"ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون "المعنى ولقد قلنا للخلق فى هذا الكتاب كل حكم لعلهم يطيعون حكما واضحا غير ذى ظلم لعلهم يتبعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ضرب للناس فى هذا القرآن من كل مثل والمراد أنه صرف أى قال فى الوحى من كل حكم والسبب لعلهم يتذكرون أى يطيعون الحكم مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولقد صرفنا فى هذا القرآن من كل مثل"وهو قرآن عربى أى حكم واضح مصداق لقوله بسورة الرعد "وكذلك أنزلناه حكما عربيا"غير ذى عوج أى غير ظلم والمراد"لا ريب فيه "كما قال بسورة البقرة والسبب فى إنزاله لعلهم يتقون أى يتبعون حكمه والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"المعنى قال الرب قولا ذكرا فيه متقاسمون مختلفون وإنسانا خالصا لإنسان هل يتساويان حكما الطاعة لله إن أغلبهم لا يعقلون ،يبين الله لنا أنه ضرب مثلا أى قال قولا ليفهم الكفار هو رجل فيه شركاء متشاكسون والمراد إنسان له ملاك مختلفون ورجلا سلما لرجل والمراد وإنسان مملوك لإنسان واحد هل يستويان فى العمل مثلا أى حكما والسبب هو أن الملاك المختلفين يرهقون الأول حيث كل واحد يأمره بأمر غير الأخر فيتعب من كثرة الأوامر وتناقضها وكذلك الكفار تتملكهم شهواتهم فتتعبهم وأما الثانى فمستريح لأنه يعمل بأمر واحد وكذلك المسلمون يتملكهم الله وحده فلا يتعبهم وإنما يرحمهم ولذا فإن الحمد لله أى الطاعة لحكم الله ويبين لنا أن أكثر الناس لا يعلمون والمراد أن معظم الناس لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون".
"إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون "المعنى إنك متوفى وإنهم متوفون ثم إنكم يوم البعث لدى خالقكم تختلفون ،يبين الله لنبيه (ص) وللناس أنه ميت أى متوفى والمراد منتقل من الدنيا للبرزخ وإن الناس ميتون أى متوفون أى منتقلون من الدنيا للبرزخ ثم إنكم يوم القيامة وهو يوم البعث عند ربكم تختصمون أى فى أرض المحشر لدى إلهكم تختلفون فيمن على الحق ومن على الباطل والخطاب للنبى(ص)وللناس وما بعده له .
"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين "المعنى فمن أكفر ممن افترى على الله وكفر بالعدل لما أتاه أليس فى النار مقام للكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأظلم وهو الكافر هو من كذب على الله أى من افترى على الرب وهو من نسب لله ما لم يقله مصداق لقوله بسورة الأعراف"فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا"وكذب بالصدق إذ جاءه والمراد وكفر بآيات الله لما أتته مصداق لقوله بنفس الآية"أو كذب بآياته" ويسأل أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين والمراد أليس فى النار مأوى للفاسقين مصداق لقوله بسورة السجدة"وأما الذين فسقوا فمأواهم النار"والغرض من السؤال هو إخباره أن النار تتسع لكل متكبر .
"والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذى عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "المعنى والذى أتى بالعدل وآمن به أولئك هم المسلمون لهم ما يريدون لدى خالقهم ذلك ثواب المسلمين ليمحو الرب لهم شر الذى صنعوا ويعطيهم جنتهم بأفضل الذى كانوا يفعلون ،يبين الله لنا أن الذى جاء بالصدق والمراد أن الذى أتى بالعدل أى بالحق الممثل فى الوحى مصداق لقوله بسورة الصافات"جاء بالحق" وصدق به أى ومن آمن بالوحى له الجنة أولئك هم المتقون أى المطيعون للوحى أى الراشدون مصداق لقوله بسورة الحجرات "أولئك هم الراشدون "لهم ما يشاءون عند ربهم والمراد لهم ما يشتهون لدى خالقهم مصداق لقوله بسورة فصلت "ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم "وذلك وهو الجنة جزاء المحسنين أى ثواب الشاكرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"سنجزى الشاكرين"وفسر هذا بأن الله يكفر عنهم أسوأ الذى عملوا أى يمنع عنهم عقاب الخطايا التى صنعوا فى الدنيا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون والمراد ويدخلهم جنتهم بأفضل ما كانوا يفعلون فى الدنيا والخطاب للمؤمنين والجزء الأول حتى به هو جزء من قول أخر حذف بعضه .
"أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذى انتقام"المعنى أليس الرب بمانع مملوكه ويرعبونك بالذين من سواه ومن يعاقب الرب فما له من منقذ ومن يرحم فما له من معاقب أليس الرب بقوى صاحب عذاب ؟يسأل الله أليس الله بكاف عبده والمراد أليس الرب بحامى مطيعه ؟وهذا يعنى أن الله منجى مطيع حكمه من الأذى ويبين لنبيه (ص)أنهم يخوفونه بالذين من دونه والمراد يرهبونه بأذى الآلهة المزعومة من سواه وعليه ألا يرهب شيئا منهم لأن لا حقيقة لوجودهم كآلهة ويبين له أن من يضلل الله فما له من هاد والمراد أن من يعذب الرب فما له من منقذ من عذاب الله ومن يهد الله فما له من مضل والمراد ومن يرحم الرب فما له من معذب فهو وحده القادر على العذاب والرحمة ويسأل أليس الله بعزيز ذى انتقام والمراد أليس الرب بقوى صاحب عقاب والغرض من السؤال إخبار الناس أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفرهم والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده منه للناس .
"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنى الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادنى برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون"المعنى ولئن استخبرتهم من أنشأ السموات والأرض ؟ليجيبن الرب قل أعلمتم ما تعبدون من سوى الرب إن مسنى الرب بأذى هل هن مزيلات أذاه أو مسنى بنفع هل هن مانعات نفعه قل حامينى الرب به يحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن سأل أى استفهم الكفار فقال من خلق أى أبدع أى "فطر السموات والأرض "كما قال بسورة الأنعام ليقولن أى ليجيبن قائلين:الله هو خالقهما ويطلب منه أن يقول :أفرأيتم ما تدعون من دون الله والمراد أعرفتم الذى "تعبدون من دون الله"كما قال بسورة العنكبوت إن أرادنى الله بضر والمراد إن مسنى الرب بأذى مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن يمسسك الله بضر"هل هن كاشفات ضره والمراد هل هن مزيلات أذاه أو أرادنى برحمة والمراد أو مسنى بخير مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يمسسك بخير"هل هن ممسكات رحمته والمراد هل هن مانعات خيره ؟والغرض من القول هو إخبارهم أن لا أحد يقدر على منع أذى الله للناس ولا أحد يقدر على منع خيره للناس ويطلب منه أن يقول حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون والمراد حامينى من الأذى هو الله به يحتمى المطيعون لحكمه .
" قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم "قل يا شعبى حافظوا على دينكم إنى محافظ فسوف تعرفون من يجيئه عقاب يذله وينزل به عقاب دائم ، يطلب الله من نبيه (ص) أن يقول للناس:يا قوم أى يا شعبى اعملوا على مكانتكم والمراد اثبتوا على دينكم إنى عامل والمراد إنى محافظ على دينى فسوف تعلمون أى تعرفون من يأتيه عذاب يخزيه والمراد من يصيبه عقاب يذله وفسر هذا بأنه يحل عليه عذاب مقيم أى يصيبه غضب مستمر مصداق لقوله بسورة طه"يحل عليكم غضب من ربكم"وهو النار والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس .
"إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل "المعنى إنا أوحينا لك الوحى للخلق بالعدل فمن أطاع فلمنفعته ومن خالف فإنما يعاقبها وما أنت لهم بحافظ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنزل عليه الكتاب للناس بالحق والمراد أنه أوحى له القرآن وبيانه وهو تفسيره للخلق بالعدل فمن اهتدى فلنفسه والمراد فمن أسلم أى عمل صالحا فلمنفعتهم يمهدون أى يعملون ومن ضل فإنما يضل عليها أى ومن كفر فإنما يعاقب نفسه مصداق لقوله بسورة الروم"من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون"ويبين له أنه ليس عليهم بوكيل أى حفيظ أى حامى لهم مصداق لقوله بسورة الأنعام"وما أنا عليكم بحفيظ "والخطاب للنبى(ص).
"الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون "المعنى الرب يأخذ النفوس عند وفاتها والتى لم تتوفى فى رقادها فيمنع التى أنهى عليها الموت ويبعث الأخرى إلى موعد محدد إن فى ذلك لبراهين لقوم يفهمون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله يتوفى الأنفس حين موتها والمراد أن الرب يأخذ النفوس وهى ما يسمونها الأرواح وقت انتقالها من الدنيا لعالم الغيب وأما التى لم تمت أى لم تتوفى فهى فى منامها أى رقادها أى نعاسها فيمسك التى قضى عليها الموت والمراد فيمنع التى حكم عليها بالوفاة من العودة للدنيا ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى والمراد ويبعث النائمة إلى الدنيا حتى موعد محدد هو موعد وفاتها وهذا يعنى أن النائم نفسه ليست فيه وإنما الله ممسكها فى مكان ما حتى وقت الصحو وفى ذلك وهو الإمساك والإرسال آيات أى براهين على قدرة الله لقوم يتفكرون أى لناس يعقلون مصداق لقوله بسورة الروم"لقوم يعقلون".
"أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون"المعنى هل عبدوا من سوى الرب أنصار قل حتى لو كانوا لا يحكمون بحكم ولا يفهمون قل لله النصر كله له حكم السموات والأرض ثم إلى جزاء الله تعودون ،يسأل الله أم اتخذوا من دون الله شفعاء أى هل عبدوا من سوى الله آلهة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"أم اتخذوا من دونه آلهة "والمراد أنصار ينصرونهم وهذه عبادة الكفار لغير الله ويطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الكفار :أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون والمراد حتى لو كان الشفعاء لا يحكمون بحكم فى شىء ولا يعلمون بعبادتكم وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة لا تتحكم فى شىء لأنها لم تخلق شىء وهى ميتة أو فى عالم الغيب فهى لا تعقل أى لا تعلم بعبادة الكفار لها ويطلب منه أن يقول لهم قل لله الشفاعة جميعا أى "القوة لله جميعا"كما قال بسورة البقرة والمراد لله الحكم أى الملك كله له ملك أى حكم السموات والأرض ثم إليه ترجعون أى "وإليه تحشرون"كما قال بسورة الملك والمراد وإلى جزاء الله تعودون فى الآخرة والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما قبله له وما بعده له .
"وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون "المعنى وإذا أطيع الرب وحده نفرت نفوس الذين لا يصدقون بالقيامة وإذا أطيع الذين من سواه إذا هم يفرحون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله إذا ذكر وحده والمراد إذا أطيع حكمه وحده أى إذا دعى الله وحده كان موقف الكفار هو أن قلوبهم اشمأزت أى نفوسهم حزنت أى اغتمت أى كفرت به وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة والمراد وهم الذين لا يصدقون بالقيامة وأما إذا ذكر الذين من دونه والمراد إذا اتبع حكم الذين من سواه أى إذا أشرك به وهم الآلهة المزعومة إذا هم يستبشرون أى إذا هم يفرحون بذلك أى يؤمنون مصداق لقوله بسورة غافر"ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا".
"قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون "المعنى قل اللهم خالق السموات والأرض عارف الخفى والمعلن أنت تقضى بين خلقك فيما كانوا به يكفرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول اللهم أى يا الله فاطر السموات والأرض أى "خالق كل شىء "كما قال بسورة الرعد أى خالق السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أى عارف الخفى والظاهر فى الكون أنت تحكم بين عبادك أى أنت تقضى أى تفصل بين خلقك مصداق لقوله بسورة السجدة"إن ربك يفصل بينهم "وقوله بسورة يونس"إن ربك يقضى بينهم"فيما كانوا فيه يختلفون أى فى الذى كانوا به يكذبون وهو حكم الله والخطاب للنبى(ص).
"ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون "المعنى ولو أن للذين كفروا الذى فى الأرض كله وقدره معه ما أنقذوا به من ألم العقاب يوم البعث وظهر لهم ما لم يكونوا يظنون أى ظهر لهم عقوبات ما عملوا أى نزل بهم الذى كانوا به يكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين ظلموا أى كفروا بحكم الله لو أن لهم ما أى الذى فى الأرض جميعه ومثله معه أى وقدر الأرض معه لافتدوا به من سوء العذاب والمراد ما أنقذوا به من شر العقاب يوم القيامة وهو يوم البعث والمراد أن الله لا يقبله منهم مصداق لقوله بسورة المائدة "إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم "وهذا لأن الله منع الفدية فقال فى سورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية"ويبين له أنه بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون والمراد أنه ظهر لهم من عند الرب الذى لم يكونوا يتوقعون أى ينتظرون وهو العقاب وفسر هذا بأنهم بدا لهم سيئات ما كسبوا والمراد ظهر لهم عقوبات ما صنعوا فى الدنيا من خطايا وفسر هذا بأنه حاق بهم ما كانوا به يستهزءون والمراد أصابهم الذى كانوا به يكذبون والخطاب للنبى(ص)