قراءة فى كتاب المنفعة في القرض دراسة تأصيلية تطبيقية
المؤلف عبد الله بن محمد العمراني وفد استهل الكتاب بتعريف القرض والمنفعة فقال :
"تعريف القرض في اللغة:
أصل القرض في اللغة: القطع ومعاني القرض في اللغة تدور على القطع، والمجازاة، والترك
تعريف القرض في الاصطلاح: عرف الفقهاء القرض بتعريفات متقاربة تدل على أنه: «دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله»
• القرض مندوب إليه في حق المقرض، وهو من القرب التي حث عليها الإسلام، والأصل فيه أنه من عقود التبرعات التي يراد بها الإرفاق والإحسان إلى المقترض
تعريف المنفعة:
المنفعة هي قابلية الشيء على إشباع رغبة بشرية"
وبعد ذلك تحدث عن أنواع المنافع فى القرض فقال :
"أنواع المنافع في القرض وأحكامها:
المنافع في القرض نوعان:
النوع الأول: المنافع المشروطة في القرض وأحكامها:
أولاً: الزيادة في بدل القرض:
الواجب في القرض رد البدل المساوي في الصفة والقدر فقد اتفق العلماء على تحريم اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض، وأن هذه الزيادة ربا، وسواء كانت الزيادة في الصفة (كأن يشترط على المقترض رد أجود مما أخذ)، أم عيناً (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع هديه من مال آخر) أم منفعة (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع عمل المقترض عند المقرض مده)
ولم يفرقوا في الحكم بين اشتراط الزيادة في بداية العقد أو عند تأجيل الوفاء
وتسمى الزيادة المشروطة في القرض: ربا القرض، وهي من ربا الجاهلية
وقد نقل الإجماع على تحريم الزيادة في بدل القرض للأدلة الآتية:
الدليل الأول: النصوص التي دلت على تحريم الربا، ومنها:
1- قوله تعالى: (وحرم الربا…)
2- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله" وفي لفظ: "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون"
4- قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا ربا إلا في النسيئة"
وقوله صلى الله عليه وسلم : "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد"
ووجه الاستدلال منها:
أن صورة القرض في الحقيقة هي صورة ربا النسيئة، لكن لما كان مبنى القرض التبرع ومبنى البيع المعاوضة غاير الشارع بينهما في الحكم، فإذا اشترطت الزيادة في القرض خرج عن موضوعه وهو التبرع والإرفاق إلى المعاوضة فجرى فيه ما يجري فيها، فيشمله النهي في تلك النصوص وتتقيد بما يتقيد به البيع فيها وهو أن يكون "مثلاً بمثل، ويداً بيد"
الدليل الثاني:
حديث: "كل قرض جر منفعة فهو ربا"
وهذا الحديث روي مرفوعاً بإسناد ضعيف جداً، وموقوفاً بإسناد ضعيف، ولكن معناه صحيح إذا كان القرض مشروطاً فيه نفع للمقرض فقط أو ما كان في حكم المشروط، وقد تلقى كثير من العلماء هذا الحديث بالقبول، وعضده أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول والآثار عن الصحابة والتابعين الدالة على تحريم كل قرض جر منفعة
ثانياً: اشتراط الوفاء في غير بلد القرض
محل الخلاف في مسألة اشتراط الوفاء في غير بلد القرض هو في المنفعة الإضافية إذا كان الاشتراط لمنفعة المقترض والمقرض معاً، والراجح الجواز، سواء انتفع المقرض أو لا ما دام القصد الإرفاق بالمقترض وذلك لما يأتي:
1- أن ذلك هو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم
2- أن اشتراط الوفاء في غير بلد القرض مصلحة للمقرض والمقترض جميعاً من غير ضرر بواحد منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، وإنما ينهى عما يضرهم، وهذه المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان عليها فهي من جنس التعاون والمشاركة
3- أن الأصل في المعاملات الإباحة، واشتراط الوفاء في غير بلد القرض ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص على تحريمه حتى يقاس عليه، فوجب إبقاؤه على الإباحة
ثالثاً: اشتراط الأجل في القرض
اتفق العلماء على جواز التأخير في وفاء القرض من غير شرط، واختلفوا في حكم الأجل المشروط في القرض، وذلك حينما يتفق المقرض والمقترض عند الاقتراض على موعد لوفاء القرض، هل يلزم هذا الأجل، بحيث يلزم المقرض به فلا يطالب المقترض بالبدل قبل مضي الأجل المشروط أم لا؟ على قولين:
والراجح أنّ اشتراط الأجل في القرض جائز، ويتأجل القرض بالتأجيل فليس للمقرض المطالبة بالقرض قبل الأجل، بل يلزمه الانتظار حتى يحين الوقت الذي اتفق على تسليم القرض فيه؛وذلك للأدلة على مشروعية الأجل، ووجوب الوفاء بالشروط والعقود،ولتحقيق المقصود من القرض،ولدفع الضرر
رابعاً: اشتراط الجعل على الاقتراض بالجاه
صورة هذه المسألة:
أن يقترض شخص مالاً لغيره لا لنفسه، فلا يخلو:
1- أن لا يشترط المقترض أخذ جعل ثمناً لجاهه، وأن لا يلتزم بذلك المستفيد من القرض، فهذا جائز، بل مندوب إليه؛ لما فيه من الإعانة لأخيه، وتفريج كربته
2- أن يشترط المقترض الجعل، بأن يقول: يا فلان اقترض لي مائة ولك عليّ عشرة، أو يلتزم به المستفيد بدون شرط، ففيه خلاف على ثلاثة أقوال: الأول: يجوز، والثاني: يحرم، والثالث: التفصيل: بأنه إن كان الأخذ لمجرد بذل الجاه والشفاعة حرم، وإن كان الأخذ لما يتكبده ذو الجاه من سفر ونفقة لتحصيل القرض جاز، لكن يشترط أن يكون الأخذ بقدر ما بذله من النفقة
والقول الثالث هو الراجح لحديث أبي أمامة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا"(فإذا كان قبول الهدية غير المشروطة رباً فكيف إذا اشترط الجعل!
وبالتأمل يتبين أن التحريم لا علاقة له بعقد القرض، وإنما حصل لمعنى خارج عن عقد القرض، وهو أخذ الجعل على الشفاعة والجاه"
وهذا معناه أن القرض من طرف لطرف أخر من طرف ثالث مع اشتراط زيادة هو ربا فأى قرض يزيد على رأس المال هو ربا كما قال تعالى :
" لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
وتحدث العمرانى عن المنافع غير المشروطة فقال :
النوع الثاني: المنافع غير المشروطة في القرض وأحكامها:
وهي قسمان:
القسم الأول: المنافع المادية:
أ- المنافع المادية غير المشروطة عند الوفاء:
اتفق العلماء على تحريم الزيادة – في القدر أو الصفة – المشروطة في بدل القرض للمقرض، واختلفوا في حكمها إذا لم تكن مشروطة على أقوال، الراجح منها الجواز إذا كانت الزيادة على سبيل البر والمعروف، بل يستحب للمقترض ذلك، وهذا قول جماهير أهل العلم، سواء أعرف المقترض عند الناس بحسن القضاء أم لا، لما يأتي:
الدليل الأول: عن أبي رافع - رضي الله عنه - أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: «أعطه إياه إنّ خيار الناس أحسنهم قضاءً»
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: استقرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً فوقه وقال: «خياركم محاسنكم قضاءً»
الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللّه - رضي اللّه عنهما- قال: «كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد فقال لي صل ركعتين»
الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتى رجل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسأله، فاستسلف له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شطر وسق فأعطاه إياه فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه وسقاً، وقال نصف لك قضاء، ونصف لك نائل من عندي» وقد كان النبي معروفاً بحسن القضاء ومع ذلك لم يكن إقراضه محرماً ولا مكروهاً"
والزيادة هنا من باب الهدية وليس من باب الربا لأن المقرض لم يطلبها وإنما بها المفترض من عند نفسه برضاه والروايات السابقة أولها باطل لأن سداد الدين ليس من مال النبى(ص) الخاص وإنما من مال الدولة وهو إبل الصدقة وهو كلام للم يحدث وهو يتعارض مع عدم إباحة الصدقة له ولهم كما يقول حديث أخر وهو لا تحل الصدقة لنا فإنما هى أوساخ الناس" وهى الأخرى رواية لم تحدث
والحديث الثانى باطل لأن خيار المسلمين هم المجاهدين كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال :
"ب- المنافع المادية غير المشروطة قبل الوفاء
إذا بذل المقترض للمقرض منفعة غير مشروطة أثناء مدة القرض -قبل الوفاء-، مثل: الهدية للمقرض -وهي أكثر ما يمثل به الفقهاء-، ومثل الاستضافة، وركوب الدابة، والمساعدة على عمل من الأعمال، ونحو ذلك من المنافع التي قد يبذلها المقترض قبل الوفاء، فقد اختلف الفقهاء في حكمها إذا كانت من غير شرط، على قولين ، والراجح المنع إن كانت تلك المنافع من أجل القرض أوفي مقابله، أي من أجل أن يؤخر المقرض استيفاء القرض، أو يقرضه مرة ثانية ونحو ذلك، أو كانت عوضاً عن الانتفاع بالقرض؛ لئلا تتخذ ذريعة إلى تأخير السداد من أجل هذه المنافع فتكون ربا، حيث يعود للمقرض ماله وزيادة هذا النفع الذي حصل عليه بسبب القرض
أما إن كانت تلك المنافع ليست من أجل القرض، مثل ما إذا كانت العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض، أو حدث سبب موجب لهذه المنافع بعد القرض كالجوار و نحوه فإنه يجوز ويدل على ذلك:
حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك »كما أنه المنقول عن الصحابة "
بالقطع أى منفعة مقبولة طالما كانت برضا لقوله تعالى :
" وتعاونوا على البر والتقوى"
وتحدث عن المنافع المعنوية فقال :
"القسم الثاني: المنافع المعنوية غير المشروطة في القرض
أ- شكر المقترض للمقرض ودعاؤه له
هذه المنفعة التي تحصل للمقرض جائزة، بل يندب إليها في حق المقترض؛ لأنه من باب مقابلة المعروف بالمعروف، ومن باب مقابلة الإحسان بالإحسان فيشكره المقترض ويدعو له، ويدل على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول: عن عبداللّه بن أبي ربيعة - رضي الله عنه - قال: استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً، فجاءه مال فدفعه إليّ وقال: «بارك اللّه لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد والأداء »
الدليل الثاني: عن عبداللّه بن عمر – رضي اللّه عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استعاذ باللّه فأعيذوه، ومن سأل باللّه فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه»"
أما الشكر والدعاء فهما واجبان من المسلم للمسلم سواء اقترض أحدهما من الأخر أم لا على حسب ما شرع الله فقد شرع الله مثلا شكر الوالدين فقال :
"أن أشكر لى ولوالديك"
وهو الشكر هنا هو الطاعة فى الخير وليس لفظ شكرا أو متشكرين
ثم قال :
"ب- انتفاع المقرض بضمان ماله عند المقترض وحفظه حتى يسدده:
هذه منفعة أصلية في القرض لا إضافية، وهي من مقتضى عقد القرض وطبيعته لا تنفك عنه، فهي جائزة باتفاق؛ لأنه لا يمكن القول بمنعها وجواز القرض ، وإلى هذا المعنى أشار ابن حزم حيث قال: «ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة، وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله، فيكون مضموناً تلف أو لم يتلف »
جـ- انتفاع المقرض بشفاعة المقترض وجاهه
فإذا أقرض الشخص لا لابتغاء الأجر والثواب والإرفاق بالمقترض، وإنما لتكون له يد عليه بحيث ينتفع من جاهه ومنصبه، أو من جاه ومنصب أقاربه، بشفاعة أو تيسير بعض أمور الدنيا فإن حكم الدين حكم الرشوة؛ لأن القرض بهذا القصد غيرتها، وعلى هذا فالقرض حرام، إلا أن يكون للمقرض حق لا يستطيع أخذه إلا بالقرض، أو ظلم لا يمكن دفعه إلا به جاز للمقرض وحرم على المقترض؛ لأنها بمثابة الرشوة للحصول على غرض ما"
الكلام عن الشفاعة والوجاهة لا وجود له فى المجتمع المسلم فهما الواسطة والمحسوبية التى لا وجود لهما فى مجتمع المسلمين الذى يحكم بشرع الله ففى هذا المجتمع المنظم كل شىء محسوب بحيث يستطيع المسلم الحصول عليه دون أى واسطة أو مناصرة من أحد طالما هو حق له فغن وجدت الواسطة والمحسوبية وهى الشفاعة والوجاهة فقد تحول المجتمع من مسلم لكافر لأن ذلك هو بداية ضياع حقوق الناس وجعلها مرتبطة بغير حكم الله
وتحدث عن ضوابط المنفعة فى القرض فقال :
"ضوابط المنفعة في القرض
بعد ما تقدم من بيان لأحكام المنفعة في القرض فإنه يمكن وضع ضابط للمنفعة المحرمة في القرض، وللمنفعة الجائزة، على النحو الآتي:
ضابط المنفعة المحرمة:
«كل قرض جر منفعةً زائدة متمحضة مشروطة للمقرض على المقترض أو في حكم المشروطة فإن هذه المنفعة رباً»
وعلى هذا فالمحرم من المنافع نوعان:
1- المنفعة الزائدة المتمحضة المشروطة للمقرض على المقترض، أو ما كان في حكم المشروطة
2- المنفعة غير المشروطة التي يبذلها المقترض للمقرض من أجل القرض
وأما ضابط المنفعة الجائزة فهو:
«كل منفعة في القرض متمحضة للمقترض، وكل منفعة مشتركة بين المقترض والمقرض إذا كانت منفعة المقترض أقوى، أو مساوية»
مسألة: حكم قصد منفعة أصلية في القرض أو إضافية:
مثال المنفعة الأصلية: الإقراض بقصد حفظ المال وتضمينه
ومثال المنفعة الإضافية: الإقراض مع اشتراط منفعة زائدة، كاشتراط الوفاء بزيادة على القرض
إن موضوع القرض هو الإرفاق والمعروف، وهذا الأصل فيه، ولكنه ليس شرطاً لجواز القرض، وليس خروجه عن المعروف والإرفاق مناطاً للمنع، فإذا خرج عن المعروف فلا يلزم أن يكون ممنوعاً؛ إذ لا دليل على المنع حينئذ، بل قد جاء ما يدل على الجواز وبذلك يتبين أن هذا الضابط وهو (القرض عقد إرفاق وقربة فمتى خرج عن باب المعروف امتنع) لا يسلم في جميع الصور، وإنما يسلم إذا كانت المنفعة محرمة، وأما إذا كانت جائزة فلا يمنع من القرض لهذا التعليل -والله أعلم-
مسألة: الحيلة في أخذ المنفعة في القرض:
الحيلة لذلك لها عدة صور أهمها:
الصورة الأولى:
البيع بشرط أن البائع متى ما رد الثمن فإن المشتري يعيد إليه المبيع
وذلك مثل: أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه الدار بشرط أن تردها إليّ متى ما رددت إليك الثمن
والراجح تحريمها؛وذلك لأنها حيلة على أخذ المقرض - وهو المشتري صورة- المنفعة في مقابل القرض؛ حيث إن المشتري - وهو المقرض حقيقة- دفع الثمن ثم عاد إليه بعد مدة مع انتفاعه بالمبيع -بإجارته أو سكناه ونحو ذلك إذا كان xxxxاً مثلاً-، مدة بقاء الثمن في يد البائع - وهو المقترض حقيقة- فالمقصود في الحقيقة إنما هو الربا، وتسميته بهذا الاسم لا تخرجه عن حقيقته، وقد تقرر أن اشتراط المنفعة في القرض ربا
الصورة الثانية:
البيع بشرط الخيار حيلة ليربح في قرض وذلك مثل أن يبيعه داراً ونحوها بألف بشرط الخيار، لينتفع المشتري - وهو المقرض حقيقة- بالدار مدة انتفاع البائع -وهو المقترض حقيقة- بالثمن، ثم يرد الدار بالخيار عند رد الثمن، فهذا محرم؛ لأنه توصل بهذا الخيار ليربح في القرض، فحقيقة الأمر: أنه أقرضه الألف بشرط الانتفاع بالدار مدة القرض
الصورة الثالثة:
ومن صور التحايل على أخذ المنفعة في القرض أن يشترط في القرض عقد بيع أو نحوه، حتى يحابيه في الثمن فيأخذ زيادة على قرضه"
المسألة يحكمها قفوله تعالى:
" لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
ومن ثم كل شىء مالى زاد على رأس المال فهو حرام
وتحدث عن تطبيق مصرفى للمنفعة فى القرض وهو الودائع الجارية فقال :
"ثانياً: تطبيق معاصر للمنفعة في القرض
الودائع الجارية
تعريف الودائع الجارية وتكييفها الفقهي
تعريف الودائع الجارية
هي الودائع التي تُكَوِّن الحساب الجاري، بحيث يتملك المصرف المبالغ المودعة، ويمكن لصاحبها سحبها في أي وقت يشاء
ومن الواضح أن عدم وجود قيود على السحب من هذه الودائع يعني تقييداً لحرية البنك في استخدامها بالمقارنة مع غيرها من الودائع
حقيقة الودائع الجارية (تكييفها الفقهي):
اختلف الباحثون المعاصرون في حقيقة الودائع الجارية على أقوال أبرزها قولان الأول: أنها ودائع، والثاني: أنها قروض، وهو الراجح، حيث ذكر أصحاب هذا القول أن العبرة في العقود بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني، والمتأمل للعلاقة بين المصرف والمودع يظهر له أن العلاقة بينهما إنما هي قرض لا وديعة ويدل لذلك ما يأتي:
الدليل الأول: أن المصرف يمتلك الودائع الحالة ويكون له الحق في التصرف فيها، ويلتزم برد مبلغ مماثل عند الطلب، وهذا معنى القرض الذي هو دفع مال لمن ينتفع به -أي يستخدمه ويستهلكه في أغراضه- ويرد بدله، وهذا بخلاف الوديعة في الاصطلاح الفقهي التي هي المال الذي يوضع عند إنسان لأجل الحفظ، بحيث لا يستخدمها ويردها بعينها إلى صاحبها
الدليل الثاني: أن المصرف يلتزم برد مبلغ مماثل عند طلب الوديعة الجارية، ويكون ضامناً لها إذا تلفت سواء أكان بتفريط منه أو تعد أم لا وهذا مقتضى عقد القرض، بخلاف الوديعة في الاصطلاح الفقهي حيث تكون الوديعة أمانة عند المودع، فإن تلفت بتعدٍ منه أو تفريط ضمن، وإلا لم يضمن
1- منافع المصرف من الودائع الجارية:
أ- استثمار ودائع الحساب الجاري:
وهذا جائز متى كان الاستثمار نفسه جائزاً؛ لأن الاستثمار منفعة للمقترض أصلية في القرض لا تنفك عنه؛ إذ إن المقصود من الاقتراض هو استهلاكه والانتفاع به وبالتالي يحل للمصرف العائد المترتب على استثمار هذه الأموال، وليس لصاحب الحساب الجاري حق في عوائد الاستثمار؛ بل إن منح المصرف أي عائد لأصحاب الحسابات الجارية عوضاً عن أموالهم يدخل في نطاق المنافع المحرمة في القرض
ب- توليد الائتمان:
تعريف الائتمان:
الائتمان في العرف الاقتصادي هو افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجلاً للوفاء بدَيْنه
إن قدرة المصرف على توليد الائتمان بدرجة أكبر من كمية الودائع ناتج عن وظيفته كوسيط بين المدخرين والمستثمرين، وبما يصدره من وسائل الدفع النقدية الحديثة وتوليد الائتمان من حيث الأصل جائز شرعاً إذا وجد السبب الشرعي للدائنية وهو الإقراض الذي يتوفر فيه قبض المبلغ لكن الحكم يختلف حسب نوع الاستثمار الذي يقوم به المصرف، وحسب الآثار المترتبة على ذلك، فإذا كان المصرف يقوم باقتراض الأموال -المودعة عنده- ويقوم بإقراض أغلبها بفوائد، إضافة إلى إقراض الأموال الناتجة عن قدرة المصرف على توليد الائتمان، فهذا العمل يترتب عليه مفاسد عظيمة متمثلة في وجود التضخم وزيادة الأسعار، نتيجة لميل المصارف إلى الإسراف في توليد الائتمان سعياً وراء تحقيق الربح في ظل تكلفة تكاد تكون معدومة ولاشك أن هذا الفعل محرم لوجود الإقراض بالربا، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد
وإذا لم يوجد الإقراض بفائدة ولكن وجد الإسراف في توليد الائتمان فإنه يترتب على ذلك مفاسد، فتحتاج المسالة إلى موازنة في تلك الحالة
جـ- الأجور على الخدمات
إن تقاضي المصرف أجراً -في الحساب الجاري ـ على الخدمات التي يقدمها جائز شرعاً؛ لأنه يستحق هذا الأجر مقابل الأعمال التي يقوم بها ويقدمها للمودع (المقرض)
فإن من الواضح أن هناك منفعة مقصودة بالنسبة للمودع (المقرض) متمثلة في رغبته في فتح حساب جارٍ يمكنه من تسهيل معاملاته بشكل يريحه من أعباء حمل النقود وتداولها كما أن هناك عملاً يقوم به المصرف؛ حيث إن المصارف وهي في سبيل تقديم الخدمات والتسهيلات لعملائها تستأجر الأبنية التي تلزم لمباشرة أعمالها، وتدفع أجوراً للموظفين، وتقوم بإعداد السجلات والملفات، وتقوم بإصدار دفاتر الشيكات، وبطاقات الصراف الآلي، وهي تتكلف في سبيل ذلك نفقات ومن المتقرر أنه إذا وجدت المنفعة المعتبرة من جانب، والعمل المؤدى من الجانب الآخر فإن الأجر يكون له سبب شرعي خاصة وأن هذا الأجر في جانب المقترض، حيث إن المصرف في مثل هذه الحالات باعتباره مودعاً لديه يكون مقترضاً لا مقرضاً وإذا كان كذلك فليس هناك مجال للشبهة في اختلاط الأجر بالربا؛ لأن الربا هو الزيادة التي يتقاضاها المقرض من المقترض
2- التسهيلات
هناك منافع وتسهيلات تتحقق لصاحب الحساب الجاري أهمها ما يأتي :
أ- دفتر الشيكات و بطاقة الصراف الآلي
مر في المسألة السابقة جواز تقاضي المصرف أجراً على الخدمات التي يقدمها لصاحب الحساب الجاري مثل إصدار دفتر شيكات وبطاقة الصراف الآلي، وعلى ذلك فإنه يجوز انتفاع صاحب الحساب الجاري بذلك مقابل ذلك الأجر ولكن ما الحكم في انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقات الصراف الآلي دون مقابل؟
يتضح أنه لا يوجد في هذه المعاملة اشتراط التبرع بقيمة هذه الخدمة للعملاء، مما يعني أنه لا يوجد اشتراط زيادة في بدل القرض للمقرض
ولكن هناك منفعة يحصل عليها المقرض ـ صاحب الحساب الجاري ـ وهي الحصول على خدمة إصدار دفتر شيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل قبل وفاء القرض من غير شرط، ولم يكن ذلك عن عادة جارية بين الطرفين قبل القرض، وإنما كان ذلك بسبب القرض الذي بينهما
اختلف الباحثون في هذه المسألة على قولين ـ فيما وقفت عليه ـ : والراجح هو جواز انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل
الدليل الأول:
أن المنفعة الإضافية في هذه المسألة مشتركة للطرفين ـ المقرض والمقترض ـ فكلاهما منتفع فتتقابل المنفعتان،بل إن المنفعة التي تعود على العميل من جراء استخدام دفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي منفعة تابعة وليست أساسية، حيث إن المصرف وضع هذا النظام لخدمة مصالحه وأغراضه المتعددة، فمنفعة المصرف من هذا النظام منفعة أساسية، وأما تحقق منفعة العميل من هذا النظام فهي نتيجة من نتائج استخدام المصرف هذا النظام لتحقيق مصالحه وأغراضه
الدليل الثاني:
أن هذه المنفعة ليست منفصلة عن القرض، بل هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي اقترضها، حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك
ب- الأسعار المميزة لبعض الخدمات
مثل بيع العملات على صاحب الحساب الجاري بسعر منخفض عن غيره من العملاء: فحكمها أنه إذا لم يكن للمصرف منفعة - في بذله هذه الخدمات أو تنازله عن بعض قيمتها- سوى القرض، فهي منفعة محرمة؛ لأنها منفعة للمقرض - صاحب الحساب الجاري- ولا يقابلها عوض سوى القرض وهي وإن لم تكن مشروطة إلا أنها قبل الوفاء بسبب القرض
جـ- القروض التي يحصل عليها العميل إن إقراض المصرف غيرَه مقابل فوائد ربا محرم، سواء أكانت الفوائد مقابل القرض أم مقابل تأجيله، وسواء كان القرض مباشراً، أم كان بمنح سقف ائتماني؛ لأن هذه الفوائد زيادة متمحضة للمقرض، مشروطة أو في حكم المشروطة، فتكون ربا
وأما إذا كان المصرف يقرض بدون فوائد، فينظر: فإن كان المصرف يشترط أن يفتح المقترض حساباً عنده، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه إقراض بشرط الإقراض، فيدخل في مسألة أسلفني وأسلفك، وهي محرمة
وأما إن كان المصرف لا يشترط ذلك، وكان القرض دون مقابل فإن ذلك جائز
د- تنظيم حسابات العميل وضبطها
إن هذه المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري جاءت تبعاً لمنفعة المصرف من تنظيم حساباته، لضبطها وعدم تفويت حقوقه وحقوق الناس، ولذلك فإنه يجوز له الانتفاع بهذه الخدمة دون مقابل
هـ- شهادة المصرف بملاءة العميل:
إن شهادة المصرف بملاءة صاحب الحساب الجاري وجدت بسبب طلب هذه الشهادة منه، بصفته الجهة المعتمدة -في غالب الأحوال- كمصدر لهذه المعلومات، وهو الذي يستطيع تحديد ذلك وانتفاع صاحب الحساب الجاري بهذه الشهادة حسب الحقيقة انتفاع جائز وليس من المنفعة المحرمة في القرض
3- تكلفة القرض الفعلية
إنه يجب على المقترض وفاء القرض في المكان الذي اقترض منه،ولكن إذا كان المقرض سيتحمل تكلفة إيصال القرض له (كما في السحب النقدي ببطاقة الائتمان) فهل يجوز له أن يأخذ عوضاً عنها بقدر ما يعادل التكلفة الفعلية، أو على أنها خدمة(إجارة) يستحق عليها أجراً يتراضى عليه الطرفان
والذي يظهر أنه يجوز للمقرض أن يأخذ ما يعادل التكلفة الفعلية فقط، ولايجوز له أخذ زيادة عليها؛لأنها تكون عوضا عن القرض حينئذ
ولكن تنشأ إشكالات عند التطبيق (ما الذي يدخل في التكلفة الفعلية،وهل يحمل على العميل أو مجموع العملاء،وهل تحسب التكلفة التأسسيسية أو الدورية فقط)
وأما إذا قيل إن إيصال القرض خدمة مستقلة تستحق أجراً يتراضى عليه الطرفان دون اعتبار للتكلفة الفعلية، فإن هذا جمع بين القرض والإجارة وهذا لايجوز لأن الغالب أن يكون هناك محابة في الأجرة لأجل القرض،وفي الحديث:
(لا يحل سلف وبيع)، والإجارة عقد معاوضة كالبيع
4- الجوائز على القروض
الجوائز والهدايا إذا كان سببها هو القرض، بحيث إن من يقرض البنك مثلاً يعطى من هذه الجوائز والهدايا، فقد تقدم أن الهدية للمقرض قبل الوفاء إذا كانت بسبب القرض فإنها محرمة"
الحساب الجارى هو حساب طبقا لكلام المؤلف هو مال موضوع فى المصرف صاحبه حر التصرف فيه وكذلك المصرف حر التصرف فيه وصاحبه لا يتقاضى عنه مال زائد على ماله الأصلى
وبالقطع هو من جهة صاحب المال ليس فيه حرمة عليه ولكن من جهة المصرف محرم عليه التصرف فى مال الغير بدون إذنه والمصرف قد يقرض الناس منه بفائدة أو غير هذا ومن ثم الحرمة فى هذا الحساب هو :
تصرف المصرف فى مال الغير بدون إذنه وهو رضاه
حصول المصرف على منافع متعددة من هذا المال
المؤلف عبد الله بن محمد العمراني وفد استهل الكتاب بتعريف القرض والمنفعة فقال :
"تعريف القرض في اللغة:
أصل القرض في اللغة: القطع ومعاني القرض في اللغة تدور على القطع، والمجازاة، والترك
تعريف القرض في الاصطلاح: عرف الفقهاء القرض بتعريفات متقاربة تدل على أنه: «دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله»
• القرض مندوب إليه في حق المقرض، وهو من القرب التي حث عليها الإسلام، والأصل فيه أنه من عقود التبرعات التي يراد بها الإرفاق والإحسان إلى المقترض
تعريف المنفعة:
المنفعة هي قابلية الشيء على إشباع رغبة بشرية"
وبعد ذلك تحدث عن أنواع المنافع فى القرض فقال :
"أنواع المنافع في القرض وأحكامها:
المنافع في القرض نوعان:
النوع الأول: المنافع المشروطة في القرض وأحكامها:
أولاً: الزيادة في بدل القرض:
الواجب في القرض رد البدل المساوي في الصفة والقدر فقد اتفق العلماء على تحريم اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض، وأن هذه الزيادة ربا، وسواء كانت الزيادة في الصفة (كأن يشترط على المقترض رد أجود مما أخذ)، أم عيناً (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع هديه من مال آخر) أم منفعة (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع عمل المقترض عند المقرض مده)
ولم يفرقوا في الحكم بين اشتراط الزيادة في بداية العقد أو عند تأجيل الوفاء
وتسمى الزيادة المشروطة في القرض: ربا القرض، وهي من ربا الجاهلية
وقد نقل الإجماع على تحريم الزيادة في بدل القرض للأدلة الآتية:
الدليل الأول: النصوص التي دلت على تحريم الربا، ومنها:
1- قوله تعالى: (وحرم الربا…)
2- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله" وفي لفظ: "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون"
4- قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا ربا إلا في النسيئة"
وقوله صلى الله عليه وسلم : "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد"
ووجه الاستدلال منها:
أن صورة القرض في الحقيقة هي صورة ربا النسيئة، لكن لما كان مبنى القرض التبرع ومبنى البيع المعاوضة غاير الشارع بينهما في الحكم، فإذا اشترطت الزيادة في القرض خرج عن موضوعه وهو التبرع والإرفاق إلى المعاوضة فجرى فيه ما يجري فيها، فيشمله النهي في تلك النصوص وتتقيد بما يتقيد به البيع فيها وهو أن يكون "مثلاً بمثل، ويداً بيد"
الدليل الثاني:
حديث: "كل قرض جر منفعة فهو ربا"
وهذا الحديث روي مرفوعاً بإسناد ضعيف جداً، وموقوفاً بإسناد ضعيف، ولكن معناه صحيح إذا كان القرض مشروطاً فيه نفع للمقرض فقط أو ما كان في حكم المشروط، وقد تلقى كثير من العلماء هذا الحديث بالقبول، وعضده أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول والآثار عن الصحابة والتابعين الدالة على تحريم كل قرض جر منفعة
ثانياً: اشتراط الوفاء في غير بلد القرض
محل الخلاف في مسألة اشتراط الوفاء في غير بلد القرض هو في المنفعة الإضافية إذا كان الاشتراط لمنفعة المقترض والمقرض معاً، والراجح الجواز، سواء انتفع المقرض أو لا ما دام القصد الإرفاق بالمقترض وذلك لما يأتي:
1- أن ذلك هو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم
2- أن اشتراط الوفاء في غير بلد القرض مصلحة للمقرض والمقترض جميعاً من غير ضرر بواحد منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، وإنما ينهى عما يضرهم، وهذه المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان عليها فهي من جنس التعاون والمشاركة
3- أن الأصل في المعاملات الإباحة، واشتراط الوفاء في غير بلد القرض ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص على تحريمه حتى يقاس عليه، فوجب إبقاؤه على الإباحة
ثالثاً: اشتراط الأجل في القرض
اتفق العلماء على جواز التأخير في وفاء القرض من غير شرط، واختلفوا في حكم الأجل المشروط في القرض، وذلك حينما يتفق المقرض والمقترض عند الاقتراض على موعد لوفاء القرض، هل يلزم هذا الأجل، بحيث يلزم المقرض به فلا يطالب المقترض بالبدل قبل مضي الأجل المشروط أم لا؟ على قولين:
والراجح أنّ اشتراط الأجل في القرض جائز، ويتأجل القرض بالتأجيل فليس للمقرض المطالبة بالقرض قبل الأجل، بل يلزمه الانتظار حتى يحين الوقت الذي اتفق على تسليم القرض فيه؛وذلك للأدلة على مشروعية الأجل، ووجوب الوفاء بالشروط والعقود،ولتحقيق المقصود من القرض،ولدفع الضرر
رابعاً: اشتراط الجعل على الاقتراض بالجاه
صورة هذه المسألة:
أن يقترض شخص مالاً لغيره لا لنفسه، فلا يخلو:
1- أن لا يشترط المقترض أخذ جعل ثمناً لجاهه، وأن لا يلتزم بذلك المستفيد من القرض، فهذا جائز، بل مندوب إليه؛ لما فيه من الإعانة لأخيه، وتفريج كربته
2- أن يشترط المقترض الجعل، بأن يقول: يا فلان اقترض لي مائة ولك عليّ عشرة، أو يلتزم به المستفيد بدون شرط، ففيه خلاف على ثلاثة أقوال: الأول: يجوز، والثاني: يحرم، والثالث: التفصيل: بأنه إن كان الأخذ لمجرد بذل الجاه والشفاعة حرم، وإن كان الأخذ لما يتكبده ذو الجاه من سفر ونفقة لتحصيل القرض جاز، لكن يشترط أن يكون الأخذ بقدر ما بذله من النفقة
والقول الثالث هو الراجح لحديث أبي أمامة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا"(فإذا كان قبول الهدية غير المشروطة رباً فكيف إذا اشترط الجعل!
وبالتأمل يتبين أن التحريم لا علاقة له بعقد القرض، وإنما حصل لمعنى خارج عن عقد القرض، وهو أخذ الجعل على الشفاعة والجاه"
وهذا معناه أن القرض من طرف لطرف أخر من طرف ثالث مع اشتراط زيادة هو ربا فأى قرض يزيد على رأس المال هو ربا كما قال تعالى :
" لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
وتحدث العمرانى عن المنافع غير المشروطة فقال :
النوع الثاني: المنافع غير المشروطة في القرض وأحكامها:
وهي قسمان:
القسم الأول: المنافع المادية:
أ- المنافع المادية غير المشروطة عند الوفاء:
اتفق العلماء على تحريم الزيادة – في القدر أو الصفة – المشروطة في بدل القرض للمقرض، واختلفوا في حكمها إذا لم تكن مشروطة على أقوال، الراجح منها الجواز إذا كانت الزيادة على سبيل البر والمعروف، بل يستحب للمقترض ذلك، وهذا قول جماهير أهل العلم، سواء أعرف المقترض عند الناس بحسن القضاء أم لا، لما يأتي:
الدليل الأول: عن أبي رافع - رضي الله عنه - أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: «أعطه إياه إنّ خيار الناس أحسنهم قضاءً»
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: استقرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً فوقه وقال: «خياركم محاسنكم قضاءً»
الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللّه - رضي اللّه عنهما- قال: «كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد فقال لي صل ركعتين»
الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتى رجل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسأله، فاستسلف له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شطر وسق فأعطاه إياه فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه وسقاً، وقال نصف لك قضاء، ونصف لك نائل من عندي» وقد كان النبي معروفاً بحسن القضاء ومع ذلك لم يكن إقراضه محرماً ولا مكروهاً"
والزيادة هنا من باب الهدية وليس من باب الربا لأن المقرض لم يطلبها وإنما بها المفترض من عند نفسه برضاه والروايات السابقة أولها باطل لأن سداد الدين ليس من مال النبى(ص) الخاص وإنما من مال الدولة وهو إبل الصدقة وهو كلام للم يحدث وهو يتعارض مع عدم إباحة الصدقة له ولهم كما يقول حديث أخر وهو لا تحل الصدقة لنا فإنما هى أوساخ الناس" وهى الأخرى رواية لم تحدث
والحديث الثانى باطل لأن خيار المسلمين هم المجاهدين كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال :
"ب- المنافع المادية غير المشروطة قبل الوفاء
إذا بذل المقترض للمقرض منفعة غير مشروطة أثناء مدة القرض -قبل الوفاء-، مثل: الهدية للمقرض -وهي أكثر ما يمثل به الفقهاء-، ومثل الاستضافة، وركوب الدابة، والمساعدة على عمل من الأعمال، ونحو ذلك من المنافع التي قد يبذلها المقترض قبل الوفاء، فقد اختلف الفقهاء في حكمها إذا كانت من غير شرط، على قولين ، والراجح المنع إن كانت تلك المنافع من أجل القرض أوفي مقابله، أي من أجل أن يؤخر المقرض استيفاء القرض، أو يقرضه مرة ثانية ونحو ذلك، أو كانت عوضاً عن الانتفاع بالقرض؛ لئلا تتخذ ذريعة إلى تأخير السداد من أجل هذه المنافع فتكون ربا، حيث يعود للمقرض ماله وزيادة هذا النفع الذي حصل عليه بسبب القرض
أما إن كانت تلك المنافع ليست من أجل القرض، مثل ما إذا كانت العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض، أو حدث سبب موجب لهذه المنافع بعد القرض كالجوار و نحوه فإنه يجوز ويدل على ذلك:
حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك »كما أنه المنقول عن الصحابة "
بالقطع أى منفعة مقبولة طالما كانت برضا لقوله تعالى :
" وتعاونوا على البر والتقوى"
وتحدث عن المنافع المعنوية فقال :
"القسم الثاني: المنافع المعنوية غير المشروطة في القرض
أ- شكر المقترض للمقرض ودعاؤه له
هذه المنفعة التي تحصل للمقرض جائزة، بل يندب إليها في حق المقترض؛ لأنه من باب مقابلة المعروف بالمعروف، ومن باب مقابلة الإحسان بالإحسان فيشكره المقترض ويدعو له، ويدل على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول: عن عبداللّه بن أبي ربيعة - رضي الله عنه - قال: استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً، فجاءه مال فدفعه إليّ وقال: «بارك اللّه لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد والأداء »
الدليل الثاني: عن عبداللّه بن عمر – رضي اللّه عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استعاذ باللّه فأعيذوه، ومن سأل باللّه فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه»"
أما الشكر والدعاء فهما واجبان من المسلم للمسلم سواء اقترض أحدهما من الأخر أم لا على حسب ما شرع الله فقد شرع الله مثلا شكر الوالدين فقال :
"أن أشكر لى ولوالديك"
وهو الشكر هنا هو الطاعة فى الخير وليس لفظ شكرا أو متشكرين
ثم قال :
"ب- انتفاع المقرض بضمان ماله عند المقترض وحفظه حتى يسدده:
هذه منفعة أصلية في القرض لا إضافية، وهي من مقتضى عقد القرض وطبيعته لا تنفك عنه، فهي جائزة باتفاق؛ لأنه لا يمكن القول بمنعها وجواز القرض ، وإلى هذا المعنى أشار ابن حزم حيث قال: «ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة، وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله، فيكون مضموناً تلف أو لم يتلف »
جـ- انتفاع المقرض بشفاعة المقترض وجاهه
فإذا أقرض الشخص لا لابتغاء الأجر والثواب والإرفاق بالمقترض، وإنما لتكون له يد عليه بحيث ينتفع من جاهه ومنصبه، أو من جاه ومنصب أقاربه، بشفاعة أو تيسير بعض أمور الدنيا فإن حكم الدين حكم الرشوة؛ لأن القرض بهذا القصد غيرتها، وعلى هذا فالقرض حرام، إلا أن يكون للمقرض حق لا يستطيع أخذه إلا بالقرض، أو ظلم لا يمكن دفعه إلا به جاز للمقرض وحرم على المقترض؛ لأنها بمثابة الرشوة للحصول على غرض ما"
الكلام عن الشفاعة والوجاهة لا وجود له فى المجتمع المسلم فهما الواسطة والمحسوبية التى لا وجود لهما فى مجتمع المسلمين الذى يحكم بشرع الله ففى هذا المجتمع المنظم كل شىء محسوب بحيث يستطيع المسلم الحصول عليه دون أى واسطة أو مناصرة من أحد طالما هو حق له فغن وجدت الواسطة والمحسوبية وهى الشفاعة والوجاهة فقد تحول المجتمع من مسلم لكافر لأن ذلك هو بداية ضياع حقوق الناس وجعلها مرتبطة بغير حكم الله
وتحدث عن ضوابط المنفعة فى القرض فقال :
"ضوابط المنفعة في القرض
بعد ما تقدم من بيان لأحكام المنفعة في القرض فإنه يمكن وضع ضابط للمنفعة المحرمة في القرض، وللمنفعة الجائزة، على النحو الآتي:
ضابط المنفعة المحرمة:
«كل قرض جر منفعةً زائدة متمحضة مشروطة للمقرض على المقترض أو في حكم المشروطة فإن هذه المنفعة رباً»
وعلى هذا فالمحرم من المنافع نوعان:
1- المنفعة الزائدة المتمحضة المشروطة للمقرض على المقترض، أو ما كان في حكم المشروطة
2- المنفعة غير المشروطة التي يبذلها المقترض للمقرض من أجل القرض
وأما ضابط المنفعة الجائزة فهو:
«كل منفعة في القرض متمحضة للمقترض، وكل منفعة مشتركة بين المقترض والمقرض إذا كانت منفعة المقترض أقوى، أو مساوية»
مسألة: حكم قصد منفعة أصلية في القرض أو إضافية:
مثال المنفعة الأصلية: الإقراض بقصد حفظ المال وتضمينه
ومثال المنفعة الإضافية: الإقراض مع اشتراط منفعة زائدة، كاشتراط الوفاء بزيادة على القرض
إن موضوع القرض هو الإرفاق والمعروف، وهذا الأصل فيه، ولكنه ليس شرطاً لجواز القرض، وليس خروجه عن المعروف والإرفاق مناطاً للمنع، فإذا خرج عن المعروف فلا يلزم أن يكون ممنوعاً؛ إذ لا دليل على المنع حينئذ، بل قد جاء ما يدل على الجواز وبذلك يتبين أن هذا الضابط وهو (القرض عقد إرفاق وقربة فمتى خرج عن باب المعروف امتنع) لا يسلم في جميع الصور، وإنما يسلم إذا كانت المنفعة محرمة، وأما إذا كانت جائزة فلا يمنع من القرض لهذا التعليل -والله أعلم-
مسألة: الحيلة في أخذ المنفعة في القرض:
الحيلة لذلك لها عدة صور أهمها:
الصورة الأولى:
البيع بشرط أن البائع متى ما رد الثمن فإن المشتري يعيد إليه المبيع
وذلك مثل: أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه الدار بشرط أن تردها إليّ متى ما رددت إليك الثمن
والراجح تحريمها؛وذلك لأنها حيلة على أخذ المقرض - وهو المشتري صورة- المنفعة في مقابل القرض؛ حيث إن المشتري - وهو المقرض حقيقة- دفع الثمن ثم عاد إليه بعد مدة مع انتفاعه بالمبيع -بإجارته أو سكناه ونحو ذلك إذا كان xxxxاً مثلاً-، مدة بقاء الثمن في يد البائع - وهو المقترض حقيقة- فالمقصود في الحقيقة إنما هو الربا، وتسميته بهذا الاسم لا تخرجه عن حقيقته، وقد تقرر أن اشتراط المنفعة في القرض ربا
الصورة الثانية:
البيع بشرط الخيار حيلة ليربح في قرض وذلك مثل أن يبيعه داراً ونحوها بألف بشرط الخيار، لينتفع المشتري - وهو المقرض حقيقة- بالدار مدة انتفاع البائع -وهو المقترض حقيقة- بالثمن، ثم يرد الدار بالخيار عند رد الثمن، فهذا محرم؛ لأنه توصل بهذا الخيار ليربح في القرض، فحقيقة الأمر: أنه أقرضه الألف بشرط الانتفاع بالدار مدة القرض
الصورة الثالثة:
ومن صور التحايل على أخذ المنفعة في القرض أن يشترط في القرض عقد بيع أو نحوه، حتى يحابيه في الثمن فيأخذ زيادة على قرضه"
المسألة يحكمها قفوله تعالى:
" لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
ومن ثم كل شىء مالى زاد على رأس المال فهو حرام
وتحدث عن تطبيق مصرفى للمنفعة فى القرض وهو الودائع الجارية فقال :
"ثانياً: تطبيق معاصر للمنفعة في القرض
الودائع الجارية
تعريف الودائع الجارية وتكييفها الفقهي
تعريف الودائع الجارية
هي الودائع التي تُكَوِّن الحساب الجاري، بحيث يتملك المصرف المبالغ المودعة، ويمكن لصاحبها سحبها في أي وقت يشاء
ومن الواضح أن عدم وجود قيود على السحب من هذه الودائع يعني تقييداً لحرية البنك في استخدامها بالمقارنة مع غيرها من الودائع
حقيقة الودائع الجارية (تكييفها الفقهي):
اختلف الباحثون المعاصرون في حقيقة الودائع الجارية على أقوال أبرزها قولان الأول: أنها ودائع، والثاني: أنها قروض، وهو الراجح، حيث ذكر أصحاب هذا القول أن العبرة في العقود بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني، والمتأمل للعلاقة بين المصرف والمودع يظهر له أن العلاقة بينهما إنما هي قرض لا وديعة ويدل لذلك ما يأتي:
الدليل الأول: أن المصرف يمتلك الودائع الحالة ويكون له الحق في التصرف فيها، ويلتزم برد مبلغ مماثل عند الطلب، وهذا معنى القرض الذي هو دفع مال لمن ينتفع به -أي يستخدمه ويستهلكه في أغراضه- ويرد بدله، وهذا بخلاف الوديعة في الاصطلاح الفقهي التي هي المال الذي يوضع عند إنسان لأجل الحفظ، بحيث لا يستخدمها ويردها بعينها إلى صاحبها
الدليل الثاني: أن المصرف يلتزم برد مبلغ مماثل عند طلب الوديعة الجارية، ويكون ضامناً لها إذا تلفت سواء أكان بتفريط منه أو تعد أم لا وهذا مقتضى عقد القرض، بخلاف الوديعة في الاصطلاح الفقهي حيث تكون الوديعة أمانة عند المودع، فإن تلفت بتعدٍ منه أو تفريط ضمن، وإلا لم يضمن
1- منافع المصرف من الودائع الجارية:
أ- استثمار ودائع الحساب الجاري:
وهذا جائز متى كان الاستثمار نفسه جائزاً؛ لأن الاستثمار منفعة للمقترض أصلية في القرض لا تنفك عنه؛ إذ إن المقصود من الاقتراض هو استهلاكه والانتفاع به وبالتالي يحل للمصرف العائد المترتب على استثمار هذه الأموال، وليس لصاحب الحساب الجاري حق في عوائد الاستثمار؛ بل إن منح المصرف أي عائد لأصحاب الحسابات الجارية عوضاً عن أموالهم يدخل في نطاق المنافع المحرمة في القرض
ب- توليد الائتمان:
تعريف الائتمان:
الائتمان في العرف الاقتصادي هو افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجلاً للوفاء بدَيْنه
إن قدرة المصرف على توليد الائتمان بدرجة أكبر من كمية الودائع ناتج عن وظيفته كوسيط بين المدخرين والمستثمرين، وبما يصدره من وسائل الدفع النقدية الحديثة وتوليد الائتمان من حيث الأصل جائز شرعاً إذا وجد السبب الشرعي للدائنية وهو الإقراض الذي يتوفر فيه قبض المبلغ لكن الحكم يختلف حسب نوع الاستثمار الذي يقوم به المصرف، وحسب الآثار المترتبة على ذلك، فإذا كان المصرف يقوم باقتراض الأموال -المودعة عنده- ويقوم بإقراض أغلبها بفوائد، إضافة إلى إقراض الأموال الناتجة عن قدرة المصرف على توليد الائتمان، فهذا العمل يترتب عليه مفاسد عظيمة متمثلة في وجود التضخم وزيادة الأسعار، نتيجة لميل المصارف إلى الإسراف في توليد الائتمان سعياً وراء تحقيق الربح في ظل تكلفة تكاد تكون معدومة ولاشك أن هذا الفعل محرم لوجود الإقراض بالربا، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد
وإذا لم يوجد الإقراض بفائدة ولكن وجد الإسراف في توليد الائتمان فإنه يترتب على ذلك مفاسد، فتحتاج المسالة إلى موازنة في تلك الحالة
جـ- الأجور على الخدمات
إن تقاضي المصرف أجراً -في الحساب الجاري ـ على الخدمات التي يقدمها جائز شرعاً؛ لأنه يستحق هذا الأجر مقابل الأعمال التي يقوم بها ويقدمها للمودع (المقرض)
فإن من الواضح أن هناك منفعة مقصودة بالنسبة للمودع (المقرض) متمثلة في رغبته في فتح حساب جارٍ يمكنه من تسهيل معاملاته بشكل يريحه من أعباء حمل النقود وتداولها كما أن هناك عملاً يقوم به المصرف؛ حيث إن المصارف وهي في سبيل تقديم الخدمات والتسهيلات لعملائها تستأجر الأبنية التي تلزم لمباشرة أعمالها، وتدفع أجوراً للموظفين، وتقوم بإعداد السجلات والملفات، وتقوم بإصدار دفاتر الشيكات، وبطاقات الصراف الآلي، وهي تتكلف في سبيل ذلك نفقات ومن المتقرر أنه إذا وجدت المنفعة المعتبرة من جانب، والعمل المؤدى من الجانب الآخر فإن الأجر يكون له سبب شرعي خاصة وأن هذا الأجر في جانب المقترض، حيث إن المصرف في مثل هذه الحالات باعتباره مودعاً لديه يكون مقترضاً لا مقرضاً وإذا كان كذلك فليس هناك مجال للشبهة في اختلاط الأجر بالربا؛ لأن الربا هو الزيادة التي يتقاضاها المقرض من المقترض
2- التسهيلات
هناك منافع وتسهيلات تتحقق لصاحب الحساب الجاري أهمها ما يأتي :
أ- دفتر الشيكات و بطاقة الصراف الآلي
مر في المسألة السابقة جواز تقاضي المصرف أجراً على الخدمات التي يقدمها لصاحب الحساب الجاري مثل إصدار دفتر شيكات وبطاقة الصراف الآلي، وعلى ذلك فإنه يجوز انتفاع صاحب الحساب الجاري بذلك مقابل ذلك الأجر ولكن ما الحكم في انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقات الصراف الآلي دون مقابل؟
يتضح أنه لا يوجد في هذه المعاملة اشتراط التبرع بقيمة هذه الخدمة للعملاء، مما يعني أنه لا يوجد اشتراط زيادة في بدل القرض للمقرض
ولكن هناك منفعة يحصل عليها المقرض ـ صاحب الحساب الجاري ـ وهي الحصول على خدمة إصدار دفتر شيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل قبل وفاء القرض من غير شرط، ولم يكن ذلك عن عادة جارية بين الطرفين قبل القرض، وإنما كان ذلك بسبب القرض الذي بينهما
اختلف الباحثون في هذه المسألة على قولين ـ فيما وقفت عليه ـ : والراجح هو جواز انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل
الدليل الأول:
أن المنفعة الإضافية في هذه المسألة مشتركة للطرفين ـ المقرض والمقترض ـ فكلاهما منتفع فتتقابل المنفعتان،بل إن المنفعة التي تعود على العميل من جراء استخدام دفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي منفعة تابعة وليست أساسية، حيث إن المصرف وضع هذا النظام لخدمة مصالحه وأغراضه المتعددة، فمنفعة المصرف من هذا النظام منفعة أساسية، وأما تحقق منفعة العميل من هذا النظام فهي نتيجة من نتائج استخدام المصرف هذا النظام لتحقيق مصالحه وأغراضه
الدليل الثاني:
أن هذه المنفعة ليست منفصلة عن القرض، بل هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي اقترضها، حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك
ب- الأسعار المميزة لبعض الخدمات
مثل بيع العملات على صاحب الحساب الجاري بسعر منخفض عن غيره من العملاء: فحكمها أنه إذا لم يكن للمصرف منفعة - في بذله هذه الخدمات أو تنازله عن بعض قيمتها- سوى القرض، فهي منفعة محرمة؛ لأنها منفعة للمقرض - صاحب الحساب الجاري- ولا يقابلها عوض سوى القرض وهي وإن لم تكن مشروطة إلا أنها قبل الوفاء بسبب القرض
جـ- القروض التي يحصل عليها العميل إن إقراض المصرف غيرَه مقابل فوائد ربا محرم، سواء أكانت الفوائد مقابل القرض أم مقابل تأجيله، وسواء كان القرض مباشراً، أم كان بمنح سقف ائتماني؛ لأن هذه الفوائد زيادة متمحضة للمقرض، مشروطة أو في حكم المشروطة، فتكون ربا
وأما إذا كان المصرف يقرض بدون فوائد، فينظر: فإن كان المصرف يشترط أن يفتح المقترض حساباً عنده، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه إقراض بشرط الإقراض، فيدخل في مسألة أسلفني وأسلفك، وهي محرمة
وأما إن كان المصرف لا يشترط ذلك، وكان القرض دون مقابل فإن ذلك جائز
د- تنظيم حسابات العميل وضبطها
إن هذه المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري جاءت تبعاً لمنفعة المصرف من تنظيم حساباته، لضبطها وعدم تفويت حقوقه وحقوق الناس، ولذلك فإنه يجوز له الانتفاع بهذه الخدمة دون مقابل
هـ- شهادة المصرف بملاءة العميل:
إن شهادة المصرف بملاءة صاحب الحساب الجاري وجدت بسبب طلب هذه الشهادة منه، بصفته الجهة المعتمدة -في غالب الأحوال- كمصدر لهذه المعلومات، وهو الذي يستطيع تحديد ذلك وانتفاع صاحب الحساب الجاري بهذه الشهادة حسب الحقيقة انتفاع جائز وليس من المنفعة المحرمة في القرض
3- تكلفة القرض الفعلية
إنه يجب على المقترض وفاء القرض في المكان الذي اقترض منه،ولكن إذا كان المقرض سيتحمل تكلفة إيصال القرض له (كما في السحب النقدي ببطاقة الائتمان) فهل يجوز له أن يأخذ عوضاً عنها بقدر ما يعادل التكلفة الفعلية، أو على أنها خدمة(إجارة) يستحق عليها أجراً يتراضى عليه الطرفان
والذي يظهر أنه يجوز للمقرض أن يأخذ ما يعادل التكلفة الفعلية فقط، ولايجوز له أخذ زيادة عليها؛لأنها تكون عوضا عن القرض حينئذ
ولكن تنشأ إشكالات عند التطبيق (ما الذي يدخل في التكلفة الفعلية،وهل يحمل على العميل أو مجموع العملاء،وهل تحسب التكلفة التأسسيسية أو الدورية فقط)
وأما إذا قيل إن إيصال القرض خدمة مستقلة تستحق أجراً يتراضى عليه الطرفان دون اعتبار للتكلفة الفعلية، فإن هذا جمع بين القرض والإجارة وهذا لايجوز لأن الغالب أن يكون هناك محابة في الأجرة لأجل القرض،وفي الحديث:
(لا يحل سلف وبيع)، والإجارة عقد معاوضة كالبيع
4- الجوائز على القروض
الجوائز والهدايا إذا كان سببها هو القرض، بحيث إن من يقرض البنك مثلاً يعطى من هذه الجوائز والهدايا، فقد تقدم أن الهدية للمقرض قبل الوفاء إذا كانت بسبب القرض فإنها محرمة"
الحساب الجارى هو حساب طبقا لكلام المؤلف هو مال موضوع فى المصرف صاحبه حر التصرف فيه وكذلك المصرف حر التصرف فيه وصاحبه لا يتقاضى عنه مال زائد على ماله الأصلى
وبالقطع هو من جهة صاحب المال ليس فيه حرمة عليه ولكن من جهة المصرف محرم عليه التصرف فى مال الغير بدون إذنه والمصرف قد يقرض الناس منه بفائدة أو غير هذا ومن ثم الحرمة فى هذا الحساب هو :
تصرف المصرف فى مال الغير بدون إذنه وهو رضاه
حصول المصرف على منافع متعددة من هذا المال