نقد رسالة الحكم البارعة من استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة
الرسالة كتبها ربيع أحمد سيد وكان وقتها طالبا فى كلية الطب وقد بين فى المقدمة أن عدد السور المبدءوة بالحروف المقطعة 29 سورة فقال:
"وبعد:
فقد استفتحت تسع وعشرون سورة من سور القرآن بحروف مقطعة ننطقها و نحن نقرؤها بأسماء الحروف لا بمسمياتها، و هذه الحروف إما مفردة، وهي: ص و ن وق و إما ثنائية، وهي: طه و طس و يس وحم و إما ثلاثية وهي: المص و المر و إما خماسية و هي: كهيعص و حم عسق"
وذكر ربيع اختلاف المفسرين فيها حيث قال :
وقد اختلف المفسرون في معناها فمنهم من قال هي من أسماء السور ومنهم من قال هي من أسماء الله و منهم من قال هي من أسماء القرآن و منهم من قال هي دالة على أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالسنين و منهم من قال هي قسم أقسم الله به، و منهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه، وهذا هو القول الصحيح"
وفى الفقرة السابقة اختار ربيع القول بأن الحروف المقطعة مما استأثر الله بعلمه ورغم اختباره هذا حيث اعتبر الحروف المقطعة غيبا إلا أنه أبى أن يفسر الحكم الغيبية فقال :
"واستفتاح بعض السور بهذه الحروف فيه حكم كثير قد نعلمها وقد لا نعلمها، و هذا البحث فيه شيئا من الحكم من استتفتاح بعض السور بالحروف المقطعة فأسأل الله التوفيق والسداد"
وهذا كلام به تناقض فما دامت تلك الحروف أسرارها مخفية فكيف يمكن لأى أحد أن يعرف تلك الأسرار وهى الحكم ؟
القول الذى اختار خاطىء للتالى :
أن الله بين كل كل شىء كما تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقال :
" ثم إنا علينا بيانه"
ومن ثم لا يمكن أن يكون شىء فى القرآن طبقا للآيات خفى استأثر الله بعلمه لأن بين كل المعانى
وتحدث ربيع عن اختلاف العلماء فى تفسير الحروف المقطعة فقال:
"فصل: اختلاف المفسرين في تفسير الحروف المقطعة:
استفتحت تسع وعشرون سورة من سور القرآن بالحروف المقطعة أولها سورة البقرة، وآخرها سورة القلم و هذه الحروف إما مفردة، وهي: ص و ن وق و إما ثنائية، وهي: طه و طس و يس وحم و إما ثلاثية وهي: المص و المر و إما خماسية و هي: كهيعص و حم عسق، "
وهى نفس المعلومات التى ذكرها فى المقدمة كما كرر نفس المعلومات عن اختلافهم فقال :
"و قد اختلف المفسرون في معناها فمنهم من قال هي من أسماء السور ومنهم من قال هي من أسماء الله و من المفسرين من قال هي من أسماء القران و من المفسرين من قال هي دالة على أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالسنين أي بحساب الجمل"
وقام ربيع باستعراض قيم الحروف فى حساب الجمل اليهودى كما هو مشهور فقال :
" وهو نوع من الحساب جعل فيه لكل حرف من الحروف الأبجدية عدد من الواحد للألف على ترتيب خاص فالألف واحد و الباء اثنين والجيم ثلاثة والدال أربعة و الهاء خمسة و الواو ستة و الزاي سبعة و الحاء ثمانية و الطاء تسعة و الياء عشرة و غير ذلك" وتابع كلامه الذى سبق ذكره فقال :
" ومن المفسرين من قال الحروف المقطعة قسم أقسم الله به، و من المفسرين من قال الحروف المقطعة مما استأثر الله بعلمه "
وقام ربيع بذكر ما اعتقد أنها أدلة على ما اختاره وهو استئثار علم الله بالحروف فقال :
"فصل: ترجيح القول بأن الحروف المقطعة مما استأثر الله بعلمه:
بالنظر لأقوال المفسرين في الحروف المقطعة نجد أن الصواب هو أن الحروف المقطعة مما استأثر الله بعلمه
استبعد ربيع أن تكون الحروف المقطعة من أسماء الله فقال:
" فمن قال الحروف المقطعة من أسماء الله فقوله يحتاج لدليل و لا دليل من القرآن ولا من السنة، وأيضا لا يوجد اسم من أسماء الله مبتديء بحرف الياء مع أن هذه الحروف من ضمنها حرف الياء، وأيضا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن هذه الحروف حروف من أسماء الله بل قال ألف حرف ولام حرف وميم حرف وسكت فتقييده بأنه حرف من أسماء الله تقييد بلا مقيد، وهذا لا يجوز"
واستبعد كون الحروف المقطعة من أسماء السور فقال :
"ومن قال الحروف المقطعة من أسماء السور نقول لهم ليس كل الحروف المقطعة أسماء للسور فإن سور طسم سورتان سورة الشعراء والقصص عندما تقول قرأت سورة طسم لا يعني أنك قرأت إحدى هذه السور بعينها، وكذلك سور الم سورة البقرة وال عمران وغيرهما عندما تقول قرأت سورة الم لا يعني أنك قرأت إحدى هذه السور بعينها و كذلك سور حم سورة غافر والزخرف و غيرهما عندما تقول قرأت سورة حم لا يعني أنك قرأت إحدى هذه السور بعينها"
واستبعد كون الحروف المقطعة من أسماء القرآن فقال:
"و من قال الحروف المقطعة من أسماء القرآن فقوله يحتاج لدليل و لا دليل من القرآن ولا من السنة، وهل لو قلت قرأت طه أني قرأت القرآن كله"
واستحال كون الحروف المقطعة دالة على أعمار أمة محمد(ص) فقال :
" و من قال الحروف المقطعة دالة على أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقوله يحتاج لدليل و لا دليل من القرآن ولا من السنة بل القول بأنها دالة على أعمار أمة الإسلام بالسنيين قول فيه تأييد لما يدعيه أهل الباطل في أمور الغيبيات حسب الأعداد، وحساب الجمل يكون للأسماء، وليس للحروف، وهذه حروف، و لو كان تفسير حساب الجمل للحروف المقطعة تفسيرا صحيحا لعلم أجل الأمة المحمدية وقيام الساعة، وهذا لا يصح فالساعة لا يعلمها إلا الله، "
وأدلته فى ألأمور السابقة صحيحة وأما دليل كون حساب الجمل للأسماء دون الحروف فكلام غير صحيح لأن الحساب أساسا مبنى على اعطاء قيمة لكل حرف ومن مجموع حروف الكلمة تكون قيمتها كما أن بعض الكلمات مكونة مكونة من حرف واحد كألف الاستفهام وحروف الجر كالكاف
"واستبعد كون الحروف المقطعة قسم أقسم الله به فقال:
ومن قال أن الحروف المقطعة قسم أقسم الله به فقوله لا يصح لأن هذه الحروف تأتي مفصولة عما بعدها، ولا يصح فصل المقسم به عن المقسم عليه، و أين أداة القسم؟"
وبعد استبعاد الآراء السابقة حاول ربيع التدليل على صحة اختياره لاستئثار الله بالعلم بالحروف وهو استدلال خاطىء لأنه طالما هو أمر خفى لا يمكن الاستدلال عليه وفى هذا قال :
"فصل: بعض الحكم من استتفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة:
إن الله حكيم في كل أفعاله وأقواله فهذه معاني الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن لم نعرف معناها، و ما كان عدم معرفتنا معاني هذه الحروف إلا لحكم بالغة منها تحدي البلغاء و أهل اللغة فرغم أن القرآن تتركب حروفه من حروف اللغة العربية فلن يستطيعوا أن يأتوا بمثله فلا أحد يستطيع أن يأتي بمثل هذا القران المركب من هذه الحروف و أمثالها قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} أي: قل: لو اتفقت الإنس والجن على محاولة الإتيان بمثل هذا القرآن المعجز لا يستطيعون الإتيان به، ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك،.
و من حكم استتفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا:
قطع الغرور العلمي لمن يظن أنه يعرف كل شيء، وأنه قد أحاط بكل شيء فهذا حرف لا يستطيع معرفة معناه ألست تزعم أنك تعرف كل شيء فعرفنا إذا معنى قوله تعالى: {المص} أو قوله تعالى: {كهيعص} أو قوله تعالى: {حم عسق}
و من حكم استتفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا:
الإشارة إلى أن معاني القرآن لا يمكن أن تعرف كلها فليس كلام الله ككلام البشر يمكن أن يعرف جميع ما فيه.
و من حكم استتفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى عدم إحاطة أحد بعلم الله فإذا كانت هذه الحروف في بعض كلامه لا يعرفون معناها فكيف يحيطون به علما."
وكل ما سبق من الكلام يتعارض مع كون الوحى الثانى وهو تفسير القرآن الإلهى المسمى الذكر نزل لبيان معانى القرآن كما قال تعالى :

كما يتعارض مع تكرار الله لقوله أنه يبين آيات القرآن كما قال تعالى :

ثم قال :
"و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا:
الإشارة إلى أن الله يعطي الناس القدر الذي يريد أن يعرفوه من العلم قال تعالى: {و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} أي ولا يطلع أحد من الخلق على شيء من علمه إلا بما أعلمه الله وأطلعه عليه"
كلام الله هنا عن علم الله نفسه بكل شىء "بشيء من علمه" بينما القرآن هو جزء من العلم شاء الله أن يبينه للناس كما قال:
" تبيانا لكل شىء"
ثم قال :
"و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى أن كتاب الله ليس كمثله كتاب فأي كتاب يمكن معرفة المراد منه من كاتبه أو صاحبه أو أحد معلما للعلم الذي في الكتاب أما كتاب الله فلا يستطيع أحد معرفة المراد من كلامه إلا ببيان منه، و كذلك قراءة كتابه لابد فيها من السماع من أحد فكتاب الله غير أي كتاب فأي كتاب غير كتاب الله يمكن من يعرف لغة الكتاب قراءته."
الكلام هنا متناقض فالرجل يبين أن الكتب سواء فى أن المجهول منها يعرف ببيان صاحبها وكتاب الله بينه الله بقوله "كذلك يبين لكم الآيات"
وقال:
"و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى أن القرآن يؤخذ بالسماع لا بالقراءة و الكتابة؛ لأن هذه الحروف تقرأ بطريقة معينة كما تسمع، ولا تقرأ كما تكتب.
و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمي لا يقرأ فكيف يعرف أسماء الحروف فالأمي لا يستطيع النطق بمسميات الحروف، ولا يعرف أسماءها فكيف يفرق بين آلم و ألم تر؟
و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: شد انتباه المستمع و جذبه حتى ينتبه لما سوف يأتي بعد ذلك فمن البلاغة استفتاح الكلام بما لم يعهده الناس كي يثير انتباههم.
و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى أن النقل مقدم على العقل فالعقل يقتضي أنه مادامت هذه الحروف كتبت متصلة تقرأ متصلة أما في النقل فرغم أن هذه الحروف تكتب متصلة إلا أنها تقرأ منفصلة.
و من حكم استفتاح بعض سور القرآن بالحروف المقطعة أيضا: الإشارة إلى أن ترتيب الآيات موحى به فلما اعتبر {حم} {عسق} آيتين و {كهيعص} "
وكل ما قاله ربيع هو كلام بلا دليل خاصة أنه يعتبر أن الحروف أمرها خفى فمن أين استقى تلك الحكم وأمرها خفى