذا الباب العظيم من الشر ويجلبوا العار والشنار على البشرية، وهل كانوا عليهم السلام إلا دعاة العفة والفضيلة. فلتقر أعين المسلمين لله تعالى وليمت الفساق والمجرمون غيظا وكمدا. ولله در الإمام الشاطبي حيث قال: (ولذلك لا تجد فرقة من الفرق الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مر من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفى كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة، وانظر في مسألة التداوي من الخمار في درة الغواص للحريري وأشباهها بل قد استدل بعض النصارى على صحة ما هم عليه الآن بالقرآن ثم تحيل فاستدل على أنهم مع ذلك كالمسلمين في التوحيد سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)."

وحكاية تحريم دخول الرجال الاغراب على النساء البيوت لا وجود لها فى القرآن فقد بين الله انه يجوز للمرأة أن تدخل الرجل الغريب لضرورة مثل العمال الذين يصلحون ما فسد فى البيت من كهرباء أو سباكة أو نجارة وذلك بإذن زوجها الذى يخبرها أن فلان قادم غدا لعمل كذا وفى هذا قال تعالى :
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ "
وأيضا فى حالات الطوارىء والكوارث يجب على المرأة دون إذن زوجها إدخال رجل او جماعة البيت إذا كان احدهم مثلا سقط مغمى عليه او جرح أو نزف او حماية له ممن يريد قتله أو ضربه كما قال تعالى :
"ليْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ"