سورة الإسراء
سميت بهذا الاسم لذكر قصة الإسراء فى بدايتها .
"بسم الله الرحمن الرحمن سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة للذي نقل مملوكه ليلا من البيت الحرام إلى البيت الأقصى الذي قدسنا حوله لنشهده من علاماتنا إنه هو الخبير العليم ،يبين الله للمؤمنين أن باسم الله الرحمن الرحيم والمراد بحكم الرب النافع المفيد السبح لله أي سبحان والمراد الطاعة لحكم الله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والمراد الذي نقل مملوكه محمد(ص)فى الليل من البيت الحرام فى مكة إلى البيت الأقصى فى طرف الأرض والبيت الحرام هو المسجد الذي بارك الله حوله مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا" وبارك أي قدس الله الأرض فى محيطه مصداق لقوله بسورة المائدة "ادخلوا الأرض المقدسة "والسبب فى نقل محمد(ص)هو أن يريه من آيات الله والمراد أن يعرف محمد(ص)من علامات الله الكبرى ليسكن قلبه وبالطبع هذه المعجزة خاصة بالرسول(ص)وحده لم يشاهدها أحد من الناس لأن الله منع المعجزات عنهم ويبين لنا أنه السميع البصير أي العليم الخبير بكل شيء مصداق لقوله بسورة لقمان"إن الله عليم خبير"والخطاب للمؤمنين.
"وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا"المعنى وأوحينا لموسى (ص)التوراة رحمة لأولاد يعقوب(ص)ألا تعبدوا من غيرى إلها نسل من أركبنا مع نوح (ص) إنه كان مملوكا مطيعا ،يبين الله لنا أنه أتى موسى (ص)الكتاب والمراد أوحى لموسى (ص)التوراة وهى الهدى مصداق لقوله بسورة غافر"ولقد أتينا موسى الهدى"وفسر هذا بأنه جعلها هدى لبنى إسرائيل والمراد أرسلها نفع لأولاد يعقوب(ص)وقد قال لهم فيها ألا تتخذوا من دونى وكيلا والمراد ألا تعبدوا من غيرى وليا مصداق لقوله بسورة الكهف"أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى"وهذا يعنى أى ألا يطيعوا حكم مع حكم الله ويبين لنا أن بنى إسرائيل هم ذرية من حمل مع نوح(ص)والمراد هم أولاد واحد ممن ركبوا مع نوح (ص)فى السفينة وهذا يعنى أن نوح(ص)ليس له ذرية من البنين بعد ابنه الكافر الذى غرق فى الطوفان ويبين لنا أن نوح(ص)كان عبدا شكورا أى مملوكا مطيعا لحكم الله .
"وقضينا إلى بنى إسرائيل لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا "المعنى وأوحينا لأولاد يعقوب لتظلمن فى البلاد مرتين أى لتفسدن فسادا عظيما ،يبين الله لنا أنه قضى أى أوحى لبنى إسرائيل فى التوراة التالى :لتفسدن فى الأرض مرتين والمراد لتظلمن فى البلاد مرتين وفسر هذا بأنهم سوف يعلون علوا كبيرا أى يتكبرن تكبرا عظيما والمراد سوف يكفرون فى البلاد كفرا عظيما عندما يحكمون الأرض المقدسة .
"فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباد لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا "المعنى فإذا حضر وقت أولهما أرسلنا لكم عبيدا لنا أهل قوة عظمى فساروا خلال البلاد وكان خبرا متحققا ثم أعدنا لكم النصر عليهم وزودناكم بأمتعة ورجال وجعلناكم أعظم عددا ،يبين الله لنا أنه قال لبنى إسرائيل فى الوحى :فإذا جاء وعد أولاهما والمراد فإذا حضر وقت أول المرتين أى وإذا حانت نهاية أول المرتين بعث الله عليكم عباد له والمراد أرسل الله لهم عبيدا مطيعين لدينه أولى بأس شديد والمراد أصحاب قوة كبيرة ففعلوا التالى :جاسوا خلال الديار أى دخلوا كل البلاد والمراد احتلوا كل المملكة وكان ذلك وعدا مفعولا والمراد قولا متحققا وقد تحقق فيما بعد ،وبعد رددنا لكم الكرة عليهم والمراد ثم أعدنا لكم الغلبة عليهم أى أنهم انتصروا على المطيعين لدين الله بعد كفرهم به حيث أمدهم أى زودهم الله بأموال أى بمتاع وهو الأملاك والبنين وهم الرجال وجعلكم أكثر نفيرا والمراد وجعلكم أعظم جيشا وهذا يعنى أن بنى إسرائيل أصبح لديهم جيش قوى بالأموال والبنين التى أعطاها الله لهم .
"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " المعنى إن أصلحتم أصلحتم لأنفسكم وإن أفسدتم فعليها فإذا أتى خبر الثانية ليذلوا نفوسكم وليلجوا البيت كما ولجوه أسبق مرة وليدمروا ما عملوا تدميرا ،يبين الله لنا أن الله قال لبنى إسرائيل فى الوحي :إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم والمراد إن شكرتم شكرتم لمصلحتكم مصداق لقوله بسورة النمل"ومن شكر فإنما يشكر لنفسه "وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله فهو يطيعه لنفع نفسه ،وإن أسأتم فلها والمراد فإن بغيتم فعلى أنفسكم عقاب البغى مصداق لقوله بسورة يونس"إنما بغيكم على أنفسكم " ،فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤا وجوهكم والمراد فإذا حانت نهاية المرة الثانية ليذلوا أنفسكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة والمراد وليلجوا البيت كما ولجوه أسبق مرة وهذا يعنى أنهم يصلون فى البيت الحرام كما صلوا فيه المرة السابقة ،وقال وليتبروا ما علوا تتبيرا والمراد وليدمروا ما صنعوا تدميرا وهذا يعنى أن الغزاة سوف يزيلون ما وجدوه من الفساد فى البلاد إزالة كاملة.
"عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا "المعنى لعل إلهكم أن ينفعكم وإن رجعتم رجعنا وجهزنا النار للمكذبين فراشا،يبين الله لنا أنه قال لبنى إسرائيل فى الوحى :عسى ربكم أى إلهكم أن يرحمكم أى ينفعكم وهذا يعنى أن الله يفيدهم إذا عادوا للحق ،وإن عدتم عدنا والمراد وإن رجعتم للفساد رجعنا لإرسال المسلمين للقضاء عليكم وهذا يعنى أنهم سيكررون فسادهم فى الأرض بعد المرتين وهو ما حدث وقال وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا والمراد أعد النار للطاغين مآبا أى نزلا مصداق لقوله بسورة النبأ"إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا"وقوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا"والخطاب لهنا من أول السورة للمؤمنين.
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا"المعنى إن هذا الكتاب يرشد للتى هى أعدل ويخبر المصدقين الذين يفعلون الحسنات أن لهم ثوابا عظيما،يبين الله للنبى(ص)أن هذا القرآن وتفسيره وهو وحى الله يهدى للتى هى أقوم والمراد يرشد للتى هى أحسن وهى دين الله وهو يبشر المؤمنين أى يخبر المصدقين بدينه الذين يعملون الصالحات وهم الذين يفعلون الحسنات أن لهم أجرا كبيرا أي ثوابا حسنا مصداق بسورة الكهف"أن لهم أجرا حسنا ".
"وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما "المعنى وأن الذين لا يصدقون بالقيامة جهزنا لهم عقابا شديدا،يبين الله للنبى(ص) أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين لا يصدقون بالقيامة أعد الله لهم عذابا أليما والمراد جهز لهم عقابا شديدا مصداق لقوله بسورة الطلاق"أعد الله لهم عذابا شديدا " والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا"المعنى وينادى الإنسان بالأذى نداؤه بالنفع وكان الإنسان طالبا،يبين الله للنبى(ص) أن الإنسان وهو الكافر يدعو بالشر والمراد ينادى بالأذى أى يطالب الله بكشف الضرر عنه مصداق لقوله بسورة الزمر"وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه " كما يدعو بالخير أى كما يطالب الله بالنفع له مصداق لقوله بسورة فصلت "لا يسأم الإنسان من دعاء الخير"ويبين لنا أن الإنسان وهو الكافر عجول أى داعى أى متسرع فى كفره .
"وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىء فصلناه تفصيلا "المعنى وخلقنا الليل والنهار علامتين فأزلنا ظلام الليل وخلقنا علامة النهار مضيئة لتطلبوا متاعا من إلهكم ولتعرفوا عدد الأعوام والحساب وكل أمر بيناه تبيينا ،يبين الله للناس أنه جعل الليل والنهار آيتين والمراد خلق الليل والنهار علامتين ظاهرتين فمحا آية الليل والمراد فأظلم علامة الليل وجعل آية النهار مبصرة أى وخلق علامة النهار مضيئة والسبب أن نبتغى فضلا من الله والمراد أن نطلب رزقا من الله وأن نعلم عدد السنين والحساب والمراد أن نعرف عدد الأعوام والإحصاء ويبين لنا أنه فصل كل شىء تفصيلا أى بين كل قضية تبيانا مصداق لقوله بسورة النحل"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"والخطاب وما بعده للناس.
"وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"المعنى وكل فرد جعلنا عمله على نفسه ونعطى له يوم البعث كتابا يأخذه ممدودا اعلم عملك كفى بنفسك اليوم عليك حاكما،يبين الله للناس أن كل إنسان ألزمه الله طائره فى عنقه والمراد أن كل فرد جعل الله سعيه لنفسه سواء لنفعه أو لإضراره مصداق لقوله بسورة النجم"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "وفى يوم القيامة وهو يوم البعث يخرج له والمراد يسلم له أى يؤتيه التالى :كتابا أى سجل يلقاه منشورا والمراد يجده مفتوحا والمراد به كل شىء مظهر ومبين لا ينقص شىء ويقال له اقرأ كتابك والمراد شاهد أى تراءى سجلك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والمراد حسبك الآن قلبك عليك حاكما وهذا يعنى أن الله يطالب كل واحد أن يحكم على نفسه حسب عمله الذى عرفه.
"من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"المعنى من أسلم فإنما يقدم لنفعه ومن كفر فإنما يؤخر عليها ولا تحمل نفس جزاء أخرى وما كنا معاقبين حنى نرسل نبيا،يبين الله للناس أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه والمراد أن من أبصر الحق أى أسلم فإنما يعمل لمنفعته ومن ضل عليها والمراد ومن عمى أى كفر فعقابه على نفسه مصداق لقوله بسورة الأنعام"فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها"ويبين لنا أن لا تزر وازرة وزر أخرى أى لا تتحمل نفس جزاء نفس أخرى والمراد يتحمل كل إنسان جزاء سعيه مصداق لقوله بسورة النجم "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "ويبين لنا أنه ما كان معذب حتى يبعث رسولا والمراد ما كان معاقب أى مهلك أحد حتى يرسل نبيا يبلغه حكم الله مصداق لقوله بسورة القصص "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا"وهذا يعنى أن لا أحد يدخل النار إلا وقد بلغه الإسلام والخطاب للناس .
"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "المعنى وإذا شئنا أن ندمر بلدة حكمنا أكابرها فأفسدوا فيها فصدق عليها الحديث فأهلكناها إهلاكا،يبين الله للنبى(ص) أنه إذا أراد أن يهلك قرية والمراد إذا شاء أن يدمر أهل بلدة فعل التالى أمر مترفيها والمراد حكم أكابرها وهم أغنيائها فيها ففعلوا التالى فسقوا فيها أي ظلموا فيها والمراد أفسدوا الصلاح فيها ومن ثم يحق عليهم القول أى يصدق عليهم الحكم الإلهي وهو إدخالهم النار مصداق لقوله بسورة الحجر"إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين "وتكون النتيجة هى أن يدمرهم تدميرا أى يهلكهم إهلاكا والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا "المعنى وكم دمرنا من الأمم من بعد نوح(ص)وحسبك إلهك بخطايا عبيده عليما محيطا ؟يسأل الله وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح(ص)والمراد "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة"كما قال بسورة الأنبياء والغرض من السؤال هو إخبارنا أن عدد الأقوام المدمرة من بعد وفاة نوح(ص)كثير ويبين لنبيه (ص)أنه كفى بربه بذنوب عباده خبيرا بصيرا والمراد أنه حسبه إلهه بسيئات خلقه عليما محيطا وهذا يعنى علمه بكل أعمال الكفار.
"من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا "المعنى من كان يحب الدنيا أعطينا له فيها ما نشاء ثم أعددنا له النار يدخلها ملعونا مجحوما ،يبين الله لنبيه(ص) أن من كان يريد العاجلة والمراد من كان يطلب متاع وهى حرث الدنيا عجلنا له فيها ما نريد أى أتيناه فيها الذى نشاء مصداق لقوله بسورة هود"من كان يريد الدنيا وزينتها "وقوله بسورة الشورى "ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها"وهذا يعنى أن الله لا يعطيه ما يطلب و إنما يعطيه حسب ما يريد له وبعد ذلك يجعل له جهنم يصلاها مذموما مدحورا والمراد يلقى فى النار ملعونا مخذولا أى مهانا ذليلا مصداق لقوله بسورة الإسراء"فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا"و "مذموما مخذولا"والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس .
"ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا "المعنى ومن طلب الجنة وعمل لها عملها وهو مصدق فأولئك كان عملهم محمودا ،يبين الله لنبيه(ص)أن من أراد الآخرة والمراد أن من طلب ثواب القيامة وسعى لها سعيها والمراد وعمل لها عملها الصالح وهو مؤمن أى مصدق لحكم الله فأولئك كان سعيهم مشكورا له والمراد فأولئك كان عملهم مثابا مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها".
"كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"المعنى كلا نعطى هؤلاء وهؤلاء من رزق إلهك وما كان رزق إلهك ممنوعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن فريق العاجلة وفريق الآخرة كلا يمد الله أى كلا يعطى الله من العطاء وهو الرزق وعطاء الرب ليس محظورا والمراد أن رزق الله ليس ممنوعا عن أحد فى الحياة الدنيا.
"انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا "المعنى اعلم كيف ميزنا بعضهم على بعض وللقيامة أعظم عطايا أى أعظم تمييزا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن ينظر والمراد أن يعلم كيف فضل أى رفع بعض الناس عطايا على البعض الآخر فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ورفع بعضكم فوق بعض درجات"ويبين له أن الآخرة وهى الجنة أى أجر القيامة أكبر درجات أى أعظم عطايا وفسر هذا بأنه أكبر تفضيلا أى أعظم عطاء مصداق لقوله بسورة النحل"ولأجر الآخرة أكبر"والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا"المعنى ولا تدع مع الله ربا آخر فتكون ملعونا مذلولا ،يطلب الله من نبيه(ص)ألا يجعل مع الله إلها آخر أى ألا يطيع مع حكم الله حكم رب آخر مزعوم والمراد ألا يدعو مع الله ربا آخر مصداق لقوله بسورة الشعراء"فلا تدع مع الله إلها آخر"ويبين له نتيجة عبادة غيره وهى أن يقعد مذموما مخذولا والمراد أن يكون معذبا معاقبا مصداق لقوله بآية سورة الشعراء السابقة "فتكون من المعذبين ".
"وقضى ربك ألا تعبدوا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا "المعنى وحكم إلهك ألا تطيعوا إلا سواه وبالأبوين برا إما يصلن لديك العجز أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تزجرهما وقل لهما حديثا حسنا وضع لهما عمل المهانة من النفع وقل إلهى انفعهما كما نميانى وليدا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قضى ألا يعبدوا إلا إياه والمراد أنه حكم ألا يطيعوا حكم إلا حكمه كما قال بسورة يوسف "إن الحكم إلا لله "ومن ضمن عبادة الله بالوالدين إحسانا أى بالأبوين معروفا وهذا يعنى وجوب معاملة الأبوين بالبر وهو المعروف مصداق لقوله بسورة لقمان"وصاحبهما فى الدنيا معروفا"ويبين الله لكل مسلم أن الأبوين أحدهما أو كلاهما إذا بلغ عنده الكبر والمراد إذا وصل لديه فى بيته العجز وهو سن الشيخوخة فعليه التالى :ألا يقل لهما أف والمراد ألا يحدثهما قائلا ويل لكما أى العذاب لكما ،ألا ينهرهما والمراد ألا يزجرهما والمراد ألا يمنعهما من قول شىء أو فعله ،وأن يقول لهما قولا كريما والمراد وأن يتحدث معهما حديثا حسنا أى عادلا ،وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة والمراد أن يعمل لهما عمل المهانة من النفع وهذا يعنى أن يصنع لهما أى عمل فيه مهانة له مثل غسل الأعضاء التناسلية والإخراجية لهما بعد البول والبراز وهذا العمل من النفع لهما ،وأن يدعوا لهما الله رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا والمراد إلهى انفعهما كما نميانى وليدا .
"ربكم أعلم بما فى نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذى القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا "المعنى إلهكم أعرف بالذى فى صدوركم إن تصبحوا مسلمين فإنه كان للتوابين عفوا وأعط صاحب القرابة واجبه والمحتاج وابن الطريق ولا تسرف إسرافا إن المسرفين كانوا أخلاء الكفار وكان الكافر لإلهه مكذبا ،يبين الله للناس أنه أعلم بما فى نفوسهم والمراد أنه أعرف بالذى فى قلوبهم أى أدرى بنيات نفوسهم إن يكونوا صالحين أى محسنين والمراد مسلمين فإنه للأوابين وهم التوابين أى العائدين لدين الله غفورا أى عفوا والمراد إن الله رحيم بالمسلمين ،ويطلب الله من كل مسلم أن يؤتى والمراد يعطى الحق وهو الواجب عليه لكل من ذا القربى وهو صاحب الرحم والمسكين وهو المحتاج للمال وابن السبيل أى ابن الطريق والمراد المسافر الذى ليس معه ما يوصله لأهله سالما ويطلب منه ألا يبذر مبذرا والمراد ألا يسرف إسرافا فى المال وغيره من الأشياء ويبين لهم إن المبذرين وهم المسرفين هم إخوان الشياطين أى أصحاب الكفار وإن الشيطان وهو الكافر بربه كافر أى لإلهه مخالف عاصى مصداق لقوله بسورة مريم "إن الشيطان كان للرحمن عصيا "والخطاب للمؤمنين.
"وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهما قولا ميسورا "المعنى وإما تخالفهم طلب نفع من إلهك تريده فقل لهما حديثا عادلا ،يبين الله لنبيه(ص)ولكل مسلم أنه إذا أعرض عن الوالدين والمراد إذا خالف حكم والديه أو غيرهما بسبب ابتغاء رحمة من ربه يرجوها والمراد طلب نفع من خالقه يريده وهى الجنة فعليه أن يقل لهما قولا ميسورا أى أن يتحدث معهما حديثا معروفا مصداق لقوله بسورة النساء"وقولوا لهم قولا معروفا "والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص) وكل مسلم .
"ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا "المعنى ولا تربط يدك مقيدة إلى رقبتك ولا تمدها كل المد فتكون معاتبا مخذولا،ينهى الله المسلم عن جعل اليد مغلولة إلى العنق أى جعل النفس مربوطة إلى الخناق والمراد جعل النفس محرومة من الطيبات حتى تختنق وهذا هو ما يسمى البخل ،وينهاهم عن بسط اليد كل البسط أى مد النفس كل المد والمراد جعل النفس تتمتع بكل المتع وهذا هو ما يسمى الإسراف ويبين الله له نتيجة البخل والإسراف وهى أن يقعد ملوما محسورا والمراد أن يصبح مذموما خاسرا وهذا يعنى أنه يدخل النار.
"إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادك خبيرا بصيرا"المعنى إن إلهك يكثر العطاء لمن يريد ويقلل إنه كان عليما محيطا ،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو إلهه يبسط الرزق لمن يشاء أى يكثر العطاء لمن يريد ويقدر أى يقلل العطاء لمن يريد وهو بعباده وهم خلقه خبيرا بصيرا أى عليما محيطا بكل شىء والخطاب للنبى(ص).
سميت بهذا الاسم لذكر قصة الإسراء فى بدايتها .
"بسم الله الرحمن الرحمن سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة للذي نقل مملوكه ليلا من البيت الحرام إلى البيت الأقصى الذي قدسنا حوله لنشهده من علاماتنا إنه هو الخبير العليم ،يبين الله للمؤمنين أن باسم الله الرحمن الرحيم والمراد بحكم الرب النافع المفيد السبح لله أي سبحان والمراد الطاعة لحكم الله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والمراد الذي نقل مملوكه محمد(ص)فى الليل من البيت الحرام فى مكة إلى البيت الأقصى فى طرف الأرض والبيت الحرام هو المسجد الذي بارك الله حوله مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا" وبارك أي قدس الله الأرض فى محيطه مصداق لقوله بسورة المائدة "ادخلوا الأرض المقدسة "والسبب فى نقل محمد(ص)هو أن يريه من آيات الله والمراد أن يعرف محمد(ص)من علامات الله الكبرى ليسكن قلبه وبالطبع هذه المعجزة خاصة بالرسول(ص)وحده لم يشاهدها أحد من الناس لأن الله منع المعجزات عنهم ويبين لنا أنه السميع البصير أي العليم الخبير بكل شيء مصداق لقوله بسورة لقمان"إن الله عليم خبير"والخطاب للمؤمنين.
"وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا"المعنى وأوحينا لموسى (ص)التوراة رحمة لأولاد يعقوب(ص)ألا تعبدوا من غيرى إلها نسل من أركبنا مع نوح (ص) إنه كان مملوكا مطيعا ،يبين الله لنا أنه أتى موسى (ص)الكتاب والمراد أوحى لموسى (ص)التوراة وهى الهدى مصداق لقوله بسورة غافر"ولقد أتينا موسى الهدى"وفسر هذا بأنه جعلها هدى لبنى إسرائيل والمراد أرسلها نفع لأولاد يعقوب(ص)وقد قال لهم فيها ألا تتخذوا من دونى وكيلا والمراد ألا تعبدوا من غيرى وليا مصداق لقوله بسورة الكهف"أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى"وهذا يعنى أى ألا يطيعوا حكم مع حكم الله ويبين لنا أن بنى إسرائيل هم ذرية من حمل مع نوح(ص)والمراد هم أولاد واحد ممن ركبوا مع نوح (ص)فى السفينة وهذا يعنى أن نوح(ص)ليس له ذرية من البنين بعد ابنه الكافر الذى غرق فى الطوفان ويبين لنا أن نوح(ص)كان عبدا شكورا أى مملوكا مطيعا لحكم الله .
"وقضينا إلى بنى إسرائيل لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا "المعنى وأوحينا لأولاد يعقوب لتظلمن فى البلاد مرتين أى لتفسدن فسادا عظيما ،يبين الله لنا أنه قضى أى أوحى لبنى إسرائيل فى التوراة التالى :لتفسدن فى الأرض مرتين والمراد لتظلمن فى البلاد مرتين وفسر هذا بأنهم سوف يعلون علوا كبيرا أى يتكبرن تكبرا عظيما والمراد سوف يكفرون فى البلاد كفرا عظيما عندما يحكمون الأرض المقدسة .
"فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباد لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا "المعنى فإذا حضر وقت أولهما أرسلنا لكم عبيدا لنا أهل قوة عظمى فساروا خلال البلاد وكان خبرا متحققا ثم أعدنا لكم النصر عليهم وزودناكم بأمتعة ورجال وجعلناكم أعظم عددا ،يبين الله لنا أنه قال لبنى إسرائيل فى الوحى :فإذا جاء وعد أولاهما والمراد فإذا حضر وقت أول المرتين أى وإذا حانت نهاية أول المرتين بعث الله عليكم عباد له والمراد أرسل الله لهم عبيدا مطيعين لدينه أولى بأس شديد والمراد أصحاب قوة كبيرة ففعلوا التالى :جاسوا خلال الديار أى دخلوا كل البلاد والمراد احتلوا كل المملكة وكان ذلك وعدا مفعولا والمراد قولا متحققا وقد تحقق فيما بعد ،وبعد رددنا لكم الكرة عليهم والمراد ثم أعدنا لكم الغلبة عليهم أى أنهم انتصروا على المطيعين لدين الله بعد كفرهم به حيث أمدهم أى زودهم الله بأموال أى بمتاع وهو الأملاك والبنين وهم الرجال وجعلكم أكثر نفيرا والمراد وجعلكم أعظم جيشا وهذا يعنى أن بنى إسرائيل أصبح لديهم جيش قوى بالأموال والبنين التى أعطاها الله لهم .
"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " المعنى إن أصلحتم أصلحتم لأنفسكم وإن أفسدتم فعليها فإذا أتى خبر الثانية ليذلوا نفوسكم وليلجوا البيت كما ولجوه أسبق مرة وليدمروا ما عملوا تدميرا ،يبين الله لنا أن الله قال لبنى إسرائيل فى الوحي :إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم والمراد إن شكرتم شكرتم لمصلحتكم مصداق لقوله بسورة النمل"ومن شكر فإنما يشكر لنفسه "وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله فهو يطيعه لنفع نفسه ،وإن أسأتم فلها والمراد فإن بغيتم فعلى أنفسكم عقاب البغى مصداق لقوله بسورة يونس"إنما بغيكم على أنفسكم " ،فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤا وجوهكم والمراد فإذا حانت نهاية المرة الثانية ليذلوا أنفسكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة والمراد وليلجوا البيت كما ولجوه أسبق مرة وهذا يعنى أنهم يصلون فى البيت الحرام كما صلوا فيه المرة السابقة ،وقال وليتبروا ما علوا تتبيرا والمراد وليدمروا ما صنعوا تدميرا وهذا يعنى أن الغزاة سوف يزيلون ما وجدوه من الفساد فى البلاد إزالة كاملة.
"عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا "المعنى لعل إلهكم أن ينفعكم وإن رجعتم رجعنا وجهزنا النار للمكذبين فراشا،يبين الله لنا أنه قال لبنى إسرائيل فى الوحى :عسى ربكم أى إلهكم أن يرحمكم أى ينفعكم وهذا يعنى أن الله يفيدهم إذا عادوا للحق ،وإن عدتم عدنا والمراد وإن رجعتم للفساد رجعنا لإرسال المسلمين للقضاء عليكم وهذا يعنى أنهم سيكررون فسادهم فى الأرض بعد المرتين وهو ما حدث وقال وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا والمراد أعد النار للطاغين مآبا أى نزلا مصداق لقوله بسورة النبأ"إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا"وقوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا"والخطاب لهنا من أول السورة للمؤمنين.
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا"المعنى إن هذا الكتاب يرشد للتى هى أعدل ويخبر المصدقين الذين يفعلون الحسنات أن لهم ثوابا عظيما،يبين الله للنبى(ص)أن هذا القرآن وتفسيره وهو وحى الله يهدى للتى هى أقوم والمراد يرشد للتى هى أحسن وهى دين الله وهو يبشر المؤمنين أى يخبر المصدقين بدينه الذين يعملون الصالحات وهم الذين يفعلون الحسنات أن لهم أجرا كبيرا أي ثوابا حسنا مصداق بسورة الكهف"أن لهم أجرا حسنا ".
"وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما "المعنى وأن الذين لا يصدقون بالقيامة جهزنا لهم عقابا شديدا،يبين الله للنبى(ص) أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين لا يصدقون بالقيامة أعد الله لهم عذابا أليما والمراد جهز لهم عقابا شديدا مصداق لقوله بسورة الطلاق"أعد الله لهم عذابا شديدا " والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا"المعنى وينادى الإنسان بالأذى نداؤه بالنفع وكان الإنسان طالبا،يبين الله للنبى(ص) أن الإنسان وهو الكافر يدعو بالشر والمراد ينادى بالأذى أى يطالب الله بكشف الضرر عنه مصداق لقوله بسورة الزمر"وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه " كما يدعو بالخير أى كما يطالب الله بالنفع له مصداق لقوله بسورة فصلت "لا يسأم الإنسان من دعاء الخير"ويبين لنا أن الإنسان وهو الكافر عجول أى داعى أى متسرع فى كفره .
"وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىء فصلناه تفصيلا "المعنى وخلقنا الليل والنهار علامتين فأزلنا ظلام الليل وخلقنا علامة النهار مضيئة لتطلبوا متاعا من إلهكم ولتعرفوا عدد الأعوام والحساب وكل أمر بيناه تبيينا ،يبين الله للناس أنه جعل الليل والنهار آيتين والمراد خلق الليل والنهار علامتين ظاهرتين فمحا آية الليل والمراد فأظلم علامة الليل وجعل آية النهار مبصرة أى وخلق علامة النهار مضيئة والسبب أن نبتغى فضلا من الله والمراد أن نطلب رزقا من الله وأن نعلم عدد السنين والحساب والمراد أن نعرف عدد الأعوام والإحصاء ويبين لنا أنه فصل كل شىء تفصيلا أى بين كل قضية تبيانا مصداق لقوله بسورة النحل"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"والخطاب وما بعده للناس.
"وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"المعنى وكل فرد جعلنا عمله على نفسه ونعطى له يوم البعث كتابا يأخذه ممدودا اعلم عملك كفى بنفسك اليوم عليك حاكما،يبين الله للناس أن كل إنسان ألزمه الله طائره فى عنقه والمراد أن كل فرد جعل الله سعيه لنفسه سواء لنفعه أو لإضراره مصداق لقوله بسورة النجم"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "وفى يوم القيامة وهو يوم البعث يخرج له والمراد يسلم له أى يؤتيه التالى :كتابا أى سجل يلقاه منشورا والمراد يجده مفتوحا والمراد به كل شىء مظهر ومبين لا ينقص شىء ويقال له اقرأ كتابك والمراد شاهد أى تراءى سجلك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والمراد حسبك الآن قلبك عليك حاكما وهذا يعنى أن الله يطالب كل واحد أن يحكم على نفسه حسب عمله الذى عرفه.
"من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"المعنى من أسلم فإنما يقدم لنفعه ومن كفر فإنما يؤخر عليها ولا تحمل نفس جزاء أخرى وما كنا معاقبين حنى نرسل نبيا،يبين الله للناس أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه والمراد أن من أبصر الحق أى أسلم فإنما يعمل لمنفعته ومن ضل عليها والمراد ومن عمى أى كفر فعقابه على نفسه مصداق لقوله بسورة الأنعام"فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها"ويبين لنا أن لا تزر وازرة وزر أخرى أى لا تتحمل نفس جزاء نفس أخرى والمراد يتحمل كل إنسان جزاء سعيه مصداق لقوله بسورة النجم "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "ويبين لنا أنه ما كان معذب حتى يبعث رسولا والمراد ما كان معاقب أى مهلك أحد حتى يرسل نبيا يبلغه حكم الله مصداق لقوله بسورة القصص "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا"وهذا يعنى أن لا أحد يدخل النار إلا وقد بلغه الإسلام والخطاب للناس .
"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "المعنى وإذا شئنا أن ندمر بلدة حكمنا أكابرها فأفسدوا فيها فصدق عليها الحديث فأهلكناها إهلاكا،يبين الله للنبى(ص) أنه إذا أراد أن يهلك قرية والمراد إذا شاء أن يدمر أهل بلدة فعل التالى أمر مترفيها والمراد حكم أكابرها وهم أغنيائها فيها ففعلوا التالى فسقوا فيها أي ظلموا فيها والمراد أفسدوا الصلاح فيها ومن ثم يحق عليهم القول أى يصدق عليهم الحكم الإلهي وهو إدخالهم النار مصداق لقوله بسورة الحجر"إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين "وتكون النتيجة هى أن يدمرهم تدميرا أى يهلكهم إهلاكا والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا "المعنى وكم دمرنا من الأمم من بعد نوح(ص)وحسبك إلهك بخطايا عبيده عليما محيطا ؟يسأل الله وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح(ص)والمراد "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة"كما قال بسورة الأنبياء والغرض من السؤال هو إخبارنا أن عدد الأقوام المدمرة من بعد وفاة نوح(ص)كثير ويبين لنبيه (ص)أنه كفى بربه بذنوب عباده خبيرا بصيرا والمراد أنه حسبه إلهه بسيئات خلقه عليما محيطا وهذا يعنى علمه بكل أعمال الكفار.
"من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا "المعنى من كان يحب الدنيا أعطينا له فيها ما نشاء ثم أعددنا له النار يدخلها ملعونا مجحوما ،يبين الله لنبيه(ص) أن من كان يريد العاجلة والمراد من كان يطلب متاع وهى حرث الدنيا عجلنا له فيها ما نريد أى أتيناه فيها الذى نشاء مصداق لقوله بسورة هود"من كان يريد الدنيا وزينتها "وقوله بسورة الشورى "ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها"وهذا يعنى أن الله لا يعطيه ما يطلب و إنما يعطيه حسب ما يريد له وبعد ذلك يجعل له جهنم يصلاها مذموما مدحورا والمراد يلقى فى النار ملعونا مخذولا أى مهانا ذليلا مصداق لقوله بسورة الإسراء"فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا"و "مذموما مخذولا"والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس .
"ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا "المعنى ومن طلب الجنة وعمل لها عملها وهو مصدق فأولئك كان عملهم محمودا ،يبين الله لنبيه(ص)أن من أراد الآخرة والمراد أن من طلب ثواب القيامة وسعى لها سعيها والمراد وعمل لها عملها الصالح وهو مؤمن أى مصدق لحكم الله فأولئك كان سعيهم مشكورا له والمراد فأولئك كان عملهم مثابا مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها".
"كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"المعنى كلا نعطى هؤلاء وهؤلاء من رزق إلهك وما كان رزق إلهك ممنوعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن فريق العاجلة وفريق الآخرة كلا يمد الله أى كلا يعطى الله من العطاء وهو الرزق وعطاء الرب ليس محظورا والمراد أن رزق الله ليس ممنوعا عن أحد فى الحياة الدنيا.
"انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا "المعنى اعلم كيف ميزنا بعضهم على بعض وللقيامة أعظم عطايا أى أعظم تمييزا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن ينظر والمراد أن يعلم كيف فضل أى رفع بعض الناس عطايا على البعض الآخر فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ورفع بعضكم فوق بعض درجات"ويبين له أن الآخرة وهى الجنة أى أجر القيامة أكبر درجات أى أعظم عطايا وفسر هذا بأنه أكبر تفضيلا أى أعظم عطاء مصداق لقوله بسورة النحل"ولأجر الآخرة أكبر"والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا"المعنى ولا تدع مع الله ربا آخر فتكون ملعونا مذلولا ،يطلب الله من نبيه(ص)ألا يجعل مع الله إلها آخر أى ألا يطيع مع حكم الله حكم رب آخر مزعوم والمراد ألا يدعو مع الله ربا آخر مصداق لقوله بسورة الشعراء"فلا تدع مع الله إلها آخر"ويبين له نتيجة عبادة غيره وهى أن يقعد مذموما مخذولا والمراد أن يكون معذبا معاقبا مصداق لقوله بآية سورة الشعراء السابقة "فتكون من المعذبين ".
"وقضى ربك ألا تعبدوا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا "المعنى وحكم إلهك ألا تطيعوا إلا سواه وبالأبوين برا إما يصلن لديك العجز أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تزجرهما وقل لهما حديثا حسنا وضع لهما عمل المهانة من النفع وقل إلهى انفعهما كما نميانى وليدا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قضى ألا يعبدوا إلا إياه والمراد أنه حكم ألا يطيعوا حكم إلا حكمه كما قال بسورة يوسف "إن الحكم إلا لله "ومن ضمن عبادة الله بالوالدين إحسانا أى بالأبوين معروفا وهذا يعنى وجوب معاملة الأبوين بالبر وهو المعروف مصداق لقوله بسورة لقمان"وصاحبهما فى الدنيا معروفا"ويبين الله لكل مسلم أن الأبوين أحدهما أو كلاهما إذا بلغ عنده الكبر والمراد إذا وصل لديه فى بيته العجز وهو سن الشيخوخة فعليه التالى :ألا يقل لهما أف والمراد ألا يحدثهما قائلا ويل لكما أى العذاب لكما ،ألا ينهرهما والمراد ألا يزجرهما والمراد ألا يمنعهما من قول شىء أو فعله ،وأن يقول لهما قولا كريما والمراد وأن يتحدث معهما حديثا حسنا أى عادلا ،وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة والمراد أن يعمل لهما عمل المهانة من النفع وهذا يعنى أن يصنع لهما أى عمل فيه مهانة له مثل غسل الأعضاء التناسلية والإخراجية لهما بعد البول والبراز وهذا العمل من النفع لهما ،وأن يدعوا لهما الله رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا والمراد إلهى انفعهما كما نميانى وليدا .
"ربكم أعلم بما فى نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذى القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا "المعنى إلهكم أعرف بالذى فى صدوركم إن تصبحوا مسلمين فإنه كان للتوابين عفوا وأعط صاحب القرابة واجبه والمحتاج وابن الطريق ولا تسرف إسرافا إن المسرفين كانوا أخلاء الكفار وكان الكافر لإلهه مكذبا ،يبين الله للناس أنه أعلم بما فى نفوسهم والمراد أنه أعرف بالذى فى قلوبهم أى أدرى بنيات نفوسهم إن يكونوا صالحين أى محسنين والمراد مسلمين فإنه للأوابين وهم التوابين أى العائدين لدين الله غفورا أى عفوا والمراد إن الله رحيم بالمسلمين ،ويطلب الله من كل مسلم أن يؤتى والمراد يعطى الحق وهو الواجب عليه لكل من ذا القربى وهو صاحب الرحم والمسكين وهو المحتاج للمال وابن السبيل أى ابن الطريق والمراد المسافر الذى ليس معه ما يوصله لأهله سالما ويطلب منه ألا يبذر مبذرا والمراد ألا يسرف إسرافا فى المال وغيره من الأشياء ويبين لهم إن المبذرين وهم المسرفين هم إخوان الشياطين أى أصحاب الكفار وإن الشيطان وهو الكافر بربه كافر أى لإلهه مخالف عاصى مصداق لقوله بسورة مريم "إن الشيطان كان للرحمن عصيا "والخطاب للمؤمنين.
"وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهما قولا ميسورا "المعنى وإما تخالفهم طلب نفع من إلهك تريده فقل لهما حديثا عادلا ،يبين الله لنبيه(ص)ولكل مسلم أنه إذا أعرض عن الوالدين والمراد إذا خالف حكم والديه أو غيرهما بسبب ابتغاء رحمة من ربه يرجوها والمراد طلب نفع من خالقه يريده وهى الجنة فعليه أن يقل لهما قولا ميسورا أى أن يتحدث معهما حديثا معروفا مصداق لقوله بسورة النساء"وقولوا لهم قولا معروفا "والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص) وكل مسلم .
"ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا "المعنى ولا تربط يدك مقيدة إلى رقبتك ولا تمدها كل المد فتكون معاتبا مخذولا،ينهى الله المسلم عن جعل اليد مغلولة إلى العنق أى جعل النفس مربوطة إلى الخناق والمراد جعل النفس محرومة من الطيبات حتى تختنق وهذا هو ما يسمى البخل ،وينهاهم عن بسط اليد كل البسط أى مد النفس كل المد والمراد جعل النفس تتمتع بكل المتع وهذا هو ما يسمى الإسراف ويبين الله له نتيجة البخل والإسراف وهى أن يقعد ملوما محسورا والمراد أن يصبح مذموما خاسرا وهذا يعنى أنه يدخل النار.
"إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادك خبيرا بصيرا"المعنى إن إلهك يكثر العطاء لمن يريد ويقلل إنه كان عليما محيطا ،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو إلهه يبسط الرزق لمن يشاء أى يكثر العطاء لمن يريد ويقدر أى يقلل العطاء لمن يريد وهو بعباده وهم خلقه خبيرا بصيرا أى عليما محيطا بكل شىء والخطاب للنبى(ص).