سورة الروم
سميت بهذا الاسم لذكر الروم فيها فى قوله"ألم غلبت الروم".
"بسم الله الرحمن الرحيم ألم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات صادقة انتصرت الروم فى أقرب البلاد وهم من بعد انتصارهم سيهزمون فى عدة سنوات لله الحكم من قبل ومن بعد ويومئذ يسر المصدقون بتأييد الرب يؤيد من يريد وهو القوى النافع قول الله لا ينقض الرب قوله ولكن معظم الخلق لا يصدقون،يبين الله أن الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد باسمه وهو بحكمه ألم أى آيات صادقة تتحقق فى المستقبل وهى غلبت الروم فى أدنى الأرض والمراد انتصرت الروم وهى جماعة كافرة على المسلمين فى أقرب البلاد وهى حدود الدولتين وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين والمراد والروم من بعد انتصارهم على المسلمين سيهزمون من المسلمين خلال عدة سنوات وهو ما حدث بعد ذلك ويبين الله أن الأمر وهو الحكم لله من قبل نزول الآيات ومن بعد نزولها مصداق لقوله بسورة الأنعام"ألا له الحكم"وفى يوم انتصار المؤمنين يفرح المؤمنون بنصر الله والمراد يسر المصدقون بحكم الله بتأييد الله لهم وهو ينصر من يشاء أى "يعز من يشاء"كما قال بسورة آل عمران والمراد يؤيد من يريد من الخلق وهو العزيز أى الناصر الرحيم أى النافع لمن يريد وهذا وعد الله والمراد قول من الرب سيتحقق فى المستقبل والله لا يخلف وعده والمراد والرب لا ينكث بعهده وهو قوله مصداق لقوله بسورة البقرة "لن يخلف الله عهده "ويبين لنا أن أكثر الناس لا يعلمون والمراد أن أغلب الخلق لا يؤمنون أى لا يصدقون قول الله مصداق لقوله بسورة هود"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"والخطاب للنبى(ص)
"يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون"المعنى يعرفون علما بالمعيشة الأولى وهم عن العمل للقيامة ساهون،يبين الله أن الكفار يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا والمراد يعرفون علما عن المعيشة الأولى والمراد يعرفون كيف يتمتعون بمتاع الحياة الدنيا من خلال دراستهم الدنيوية لها وهذا يعنى حبهم لها وهم عن الآخرة غافلون والمراد وهم عن العمل للقيامة ساهون وهذا يعنى أنهم لا يعملون لمستقبلهم الأخروى فهم "يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة "كما قال بسورة إبراهيم والخطاب للنبى (ص)
"أو لم يتفكروا فى أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم كافرون "المعنى هل لم ينظروا بعقولهم ما أنشأ الرب السموات والأرض والذى وسطهما إلا للعدل وموعد محدد وإن كثيرا من الخلق بجزاء خالقهم مكذبون ،يسأل الله أو لم يتفكروا فى أنفسهم والمراد هل لم يعلموا بعقولهم أن الله ما خلق أى أنشأ أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما إلا بالحق والمراد إلا للعدل وأجل مسمى أى موعد محدد؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار علموا بعقولهم أن الكون خلق لتحقيق العدالة فيه وأن له موعد يهلك فيه ليأتى الحساب بعده ،ويبين أن كثيرا من الناس بلقاء ربهم وهو حساب إلههم وهو الآخرة كافرون أى مكذبون مصداق لقوله بسورة يوسف"وهم بالآخرة هم كافرون "والخطاب للنبى(ص)
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"المعنى هل لم يمشوا فى البلاد فيعرفوا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا أعظم منهم بطشا وشيدوا البلاد وبنوها أكبر مما بنوها وأتتهم مبعوثيهم بالآيات فما كان الرب ليبخسهم حقا ولكن كانوا ذواتهم يهلكون ،يسأل الله أو لم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أى فيعلموا كيف كان جزاء أى عذاب الذين سبقوهم فى الحياة من الكافرين كانوا أشد منهم قوة أى أعظم منهم بأسا أى بطشا مصداق لقوله بسورة ق "أشد منهم بطشا"وأثاروا الأرض أى وبنوا البلاد وهذا يعنى أنهم شيدوا القصور وفسر الله هذا بأنهم عمروها أكثر مما عمروها والمراد وبنوا فى البلاد أكثر مما بنى الكفار فى عهد الرسول(ص)وجاءتهم رسلهم بالبينات والمراد فأتتهم أنبياؤهم بالآيات وهى آيات الوحى والإعجاز فكفروا فما كان الله وهو الرب ليظلمهم أى ليبخسهم أى لينقصهم حقا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون أى يهلكون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يهلكون إلا أنفسهم "،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار علموا بعقاب الله للأمم السابقة الذين كانوا أقوى منهم وبنوا ما لم يبنوه وعلموا أن الكفار هم الذين أصابوا أنفسهم بالظلم وهو العقاب بسبب ظلمهم وهو كفرهم بحكم الله .
"ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون "المعنى وكان جزاء الذين ظلموا العذاب لأنهم كفروا بأحكام الرب أى كانوا بها يكفرون ،يبين الله أن عاقبة وهى جزاء الذين أساءوا وهم الذين فعلوا السيئات وهى الذنوب السوأى وهى الهلاك أى العذاب أى الخسارة مصداق لقوله بسورة الطلاق"وكان عاقبة أمرها خسرا"والسبب أن كذبوا بآيات الله والمراد أن كفروا بأحكام الرب مصداق لقوله بسورة الزمر"والذين كفروا بآيات الله"وفسر هذا بأنهم كانوا بها يستهزئون أى يسخرون منها أى يكفرون بها والخطاب وما قبله للنبى(ص)
"الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون"المعنى الله يخلق المخلوق ثم يحييه ثم إليه تحشرون،يبين الله للناس أن الله يبدأ الخلق أى يبدع المخلوق أول مرة وبعد موته يعيده أى يحييه مرة ثانية ثم يموت ثم إليه يرجعون أى "وإليه تقلبون "كما قال بسورة العنكبوت والمراد يعود حيا مرة ثالثة إلى جزاء الله والخطاب للناس
"ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركاءهم شفعاء وكانوا بشركاءهم كافرين"المعنى ويوم تحدث القيامة يعذب الكافرون ولم يكن لهم من آلهتهم ناصرين وكانوا بآلهتهم مكذبين ،يبين الله أن يوم تقوم الساعة والمراد يوم تقع القيامة يبلس المجرمون أى يخسر المبطلون مصداق لقوله بسورة الجاثية "ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون "وهذا يعنى أنهم يعذبون ولم يكن لهم من شركاءهم شفعاء والمراد ولم يكن لهم من آلهتهم المزعومة ناصرين ينقذونهم من العذاب وكانوا بشركاءهم كافرين والمراد وكانوا بآلهتهم مكذبين وهذا يعنى أن الكفار ينفون عبادتهم للشركاء مصداق لقولهم بسورة الأنعام "والله ربنا ما كنا مشركين"والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم فى روضة يحبرون وأما الذين كفروا و كذبوا بآياتنا ولقاىء الآخرة فأولئك فى العذاب محضرون"المعنى ويوم تحدث القيامة يومذاك يتوزعون فأما الذين صدقوا بحكم الله وفعلوا الحسنات فهم فى جنة يتمتعون وأما الذين جحدوا أى كذبوا بأحكامنا وجزاء القيامة فأولئك فى النار معذبون ،يبين الله أن يوم تقوم الساعة وهو يوم تقع القيامة يومئذ يتفرقون والمراد يومذاك ينقسم الناس لفريقين فأما الذين آمنوا أى صدقوا وحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات فهم فى روضة يحبرون أى فهم فى جنة يسعدون أى يتمتعون مصداق لقوله بسورة هود"وأما الذين سعدوا ففى الجنة "وأما الذين كفروا أى كذبوا أى جحدوا آيات وهى أحكام الله مصداق لقوله بسورة فصلت"وكانوا بآياتنا يجحدون"ولقاء الآخرة وهو جزاء القيامة فأولئك فى العذاب محضرون والمراد فى النار مبلسون أى معذبون مصداق لقوله بسورة الزخرف"وهم فيه مبلسون".
"فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد فى السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون "المعنى فالطاعة للرب وقت تظلمون ووقت تظهرون وله الحكم فى السموات والأرض وليلا ووقت تصبحون،يبين الله أن سبحان والمراد التسبيح وهو طاعة حكم الله يكون حين تمسون وفسره بأنه عشيا والمراد وقت تظلمون أى ليلا وحين تصبحون وفسره بأنه حين تظهرون أى وقت النهار وهى وقت تنارون بنور الشمس وهذا يعنى وجوب طاعته ليلا ونهارا وله الحمد وهو الطاعة لأمره فى السموات والأرض مصداق لقوله بنفس السورة "لله الأمر من قبل ومن بعد".
"يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون"المعنى يفصل الباقى عن الفانى ويفصل الفانى عن الباقى ويبعث الأرض بعد جدبها وهكذا تحيون ،يبين الله أنه يخرج الحى من الميت والمراد يبعد الباقى عن المنتقل لعالم الغيب ويخرج الميت من الحى أى ويبعد الموجود فى عالم الغيب عن الموجود فى عالم الظاهر وهذا يعنى وجود فاصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى بحيث لا يتصلون ببعضهم وهو يحى الأرض بعد موتها أى يعيد الخصب للتراب بعد جدبه عن طريق الماء وكذلك تخرجون أى"كذلك يحى الله الموتى"كما قال بسورة البقرة والمراد عن طريق الماء يبعث الله الموتى للحياة مرة أخرى والخطاب وما قبله للنبى(ص) ومنه للناس
"ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "المعنى ومن علاماته أن أنشأكم من تراب ثم إذا أنتم أناس تخرجون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى البراهين الدالة على وجوب عبادته وحده أنه خلق الناس من تراب أى طين مصداق لقوله بسورة الأنعام"هو الذى خلقكم من طين "فإذا أنتم بشر تنتشرون والمراد فإذا أنتم ناس تخرجون للحياة والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون "المعنى ومن براهينه أن أبدع لكم من ذواتكم زوجات لترتاحوا معها وخلق بينكم حبا أى نفعا إن فى الخلق لبراهين لناس ينظرون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه على وجوب عبادته وحده أنه خلق من أنفس الناس أزواجا والمراد أنشأ للناس من بعضهم زوجات أى إناث والسبب فى خلقهن أن يسكنوا إليها أى يستريحوا معهن وجعل بين الرجال والنساء مودة أى حب وفسره الله بأنه رحمة أى تبادل للمنافع بالرضا والعفو وفى ذلك وهو خلق النساء من الرجال آيات أى براهين دالة على قدرته ومن ثم على وجوب عبادته وحده لقوم يتفكرون أى "لقوم يسمعون "كما قال بنفس السورة والمراد لناس ينظروا فى الأمر فيعلموا الحق .
"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين "المعنى ومن براهينه إبداع السموات والأرض وتعدد ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لبراهين للعلماء ،يبين الله للناس أن من آياته وهى علاماته الدالة على قدرته خلق وهو إنشاء السموات والأرض واختلاف وهو تعدد ألسنتكم وهى لغات الناس وألوانهم وهى طلاءات جلودهم الإلهية وفى خلق الكون وتعدد ألسنة الناس وألوانهم آيات أى براهين للعالمين وهم العارفين أى أصحاب النهى وهى العقول مصداق لقوله بسورة طه"إن فى ذلك لآيات لأولى النهى ".
"ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن فى ذلك لآيات لقوم يسمعون "المعنى ومن براهينه رقودكم بالليل والنهار وطلبكم من رزقه إن فى ذلك لبراهين لناس يفهمون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته منامهم وهو سباتهم أى راحتهم فى الليل والنهار وابتغاؤهم من فضله والمراد وسعيهم وراء رزق الله وذلك وهو النوم وابتغاء الفضل هو من آيات أى براهين الله الدالة على قدرته ومن ثم وجوب طاعته وحده لقوم يسمعون أى لناس يعقلون مصداق لقوله بنفس السورة"لقوم يعقلون"والخطاب وما بعده وما بعده للناس
"ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحى به الأرض بعد موتها إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون "المعنى ومن براهينه يشهدكم النار رعبا وحبا ويسقط من السحاب مطرا فيبعث به الأرض بعد جدبها إن فى ذلك لبراهين لناس يفهمون،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته :أنه يريهم البرق خوفا وطمعا والمراد أنه يشهدهم النار المتولدة من احتكاك طبقات السحب أو السحب إرهابا لهم من عذابه وترغيبا لهم فيما بعد النار من الماء النافع لهم ومنها أنه ينزل من السماء ماء والمراد أنه يسقط من السحاب مطر فيحى به الأرض بعد موتها والمراد فيبعث به الأرض بعد جدبها وهذا يعنى أنه يعيد لها الخصوبة التى تجعلها تنبت النباتات وفى ذلك وهو البرق ونزول المطر آيات لقوم يعقلون والمراد براهين لناس يؤمنون مصداق لقوله بسورة الروم"لقوم يؤمنون".
"ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون "المعنى ومن براهينه أن تعمل السماء والأرض بحكمه ثم إذا ناداكم نداء فى الأرض إذا أنتم تبعثون،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته أن تقوم بأمره والمراد أن تعمل بحكمه السماء والأرض وهذا هو ما سماه الله تسليم الخلق لحكمه مصداق لقوله بسورة آل عمران"وله أسلم من فى السموات والأرض"ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون والمراد ثم إذا ناداكم زجرة أى نداء من الأرض إذا أنتم تنظرون أى تبعثون للحياة مرة أخرى مصداق لقوله بسورة الصافات"فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم ينظرون "وهذا يعنى أن البوق ينفخ فيه فيبعثون .
"وله من فى السموات والأرض كل له قانتون"المعنى وله ملك من فى السموات والأرض كل له عابدون ،يبين الله للناس أن له أى يملك كل من فى السموات والأرض فالكل له قانتون أى مطيعون لحكمه أى عابدون مصداق لقوله بسورة البقرة "ونحن له عابدون" والخطاب وما بعده للناس
"وهو الذى يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم " المعنى وهو الذى يبدع الشىء ثم يبعثه وهو أسهل عليه وله الحكم الأعظم فى السموات والأرض وهو الناصر القاضى بالحق ،يبين الله للناس أنه هو الذى يبدأ الخلق والمراد أنه هو الذى يخلق الشىء أول مرة وبعد موته يعيده أى يبعثه مرة ثانية للحياة وهو أهون عليه والمراد وهو أيسر عليه مصداق لقوله بسورة العنكبوت"إن ذلك على الله يسيرا"ولله المثل الأعلى والمراد ولله الحكم الحسن فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"والله هو العزيز أى الناصر لمن ينصره الحكيم أى القاضى بالحق.
"ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فى ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون "المعنى قال لكم قولا فى أنفسكم هل لكم من الذى تصرفت أنفسكم فيهم من مقاسمين لكم فيما أعطيناكم فأنتم فيه شركاء تخشونهم كخشيتكم بعضكم هكذا نبين الأحكام لقوم يفهمون ،يبين الله للناس أنه ضرب لهم مثلا من أنفسهم والمراد قال لهم سؤالا فى أنفسهم هو هل من ما ملكت أيمانكم أى الذى تحكمت أنفسكم فيهم وهم العبيد والإماء من شركاء أى مقاسمين لكم فيما رزقناكم أى أعطيناكم فأنتم فيه سواء أى متساوون أى شركاء؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن العبيد والإماء وهم ملك اليمين شركاء لهم فى رزق الله وهذا يعنى أن الرزق الموجود فى الأرض يقسم على الناس بالتساوى وليس كما هو الحال من وجود أغنياء وفقراء والناس يخافونهم أى يخشون من أذى العبيد والإماء كخيفتهم أنفسهم والمراد كخشيتهم لأذى بعضهم البعض وهم يخشون العبيد والإماء بسبب معرفتهم أنهم يبخسونهم حقهم الذى فرضه الله لهم وهو تقاسم الرزق معهم بالتساوى ويبين أنه بتلك الطريقة يفصل الآيات والمراد يبين الأحكام لقوم يعقلون أى لناس يفكرون فيطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة البقرة "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون "والخطاب وما قبله للناس
"بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين "المعنى لقد أطاع الذين كفروا شهواتهم بغير علم فمن يرحم من عذب الرب أى مالهم من منقذين،يبين الله أن الذين ظلموا أى كفروا بأحكام الله اتبعوا أهواءهم والمراد أطاعوا ظنونهم مصداق لقوله بسورة النجم"إن يتبعون إلا الظن"وهى شهواتهم بغير علم والمراد بغير هدى أى وحى يبيح لهم طاعة الأهواء من الله مصداق لقوله بسورة القصص"ممن اتبع هواه بغير هدى من الله "ويسأل الله فمن يهدى من أضل الله والمراد فمن ينقذ من عاقب الرب؟والغرض من السؤال هو ما قاله بعده ما لهم من ناصرين أى منقذين أى أولياء ينصرونهم من عقاب الله مصداق لقوله بسورة هود"وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون "والخطاب للناس
"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"المعنى فأسلم نفسك للإسلام مصدقا دين الرب الذى خلق الناس عليه ،لا تغيير لدين الرب ،الإسلام الحكم العدل ولكن معظم الخلق لا يفقهون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقيم وجهه للدين حنيفا والمراد أن يسلم نفسه للإسلام مصدقا به مصداق لقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه إلى الله"والمراد أن يطيع حكم الإسلام وهو مصدق به ،ويبين له أن الإسلام هو فطرة أى دين الله أى "صبغة الله"كما قال بسورة البقرة وهى التى فطر الناس عليها والمراد وهو الدين الذى كلف الخلق به منذ أولهم آدم(ص)،ويبين له أن لا تبديل لخلق الله والمراد لا تغيير لدين وهو كلمات الله مصداق لقوله بسورة يونس"لا تبديل لكلمات الله "والإسلام هو الدين القيم وهو الحكم العدل ولكن أكثر الناس لا يعلمون والمراد ولكن معظم الخلق لا يطيعون الإسلام أى لا يشكرون الله مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"والخطاب للنبى(ص)
"منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون "المعنى مطيعين لحكمه أى اتبعوا حكمه أى أطيعوا الدين أى لا تصبحوا من الكافرين من الذين قسموا حكمهم وكانوا فرقا كل فريق بالذى عنده متمسك،يبين الله للمؤمنين أنهم يجب أن يكونوا منيبين إليه أى متبعين لحكمه أى "مخلصين له الدين "كما قال بسورة غافر وفسر هذا بقوله اتقوه أى أطيعوا دينه وفسر هذا بقوله أقيموا الصلاة أى اتبعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسر هذا بألا يكونوا من المشركين أى ألا يصبحوا من الكافرين من الذين فرقوا دينهم أى قطعوا أمرهم وهو حكمهم قطعا والمراد كل فريق له تفسير للحكم وكانوا شيعا أى فرقا كل حزب بما لديهم فرحون والمراد كل فريق بالذى عندهم من العلم مستمسكون مصداق لقوله بسورة المؤمنون"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا "وقوله بسورة غافر"فرحوا بما عندهم من العلم "والخطاب للمؤمنين ومحذوف أوله
سميت بهذا الاسم لذكر الروم فيها فى قوله"ألم غلبت الروم".
"بسم الله الرحمن الرحيم ألم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات صادقة انتصرت الروم فى أقرب البلاد وهم من بعد انتصارهم سيهزمون فى عدة سنوات لله الحكم من قبل ومن بعد ويومئذ يسر المصدقون بتأييد الرب يؤيد من يريد وهو القوى النافع قول الله لا ينقض الرب قوله ولكن معظم الخلق لا يصدقون،يبين الله أن الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد باسمه وهو بحكمه ألم أى آيات صادقة تتحقق فى المستقبل وهى غلبت الروم فى أدنى الأرض والمراد انتصرت الروم وهى جماعة كافرة على المسلمين فى أقرب البلاد وهى حدود الدولتين وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين والمراد والروم من بعد انتصارهم على المسلمين سيهزمون من المسلمين خلال عدة سنوات وهو ما حدث بعد ذلك ويبين الله أن الأمر وهو الحكم لله من قبل نزول الآيات ومن بعد نزولها مصداق لقوله بسورة الأنعام"ألا له الحكم"وفى يوم انتصار المؤمنين يفرح المؤمنون بنصر الله والمراد يسر المصدقون بحكم الله بتأييد الله لهم وهو ينصر من يشاء أى "يعز من يشاء"كما قال بسورة آل عمران والمراد يؤيد من يريد من الخلق وهو العزيز أى الناصر الرحيم أى النافع لمن يريد وهذا وعد الله والمراد قول من الرب سيتحقق فى المستقبل والله لا يخلف وعده والمراد والرب لا ينكث بعهده وهو قوله مصداق لقوله بسورة البقرة "لن يخلف الله عهده "ويبين لنا أن أكثر الناس لا يعلمون والمراد أن أغلب الخلق لا يؤمنون أى لا يصدقون قول الله مصداق لقوله بسورة هود"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"والخطاب للنبى(ص)
"يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون"المعنى يعرفون علما بالمعيشة الأولى وهم عن العمل للقيامة ساهون،يبين الله أن الكفار يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا والمراد يعرفون علما عن المعيشة الأولى والمراد يعرفون كيف يتمتعون بمتاع الحياة الدنيا من خلال دراستهم الدنيوية لها وهذا يعنى حبهم لها وهم عن الآخرة غافلون والمراد وهم عن العمل للقيامة ساهون وهذا يعنى أنهم لا يعملون لمستقبلهم الأخروى فهم "يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة "كما قال بسورة إبراهيم والخطاب للنبى (ص)
"أو لم يتفكروا فى أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم كافرون "المعنى هل لم ينظروا بعقولهم ما أنشأ الرب السموات والأرض والذى وسطهما إلا للعدل وموعد محدد وإن كثيرا من الخلق بجزاء خالقهم مكذبون ،يسأل الله أو لم يتفكروا فى أنفسهم والمراد هل لم يعلموا بعقولهم أن الله ما خلق أى أنشأ أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما إلا بالحق والمراد إلا للعدل وأجل مسمى أى موعد محدد؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار علموا بعقولهم أن الكون خلق لتحقيق العدالة فيه وأن له موعد يهلك فيه ليأتى الحساب بعده ،ويبين أن كثيرا من الناس بلقاء ربهم وهو حساب إلههم وهو الآخرة كافرون أى مكذبون مصداق لقوله بسورة يوسف"وهم بالآخرة هم كافرون "والخطاب للنبى(ص)
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"المعنى هل لم يمشوا فى البلاد فيعرفوا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا أعظم منهم بطشا وشيدوا البلاد وبنوها أكبر مما بنوها وأتتهم مبعوثيهم بالآيات فما كان الرب ليبخسهم حقا ولكن كانوا ذواتهم يهلكون ،يسأل الله أو لم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أى فيعلموا كيف كان جزاء أى عذاب الذين سبقوهم فى الحياة من الكافرين كانوا أشد منهم قوة أى أعظم منهم بأسا أى بطشا مصداق لقوله بسورة ق "أشد منهم بطشا"وأثاروا الأرض أى وبنوا البلاد وهذا يعنى أنهم شيدوا القصور وفسر الله هذا بأنهم عمروها أكثر مما عمروها والمراد وبنوا فى البلاد أكثر مما بنى الكفار فى عهد الرسول(ص)وجاءتهم رسلهم بالبينات والمراد فأتتهم أنبياؤهم بالآيات وهى آيات الوحى والإعجاز فكفروا فما كان الله وهو الرب ليظلمهم أى ليبخسهم أى لينقصهم حقا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون أى يهلكون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يهلكون إلا أنفسهم "،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار علموا بعقاب الله للأمم السابقة الذين كانوا أقوى منهم وبنوا ما لم يبنوه وعلموا أن الكفار هم الذين أصابوا أنفسهم بالظلم وهو العقاب بسبب ظلمهم وهو كفرهم بحكم الله .
"ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون "المعنى وكان جزاء الذين ظلموا العذاب لأنهم كفروا بأحكام الرب أى كانوا بها يكفرون ،يبين الله أن عاقبة وهى جزاء الذين أساءوا وهم الذين فعلوا السيئات وهى الذنوب السوأى وهى الهلاك أى العذاب أى الخسارة مصداق لقوله بسورة الطلاق"وكان عاقبة أمرها خسرا"والسبب أن كذبوا بآيات الله والمراد أن كفروا بأحكام الرب مصداق لقوله بسورة الزمر"والذين كفروا بآيات الله"وفسر هذا بأنهم كانوا بها يستهزئون أى يسخرون منها أى يكفرون بها والخطاب وما قبله للنبى(ص)
"الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون"المعنى الله يخلق المخلوق ثم يحييه ثم إليه تحشرون،يبين الله للناس أن الله يبدأ الخلق أى يبدع المخلوق أول مرة وبعد موته يعيده أى يحييه مرة ثانية ثم يموت ثم إليه يرجعون أى "وإليه تقلبون "كما قال بسورة العنكبوت والمراد يعود حيا مرة ثالثة إلى جزاء الله والخطاب للناس
"ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركاءهم شفعاء وكانوا بشركاءهم كافرين"المعنى ويوم تحدث القيامة يعذب الكافرون ولم يكن لهم من آلهتهم ناصرين وكانوا بآلهتهم مكذبين ،يبين الله أن يوم تقوم الساعة والمراد يوم تقع القيامة يبلس المجرمون أى يخسر المبطلون مصداق لقوله بسورة الجاثية "ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون "وهذا يعنى أنهم يعذبون ولم يكن لهم من شركاءهم شفعاء والمراد ولم يكن لهم من آلهتهم المزعومة ناصرين ينقذونهم من العذاب وكانوا بشركاءهم كافرين والمراد وكانوا بآلهتهم مكذبين وهذا يعنى أن الكفار ينفون عبادتهم للشركاء مصداق لقولهم بسورة الأنعام "والله ربنا ما كنا مشركين"والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم فى روضة يحبرون وأما الذين كفروا و كذبوا بآياتنا ولقاىء الآخرة فأولئك فى العذاب محضرون"المعنى ويوم تحدث القيامة يومذاك يتوزعون فأما الذين صدقوا بحكم الله وفعلوا الحسنات فهم فى جنة يتمتعون وأما الذين جحدوا أى كذبوا بأحكامنا وجزاء القيامة فأولئك فى النار معذبون ،يبين الله أن يوم تقوم الساعة وهو يوم تقع القيامة يومئذ يتفرقون والمراد يومذاك ينقسم الناس لفريقين فأما الذين آمنوا أى صدقوا وحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات فهم فى روضة يحبرون أى فهم فى جنة يسعدون أى يتمتعون مصداق لقوله بسورة هود"وأما الذين سعدوا ففى الجنة "وأما الذين كفروا أى كذبوا أى جحدوا آيات وهى أحكام الله مصداق لقوله بسورة فصلت"وكانوا بآياتنا يجحدون"ولقاء الآخرة وهو جزاء القيامة فأولئك فى العذاب محضرون والمراد فى النار مبلسون أى معذبون مصداق لقوله بسورة الزخرف"وهم فيه مبلسون".
"فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد فى السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون "المعنى فالطاعة للرب وقت تظلمون ووقت تظهرون وله الحكم فى السموات والأرض وليلا ووقت تصبحون،يبين الله أن سبحان والمراد التسبيح وهو طاعة حكم الله يكون حين تمسون وفسره بأنه عشيا والمراد وقت تظلمون أى ليلا وحين تصبحون وفسره بأنه حين تظهرون أى وقت النهار وهى وقت تنارون بنور الشمس وهذا يعنى وجوب طاعته ليلا ونهارا وله الحمد وهو الطاعة لأمره فى السموات والأرض مصداق لقوله بنفس السورة "لله الأمر من قبل ومن بعد".
"يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون"المعنى يفصل الباقى عن الفانى ويفصل الفانى عن الباقى ويبعث الأرض بعد جدبها وهكذا تحيون ،يبين الله أنه يخرج الحى من الميت والمراد يبعد الباقى عن المنتقل لعالم الغيب ويخرج الميت من الحى أى ويبعد الموجود فى عالم الغيب عن الموجود فى عالم الظاهر وهذا يعنى وجود فاصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى بحيث لا يتصلون ببعضهم وهو يحى الأرض بعد موتها أى يعيد الخصب للتراب بعد جدبه عن طريق الماء وكذلك تخرجون أى"كذلك يحى الله الموتى"كما قال بسورة البقرة والمراد عن طريق الماء يبعث الله الموتى للحياة مرة أخرى والخطاب وما قبله للنبى(ص) ومنه للناس
"ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "المعنى ومن علاماته أن أنشأكم من تراب ثم إذا أنتم أناس تخرجون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى البراهين الدالة على وجوب عبادته وحده أنه خلق الناس من تراب أى طين مصداق لقوله بسورة الأنعام"هو الذى خلقكم من طين "فإذا أنتم بشر تنتشرون والمراد فإذا أنتم ناس تخرجون للحياة والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون "المعنى ومن براهينه أن أبدع لكم من ذواتكم زوجات لترتاحوا معها وخلق بينكم حبا أى نفعا إن فى الخلق لبراهين لناس ينظرون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه على وجوب عبادته وحده أنه خلق من أنفس الناس أزواجا والمراد أنشأ للناس من بعضهم زوجات أى إناث والسبب فى خلقهن أن يسكنوا إليها أى يستريحوا معهن وجعل بين الرجال والنساء مودة أى حب وفسره الله بأنه رحمة أى تبادل للمنافع بالرضا والعفو وفى ذلك وهو خلق النساء من الرجال آيات أى براهين دالة على قدرته ومن ثم على وجوب عبادته وحده لقوم يتفكرون أى "لقوم يسمعون "كما قال بنفس السورة والمراد لناس ينظروا فى الأمر فيعلموا الحق .
"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين "المعنى ومن براهينه إبداع السموات والأرض وتعدد ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لبراهين للعلماء ،يبين الله للناس أن من آياته وهى علاماته الدالة على قدرته خلق وهو إنشاء السموات والأرض واختلاف وهو تعدد ألسنتكم وهى لغات الناس وألوانهم وهى طلاءات جلودهم الإلهية وفى خلق الكون وتعدد ألسنة الناس وألوانهم آيات أى براهين للعالمين وهم العارفين أى أصحاب النهى وهى العقول مصداق لقوله بسورة طه"إن فى ذلك لآيات لأولى النهى ".
"ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن فى ذلك لآيات لقوم يسمعون "المعنى ومن براهينه رقودكم بالليل والنهار وطلبكم من رزقه إن فى ذلك لبراهين لناس يفهمون ،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته منامهم وهو سباتهم أى راحتهم فى الليل والنهار وابتغاؤهم من فضله والمراد وسعيهم وراء رزق الله وذلك وهو النوم وابتغاء الفضل هو من آيات أى براهين الله الدالة على قدرته ومن ثم وجوب طاعته وحده لقوم يسمعون أى لناس يعقلون مصداق لقوله بنفس السورة"لقوم يعقلون"والخطاب وما بعده وما بعده للناس
"ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحى به الأرض بعد موتها إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون "المعنى ومن براهينه يشهدكم النار رعبا وحبا ويسقط من السحاب مطرا فيبعث به الأرض بعد جدبها إن فى ذلك لبراهين لناس يفهمون،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته :أنه يريهم البرق خوفا وطمعا والمراد أنه يشهدهم النار المتولدة من احتكاك طبقات السحب أو السحب إرهابا لهم من عذابه وترغيبا لهم فيما بعد النار من الماء النافع لهم ومنها أنه ينزل من السماء ماء والمراد أنه يسقط من السحاب مطر فيحى به الأرض بعد موتها والمراد فيبعث به الأرض بعد جدبها وهذا يعنى أنه يعيد لها الخصوبة التى تجعلها تنبت النباتات وفى ذلك وهو البرق ونزول المطر آيات لقوم يعقلون والمراد براهين لناس يؤمنون مصداق لقوله بسورة الروم"لقوم يؤمنون".
"ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون "المعنى ومن براهينه أن تعمل السماء والأرض بحكمه ثم إذا ناداكم نداء فى الأرض إذا أنتم تبعثون،يبين الله للناس أن من آياته وهى براهينه الدالة على قدرته أن تقوم بأمره والمراد أن تعمل بحكمه السماء والأرض وهذا هو ما سماه الله تسليم الخلق لحكمه مصداق لقوله بسورة آل عمران"وله أسلم من فى السموات والأرض"ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون والمراد ثم إذا ناداكم زجرة أى نداء من الأرض إذا أنتم تنظرون أى تبعثون للحياة مرة أخرى مصداق لقوله بسورة الصافات"فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم ينظرون "وهذا يعنى أن البوق ينفخ فيه فيبعثون .
"وله من فى السموات والأرض كل له قانتون"المعنى وله ملك من فى السموات والأرض كل له عابدون ،يبين الله للناس أن له أى يملك كل من فى السموات والأرض فالكل له قانتون أى مطيعون لحكمه أى عابدون مصداق لقوله بسورة البقرة "ونحن له عابدون" والخطاب وما بعده للناس
"وهو الذى يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم " المعنى وهو الذى يبدع الشىء ثم يبعثه وهو أسهل عليه وله الحكم الأعظم فى السموات والأرض وهو الناصر القاضى بالحق ،يبين الله للناس أنه هو الذى يبدأ الخلق والمراد أنه هو الذى يخلق الشىء أول مرة وبعد موته يعيده أى يبعثه مرة ثانية للحياة وهو أهون عليه والمراد وهو أيسر عليه مصداق لقوله بسورة العنكبوت"إن ذلك على الله يسيرا"ولله المثل الأعلى والمراد ولله الحكم الحسن فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"والله هو العزيز أى الناصر لمن ينصره الحكيم أى القاضى بالحق.
"ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فى ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون "المعنى قال لكم قولا فى أنفسكم هل لكم من الذى تصرفت أنفسكم فيهم من مقاسمين لكم فيما أعطيناكم فأنتم فيه شركاء تخشونهم كخشيتكم بعضكم هكذا نبين الأحكام لقوم يفهمون ،يبين الله للناس أنه ضرب لهم مثلا من أنفسهم والمراد قال لهم سؤالا فى أنفسهم هو هل من ما ملكت أيمانكم أى الذى تحكمت أنفسكم فيهم وهم العبيد والإماء من شركاء أى مقاسمين لكم فيما رزقناكم أى أعطيناكم فأنتم فيه سواء أى متساوون أى شركاء؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن العبيد والإماء وهم ملك اليمين شركاء لهم فى رزق الله وهذا يعنى أن الرزق الموجود فى الأرض يقسم على الناس بالتساوى وليس كما هو الحال من وجود أغنياء وفقراء والناس يخافونهم أى يخشون من أذى العبيد والإماء كخيفتهم أنفسهم والمراد كخشيتهم لأذى بعضهم البعض وهم يخشون العبيد والإماء بسبب معرفتهم أنهم يبخسونهم حقهم الذى فرضه الله لهم وهو تقاسم الرزق معهم بالتساوى ويبين أنه بتلك الطريقة يفصل الآيات والمراد يبين الأحكام لقوم يعقلون أى لناس يفكرون فيطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة البقرة "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون "والخطاب وما قبله للناس
"بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين "المعنى لقد أطاع الذين كفروا شهواتهم بغير علم فمن يرحم من عذب الرب أى مالهم من منقذين،يبين الله أن الذين ظلموا أى كفروا بأحكام الله اتبعوا أهواءهم والمراد أطاعوا ظنونهم مصداق لقوله بسورة النجم"إن يتبعون إلا الظن"وهى شهواتهم بغير علم والمراد بغير هدى أى وحى يبيح لهم طاعة الأهواء من الله مصداق لقوله بسورة القصص"ممن اتبع هواه بغير هدى من الله "ويسأل الله فمن يهدى من أضل الله والمراد فمن ينقذ من عاقب الرب؟والغرض من السؤال هو ما قاله بعده ما لهم من ناصرين أى منقذين أى أولياء ينصرونهم من عقاب الله مصداق لقوله بسورة هود"وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون "والخطاب للناس
"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"المعنى فأسلم نفسك للإسلام مصدقا دين الرب الذى خلق الناس عليه ،لا تغيير لدين الرب ،الإسلام الحكم العدل ولكن معظم الخلق لا يفقهون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقيم وجهه للدين حنيفا والمراد أن يسلم نفسه للإسلام مصدقا به مصداق لقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه إلى الله"والمراد أن يطيع حكم الإسلام وهو مصدق به ،ويبين له أن الإسلام هو فطرة أى دين الله أى "صبغة الله"كما قال بسورة البقرة وهى التى فطر الناس عليها والمراد وهو الدين الذى كلف الخلق به منذ أولهم آدم(ص)،ويبين له أن لا تبديل لخلق الله والمراد لا تغيير لدين وهو كلمات الله مصداق لقوله بسورة يونس"لا تبديل لكلمات الله "والإسلام هو الدين القيم وهو الحكم العدل ولكن أكثر الناس لا يعلمون والمراد ولكن معظم الخلق لا يطيعون الإسلام أى لا يشكرون الله مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"والخطاب للنبى(ص)
"منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون "المعنى مطيعين لحكمه أى اتبعوا حكمه أى أطيعوا الدين أى لا تصبحوا من الكافرين من الذين قسموا حكمهم وكانوا فرقا كل فريق بالذى عنده متمسك،يبين الله للمؤمنين أنهم يجب أن يكونوا منيبين إليه أى متبعين لحكمه أى "مخلصين له الدين "كما قال بسورة غافر وفسر هذا بقوله اتقوه أى أطيعوا دينه وفسر هذا بقوله أقيموا الصلاة أى اتبعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسر هذا بألا يكونوا من المشركين أى ألا يصبحوا من الكافرين من الذين فرقوا دينهم أى قطعوا أمرهم وهو حكمهم قطعا والمراد كل فريق له تفسير للحكم وكانوا شيعا أى فرقا كل حزب بما لديهم فرحون والمراد كل فريق بالذى عندهم من العلم مستمسكون مصداق لقوله بسورة المؤمنون"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا "وقوله بسورة غافر"فرحوا بما عندهم من العلم "والخطاب للمؤمنين ومحذوف أوله