بيان الحق فى كتاب ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان
المؤلف: أبو الخطاب عمر بن حسن الأندلسي الشهير بابن دحية الكلبي وهو يدور حول الأحاديث المروية فى شهر شعبان وقد استهله بذكر ما جاء فى الشهر من أحاديث فقال :
"أما بعد:
فإني ذاكر في هذا الجزء إن شاء الله ما جاء في اشتقاق شهر شعبان، وما لاح من فضل صيامه وبان"
استهل الكلبى كلامه بأقوال ليس عليها دليل فقال :
"وفيه نزلت فريضة شهر رمضان، وفي النصف منه حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام المحفوف بالرحمة والغفران، فشق ذلك على اليهود وعباد الصلبان والأوثان، وجد رسول الله (ص)في إعلاء كلمة الله غير مقصر ولا وان."
لا يوجد دليل من الوحى على أن فرض صوم رمضان كان فى شهر شعبان ولا يوجد دليل من الوحى على نقل القبلة من السماء حيث المسجد ألأقصى إلى الكعبة المسجد الحرام فكلها أقوال ليس فيها نص قطعى
ثم ذكر اشتقاق التسمية من تفرق القبائل فيه فقال :
"حدثني المسند أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر سبط أبي علي الحسين وأنا حاضر، ثنا أبو نعيم، أنبأنا اللغوي أبو عمر محمد بن عبد الواحد المطرز، ثنا أحمد بن يحيى الشيباني ثعلب قال: وكان شعبان شهرا تتشعب فيه القبائل، أي: تتفرق لقصد الملوك والتماس العطية ويقولون: شعبانات وشعابين "
قطعا لا دليل على هذا الاشتقاق لأن الله شرع تسمية الشهور عند بداية خلق السموات والأرض قبل خلق الناس فقال :
" إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهر فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض"
وتحدث عن فضل الشهر فقال :
"وأما فضله الثابت عن سيد البرية فهو ما أنا به الفقيه أبو الحسن علي بن الحسين في منزله بمدينة فاس سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، وفيها مات أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن غلبون، ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد اللخمي، ثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، ثنا عم أبي أبو مروان عبيد الله بن يحيى، ثنا أبي الفقيه أبو محمد يحيى بن يحيى، قال: عرضت على مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي (ص)أنها قالت: «كان رسول الله (ص)يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله (ص)استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان» .
هذا حديث مجمع على صحته أخرجه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك، وأخرجه مسلم
قلت: وسمعت الإمام فقيه العارفين أبا الفتوح العجلي يقول:
احتج الشافعي في القديم بهذا الحديث، فقال: وأكره أن يتخذه الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان، وكذلك يوما من الأيام.
قلت: وهذا الذي قاله الشافعي ترده السنة الثابتة عن رسول الله (ص) ولو حفظ الشافعي رحمه الله ذلك لرجع إليه وترك كلامه؛ لما رواه عنه الفقيه أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، قال: سمعت الشافعي يقول: " لقد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه ".
وقد ثبت أن رسول الله (ص)كان يصوم شعبان كله، ولم يأمرنا الله باتباع أحد إلا اتباع رسول الله (ص) وفيه الأسوة الحسنة التي جزاؤها الجنة.
والحديث الذي ذكرناه أخرجه البخاري في باب الصيام في باب صوم شعبان عن معاذ بن فضالة، ثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن عائشة حدثته قالت: "
لم يكن النبي (ص)يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي (ص)ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا (ص)صلاة داوم عليها ".
هذا حديث لا مطعن فيه، وقد أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن ابن أبي لبيد واسمه عبد الله بن أبي لبيد مولى الأخنس من أهل المدينة وقدم الكوفة، وروى عنه سفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة ومحمد بن عمرو بن علقمة، وكان من عباد المدينة.
قال يحيى بن معين: ثقة وقال أحمد: ما أعلم بحديثه بأسا وقال أبو حاتم الرازي: صدوق الحديث.
وقال البخاري: " قال الدراوردي: لم يشهد صفوان بن سليم جنازته ".
وذلك والله أعلم لأنه كان يرمى بالقدر، وتفرد بالإخراج عنه مسلم لثقته عنده.
عن أبي سلمة قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله (ص) فقالت: " كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم نره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا ".
هكذا أورد في صحيح مسلم بنقل العدل عن العدل.
وروى الحافظ أبو عيسى الترمذي في جامعه الكبير قال: وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال في هذا الحديث: هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر شهر أن يقال: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره، كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر.
وقد أمر عمران بن حصين أو السائل الذي سأله أن يصوم من سرة شعبان، أعني: وسطه على اختلاف أهل اللغة في هذه اللفظة.
عن عمران بن حصين أن النبي (ص)قال له أو لآخر: " أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين ".
وفي رواية: «إذا أفطرت رمضان فصم يوما أو يومين» - شعبة الذي يشك فيه - قال: وأظنه قال: يومين.
قلت: ورواية مسلم: حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، ثنا مهدي وهو ابن ميمون، ثنا غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران بن حصين , أن النبي (ص)قال له: أو قال لرجل وهو يسمع: " يا فلان، أصمت سرة هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين ".
هكذا قيدناه فيه: «من سرة هذا الشهر» بضم السين يقضي على الجميع، ويدل على أنه أراد وسطه.
فحض رسول الله (ص)على صيام هذا الشهر، وأمر من لم يصم منه أن يصوم بعد فطر رمضان يومين، وذلك لبركة شعبان.
وفيه من الفقه دليل على أن النوافل إذا فاتت فإنها تقضى وأما قوله (ص)«لا يتقدمن أحدكم صيام رمضان بصوم يوم أو يومين» يعني: لمن لم تجر له عادة بصيام شعبان، ودليل ذلك قوله في آخر الحديث: «إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه» .
والحديث مجمع على صحته إلا أن الحافظ أبا عيسى الترمذي ذكر في جامعه المسند الكبير، في باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان: ثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة , قال: قال رسول الله (ص)«إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا» .
قال أبو عيسى: " حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطرا، فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم بحال شهر رمضان " وأما قوله (ص)«فإن الله لا يمل حتى تملوا» .
والملل من صفات بعض المخلوقين مما يدل به الإنسان، وهو: ترك الشيء استثقالا وكراهية له بعد حرص عليه ومحبة.
...فثبت بذلك أن قوله (ص)«فإن الله لا يمل حتى تملوا» أي: لا يمل الله أصلا وأنتم تملون."
قطعا تلك الأحاديث تخالف وتناقض كتاب الله فى كون الصوم كفارة لبعض الذنوب والمراد عقاب فكيف تكون العقوبة أمر مستحب أن يوقعه المسلم على نفسه ؟
والصوم فى غير رمضان بدون تشريع من الله هو ذنب لأن الصوم منقص للجر فهو إذا اعتبرناه عمل صالح فى غير رمضان وفى غير الكفارة فهو بعشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
بينما الأكل فى النهار مرتين افطار وغداء بعشرين حسنة إذا لم نعتبره عملا ماليا بينما لو كان عملا ماليا فهو بألف وأربعمائة حسنة كما قال تعالى :
" مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
ولو شرب مرتين فهم بعشرين حسنة أيضا فهل الأفضل هو اكتساب أربعين حسنة أو مئات الحسنات أم الصوم بعشر حسنات ؟
وتحدث الكلبى هم صلاة ليلة النصف من شعبان فقال :
وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة، وواحدا مقطوعا؛ فكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة، في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات، فينصرفون وقد غلبهم النوم، فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله (ص)أنه قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» .
رواه عن رسول الله (ص)ذو النورين أمير المؤمنين عثمان بن عفان على ما أخرجه مسلم في صحيحه."
والخطأ فى الرواية أن ثواب من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله وهو ما يخالف أن ثواب كل الأعمال الصالحة غير المادية واحد وهو عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قال :
"وروى جندب بن عبد الله عن رسول الله (ص)أنه قال: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» ، وله طرق في صحيح مسلم.
فأما الحديث المنسوب إلى المرتضى، ذي السبطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأسنده عنه محمد بن مهاجر عن رسول الله (ص) وصنع فيه أسماء رجال لا يعرفون.
قال أبو حاتم محمد بن حبان: كان محمد بن المهاجر يضع الحديث على رسول الله (ص)
قال المصنف: ثم قرأته على الشيخ المحدث اللغوي المحوز لقصب السبق في كل خير أبي بكر محمد بن خير، وصححت ألفاظه، وحدثني به عن الفقيه أبي محمد بن عتاب إجازة له، سنة ثماني عشرة وخمس مائة، أنا
الحافظ أبو عمرو عثمان بن أبي بكر بن حمود الصوفي يعرف بابن الضابط، قدم علينا الأندلس وكتب لي بخطه: نا إسماعيل بن عبد الرحمن الحافظ إملاء بدمشق، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، نا وهب، نا سعيد بن عبد الكريم الواسطي، عن أبي النعمان السعدي، عن أبي رجاء العطاردي، عن أبي حمزة أنس بن مالك، قال: "
بعثني النبي (ص)إلى منزل عائشة في حاجة، فقلت لها: أسرعي فإني تركت رسول الله (ص)يحدثهم عن ليلة النصف من شعبان، فقالت: يا أنيس اجلس حتى أحدثك بحديث ليلة النصف من شعبان، إن تلك الليلة كانت ليلتي من رسول الله (ص)فجاء النبي (ص)فدخل معي في لحافي، فانتبهت من الليل فلم أجده، فقمت فطفت في حجر نسائه فلم أجده، فقلت لعله ذهب إلى جاريته مارية القبطية، فخرجت فمررت في المسجد، فوقعت رجلي عليه وهو ساجد يقول سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي التي جنيت بها على نفسي، فيا عظيم هل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم، فاغفر لي الذنب العظيم، قالت: ثم رفع رأسه وهو يقول: هب لي قلبا تقيا نقيا، من الشرك بريا، لا كافرا ولا شقيا، ثم عاد فسجد وهو يقول: أقول لك كما قال أخي داود: أعفر وجهي في التراب لسيدي، وحق لسيدي أن تعفر الوجوه لوجهه، ثم رفع رأسه، فقلت: بأبي وأمي، أنت في واد وأنا في واد، قالت: فسمع حس قدمي، فدخل الحجرة وقال: يا حميراء، أما تعلمين أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، لله في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، قالت: قلت: وما بال غنم كلب؟ فقال: لم يكن في العرب قوم أكثر غنما منهم، لا أقول: فيهم ستة نفر: مدمن خمر، وعاق لوالديه، ولا مصر على زنا، ولا مصارم، ولا مصور، ولا قتات ".
هذا حديث موضوع مصنوع؛ إبراهيم بن إسحاق من ولد حنظلة بن أبي عامر الراهب...وأما إبراهيم هذا قال فيه الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان: «كان يقلب الأخبار، ويسرق الحديث» ، وشيخه وهب قال: «هو أكذب الناس» ، وسعيد بن عبد الكريم متروك، قاله الأزدي الحافظ أبو الفتح."
إذا الحديث السابق حديث كاذب موضوع يخالف القرآن فى أن الله يغفر للجميع ما عدا من مات على الكفار وهو من مات مصرا على الذنوب كلها أو على واحد منها كما قال تعالى :
"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما"
وذكر روايات أخرى للحديث مبينا أنها غير صحيحة فقال :
"وقد خرج الترمذي في جامعه حديث ليلة النصف من شعبان من طريق من طريق الحجاج بن أرطاة فقال في باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان: ثنا أحمد بن منيع، ثنا يزيد بن هارون، أنا الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة قالت: " فقدت رسول الله (ص)فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ".
قال الترمذي: «سمعت محمدا يضعف هذا الحديث» .
وقال: «يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة» .
قال محمد: والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير ".
قلت: فالحديث مقطوع، ولا لأحد من أصحابه إجازة فيروي عنه بها، مع أن الحجاج ليس بحجة.
قال الفقيه أبو يحيى الساجي في كتاب الجرح: حجاج ليس بحجة في الأحكام والفروج."
إذا الحديث باطل وهو يخالف القرآن فى أن يشبه الله بخلقه فى وجودهم فى مكان وهو ما يناقض قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء"
وتحدث عن أقوال وصفها بالغرابة والخطأ عن نزول القرآن فى ليلة النصف من شعبان فقال :
"...ومن أغرب ما رواه بعض المفسرين، في قول أصدق القائلين: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} أنها ليلة النصف من شعبان، وما أبعد من قال هذا من الإيمان، فإنه مكذب للقرآن، فإن القرآن لم ينزل في شعبان، وقال الله العظيم: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} وقال جل من قائل: {إنا أنزلناه في ليلة القدر {1} وما أدراك ما ليلة القدر {2} ليلة القدر خير من ألف شهر {3} تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر {4} } وهي الليلة المباركة التي تنزل فيها الملائكة، قال ابن عباس: «أنزل القرآن كله جملة واحدة، في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا» .
وقال مجاهد: وهي ليلة الحكم التي يقضي الله فيها قضاء السنة.
والقدر: مصدر من قولهم: قدر الله خيرا فهو يقدر قدرا.
وسورة الدخان مكية.
وقال سعيد بن جبير: يؤذن للحاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم.
وقال رجل للحسن: أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان؟ قال: نعم والذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان، وإنها ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل أجل، وكل عمل، ورزق، وخلق إلى مثلها ".
ذكر هذا الإمام أبو الحسن الحوفي."
وذكر الكلبى أنه لا يصح أى حديث فى ليلة النصف من شعبان فنقل عن علماء الحديث التالى :
"قال أهل التعديل والتجريح: «وليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح» .
فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا يسوقه في معرض الخير، واستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا من الرسول (ص) فإذا صح أنه كذب، خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدمة الشيطان لاستعماله حديثا على رسول الله (ص)لم ينزل الله به من سلطان."
وذكر الكلبى بدعة صلاة النصف من شعبان فى التاريخ حيث نقل من بطون الكتب التالى :
"وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي في كتاب ذكر الحوادث والبدع التي ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة ولا إجماع ولا غيره، وقد حدثنا جماعة من أشياخنا عنه.
قال: وأخبرني أبو محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، فأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليه ثالث ورابع، فما ختم إلا وهم جماعة كبيرة، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا.
قلت له: فأنا رأيتك تصليها في جماعة! قال: نعم وأستغفر الله منها ".
ومما أحدثه المبتدعون، وخرجوا به عما وسمه المتشرعون وجروا فيه على سنن المجوس، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا واللهو واللعب من شيم ذي الحظ المنحوس،الليلة التي هي ليلة الوقود التي تسمى عند العامة بليلة الوقيد، وهي ليلة النصف من شعبان التي موقدها من الثواب شر فقيد، ولم يصح فيه شيء عن النبي (ص) ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد ذو صدق من الرواة ولا تكلم، وما أحدثها إلا متلاعب بالشريعة المحمدية، راغب في دين المجوسية، لأن النار معبودهم، وقد كذبوا واضمحلت سعودهم.
وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة، وكانت لهم دولة بالوزارة المرفوعة السامكة، وجدهم برمك هو الذي نسبوا إليه، ودينهم المجوسية فيما يعولون عليه، فأدخلوا في دين الإسلام، ما يموهون به على الطغام، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان، كأنه من سنن الإيمان، ومقصودهم عبادة النيران، وإقامة دينهم وهو أخس الأديان، حتى إذا صلى المسلمون فركعوا وسجدوا، كان ذلك للنار التي أوقدوا ومضت على ذلك السنون والأعصار، وتبعت بغداد فيه سائر الأمصار، إلى أن أخفت الله صوتهم، وقدر هلكتهم وموتهم، فكانت نكبتهم في زمن هارون الرشيد، فقتل جعفرا وصلبه غير بعيد، قطعه نصفين، وصلبهما في الجانبين، وذلك سنة سبع وثمانين ومائة للهجرة المحمدية، فانقطع شرهم عن الملة الإسلامية، وهذا مع ما يجتمع تلك الليلة من النساء والرجال، واختلاط الحال بين الفريقين في ضيق المحال"
وبين الكلبى واجب الحاكم نحو تلك البدعة فقال :
" فالواجب على السلطان منعهم، وعلى العالم ردعهم، ومن نازع في ذلك فهو عن الحق خنذ ناكب، مزاحم للحقائق الشرعية "
المؤلف: أبو الخطاب عمر بن حسن الأندلسي الشهير بابن دحية الكلبي وهو يدور حول الأحاديث المروية فى شهر شعبان وقد استهله بذكر ما جاء فى الشهر من أحاديث فقال :
"أما بعد:
فإني ذاكر في هذا الجزء إن شاء الله ما جاء في اشتقاق شهر شعبان، وما لاح من فضل صيامه وبان"
استهل الكلبى كلامه بأقوال ليس عليها دليل فقال :
"وفيه نزلت فريضة شهر رمضان، وفي النصف منه حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام المحفوف بالرحمة والغفران، فشق ذلك على اليهود وعباد الصلبان والأوثان، وجد رسول الله (ص)في إعلاء كلمة الله غير مقصر ولا وان."
لا يوجد دليل من الوحى على أن فرض صوم رمضان كان فى شهر شعبان ولا يوجد دليل من الوحى على نقل القبلة من السماء حيث المسجد ألأقصى إلى الكعبة المسجد الحرام فكلها أقوال ليس فيها نص قطعى
ثم ذكر اشتقاق التسمية من تفرق القبائل فيه فقال :
"حدثني المسند أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر سبط أبي علي الحسين وأنا حاضر، ثنا أبو نعيم، أنبأنا اللغوي أبو عمر محمد بن عبد الواحد المطرز، ثنا أحمد بن يحيى الشيباني ثعلب قال: وكان شعبان شهرا تتشعب فيه القبائل، أي: تتفرق لقصد الملوك والتماس العطية ويقولون: شعبانات وشعابين "
قطعا لا دليل على هذا الاشتقاق لأن الله شرع تسمية الشهور عند بداية خلق السموات والأرض قبل خلق الناس فقال :
" إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهر فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض"
وتحدث عن فضل الشهر فقال :
"وأما فضله الثابت عن سيد البرية فهو ما أنا به الفقيه أبو الحسن علي بن الحسين في منزله بمدينة فاس سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، وفيها مات أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن غلبون، ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد اللخمي، ثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، ثنا عم أبي أبو مروان عبيد الله بن يحيى، ثنا أبي الفقيه أبو محمد يحيى بن يحيى، قال: عرضت على مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي (ص)أنها قالت: «كان رسول الله (ص)يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله (ص)استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان» .
هذا حديث مجمع على صحته أخرجه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك، وأخرجه مسلم
قلت: وسمعت الإمام فقيه العارفين أبا الفتوح العجلي يقول:
احتج الشافعي في القديم بهذا الحديث، فقال: وأكره أن يتخذه الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان، وكذلك يوما من الأيام.
قلت: وهذا الذي قاله الشافعي ترده السنة الثابتة عن رسول الله (ص) ولو حفظ الشافعي رحمه الله ذلك لرجع إليه وترك كلامه؛ لما رواه عنه الفقيه أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، قال: سمعت الشافعي يقول: " لقد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه ".
وقد ثبت أن رسول الله (ص)كان يصوم شعبان كله، ولم يأمرنا الله باتباع أحد إلا اتباع رسول الله (ص) وفيه الأسوة الحسنة التي جزاؤها الجنة.
والحديث الذي ذكرناه أخرجه البخاري في باب الصيام في باب صوم شعبان عن معاذ بن فضالة، ثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن عائشة حدثته قالت: "
لم يكن النبي (ص)يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي (ص)ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا (ص)صلاة داوم عليها ".
هذا حديث لا مطعن فيه، وقد أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة، عن ابن أبي لبيد واسمه عبد الله بن أبي لبيد مولى الأخنس من أهل المدينة وقدم الكوفة، وروى عنه سفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة ومحمد بن عمرو بن علقمة، وكان من عباد المدينة.
قال يحيى بن معين: ثقة وقال أحمد: ما أعلم بحديثه بأسا وقال أبو حاتم الرازي: صدوق الحديث.
وقال البخاري: " قال الدراوردي: لم يشهد صفوان بن سليم جنازته ".
وذلك والله أعلم لأنه كان يرمى بالقدر، وتفرد بالإخراج عنه مسلم لثقته عنده.
عن أبي سلمة قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله (ص) فقالت: " كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم نره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا ".
هكذا أورد في صحيح مسلم بنقل العدل عن العدل.
وروى الحافظ أبو عيسى الترمذي في جامعه الكبير قال: وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال في هذا الحديث: هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر شهر أن يقال: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره، كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر.
وقد أمر عمران بن حصين أو السائل الذي سأله أن يصوم من سرة شعبان، أعني: وسطه على اختلاف أهل اللغة في هذه اللفظة.
عن عمران بن حصين أن النبي (ص)قال له أو لآخر: " أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين ".
وفي رواية: «إذا أفطرت رمضان فصم يوما أو يومين» - شعبة الذي يشك فيه - قال: وأظنه قال: يومين.
قلت: ورواية مسلم: حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، ثنا مهدي وهو ابن ميمون، ثنا غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران بن حصين , أن النبي (ص)قال له: أو قال لرجل وهو يسمع: " يا فلان، أصمت سرة هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين ".
هكذا قيدناه فيه: «من سرة هذا الشهر» بضم السين يقضي على الجميع، ويدل على أنه أراد وسطه.
فحض رسول الله (ص)على صيام هذا الشهر، وأمر من لم يصم منه أن يصوم بعد فطر رمضان يومين، وذلك لبركة شعبان.
وفيه من الفقه دليل على أن النوافل إذا فاتت فإنها تقضى وأما قوله (ص)«لا يتقدمن أحدكم صيام رمضان بصوم يوم أو يومين» يعني: لمن لم تجر له عادة بصيام شعبان، ودليل ذلك قوله في آخر الحديث: «إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه» .
والحديث مجمع على صحته إلا أن الحافظ أبا عيسى الترمذي ذكر في جامعه المسند الكبير، في باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان: ثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة , قال: قال رسول الله (ص)«إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا» .
قال أبو عيسى: " حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطرا، فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم بحال شهر رمضان " وأما قوله (ص)«فإن الله لا يمل حتى تملوا» .
والملل من صفات بعض المخلوقين مما يدل به الإنسان، وهو: ترك الشيء استثقالا وكراهية له بعد حرص عليه ومحبة.
...فثبت بذلك أن قوله (ص)«فإن الله لا يمل حتى تملوا» أي: لا يمل الله أصلا وأنتم تملون."
قطعا تلك الأحاديث تخالف وتناقض كتاب الله فى كون الصوم كفارة لبعض الذنوب والمراد عقاب فكيف تكون العقوبة أمر مستحب أن يوقعه المسلم على نفسه ؟
والصوم فى غير رمضان بدون تشريع من الله هو ذنب لأن الصوم منقص للجر فهو إذا اعتبرناه عمل صالح فى غير رمضان وفى غير الكفارة فهو بعشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
بينما الأكل فى النهار مرتين افطار وغداء بعشرين حسنة إذا لم نعتبره عملا ماليا بينما لو كان عملا ماليا فهو بألف وأربعمائة حسنة كما قال تعالى :
" مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
ولو شرب مرتين فهم بعشرين حسنة أيضا فهل الأفضل هو اكتساب أربعين حسنة أو مئات الحسنات أم الصوم بعشر حسنات ؟
وتحدث الكلبى هم صلاة ليلة النصف من شعبان فقال :
وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة، وواحدا مقطوعا؛ فكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة، في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات، فينصرفون وقد غلبهم النوم، فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله (ص)أنه قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» .
رواه عن رسول الله (ص)ذو النورين أمير المؤمنين عثمان بن عفان على ما أخرجه مسلم في صحيحه."
والخطأ فى الرواية أن ثواب من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله وهو ما يخالف أن ثواب كل الأعمال الصالحة غير المادية واحد وهو عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قال :
"وروى جندب بن عبد الله عن رسول الله (ص)أنه قال: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» ، وله طرق في صحيح مسلم.
فأما الحديث المنسوب إلى المرتضى، ذي السبطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأسنده عنه محمد بن مهاجر عن رسول الله (ص) وصنع فيه أسماء رجال لا يعرفون.
قال أبو حاتم محمد بن حبان: كان محمد بن المهاجر يضع الحديث على رسول الله (ص)
قال المصنف: ثم قرأته على الشيخ المحدث اللغوي المحوز لقصب السبق في كل خير أبي بكر محمد بن خير، وصححت ألفاظه، وحدثني به عن الفقيه أبي محمد بن عتاب إجازة له، سنة ثماني عشرة وخمس مائة، أنا
الحافظ أبو عمرو عثمان بن أبي بكر بن حمود الصوفي يعرف بابن الضابط، قدم علينا الأندلس وكتب لي بخطه: نا إسماعيل بن عبد الرحمن الحافظ إملاء بدمشق، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، نا وهب، نا سعيد بن عبد الكريم الواسطي، عن أبي النعمان السعدي، عن أبي رجاء العطاردي، عن أبي حمزة أنس بن مالك، قال: "
بعثني النبي (ص)إلى منزل عائشة في حاجة، فقلت لها: أسرعي فإني تركت رسول الله (ص)يحدثهم عن ليلة النصف من شعبان، فقالت: يا أنيس اجلس حتى أحدثك بحديث ليلة النصف من شعبان، إن تلك الليلة كانت ليلتي من رسول الله (ص)فجاء النبي (ص)فدخل معي في لحافي، فانتبهت من الليل فلم أجده، فقمت فطفت في حجر نسائه فلم أجده، فقلت لعله ذهب إلى جاريته مارية القبطية، فخرجت فمررت في المسجد، فوقعت رجلي عليه وهو ساجد يقول سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي التي جنيت بها على نفسي، فيا عظيم هل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم، فاغفر لي الذنب العظيم، قالت: ثم رفع رأسه وهو يقول: هب لي قلبا تقيا نقيا، من الشرك بريا، لا كافرا ولا شقيا، ثم عاد فسجد وهو يقول: أقول لك كما قال أخي داود: أعفر وجهي في التراب لسيدي، وحق لسيدي أن تعفر الوجوه لوجهه، ثم رفع رأسه، فقلت: بأبي وأمي، أنت في واد وأنا في واد، قالت: فسمع حس قدمي، فدخل الحجرة وقال: يا حميراء، أما تعلمين أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، لله في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، قالت: قلت: وما بال غنم كلب؟ فقال: لم يكن في العرب قوم أكثر غنما منهم، لا أقول: فيهم ستة نفر: مدمن خمر، وعاق لوالديه، ولا مصر على زنا، ولا مصارم، ولا مصور، ولا قتات ".
هذا حديث موضوع مصنوع؛ إبراهيم بن إسحاق من ولد حنظلة بن أبي عامر الراهب...وأما إبراهيم هذا قال فيه الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان: «كان يقلب الأخبار، ويسرق الحديث» ، وشيخه وهب قال: «هو أكذب الناس» ، وسعيد بن عبد الكريم متروك، قاله الأزدي الحافظ أبو الفتح."
إذا الحديث السابق حديث كاذب موضوع يخالف القرآن فى أن الله يغفر للجميع ما عدا من مات على الكفار وهو من مات مصرا على الذنوب كلها أو على واحد منها كما قال تعالى :
"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما"
وذكر روايات أخرى للحديث مبينا أنها غير صحيحة فقال :
"وقد خرج الترمذي في جامعه حديث ليلة النصف من شعبان من طريق من طريق الحجاج بن أرطاة فقال في باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان: ثنا أحمد بن منيع، ثنا يزيد بن هارون، أنا الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة قالت: " فقدت رسول الله (ص)فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ".
قال الترمذي: «سمعت محمدا يضعف هذا الحديث» .
وقال: «يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة» .
قال محمد: والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير ".
قلت: فالحديث مقطوع، ولا لأحد من أصحابه إجازة فيروي عنه بها، مع أن الحجاج ليس بحجة.
قال الفقيه أبو يحيى الساجي في كتاب الجرح: حجاج ليس بحجة في الأحكام والفروج."
إذا الحديث باطل وهو يخالف القرآن فى أن يشبه الله بخلقه فى وجودهم فى مكان وهو ما يناقض قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء"
وتحدث عن أقوال وصفها بالغرابة والخطأ عن نزول القرآن فى ليلة النصف من شعبان فقال :
"...ومن أغرب ما رواه بعض المفسرين، في قول أصدق القائلين: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} أنها ليلة النصف من شعبان، وما أبعد من قال هذا من الإيمان، فإنه مكذب للقرآن، فإن القرآن لم ينزل في شعبان، وقال الله العظيم: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} وقال جل من قائل: {إنا أنزلناه في ليلة القدر {1} وما أدراك ما ليلة القدر {2} ليلة القدر خير من ألف شهر {3} تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر {4} } وهي الليلة المباركة التي تنزل فيها الملائكة، قال ابن عباس: «أنزل القرآن كله جملة واحدة، في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا» .
وقال مجاهد: وهي ليلة الحكم التي يقضي الله فيها قضاء السنة.
والقدر: مصدر من قولهم: قدر الله خيرا فهو يقدر قدرا.
وسورة الدخان مكية.
وقال سعيد بن جبير: يؤذن للحاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم.
وقال رجل للحسن: أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان؟ قال: نعم والذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان، وإنها ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل أجل، وكل عمل، ورزق، وخلق إلى مثلها ".
ذكر هذا الإمام أبو الحسن الحوفي."
وذكر الكلبى أنه لا يصح أى حديث فى ليلة النصف من شعبان فنقل عن علماء الحديث التالى :
"قال أهل التعديل والتجريح: «وليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح» .
فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا يسوقه في معرض الخير، واستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا من الرسول (ص) فإذا صح أنه كذب، خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدمة الشيطان لاستعماله حديثا على رسول الله (ص)لم ينزل الله به من سلطان."
وذكر الكلبى بدعة صلاة النصف من شعبان فى التاريخ حيث نقل من بطون الكتب التالى :
"وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي في كتاب ذكر الحوادث والبدع التي ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة ولا إجماع ولا غيره، وقد حدثنا جماعة من أشياخنا عنه.
قال: وأخبرني أبو محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، فأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليه ثالث ورابع، فما ختم إلا وهم جماعة كبيرة، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا.
قلت له: فأنا رأيتك تصليها في جماعة! قال: نعم وأستغفر الله منها ".
ومما أحدثه المبتدعون، وخرجوا به عما وسمه المتشرعون وجروا فيه على سنن المجوس، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا واللهو واللعب من شيم ذي الحظ المنحوس،الليلة التي هي ليلة الوقود التي تسمى عند العامة بليلة الوقيد، وهي ليلة النصف من شعبان التي موقدها من الثواب شر فقيد، ولم يصح فيه شيء عن النبي (ص) ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد ذو صدق من الرواة ولا تكلم، وما أحدثها إلا متلاعب بالشريعة المحمدية، راغب في دين المجوسية، لأن النار معبودهم، وقد كذبوا واضمحلت سعودهم.
وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة، وكانت لهم دولة بالوزارة المرفوعة السامكة، وجدهم برمك هو الذي نسبوا إليه، ودينهم المجوسية فيما يعولون عليه، فأدخلوا في دين الإسلام، ما يموهون به على الطغام، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان، كأنه من سنن الإيمان، ومقصودهم عبادة النيران، وإقامة دينهم وهو أخس الأديان، حتى إذا صلى المسلمون فركعوا وسجدوا، كان ذلك للنار التي أوقدوا ومضت على ذلك السنون والأعصار، وتبعت بغداد فيه سائر الأمصار، إلى أن أخفت الله صوتهم، وقدر هلكتهم وموتهم، فكانت نكبتهم في زمن هارون الرشيد، فقتل جعفرا وصلبه غير بعيد، قطعه نصفين، وصلبهما في الجانبين، وذلك سنة سبع وثمانين ومائة للهجرة المحمدية، فانقطع شرهم عن الملة الإسلامية، وهذا مع ما يجتمع تلك الليلة من النساء والرجال، واختلاط الحال بين الفريقين في ضيق المحال"
وبين الكلبى واجب الحاكم نحو تلك البدعة فقال :
" فالواجب على السلطان منعهم، وعلى العالم ردعهم، ومن نازع في ذلك فهو عن الحق خنذ ناكب، مزاحم للحقائق الشرعية "