"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله أنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى أنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "المعنى فلما أمضى موسى (ص)المدة وسافر بعائلته شاهد من جوار جبل الطور لهبا قال لعائلته ابقوا هنا إنى رأيت لهبا لعلى أجيئكم منها بنبأ أو قطعة من الوقود لعلكم تستدفئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما قضى الأجل والمراد لما أمضى المدة وهى العشر سنوات من كرمه سار بأهله والمراد رحل بعائلته من مدين حتى وصل سيناء قرب جبل الطور فأنس من جانب الطور نارا والمراد فرأى من جوار جبل الطور لهبا مشتعلا فقال لأهله وهم عائلته وهو زوجته وعياله :امكثوا إنى أنست نارا والمراد ابقوا مكانكم هنا إنى رأيت لهبا مشتعلا وهذا يعنى فى ظنه وجود ناس عند النار وقال لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون والمراد لعلى أجيئكم من عندها بنبأ أى هدى أى خبر يسركم من الناس أو قطعة أى قبس من الوقود لعلكم تستدفئون مصداق لقوله تعالى بسورة طه"لعلى أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "وهذا يعنى أنه سيذهب إما لجلب قطعة نار للإستدفاء وإما ليقول لهم خبر سار بالمبيت عند أهل النار كما يعنى أن رب العائلة مسئول عنها فى المهام الصعبة فى السفر مثل الاستطلاع وتقصى حقائق المكان .
"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين "المعنى فلما جاءها أوحى له من ناحية الوادى الأيمن فى الموضع المقدس حول الشجرة أن يا موسى إنى أنا الرب إله الكل ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما وصل عند الشجرة نودى والمراد أوحى له مصداق لقوله تعالى بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "وكان الوحى آتيا من شاطىء الواد الأيمن والمراد من ناحية المكان الأيمن المقدس طوى فى البقعة المباركة من الشجرة والمراد عند المكان المقدس حول الشجرة وهذا يعنى أن وادى طوى كان بين جبلى الطور فسمع موسى (ص)الوحى التالى :أن يا موسى (ص)إنى أنا الله رب العالمين والمراد إنى أنا الرب خالق الكل وهذا هو تعريف المنادى ومن ثم لابد فى بداية الحديث من أن يعرف السامع من هو المتكلم .
"وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "المعنى وأن ارم عصاك فلما شاهدها تتحرك كأنها ثعبان جرى هاربا ولم يرجع يا موسى (ص)عد ولا تخشى إنك من السالمين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص):ألق أى ارم عصاك فرماها على الأرض فتحركت فلما رآها تهتز كأنها جان والمراد فلما شاهدها تتحرك كأنها حية مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ولى مدبرا ولم يعقب والمراد جرى هاربا ولم يرجع وهذا يعنى أنه خاف من أذى الحية فجرى ولم ينظر خلفه فقال له الله يا موسى (ص)أقبل أى عد لمكان العصا إنك من الآمنين والمراد إنك من السالمين وهم المعصومين من الأذى .
"اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى ضع كفك فى فتحة ثوبك تطلع منيرة من غير ظلمة وضع لك كفك من الخوف فتلك آيتان من إلهك إلى فرعون وقومه إنهم كانوا ناسا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال لموسى (ص)اسلك يدك فى جيبك أى "أدخل يدك فى جيبك"كما قال بسورة النمل أى "اضمم يدك إلى جناحك "كما قال بسورة طه والمراد ضع كفك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير سوء والمراد تطلع منيرة من غير ظلمة فى أى جزء منها وقال واضمم إليك جناحك من الرهب والمراد وضع كفك فى ثوبك من الخوف والمراد إذا فزعت من يدك فضعها بعيدا عن عينك فذانك برهانان من ربك والمراد فهاتان آيتان من خالقك لفرعون وملائه وهم قومه إنهم كانوا قوما فاسقين والمراد كانوا ناسا مجرمين وهذا يعنى أنه أعطاه البراهين ليذهب بها لدعوة فرعون وشعبه للحق .
"قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "المعنى قال إلهى إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون وأخى هارون(ص)هو أبين منى كلاما فإبعثه معى وزيرا يساعدنى إنى أخشى أن يكفروا بى،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لله :رب أى خالقى إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون والمراد إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون مقابله وهذا تعبير عن خوفه من انتقام القوم وهو شىء طبيعى ،وأخى هارون (ص)هو أفصح منى لسانا والمراد هو أحسن منى حديثا فأرسله معى ردءا يصدقنى أى فإبعثه معى شريكا يقوينى ،وهذا يعنى أنه يبين لله عيبه وهو أنه لا يحسن الكلام لوجود عقدة فى لسانه ومن ثم فهو يريد متحدث أفضل منه حديثا وهو أخاه هارون(ص)وهذا المتحدث يكون ردء أى شريك له فى الأمر يصدقه أى يساعده على أداء المهمة ،إنى أخاف أن يكذبون والمراد إنى أخشى أن يكفروا بحديثى وهذا تعبير عن خوفه من تكذيب القوم له مع وجود الأدلة على صدقه معه .
"قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون "المعنى سنقوى نفسك بأخيك ونحدد لكما قوة فلا يقدرون عليكما بمعجزاتنا أنتما ومن أطاعكما المنتصرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص)سنشد عضدك بأخيك والمراد سنقوى نفسك بهارون (ص)وهذا يعنى أن الله استجاب لطلب موسى (ص)بأن يكون هارون (ص)شريكا له فى الرسالة ،وقال ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا والمراد ونقيم لكم حماية فلا يؤذونكما ببراهيننا وهذا يعنى أن الله أمن موسى (ص)وهارون(ص)من الخوف فجعل لهما سلطان أى قوة أى حماية تمنع قوم فرعون من أن يمسوهم بسوء وهذه الحماية وسيلتها هى آيات الله وهى معجزاته وهى العصا واليد وقال أنتما ومن معكما الغالبون والمراد أنتما ومن أطاع قولكما القاهرون،وهذا يعنى أنه أخبره بما سيحدث فى المستقبل وهو انتصارهم على قوم فرعون .
"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين "المعنى فلما أتاهم موسى (ص)ببراهيننا واضحات قالوا ما هذا إلا خداع عظيم وما علمنا بهذا من آباءنا السابقين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما جاءهم بآيات الله بينات والمراد لما أظهر لهم معجزات الله مرئيات كان رد فعلهم هو قولهم :ما هذا إلا سحر مفترى أى خداع معد من قبل والمراد مكر مبين مصداق لقوله بسورة يونس "إن هذا لسحر مبين "وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين والمراد وما عرفنا هذا فى دين آباءنا السابقين وهذا يعنى أنهم لم يعلموا شيئا فى دين الآباء يدل على ما أتى به موسى(ص)من عبادة رب العالمين وترك عبادة ما سواه .
"وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المعنى وقال موسى (ص)إلهى أعرف بمن أتى بالحق من لديه ومن تصبح له مثوبة القيامة إنه لا يفوز الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للقوم ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده والمراد خالقى أدرى بالذى أتى بالعدل من لديه ومن تكون له عاقبة الدار والمراد ومن يدخل جنة القيامة وهى دار السلام مصداق لقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "إنه لا يفلح الظالمون والمراد إنه لا يفوز المجرمون والمراد إنه لا يرحم الكافرون مصداق لقوله بسورة يونس "إنه لا يفلح المجرمون "وهذا الكلام من موسى (ص)هو رد هادىء عليهم فقد ترك لهم فيه حرية الكفر بحجة أنهم سيعرفون هل هو أو هم على الحق فى المستقبل .
"وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين "المعنى وقال فرعون يا أيها الحضور ما عرفت لكم من رب سواى فأشعل لى يا هامان على الطين فابن لى مصعدا لعلى أصعد إلى رب موسى وإنى لأعرفه مفتريا ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:يا أيها الملأ وهم الحاضرين ما علمت لكم من إله غيرى والمراد ما عرفت لكم من رب سواى ،وهذا يعنى أن فرعون ادعى الألوهية وأنه الإله الوحيد ليس معه غيره ،وقال فأوقد لى يا هامان على الطين والمراد فأشعل لى يا هامان النار فى التراب المعجون بالماء فاجعل لى صرحا والمراد فابن لى بالطين المشوى سلما،ومن قوله هذا يتضح أنه ليس إله لأن الإله لا يحتاج للآخرين كما احتاج فرعون لهامان ،وقال لعلى أطلع إلى إله موسى والمراد كى أصعد إلى رب موسى ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله فى مكان هو السماء يصعد إليه عن طريق سلم مبنى وذلك ليقاتله وقال وإنى لأظنه من الكاذبين والمراد وإنى لأعرف موسى من المفترين ،وهذا يعنى أن فرعون يعتقد أن موسى (ص)كذب فى قوله بوجود رب سواه .
"واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون "المعنى وبغى هو وعسكره فى البلاد بغير العدل واعتقدوا أنهم إلينا لا يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استكبر أى بغى أى حكم هو وجنوده وهم عسكره فى الأرض وهى البلاد بغير الحق وهو العدل وهذا يعنى أنه حكم بلاد مصر بغير حكم الله وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون والمراد واعتقدوا أنهم إلى جزاء الله لا يبعثون بعد الموت مصداق لقوله بسورة الجن "كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا "وهذا يعنى كفرهم بالبعث .
"فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتيناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين "المعنى فأهلكناه هو وعسكره أى وأغرقناهم فى الماء فاعلم كيف كان عقاب الكافرين وعيناهم قادة ينادون إلى النار ويوم البعث لا يرحمون وأعطيناهم فى هذه الأولى غضب ويوم البعث هم من المعذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أخذ فرعون وجنوده والمراد أنه أهلك فرعون وعسكره وفسر هذا بأنه نبذهم فى اليم أى أغرقهم فى البحر مصداق لقوله بسورة الدخان"إنهم جند مغرقون"ويطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كان عاقبة الظالمين أى أن يعلم كيف كان عذاب الكافرين ليعتبر بما حدث لهم،ويبين له أنه جعل قوم فرعون أئمة يدعون إلى النار والمراد عينهم قادة ينادون الناس لإتباع الظلم بعملهم الظلم الذى يدخل السعير ويوم القيامة وهو يوم البعث لا ينصرون أى "لا ينظرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لا يرحمون أى لا ينقذون من النار ،ويبين له أنه أتبعهم فى هذه الدنيا لعنة والمراد أعطى لهم فى المعيشة الأولى عقاب أى عذاب ويوم القيامة أى البعث هم من المقبوحين أى "من المحضرين "كما قال بسورة القصص وهم المعذبين فى النار .
"ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .
"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).
"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.
"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .
"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .
"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .
"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له
"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".
"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين "المعنى فلما جاءها أوحى له من ناحية الوادى الأيمن فى الموضع المقدس حول الشجرة أن يا موسى إنى أنا الرب إله الكل ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما وصل عند الشجرة نودى والمراد أوحى له مصداق لقوله تعالى بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "وكان الوحى آتيا من شاطىء الواد الأيمن والمراد من ناحية المكان الأيمن المقدس طوى فى البقعة المباركة من الشجرة والمراد عند المكان المقدس حول الشجرة وهذا يعنى أن وادى طوى كان بين جبلى الطور فسمع موسى (ص)الوحى التالى :أن يا موسى (ص)إنى أنا الله رب العالمين والمراد إنى أنا الرب خالق الكل وهذا هو تعريف المنادى ومن ثم لابد فى بداية الحديث من أن يعرف السامع من هو المتكلم .
"وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "المعنى وأن ارم عصاك فلما شاهدها تتحرك كأنها ثعبان جرى هاربا ولم يرجع يا موسى (ص)عد ولا تخشى إنك من السالمين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص):ألق أى ارم عصاك فرماها على الأرض فتحركت فلما رآها تهتز كأنها جان والمراد فلما شاهدها تتحرك كأنها حية مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ولى مدبرا ولم يعقب والمراد جرى هاربا ولم يرجع وهذا يعنى أنه خاف من أذى الحية فجرى ولم ينظر خلفه فقال له الله يا موسى (ص)أقبل أى عد لمكان العصا إنك من الآمنين والمراد إنك من السالمين وهم المعصومين من الأذى .
"اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى ضع كفك فى فتحة ثوبك تطلع منيرة من غير ظلمة وضع لك كفك من الخوف فتلك آيتان من إلهك إلى فرعون وقومه إنهم كانوا ناسا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال لموسى (ص)اسلك يدك فى جيبك أى "أدخل يدك فى جيبك"كما قال بسورة النمل أى "اضمم يدك إلى جناحك "كما قال بسورة طه والمراد ضع كفك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير سوء والمراد تطلع منيرة من غير ظلمة فى أى جزء منها وقال واضمم إليك جناحك من الرهب والمراد وضع كفك فى ثوبك من الخوف والمراد إذا فزعت من يدك فضعها بعيدا عن عينك فذانك برهانان من ربك والمراد فهاتان آيتان من خالقك لفرعون وملائه وهم قومه إنهم كانوا قوما فاسقين والمراد كانوا ناسا مجرمين وهذا يعنى أنه أعطاه البراهين ليذهب بها لدعوة فرعون وشعبه للحق .
"قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "المعنى قال إلهى إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون وأخى هارون(ص)هو أبين منى كلاما فإبعثه معى وزيرا يساعدنى إنى أخشى أن يكفروا بى،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لله :رب أى خالقى إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون والمراد إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون مقابله وهذا تعبير عن خوفه من انتقام القوم وهو شىء طبيعى ،وأخى هارون (ص)هو أفصح منى لسانا والمراد هو أحسن منى حديثا فأرسله معى ردءا يصدقنى أى فإبعثه معى شريكا يقوينى ،وهذا يعنى أنه يبين لله عيبه وهو أنه لا يحسن الكلام لوجود عقدة فى لسانه ومن ثم فهو يريد متحدث أفضل منه حديثا وهو أخاه هارون(ص)وهذا المتحدث يكون ردء أى شريك له فى الأمر يصدقه أى يساعده على أداء المهمة ،إنى أخاف أن يكذبون والمراد إنى أخشى أن يكفروا بحديثى وهذا تعبير عن خوفه من تكذيب القوم له مع وجود الأدلة على صدقه معه .
"قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون "المعنى سنقوى نفسك بأخيك ونحدد لكما قوة فلا يقدرون عليكما بمعجزاتنا أنتما ومن أطاعكما المنتصرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص)سنشد عضدك بأخيك والمراد سنقوى نفسك بهارون (ص)وهذا يعنى أن الله استجاب لطلب موسى (ص)بأن يكون هارون (ص)شريكا له فى الرسالة ،وقال ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا والمراد ونقيم لكم حماية فلا يؤذونكما ببراهيننا وهذا يعنى أن الله أمن موسى (ص)وهارون(ص)من الخوف فجعل لهما سلطان أى قوة أى حماية تمنع قوم فرعون من أن يمسوهم بسوء وهذه الحماية وسيلتها هى آيات الله وهى معجزاته وهى العصا واليد وقال أنتما ومن معكما الغالبون والمراد أنتما ومن أطاع قولكما القاهرون،وهذا يعنى أنه أخبره بما سيحدث فى المستقبل وهو انتصارهم على قوم فرعون .
"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين "المعنى فلما أتاهم موسى (ص)ببراهيننا واضحات قالوا ما هذا إلا خداع عظيم وما علمنا بهذا من آباءنا السابقين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما جاءهم بآيات الله بينات والمراد لما أظهر لهم معجزات الله مرئيات كان رد فعلهم هو قولهم :ما هذا إلا سحر مفترى أى خداع معد من قبل والمراد مكر مبين مصداق لقوله بسورة يونس "إن هذا لسحر مبين "وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين والمراد وما عرفنا هذا فى دين آباءنا السابقين وهذا يعنى أنهم لم يعلموا شيئا فى دين الآباء يدل على ما أتى به موسى(ص)من عبادة رب العالمين وترك عبادة ما سواه .
"وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المعنى وقال موسى (ص)إلهى أعرف بمن أتى بالحق من لديه ومن تصبح له مثوبة القيامة إنه لا يفوز الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للقوم ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده والمراد خالقى أدرى بالذى أتى بالعدل من لديه ومن تكون له عاقبة الدار والمراد ومن يدخل جنة القيامة وهى دار السلام مصداق لقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "إنه لا يفلح الظالمون والمراد إنه لا يفوز المجرمون والمراد إنه لا يرحم الكافرون مصداق لقوله بسورة يونس "إنه لا يفلح المجرمون "وهذا الكلام من موسى (ص)هو رد هادىء عليهم فقد ترك لهم فيه حرية الكفر بحجة أنهم سيعرفون هل هو أو هم على الحق فى المستقبل .
"وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين "المعنى وقال فرعون يا أيها الحضور ما عرفت لكم من رب سواى فأشعل لى يا هامان على الطين فابن لى مصعدا لعلى أصعد إلى رب موسى وإنى لأعرفه مفتريا ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:يا أيها الملأ وهم الحاضرين ما علمت لكم من إله غيرى والمراد ما عرفت لكم من رب سواى ،وهذا يعنى أن فرعون ادعى الألوهية وأنه الإله الوحيد ليس معه غيره ،وقال فأوقد لى يا هامان على الطين والمراد فأشعل لى يا هامان النار فى التراب المعجون بالماء فاجعل لى صرحا والمراد فابن لى بالطين المشوى سلما،ومن قوله هذا يتضح أنه ليس إله لأن الإله لا يحتاج للآخرين كما احتاج فرعون لهامان ،وقال لعلى أطلع إلى إله موسى والمراد كى أصعد إلى رب موسى ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله فى مكان هو السماء يصعد إليه عن طريق سلم مبنى وذلك ليقاتله وقال وإنى لأظنه من الكاذبين والمراد وإنى لأعرف موسى من المفترين ،وهذا يعنى أن فرعون يعتقد أن موسى (ص)كذب فى قوله بوجود رب سواه .
"واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون "المعنى وبغى هو وعسكره فى البلاد بغير العدل واعتقدوا أنهم إلينا لا يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استكبر أى بغى أى حكم هو وجنوده وهم عسكره فى الأرض وهى البلاد بغير الحق وهو العدل وهذا يعنى أنه حكم بلاد مصر بغير حكم الله وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون والمراد واعتقدوا أنهم إلى جزاء الله لا يبعثون بعد الموت مصداق لقوله بسورة الجن "كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا "وهذا يعنى كفرهم بالبعث .
"فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتيناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين "المعنى فأهلكناه هو وعسكره أى وأغرقناهم فى الماء فاعلم كيف كان عقاب الكافرين وعيناهم قادة ينادون إلى النار ويوم البعث لا يرحمون وأعطيناهم فى هذه الأولى غضب ويوم البعث هم من المعذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أخذ فرعون وجنوده والمراد أنه أهلك فرعون وعسكره وفسر هذا بأنه نبذهم فى اليم أى أغرقهم فى البحر مصداق لقوله بسورة الدخان"إنهم جند مغرقون"ويطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كان عاقبة الظالمين أى أن يعلم كيف كان عذاب الكافرين ليعتبر بما حدث لهم،ويبين له أنه جعل قوم فرعون أئمة يدعون إلى النار والمراد عينهم قادة ينادون الناس لإتباع الظلم بعملهم الظلم الذى يدخل السعير ويوم القيامة وهو يوم البعث لا ينصرون أى "لا ينظرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لا يرحمون أى لا ينقذون من النار ،ويبين له أنه أتبعهم فى هذه الدنيا لعنة والمراد أعطى لهم فى المعيشة الأولى عقاب أى عذاب ويوم القيامة أى البعث هم من المقبوحين أى "من المحضرين "كما قال بسورة القصص وهم المعذبين فى النار .
"ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .
"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).
"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.
"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .
"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .
"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .
"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له
"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".
"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).