نقد الكتاب أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة
مؤلف الكتاب زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن السَلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي (المتوفى 795هـ) وسبب كتابة الكتاب كما قال المؤلف:
"أما بعد فقد وقع في هذا العام وهو عام أربعة وثمانين وسبعمائة حادثة وهو أنه غم هلال ذي الحجة فأكمل الناس هلال ذي القعدة ثم تحدث الناس برؤية هلال ذي الحجة وشهد به أناس لم يسمع الحاكم شهادتهم واستمر الحال على إكمال عدة شهر ذي القعدة فتوقف بعض الناس عن صيام التاسع الذي هو يوم عرفة في هذا العام وقالوا هو يوم النحر على ما أخبر به أولئك الشهود الذين لم تقبل شهادتهم وقيل إن بعضهم ضحى في ذلك اليوم وحصل للناس بسبب ذلك اضطراب فأحببت أن أكتب في ذلك ما يسره الله تعالى"
وأجاب ابن رجب فقال:
فنقول هذه المسألة لها صورتان إحداهما:
أن يكون الشك مستندا إلى قرائن مجردة أو إلى شهادة من لا تقبل شهادته إما لانفراده بالرؤية أو لكونه ممن لا يجوز قبول قوله ونحو ذلك فهذه المسألة قد اختلف الناس فيها على قولين
أحدهما أنه لا يصام في هذه الحالة قال النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن وعنه قال كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه وسنذكر عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى وكلام هؤلاء قد يقال- والله أعلم- إنه محمول على الكراهة دون التحريم وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة أنه جائز بلا نزاع بين العلماء قال لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم باتفاق الأئمة "
تناول الرجل فى الفقرة عدة مسائل :
الأولى ثبوت أول الشهور بالرؤية وهو ما يخالف أن الله قال إنها بالعد عد أيام الشهر كما قال تعالى :
" والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"
فالشهور كلها لها مقدار واحد هو ثلاثون يوما ولذا جعل الشهرين مقابل إطعام ستين مسكينا فى قوله تعالى :
"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا"
ومن ثم كل شهر عدد ايامه 30 يوما
الثانى صوم عرفه وبالقطع لا يوجد شىء اسمه صوم التطوع كيوم عرفه فالصوم عقاب على الذنوب مثل الظهار كما قال تعالى "والذين يظاهرون من نساءهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" ومثل القتل الخطأ كما فى قوله تعالى"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ومن ثم فالصوم لا يوجد منه تطوع وكذلك الصلاة لأنه لا تجوز عبادة إلا بنص من الوحى فلو علم الله أن الزيادة تنفع الناس لفرضها عليهم ولما كان يعلم كل شىء فلذا لم يفرضها ومن ثم فصوم التطوع وصلاة التطوع وغيرهما بدعة
زد على هذا أن ثواب الصوم هو عشر حسنات كما قال تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" بينما تناول ثلاث وجبات حلال وشرب عدد من المرات فى النهار يساوى على الأقل 40 حسنة طبقا لقاعدة الأجر السابقة ومن قم يكون الإطار أكثر ثوابا فأيهما أفضل صوم التطوع او الطعام والشراب الحلال؟
الثالث ذكر اختلاف العلماء فابن تيمية قال بوجود اجماع على جواز صوم ذلك اليوم فنقل "وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة أنه جائز بلا نزاع بين العلماء "بينما نقل ابن رجب عن النخعى ومسروق وغيرهم النهى عن صوم ذلك اليوم فنقل التالى":قال النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن وعنه قال كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه وسنذكر عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد"
ثم ذكر الرجل مسألة مبنية على الاختلاف فى إثبات اول ذى الحجة وهى هل يجوز الحج إن ثبت أن الوقوف بعرفه كان فى غير اليوم التاسع وكذلك الذبح فى يوم العيد فقال "
"وإنما يوم الشك الذي رويت فيه فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع والأظهر صحة الوقوف أيضا وهو أحد القولين في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره قالت عائشة رضي الله عنها ''إنما عرفة اليوم الذي يعرفه الناس '' وأصل ذلك أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج والهلال اسم لما يستهل به أي يعلن به ويجهر به فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة فإن لم يشهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل وإنما يغلط كثير من الناس في هذه المسألة لظنهم أنه إذا طلع في السماء كانت تلك الليلة أول الشهر سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا وليس كذلك بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه ولهذا قال النبي (ص)'' صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون '' أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم وصوم اليوم الذي يشك فيه هل هو تاسع ذي الحجة؟ أو عاشر ذي الحجة؟ جائز بلا نزاع بين العلماء لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة وإنما يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة هو الشك في أول رمضان لأن الأصل بقاء شعبان "
أما منازل القمر لو اختلف فى أول الشهر بسبب عدم الرؤية فإن منزلة اليوم السابع تكون نصف القمر ومن ثم يتم النظر لوجه القمر لمعرفة اليوم وساعتها حتى لو اختلف فى أول الشهر- وهو لن يختلف أبدا بالعد الذى طلبه الله – فإن النظر فى يوم السابع يصحح عد الناس أو رؤيتهم ومن ثم يتم البناء عليه
وأما الحج فى غير يومه فلا يقع به حج وكل ما يترتب عليه إن علم الناس به لأن المناسك تكون قد أديت فى غير موعدها المطلوب والذى يتحقق بالعد لأيام الشهر وليس بالرؤية أو بحساب النجوم المزعوم
ثم تحدث ابن رجب عن كلام ابن تيمية بوجود إجماع فى المسألة فى جواز الصوم فقال:
"فإما أن يكون اطلع على كلام النخعي وحمله على الكراهة فلذلك نفى النزاع في جوازه وإما أن يكون لم يطلع عليه ومراده أن يستصحب الأصل في كلا الموضعين لأن الأصل بقاء الشهر المتيقن وجوده وعدم دخول الشهر المشكوك في دخوله فكذلك هنا إذا شك في دخول ذي الحجة بنى الأمر على إكمال ذي القعدة لأنه الأصل ويصام يوم عرفة على هذا الحساب وهو تكميل شهر ذي القعدة"
ثم ذكر ابن رجب مذاهب القوم وهى كلها إصرار على الصوم يأى طريقة سواء صوم يومين الثامن والتاسع أو صوم التاسع للخروج من معضلة الرؤية الخاطئة
ولكن من السلف من كان يصوم يوم الشك في أول رمضان احتياطيا وفرق طائفة منهم بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد والاحتياط هنا إنما يؤثر في استحباب صيام الثامن والتاسع من ذي الحجة مع الشك احتياطا كما قال ابن سيرين وغيره أنه مع اشتباه الأشهر في شهر المحرم يصام منه ثلاثة أيام احتياطا ليحصل بذلك صيام يوم التاسع والعاشر ووافقه الإمام أحمد رحمه الله على ذلك وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يعلل صيام التاسع مع العاشر بالاحتياط أيضا خشية فوات صوم يوم عاشوراء وأما أن الاحتياط ينهض إلى تحريم صيام يوم التاسع من ذي الحجة لمجرد الشك فكلا لأن الأصل بقاء ذي القعدة وعدم استهلاك ذي الحجة فلا يحرم صوم يوم التاسع منه بمجرد الشك كما يجب صوم الثلاثين من رمضان مع الشك في استهلاك شوال لأن الأصل عدمه وبقاء رمضان
القول الثاني أنه يصام ولا يلتفت إلى الشك وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها من وجوه قال عبد الرزاق في كتابه أخبرنا معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم أو غيره عن مسروق أنه دخل هو ورجل معه على عائشة يوم عرفة فقالت عائشة يا جارية خوضي لهما سويقا وحليه فلولا أني صائمة لذقته قالا أتصومين يا أم تدرين لعله يوم النحر؟ فقالت إنما يوم النحر إذا نحر الإمام وعظم الناس والفطر إذا أفطر الإمام وعظم الناس وروي من وجه آخر رواه أبو إسحاق السبيعي عن مسروققال دخلت على عائشة أنا وصديق لي يوم عرفة فدعت لنا بشراب فقالت لولا أني صائمة لذقته فقلنا لها أتصومين والناس يزعمون أن اليوم يوم النحر ؟ قالت " الأضحى يوم يضحي الناس والفطر يوم يفطر الناس " رواه الإمام أحمد عن ابن نمير وابن فضيل كلاهما عن الأعمش عن أبي إسحاق به خرجه عنه ابنه عبد الله في كتاب المسائل وخرجه أيضا عبد الله عن أبيه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق قالا دخلنا على عائشة في اليوم الذي يشك فيه الأضحى فقالت خوضي لابني سويقا وحليه فلولا أني صائمة لذقته فقيل لها يا أم المؤمنين إن الناس يرون أن اليوم يوم الأضحى فقالت " إنما يوم الأضحى يوم يضحي الإمام وجماعة الناس " وكذا رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق عن عائشة بنحوه ورواه دلهم بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق عن عائشة واختلف عليه في رفع آخر الحديث وهو "إنما الأضحى يوم يضحي الإمام " فمن أصحابه من رفعه عنه وجعله من قول النبي (ص) ومنهم من وقفه على عائشة وهو الصحيح ورواه أيضا مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة بنحوه موقوفا أيضا فهذا الأثر صحيح عن عائشة رضي الله عنها إسناده في غاية الصحة
ولا يعرف لعائشة مخالف من الصحابة ووجه قولها إن الأصل في هذا اليوم أن يكون يوم عرفة لأن اليوم المشكوك فيه هل هو من ذي الحجة أو من ذي القعدة؟ الأصل فيه أنه من ذي القعدة فيعمل بذلك استصحابا للأصل ومأخذ آخر وهو الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها أن يوم عرفة هو يوم مجتمع الناس مع الإمام على التعريف فيه ويوم النحر هو الذي يجتمع الناس مع الإمام على التضحية فيه وما ليس كذلك فليس بيوم عرفة ولا يوم أضحى وإن كان بالنسبة إلى عدد أيام الشهر هو التاسع أو العاشر وقد روي ذلك عن النبي (ص) من وجوه متعددة خرجه الترمذي من طريق المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)قال «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم يضحون» وقال حسن غريب
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)نحوه بدون ذكر " الصوم " وخرجه الترمذي من حديث ابن المنكدر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي (ص) وقال صحيح وروي عن أبي هريرة من قوله موقوفا وروى السفاح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد أن النبي (ص)قال «يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه» مرسل حسن احتج به الإمام أحمد
وله شاهد لا يفرح به رواه الدارقطني في الموضوع السابق من طريق الواقدي عن ابن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي عن أبيه عن النبي (ص)قال ''عرفة يوم يعرف الناس''
على أن الناس إذا وقفوا في يوم عرفة خطأ أجزأهم حجهم وقال مجاهد الأضحى يوم يضحون والفطر يوم يفطرون والجمعة يوم يجمعون خرجه عبد الله بن الإمام أحمد "
الروايات التى رواها ابن رجب هنا عن كون اجتماع الأمة على يوم يجعل اليوم صحيحا حتى ولو كان خاطئا هو كلام يكذب كلام الله بوجوب عد الأيام طبقا لمنازل القمر كما قال تعالى "والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"
فلو كانت الرؤية خاطئة مخالفة للعد فالأمة كلها مخطئة فى حجها ولا حج لها وكما قلنا يمكن تصحيح الخطأ لمن يؤمن بالرؤية بالنظر بقمر اليوم السابع فإن كان نصف القمر بالضبط فالرؤية صحيحة وإن لم يكن نصفا فالرؤية خاطئة ويجب التصحيح للخروج من الخطأ
ثم تناول ابن رجب الصورة الثانية وهى رفض الحاكم شهادة الرائى الصحيحة فقال:
"الصورة الثانية:
أن يشهد برؤية هلال ذي الحجة من يثبت الشهر به لكن لم يقبله الحاكم إما لعذر ظاهر أو لتقصير في أمره ففي هذه الصورة هل يقال يجب على الشهود العمل بمقتضى رؤيتهم وعلى من يخبرونه ممن يثق بقولهم أم لا؟ فقد يقال إن هذه المسألة تخرج على الخلاف المشهور في مسألة المنفرد برؤية هلال شوال هل يفطر عملا برؤيته أم لا يفطر إلا مع الناس؟ وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء
أحدهما لا يفطر وهو قول عطاء والثوري والليث وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وروي مثله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ويحتمل أن يكون قوله '' فليفطر إذا أفطر الناس '' نهيا لمن صام رمضان أن يفطر يوم الثلاثين قبل الناس ويحتمل أن يكون نهيا عن صيام يوم الشك في أول شهر رمضان وقد يكون أراد النهي عن الأمرين كلاهما وستأتي أدلة هذا القول
والثاني يفطر وهو قول الحسن بن صالح والشافعي وأبي ثور وطائفة من أصحابنا وروي عن مالك كلا القولين قالت طائفة من أصحابنا هذه المسألة تبنى على هذا الأصل وهو الصحيح من المذهب فعلى قول من يقول لا يفطر المنفرد برؤية هلال شوال بل يصوم ولا يفطر إلا مع الناس فإنه يقول يستحب صيام يوم عرفة للشاهد الذي لم تقبل شهادته بهلال ذي الحجة لأن هذا هو يوم عرفة في حق الناس وهو منهم ومن قال في الشاهد بهلال شوال يفطر سرا قال ههنا إنه يفطر ولا يصوم لأنه يوم عيد في حقه قال وليس له التضحية قبل الناس في هذا اليوم كما أنه لا ينفرد بالوقوف بعرفة دون الناس بهذه الرؤية لأن الذين أمروا بالفطر في آخر رمضان إنما أمروا به سرا ولم يجيزوا له إظهاره والانفراد بالذبح والوقوف فيه من مخالفة الجماعة ما في إظهار الفطر وهذا ما ذكره الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى مع أنه قد روى عن سالم بن عبد الله بن عمر وخرجه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة فذهب بهم سالم إلى والي الحاج هو ابن هشام فأبى أن يجيز شهادتهم فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم فلما كان اليوم الثاني وقف مع الناس لكن الذبح ليس هو مثل الوقوف لأنه لا ضرورة في تقديمه لامتداد وقته بخلاف الوقوف وقد يقال إن صيام هذا اليوم في حق الشاهد أو من أخبره به ينبني على اختلاف المآخذ في الأمر لمن انفرد برؤية هلال الفطر بالصيام مع الناس وفي ذلك مآخذ أحدهما الخوف من التهمة بالفطر
والثاني خوف الاختلاف وتشتت الكلمة وأن يجعل لكل إنسان مرتبة الحاكم وقواعد الشرع تأبى ذلك وهو الذي ذكره الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره
والثالث أنه لم يكمل نصاب الشهادة برؤيته وحده وهذا مأخذ الشيخ موفق الدين بن قدامة
الرابع ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله أن الشهر ما اشتهر وظهر والهلال ما استهل به وأعلن دون ما كان في السماء من غير رؤية ولا اشتهار فإن اسم الشهر والهلال لا يصدق بدون اشتهار رؤيته وترتيب الفطر والنسك عليه فما لم يكن كذلك فليس بهلال ولا شهر فأما على المأخذ الأول فلا يظهر الأمر للشاهد هنا بالصوم لأن الفطر يوم عرفة لا يخشى منه تهمة كما في رمضان
وأما على المأخذ الثاني وهو الاختلاف على الإمام وتشتيت الكلمة فيتوجه الأمر بصيام هذا اليوم مع الناس لأن فطره يؤدي إلى أن يفطر أكثر الناس يوم عرفة مع اعتيادهم لصيامه في سائر الأعوام وهذا فيه تفريق للكلمة وافتيات على الإمام وأما على المأخذ الثالث فيقال إن كان هناك شاهدان فصاعدا فقد كمل نصاب الشهادة فيعملان هما ومن يثق بقولهما بشهادتهما وكذا قال الشيخ موفق الدين - رحمه الله تعالى- في الشاهدين بهلال الفطر إذا ردت شهادتهما أنهما يفطران هما ومن يثق بقولهما وخالفه في ذلك الشيخ مجد الدين وقال وقياس المذاهب خلاف ذلك بناء على المأخذ الأول والثاني وأما على المأخذ الرابع فيتوجه ما ذكره الشيخ تقي الدين وهو ظاهر المروي عن عائشة وغيرها من السلف وعليه تدل الأحاديث السابقة أن الأضحى يوم يضحي الناس والفطر يوم يفطرون وعرفة يوم يعرفون والمنقول عن الصحابة كابن عمر وعن كثير من التابعين كالشعبي والنخعي والحسن وابن سيرين وغيرهم يقتضي أن لا ينفرد عن الجماعة بصيام ولا فطر وأحمد يرى أنه لا ينفرد عن الجماعة بالفطر كمن رأى هلال شوال وحده وأما الانفراد عن الجماعة بالصيام فعنه فيه روايتان مثل صيام يوم الغيم إذا لم يصمه الإمام والجماعة معه ومثل من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته فإن في وجوب صيامه على الرائي عن أحمد روايتين والمنصوص عنه في رواية حنبل أنه لا يصوم وهو قول طائفة من السلف كعطاء والحسن وابن سيرين ومذهب إسحاق وعلى هذا فقياس مذهبه أنه لا ينفرد عن الجماعة بالفطر في يوم عرفة إذا صامه الإمام والناس ورآه من لم يؤخذ بقوله فإن في الأمر بفطره وتحريم صيامه مفسدة المخالفة للإمام وجماعة المسلمين ومثل هذا لا يكاد يخفى بل ويظهر وينتشر كما وقع في هذا العام وربما يؤدي إلى أن يجعله كثير من الناس يوم النحر فتنحر فيه الأضاحي كما وقع في هذا العام وهذا من أبلغ الافتيات على الإمام وجماعة المسلمين وفيه تشتيت الكلمة وتفريق الجماعة ومشابهة أهل البدع كالرافضة ونحوهم فإنهم ينفردون عن المسلمين بالصيام والفطر وبالأعياد فلا ينبغي التشبه بهم في ذلك ويحقق هذا أن التقدم على الإمام بذبح النسك منهي عنه كالتقدم عليه بالصيام والتقدم عليه بالدفع من عرفة والتقدم عليه بصلاة الجمعة ولذلك منع طائفة من أصحابنا كأبي بكر عبد العزيز أهل الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة حتى يصلي الإمام الجمعة ولذلك تنازع العلماء هل يجوز التقدم على الإمام بالذبح يوم النحر أم لا يجوز حتى يذبح الإمام نسكه؟ فيه قولان مشهوران للعلماء ولا خلاف بينهم أن الأفضل أن يذبح الناس حتى يذبح الإمام وقال الحسن في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [سورة الحجرات الآية 1] قال لا تذبحوا قبل الإمامخرجه ابن أبي حاتم فإن قيل أليس قد أمر النبي (ص)أصحابه عند وجود الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها أن يصلوا الصلاة لوقتها وأن يجعلوا صلاتهم معهم نافلة مع أن في ذلك افتياتا على الأئمة واختلافا عليهم؛ ولهذا كان بنو أمية يشددون في ذلك ويستحلفون الناس عند مجيئهم للصلاة أنهم ما صلوا قبل ذلك ومع هذا فقد أمر النبي (ص)بالصلاة في الوقت سرا وبالصلاة معهم نافلة لدفع شرهم وكف أذاهم وهذا يدل على أنه لا يجوز لأحد ترك ما يعرفه من الحق لموافقة الأئمة وعموم الناس بل يجب عليه العمل بما يعرفه من الحق في نفسه وإن كان فيه مخالفة للأئمة وعموم الناس المتبعين لهم وحينئذ فلا يجوز أن يؤمر من رأى الهلال أو من أخبره برؤيته من يثق به أن يتبع الإمام والجماعة معه ويترك ما عرفه من الحق فالجواب أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل وذلك أن الصلاة لها وقت محدود في الشرع معلوم أوله وآخره علما ظاهرا فمن غيره من الأئمة لم تجز متابعته في ذلك لأن فيه موافقة على تغيير الشريعة وذلك لا يجوز فنظير هذا من مسألتنا أن يشهد شهود عدول عند حاكم برؤية هلال ذي الحجة أو رمضان فيقول هم عندي عدول ولا أقبل شهادتهم أو نحو ذلك مما يظهر فيه أنه تعمد ترك الواجب بغير عذر فهنا لا يلتفت إليه ويعمل بمقتضى الحق وإن كان يظهر له التقية إذا قيل ما يثبت من الحكم لا يختلف الحال فيه بين الذي يؤتم به في رؤية الهلال مجتهدا مصيبا كان أو مخطئا أو مفرطا خيف من شره كما أمر النبي (ص)بالصلاة مع أولئك الأمراء نافلة وهذا بخلاف الأمور الاجتهادية التي تخفى ويسوغ في مثلها الاجتهاد كقبول الشهود وردهم فإن هذا مما تخفى أسبابه وقد يكون الحاكم معذورا في نفس الأمر ففي مثل هذا لا يجوز الافتيات على الأئمة ونوابهم ولا إظهار مخالفتهم ولو كانوا مفرطين في نفس الأمر فإن تفريطهم عليهم لا على من لم يفرط كما قال النبي (ص)في الأئمة «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم» خرجه البخاري "
ناقش ابن رجل هنا الآراء المختلفة وانتهى إلى وجوب الانصياع للحاكم ونوابه وإن كانوا على خطأ متعمد أو غير متعمد وهو كلام يتعارض مع قوله تعالى " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" فمن عرف الحق فنفذه لا يضره ضلال الحاكم ونوابه عن الحق
كما أنه افتيات على الله تعالى فى قوله " وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فالحكم ليس للحاكم سواء سمى خليفة او ملك أو سلطان او غير هذا وإنما الحكم عند الاختلاف لله وحده وهذه المسألة كلها سببها البعد عن كلام الله بالاحتكام للرؤية أو الاحتكام لحساب النجوم أو غيرهم مع أن الله وضحها بأن حكمه هو أن يعد المسلمون أيام كل شهر ثلاثين يوما والعد لن يخطىء أبدا بينما الرؤية تخطىء وكذلك حساب النجوم
ومع أن ابن رجب قال بوجوب تنفيذ ما قاله الحاكم ونوابه إلا إنه عاد فغير رأيه فجعل المختلف مع الحاكم من حقه الاحتياط لنفسه واستدل هلى هذا بروايات فقال:
" لكن إن أراد شخص أن يحتاط لنفسه فيقف اليوم الثامن بعرفة والذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم عرفة ثم يقف مع الناس من الغد كما فعل سالم بن عبد الله رحمه الله وقد سبق ذكر فعله أو يترك صيام يوم عرفة الذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم العيد إن كان غير حاج كما فعل مسروق وغيره وقد سبق ذكر فعلهم فلا بأس بذلك خروجا من خلاف من أوجب عليه العمل بما ثبت لديه كالسبكي في كتاب العلم المنشور في إثبات الشهور وهو قياس قول من قال يصوم من رأى هلال رمضان وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك وهو أيضا قياس قول من قال يفطر إذا رأى هلال شوال وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك لكن ينبغي لمن فعل ذلك أن يخفي عمله منعا للفرقة وتشتيت الكلمة ولئلا يشك العامة في صحة عملهم هذا كله فيما إذا كان من يقوم بإثبات دخول الشهر يعتمد على الرؤية كما هو الحال في هذه البلاد "
ولا حل أمام الأمة فى مسائل أوائل الشهور وما يترتب عليها كالحج إلا الانصياع لحكم الله وهو عد أيام كل شهر ثلاثين يوما وترك ما يسمى بالرؤية التى جاءت فى الروايات التى رواها بشر يجوز على كلامهم النقل الخطأ أو الكذب بينما كلام الله وحده هو الصحيح وأيضا ترك ما يسمى بحساب الفلك أو النجوم فهو يخالف أيضا العد الذى طلبه الله
مؤلف الكتاب زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن السَلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي (المتوفى 795هـ) وسبب كتابة الكتاب كما قال المؤلف:
"أما بعد فقد وقع في هذا العام وهو عام أربعة وثمانين وسبعمائة حادثة وهو أنه غم هلال ذي الحجة فأكمل الناس هلال ذي القعدة ثم تحدث الناس برؤية هلال ذي الحجة وشهد به أناس لم يسمع الحاكم شهادتهم واستمر الحال على إكمال عدة شهر ذي القعدة فتوقف بعض الناس عن صيام التاسع الذي هو يوم عرفة في هذا العام وقالوا هو يوم النحر على ما أخبر به أولئك الشهود الذين لم تقبل شهادتهم وقيل إن بعضهم ضحى في ذلك اليوم وحصل للناس بسبب ذلك اضطراب فأحببت أن أكتب في ذلك ما يسره الله تعالى"
وأجاب ابن رجب فقال:
فنقول هذه المسألة لها صورتان إحداهما:
أن يكون الشك مستندا إلى قرائن مجردة أو إلى شهادة من لا تقبل شهادته إما لانفراده بالرؤية أو لكونه ممن لا يجوز قبول قوله ونحو ذلك فهذه المسألة قد اختلف الناس فيها على قولين
أحدهما أنه لا يصام في هذه الحالة قال النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن وعنه قال كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه وسنذكر عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى وكلام هؤلاء قد يقال- والله أعلم- إنه محمول على الكراهة دون التحريم وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة أنه جائز بلا نزاع بين العلماء قال لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم باتفاق الأئمة "
تناول الرجل فى الفقرة عدة مسائل :
الأولى ثبوت أول الشهور بالرؤية وهو ما يخالف أن الله قال إنها بالعد عد أيام الشهر كما قال تعالى :
" والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"
فالشهور كلها لها مقدار واحد هو ثلاثون يوما ولذا جعل الشهرين مقابل إطعام ستين مسكينا فى قوله تعالى :
"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا"
ومن ثم كل شهر عدد ايامه 30 يوما
الثانى صوم عرفه وبالقطع لا يوجد شىء اسمه صوم التطوع كيوم عرفه فالصوم عقاب على الذنوب مثل الظهار كما قال تعالى "والذين يظاهرون من نساءهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" ومثل القتل الخطأ كما فى قوله تعالى"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ومن ثم فالصوم لا يوجد منه تطوع وكذلك الصلاة لأنه لا تجوز عبادة إلا بنص من الوحى فلو علم الله أن الزيادة تنفع الناس لفرضها عليهم ولما كان يعلم كل شىء فلذا لم يفرضها ومن ثم فصوم التطوع وصلاة التطوع وغيرهما بدعة
زد على هذا أن ثواب الصوم هو عشر حسنات كما قال تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" بينما تناول ثلاث وجبات حلال وشرب عدد من المرات فى النهار يساوى على الأقل 40 حسنة طبقا لقاعدة الأجر السابقة ومن قم يكون الإطار أكثر ثوابا فأيهما أفضل صوم التطوع او الطعام والشراب الحلال؟
الثالث ذكر اختلاف العلماء فابن تيمية قال بوجود اجماع على جواز صوم ذلك اليوم فنقل "وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة أنه جائز بلا نزاع بين العلماء "بينما نقل ابن رجب عن النخعى ومسروق وغيرهم النهى عن صوم ذلك اليوم فنقل التالى":قال النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن وعنه قال كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه وسنذكر عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد"
ثم ذكر الرجل مسألة مبنية على الاختلاف فى إثبات اول ذى الحجة وهى هل يجوز الحج إن ثبت أن الوقوف بعرفه كان فى غير اليوم التاسع وكذلك الذبح فى يوم العيد فقال "
"وإنما يوم الشك الذي رويت فيه فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع والأظهر صحة الوقوف أيضا وهو أحد القولين في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره قالت عائشة رضي الله عنها ''إنما عرفة اليوم الذي يعرفه الناس '' وأصل ذلك أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج والهلال اسم لما يستهل به أي يعلن به ويجهر به فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة فإن لم يشهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل وإنما يغلط كثير من الناس في هذه المسألة لظنهم أنه إذا طلع في السماء كانت تلك الليلة أول الشهر سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا وليس كذلك بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه ولهذا قال النبي (ص)'' صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون '' أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم وصوم اليوم الذي يشك فيه هل هو تاسع ذي الحجة؟ أو عاشر ذي الحجة؟ جائز بلا نزاع بين العلماء لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة وإنما يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة هو الشك في أول رمضان لأن الأصل بقاء شعبان "
أما منازل القمر لو اختلف فى أول الشهر بسبب عدم الرؤية فإن منزلة اليوم السابع تكون نصف القمر ومن ثم يتم النظر لوجه القمر لمعرفة اليوم وساعتها حتى لو اختلف فى أول الشهر- وهو لن يختلف أبدا بالعد الذى طلبه الله – فإن النظر فى يوم السابع يصحح عد الناس أو رؤيتهم ومن ثم يتم البناء عليه
وأما الحج فى غير يومه فلا يقع به حج وكل ما يترتب عليه إن علم الناس به لأن المناسك تكون قد أديت فى غير موعدها المطلوب والذى يتحقق بالعد لأيام الشهر وليس بالرؤية أو بحساب النجوم المزعوم
ثم تحدث ابن رجب عن كلام ابن تيمية بوجود إجماع فى المسألة فى جواز الصوم فقال:
"فإما أن يكون اطلع على كلام النخعي وحمله على الكراهة فلذلك نفى النزاع في جوازه وإما أن يكون لم يطلع عليه ومراده أن يستصحب الأصل في كلا الموضعين لأن الأصل بقاء الشهر المتيقن وجوده وعدم دخول الشهر المشكوك في دخوله فكذلك هنا إذا شك في دخول ذي الحجة بنى الأمر على إكمال ذي القعدة لأنه الأصل ويصام يوم عرفة على هذا الحساب وهو تكميل شهر ذي القعدة"
ثم ذكر ابن رجب مذاهب القوم وهى كلها إصرار على الصوم يأى طريقة سواء صوم يومين الثامن والتاسع أو صوم التاسع للخروج من معضلة الرؤية الخاطئة
ولكن من السلف من كان يصوم يوم الشك في أول رمضان احتياطيا وفرق طائفة منهم بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد والاحتياط هنا إنما يؤثر في استحباب صيام الثامن والتاسع من ذي الحجة مع الشك احتياطا كما قال ابن سيرين وغيره أنه مع اشتباه الأشهر في شهر المحرم يصام منه ثلاثة أيام احتياطا ليحصل بذلك صيام يوم التاسع والعاشر ووافقه الإمام أحمد رحمه الله على ذلك وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يعلل صيام التاسع مع العاشر بالاحتياط أيضا خشية فوات صوم يوم عاشوراء وأما أن الاحتياط ينهض إلى تحريم صيام يوم التاسع من ذي الحجة لمجرد الشك فكلا لأن الأصل بقاء ذي القعدة وعدم استهلاك ذي الحجة فلا يحرم صوم يوم التاسع منه بمجرد الشك كما يجب صوم الثلاثين من رمضان مع الشك في استهلاك شوال لأن الأصل عدمه وبقاء رمضان
القول الثاني أنه يصام ولا يلتفت إلى الشك وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها من وجوه قال عبد الرزاق في كتابه أخبرنا معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم أو غيره عن مسروق أنه دخل هو ورجل معه على عائشة يوم عرفة فقالت عائشة يا جارية خوضي لهما سويقا وحليه فلولا أني صائمة لذقته قالا أتصومين يا أم تدرين لعله يوم النحر؟ فقالت إنما يوم النحر إذا نحر الإمام وعظم الناس والفطر إذا أفطر الإمام وعظم الناس وروي من وجه آخر رواه أبو إسحاق السبيعي عن مسروققال دخلت على عائشة أنا وصديق لي يوم عرفة فدعت لنا بشراب فقالت لولا أني صائمة لذقته فقلنا لها أتصومين والناس يزعمون أن اليوم يوم النحر ؟ قالت " الأضحى يوم يضحي الناس والفطر يوم يفطر الناس " رواه الإمام أحمد عن ابن نمير وابن فضيل كلاهما عن الأعمش عن أبي إسحاق به خرجه عنه ابنه عبد الله في كتاب المسائل وخرجه أيضا عبد الله عن أبيه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق قالا دخلنا على عائشة في اليوم الذي يشك فيه الأضحى فقالت خوضي لابني سويقا وحليه فلولا أني صائمة لذقته فقيل لها يا أم المؤمنين إن الناس يرون أن اليوم يوم الأضحى فقالت " إنما يوم الأضحى يوم يضحي الإمام وجماعة الناس " وكذا رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق عن عائشة بنحوه ورواه دلهم بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق عن عائشة واختلف عليه في رفع آخر الحديث وهو "إنما الأضحى يوم يضحي الإمام " فمن أصحابه من رفعه عنه وجعله من قول النبي (ص) ومنهم من وقفه على عائشة وهو الصحيح ورواه أيضا مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة بنحوه موقوفا أيضا فهذا الأثر صحيح عن عائشة رضي الله عنها إسناده في غاية الصحة
ولا يعرف لعائشة مخالف من الصحابة ووجه قولها إن الأصل في هذا اليوم أن يكون يوم عرفة لأن اليوم المشكوك فيه هل هو من ذي الحجة أو من ذي القعدة؟ الأصل فيه أنه من ذي القعدة فيعمل بذلك استصحابا للأصل ومأخذ آخر وهو الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها أن يوم عرفة هو يوم مجتمع الناس مع الإمام على التعريف فيه ويوم النحر هو الذي يجتمع الناس مع الإمام على التضحية فيه وما ليس كذلك فليس بيوم عرفة ولا يوم أضحى وإن كان بالنسبة إلى عدد أيام الشهر هو التاسع أو العاشر وقد روي ذلك عن النبي (ص) من وجوه متعددة خرجه الترمذي من طريق المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)قال «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم يضحون» وقال حسن غريب
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص)نحوه بدون ذكر " الصوم " وخرجه الترمذي من حديث ابن المنكدر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي (ص) وقال صحيح وروي عن أبي هريرة من قوله موقوفا وروى السفاح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد أن النبي (ص)قال «يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه» مرسل حسن احتج به الإمام أحمد
وله شاهد لا يفرح به رواه الدارقطني في الموضوع السابق من طريق الواقدي عن ابن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي عن أبيه عن النبي (ص)قال ''عرفة يوم يعرف الناس''
على أن الناس إذا وقفوا في يوم عرفة خطأ أجزأهم حجهم وقال مجاهد الأضحى يوم يضحون والفطر يوم يفطرون والجمعة يوم يجمعون خرجه عبد الله بن الإمام أحمد "
الروايات التى رواها ابن رجب هنا عن كون اجتماع الأمة على يوم يجعل اليوم صحيحا حتى ولو كان خاطئا هو كلام يكذب كلام الله بوجوب عد الأيام طبقا لمنازل القمر كما قال تعالى "والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"
فلو كانت الرؤية خاطئة مخالفة للعد فالأمة كلها مخطئة فى حجها ولا حج لها وكما قلنا يمكن تصحيح الخطأ لمن يؤمن بالرؤية بالنظر بقمر اليوم السابع فإن كان نصف القمر بالضبط فالرؤية صحيحة وإن لم يكن نصفا فالرؤية خاطئة ويجب التصحيح للخروج من الخطأ
ثم تناول ابن رجب الصورة الثانية وهى رفض الحاكم شهادة الرائى الصحيحة فقال:
"الصورة الثانية:
أن يشهد برؤية هلال ذي الحجة من يثبت الشهر به لكن لم يقبله الحاكم إما لعذر ظاهر أو لتقصير في أمره ففي هذه الصورة هل يقال يجب على الشهود العمل بمقتضى رؤيتهم وعلى من يخبرونه ممن يثق بقولهم أم لا؟ فقد يقال إن هذه المسألة تخرج على الخلاف المشهور في مسألة المنفرد برؤية هلال شوال هل يفطر عملا برؤيته أم لا يفطر إلا مع الناس؟ وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء
أحدهما لا يفطر وهو قول عطاء والثوري والليث وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وروي مثله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ويحتمل أن يكون قوله '' فليفطر إذا أفطر الناس '' نهيا لمن صام رمضان أن يفطر يوم الثلاثين قبل الناس ويحتمل أن يكون نهيا عن صيام يوم الشك في أول شهر رمضان وقد يكون أراد النهي عن الأمرين كلاهما وستأتي أدلة هذا القول
والثاني يفطر وهو قول الحسن بن صالح والشافعي وأبي ثور وطائفة من أصحابنا وروي عن مالك كلا القولين قالت طائفة من أصحابنا هذه المسألة تبنى على هذا الأصل وهو الصحيح من المذهب فعلى قول من يقول لا يفطر المنفرد برؤية هلال شوال بل يصوم ولا يفطر إلا مع الناس فإنه يقول يستحب صيام يوم عرفة للشاهد الذي لم تقبل شهادته بهلال ذي الحجة لأن هذا هو يوم عرفة في حق الناس وهو منهم ومن قال في الشاهد بهلال شوال يفطر سرا قال ههنا إنه يفطر ولا يصوم لأنه يوم عيد في حقه قال وليس له التضحية قبل الناس في هذا اليوم كما أنه لا ينفرد بالوقوف بعرفة دون الناس بهذه الرؤية لأن الذين أمروا بالفطر في آخر رمضان إنما أمروا به سرا ولم يجيزوا له إظهاره والانفراد بالذبح والوقوف فيه من مخالفة الجماعة ما في إظهار الفطر وهذا ما ذكره الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى مع أنه قد روى عن سالم بن عبد الله بن عمر وخرجه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة فذهب بهم سالم إلى والي الحاج هو ابن هشام فأبى أن يجيز شهادتهم فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم فلما كان اليوم الثاني وقف مع الناس لكن الذبح ليس هو مثل الوقوف لأنه لا ضرورة في تقديمه لامتداد وقته بخلاف الوقوف وقد يقال إن صيام هذا اليوم في حق الشاهد أو من أخبره به ينبني على اختلاف المآخذ في الأمر لمن انفرد برؤية هلال الفطر بالصيام مع الناس وفي ذلك مآخذ أحدهما الخوف من التهمة بالفطر
والثاني خوف الاختلاف وتشتت الكلمة وأن يجعل لكل إنسان مرتبة الحاكم وقواعد الشرع تأبى ذلك وهو الذي ذكره الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره
والثالث أنه لم يكمل نصاب الشهادة برؤيته وحده وهذا مأخذ الشيخ موفق الدين بن قدامة
الرابع ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله أن الشهر ما اشتهر وظهر والهلال ما استهل به وأعلن دون ما كان في السماء من غير رؤية ولا اشتهار فإن اسم الشهر والهلال لا يصدق بدون اشتهار رؤيته وترتيب الفطر والنسك عليه فما لم يكن كذلك فليس بهلال ولا شهر فأما على المأخذ الأول فلا يظهر الأمر للشاهد هنا بالصوم لأن الفطر يوم عرفة لا يخشى منه تهمة كما في رمضان
وأما على المأخذ الثاني وهو الاختلاف على الإمام وتشتيت الكلمة فيتوجه الأمر بصيام هذا اليوم مع الناس لأن فطره يؤدي إلى أن يفطر أكثر الناس يوم عرفة مع اعتيادهم لصيامه في سائر الأعوام وهذا فيه تفريق للكلمة وافتيات على الإمام وأما على المأخذ الثالث فيقال إن كان هناك شاهدان فصاعدا فقد كمل نصاب الشهادة فيعملان هما ومن يثق بقولهما بشهادتهما وكذا قال الشيخ موفق الدين - رحمه الله تعالى- في الشاهدين بهلال الفطر إذا ردت شهادتهما أنهما يفطران هما ومن يثق بقولهما وخالفه في ذلك الشيخ مجد الدين وقال وقياس المذاهب خلاف ذلك بناء على المأخذ الأول والثاني وأما على المأخذ الرابع فيتوجه ما ذكره الشيخ تقي الدين وهو ظاهر المروي عن عائشة وغيرها من السلف وعليه تدل الأحاديث السابقة أن الأضحى يوم يضحي الناس والفطر يوم يفطرون وعرفة يوم يعرفون والمنقول عن الصحابة كابن عمر وعن كثير من التابعين كالشعبي والنخعي والحسن وابن سيرين وغيرهم يقتضي أن لا ينفرد عن الجماعة بصيام ولا فطر وأحمد يرى أنه لا ينفرد عن الجماعة بالفطر كمن رأى هلال شوال وحده وأما الانفراد عن الجماعة بالصيام فعنه فيه روايتان مثل صيام يوم الغيم إذا لم يصمه الإمام والجماعة معه ومثل من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته فإن في وجوب صيامه على الرائي عن أحمد روايتين والمنصوص عنه في رواية حنبل أنه لا يصوم وهو قول طائفة من السلف كعطاء والحسن وابن سيرين ومذهب إسحاق وعلى هذا فقياس مذهبه أنه لا ينفرد عن الجماعة بالفطر في يوم عرفة إذا صامه الإمام والناس ورآه من لم يؤخذ بقوله فإن في الأمر بفطره وتحريم صيامه مفسدة المخالفة للإمام وجماعة المسلمين ومثل هذا لا يكاد يخفى بل ويظهر وينتشر كما وقع في هذا العام وربما يؤدي إلى أن يجعله كثير من الناس يوم النحر فتنحر فيه الأضاحي كما وقع في هذا العام وهذا من أبلغ الافتيات على الإمام وجماعة المسلمين وفيه تشتيت الكلمة وتفريق الجماعة ومشابهة أهل البدع كالرافضة ونحوهم فإنهم ينفردون عن المسلمين بالصيام والفطر وبالأعياد فلا ينبغي التشبه بهم في ذلك ويحقق هذا أن التقدم على الإمام بذبح النسك منهي عنه كالتقدم عليه بالصيام والتقدم عليه بالدفع من عرفة والتقدم عليه بصلاة الجمعة ولذلك منع طائفة من أصحابنا كأبي بكر عبد العزيز أهل الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة حتى يصلي الإمام الجمعة ولذلك تنازع العلماء هل يجوز التقدم على الإمام بالذبح يوم النحر أم لا يجوز حتى يذبح الإمام نسكه؟ فيه قولان مشهوران للعلماء ولا خلاف بينهم أن الأفضل أن يذبح الناس حتى يذبح الإمام وقال الحسن في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [سورة الحجرات الآية 1] قال لا تذبحوا قبل الإمامخرجه ابن أبي حاتم فإن قيل أليس قد أمر النبي (ص)أصحابه عند وجود الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها أن يصلوا الصلاة لوقتها وأن يجعلوا صلاتهم معهم نافلة مع أن في ذلك افتياتا على الأئمة واختلافا عليهم؛ ولهذا كان بنو أمية يشددون في ذلك ويستحلفون الناس عند مجيئهم للصلاة أنهم ما صلوا قبل ذلك ومع هذا فقد أمر النبي (ص)بالصلاة في الوقت سرا وبالصلاة معهم نافلة لدفع شرهم وكف أذاهم وهذا يدل على أنه لا يجوز لأحد ترك ما يعرفه من الحق لموافقة الأئمة وعموم الناس بل يجب عليه العمل بما يعرفه من الحق في نفسه وإن كان فيه مخالفة للأئمة وعموم الناس المتبعين لهم وحينئذ فلا يجوز أن يؤمر من رأى الهلال أو من أخبره برؤيته من يثق به أن يتبع الإمام والجماعة معه ويترك ما عرفه من الحق فالجواب أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل وذلك أن الصلاة لها وقت محدود في الشرع معلوم أوله وآخره علما ظاهرا فمن غيره من الأئمة لم تجز متابعته في ذلك لأن فيه موافقة على تغيير الشريعة وذلك لا يجوز فنظير هذا من مسألتنا أن يشهد شهود عدول عند حاكم برؤية هلال ذي الحجة أو رمضان فيقول هم عندي عدول ولا أقبل شهادتهم أو نحو ذلك مما يظهر فيه أنه تعمد ترك الواجب بغير عذر فهنا لا يلتفت إليه ويعمل بمقتضى الحق وإن كان يظهر له التقية إذا قيل ما يثبت من الحكم لا يختلف الحال فيه بين الذي يؤتم به في رؤية الهلال مجتهدا مصيبا كان أو مخطئا أو مفرطا خيف من شره كما أمر النبي (ص)بالصلاة مع أولئك الأمراء نافلة وهذا بخلاف الأمور الاجتهادية التي تخفى ويسوغ في مثلها الاجتهاد كقبول الشهود وردهم فإن هذا مما تخفى أسبابه وقد يكون الحاكم معذورا في نفس الأمر ففي مثل هذا لا يجوز الافتيات على الأئمة ونوابهم ولا إظهار مخالفتهم ولو كانوا مفرطين في نفس الأمر فإن تفريطهم عليهم لا على من لم يفرط كما قال النبي (ص)في الأئمة «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم» خرجه البخاري "
ناقش ابن رجل هنا الآراء المختلفة وانتهى إلى وجوب الانصياع للحاكم ونوابه وإن كانوا على خطأ متعمد أو غير متعمد وهو كلام يتعارض مع قوله تعالى " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" فمن عرف الحق فنفذه لا يضره ضلال الحاكم ونوابه عن الحق
كما أنه افتيات على الله تعالى فى قوله " وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فالحكم ليس للحاكم سواء سمى خليفة او ملك أو سلطان او غير هذا وإنما الحكم عند الاختلاف لله وحده وهذه المسألة كلها سببها البعد عن كلام الله بالاحتكام للرؤية أو الاحتكام لحساب النجوم أو غيرهم مع أن الله وضحها بأن حكمه هو أن يعد المسلمون أيام كل شهر ثلاثين يوما والعد لن يخطىء أبدا بينما الرؤية تخطىء وكذلك حساب النجوم
ومع أن ابن رجب قال بوجوب تنفيذ ما قاله الحاكم ونوابه إلا إنه عاد فغير رأيه فجعل المختلف مع الحاكم من حقه الاحتياط لنفسه واستدل هلى هذا بروايات فقال:
" لكن إن أراد شخص أن يحتاط لنفسه فيقف اليوم الثامن بعرفة والذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم عرفة ثم يقف مع الناس من الغد كما فعل سالم بن عبد الله رحمه الله وقد سبق ذكر فعله أو يترك صيام يوم عرفة الذي هو حسب ما ثبت لديه هو يوم العيد إن كان غير حاج كما فعل مسروق وغيره وقد سبق ذكر فعلهم فلا بأس بذلك خروجا من خلاف من أوجب عليه العمل بما ثبت لديه كالسبكي في كتاب العلم المنشور في إثبات الشهور وهو قياس قول من قال يصوم من رأى هلال رمضان وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك وهو أيضا قياس قول من قال يفطر إذا رأى هلال شوال وحده وقد سبق ذكر من قال بذلك لكن ينبغي لمن فعل ذلك أن يخفي عمله منعا للفرقة وتشتيت الكلمة ولئلا يشك العامة في صحة عملهم هذا كله فيما إذا كان من يقوم بإثبات دخول الشهر يعتمد على الرؤية كما هو الحال في هذه البلاد "
ولا حل أمام الأمة فى مسائل أوائل الشهور وما يترتب عليها كالحج إلا الانصياع لحكم الله وهو عد أيام كل شهر ثلاثين يوما وترك ما يسمى بالرؤية التى جاءت فى الروايات التى رواها بشر يجوز على كلامهم النقل الخطأ أو الكذب بينما كلام الله وحده هو الصحيح وأيضا ترك ما يسمى بحساب الفلك أو النجوم فهو يخالف أيضا العد الذى طلبه الله