ثم قال قال الميلانى:
"المطلب التاسع:
في بعض ما كان منهم مع علي والزهراء أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت، والقضايا التي وقعت، ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدثين والرواة، ومع منعهم من نقل الأحاديث المهمة، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الإشكال
فإذن، من بعد هذه القرون المتطاولة، ومن بعد هذه الحواجز والموانع، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع، وإنّما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض المؤرخين رسول الله (ص) يخبر أهل بيته بأنّ الأمّة ستغدر بهم، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده، وسينتقمون منه أي: سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته، لأنها بضعته، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي، وإنّما أبقاها هذه البضعة في هذه الأمّة ليختبر الأمّة، وليظهروا ما في ضمائرهم ولم تطل المدة، فقد وقع الاختبار، وكانت المدة على الأشهر أشهُر، ثمّ عادت البضعة إلى رسول الله واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف، وكلّ ذلك وقع ولكنّنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا، وحتّى لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة
لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات، حتّى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول الله، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث ؟
وبالرغم من ذلك الحصار الشديد، ومن ذلك المنع الأكيد،ومن ذلك الإرعاب والتهديد، مع ذلك، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً، وحتّى أنّا ننقل ـ قدر الإمكان ـ عن أسبق المصادر وأقدمها، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة
فهنا مسائل:
المسألة الأول :مصادرة ملك الزهراء وتكذيبها:
وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء من أعظم المصائب، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين قرأ جملة: «دخلت زينب على ابن زياد» وأراد أن يشرح ذلك الموقف، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية، قال: لأنّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة: «دخلت زينب على ابن زياد» وهذه مصيبة، وما أعظمها دخلت زينب على ابن زياد مجرّد تكذيب الزهراء وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها، ليست القضية قضية فدك، ليست المسألة مسألة أرض وملك، إنّما القضية ظلم الزهراء وتضييع حقّها، وعدم إكرامها، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة:
أوّلاً:
لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله (ص)، وأنّ رسول الله أعطى فاطمة فدكاً، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين أمّا من أهل السنة: فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله (ص)فاطمة فأعطاها فدكاً
وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في الدر المنثور ومن رواته أيضاً: الحاكم، والطبراني، وابن النجار، والهيثمي، والذهبي، والسيوطي، والمتقي وغيرهم ومن رواته: ابن أبي حاتم، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من الموضوعات، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه (ص) للزهراء البتول، غير واحد من أعلام العلماء، ونصّوا على هذا المطلب، منهم: سعد الدين التفتازاني، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق، يقول صاحب الصواعق: إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً
فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
وثانياً:
لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك، فقد شهد أمير المؤمنين ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا: كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه لاحظوا كتبهم، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر يقولون: لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد نقول: لكنّ رسول الله (ص) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين، بل إنّه (ص) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد الله بن عمر، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الأصول لابن الأثير: قضى بشهادة واحد وهو عبد الله بن عمر أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد الله بن عمر في نظر النبي ؟
وثالثاً:
لو سلّمنا حصول الشك لأبي بكر، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله (ص) بشاهد ويمين
راجعوا صحيح مسلم في كتاب الأقضية ، وراجعوا صحيح أبي داود بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على النبي، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها: لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين نقول: فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء، بغضّ النظر عن عصمة علي ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية وأيضاً، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين، وشهد للزهراء أيضاً أُم أيمن، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن حجر
ثمّ نقول: سلّمنا، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء في حياة النبي، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام، أليس كذلك ؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله، تنزّلنا عن كونها معصومة، لا إشكال في أنّها من الصحابة، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء، وقد رتّب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها، عن شهادة علي والحسنين وأُم أيمن، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي استمعوا إلى القضية أنقلها لكم، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية:
أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله الانصاري: إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين، وعنده جابر، قال جابر لأبي بكر: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم)قال لي: إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت لك، فقال أبو بكر لجابر: تقدّم فخذ بعددها
فنقول: رسول الله ليس في هذا العالم، يدّعي جابر أنّ رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله، وأبو بكر خليفة رسول الله، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له: إنّ رسول الله قال لي كذا، ورتّب أبو بكر الأثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد
هذه هي القضية، وتأمّلوا فيها، وهي موجودة في الصحيحين فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري، كيف يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم، ثمّ أعطاه من مال المسلمين، من بيت المال، بقدر ما ادّعاه، ولم يطلب منه بيّنة، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول: وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه، فلقوله (صلى الله عليه وسلم): «من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»، فهو وعيد، ولا يُظنّ بأنّ مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء، ويكذب على رسول الله، بل بالعكس، تظنّون كونه صادقاً في دعواه، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء ـ بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا ـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !
ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول: وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [ لو هذه وصلية ]جرّ ذلك نفعاً لنفسه فالحديث يدلّ على قبول خبره، لان أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول الله نحلني فدكاً، أعطاني فدكاً، ملّكني فدكاً !!ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت: إنّما لم يلتمس شاهداً منه ـ أي من جابر ـ لأنه عدل بالكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقوله (صلى الله عليه وسلم): «من كذب عَلَيّ متعمداً
لاحظوا بقية كلامه يقول: ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب على رسول الله متعمّداً فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب على رسول الله ؟ وأنت تقول: لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً على رسول الله ؟
أقول:
ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة
بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك، وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الأثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟إذن، هناك شيء آخر إذن، من وراء القضيّة ـ قضيّة الزهراء ـ شيء آخر فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها ثمّ جاءت مرّةً أُخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول الله (ص)، لانّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالإجماع، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالإجماع، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الإرث بالإجماع
هذه مقدمات أربع، وكلّها مترتبة متسلسلة
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ واللفظ للأول ـ إنّ فاطمة بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر،فقال أبو بكر: إنّ رسول الله قال: «لا نورّث ما تركنا صدقة»، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته، فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيّام، وخطبتها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيّام، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول:
كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكاً للزهراء، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الأنبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً فاحشاً، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة، وهنا نقاط:
النقطة الأول ى:
كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والأخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟
النقطة الثانية:كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الإرث ! هلاّ قال لهنّ عثمان ـ في الأقل ـ إنّ رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات ؟
وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها، هذه الكلمة في تفسيره يقول: إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة وعلي والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة، لأنه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها، ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة؟
النقطة الثالثة:
إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك، فإنّ دعوى تواتر الخبر كاذبة، لأنهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجّية خبر الواحد، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى: مختصر ابن الحاجب ، والمحصول في علم الأصول للفخر الرازي، والمستصفى في علم الأصول للغزّالي، والأحكام في أصول الإحكام للأمدي، وكشف الأسرار في شرح أصول البزدوي للبخاري، وغير هذه الكتب مضافاً إلى هذا، هناك في الأحاديث أيضاً شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث، فراجعوا مثلاً: كتاب كنز العمال وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث، فراجعوا: شرح المواقف، وشرح المقاصد
النقطة الرابعة:
إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث، لا أنّه منفرد به، بل إنّ هذا الحديث موضوع، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب، حتّى بهذا الحديث لم يستدل، وهذا ما يقوله الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش، إنّه يقول: هذا الحديث باطل، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان» وهو الراوي للقصّة، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 هـ الذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال: سمعت عبدان يقول: قلت لابن خراش: حديث ما تركنا صدقة؟ قال: باطل، أتّهم مالك بن أوس بالكذب فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير، الذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين، رموه بالرفض، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول: هذا والله الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه، فإنّه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [ وكأنّ الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم !! ] فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى» هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى !!
فظهر أن هذه القضية ـ قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت ـ من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول الله (ص)، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الإنسان الحرّ الآبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها، ولكن أُريد أنْ اُسيطر على أعصابي، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة "
كلام طويل ونقل لروايات وكتب طويلة ألفت فى قضية لا أصل لها لأنها لم تحدث على الإطلاق ولو نظر القوم من الفريقين فى كتاب الله لعلموا أن الفىء يوزع على فرق كما قال تعالى :
"ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
1-الله والمراد نصر دين الله 2- الرسول(ص)3- ذوى القربى 4- اليتامى 5- المساكين 6- ابن السبيل
يعنى ى يمكن للنبى(ص) أن يعطى فاطمة ولا غيرها شىء كفدك لأنه لو أعطاها لوجب أن يعطى الستة وأفرادهم كل مثلها لأن هذه التوزيعة كانت لسبب هى ألا يزداد ألغنياء غنى كما قال تعالى فى نهاية العبارة "كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
فلو فعلها النبى(ص) فأعطاها فدك فى حياته أو حتى بعد مماته لكان كافرا عاصيا لأمر الله وهو لم يفعل ذلك أبدا لأن الحادثة لم تحدث
ثم ذكر الرجل حادثة التهديد بالإحراق فقال :
"المسألة الثانية:إحراق بيتها :
وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث، وجزئيّات الأمور، وتفاصيل الوقائع، أتتوقّعون أن ينقل لكم البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟! بهذا اللفظ تريدون ؟! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الأحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والأهمية ولا عشر معشار ما لهذه المسألة
إنّ إحراق بيت الزهراء من الأمور المسلّمة القطعيّة في أحاديثنا وكتبنا، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا، ومن أنكر هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان أمّا في كتب أهل السنّة، فقد جاءت القضيّة على أشكال، وأنا قد رتّبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيباً، حتّى لا يضيع عليكم الأمر ولا يختلط، وحتّى تكونوا على يقظة ممّا يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإنّ القدر الذي ينقلونه أيضاً يتلاعبون به، أمّا الذي لم ينقلوه، أمّا الذي منعوا عنه، أمّا الذي تركوه عمداً، فذاك أمر آخر، فالذي نقلوه كيف نقلوه ؟ وسأذكر لكم ما يتعلّق بهذه المسألة تحت عناوين:
1 ـ التهديد بالاحراق:
بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد بالإحراق، فكان العنوان الأول التهديد، وهذا ما تجدونه في كتاب المصنّف لابن أبي شيبة، من مشايخ البخاري المتوفى سنة 235 هـ، يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن أسلم، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر، يقول:حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت وفي تاريخ الطبري بسند آخر:أتى عمر بن الخطّاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير [ هذه نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم، في البيت كان طلحة أيضاً، الزبير كان من أقربائهم، أمّا طلحة فهو تيميّ ] ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه، فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لانْ ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف، لاحظوا كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه:إنّ عمر قال لها: ما أحد أحبّ إلينا بعده منك، ثمّ قال: ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولان يبلغني لأفعلن ولأفعلن نفس الخبر، بنفس السند، عن نفس الراوي، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل ؟ وأيُّ عاقل يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت ؟ إنّ من يتوقّع منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك على نفسه !!
2 ـ المجيء بقبس أو بفتيلة:
وهناك عنوان آخر، وهو «جاء بقبس» أو «جاء بفتيلة» هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره:روى البلاذري المتوفى سنة 224 في أنساب الأشراف بسنده: إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يابن الخطّاب، أتراك محرّقاً عَلَيّ بابي ؟! قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك
وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه المتوفى سنة 328: وأمّا علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر ولم يكن عمر هو الذي بادر، بَعَثَ أبو بكر عمر بن الخطّاب ]ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إنْ أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أنْ يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطّاب، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمّة
أقول:
وقارنوا بين النصوص بتأمّل لتروا الفوارق والتصرّفات
وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة 732 هـ في المختصر في أخبار البشر الخبر إلى: وإنْ أبوا فقاتلهم، ثمّ قال: فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار
3 ـ إحضار الحَطَب ليحرّق الدار وهذا هو العنوان الثالث، ففي رواية بعض المؤرّخين: أحضر الحَطَب ليحرّق عليهم الدار، وهذا في تاريخ المسعودي (مروج الذهب) وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير، إنّه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشِعب، وجمعه الحطب ليحرّقهم، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لاخيه عبد الله ابن الزبير: بأنّ عمر أحضر الحطب ليحرّق الدار على من تخلّف عن البيعة لأبي بكر «أحضر الحطب» هذا ما يقوله عروة بن الزبير، وأولئك يقولون «جاء بشيء من نار» فالحطب حاضر، والنار أيضاً جاء بها، أتريدون أنْ يصرّحوا بأنّه وضع النار على الحطب، يعني إذا لم يصرّحوا بهذه الكلمة ولن يصرّحوا ! نبقى في شك أو نشكّك في هذا الخبر، الخبر الذي قطع به أئمّتنا، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟!!
4 ـ المجيء للإحراق:وهذه عبارة أُخرى: إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه أو ليحْرقه وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة 882 هـ، وكتابه مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير ـ وهو تاريخ معتبر ـ يقول: إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه على من فيه، فلقيته فاطمة فقال: أُدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة هذا، وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمّد الثقفي، في أخبار السقيفة، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي، عن أحمد ابن حبيب العامري، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: «والله ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته» كتاب السقيفة لهذا المحدّث الكبير لم يصلنا، نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور: الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص ـ إبراهيم بن محمّد الثقفي المتوفى سنة 280 أو 283 هـ ـ نرى من مؤلّفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب، ولم يصلنا هذان الكتابان، وقد ترجم له علماء السنّة ولم يجرحوه بجرح أبداً، غاية ما هناك قالوا: رافضي نعم هو رافضي، ألّف كتاب السقيفة وألّف كتاب المثالب، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسنداً عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد: والله ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته وممّا يدلّ على صحّة روايات هذا الشخص ـ إبراهيم بن محمّد الثقفي ـ ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال: لمّا صنّف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره، فقال: أيّ البلاد أبعد عن التشيّع ؟ فقالوا له: إصفهان ـ إصفهان ذاك الوقت ـ، فحلف أنْ يخفيه ولا يحدّث به إلاّ في إصفهان ثقةً منه بصحة ما أخرجه فيه، فتحوّل إلى إصفهان وحدّث به فيها ذكره أبو نعيم الاصبهاني في أخبار اصبهان في هذه الرواية: «والله ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته»، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة، صرّحوا «بالحطب» صرّحوا «بالنار» صرّحوا «بالقبس» صرّحوا «بالفتيلة» صرّحوا بكذا وكذا، إلاّ أنّهم يتجنّبون التصريح بكلمة إنّه وضع النار على الحطب، وتريدون أنْ يصرّحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أن يبقوا أحياء ؟ إنّ ظروفهم ما كانت تسمح لهم لانْ يرووا أكثر من هذا، ومن جهة أُخرى، كانوا يعلمون بأنّ القرّاء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر ممّا يقولون، ويستشمّون من هذا الذي يذكرون الأمور الأخر ى التي لا يذكرون، أتريدون أنْ يقولوا بأنّ ذلك وقع بالفعل ويصرّحوا به تمام التصريح، حتّى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكّون أو تشكّكون، هذا والله لعجيب "
حادثة أخرى لم تحدث فهى اتهام صريح بكفر كل الصحابة المؤمنين حتى على فهى بيعة بالإكراه وسكوت على كفر منه فالكبيران لا يعرفان قوله تعالى"وأمرهم شورى بينهم" ولا يعرفان قوله تعالى "لا إكراه فى الدين" والغريب أنها بيعة مجنونة اقتصرت على أهل المدينة مع أنه الدولة اتسعت حتى بلغت عندى كل نواحى الأرض فى عهد النبى(ص)بدليل قوله تعالى "ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا"
روايات الحادثة متناقضة فمرة هدد كلاميا ومرة هدد ومعه فتيلة ومرة حدد ومعه الحطب ومرة هدد ومعه الفتيلة والحطب ومرة كان الزبير وحده ومرة كان الزبير وطلحة ومرات كانت فاطمة وحدها فى البيت دون على ومرات كان على معهم فى البيت ومرة تم احراق البيت فعلا ومرة عمر فعل هذا من نفسه ومرة فعله هذا بأمر أبو بكر
الأغرب من الخيال فى الروايات وهو أمر لا يصدقه عاقل أن عمر العجوز ذهب وحده للبيت وهدد أو أحرق وفيه ثلاث رجال من الشباب أو الأقل منه سنا وهم ليسوا أى رجال إنهم فوارس المجاهدين على الذى خرج للقتال فى بدر كما فى روايات التاريخ والزبير الذى ذهب للمعمعة كما يروى التاريخ لجلب أخبار الأعداء وحده هل تصدقون أن رجل بلا سلاح هدد ثلاث فوارس؟
الأغرب من الخيال أن عمر ذهب ومعه الحطب وحده فتصوروا كم حمل عمر من الحطب ومن أين أتى به ؟
الغريب أيضا مع تصديق الشيعة حديث عدم سد الخوخات إلا خوخة أى باب على فى المسجد فإن الحادثة لابد ـن تكون وقعت بحوار المسجد النبوى فهل بلغ السفه بعمر أن يحرق مسجد التقوى الذى هو ملاصق لبيت على وفاطمة؟
ثم تناول الرجل مسألة إجهاض فاطمة:
"المسألة الثالثة إسقاط جنينها :
وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي من الذكور ثلاثة أولاد: حسن، وحسين، ومحسن وكان رسول الله (ص) قد سمّى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون: شَبَر شُبير ومشبّر، وهذا موجود في: مسند أحمد ، وموجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم والذهبي أيضاً صحّحه ، وموجود في مصادر أُخرى
فيبقى السؤال: هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا: كان له ولد بهذا الاسم فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث، وسنرى في المباحث الآتية، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا، وتحمّلوا ما تحمّلوا أحدهم: ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 هـ قال الذهبي بترجمته: الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [ أصبح شيعياً !! ] محدِّث الكوفة، حدّث عنه الحاكم، وأبو بكر ابن مردويه، ويحيى بن إبراهيم المزكِّي، وأبو الحسن ابن الحمّامي، والقاضي أبو بكر الجيلي، وآخرون كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة، إلاّ أنّه يترفّض [ لماذا يترفّض ؟ ] قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة» لا يقول أكثر من هذا: ألّف في الحطّ على بعض الصحابة، فهو إذنْ يترفّض ولو راجعتم كتابه الأخر ميزان الاعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي فيقول: قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرّخ موته ـ كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن كان مستقيم الأمر عامّة دهره، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، فهو ـ إذن ـ خارج عن الاستقامة
أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذا الرجل كان من كبار الصحابة، يثنون عليه غاية الثناء، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه، لعظمة قدره وجلالة شأنه ـ هذا الشخص عندما دنا أجله، أرسل إلى أحد أصحابه، وحدّثه عن رسول الله بمتعة الحج ـ التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها ـ ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به، وإنْ مات فليحدّث نعم، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامّة دهره، لا ينقل مثل هذه القضايا، اقتضت ظروفه أن لا ينقل، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته، حينئذ جعل يُقرأ له المثالب ومنها هذا: «دخلت عليه ورجل يقرأ» فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً، اتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر، وذلك في أواخر حياته، حتّى إذا مات، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره ورجل آخر هو: النظّام، إبراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي المتوفى سنة 231 هـ هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية، تذكر في الكتب، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء، وكانت أقواله شاذّة، إلاّ أنّه من كبار العلماء، ذكروا عنه أنّه كان يقول: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح عمر: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين وممّن نقل عنه هذا: الشهرستاني في الملل والنحل، والصّفدي في الوافي بالوفيات ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين وممّن عثرنا عليه: ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة، الكتاب محرّف ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 هـ ينقل عن كتاب المعارف قوله: إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق !! فلفظه: أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول: مات طفلاً لكن البعض الأخر منهم ـ وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين، وله كتب منها نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار، يقول بأنّه مات صغيراً وعندما نراجع ابن أبي الحديد، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه: لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبّار لأنه روّع زينب فألقت ما في بطنها، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك
هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد فيقول له ابن أبي الحديد: أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة روّعت فألقت محسناً ؟ فقال: لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه نعم لا يروون، وإذا رووا يحرّفون، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون "
الميلانى هنا لا يعرف ما يستدل به ففى حادثة الإحراق كان فى بيت فاطمة ثلاثة أو أربعة هم الزبير وطلحة وهى وعلى وهنا ينقل رواية مخالفة وهى أنه لا طلحة ولا الزبير كانا موجودين وإنما الحسن والحسين
والغريب أيضا هو تناقض الروايات فالمرأة خافت فأجهضت مرة والمرة الأخرى رفسها برجله فى بطنها فأيهما نصدق؟
والغريب أنه روايات تذكر أنه مات جنينا وروايات تذكر أنه كان صغيرا أى ولد وعاش فترة فأيهما نصدق؟
والغريب أنه لا وجود لمحسن عند القوم فى الأحاديث المستهرة عندهم وعند أهل السنة فلو كان هناك محسنا فلماذا قيل مثلا "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "
والجنون أن الجنين له اسم ومن المعروف أن الطفل لا يسمى إلا بعد الولادة
ثم تناول الرجل المسالة الرابعة وهى كشف بيت فاطمة فقال:
"المسألة الرابعة:
كشف بيتها :
وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء، وهجموا على دارها، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّى ابن تيميّة، ولو أنّ أحداً شكّ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول الله وفاطمة الزهراء ؟
ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته: إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله وهذا حديث مهم جدّاً، والقدر الذي نحتاج إليه الآن:
أوّلاً: قوله: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ثانياً: قوله: وددت أني كنت سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد أترونه صادقاً في تمنّيه هذا ؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟وأمّا هذا الخبر ـ خبر تمنّيه هذه الأمور ـ ففي: تاريخ الطبري، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الإمام، وفي مروج الذهب للمسعودي، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف، فراجعوا كتاب الأموال، فقد جاء فيه بدل قوله: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة، هذه الجملة: وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة: كذا وكذا !!
أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممّن تريدون هذا ؟ وممّن تتوقّعون ؟ أمّا ابن تيميّة، فلا ينكر أصل القضيّة، ولا ينكر تمنّي أبي بكر،وإنّما يبرّر !! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول: إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين !!
وكذلك يفعلون !!"
هنا الرجل يذكر قضية لا وجود لها فى كتب الحديث وإنما فى كتب التاريخ والغريب فيها أن الفاعل أبو بكر مع أن من ذهب فى الروايات كان عمر وهو لم يكشف البيت حسب الروايات وإنما هدد أو حرق
الغريب فى الكبسة على بيت فاطمة التى لم تحدث أنها كانت للبحث عن مال للنبى(ص) فيه وهو كلام لا يدخل العقل فالبيت ملاصق للمسجد والمسلمون ذاهبون خارجون منه للصلاة ومن ثم لو أحب أحد أن يدخل فيه شىء لعرف الكثيرون كما أن بيت عائشة وبيت حفصة موجود فى نفس المنطقة فكيف لا يعرف أبو بكر شىء وهؤلاء معه ؟
ثم ذكر الرجل أمور أخرى باختصار فقال :
قضايا أُخرى:
وبقيت أُمور أتعرّض لها باختصار:

الأمر الأول :
إنّ فاطمة ماتت ولم تبايع أبا بكر، ماتت وهي واجدة على أبي بكر، وهذا موجود في الصحاح وغيرها، وقد قرأنا نصّ الحديث عن عائشة
أترون أنّها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ وماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم ؟ ماتت بغير إمام ميتةً جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟
الأمر الثاني:
إنّ عليّاً لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء، ولم يخبره بأمرها، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها وأنتم تعلمون أنّ الصلاة على الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لأحد أنْ يتقدّم للصلاة على ميّت إلاّ بإذن خاص، ولذا لمّا دفنوا عبد الله بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان، أرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذه الغاية، ولهذا السبب، وله نظائر كثيرة فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته ولكن القوم يعلمون بهذا، القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلى أبي بكر، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الأصحاب وصلّوا على الزهراء، واقتدى علي بأبي بكر في تلك الصلاة، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة لاحظوا الكذب أنقل لكم هذا النص:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد الله بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي: أحد الضعفاء، [ هذا الشخص أحد الضعفاء ] أتى عن مالك [ مالك بن أنس ] بمصائب منها: عن جعفر بن محمّد يتقوّلون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت أنفسهم ! وكم له من نظير، ولي مذكّرات من هذا القبيل، إنّهم كثيراً مّا يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه، وعن لسان ولده محمّد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الأشياء، عندي مذكّرات في هذا الباب وهذا الخبر: عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال: توفّيت فاطمة ليلاً، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعلي: تقدّم فصلِّ، قال لا، لا والله لا تقدّمت وأنت خليفة رسول الله، فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً هذا من مصائب أُمّتنا، أنْ لا تنقل القضايا كما هي، وتوضع في مقابلها موضوعات
الأمر الثالث:وكان دفنها ليلاً بوصية منها، لتبقى مظلوميّتها على مدى التاريخ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله (ص) عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق، وحقيق على كلّ مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء
يقول ابن تيميّة في مقام الجواب: كثير من الناس دفنوا ليلاً
ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلاً وأنْ تدفن ليلاً، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها "
أمور لم تحدث وأدلة واهية فصلاة الجنازة ليس شرطا أن يحضرها الحاكم لأنه لو فعل فى بلدة كبيرة العدد لن يتمكن من القيام بمهامه الأخرى والغريب أنه يصدق ما جاء فى روايات ويكذب ما جاء فى روايات أخرى عن حضور أبو بكر الجنازة ولا تدرى على أى أساس يصدق أو يكذب
المهم أن كل هذه الحكايات لا أصل لها ولا تدخل ضمن وحى الله ومن ثم ليست من دين الله فى شىء
لو صدقناها فهى أحقاد وكراهيات بين أناس بسبب الصراع على الكراسى ولا دخل للإسلام فيها