سورة طه
سميت السورة بهذا الاسم لذكر طه وهو النبى (ص)فى بدايتها.
"بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى "المعنى بحكم الرب النافع المفيد محمد(ص)ما أوحينا لك الوحى لتعذب إلا تفكرة لمن يخاف ،وحيا ممن أنشأ الأرض والسموات الكبار ،يبين الله لمحمد(ص)أن الله الرحمن الرحيم أى أن الرب النافع المفيد باسمه والمراد قد حكم أن القرآن نزل على طه حتى لا يشقى والمراد أن الوحى أوحى لمحمد(ص)حتى لا يعذب فى الأخرة،والله هنا ينادى على رسوله(ص)بطه وهو من الحروف المقطعة فالمقصود بالنداء فى طه هو محمد(ص)لأنه هو الذى نزل عليه القرآن ويبين له التالى :
أنه ما أنزل عليه القرآن ليشقى والمراد أنه ما أوحى له الوحى حتى يعذب فالقرآن هو تذكرة لمن يخشى والمراد تفكرة لمن يخاف أى نصح لمن يخاف عذاب الله والقرآن هو تنزيل أى وحى مصداق لقوله بسورة النجم"إن هو إلا وحى يوحى "وصاحب الوحى هو من خلق أى "فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام ووصف السموات بالعلى يعنى ارتفاعها فوق الأرض سبع طبقات والخطاب وما بعده من السورة للنبى(ص) ما لم نقل فى آيته غير ذلك.
"الرحمن على العرش استوى له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت السرى "المعنى النافع على الملك سيطر له الذى فى السموات والذى فى الأرض والذى وسطهما والذى أسفل الأرض ،يبين الله لنبيه(ص)أنه هو الرحمن أى النافع استوى على العرش أى أوحى إلى الملك والمراد نزل على الكون الوحى وفسر هذا بأنه أخبرهم أنه ملك كل من فى السموات ومن فى الأرض وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما وما تحت الثرى وهو الذى أسفل الأرض وهى الطبقات الستة الأخرى للأرض لأن ذكر الأرض فى الأول كان مفردا مرادا بها الأرض المعروفة وهى الطبقة السابعة وفى هذا قال بسورة الحديد"له ملك السموات والأرض".
"وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى "المعنى وإن تعلن الحديث فإنه يعرف النجوى أى أكتم ،الله لا رب إلا هو له الأحكام النافعة ،يبين الله لنبيه(ص)أنه إن يجهر بالقول أى إن يبدى الحديث فإن الله يعلم أى يعرف التالى السر وهو الخفى وفسره بأنه أخفى أى أكتم والمراد الحديث المكتوم مصداق لقوله بسورة النور"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" وهذا رد من الله على من زعموا علمه بالجهر وحده،ويبين له أن لا إله إلا هو أى لا رب إلا الله وهو له الأسماء الحسنى أى الأحكام العادلة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما".
"وهل أتاك حديث موسى إذ رءا نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "المعنى وهل جاءتك قصة موسى(ص)وقت شاهد نارا فقال لأسرته إنى رأيت وقودا لعلى أجيئكم منها بقطعة أو ألقى عند النار رشاد ،يسأل الله نبيه(ص)هل أتاك حديث موسى (ص)إذ رأى نارا والمراد هل نزل عليك وحى بقصة موسى (ص)حين شاهد نارا ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)أن الله سيقص عليه قصة موسى (ص)التى تبدأ برؤيته للنار عند الجبل ،ويبين له أن موسى (ص)قال لأهله وهم زوجته وأولاده :امكثوا أي أقيموا مكانكم هنا ،إنى آنست نارا والمراد إنى شاهدت نار على بعد لعلى آتيكم منها بقبس أى لعلى أجيئكم منها بقطعة أى بجذوة للإستدفاء وهو الإصطلاء لوجود برد فى تلك الليلة أو أجد على النار هدى أى أو ألقى عند النار خبر نافع مصداق لقوله بسورة القصص""إنى آنست نار لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار" وهذا يعنى أنه ذهب لمكان النار لأحد أمرين الأول المجىء بقطعة من النار للإستدفاء لوجود البرد والثانى أن يلقى عند النار من يخبره خبر نافع لهم فى رجوعهم لمصر
"فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى "المعنى فلما جاءها خوطب يا موسى إنى أنا إلهك فاترك نعليك إنك بالمكان المبارك طوى وأنا اصطفيتك فاستمع لما يلقى إننى أنا الله لا رب إلا أنا فأطعنى أى اتبع الدين لأجرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما جاء عند مكان النار نودى أي خوطب أى كلم الله موسى (ص)فقال يا موسى إنى أنا ربك أى إلهك ،وهذا إخبار من الله بأن المتكلم وهو الموحى هو الله الخالق ،فاخلع نعليك أى فاترك حذاءيك ،وهذا يعنى أن المطلوب منه أن يقلع حذاءيه من رجليه والسبب :إنك بالواد المقدس طوى أى إنك بالبقعة المباركة طوى مصداق لقوله بسورة القصص"فى البقعة المباركة "وهذا يعنى أن سبب طلب خلع النعل هو الوجود بالمكان المقدس طوى ومن اسمه طوى نفهم أن هذا المكان يخفيه الله حتى لا يدنسه أحد وهو مكان الكعبة ،وقال :وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى والمراد وأنا اصطفيتك أى اصطنعتك مصداق لقوله بسورة طه"واصطنعتك لنفسى" فافهم ما يقال وهذا يعنى أن الله اجتبى موسى (ص)رسولا وعليه أن يفهم الوحى وكلمة يوحى تدل على أن خطاب الله لموسى (ص)ليس سوى وحى يقول :إننى أنا الله لا إله أى لا رب إلا أنا فاعبدنى أى فأطعنى أى فاتبعنى وفسر هذا بقوله
وأقم الصلاة لذكرى والمراد أطع الدين لأجرى وهذا يعنى أن يطيع حكم الله لينال ثواب الله .
"إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " المعنى إن القيامة حادثة أريد أسرها ليعطى كل فرد بما يعمل فلا يبعدنك عنها من لا يصدق بها وأطاع ظنه فخسر ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قال لموسى (ص)فى وحيه المتكلم به معه :إن الساعة آتية والمراد إن القيامة حادثة فى المستقبل ،أكاد أخفيها أى أريد أسرها والمراد أنه أراد عدم إعلان موعدها والسبب فى قدوم الساعة لتجزى كل نفس بما تسعى أى ليحاسب كل فرد بما يكسب أى يعمل مصداق لقوله بسورة إبراهيم"ليجزى الله كل نفس ما كسبت "ويقول:فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها والمراد فلا يردنك عن التصديق بها من لا يصدق بوقوعها واتبع هواه فتردى أى وأطاع ظنه وهو شهوته أى شيطانه فخسر الثواب .
"وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها فألقاها فإذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "المعنى وما تلك بيدك يا موسى قال هى منسأتى اعتمد عليها وأجمع بها غنمى ولى فيها أغراض أخرى قال أرمها فرماها فإذا هى ثعبان يتحرك قال أمسكها ولا تخشى سنرجعها طبيعتها السابقة ،يبين الله لنا أن الله سأل موسى (ص)وما تلك بيمينك يا موسى والمراد ماذا يوجد فى يدك اليمنى يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال ليس العلم بما فى يد موسى (ص)ووظائفه وإنما الغرض تنبيه موسى(ص) إلى أهمية ما فى يده ،فأجاب موسى (ص)فقال:هى عصاى أى منسأتى أتوكؤا عليها والمراد اعتمد عليها فى السير وأهش بها على غنمى أى وأشير بها إلى غنمى كى تتجمع ولى فيها مآرب أخرى والمراد ولى فيها استعمالات غير ذلك كحمل الطعام على طرفها والتأديب بها ،فقال الله لموسى (ص)ألقها أى ارمى العصا ،فنفذ موسى (ص)الأمر فألقاها أى فرماها على الأرض فإذا هى حية تسعى والمراد فإذا هى تتحول إلى ثعبان يتحرك وعند ذلك جرى موسى (ص)خوفا فأمره الله بالرجوع وقال له:خذها أى أمسك الحية ولا تخف أى ولا تخشى أذى منها سنعيدها سيرتها الأولى والمراد سنرجعها طبيعتها السابقة ،ومن هنا نفهم قدرة الله على تحويل ماهية الشىء فالعصا كحقيقة تحولت إلى ثعبان حقيقى وهذا ما يسمى إخراج نوع من نوع أخر لا علاقة له به.
"واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى "المعنى وضع كفك تحت إبطك تطلع منيرة من غير علامة معجزة ثانية لنشهدك من معجزاتنا العظمى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)واضمم يدك إلى جناحك أى وضع كفك تحت إبطك والمراد وادخل كفك فى جيبك مصداق لقوله بسورة النمل"وأدخل يدك فى جيبك"تخرج بيضاء من غير سوء أى تطلع منيرة من غير ظلام آية أخرى أى معجزة ثانية لنريك من آياتنا الكبرى أى لنشهدك من معجزاتنا العظمى ومن هنا نفهم أيضا قدرة الله على تحويل طبيعة الأشياء فاليد العادية أصبحت مصباح منير ليس فيه أى قطعة تدل على الظلام .
"اذهب إلى فرعون إنه طغى "المعنى ارحل إلى فرعون إنه ظلم ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)اذهب إلى فرعون أى أئت إلى مكان فرعون فإنه طغى أى تجبر أى ظلم مصداق لقوله بسورة الشعراء"وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون"،وهذا يعنى أنه طلب منه السفر إلى بلد فرعون حتى يزيل الظلم الذى أحدثه فرعون .
"قال رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى اشدد به أزرى وأشركه فى أمرى كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا "المعنى قال إلهى نور لى قلبى وسهل لى شأنى وأزل مرض من فمى يفهموا حديثى وعين لى وكيلا من أسرتى هارون (ص)أخى قوى به عزمى وقاسمه فى شأنى كى نطيعك دوما أى نتبعك دوما إنك كنت بنا عليما ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)دعا الله فقال :رب أى خالقى :اشرح لى صدرى أى نور لى قلبى والمراد افرح نفسى يالإسلام وكرر ذلك بقوله ويسر لى أمرى أى سهل لى شأنى والمراد وأصلح لى نفسى ،وقال واحلل عقدة من لسانى أى وافكك ربطة فى فمى يفقهوا قولى أى يفهموا حديثى ،وهذا يعنى أن لسانه كان فيه عقدة أى مرض يمنعه من الحديث السليم وهو يطلب إزالته حتى يفهم الناس حديثه الداعى إلى الإسلام ،وقال واجعل لى وزيرا من أهلى أى وعين لى مساعدا من أسرتى هارون (ص)أخى ،وهذا يعنى أنه يشترط فى الوزير أن يكون من أسرته وأن يكون تحديدا هارون (ص)أخيه وقد بين موسى (ص)سبب اشتراطه ذلك وهو اشدد به أزرى أى قوى به شأنى والمراد أن يقوى به نفس موسى (ص)على أمر الدعوة ،وأشركه فى أمرى أى وقاسمه فى شأنى وهو تفسير شد الأزر والمراد أن يقاسمه فى أمر الدعوة فيصبح رسولا مثله ومن هنا نفهم أن موسى طلب الوزير ليشاركه فى الرسولية وبين موسى (ص)سبب طلبه لكل تلك الطلبات فقال كى نسبحك كثيرا أى كى نذكرك كثيرا والمراد كى نطيعك دوما أى كى نتبع حكمك بإستمرار وبين موسى (ص)لله أنه كان بهم بصيرا أى عليما للذى يحتاجونه .
"قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى "المعنى قال قد أعطيت مطلبك يا موسى (ص)ولقد تفضلنا عليك مرة ثانية إذ ألقينا إلى والدتك الذى يلقى أن ضعيه فى الصندوق فضعيه على النهر فيرمه النهر بالشاطىء يمسكه كاره لى وكاره له ووضعت لك ود منى ولتربى فى رعايتى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)ردا على الدعاء:قد أوتيت سؤلك والمراد قد لبيت مطالبك يا موسى (ص)وهذا يعنى أنه شرح صدره وحل عقدة لسانه وجعل هارون (ص)وزيرا ،وقال له :ولقد مننا عليك مرة أخرى والمراد وقد أنعمنا عليك مرة ثانية إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أى حين قلنا لوالدتك الذى يقال لك الآن :أن اقذفيه فى التابوت أى ضعى موسى (ص)فى الصندوق فاقذفيه فى اليم أى فضعى الصندوق فى النهر فليلقه اليم بالساحل أى فليرمه موج النهر على الشاطىء يأخذه عدو لى وعدو له والمراد يبقيه فى بيته كاره لى وكاره له وهذا يعنى أن موسى (ص)لكى ينجو جعله الله فى أحضان العدو المشترك لله وموسى (ص)وهو فرعون ،وقال له وألقيت عليك محبة منى أى وأعطيت لك رحمة من عندى وفسر هذا بأنه قال ولتصنع على عينى أى ولتربى فى رعايتى وهذا يعنى أن موسى (ص)تمت تربيته فى رعاية الله والمراد تحت إشراف أمه التى ربته على دين الله من خلال إرضاعها وتربيتها له فى بيت فرعون .
"إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين فى أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسى "المعنى حين تسير أختك فتقول هل أرشدكم إلى من يرضعه فأعدناك لوالدتك كى يطمئن قلبها ولا تخف وذبحت إنسانا فأنقذناك من العقاب واختبرناك اختبارا فمكثت سنوات فى أصحاب مدين ثم أتيت فى موعد يا موسى (ص)وربيتك لأمرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص):لقد مننت عليك حين تمشى أى تسير أختك إلى بيت فرعون فتقول :هل أدلكم على من يكفله أى هل أعرفكم بمن يربيه والمراد هل أعلمكم بمن ترضعه ؟والغرض من السؤال هو إعادة أخيها إلى أمها وقد استجاب القوم لطلب الأخت فكانت النتيجة أن أرجع أى أعاد الله موسى (ص)إلى أمه وهى والدته والسبب أن تقر عينها أى أن يطمئن قلبها والمراد تسكن نفسها وفسر الله هذا بأن لا تحزن أى ألا تخاف عليه من أذى فرعون ،وقال لموسى (ص)وقتلت نفسا والمراد ومننت عليك حين ذبحت إنسانا فنجيناك من الغم والمراد فأنقذناك من العقاب الممثل فى قتله ،وقال :وفتناك فتونا أى وامتحناك امتحانات عديدة فلبثت سنين فى أهل مدين أى فبقيت سنوات فى أصحاب مدين ،وهذا يعنى أنه أقام عشر سنوات فى بلدة مدين وقال ثم جئت على قدر يا موسى أى ثم أتيت فى الموعد يا موسى (ص)وهذا يعنى أن موسى(ص)قد حضر فى الموعد الذى حدد الله سلفا ،وقال واصطنعتك لنفسى أى وخلقتك لأمرى والمراد أن الله خلق موسى (ص)لطاعة حكمه .
"اذهب أنت وأخوك بآياتى ولا تنيا فى ذكرى اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "المعنى ارحل أنت وهارون(ص)بمعجزاتى ولا تضعفا فى طاعتى ارحلا إلى فرعون إنه ظلم فتحدثا معه حديثا سهلا لعله يتفهم أو يخاف ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص):اذهب أنت وأخوك بآياتى والمراد سافر أنت وأخوك بمعجزاتى ولا تنيا فى ذكرى أى ولا تفترا فى طاعتى ،وهذا يعنى أن الله طلب من موسى (ص)وهارون (ص)أن يذهبا إلى فرعون بالمعجزات على أن يتبعا حكم الله فى حياتهما ،وقال له اذهبا لفرعون أى سيرا إلى مكان إقامة فرعون إنه طغى أى ظلم والمراد أفسد فى البلاد فقولا له قولا لينا والمراد فتحدثا مع فرعون حديثا ميسورا لعله يتذكر أى يتفهم الحديث فيطيع أى يخشى عذاب الله فيطيع حكم الله.
"قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى "المعنى قالا إلهنا إننا نخشى أن يؤذينا أى أن يظلم ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)وهارون(ص)قالا لله :ربنا أى إلهنا :إننا نخاف أن يفرط علينا أى إننا نخشى أن يؤذينا فرعون أى أن يطغى والمراد أن يبغى علينا وهذا يعنى أنهما يخافان من أن يقتلهما فرعون بسبب دعوتهما له .
"قالا لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى "المعنى قال لا تخشيا إننى ناصركما أعلم أى أعرف فاذهبا له فقولا إنا مبعوثا إلهك فابعث معنا أولاد يعقوب (ص)ولا تعاقبهم قد أتيناك بعلامة من إلهك والخير لمن أطاع الوحى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)وهارون(ص):لا تخافا أى لا تخشيا أذى فرعون ،إننى معكما أسمع أى أرى والمراد إننى حاميكما أعلم أى أعرف وهذا يعنى أنه جعل لهما حامى هو السلطان فلا يصلون بأذى لهما مصداق لقوله بسورة القصص"ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا"وقال فأتياه أى فجيئا فرعون فقولا :إنا رسولا ربك أى إنا مبعوثا خالقك فأرسل معنا بنى إسرائيل أى فابعث معنا أولاد يعقوب ولا تعذبهم أى ولا تؤذيهم ،وهذا يعنى أن الهدف من إرسال موسى (ص)وهارون(ص)هو أخذ بنى إسرائيل من مصر فى سلام وأمن ،وقال قد جئناك بآية من ربك أى وقد أتيناك بمعجزة من إلهك والمراد أن الرسولين(ص)أحضرا المعجزات أى الأشياء المبينة الدالة على صدق حديثهما مصداق لقوله بسورة الشعراء"أو لو جئتك بشىء مبين" وقال السلام على من اتبع الهدى والمراد الثواب لمن أطاع الوحى .
"إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى "المعنى إنا قد ألقى لنا أن العقاب نصيب من كفر أى خالف،يبين الله لنبيه(ص)أن الرسولين(ص)قالا لفرعون:إنا قد أوحى إلينا والمراد إنا قد أنزل علينا أن العذاب وهو الخزى أى السوء على من كذب أى تولى أى كفر بالوحى مصداق لقوله بسورة النحل"إن الخزى اليوم والسوء على الكافرين" .
"قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى "المعنى قال فمن إلهكما يا موسى (ص)قال إلهنا الذى أتى كل مخلوق حقه ثم أرشد قال فما خبر الأمم السابقة قال معرفتها لدى إلهى فى سجل لا يظلم إلهى ولا يغفل ، يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون سأل موسى (ص)من ربكما أى من إلهكما يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال هو أن يعلم كيان الرب المادى وليس حقيقته فأجاب موسى (ص)وهارون(ص):ربنا أى إلهنا الذى أعطى كل شىء خلقه أى الذى وهب كل مخلوق حسنه ثم هدى أى رشد والمراد أن الله هو الذى أتى كل مخلوق حقه من الإتقان فى الخلق ثم عرفه الحق الواجب عليه ،فسألهما:فما بال القرون الأولى والمراد فما حال الأمم السابقة والغرض من السؤال هو إخبار الرسولين(ص)أن الأمم السابقة لم تعبد إلههما وإنما عبدت آلهة متعددة فرد الرسولان :علمها عند ربى فى كتاب أى معرفتها لدى إلهى فى سجل والمراد أن أعمال الأمم السابقة مسجلة عند الله فى أم الكتاب حتى يحاسبهم عليها وقالا لا يضل ربى أى لا يظلم خالقى مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا يظلم ربك أحدا"ولا ينسى أى لا يغيب عن علمه شىء أى لا يغفل عنهم مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وما كنا عن الخلق غافلين".
"الذى جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن فى ذلك لآيات لأولى النهى"المعنى الذى خلق لكم الأرض فراشا وجعل لكم فيها طرقا وأسقط من السحاب مطرا فأنبتنا به أفرادا من أنواع مختلفة اطعموا وأطعموا أنعامكم إن فى ذلك لبراهين لأصحاب العقول،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسولين(ص)قالا لفرعون: الذى جعل لكم الأرض مهدا والمراد الذى خلق لكم الأرض بساطا أى فراشا مصداق لقوله بسورة نوح"والله جعل لكم الأرض بساطا"وبسورة البقرة "الذى جعل لكم الأرض فراشا "وسلك لكم فيها سبلا والمراد وخلق لكم فيها طرقا للسير وأنزل من السماء ماء والمراد وأسقط من السحاب مطرا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى أى فأنبتنا بالماء أفرادا من أنواع مختلفة مصداق لقوله بسورة لقمان"فأنبتنا فيها من كل زوج كريم" ،كلوا أى اطعموا من هذه الأنواع وارعوا أنعامكم أى وأطعموا أى قدموا الأكل لأنعامكم مصداق لقوله بسورة السجدة "فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم "،إن فى ذلك لآيات لأولى النهى والمراد إن فى ذلك لعبر لأصحاب الأبصار وهم أصحاب العقول مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار ".
"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى "المعنى منها أنشأناكم وفيها نرجعكم ومنها نبعثكم مرة ثانية ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسولين (ص)قالا لفرعون :قال الله منها خلقناكم أى فى الأرض أحييناكم وفيها نعيدكم أى وفيها نميتكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وفيها نحييكم مرة ثانية مصداق لقوله بسورة الحج"وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ".
سميت السورة بهذا الاسم لذكر طه وهو النبى (ص)فى بدايتها.
"بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى "المعنى بحكم الرب النافع المفيد محمد(ص)ما أوحينا لك الوحى لتعذب إلا تفكرة لمن يخاف ،وحيا ممن أنشأ الأرض والسموات الكبار ،يبين الله لمحمد(ص)أن الله الرحمن الرحيم أى أن الرب النافع المفيد باسمه والمراد قد حكم أن القرآن نزل على طه حتى لا يشقى والمراد أن الوحى أوحى لمحمد(ص)حتى لا يعذب فى الأخرة،والله هنا ينادى على رسوله(ص)بطه وهو من الحروف المقطعة فالمقصود بالنداء فى طه هو محمد(ص)لأنه هو الذى نزل عليه القرآن ويبين له التالى :
أنه ما أنزل عليه القرآن ليشقى والمراد أنه ما أوحى له الوحى حتى يعذب فالقرآن هو تذكرة لمن يخشى والمراد تفكرة لمن يخاف أى نصح لمن يخاف عذاب الله والقرآن هو تنزيل أى وحى مصداق لقوله بسورة النجم"إن هو إلا وحى يوحى "وصاحب الوحى هو من خلق أى "فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام ووصف السموات بالعلى يعنى ارتفاعها فوق الأرض سبع طبقات والخطاب وما بعده من السورة للنبى(ص) ما لم نقل فى آيته غير ذلك.
"الرحمن على العرش استوى له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت السرى "المعنى النافع على الملك سيطر له الذى فى السموات والذى فى الأرض والذى وسطهما والذى أسفل الأرض ،يبين الله لنبيه(ص)أنه هو الرحمن أى النافع استوى على العرش أى أوحى إلى الملك والمراد نزل على الكون الوحى وفسر هذا بأنه أخبرهم أنه ملك كل من فى السموات ومن فى الأرض وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما وما تحت الثرى وهو الذى أسفل الأرض وهى الطبقات الستة الأخرى للأرض لأن ذكر الأرض فى الأول كان مفردا مرادا بها الأرض المعروفة وهى الطبقة السابعة وفى هذا قال بسورة الحديد"له ملك السموات والأرض".
"وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى "المعنى وإن تعلن الحديث فإنه يعرف النجوى أى أكتم ،الله لا رب إلا هو له الأحكام النافعة ،يبين الله لنبيه(ص)أنه إن يجهر بالقول أى إن يبدى الحديث فإن الله يعلم أى يعرف التالى السر وهو الخفى وفسره بأنه أخفى أى أكتم والمراد الحديث المكتوم مصداق لقوله بسورة النور"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" وهذا رد من الله على من زعموا علمه بالجهر وحده،ويبين له أن لا إله إلا هو أى لا رب إلا الله وهو له الأسماء الحسنى أى الأحكام العادلة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما".
"وهل أتاك حديث موسى إذ رءا نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "المعنى وهل جاءتك قصة موسى(ص)وقت شاهد نارا فقال لأسرته إنى رأيت وقودا لعلى أجيئكم منها بقطعة أو ألقى عند النار رشاد ،يسأل الله نبيه(ص)هل أتاك حديث موسى (ص)إذ رأى نارا والمراد هل نزل عليك وحى بقصة موسى (ص)حين شاهد نارا ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)أن الله سيقص عليه قصة موسى (ص)التى تبدأ برؤيته للنار عند الجبل ،ويبين له أن موسى (ص)قال لأهله وهم زوجته وأولاده :امكثوا أي أقيموا مكانكم هنا ،إنى آنست نارا والمراد إنى شاهدت نار على بعد لعلى آتيكم منها بقبس أى لعلى أجيئكم منها بقطعة أى بجذوة للإستدفاء وهو الإصطلاء لوجود برد فى تلك الليلة أو أجد على النار هدى أى أو ألقى عند النار خبر نافع مصداق لقوله بسورة القصص""إنى آنست نار لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار" وهذا يعنى أنه ذهب لمكان النار لأحد أمرين الأول المجىء بقطعة من النار للإستدفاء لوجود البرد والثانى أن يلقى عند النار من يخبره خبر نافع لهم فى رجوعهم لمصر
"فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى "المعنى فلما جاءها خوطب يا موسى إنى أنا إلهك فاترك نعليك إنك بالمكان المبارك طوى وأنا اصطفيتك فاستمع لما يلقى إننى أنا الله لا رب إلا أنا فأطعنى أى اتبع الدين لأجرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما جاء عند مكان النار نودى أي خوطب أى كلم الله موسى (ص)فقال يا موسى إنى أنا ربك أى إلهك ،وهذا إخبار من الله بأن المتكلم وهو الموحى هو الله الخالق ،فاخلع نعليك أى فاترك حذاءيك ،وهذا يعنى أن المطلوب منه أن يقلع حذاءيه من رجليه والسبب :إنك بالواد المقدس طوى أى إنك بالبقعة المباركة طوى مصداق لقوله بسورة القصص"فى البقعة المباركة "وهذا يعنى أن سبب طلب خلع النعل هو الوجود بالمكان المقدس طوى ومن اسمه طوى نفهم أن هذا المكان يخفيه الله حتى لا يدنسه أحد وهو مكان الكعبة ،وقال :وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى والمراد وأنا اصطفيتك أى اصطنعتك مصداق لقوله بسورة طه"واصطنعتك لنفسى" فافهم ما يقال وهذا يعنى أن الله اجتبى موسى (ص)رسولا وعليه أن يفهم الوحى وكلمة يوحى تدل على أن خطاب الله لموسى (ص)ليس سوى وحى يقول :إننى أنا الله لا إله أى لا رب إلا أنا فاعبدنى أى فأطعنى أى فاتبعنى وفسر هذا بقوله
وأقم الصلاة لذكرى والمراد أطع الدين لأجرى وهذا يعنى أن يطيع حكم الله لينال ثواب الله .
"إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " المعنى إن القيامة حادثة أريد أسرها ليعطى كل فرد بما يعمل فلا يبعدنك عنها من لا يصدق بها وأطاع ظنه فخسر ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قال لموسى (ص)فى وحيه المتكلم به معه :إن الساعة آتية والمراد إن القيامة حادثة فى المستقبل ،أكاد أخفيها أى أريد أسرها والمراد أنه أراد عدم إعلان موعدها والسبب فى قدوم الساعة لتجزى كل نفس بما تسعى أى ليحاسب كل فرد بما يكسب أى يعمل مصداق لقوله بسورة إبراهيم"ليجزى الله كل نفس ما كسبت "ويقول:فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها والمراد فلا يردنك عن التصديق بها من لا يصدق بوقوعها واتبع هواه فتردى أى وأطاع ظنه وهو شهوته أى شيطانه فخسر الثواب .
"وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها فألقاها فإذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "المعنى وما تلك بيدك يا موسى قال هى منسأتى اعتمد عليها وأجمع بها غنمى ولى فيها أغراض أخرى قال أرمها فرماها فإذا هى ثعبان يتحرك قال أمسكها ولا تخشى سنرجعها طبيعتها السابقة ،يبين الله لنا أن الله سأل موسى (ص)وما تلك بيمينك يا موسى والمراد ماذا يوجد فى يدك اليمنى يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال ليس العلم بما فى يد موسى (ص)ووظائفه وإنما الغرض تنبيه موسى(ص) إلى أهمية ما فى يده ،فأجاب موسى (ص)فقال:هى عصاى أى منسأتى أتوكؤا عليها والمراد اعتمد عليها فى السير وأهش بها على غنمى أى وأشير بها إلى غنمى كى تتجمع ولى فيها مآرب أخرى والمراد ولى فيها استعمالات غير ذلك كحمل الطعام على طرفها والتأديب بها ،فقال الله لموسى (ص)ألقها أى ارمى العصا ،فنفذ موسى (ص)الأمر فألقاها أى فرماها على الأرض فإذا هى حية تسعى والمراد فإذا هى تتحول إلى ثعبان يتحرك وعند ذلك جرى موسى (ص)خوفا فأمره الله بالرجوع وقال له:خذها أى أمسك الحية ولا تخف أى ولا تخشى أذى منها سنعيدها سيرتها الأولى والمراد سنرجعها طبيعتها السابقة ،ومن هنا نفهم قدرة الله على تحويل ماهية الشىء فالعصا كحقيقة تحولت إلى ثعبان حقيقى وهذا ما يسمى إخراج نوع من نوع أخر لا علاقة له به.
"واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى "المعنى وضع كفك تحت إبطك تطلع منيرة من غير علامة معجزة ثانية لنشهدك من معجزاتنا العظمى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)واضمم يدك إلى جناحك أى وضع كفك تحت إبطك والمراد وادخل كفك فى جيبك مصداق لقوله بسورة النمل"وأدخل يدك فى جيبك"تخرج بيضاء من غير سوء أى تطلع منيرة من غير ظلام آية أخرى أى معجزة ثانية لنريك من آياتنا الكبرى أى لنشهدك من معجزاتنا العظمى ومن هنا نفهم أيضا قدرة الله على تحويل طبيعة الأشياء فاليد العادية أصبحت مصباح منير ليس فيه أى قطعة تدل على الظلام .
"اذهب إلى فرعون إنه طغى "المعنى ارحل إلى فرعون إنه ظلم ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)اذهب إلى فرعون أى أئت إلى مكان فرعون فإنه طغى أى تجبر أى ظلم مصداق لقوله بسورة الشعراء"وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون"،وهذا يعنى أنه طلب منه السفر إلى بلد فرعون حتى يزيل الظلم الذى أحدثه فرعون .
"قال رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى اشدد به أزرى وأشركه فى أمرى كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا "المعنى قال إلهى نور لى قلبى وسهل لى شأنى وأزل مرض من فمى يفهموا حديثى وعين لى وكيلا من أسرتى هارون (ص)أخى قوى به عزمى وقاسمه فى شأنى كى نطيعك دوما أى نتبعك دوما إنك كنت بنا عليما ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)دعا الله فقال :رب أى خالقى :اشرح لى صدرى أى نور لى قلبى والمراد افرح نفسى يالإسلام وكرر ذلك بقوله ويسر لى أمرى أى سهل لى شأنى والمراد وأصلح لى نفسى ،وقال واحلل عقدة من لسانى أى وافكك ربطة فى فمى يفقهوا قولى أى يفهموا حديثى ،وهذا يعنى أن لسانه كان فيه عقدة أى مرض يمنعه من الحديث السليم وهو يطلب إزالته حتى يفهم الناس حديثه الداعى إلى الإسلام ،وقال واجعل لى وزيرا من أهلى أى وعين لى مساعدا من أسرتى هارون (ص)أخى ،وهذا يعنى أنه يشترط فى الوزير أن يكون من أسرته وأن يكون تحديدا هارون (ص)أخيه وقد بين موسى (ص)سبب اشتراطه ذلك وهو اشدد به أزرى أى قوى به شأنى والمراد أن يقوى به نفس موسى (ص)على أمر الدعوة ،وأشركه فى أمرى أى وقاسمه فى شأنى وهو تفسير شد الأزر والمراد أن يقاسمه فى أمر الدعوة فيصبح رسولا مثله ومن هنا نفهم أن موسى طلب الوزير ليشاركه فى الرسولية وبين موسى (ص)سبب طلبه لكل تلك الطلبات فقال كى نسبحك كثيرا أى كى نذكرك كثيرا والمراد كى نطيعك دوما أى كى نتبع حكمك بإستمرار وبين موسى (ص)لله أنه كان بهم بصيرا أى عليما للذى يحتاجونه .
"قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى "المعنى قال قد أعطيت مطلبك يا موسى (ص)ولقد تفضلنا عليك مرة ثانية إذ ألقينا إلى والدتك الذى يلقى أن ضعيه فى الصندوق فضعيه على النهر فيرمه النهر بالشاطىء يمسكه كاره لى وكاره له ووضعت لك ود منى ولتربى فى رعايتى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)ردا على الدعاء:قد أوتيت سؤلك والمراد قد لبيت مطالبك يا موسى (ص)وهذا يعنى أنه شرح صدره وحل عقدة لسانه وجعل هارون (ص)وزيرا ،وقال له :ولقد مننا عليك مرة أخرى والمراد وقد أنعمنا عليك مرة ثانية إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أى حين قلنا لوالدتك الذى يقال لك الآن :أن اقذفيه فى التابوت أى ضعى موسى (ص)فى الصندوق فاقذفيه فى اليم أى فضعى الصندوق فى النهر فليلقه اليم بالساحل أى فليرمه موج النهر على الشاطىء يأخذه عدو لى وعدو له والمراد يبقيه فى بيته كاره لى وكاره له وهذا يعنى أن موسى (ص)لكى ينجو جعله الله فى أحضان العدو المشترك لله وموسى (ص)وهو فرعون ،وقال له وألقيت عليك محبة منى أى وأعطيت لك رحمة من عندى وفسر هذا بأنه قال ولتصنع على عينى أى ولتربى فى رعايتى وهذا يعنى أن موسى (ص)تمت تربيته فى رعاية الله والمراد تحت إشراف أمه التى ربته على دين الله من خلال إرضاعها وتربيتها له فى بيت فرعون .
"إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين فى أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسى "المعنى حين تسير أختك فتقول هل أرشدكم إلى من يرضعه فأعدناك لوالدتك كى يطمئن قلبها ولا تخف وذبحت إنسانا فأنقذناك من العقاب واختبرناك اختبارا فمكثت سنوات فى أصحاب مدين ثم أتيت فى موعد يا موسى (ص)وربيتك لأمرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص):لقد مننت عليك حين تمشى أى تسير أختك إلى بيت فرعون فتقول :هل أدلكم على من يكفله أى هل أعرفكم بمن يربيه والمراد هل أعلمكم بمن ترضعه ؟والغرض من السؤال هو إعادة أخيها إلى أمها وقد استجاب القوم لطلب الأخت فكانت النتيجة أن أرجع أى أعاد الله موسى (ص)إلى أمه وهى والدته والسبب أن تقر عينها أى أن يطمئن قلبها والمراد تسكن نفسها وفسر الله هذا بأن لا تحزن أى ألا تخاف عليه من أذى فرعون ،وقال لموسى (ص)وقتلت نفسا والمراد ومننت عليك حين ذبحت إنسانا فنجيناك من الغم والمراد فأنقذناك من العقاب الممثل فى قتله ،وقال :وفتناك فتونا أى وامتحناك امتحانات عديدة فلبثت سنين فى أهل مدين أى فبقيت سنوات فى أصحاب مدين ،وهذا يعنى أنه أقام عشر سنوات فى بلدة مدين وقال ثم جئت على قدر يا موسى أى ثم أتيت فى الموعد يا موسى (ص)وهذا يعنى أن موسى(ص)قد حضر فى الموعد الذى حدد الله سلفا ،وقال واصطنعتك لنفسى أى وخلقتك لأمرى والمراد أن الله خلق موسى (ص)لطاعة حكمه .
"اذهب أنت وأخوك بآياتى ولا تنيا فى ذكرى اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "المعنى ارحل أنت وهارون(ص)بمعجزاتى ولا تضعفا فى طاعتى ارحلا إلى فرعون إنه ظلم فتحدثا معه حديثا سهلا لعله يتفهم أو يخاف ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص):اذهب أنت وأخوك بآياتى والمراد سافر أنت وأخوك بمعجزاتى ولا تنيا فى ذكرى أى ولا تفترا فى طاعتى ،وهذا يعنى أن الله طلب من موسى (ص)وهارون (ص)أن يذهبا إلى فرعون بالمعجزات على أن يتبعا حكم الله فى حياتهما ،وقال له اذهبا لفرعون أى سيرا إلى مكان إقامة فرعون إنه طغى أى ظلم والمراد أفسد فى البلاد فقولا له قولا لينا والمراد فتحدثا مع فرعون حديثا ميسورا لعله يتذكر أى يتفهم الحديث فيطيع أى يخشى عذاب الله فيطيع حكم الله.
"قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى "المعنى قالا إلهنا إننا نخشى أن يؤذينا أى أن يظلم ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)وهارون(ص)قالا لله :ربنا أى إلهنا :إننا نخاف أن يفرط علينا أى إننا نخشى أن يؤذينا فرعون أى أن يطغى والمراد أن يبغى علينا وهذا يعنى أنهما يخافان من أن يقتلهما فرعون بسبب دعوتهما له .
"قالا لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى "المعنى قال لا تخشيا إننى ناصركما أعلم أى أعرف فاذهبا له فقولا إنا مبعوثا إلهك فابعث معنا أولاد يعقوب (ص)ولا تعاقبهم قد أتيناك بعلامة من إلهك والخير لمن أطاع الوحى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله قال لموسى (ص)وهارون(ص):لا تخافا أى لا تخشيا أذى فرعون ،إننى معكما أسمع أى أرى والمراد إننى حاميكما أعلم أى أعرف وهذا يعنى أنه جعل لهما حامى هو السلطان فلا يصلون بأذى لهما مصداق لقوله بسورة القصص"ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا"وقال فأتياه أى فجيئا فرعون فقولا :إنا رسولا ربك أى إنا مبعوثا خالقك فأرسل معنا بنى إسرائيل أى فابعث معنا أولاد يعقوب ولا تعذبهم أى ولا تؤذيهم ،وهذا يعنى أن الهدف من إرسال موسى (ص)وهارون(ص)هو أخذ بنى إسرائيل من مصر فى سلام وأمن ،وقال قد جئناك بآية من ربك أى وقد أتيناك بمعجزة من إلهك والمراد أن الرسولين(ص)أحضرا المعجزات أى الأشياء المبينة الدالة على صدق حديثهما مصداق لقوله بسورة الشعراء"أو لو جئتك بشىء مبين" وقال السلام على من اتبع الهدى والمراد الثواب لمن أطاع الوحى .
"إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى "المعنى إنا قد ألقى لنا أن العقاب نصيب من كفر أى خالف،يبين الله لنبيه(ص)أن الرسولين(ص)قالا لفرعون:إنا قد أوحى إلينا والمراد إنا قد أنزل علينا أن العذاب وهو الخزى أى السوء على من كذب أى تولى أى كفر بالوحى مصداق لقوله بسورة النحل"إن الخزى اليوم والسوء على الكافرين" .
"قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى "المعنى قال فمن إلهكما يا موسى (ص)قال إلهنا الذى أتى كل مخلوق حقه ثم أرشد قال فما خبر الأمم السابقة قال معرفتها لدى إلهى فى سجل لا يظلم إلهى ولا يغفل ، يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون سأل موسى (ص)من ربكما أى من إلهكما يا موسى (ص)؟والغرض من السؤال هو أن يعلم كيان الرب المادى وليس حقيقته فأجاب موسى (ص)وهارون(ص):ربنا أى إلهنا الذى أعطى كل شىء خلقه أى الذى وهب كل مخلوق حسنه ثم هدى أى رشد والمراد أن الله هو الذى أتى كل مخلوق حقه من الإتقان فى الخلق ثم عرفه الحق الواجب عليه ،فسألهما:فما بال القرون الأولى والمراد فما حال الأمم السابقة والغرض من السؤال هو إخبار الرسولين(ص)أن الأمم السابقة لم تعبد إلههما وإنما عبدت آلهة متعددة فرد الرسولان :علمها عند ربى فى كتاب أى معرفتها لدى إلهى فى سجل والمراد أن أعمال الأمم السابقة مسجلة عند الله فى أم الكتاب حتى يحاسبهم عليها وقالا لا يضل ربى أى لا يظلم خالقى مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا يظلم ربك أحدا"ولا ينسى أى لا يغيب عن علمه شىء أى لا يغفل عنهم مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وما كنا عن الخلق غافلين".
"الذى جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن فى ذلك لآيات لأولى النهى"المعنى الذى خلق لكم الأرض فراشا وجعل لكم فيها طرقا وأسقط من السحاب مطرا فأنبتنا به أفرادا من أنواع مختلفة اطعموا وأطعموا أنعامكم إن فى ذلك لبراهين لأصحاب العقول،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسولين(ص)قالا لفرعون: الذى جعل لكم الأرض مهدا والمراد الذى خلق لكم الأرض بساطا أى فراشا مصداق لقوله بسورة نوح"والله جعل لكم الأرض بساطا"وبسورة البقرة "الذى جعل لكم الأرض فراشا "وسلك لكم فيها سبلا والمراد وخلق لكم فيها طرقا للسير وأنزل من السماء ماء والمراد وأسقط من السحاب مطرا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى أى فأنبتنا بالماء أفرادا من أنواع مختلفة مصداق لقوله بسورة لقمان"فأنبتنا فيها من كل زوج كريم" ،كلوا أى اطعموا من هذه الأنواع وارعوا أنعامكم أى وأطعموا أى قدموا الأكل لأنعامكم مصداق لقوله بسورة السجدة "فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم "،إن فى ذلك لآيات لأولى النهى والمراد إن فى ذلك لعبر لأصحاب الأبصار وهم أصحاب العقول مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار ".
"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى "المعنى منها أنشأناكم وفيها نرجعكم ومنها نبعثكم مرة ثانية ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسولين (ص)قالا لفرعون :قال الله منها خلقناكم أى فى الأرض أحييناكم وفيها نعيدكم أى وفيها نميتكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وفيها نحييكم مرة ثانية مصداق لقوله بسورة الحج"وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ".