نقد كتاب اجتهاد عمر في آيات الخمر
الكتاب من تأليف عبد الحسين الأميني ومن إصدارات مركز الأبحاث العقائدية برعاية السيستانى
الكتاب موضوعه هو اتهام مبطن لعمر بحب شرب الخمر وتحايله على الشرع لشربه حتى يوم استشهاده وأما العنوان اجتهاد فليس دالا على اجتهاد حقيقى
الكتاب قائم على نقل روايات من كتب أهل السنة لإثبات تلك الاتهامات التى سماها الرجل اجتهادا فى عنوان الكتاب
بالقطع كل الروايات القائلة بأن أمر الخمر لم يتضح وضوح الشمس فى أيام النبى(ص)تخالف القرآن فى أنه بين كل شىء بحيث لا يمكن لأحد أن يؤل أى معنى على غير بيان الله وفى هذا قال تعالى :
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
كما تخالف أن النبى(ص) بين للمسلمين كل حكم بيانا شافيا بالوحى الثانى وهو الذكر أى شرح أى تفسير القرآن المنزل عليه كما قال تعالى : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
ومن ثم لو اعتبرنا ما استنتجه الكاتب من تلك الروايات صحيح من كون عمر محب للخمر ظل يشربها ويسميها بغير اسمها حتى يوم قتله لكان معنى هذا هو :
أن يكون النبى(ص) لم يبلغ الوحى كاملا
أن يكون النبى (ص)محابيا منحازا لعمر حميه حيث تركه يشرب الخمر حوالى عشرين سنة وهو ما يعنى خيانته لله وهو أمر غير ممكن مع غفران الله له ذنوبه ورضاه عنه
أن يكون على بن أبى طالب خائنا هو الأخر لأن لم ينكر على عمر حوالى الثلاثين سنة شربه الخمر والأدهى أنه زوجه ابنته رغم علمه بفسقه وفجوره
أن يكون الصحابة كلهم خونة سواء كانوا موالين الشيعة أو غير موالين لأن تركوا عمر يشرب الخمر طوال فترة حياته بينهم ولم ينكر عليه أحد
والآن لتناول الروايات:
1 - قال الزمخشري في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات والقصف واللعب وشهاب الدين الأبشيهي في " المستطرف " 2 ص 291: قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات: الأولى قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية فكان من المسلمين من شارب ومن تارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها حتى شربها عمر رضي الله عنه فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر * من الشيزى المكلل بالسنام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيى * وكيف حياة أصداء وهام؟
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي؟
ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام؟
فقل لله: يمنعني شرابي * وقل لله: يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا ورواه الطبري في تفسيره 2 ص 203 بتغيير في أبياته غير أن فيه مكان عمر في الموضع الأول (رجل)
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة: يسألونك عن الخمر والميسر قال فدعي عمر فقرأت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء:
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرأت عليه فقال: اللهم بين لنا بيانا شافيا فنزلت: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر و الميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون قال عمر: انتهينا، انتهينا
أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 128، وأحمد في المسند 2 ص 53، والنسائي في السنن 8 ص 287، والطبري في تاريخه 7 ص 22، والبيهقي في سننه 8 ص 285، والجصاص في أحكام القرآن 2 ص 245، والحاكم في المستدرك 2 ص 278، وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه، والقرطبي في تفسيره 5 ص 200، وابن كثير في تفسيره 1 ص 255، 500، و ج 2 ص 92 نقلا عن أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وعلي بن المديني وقال: قال علي بن المديني: إسناد صالح صحيح وذكر تصحيح الترمذي وقرره
ويوجد في تيسير الوصول 1 ص 124، وتفسير الخازن 1 ص 513، وتفسير الرازي 3 ص 458، وفتح الباري 8 ص 225، والدر المنثور 1 ص 252 نقلا عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي، والنسائي وأبي يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي، والضياء المقدسي في المختارة"
نلاحظ الخبل فى الرواية وهو أن تحريم الخمر نزل فى أول جملة فى الرواية " لما نزل تحريم الخمر" ومع هذا طلب عمر فى الرواية بيانا شافيا فى الجملة التالية لما سبق " قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"

3 - عن سعيد بن جبير: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا فكانوا يشربونها أول الإسلام حتى نزلت: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير و منافع للناس قالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ:قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقالوا: نشربها في غير حين الصلاة فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بيانا شافيا فنزلت: إنما يريد الشيطان الآية فقال عمر انتهينا انتهينا تفسير القرطبي 5 ص 200"
هذه الرواية من الممكن أن تكون صحيحة المعنى فالرجل كان يطلب البيان الشافى وهو التحريم وتحريمها قبل الصلاة ليس تحريما شافيا أى تاما وأما الرواية التالية فتناقضها فى كونه طلب البيان الشافى مرتين وليس مرة فى الرواية التالية:
4 - عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر
فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فكأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: اللهم بين لنا في الخمر فنزلت: ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
الآية فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر فتلاها عليه فكأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: اللهم بين لنا في الخمر فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه حتى انتهى إلى قوله: فهل أنتم منتهون فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فقال عمر: انتهينا يا رب
أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 ص 143 وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والترمذي في صحيحه 2 ص 176 من طريق عمرو بن شرحبيل، وذكره الآلوسي في " روح المعاني " 7 ص 15 طبع المنيرية"
ويناقض المرة والمرتين أنهم ثلاثة لأنه قال انتهينا فى الرابعة فى الرواية التالية:
"وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي حديثا فيه: ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر بن الخطاب: انتهينا يا ربنا"
5 - وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس شربها قوم لقوله: منافع للناس وتركها قوم لقوله: إثم كبير منهم عثمان بن مظعون حتى نزلت الآية التي في النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فتركها قوم وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل حتى نزلت الآية التي في المائدة: إنما الخمر والميسر الآية، قال عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام؟ بعدا وسحقا فتركها الناس وأخرج الطبري عن سعيد بن جبير ما يقرب منه وفي آخره: حتى نزلت: إنما الخمر والميسر الآية، فقال عمر: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر"
الجنون هنا القول "وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل " والجنون هو أن الصلاة فى النهار فقط بينما الليل لا صلاة فيه ومن ثم فعلامة كون الحديث منكر موضوع موجودة
وقد دافع الأمينى عن غمر فقال :
"هذا افتراء على ذلك الصحابي العظيم وقد نص أئمة التاريخ والحديث على إنه ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي راجع الاستيعاب 2: 482، والدر المنثور 2: 315"
والغريب أن الأمينى قال أن غرضه هو تعريفنا جهل الخليفة عمر بحظر الخمر من الآيات السابقة على آية المائدة فى قوله:
" لم نرم بسرد هذه الأحاديث إثبات شرب الخمر على الخليفة أيام الجاهلية إذ الإسلام يجب ما قبله، وليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين - سورة المائدة - بل الغاية المتوخاة إيقاف القارئ على مبلغ علم الخليفة بالكتاب، وحد عرفانه مغازي آيات الله وإنه لم يكن يعرف الحظر من قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير وقد نزل بيانا للنهي عنها، وعرفته الصحابة منه وقالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا يكون بيان شاف في مقام الإعراب عن الخطر والحظر أولى منها ولا سيما بملاحظة أمثال قوله تعالى: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي من الآيات الواردة في الإثم فقد حرمت بكل صراحة الإثم الذي هتفت الآية الأولى بوجوده في الخمر، والإثم: الذنب، والآثم والأثيم الفاجر وقد يطلق على نفس الخمرة كقول الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهارا * وترى المسك بيننا مستعارا
وقول الآخر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي * كذاك الإثم تذهب بالعقول
وليست منافع الخمر إلا أثمانها قبيل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة وقد نص على هذا كما في تفسير الطبري 2 ص 202
وقال الجصاص في أحكام القرآن 1 ص 380: هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله: " قل فيهما إثم كبير " والإثم كله محرم بقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم فأخبر أن الإثم محرم ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير تأكيدا لحظرها وقوله: منافع للناس لا دلالة فيه على إباحتها لأن المراد منافع الدنيا
وإن في سائر المحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها، فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها لا سيما وقد أكد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية " وإثمهما أكبر من نفعهما " يعني إن ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما فإن قيل: ليس في قوله تعالى " فيهما إثم كبير " دلالة على تحريم القليل منها لأن مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسكر وترك الصلاة والمواثبة والقتال فإذا حصل المأثم بهذه الأمور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم ولا دلالة فيه على تحريم القليل منها قيل له: معلوم إن في مضمون قوله: فيهما إثم كبير ضمير شربها لأن جسم الخمر هو فعل الله تعالى ولا مأثم فيها وإنما المأثم مستحق بأفعالنا فيها، فإذا كان الشرب مضمرا كان تقديره في شربها وفعل الميسر إثم كبير فيتناول ذلك شرب القليل منها والكثير كما لو حرمت الخمر لكان معقولا إن المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلك تحريم قليلها كثيرها "
وهو يكرر حكاية جهل عمر فيذكر الروايات التالية:
"فهذه كلها عزبت عن الخليفة وكان يتطلب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله: اللهم بين لنا بيانا شافيا وما انتهى عنها إلا بعد لأي من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالى: فهل أنتم منتهون قال القرطبي في تفسيره 6 ص 292: لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زايد على معنى انتهوا قال: انتهينا وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره 1 ص 187: فيه توقيف يتضمن الزجر والوعيد و لذلك قال عمر لما نزلت: انتهينا انتهينا"
وهو كلام قد يصدق على أى صاحبى غير مقيم مع النبى(ص) والمؤمنين فى المدينة ولكنه صاحبى مقرب النبى(ص) متزوج من ابنته حسب التاريخ ومن ثم سيكون عالما بتحريم الخمر منذ سورة البقرة ثم يذكر الأمينى ناقلا عن بعض التفاسير أقوال فى أية المائدة فيقول:
"وقال الزمخشري في الكشاف 1 ص 433: من أبلغ ما ينهى به كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
"وقال البيضاوي في تفسيره 1 ص 357: في قوله (فهل أنتم منتهون) إيذانا بأن الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وإن الأعذار قد انقطعت"
والأمينى يناقض ما ذكره سابقا من كون عمر لم يشرب الخمر فى الجاهلية فى قوله "هذا افتراء على ذلك الصحابي العظيم وقد نص أئمة التاريخ والحديث على إنه ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي راجع الاستيعاب 2: 482، والدر المنثور 2: 315"
بقوله أنه كان مدمنا لها فيذكر العديد من الروايات فى قوله:
"وما كان ذلك التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد إلا لحبه لها وكونه أشرب الناس في الجاهلية كما ينم عنه قوله فيما أخرجه ابن هشام في سيرته 1 ص 368: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها الحديث
وفيما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10 ص 214 عن عبد الله بن عمر من قول والده في أيام خلافته: إني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية وإنها ليست كالزنا "
وبالقطع من غرضه الدفاع عن الرجل لا يمكن أن يذكر القول ونقيضه إلا وكان غرضه هو العيب فى الرجل وهو يصر على أن عمر لم يقتنع بتحريم الخمر حتى نزلت آية المائدة فقال :
"ومن هنا خص الخليفة بالدعوة وقراءة النبي الأعظم عليه الآيات النازلة في الخمر وكان ممن يأولها ولم ينتهي عنها إلى أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر سورة نزلت من القرآن ومنها ما نزل في حجة الوداع وفي الدر المنثور 2 ص 252 عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته ويروى: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (تفسير القرطبي 6 ص 31)"
والأمينى لا يدافع عن عمر وإنما الغرض هو إظهار جهل الرجل حتى بعد وفاة النبى (ص) فهو وأبو بكر لا يعلمان أن الخمر من أعظم الكبائر ويروى فى ذلك الروايات قائلا:
"وبعد هذه كلها لم يكن الخليفة يعلم أن شرب الخمر من أعظم الكبائر كما تعرب عنه صحيحة الحاكم عن سالم بن عبد الله قال: إن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم فأرسلوني إلى عبد الله بن عمر وأسأله فأخبرني إن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ووثبوا جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وإنه لما شربه لم يمتنع من شيئ أراده منه مستدرك الحاكم 4 ص 147، الترغيب والترهيب 3 ص 105، الدر المنثور 2 ص 323"
وهو أمر لا يمكن أن يكون صادقا لأن الحاكم لابد أن يكون عالما بالشريعة كما قال تعالى "وزاده بصطة فى العلم والجسم"ولا يمكن أن يختار المسلمون حليفة حاهل بأمر يعبمه حتى عامة الناس وهو حرنة شرب الخمر
والامينى يصر على كون عمر كافر لإصراره على شرب الخمر حتى بعد نزول المائدة وبعد وفاة النبى(ص) وحتى يوم استشهاده فيذكر الروايات التالية:
"ولاعتياده بها منذ مدة غير قصيرة إلى نزول آية المائدة في حجة الوداع طفق يشرب النبيذ الشديد بعد نزول ذلك الوعيد، وبعد قوله: انتهينا انتهينا وكان يقول:
إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء وقال: إني رجل معجار البطن أو مسعار البطن وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 3 ص 109وقال: لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطوننا إلا النبيذ الشديد(جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 190، 215)
م - وكان يشرب النبيذ الشديد إلى آخر نفس لفظه قال عمرو بن ميمون: شهدت عمر حين طعن أتي بنبيذ شديد فشربه (طب 6 ص 156)
وكان حدة شرابه وشدته بحيث لو شرب غيره منه لسكر وكان يقيم عليه الحد غير أن الخليفة كان لم يتأثر منه لاعتياده أو كان يكسره ويشربه قال الشعبي:شرب أعرابي من أداوة عمر فأغشي فحده عمر: ثم قال: وإنما: حده للسكر لا للشرب(العقد الفريد 3 ص 416)وفي لفظ الجصاص في أحكام القرآن 2 ص 565: إن أعرابيا شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد فقال الأعرابي: إنما شربت من شرابك فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ثم شرب منه وقال: من رابه شرابه شئ فليكسره بالماء ثم قال الجصاص: ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه: إنه شرب منه بعد ما ضرب الأعرابي وفي جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 192 قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه وكان يحب الشراب الشديد وعن ابن جريج: إن رجلا عب في شراب نبذ لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه وعن أبي رافع: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء أخرجه النسائي في سننه 8 ص 326 وعده مما احتج به من أباح شرب المسكر
م - وأخرج القاضي أبو يوسف في كتاب الآثار 226 من طريق أبي حنيفة عن إبراهيم أبي عمران الكوفي التابعي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ رجلا سكرانا فأراد أن يجعل له مخرجا فأبى إلا ذهاب عقل، فقال: احبسوه فإذا صحا فاضربوه ثم أخذ فضل إداوته فذاقه فقال: اوه هذا عمل بالرجال العمل ثم صب فيه ماء فكسره فشرب وسقى أصحابه وقال: هكذا اصنعوا بشرابكم إذا غلبكم شيطانه)"
ولو كان الأمينى يدافع عن عمر ما ذكر كل تلك الروايات ولا عمل جاهدا على جمعها لأنه لا يناقش ضعفها أو نكارتها وهذا شأن من يريد أن يشيع عن شخص ما شىء ما خاطىء فيترك الروايات الكثيرة والتى تجعل العامة يظنون بالرجل ظن السوء
وبعد هذا يذكر الأمينى دفاعا عن عمر أن روايات جلده الرجل الذى شرب من شرابه لا تصح من عدة وجوه وهو أمر لم يفعله فى روايات شربه من أجل لحوم الإبل وشرب يوم وفاته فقال :
"ومن العجيب حد من شرب من أداوة عمر فسكر لأنه إن كان لا يعلم أن ما في الأداوة مسكر وشرب فلا حد عليه كما أخرجه أبو عمر في " العلم " 2 ص 86 ومر ص 174 عن الخليفة نفسه من قوله: ما الحد إلا من علمه وإن كان ذلك فإن له في شرابه أسوة بالخليفة، والفرق بينهما بأنه أسكره ولم يكن يسكر الخليفة لاعتياده به تافه، فكأن المدار عند الخليفة في حلية الأشربة والحد عليها على الاسكار وعدمه بالإضافة إلى شخص كل شارب وينبأ عنه قوله: الخمر ما خامر العقل والحد و الحرمة مطلقان لكل مسكر وإن قورنت صفة الاسكار بمانع من خصوصيات الأمزجة أو لقلة في الشرب فالصفة صلتها بالمشروب فحسب لا الشارب ويدل على ذلك أحاديث جمة صحيحة تدل على أن القليل الذي لا يسكر مما يسكر كثيرة حرام مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره أخرجه الدارمي في سننه 2 ص 113، والنسائي في سننه 8 ص 301، والبيهقي
في سننه 8 ص 296
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق جابر وابن عمر وابن عمرو: ما أسكر كثيرة فقليله حرام أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 129، وأحمد في مسنده 2 ص 167، ج 3 ص 343
والترمذي في صحيحه 1 ص 342، وابن ماجة في سننه 2 ص 332، والنسائي في سننه 8 ص 300، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب في تاريخ بغداد 3 ص 327وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام وفي لفظ آخر: ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 130، والترمذي في صحيحه 1 ص 342، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب البغدادي في تاريخه 6 ص 229، وابن الأثير في جامع الأصول كما في التيسير 2 ص 173
وعن سعد: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره أخرجه النسائي في سننه 8 ص 301
وقال السندي في شرح سنن النسائي: أي ما يحصل السكر بشرب كثيرة فهو حرام قليله وكثيره وإن كان قليله غير مسكر وبه أخذ الجمهور وعليه الاعتماد عند علمائنا الحنفية والاعتماد على القول بأن المحرم هو الشربة المسكرة وما كان قبلها فحلال قد رده المحقوق كما رده المصنف رحمه الله تعالى وفي تفسير الطبري 2 ص 104 عن قتادة: جاء تحريم الخمر في آية سورة المائدة ، قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما لم يسكر وأخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور 2 ص 316
أخرج أبو حنيفة بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير، والمسكر من كل شراب
م - ورواه الخطيب في تاريخه 3 ص 190 عن ابن عباس ولفظه، حرمت الخمرة بعينها، قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب)"
ويعود الأمينى إلى عيبه فى عمر بذكر روايات تحليله للطلاء فيقول:
"وإنما أحل عمر الطلاء حين طبخ وذهب ثلثاه ولما قدم الشام شكوا له وباء الأرض إلى أن قالوا: هل لك أن تجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأمرهم عمر أن يشربوه وكتب إلى عماله أن يرزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه
وقال محمود بن لبيد الأنصاري: إن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر: اشربوا هذا العسل قالوا: لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله: اللهم! إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم أخرجه إمام المالكية مالك في الموطأ 2 ص 180"
والغريب أنه لا يناقش تلك الروايات التى تذكر أن سبب تحليله الطلاء وباء الأرض وثقلها وهو يذكر روايات عن صحابة أخرين تدين تحليل عمر فيذكر الروايات التالية:
"في جامع تحريم الخمر فحج أبو مسلم الخولاني فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها فقالت: كيف تصبرون على بردها؟ فقال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم يقال له: الطلاء فقالت: صدق الله وبلغ حبي سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها - وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم، ويمنون بدينهم على ربهم و يتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع نهج البلاغة 2: 65)وسئل ابن عباس عن الطلاء فقال: وما طلاؤكم هذا إذ سألتموني؟ فبينوا لي الذي تسألوني عنه قالوا: هو العنب يعصر ثم يطبخ ثم يجعل في الدنان قال: وما الدنان؟قالوا: أدنان مقيرة قال: مزفته؟ قالوا: نعم قال: أيسكر؟ قالوا: إذا أكثر منه أسكر قال: فكل مسكر حرام
وقبل هذه كلها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتنب كل مسكر ينش قليله وكثيره أخرجه النسائي في سننه 8 ص 324، وحكاه عنه ابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 172
هذه آراء من شتى النواحي في باب الأشربة تخص بالخليفة لا تساعده فيها البرهنة الشرعية من الكتاب والسنة بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون"