سورة الفرقان
سميت لذكر الفرقان بقوله "تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ".
"بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا "المعنى بحكم الرب النافع المفيد دام الذى أوحى القضاء إلى مملوكه ليصبح للناس مخبرا ،يبين الله الرحمن الرحيم أى الرب النافع المفيد أن اسمه وهو حكمه هو أن الذى أنزل الفرقان على عبده قد تبارك والمراد أن الذى أوحى الوحى الفاصل بين الحق والباطل فى كل القضايا وهو الكتاب مصداق لقوله بسورة الزمر "الله نزل أحسن الكتاب كتابا "على مملوكه محمد(ص)قد دام أى بقى والمراد أن الله دائم أى مستمر الوجود أى هو الباقى وسبب إنزال الوحى على محمد(ص)هو أن يكون للعالمين نذيرا أى أن يصبح للناس مبلغا للوحى والخطاب وما بعده للناس .
"الذى له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شىء فقدره تقديرا "المعنى الذى له حكم السموات والأرض ولم يصطفى ابنا ولم يكن له مقاسم فى الحكم وأنشأ كل مخلوق فعدله تعديلا ،يبين الله للناس أن الله هو الذى له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة الحديد وهو لم يتخذ ولدا أى لم يلد ابنا مصداق لقوله بسورة الإخلاص "لم يلد "ولم يكن له شريك فى الملك والمراد ولم يكن لله مقاسم أى مكافىء فى حكم الكون مصداق لقوله بسورة الإخلاص "ولم يكن له كفوا أحد " وهو الذى خلق كل شىء فقدره تقديرا والمراد الذى أنشأ كل مخلوق فأحسن خلقه إحسانا مصداق لقوله بسورة السجدة "الذى أحسن كل شىء خلقه "وهذا يعنى أنه أتقن المخلوق إتقانا .
"واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا "المعنى وعبدوا من غيره أرباب لا يصنعون أمرا وهم يصنعون ولا يقدرون لأنفسهم أذى ولا خيرا ولا يفعلون هلاكا ولا خلقا ولا بعثا ،يبين الله أن الكفار اتخذوا من دونه آلهة أى جعلوا لهم من سواه أولياء أى شفعاء مصداق لقوله بسورة الزمر "والذين اتخذوا من دونه أولياء "وأم اتخذوا من دون الله شفعاء "وهم لا يخلقون شيئا والمراد لا يبدعون مخلوقا أى لا يقدرون على إبداع مخلوق وهم يخلقون أى يبدعون والمراد أن الله يخلقهم وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا والمراد وهم لا يقدرون لأنفسهم على أذى ولا خيرا وهذا يعنى أنهم لا يحدثون لأنفسهم شرا أو خيرا وأيضا لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا والمراد لا يقدرون على هلاك الخلق وعلى إحياء أى خلق الخلق وهو نشورهم أى بعثهم مرة أخرى وهذا يعنى أن ليس معهم قدرة من قدرات الإله الحق ومن ثم فهم ليسوا آلهة والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده .
"وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم أخرون فقد جاءوا ظلما وزورا "المعنى وقال الذين كذبوا إن هذا إلا كذب اختلقه وساعده عليه ناس أخرون فقد أتوا باطلا أى كذبا ،يبين الله أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قالوا إن هذا إلا إفك افتراه والمراد إن القرآن إلا كذب اختلقه أى تقوله محمد (ص)على الله وأعانه عليه قوم آخرون والمراد وساعده على اختلاقه ناس آخرون وهذا يعنى أن القرآن فى رأى الكفار ليس سوى مؤلف ألفه الرسول (ص)بمشاركة بعض الناس ويبين الله لنا أن هؤلاء الكفار جاءوا ظلما أى زورا والمراد لقد قالوا كذبا أى باطلا .
" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا "المعنى وقالوا تخاريف السابقين سجلها فهى تلقى عليه نهارا وليلا ،يبين الله أن الكفار قالوا أيضا عن القرآن أساطير الأولين أى تخاريف وهى أكاذيب السابقين دونها فى الصحف فهى تملى عليه بكرة وأصيلا والمراد فهى تلقى على مسمعه نهارا وليلا وهذا يعنى أنهم يتهمون النبى (ص)بكتابة القرآن وهو أمى لم يكن يقرأ ويكتب والخطاب للنبى(ص) .
"قل أنزله الذى يعلم السر فى السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما "المعنى قل أوحاه الذى يعرف الخفى فى السموات والأرض إنه كان عفوا رحيما "المعنى قل أوحاه الذى يعرف الخفى فى السموات والأرض إنه كان عفوا نافعا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم أنزل الوحى الذى يعلم السر والمراد أوحى القرآن الذى يعرف "غيب السموات والأرض "كما قال بسورة الحجرات وهو الخفى فى الكون إنه كان غفورا رحيما أى نافعا مفيدا لمن يطيع حكمه والخطاب للنبى(ص) .
"وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "المعنى وقالوا مال هذا النبى (ص)يطعم الأكل ويسير فى المتاجر لولا أرسل معه ملاك فيصبح معه مبلغا أى يعطى له مال أو تصبح له حديقة يرزق منها وقال الكافرون إن تطيعون سوى ذكرا مخادعا ،يبين الله أن الكفار تساءلوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق والمراد لماذا هذا المبعوث يتناول الأكل ويسير فى المتاجر ؟والغرض من السؤال هو إخبار ضعاف الناس أن هذا الرسول (ص)ليس رسولا بدليل أكله للطعام مثلهم ومتاجرته فى الأسواق مثلهم فالرسول فى رأيهم لا يأكل ولا يتاجر فى السوق وقالوا لولا أنزل إليه ملك أى لولا "جاء معه ملك "كما قال بسورة هود والمراد هلا أتى معه ملاك فيكون معه نذيرا والمراد فيصبح معه مبلغا للوحى وهذا يدلنا على تناسى القوم أن الله أخبرهم أنهم لا يرون ملاكا قبل القيامة وقالوا أو يلقى إليه كنز أى "لولا أنزل إليه كنز "كما قال بسورة هود والمراد هلا أعطى له مال وفير كان مخفيا أو تكون له جنة يأكل منها والمراد أو تصبح ملكه حديقة يرزق منها وهذا يعنى أنهم يطلبون معجزات وهم يعلمون أن الله أخبرهم أنه لن ينزل لهم معجزات وقال الظالمون وهم الكافرون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا والمراد إن تطيعون إلا ذكرا مخادعا وهذا يعنى اتهام الكفار للرسول (ص)بممارسة السحر وهو الخداع لجذب الناس لدعوته والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا "المعنى فكر كيف قالوا لك الأقوال فعوقبوا فلا يدخلون جنة ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر والمراد أن يعلم كيف ضربوا له الأمثال والمراد كيف قالوا له الأكاذيب وهى حجج الباطل فضلوا أى فعذبوا فلا يستطيعون سبيلا والمراد فلا يهتدون طريقا مصداق لقوله بسورة النساء "ولا يهتدون سبيلا "وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة .
"تبارك الذى إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا "المعنى دام الذى إن أراد أعطى له أفضل من ذلك حدائق تسير من أسفلها العيون ويعطى لك بيوتا ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى إن شاء أى أراد فعل التالى جعل له خيرا من ذلك أى أعطى له أفضل مما يقول الكفار من الكنز والحديقة وهو جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وفسر هذا بأنه يجعل له قصورا أى مساكنا طيبة ،قد تبارك أى دام أى بقى وهو يعنى أن الله هو الحى الباقى .
"بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا دعوا هنا لك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا "المعنى لقد كفروا بالقيامة وجهزنا لمن كفر بالقيامة نارا إذا شهدتهم من موضع قصى علموا لها غضبا وألما وإذا وضعوا فيها موضعا صغيرا مقيدين قالوا عند ذلك عذابا لا تقولوا الآن عذابا واحدا وقولوا عذابا مستمرا،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قد كذبوا بالساعة أى كفروا بالقيامة وقد اعتد الله لمن كذب بالساعة سعيرا والمراد وقد جهز لمن كفر بالقيامة عذابا أليما مصداق لقوله بسورة الإسراء "أعتدنا لهم عذابا أليما "والنار إذا رأتهم من مكان بعيد أى إذا شاهدتهم من موقع بعيد سمعوا لها تغيظا أى زفيرا والمراد علموا لها غضبا أى صوتا دالا على الغضب الشديد وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين والمراد وإذا وضعوا فى النار فى مكان صغير وهم مقيدين فى السلاسل وهى الأصفاد مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد "وعند ذلك دعوا هنالك ثبورا أى قالوا فى ذلك المكان ويلا لنا فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا والمراد لا تقولوا الآن عذابا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا والمراد وقولوا عذابا مستمرا وهذا يعنى إخبارهم أن العذاب ليس مرة واحدة وإنما عذاب أبدى مستمر والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"قل أذلك خير أم جنة الخلد التى وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا "المعنى قل هل النار أفضل أم حديقة الدوام التى أخبر المطيعون كانت لهم ثوابا أى مقاما لهم فيها ما يريدون مقيمين كان على إلهك قولا واجبا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أذلك خير أم جنة الخلد والمراد هل النار أحسن أم حديقة الدوام التى وعد المتقون أى التى أخبر المطيعون؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن الجنة أفضل من النار والجنة كانت للمطيعين جزاء أى مصير أى ثواب أى مرتفق أى مقام مصداق لقوله بسورة الكهف "نعم الثواب وحسنت مرتفقا "ولهم فيها ما يشاءون والمراد لهم فيها ما يشتهون أى ما يدعون مصداق لقوله بسورة فصلت "ولكم فيها ما تدعون "خالدين أى مقيمين فى الجنة أى "ماكثين فيها أبدا "كما قال بسورة الكهف وكان ذلك على ربك وعدا مسئولا والمراد وكان دخول الجنة على إلهك عهدا واجبا مصداق لقوله بسورة الأحزاب "وكان عهد ربك مسئولا "والمراد قولا متحققا .
"ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فلا تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا "المعنى ويوم يبعثهم والذين يطيعون من سوى الرب فيقول هل أنتم أبعدتم خلقى هؤلاء أم هم أبعدوا أنفسهم عن الدين قالوا طاعتك ما كان يحق لنا أن نعبد من سواك من آلهة ولكن أعطيتهم وآبائهم حتى تركوا الدين وكانوا ناسا خاسرين فقد كفروا بالذى تزعمون فما تقدرون على فعل أى إنقاذا ومن يكفر منكم ندخله عقابا مستمرا،يبين الله لنبيه (ص)أنه يوم يحشرهم أى يبعثهم مرة ثانية للحياة وما يعبدون أى "ما يدعون من دونه "كما قال بسورة الحج والمراد وما يزعمون أنهم يطيعونهم من غير الله فيقول للمعبودين بالزعم أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل والمراد هل أنتم أبعدتم خلقى هؤلاء عن الحق أم هم بعدوا من أنفسهم عن الحق؟والغرض من السؤال إظهار كذب الكفار فى زعمهم عبادة المذكورين هنا فقالوا سبحانك أى الطاعة لحكمك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والمراد ما كان يحق لنا أن نعبد من غيرك من آلهة مزعومة وهذا يعنى أنهم يعلنون عبادتهم لله فكيف يعبدونه وفى الوقت نفسه يدعون لعبادتهم وقالوا ولكن متعتهم وآباؤهم حتى نسوا الذكر ولكن أعطيتهم وآباؤهم الرزق حتى تركوا طاعة الإسلام وكانوا قوما بورا أى وكانوا ناسا خاسرين وهذا اتهام للكفار بأنهم السبب فى ضلال أنفسهم فيقال للكفار فقد كذبوكم بما تقولون والمراد فقد جحدوكم بالذى تزعمون فلا تستطيعون صرفا أى نصرا والمراد فلا تقدرون على عمل أى إنقاذ لهم ويبين الله للناس أن من يظلم منهم أى من يكفر منهم نذقه عذابا كبيرا أى عقابا أليما مصداق لقوله بسورة الحج "نذقه من عذاب أليم ".
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا "المعنى وما بعثنا قبلك من الأنبياء إلا أنهم ليتناولون الأكل ويسيرون فى المتاجر وخلقنا بعضكم لبعض بلاء أتطيعون وكان إلهك عليما ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل المرسلين والمراد بعث الأنبياء من قبل وجوده وهم قد فعلوا التالى أكلوا الطعام أى تناولوا الأكل ومشوا فى الأسواق أى وساروا فى المتاجر وهذا يعنى أنهم كانوا بشرا مثله ومثل الناس ولم يكونوا ملائكة كما زعم الكفار ويبين للناس أنه جعلهم بعضهم لبعض فتنة أى بلاء أى اختبار ليعلم أيصبرون أى أيطيعون حكم الله أم يخالفونه ويبين لنبيه (ص)أنه كان بصيرا أى عليما مصداق لقوله بسورة يوسف "إن ربك عليم "وهذا يعنى معرفته بكل شىء ومحاسبتهم عليه والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص) .
"وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا وعتو عتوا كبيرا "المعنى وقال الذين لا يصدقون بجزائنا هلا بعث لنا الملائكة أو نشاهد إلهنا أى كفروا كفرا عظيما ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين لا يرجون لقاء الله وهم الذين لا يؤمنون بجزاء الله وهو الآخرة مصداق لقوله بسورة النجم "إن الذين لا يؤمنون بالآخرة "قالوا لولا أنزل عليه الملائكة والمراد هلا أرسل معه الملائكة أو نرى ربنا أى أو نشاهد إلهنا وهذا يعنى أنهم يطلبون حضور الملائكة مع النبى (ص)أو مشاهدة الله عيانا حتى يصدقوا بما يقول لهم وبقولهم هذا استكبروا أى استعظموا على طاعة حكم الله وفسره بأنهم عتوا عتوا كبيرا أى كفروا كفر عظيما والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا "المعنى يوم يشاهدون الملائكة لا فرحة يومذاك للمكذبين ويقولون سجنا مؤبدا وأعطينا لهم الذى فعلوا من فعل فجعلناه خاسرا منشورا،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار يوم يرون أى يشاهدون الملائكة على صورتهم الحقيقية لا بشرى يومئذ للمجرمين أى لا رحمة فى ذلك اليوم للكافرين وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة ويقولون حجرا محجورا والمراد سجنا أبديا وهذا يعنى أنهم فى النار يقيمون فلا خروج منها أبدا ويبين الله لنا أنه قدم إلى ما عملوا من عمل والمراد أنه بين لهم الذى صنعوا من فعل فجعله هباء منثورا والمراد فحكمنا أنه ضال منشور مصداق لقوله بسورة محمد "وأضل أعمالهم "و"فأحبط أعمالهم "وهذا يعنى أن أعمالهم لا ثواب عليها وهى مفرقة فى كتاب كل منهم المنشور .
"أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا "المعنى سكان الحديقة يومذاك أحسن مقاما أى أفضل مكانا ،يبين الله لنبيه (ص)أن أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة يومئذ أى فى يوم القيامة خير مستقرا أى أحسن مقيلا والمراد أفضل مقاما أى أحسن مكانا مصداق لقوله بنفس السورة "حسنت مستقرا ومقاما ".
"ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا"المعنى ويوم تنفتح السماء بالسحاب وهبطت الملائكة هبوطا الحكم يومذاك العدل للنافع وكان يوما على المكذبين شاقا،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة تتشقق السماء بالغمام والمراد تنفتح فيه السموات بالسحاب أى تنفجر السموات بواسطة السحاب وتنزل الملائكة تنزيلا والمراد وتهبط الملائكة من السموات إلى الأرض هبوطا فترى على صورتها الحقيقية وفى هذا اليوم يكون الملك الحق للرحمن والمراد يكون الأمر وهو الحكم العدل لله النافع مصداق لقوله بسورة الإنفطار "والأمر يومئذ لله "وكان يوم القيامة على الكافرين وهم المكذبين بحكم الله عسير أى شاق متعب غير يسير كما قال بسورة المدثر "على الكافرين غير يسير ".
"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا "المعنى ويوم يضغط الكافر على كفيه يقول يا ليتنى اتبعت مع النبى طاعة الله يا عذابى ليتنى لم أجعل فلانا صاحبا لقد أبعدنى عن الحق بعد إذ أتانى وكان الهوى للإنسان مخيبا ،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يعض الظالم على يديه أى يضغط الكافر بأسنانه على لحم كفيه من الندم فيقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا والمراد يا ليتنى اتبعت مع النبى إسلاما ويقول يا ويلتى أى يا عذابى أى يا خسارتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا والمراد ليتنى لم أطع فلانا صاحبا وهو يقصد الشيطان لقد أضلنى بعد إذ جاءنى الذكر والمراد لقد أبعدنى بعد إذ أتانى الحق وهذا يعنى أنه يلقى المسئولية على غيره وهو الفلان الخليل ويبين الله له أن الشيطان وهو الهوى كان للإنسان وهو الفرد خذولا أى مخيبا لآماله أى عدوا له مصداق لقوله بسورة فاطر "إن الشيطان لكم عدو " والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا "المعنى وقال النبى (ص)يا إلهى إن شعبى جعلوا هذا الوحى مخالفا ،يبين الله لنا أن النبى (ص)دعاه فقال يا رب أى يا إلهى إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا والمراد إن ناسى جعلوا هذا الكتاب متروك الطاعة وهذا يعنى مخالفتهم للقرآن مخالفة تامة والخطاب للمؤمنين.
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا "المعنى وهكذا خلقنا لكل رسول كارها من الكافرين وحسبك إلهك راحما أى وليا ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى تكذيب وهى هجر القوم للوحى جعل لكل نبى عدوا من المجرمين والمراد خلق لكل رسول باغض من الكافرين وهم شياطين الإنس والجن مصداق لقوله بسورة الأنعام "كذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن "ويبين له أنه كفاه ربه هاديا أى نصيرا والمراد حسبه خالقه ناصرا أى وليا ينقذه من كل سوء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا "المعنى وقال الذين كذبوا هلا أوحى له الكتاب مرة واحدة هكذا لنطمئن به قلبك ونزلناه تنزيلا،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا القرآن قالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة والمراد هلا جاء له الكتاب مرة واحدة وهذا يعنى أنهم كانوا يريدون مجىء القرآن كله مرة واحدة ظانين أن نزوله جملة سيمكنهم من أن يسألوا النبى (ص)عما ليس موجودا فيه فيعجزوه عن الرد ويبين له أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى نزول القرآن مفرقا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وقرآنا فرقناه "يثبت به فؤاده والمراد يطمئن أى يسكن به نفسه ويبين أنه رتله ترتيلا أى نزله ترتيلا مصداق لقوله بسورة الإسراء "ونزلناه تنزيلا "والمراد وأوحيناه مفرقا .
"ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا "المعنى ولا يجيئونك بشبه إلا أتيناك بالعدل أى أفضل حكما ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار لو أتوه بمثل أى لو جاءوه بشبه للقرآن وهو مستحيل لأن الله لن يعطيه لهم فإن الله يجيئه بالحق والمراد فإن الله يوحى له العدل وهو الصدق وفسره بأنه أحسن تفسيرا أى أفضل حكما أى "أحسن تأويلا "كما قال بسورة الإسراء والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
سميت لذكر الفرقان بقوله "تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ".
"بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا "المعنى بحكم الرب النافع المفيد دام الذى أوحى القضاء إلى مملوكه ليصبح للناس مخبرا ،يبين الله الرحمن الرحيم أى الرب النافع المفيد أن اسمه وهو حكمه هو أن الذى أنزل الفرقان على عبده قد تبارك والمراد أن الذى أوحى الوحى الفاصل بين الحق والباطل فى كل القضايا وهو الكتاب مصداق لقوله بسورة الزمر "الله نزل أحسن الكتاب كتابا "على مملوكه محمد(ص)قد دام أى بقى والمراد أن الله دائم أى مستمر الوجود أى هو الباقى وسبب إنزال الوحى على محمد(ص)هو أن يكون للعالمين نذيرا أى أن يصبح للناس مبلغا للوحى والخطاب وما بعده للناس .
"الذى له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شىء فقدره تقديرا "المعنى الذى له حكم السموات والأرض ولم يصطفى ابنا ولم يكن له مقاسم فى الحكم وأنشأ كل مخلوق فعدله تعديلا ،يبين الله للناس أن الله هو الذى له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة الحديد وهو لم يتخذ ولدا أى لم يلد ابنا مصداق لقوله بسورة الإخلاص "لم يلد "ولم يكن له شريك فى الملك والمراد ولم يكن لله مقاسم أى مكافىء فى حكم الكون مصداق لقوله بسورة الإخلاص "ولم يكن له كفوا أحد " وهو الذى خلق كل شىء فقدره تقديرا والمراد الذى أنشأ كل مخلوق فأحسن خلقه إحسانا مصداق لقوله بسورة السجدة "الذى أحسن كل شىء خلقه "وهذا يعنى أنه أتقن المخلوق إتقانا .
"واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا "المعنى وعبدوا من غيره أرباب لا يصنعون أمرا وهم يصنعون ولا يقدرون لأنفسهم أذى ولا خيرا ولا يفعلون هلاكا ولا خلقا ولا بعثا ،يبين الله أن الكفار اتخذوا من دونه آلهة أى جعلوا لهم من سواه أولياء أى شفعاء مصداق لقوله بسورة الزمر "والذين اتخذوا من دونه أولياء "وأم اتخذوا من دون الله شفعاء "وهم لا يخلقون شيئا والمراد لا يبدعون مخلوقا أى لا يقدرون على إبداع مخلوق وهم يخلقون أى يبدعون والمراد أن الله يخلقهم وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا والمراد وهم لا يقدرون لأنفسهم على أذى ولا خيرا وهذا يعنى أنهم لا يحدثون لأنفسهم شرا أو خيرا وأيضا لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا والمراد لا يقدرون على هلاك الخلق وعلى إحياء أى خلق الخلق وهو نشورهم أى بعثهم مرة أخرى وهذا يعنى أن ليس معهم قدرة من قدرات الإله الحق ومن ثم فهم ليسوا آلهة والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده .
"وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم أخرون فقد جاءوا ظلما وزورا "المعنى وقال الذين كذبوا إن هذا إلا كذب اختلقه وساعده عليه ناس أخرون فقد أتوا باطلا أى كذبا ،يبين الله أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قالوا إن هذا إلا إفك افتراه والمراد إن القرآن إلا كذب اختلقه أى تقوله محمد (ص)على الله وأعانه عليه قوم آخرون والمراد وساعده على اختلاقه ناس آخرون وهذا يعنى أن القرآن فى رأى الكفار ليس سوى مؤلف ألفه الرسول (ص)بمشاركة بعض الناس ويبين الله لنا أن هؤلاء الكفار جاءوا ظلما أى زورا والمراد لقد قالوا كذبا أى باطلا .
" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا "المعنى وقالوا تخاريف السابقين سجلها فهى تلقى عليه نهارا وليلا ،يبين الله أن الكفار قالوا أيضا عن القرآن أساطير الأولين أى تخاريف وهى أكاذيب السابقين دونها فى الصحف فهى تملى عليه بكرة وأصيلا والمراد فهى تلقى على مسمعه نهارا وليلا وهذا يعنى أنهم يتهمون النبى (ص)بكتابة القرآن وهو أمى لم يكن يقرأ ويكتب والخطاب للنبى(ص) .
"قل أنزله الذى يعلم السر فى السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما "المعنى قل أوحاه الذى يعرف الخفى فى السموات والأرض إنه كان عفوا رحيما "المعنى قل أوحاه الذى يعرف الخفى فى السموات والأرض إنه كان عفوا نافعا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم أنزل الوحى الذى يعلم السر والمراد أوحى القرآن الذى يعرف "غيب السموات والأرض "كما قال بسورة الحجرات وهو الخفى فى الكون إنه كان غفورا رحيما أى نافعا مفيدا لمن يطيع حكمه والخطاب للنبى(ص) .
"وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "المعنى وقالوا مال هذا النبى (ص)يطعم الأكل ويسير فى المتاجر لولا أرسل معه ملاك فيصبح معه مبلغا أى يعطى له مال أو تصبح له حديقة يرزق منها وقال الكافرون إن تطيعون سوى ذكرا مخادعا ،يبين الله أن الكفار تساءلوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق والمراد لماذا هذا المبعوث يتناول الأكل ويسير فى المتاجر ؟والغرض من السؤال هو إخبار ضعاف الناس أن هذا الرسول (ص)ليس رسولا بدليل أكله للطعام مثلهم ومتاجرته فى الأسواق مثلهم فالرسول فى رأيهم لا يأكل ولا يتاجر فى السوق وقالوا لولا أنزل إليه ملك أى لولا "جاء معه ملك "كما قال بسورة هود والمراد هلا أتى معه ملاك فيكون معه نذيرا والمراد فيصبح معه مبلغا للوحى وهذا يدلنا على تناسى القوم أن الله أخبرهم أنهم لا يرون ملاكا قبل القيامة وقالوا أو يلقى إليه كنز أى "لولا أنزل إليه كنز "كما قال بسورة هود والمراد هلا أعطى له مال وفير كان مخفيا أو تكون له جنة يأكل منها والمراد أو تصبح ملكه حديقة يرزق منها وهذا يعنى أنهم يطلبون معجزات وهم يعلمون أن الله أخبرهم أنه لن ينزل لهم معجزات وقال الظالمون وهم الكافرون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا والمراد إن تطيعون إلا ذكرا مخادعا وهذا يعنى اتهام الكفار للرسول (ص)بممارسة السحر وهو الخداع لجذب الناس لدعوته والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا "المعنى فكر كيف قالوا لك الأقوال فعوقبوا فلا يدخلون جنة ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر والمراد أن يعلم كيف ضربوا له الأمثال والمراد كيف قالوا له الأكاذيب وهى حجج الباطل فضلوا أى فعذبوا فلا يستطيعون سبيلا والمراد فلا يهتدون طريقا مصداق لقوله بسورة النساء "ولا يهتدون سبيلا "وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة .
"تبارك الذى إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا "المعنى دام الذى إن أراد أعطى له أفضل من ذلك حدائق تسير من أسفلها العيون ويعطى لك بيوتا ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى إن شاء أى أراد فعل التالى جعل له خيرا من ذلك أى أعطى له أفضل مما يقول الكفار من الكنز والحديقة وهو جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وفسر هذا بأنه يجعل له قصورا أى مساكنا طيبة ،قد تبارك أى دام أى بقى وهو يعنى أن الله هو الحى الباقى .
"بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا دعوا هنا لك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا "المعنى لقد كفروا بالقيامة وجهزنا لمن كفر بالقيامة نارا إذا شهدتهم من موضع قصى علموا لها غضبا وألما وإذا وضعوا فيها موضعا صغيرا مقيدين قالوا عند ذلك عذابا لا تقولوا الآن عذابا واحدا وقولوا عذابا مستمرا،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قد كذبوا بالساعة أى كفروا بالقيامة وقد اعتد الله لمن كذب بالساعة سعيرا والمراد وقد جهز لمن كفر بالقيامة عذابا أليما مصداق لقوله بسورة الإسراء "أعتدنا لهم عذابا أليما "والنار إذا رأتهم من مكان بعيد أى إذا شاهدتهم من موقع بعيد سمعوا لها تغيظا أى زفيرا والمراد علموا لها غضبا أى صوتا دالا على الغضب الشديد وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين والمراد وإذا وضعوا فى النار فى مكان صغير وهم مقيدين فى السلاسل وهى الأصفاد مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد "وعند ذلك دعوا هنالك ثبورا أى قالوا فى ذلك المكان ويلا لنا فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا والمراد لا تقولوا الآن عذابا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا والمراد وقولوا عذابا مستمرا وهذا يعنى إخبارهم أن العذاب ليس مرة واحدة وإنما عذاب أبدى مستمر والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"قل أذلك خير أم جنة الخلد التى وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا "المعنى قل هل النار أفضل أم حديقة الدوام التى أخبر المطيعون كانت لهم ثوابا أى مقاما لهم فيها ما يريدون مقيمين كان على إلهك قولا واجبا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أذلك خير أم جنة الخلد والمراد هل النار أحسن أم حديقة الدوام التى وعد المتقون أى التى أخبر المطيعون؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن الجنة أفضل من النار والجنة كانت للمطيعين جزاء أى مصير أى ثواب أى مرتفق أى مقام مصداق لقوله بسورة الكهف "نعم الثواب وحسنت مرتفقا "ولهم فيها ما يشاءون والمراد لهم فيها ما يشتهون أى ما يدعون مصداق لقوله بسورة فصلت "ولكم فيها ما تدعون "خالدين أى مقيمين فى الجنة أى "ماكثين فيها أبدا "كما قال بسورة الكهف وكان ذلك على ربك وعدا مسئولا والمراد وكان دخول الجنة على إلهك عهدا واجبا مصداق لقوله بسورة الأحزاب "وكان عهد ربك مسئولا "والمراد قولا متحققا .
"ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فلا تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا "المعنى ويوم يبعثهم والذين يطيعون من سوى الرب فيقول هل أنتم أبعدتم خلقى هؤلاء أم هم أبعدوا أنفسهم عن الدين قالوا طاعتك ما كان يحق لنا أن نعبد من سواك من آلهة ولكن أعطيتهم وآبائهم حتى تركوا الدين وكانوا ناسا خاسرين فقد كفروا بالذى تزعمون فما تقدرون على فعل أى إنقاذا ومن يكفر منكم ندخله عقابا مستمرا،يبين الله لنبيه (ص)أنه يوم يحشرهم أى يبعثهم مرة ثانية للحياة وما يعبدون أى "ما يدعون من دونه "كما قال بسورة الحج والمراد وما يزعمون أنهم يطيعونهم من غير الله فيقول للمعبودين بالزعم أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل والمراد هل أنتم أبعدتم خلقى هؤلاء عن الحق أم هم بعدوا من أنفسهم عن الحق؟والغرض من السؤال إظهار كذب الكفار فى زعمهم عبادة المذكورين هنا فقالوا سبحانك أى الطاعة لحكمك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والمراد ما كان يحق لنا أن نعبد من غيرك من آلهة مزعومة وهذا يعنى أنهم يعلنون عبادتهم لله فكيف يعبدونه وفى الوقت نفسه يدعون لعبادتهم وقالوا ولكن متعتهم وآباؤهم حتى نسوا الذكر ولكن أعطيتهم وآباؤهم الرزق حتى تركوا طاعة الإسلام وكانوا قوما بورا أى وكانوا ناسا خاسرين وهذا اتهام للكفار بأنهم السبب فى ضلال أنفسهم فيقال للكفار فقد كذبوكم بما تقولون والمراد فقد جحدوكم بالذى تزعمون فلا تستطيعون صرفا أى نصرا والمراد فلا تقدرون على عمل أى إنقاذ لهم ويبين الله للناس أن من يظلم منهم أى من يكفر منهم نذقه عذابا كبيرا أى عقابا أليما مصداق لقوله بسورة الحج "نذقه من عذاب أليم ".
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا "المعنى وما بعثنا قبلك من الأنبياء إلا أنهم ليتناولون الأكل ويسيرون فى المتاجر وخلقنا بعضكم لبعض بلاء أتطيعون وكان إلهك عليما ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل المرسلين والمراد بعث الأنبياء من قبل وجوده وهم قد فعلوا التالى أكلوا الطعام أى تناولوا الأكل ومشوا فى الأسواق أى وساروا فى المتاجر وهذا يعنى أنهم كانوا بشرا مثله ومثل الناس ولم يكونوا ملائكة كما زعم الكفار ويبين للناس أنه جعلهم بعضهم لبعض فتنة أى بلاء أى اختبار ليعلم أيصبرون أى أيطيعون حكم الله أم يخالفونه ويبين لنبيه (ص)أنه كان بصيرا أى عليما مصداق لقوله بسورة يوسف "إن ربك عليم "وهذا يعنى معرفته بكل شىء ومحاسبتهم عليه والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص) .
"وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا وعتو عتوا كبيرا "المعنى وقال الذين لا يصدقون بجزائنا هلا بعث لنا الملائكة أو نشاهد إلهنا أى كفروا كفرا عظيما ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين لا يرجون لقاء الله وهم الذين لا يؤمنون بجزاء الله وهو الآخرة مصداق لقوله بسورة النجم "إن الذين لا يؤمنون بالآخرة "قالوا لولا أنزل عليه الملائكة والمراد هلا أرسل معه الملائكة أو نرى ربنا أى أو نشاهد إلهنا وهذا يعنى أنهم يطلبون حضور الملائكة مع النبى (ص)أو مشاهدة الله عيانا حتى يصدقوا بما يقول لهم وبقولهم هذا استكبروا أى استعظموا على طاعة حكم الله وفسره بأنهم عتوا عتوا كبيرا أى كفروا كفر عظيما والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا "المعنى يوم يشاهدون الملائكة لا فرحة يومذاك للمكذبين ويقولون سجنا مؤبدا وأعطينا لهم الذى فعلوا من فعل فجعلناه خاسرا منشورا،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار يوم يرون أى يشاهدون الملائكة على صورتهم الحقيقية لا بشرى يومئذ للمجرمين أى لا رحمة فى ذلك اليوم للكافرين وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة ويقولون حجرا محجورا والمراد سجنا أبديا وهذا يعنى أنهم فى النار يقيمون فلا خروج منها أبدا ويبين الله لنا أنه قدم إلى ما عملوا من عمل والمراد أنه بين لهم الذى صنعوا من فعل فجعله هباء منثورا والمراد فحكمنا أنه ضال منشور مصداق لقوله بسورة محمد "وأضل أعمالهم "و"فأحبط أعمالهم "وهذا يعنى أن أعمالهم لا ثواب عليها وهى مفرقة فى كتاب كل منهم المنشور .
"أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا "المعنى سكان الحديقة يومذاك أحسن مقاما أى أفضل مكانا ،يبين الله لنبيه (ص)أن أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة يومئذ أى فى يوم القيامة خير مستقرا أى أحسن مقيلا والمراد أفضل مقاما أى أحسن مكانا مصداق لقوله بنفس السورة "حسنت مستقرا ومقاما ".
"ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا"المعنى ويوم تنفتح السماء بالسحاب وهبطت الملائكة هبوطا الحكم يومذاك العدل للنافع وكان يوما على المكذبين شاقا،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة تتشقق السماء بالغمام والمراد تنفتح فيه السموات بالسحاب أى تنفجر السموات بواسطة السحاب وتنزل الملائكة تنزيلا والمراد وتهبط الملائكة من السموات إلى الأرض هبوطا فترى على صورتها الحقيقية وفى هذا اليوم يكون الملك الحق للرحمن والمراد يكون الأمر وهو الحكم العدل لله النافع مصداق لقوله بسورة الإنفطار "والأمر يومئذ لله "وكان يوم القيامة على الكافرين وهم المكذبين بحكم الله عسير أى شاق متعب غير يسير كما قال بسورة المدثر "على الكافرين غير يسير ".
"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا "المعنى ويوم يضغط الكافر على كفيه يقول يا ليتنى اتبعت مع النبى طاعة الله يا عذابى ليتنى لم أجعل فلانا صاحبا لقد أبعدنى عن الحق بعد إذ أتانى وكان الهوى للإنسان مخيبا ،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يعض الظالم على يديه أى يضغط الكافر بأسنانه على لحم كفيه من الندم فيقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا والمراد يا ليتنى اتبعت مع النبى إسلاما ويقول يا ويلتى أى يا عذابى أى يا خسارتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا والمراد ليتنى لم أطع فلانا صاحبا وهو يقصد الشيطان لقد أضلنى بعد إذ جاءنى الذكر والمراد لقد أبعدنى بعد إذ أتانى الحق وهذا يعنى أنه يلقى المسئولية على غيره وهو الفلان الخليل ويبين الله له أن الشيطان وهو الهوى كان للإنسان وهو الفرد خذولا أى مخيبا لآماله أى عدوا له مصداق لقوله بسورة فاطر "إن الشيطان لكم عدو " والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا "المعنى وقال النبى (ص)يا إلهى إن شعبى جعلوا هذا الوحى مخالفا ،يبين الله لنا أن النبى (ص)دعاه فقال يا رب أى يا إلهى إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا والمراد إن ناسى جعلوا هذا الكتاب متروك الطاعة وهذا يعنى مخالفتهم للقرآن مخالفة تامة والخطاب للمؤمنين.
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا "المعنى وهكذا خلقنا لكل رسول كارها من الكافرين وحسبك إلهك راحما أى وليا ،يبين الله لنبيه (ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى تكذيب وهى هجر القوم للوحى جعل لكل نبى عدوا من المجرمين والمراد خلق لكل رسول باغض من الكافرين وهم شياطين الإنس والجن مصداق لقوله بسورة الأنعام "كذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن "ويبين له أنه كفاه ربه هاديا أى نصيرا والمراد حسبه خالقه ناصرا أى وليا ينقذه من كل سوء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا "المعنى وقال الذين كذبوا هلا أوحى له الكتاب مرة واحدة هكذا لنطمئن به قلبك ونزلناه تنزيلا،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا القرآن قالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة والمراد هلا جاء له الكتاب مرة واحدة وهذا يعنى أنهم كانوا يريدون مجىء القرآن كله مرة واحدة ظانين أن نزوله جملة سيمكنهم من أن يسألوا النبى (ص)عما ليس موجودا فيه فيعجزوه عن الرد ويبين له أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى نزول القرآن مفرقا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وقرآنا فرقناه "يثبت به فؤاده والمراد يطمئن أى يسكن به نفسه ويبين أنه رتله ترتيلا أى نزله ترتيلا مصداق لقوله بسورة الإسراء "ونزلناه تنزيلا "والمراد وأوحيناه مفرقا .
"ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا "المعنى ولا يجيئونك بشبه إلا أتيناك بالعدل أى أفضل حكما ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار لو أتوه بمثل أى لو جاءوه بشبه للقرآن وهو مستحيل لأن الله لن يعطيه لهم فإن الله يجيئه بالحق والمراد فإن الله يوحى له العدل وهو الصدق وفسره بأنه أحسن تفسيرا أى أفضل حكما أى "أحسن تأويلا "كما قال بسورة الإسراء والخطاب وما بعده للنبى(ص) .