"وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون "المعنى وما بعثنا فى بلدة من رسول إلا عاملنا أصحابها بالأذى أى العقاب لعلهم يتوبون،يبين الله لنا أنه ما أرسل فى قرية من نبى والمراد ما بعث فى بلدة من رسول مصداق لقوله بسورة النساء"وما أرسلنا من رسول"إلا أخذ أهلها بالبأساء أى الضراء والمراد إلا عامل أصحابها بالأذى وهو العذاب مصداق لقوله بسورة المؤمنون"ولقد أخذناهم بالعذاب"وهذا يعنى أن الله عاملهم بإرسال العذاب عليهم بسبب كفرهم والسبب هو لعلهم يضرعون أى لعلهم يتوبون عن كفرهم .
"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون"المعنى ثم غيرنا موضع الضارة النافعة حتى فرحوا وقالوا قد أصاب آباءنا الأذى والنفع فأهلكناهم فجأة أى هم لا يعلمون بوقت الهلاك،يبين الله لنا أنه بدل مكان السيئة الحسنة والمراد جعل مكان العذاب الرزق الكثير وهو فتح أبواب الرزق مصداق لقوله بسورة الأنعام"فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا"أى كما قال حتى عفوا والمراد رضوا بهذا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء والمراد قد أصاب آباءنا العذاب والرزق ،فكان رد الله عليهم أن أخذهم بغتة أن أهلكهم فجأة وفسر هذا بأنهم لا يشعرون أى هم لا يدرون بوقت مجىء الهلاك.
"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"المعنى ولو أن أصحاب البلدات صدقوا وأطاعوا حكم الله لأعطينا لهم أرزاق من السماء والأرض ولكن كفروا فأهلكناهم بالذى كانوا يكفرون ،يبين الله لنا أن أهل القرى وهم سكان البلاد لو أمنوا أى صدقوا حكم الله واتقوا أى أطاعوا حكم الله وهو ما سماه الله إقامة حكم الله لحدث التالى فتح عليهم بركات من السماء والأرض والمراد أعطى لهم الله أرزاق من فوقهم ومن تحتهم مصداق لقوله بسورة المائدة"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"ويبين لنا أن أهل القرى كذبوا أى كفروا بحكم الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بما كانوا يكسبون والمراد أن أهلكهم الله بالذى كانوا يذنبون وهذا يعنى أن سبب هلاكهم كسبهم وهو ذنوبهم مصداق لقوله بسورة الأنفال"فأهلكناهم بذنوبهم".
"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون "المعنى هل استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا نهارا وهم يلهون،يسأل الله أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بياتا وهم نائمون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عقابنا نهارا وهم يلهون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن عذاب الله يأتى فى أى وقت نهارا أو ليلا فى وقت نومهم أو فى وقت شغلهم وهو صحوهم وأن عذاب الله ليس مستحيل وإنما وارد فى أى وقت .
"أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "المعنى هلا استبعدوا كيد الله فلا يستبعد كيد الله إلا الناس المعذبون،يسأل الله أفأمنوا مكر الله والمراد هل استبعد الكفار عذاب الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون والمراد فلا يستبعد عذاب الله إلا الناس الهالكون ،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار المعذبون هم الذين يستبعدون أن يعذبهم الله بسبب كفرهم .
"أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون"المعنى أو لم يعلم الذين يملكون البلاد من بعد أصحابها أن لو نريد أهلكناهم بخطاياهم ونختم على نفوسهم فهم لا يؤمنون ،يبين الله لنا أن على الذين يرثون الأرض من بعد أهلها وهم الذين يملكون البلاد بعد موت سكانه السابقين أن يهدوا أى يعلموا أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم والمراد أخذناهم بخطاياهم أى أهلكناهم بسيئاتهم مصداق لقوله بسورة غافر"فأخذهم الله بذنوبهم "،ويبين الله لنا أنه يطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون والمراد أنه يختم على نفوس الناس فهم لا يفقهون مصداق لقوله بسورة المنافقون"فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" وهذا يعنى أن الله يضع حاجز على نفوسهم هو كفرهم فلا يؤمنون.
"تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين"المعنى تلك البلاد نحكى لك من أخبارها ولقد أتتهم مبعوثيهم بالآيات فما كانوا ليصدقوا بالذى كفروا به من قبل هكذا يختم الله على نفوس المكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن تلك القرى والمراد أن أهل البلدات يقص الله عليه من أنبائها والمراد يحكى له من أخبارهم ،ويبين له أنهم قد جاءتهم رسلهم بالبينات والمراد أتتهم أنبياءهم بالكتاب وهو الآيات مصداق لقوله بسورة فاطر"جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المبين " فما كانوا ليؤمنوا والمراد فما كانوا ليصدقوا بما كذبوا من قبل والمراد أنهم لا يوقنون بالذى كفروا به من قبل ويبين له أن كذلك أى بتكذيبهم للكتاب يطبع الله على قلوب الكافرين والمراد يختم أى يضع حاجزا على نفوس المكذبين لوحى الله هو تكذيبهم فلا يؤمنون بالكتاب وهو البينات والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده حتى نهاية قصة موسى (ص)
"وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "المعنى وما علمنا لأغلبهم من ميثاق أى لقد علمنا أغلبهم لكافرين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما وجد لأكثرهم من عهد والمراد ما علم لمعظم الناس من طاعة لوحيه وفسر هذا بأنه وجد أكثرهم فاسقين والمراد أنه علم أن معظمهم كافرين مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون"
"ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"المعنى ثم أرسلنا من بعد موتهم موسى (ص)ببيناتنا إلى فرعون وشعبه فاعلم كيف كان جزاء المعتدين ،يبين الله لرسوله(ص)أنه بعث موسى بآياته والمراد أنه أرسل موسى(ص)بسلطانه المبين وهو المعجزات إلى فرعون وملائه وهم شعبه ومعها الوحى وفى هذا قال بسورة هود"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين"فظلموا بها أى فكفروا بآيات الله مصداق لقوله بسورة الأنفال"كدأب قوم فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"ويطلب من نبيه(ص)أن ينظر كيف كان عاقبة المفسدين والمراد أن يعلم كيف كان هلاك المكذبين مصداق لقوله بسورة القصص"فانظر كيف كان عاقبة المكذبين".
"وقال موسى يا فرعون إنى رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معى بنى إسرائيل"المعنى وقال موسى(ص)يا فرعون إنى مبعوث من إله الكل واجب على أن لا أنسب إلى الله سوى العدل قد أتيتكم ببرهان من إلهكم فابعث معى أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص)قال لفرعون :يا فرعون إنى رسول من رب العالمين والمراد إنى مبعوث من خالق الجميع حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق والمراد فرض على أن لا أنسب إلى الله سوى الصدق وهذا معناه أنه يقول لفرعون العدل وليس الكذب ،وقال قد جئتكم ببينة من ربكم والمراد قد أتيتكم بسلطان من إلهكم وهذا يعنى أنه أتى ببرهان على صدق حديثه هو السلطان المبين مصداق لقوله بسورة الدخان"إنى أتيكم بسلطان مبين"وقال فأرسل معى بنى إسرائيل والمراد فابعث معى أولاد يعقوب(ص)نسير حيث نريد وهذا يعنى أنه يريد أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر فقط ولا يريد حربا أو غيرها.
"قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين "المعنى قال إن كنت أتيت ببرهان فأظهره إن كنت من العادلين،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال لموسى(ص)إن كنت جئت بأية والمراد إن كنت أتيت بمعجزة فأت بها أى فأظهرها برهان على أنك من الصادقين أى العادلين فى قولهم .
"فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين"المعنى فرمى خشبته فإذا هى حية كبرى وأخرج كفه فإذا هى منيرة للمشاهدين،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص) استجاب لطلب فرعون فألقى عصاه وهى خشبته التى يتكىء عليها فإذا هى ثعبان مبين أى حية كبرى مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين والمراد وأخرج كفه من تحت إبطه فإذا هى مضيئة للمشاهدين وهذا يعنى أن موسى(ص)جاء بمعجزتين الأولى العصا المتحولة لثعبان والثانية هى اليد المضيئة .
"قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون "المعنى قال الكبير من ناس فرعون إن هذا لمخادع خبير يود أن يطردكم من بلدكم فبماذا تشيرون ؟يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهو الكبير من قوم أى شعب فرعون وهو فرعون وقال :إن هذا لساحر عليم أى إن موسى(ص)لماكر خبير بالسحر وهذا اتهام له بممارسة السحر ،وقال يريد أن يخرجكم من أرضكم والمراد يحب أن يطردكم من بلدكم بسحره فماذا تأمرون والمراد فبماذا تشيرون والغرض من السؤال هو أن يعطوا رأيهم فى المسألة حتى ينفذه مع موسى(ص).
"قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم "المعنى قالوا واعده وأخاه وابعث فى البلدات جامعين يجيئوك بكل ماكر خبير،يبين الله لرسوله(ص) أن قوم فرعون قالوا له:أرجه وأخاه والمراد واعده وأخاه والمراد حدد معه ومع أخيه موعد لمقابلة فى السحر وأرسل أى"وابعث فى المدائن حاشرين"كما قال بسورة الشعراء والمراد وابعث فى البلاد وهى القرى والمدن جامعين يأتوك بكل ساحر عليم أى يحضرون لك كل مخادع خبير بالسحر ،وهذا يعنى أنهم يريدون منه إجراء مباراة حتى يظهر كذب موسى (ص)فى رأيهم.
"وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم من المقربين "المعنى وأتى المخادعون فرعون قالوا إن لنا لمالا إن كنا نحن الفائزين قال نعم وإنكم من الوجهاء ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة وهم المخادعون جاءوا فرعون والمراد أتوا فى قصر فرعون فقالوا له :إن لنا لأجرا والمراد إن لنا لمالا إن كنا نحن الغالبين أى الفائزين وهذا يعنى أنهم يطلبون المال مقابل فوزهم على موسى(ص)فقال لهم فرعون نعم أى لكم المال وإنكم لمن المقربين والمراد إنكم من الوجهاء وهم المستشارين له فى الحكم .
"قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين"المعنى قالوا يا موسى إما أن ترمى وإما نصبح نحن الرامين،يبين الله لنبيه(ص)أن فى يوم المباراة قال السحرة لموسى (ص)يا موسى إما أن تلقى أى ترمى والمراد تظهر سحرك وإما أن نكون نحن الملقين والمراد وإما أن نصبح نحن الرامين أى المظهرين لسحرنا أولا،وهذا يعنى أنهم خيروه بين أن يظهر سحره أولا أو أن يظهروا هم سحرهم أولا .
"قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "المعنى قال موسى (ص)ارموا فلما رموا خدعوا عيون البشر أى خوفوهم أى أتوا بخداع كبير،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهم ألقوا أى أظهروا سحركم ،فلما ألقوا أى لما أظهروا سحرهم سحروا أعين الناس والمراد خدعوا أبصار الخلق وفسر هذا بأنهم استرهبوهم أى خوفوهم بأسباب خيالية وفسر هذا بأنهم أتوا بسحر عظيم أى عملوا خداع كبير .
"وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون"المعنى وقلنا لموسى(ص)أن ارم خشبتك تبلع ما يصنعون فثبت الصدق وزال الذى كانوا يصنعون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أوحى أى ألقى أى قال لموسى(ص)"ألق عصاك والمراد ارم خشبتك على الأرض تلقف ما يأفكون أى تبتلع ما يصنعون مصداق لقوله بسورة طه"تلقف ما صنعوا "،فرمى موسى العصا فوقع الحق والمراد فثبت الصدق وهو العصا وأما ما كانوا يعملون فقد بطل والمراد أما ما كانوا يصنعون من السحر فقد زال أى اختفى وبقت العصا وحدها رمز الإعجاز وليس السحر .
"فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقى السحرة ساجدين قالوا أمنا برب العالمين رب موسى وهارون"المعنى فانهزموا عند ذلك وعادوا أذلاء وأصبح المخادعون مؤمنين قالوا صدقنا بإله الكل إله موسى(ص)وهارون(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن القوم غلبوا أى انهزموا هنالك أى فى ذلك المكان وانقلبوا صاغرين والمراد وعادوا خائبين وألقى السحرة ساجدين والمراد وأصبح المخادعون مؤمنين بالله اعترافا أن هذا لا يمكن أن يكون سحرا وقالوا :أمنا برب العالمين أى صدقنا بحكم خالق الجميع رب أى خالق موسى (ص)وهارون(ص) وبهذا يكون السحرة من أوائل من أمنوا بموسى (ص)من قوم فرعون .
"قال فرعون أأمنتم له قبل أن أذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون"المعنى قال فرعون هل صدقتم به قبل أن أقول لكم إن هذا لمكيدة دبرتموها فى البلدة لتطردوا منها أصحابها فسوف تعرفون أينا أشد عذابا ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون لما وجد السحرة أمنوا بموسى(ص)قال أأمنتم له قبل أن أذن لكم والمراد هل صدقتم به قبل أن أسمح لكم بالتصديق؟والغرض من السؤال إخبار السحرة أن من يريد الإيمان عليه أن يأخذ منه الإذن بهذا وكأنه لا يدرك أن الإيمان ليس عليه أى إذن من أى مخلوق وقال إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة والمراد إن الهزيمة هى مكيدة دبرتموها مع موسى(ص) فى البلدة والسبب أن تخرجوا منها أهلها والمراد أن تطردوا منها أصحابها وهذا اتهام لهم ولموسى (ص)بأنهم اتفقوا على الهزيمة حتى يستطيعوا هم حكم مصر ،وقال فسوف تعلمون فسوف تعرفون أينا أشد عذابا وأبقى مصداق لقوله بسورة طه"ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى".
"ولأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين"المعنى ولأبترن أيديكم وأقدامكم من تضاد ثم لأعلقنكم كلكم ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال للسحرة :ولأقطعن أيديكم وأرجلكم والمراد لأفصلن أيديكم وأقدامكم من خلاف أى من جهات متعاكسة من أجسامكم ثم لأصلبنكم أى لأعلقنكم بعد القطع على جذوع النخل جميعا مصداق لقوله بسورة طه"ولأصلبنكم فى جذوع النخل"وهذا يعنى أنه سيعاقبهم على إيمانهم ببتر يد من الجهة اليمنى ورجل من الجهة اليسرى أو العكس ثم يعلقهم على سيقان النخل حتى يموتوا .
"قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "المعنى قالوا إنا إلى جزاء إلهنا عائدون وما تغضب علينا إلا لأننا صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا إلهنا أنزل علينا سكينة وأمتنا مطيعين لك ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة قالوا لفرعون:إنا إلى ربنا منقلبون والمراد افعل ما تريد إنا إلى جنة إلهنا عائدون وهذا يعنى أن تهديده لن يجعلهم يكفرون برسالة موسى(ص)وقالوا وما تنقم منا إلا أن أمنا بآيات ربنا لما جاءتنا والمراد وما يغضبك علينا إلا أن صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا وهذا يعنى أنهم يعرفون أن سبب انتقامه منهم هو إيمانهم برسالة موسى(ص) وقالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين والمراد إلهنا أنزل فى قلوبنا سكينة وأمتنا مطيعين لك وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يعطيهم الطمأنينة حتى يقدروا على تحمل ألم عقاب فرعون ويطلبون أن يموتوا على الإسلام حتى يدخلوا الجنة
"وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أولادهم ونستحى نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"المعنى وقال الكبار من شعب فرعون هل تترك موسى وشعبه ليدمروا فى البلاد ويتركك وأربابك قال سنذبح عيالهم ونسبى إناثهم وإنا لهم غالبون،يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهم الكبار فى قوم وهم شعب فرعون قالوا لفرعون:أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض والمراد هل تدع موسى وشعبه ليظلمونا فى البلاد ويذرك وآلهتك والمراد ويترك عبادتك وأربابك ؟والغرض من السؤال هو إخبار فرعون أن هدف موسى وقومه هو حكم البلاد وترك عبادتهم لفرعون وآلهته وذلك بالفساد وهو الممثل فى رأيهم فى حكم الله فقال فرعون :سنقتل أبناءهم أى سنذبح عيالهم ونستحيى نساءهم أى ونستعبد إناثهم والمراد يتخذهم خدم وإنا فوقهم قاهرون والمراد وإنا لهم غالبون ،وهذا يعنى أن سياسة تعامل فرعون مع قوم موسى(ص)ستكون هى ذبح الأولاد واستعباد النساء وحكمهم بالقهر.
"قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"المعنى قال موسى (ص)لشعبه استمسكوا بحكم الله أى أطيعوه إن البلاد ملك لله يملكها من يريد من خلقه والجنة للمطيعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى لما عرف سياسة فرعون قال لقومه وهم أهله:استعينوا بالله والمراد احتموا منهم بطاعة حكم الله أى اصبروا أى اتبعوا حكم الله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والمراد إن البلاد ملك لله يعطيها من يريد من خلقه وهم الصالحون مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" وهذا يعنى أنه وعدهم بحكم البلاد إن أطاعوا حكم الله وقال والعاقبة للمتقين أى والجنة فى الآخرة للمطيعين لحكم الله
"قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون"المعنى قالوا :أصبنا من قبل أن تجيئنا ومن بعد ما جئتنا قال عسى إلهكم أن يدمر كارهكم ويحكمكم فى البلاد فيعلم كيف تفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص) أوذينا أى أضررنا أى أصابنا العذاب من قبل أن تأتينا أى تحضر عندنا ومن بعد ما جئتنا أى ومن بعد ما أتيتنا،وهذا يعنى أنهم عذبوا قبل عهد موسى (ص)وعذبوا بعد عهد موسى(ص) فقال لهم موسى (ص)عسى ربكم أى إلهكم أن يهلك عدوكم والمراد لعل الله يدمر قوم فرعون كارهيكم ويستخلفكم فى الأرض والمراد ويحكمكم فى البلاد أى يجعلكم ملوكا للبلاد كما قال بسورة المائدة "وجعلكم ملوكا"فينظر كيف تعملون أى فيعرف كيف تفعلون هل تطيعون حكمه أم تكفرون كما كفر قوم فرعون به.
"ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون "المعنى ولقد عاملنا شعب فرعون بالأمراض وقلة فى المنافع لعلهم يتوبون،يبين الله لنبيه(ص) أنه أخذ آل فرعون والمراد عاقب قوم فرعون بالسنين وهى الأمراض ونقص من الثمرات والمراد وقلة فى الأرزاق وهذا يعنى أنه أفسد محاصيلهم وتجارتهم وصناعتهم والسبب لعلهم يذكرون أى يضرعون أى يتوبون والمراد لعلهم يعودون لدين الله فلن يعودوا .
"فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة تطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فإذا أتتهم المنفعة قالوا لنا هذه وإن تأتهم أذية تشاءموا بموسى(ص)ومن معه ألا إنما عملهم لدى الله ولكن معظمهم لا يطيعون،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون إذا جاءتهم الحسنة والمراد إذا أتاهم نفع من الله قالوا لنا هذه وهذا يعنى إننا السبب فى تملكنا لهذه المنفعة وإن تصبهم سيئة والمراد وإن تمسهم أذية فإنهم يتطيروا بموسى(ص)ومن معه والمراد يتشاءموا بهم أى يقولون أن السبب فى نزول الأذى عليهم هو موسى (ص)وبنى إسرائيل ،ويبين الله له أن طائر القوم عند الله وهو عمل القوم مسجل لدى الله ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد ولكن أغلبهم لا يتبعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يوسف"ولكن أكثرهم لا يشكرون".
"وقالوا مهما تأتنا من آية لتسحرنا فما نحن لك بمؤمنين"المعنى وقالوا مهما تجيئنا به من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمصدقين،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون قالوا لموسى(ص):مهما تأتنا من آية والمراد مهما تحضر لنا من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمؤمنين أى بموقنين بها ،وهذا يعنى أنهم يخبرون موسى(ص)أنهم لن يصدقوا برسالته مهما جاء به من براهين معجزة وهى فى رأيهم خدع لأن كل ما يجىء به هو سحر أى خداع يخدعهم به وليس حق.
"وأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين"المعنى وبعثنا لهم الفيضان والجراد والقمل والضفادع والدم علامات بينات فكفروا وكانوا ناسا مكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه أرسل أى بعث على قوم فرعون الطوفان وهو فيضان الماء والجراد وهو حشرة طائرة تأكل الزروع والقمل وهو حشرة مؤذية توجد فى شعور الناس والضفادع وهى حيوانات برمائية لها أصوات مزعجة والدم وهو سائل أحمر وهى آيات مفصلات أى معجزات بينات واضحات مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولقد أتينا موسى تسع آيات بينات"فكانت النتيجة أنهم استكبروا أى كفروا بها أى كانوا قوما مجرمين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وكانوا قوما عالين "والمراد كانوا ناسا كافرين بحكم الله .
"ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل "المعنى ولما نزل عليهم العذاب قالوا يا موسى اقصد لنا إلهك بالذى عرف عندك لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنا أن قوم فرعون لما وقع عليهم الرجز والمراد لما أذاهم العذاب الممثل فى الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم قالوا لموسى(ص):يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك والمراد يا موسى(ص)نادى لنا إلهك بما قال لك فى مثل هذه الأحوال :لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك والمراد لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنرسلن معك بنى إسرائيل والمراد ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)وهذا يعنى أنهم يطلبون من موسى(ص)أن يدعو الله ليزيل عنهم العذاب واشترطوا أن يؤمنوا به ويتركوا بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد وهذا يرينا أنهم لا يريدون الإيمان حقا لأنهم اشترطوا على الله كما قالوا عنه لموسى(ص)ربك ولم يقولوا ربنا وبألفاظ أخرى أنهم لا يعرفون الله إلا وقت الضرر.
"فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون "المعنى فلما أزلنا عنهم العذاب إلى وقت هم واصلوه إذا هم يخالفون العهد،يبين الله لنبيه(ص)أنه لما كشف الرجز والمراد لما أزال العذاب عن قوم فرعون مصداق لقوله بسورة الزخرف"فلما كشفنا عنهم العذاب"إلى أجل هم بالغوه والمراد إلى موعد هم عائشون عنده وهو يوم إزالة العذاب إذا هم ينكثون أى ينقضون عهدهم بالإيمان بموسى(ص)وترك بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد .
"فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى فغضبنا عليهم فأهلكناهم فى البحر بأنهم كانوا كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنبيه(ص)أنه انتقم من قوم فرعون والمراد غضب عليهم فأغرقهم فى اليم والمراد أهلكهم فى البحر والسبب أنهم كذبوا بآيات الله والمراد بأنهم كفروا بأحكام الله أى"وكانوا بآياتنا يجحدون"كما قال بسورة فصلت فالتكذيب هو الجحود وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا عاصين لأحكام الله .
"وأورثنا القوم الذين استضعفوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون"المعنى وملكنا الناس الذين أذلوا منارات البلاد وظلماتها التى قدسناها وصدق حكم إلهك العادل على أولاد يعقوب(ص)بما أطاعوا حكمنا وأهلكنا الذى كان يفعل فرعون وشعبه والذى كانوا يبنون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أورث أى ملك أى مكن القوم الذين استضعفوا أى استذلوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها والمراد ملكهم منيرات وهى نفسها ظلمات البلد التى قدسها وهى الأرض المقدسة مكة مصداق لقوله بسورة المائدة"ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم" ويبين له أن كلمة الله الحسنى وهى وعد الله الصادق تم على بنى إسرائيل والمراد حدث لأولاد يعقوب (ص) بنصرهم على قوم فرعون والسبب ما صبروا أى بسبب ما أطاعوا حكم الله ويبين له أنه دمر ما كان يصنع فرعون وقومه والمراد أهلك كيد فرعون وهو خططه للقضاء على بنى إسرائيل وفى هذا قال بسورة غافر"وما كيد فرعون إلا فى تباب "ودمر ما كانوا يعرشون أى يبنون من مبانى يقصد بها عداوة الله كالصرح الذى أراد أن يطلع عليه فرعون لقتل إله موسى(ص).
"وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين" المعنى وعبرنا بأولاد يعقوب(ص) الماء فمروا على ناس يطوفون على أوثان لهم قالوا يا موسى(ص)اصنع لنا أوثانا كما لهم أرباب قال إنكم ناس تكفرون إن هؤلاء مدمر الذى هم عليه أى محرم الذى كانوا يفعلون قال أسوى الله أطلب لكم ربا وهو اختاركم من الناس،يبين الله لنبيه(ص)أنه جاوز أى عبر ببنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب(ص)البحر وهو اليم أى الماء فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم والمراد مروا فى طريقهم للأرض المقدسة على ناس يعبدون أوثان لهم فقالوا لموسى:اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والمراد اصنع لنا وثنا كما لهم أوثان وهذا يعنى أنهم يريدون إلها متجسدا فى صورة صنم فقال لهم موسى(ص)إنكم قوما تجهلون والمراد إنكم ناسا تكفرون بحكم الله وهذا اتهام لهم بتناسى حكم الله الذى منع عليهم عبادة أى وثن ،وقال إن هؤلاء متبر ما هم فيه والمراد إن عابدى الأوثان مدمر الذى هم فيه وقال أنه باطل ما كانوا يعملون أى محرم الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أن أوثان الكفار سيدمرها الله وأما أعمالهم وهى عبادة الأوثان فهى محرمة ،وقال أغير الله أبغيكم إلها والمراد"أغير الله أبغى ربا"كما قال بسورة الأنفال والمراد أسوى الله أختار لكم ربا؟والغرض من السؤال إخبارهم أنه لن يختار لهم إله سوى الله وقال وهو فضلكم على العالمين أى اختاركم من الناس مصداق لقوله بسورة الدخان"ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وهذا يعنى أن الله ميز القوم باتباعهم لدينه .
"وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم"المعنى وقد أنقذناكم من قوم فرعون يذيقونكم أشد العقاب يذبحون أولادكم ويستعبدون إناثكم وفى هذا اختبار من إلهكم كبير،يبين الله لبنى إسرائيل وإذ أنجيناكم من آل فرعون والمراد وقد أنقذناكم من شعب فرعون يسومونكم سوء العذاب والمراد يذيقونكم أعظم العقاب يقتلون أى "يذبحون أبناءكم"كما قال بسورة البقرة أى يذبحون أولادكم ويستحيون نساءكم والمراد ويستعبدون إناثكم وهذا يعنى استخدامهم الإناث فى خدمتهم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم والمراد وفى القتل والإستحياء اختبار من خالقكم كبير والسبب ليرى أيصبرون على طاعته أم يكفرون.
"وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" المعنى وواقتنا موسى(ص)ثلاثين يوما وأكملناها بعشر فتم ميعاد إلهه أربعين يوما وقال موسى(ص)لأخيه هارون(ص) اتلونى فى أهلى واعدل أى لا تطع دين الكافرين،يبين الله لنا أنه واعد موسى(ص)والمراد وقت لموسى(ص)ثلاثين ليلة فى الجبل وأتمها أى وأكملها بعشر ليال فتم ميقات ربه والمراد فكمل بهم مدة إلهه أربعين ليلة لغرض أراده الله وقال لموسى(ص)قبل ذهابه للميعاد لأخيه هارون(ص):اخلفنى فى قومى والمراد اتلونى فى حكم شعبى وأصلح والمراد تولى الحكم واعدل فى الحكم ولا تتبع سبيل المفسدين أى لا تطع دين الكافرين أى لا تطع أهواء الذين لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الجاثية"ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"وهذا يعنى أن يحكم بشرع الله ولا يحكم بشرع غيره.
"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين"المعنى ولما أتى موسى(ص)لموعدنا وحدثه إلهه قال إلهى اجعلنى أرى ذاتك قال لن تشاهدنى ولكن شاهد الجبل فإن ثبت فى موضعه فسوف تشاهدنى فلما ظهر أمر إلهه للجبل جعله مدمرا وسقط موسى(ص)ميتا فلما صحا قال طاعتك أنبت إليك وأنا أسبق المصدقين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما جاء ميقات ربه والمراد لما ذهب لموعد الله على الجبل وكلمه ربه أى وحدثه أى وأوحى له إلهه مصداق لقوله بسورة طه"وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى"فقال رب أرنى أنظر إليك والمراد إلهى اجعلنى أشاهدك وهذا يعنى أنه أراد أن يشاهد الله عيانا فقال الله له "لن ترانى" أى لن تشاهد ذاتى عيانا وهذا يعنى استحالة رؤية الله ولكن انظر للجبل والمراد ولكن شاهد الجبل فإن استقر مكانه أى فإن ثبت فى موضعه فسوف ترانى أى تشاهدنى وهذا يعنى أنه جعل الرؤية حادثة فيما لو ثبت الجبل فى مكانه ، فلما تجلى ربه للجبل والمراد فلما ظهر أمر الله للجبل جعله دكا أى أصبح مدمرا وخر موسى(ص)صعقا والمراد وسقط موسى(ص)مغشيا عليه ،ونحن نقول المجلى هو أمر الله لأنه لو تجلى للجبل لكان معنى ذلك أنه دخل المكان ومن ثم فهم يحل فى الأمكنة وهذا هو المحال لأنه لا يشبه خلقه فى وجودهم هم بمكان،فلما أفاق أى فلما استيقظ موسى(ص)من صعقته قال سبحانك أى الطاعة لك يا الله تبت إليك والمراد عدت لدينك وهذا يعنى أن طلب الرؤية ذنب يجب التوبة منه وأنا أول المؤمنين أى وأنا أسبق المسلمين مصداق لقوله بسورة الأنعام"وأنا أول المسلمين".
"قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين"المعنى قال يا موسى إنى اخترتك من الخلق لإبلاغ أحكامى أى لوحيى فاعمل بالذى أوحيت لك أى كن من المطيعين ،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)إنى اصطفيتك أى "اخترتك"كما قال بسورة طه على الناس والمراد وأنا اخترتك من الخلق برسالاتى أى بكلامى والمراد لإبلاغ أحكامى أى وحيى للناس فخذ ما أتيتك والمراد فأطع الذى أوحيت لك وفسر هذا بقوله وكن من الشاكرين أى الساجدين وهم المطيعين لحكم الله مصداق لقوله بسورة الحجر"وكن من الساجدين".
"وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين"المعنى وسجلنا له فى الصحف من كل حكم عبرة وتوضيحا لكل أمر فأطعها بعزم وطالب أهلك يعملوا بأفضلها سأشهدكم مقام الكافرين،يبين الله لنا أنه كتب لموسى(ص)فى الألواح والمراد سجل لموسى فى الصحف من كل شىء أى من كل قضية موعظة أى حكما وفسر هذا بأنه تفصيل لكل شىء أى بيان حكم لكل قضية وقال له خذها بقوة أى أطعها بعزم والمراد اتبعها بنية خالصة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها والمراد وطالب أهلك يعملوا بأفضلها وهذا يعنى أن يطالب بنى إسرائيل أن يعملوا بأفضل ما فى التوراة من أحكام ،وقال سأوريكم دار الفاسقين أى سأشهدكم مقام الكافرين وهذا يعنى أنه سيشهدهم عذاب الكفار
"سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى سأبعد عن أحكامى الذين يحكمون فى البلاد بغير العدل أى إن يعلموا كل حكم لا يصدقوا بها أى إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا أى إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا ذلك بأنهم كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنا أنه سيصرف عن آياته والمراد سيبعد عن طاعة أحكامه الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق أى يبغون مصداق لقوله بسورة الشورى "والذين يبغون فى الأرض بغير الحق"أى يحكمون فى البلاد بسوى العدل وفسرهم بأنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها والمراد إن يعلموا كل حكم يعرضوا عنها مصداق لقوله بسورة القمر"وإن يروا آية يعرضوا "والمراد إن يعرفوا حكم إلهى يكذبوا به وفسرهم بأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا وفسرهم هذا بأنهم إن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا وهذا يعنى أنهم يتبعوا غير دين المؤمنين مصداق لقوله بسورة النساء"ويتبع غير سبيل المؤمنين"ويبين لنا أن ذلك وهو دخول دار الفاسقين وهى النار بما كذبوا بآياتنا أى سبب دخولهم النار هو أنهم كفروا بأحكام الله وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا لأحكام الله عاصين .
"والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "المعنى والذين كفروا بأحكامنا وجزاء القيامة ضلت أفعالهم هل يعاقبون إلا بالذى كانوا يكسبون ،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله أى "الذين كفروا بأيات ربهم"كما قال بسورة الكهف فالذين كفروا بأحكام الله ولقاء الآخرة وهو حساب القيامة حبطت أى ضلت أعمالهم مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم"والمراد خسرت أفعالهم فلا قيمة لها عند الله فهى هباء منثورا،ويسأل هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أى "هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"كما قال بسورة يونس والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار يعاقبون بسبب ما كانوا يفعلون وهو الكفر .
"واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين "المعنى وعبد شعب موسى(ص)من بعد ذهابه للميقات من ذهبهم عجلا ذهبيا له صوت ألم يعلموا أنه لا يحدثهم أى لا يعرفهم دينا عبدوه وكانوا كافرين،يبين الله لنا أن قوم أى شعب موسى(ص)اتخذوا من بعده والمراد عبدوا من بعد ذهابه لميقات ربه فى الجبل عجلا جسدا أى عجلا ذهبيا مصنوع من حليهم أى ذهبهم الذى كانوا يلبسونه وكان له خوار أى صوت بسبب الهواء الذى يدخل من مقدمته فيخرج من مؤخرته ،ويسأل الله ألم يروا أنه لا يكلمهم أى "أفلا يرون ألا يرجع لهم قولا"كما قال بسورة طه والمراد ألم يعلم القوم أنه لا يحدثهم وفسر هذا بأنه لا يهديهم سبيلا والمراد لا يعلمهم دينا ؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم وإيانا أن الإله يتكلم أى يشرع حتى يعلم الناس دينهم وأما غير الإله فلا يتكلم أى فلا يشرع ومن ثم فليس إلها لأنه لا يعلم الناس دينا ،ويبين لنا أنهم اتخذوه وكانوا ظالمين والمراد عبدوا العجل وكانوا مجرمين مصداق لقوله بسورة يونس"وكانوا قوما مجرمين".
"ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين"المعنى ولما نزل فى أنفسهم أى علموا أنهم قد كفروا قالوا لئن لم يعفوا عنا إلهنا أى ينفعنا لنصبحن من المعذبين ،يبين الله لنا أن قوم موسى(ص) سقط فى أيديهم أى نزل فى نفوسهم الحق وفسر هذا بأنهم قد ضلوا والمراد علموا أنهم كفروا بعبادتهم للعجل فقالوا :لئن لم يرحمنا ربنا أى لئن لم ينفعنا إلهنا بعفوه وفسر هذا بقولهم يغفر لنا أى يعفوا عنا أى ينفعنا برحمته لنكونن من الخاسرين أى لنصبحن من المعذبين دنيا وآخرة.
"ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين "المعنى ولما عاد موسى (ص)إلى شعبه ثائرا غاضبا قال قبح الذى فعلتموه من بعد ذهابى للميقات استأخرتم حكم إلهكم ورمى الصحف وأمسك بشعر أخيه يشده له قال يا ابن والدتى إن الشعب استصغرونى وهموا يذبحوننى فلا تفرح بى الكارهين ولا تدخلنى فى جمع الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما رجع إلى قومه والمراد لما عاد لشعبه من الجبل كان غضبان أسفا أى ثائر مغتاظ من عملهم فقال لهم بئسما خلفتمونى والمراد ساء الذى عملتموه فى شرعى من بعدى أى من بعد ذهابى للميقات وهذا يعنى أنه يبين لهم سوء وقباحة ما صنعوه وقال لهم أعجلتم أمر ربكم والمراد استأخرتم حكم إلهكم أى هل طال عليكم عهد ربكم ؟كما قال بسورة طه"أفطال عليكم العهد"والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم كذبوا عهد الله له بأيام الميقات لأنهم استأخروا رجوعه بعد الثلاثين الذين أتمهم الله أربعين ،ويبين الله لنا أنه ألقى الألواح أى رمى الصحف التى كتب الله له فيها التوراة وأخذ برأس أخيه يجره إليه والمراد وأمسك شعر لحية ودماغ هارون(ص)يشده ناحيته فقال له هارون(ص):ابن أم والمراد يا ابن والدتى إن القوم استضعفونى والمراد إن الشعب استصغروا شأنى فلم يطيعوا أمرى وكادوا يقتلوننى أى وهموا يذبحوننى بسبب إنكارى عبادتهم للعجل فلا تشمت بى الأعداء والمراد لا تفرح فى الكارهين لنا ولا تجعلنى مع القوم الظالمين والمراد ولا تدخلنى فى زمرة الكافرين وهذا يعنى أنه لم يعبد العجل معهم.
"قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين"المعنى قال إلهى اعفو عنى وعن أخى أى اجعلنا فى جنتك وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال أى دعا الله:اغفر لى ولأخى والمراد اعفو عنى وعن أخى وفسر طلبه بقوله أدخلنا فى رحمتك أى اجعلنا فى جنتك مصداق لقوله بسورة الفتح"ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات"وأنت أرحم الراحمين أى "وأنت خير الراحمين "كما قال بسورة المؤمنون أى "وأنت خير الغافرين"فأرحم الراحمين هو خير الغافرين أى النافعين للمستغفرين.
"إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين"المعنى إن الذين عبدوا العجل سيصيبهم عقاب من خالقهم أى هوان فى المعيشة الأولى وهكذا نعاقب المجرمين،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)قل للقوم إن الذين اتخذوا العجل والمراد إن الذين عبدوا العجل سينالهم غضب من ربهم والمراد سيصيبهم سخط أى عذاب من إلههم مصداق لقوله بسورة المائدة"أن سخط الله عليهم"وذلة فى الحياة الدنيا أى خزى فى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة المائدة"لهم فى الدنيا خزى"وكذلك نجزى المفترين أى بالغضب والذلة نعاقب الظالمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى الظالمين".
"والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم"المعنى والذين صنعوا الذنوب ثم أنابوا من بعدها أى صدقوا إن إلهك من بعد التوبة لعفو نافع،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال للقوم:والذين عملوا السيئات أى والذين فعلوا الجرائم ثم تابوا أى عادوا للحق أى أمنوا أى أصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم والمراد إن إلهك من بعد التوبة وهى الإيمان أى الصلاح لعفو عنهم أى نافع لهم وهذا يعنى أنه سيغفر لمن تاب منهم عن عبادته للعجل.
"ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون"المعنى ولما ذهب عن موسى(ص) الغيظ أمسك الصحف وفى كتابتها نفع أى فائدة للذين لعذاب خالقهم يخافون،يبين الله لنا أن الغضب وهو الغيظ لما سكت أى ذهب عن موسى(ص)أخذ الألواح والمراد انحنى ومسك بصحف التوراة وفى نسختها والمراد فى كتابتها القول التالى :هدى أى رحمة للذين هم لربهم يرهبون والمراد التوراة نفع أى فائدة للذين هم لعذاب إلههم يخافون ومن ثم يطيعون التوراة وهذا يعنى أن الوحى يكون نافع لمن يخاف عذاب الله .
"واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين"المعنى واصطفى موسى(ص) من شعبه سبعين ذكرا لموعدنا فلما أماتتهم الزلزلة قال إلهى لو أردت دمرتهم وأنا أتدمرنا بالذى طلب المجانين منا إن هى إلا امتحانك تعاقب به من تريد وترحم من تريد أنت ناصرنا فاعفو عنا أى انفعنا وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص)اختار من قومه والمراد اصطفى من شعبه سبعين رجلا أى ذكرا والسبب ميقات أى الموعد الذى حدده الله لهم بناء على طلب الشعب رؤية الله بقولهم كما فى سورة البقرة"وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة "فأخذتهم الرجفة أى "فأخذتكم الصاعقة"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن الله أهلك السبعين رجلا بالزلزلة فقال موسى (ص)له:رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى والمراد إلهى لو أردت دمرتهم من قبل بسبب العجل وإياى بسبب طلبى الرؤية ،أتهلكنا بما فعل السفهاء والمراد أتدمرنا بالذى طلب المجانين ؟والغرض من القول إخبار الله بما يعلمه من قبل وهو أن السبعين رجلا لم يطلبوا الرؤية وإنما طلبها المجانين رغم ما أخبرهم موسى(ص)به من استحالة ذلك،وقال :إن هى إلا فتنتك أى إن هو إلا بلاؤك تضل به من تشاء وتهدى من تشاء أى "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"كما قال بسورة العنكبوت والمراد تعاقب بالسقوط فى البلاء من يسقط وترحم بالنجاح فى البلاء من يطيع حكمك ،وقال أنت ولينا أى إلهنا أى ناصرنا فاغفر لنا أى ارحمنا والمراد انفعنا أى أفدنا برحمتك وأنت خير الغافرين أى وأنت أحسن الراحمين أى النافعين لنا وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يتوب على القوم .
"واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون"المعنى واجعل لنا فى هذه الأولى نفع وفى القيامة إنا أنبنا لك قال عقابى أمس به من أريد ونفعى شمل كل مخلوق فسأجعلها للذين يطيعون أى يتبعون الحق أى الذين هم بأحكامنا يصدقون ،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة والمراد واجعل لنا فى هذه المعيشة الأولى رحمة وفى القيامة رحمة وهذا يعنى أنه يطلب من الله حكم الدنيا والجنة فى القيامة ،وقال إنا هدنا إليك أى إنا أنبنا إليك كما قال بسورة الممتحنة"وإليك أنبنا" ومن هنا جاءت تسميتهم يهودا أى تائبين أى منيبين لله فقال الله فى وحيه لموسى(ص)عذابى أصيب به من أشاء والمراد عقابى أسلطه على من أريد وهو من كفر بى ورحمتى وسعت كل شى والمراد ورزقى شمل كل مخلوق فى الدنيا فسأكتبها للذين يتقون والمراد فسأخصصها فى القيامة للذين يطيعون حكمى وفسرهم بأنهم الذين يؤتون الزكاة أى يتبعون الطهارة وهى الحق وفسرهم بأنهم الذين هم بآيات الله يؤمنون والمراد الذين هم بأحكام الله يوقنون أى يصدقون مصداق لقوله بسورة السجدة"وكانوا بآياتنا يوقنون".
"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون"المعنى ثم غيرنا موضع الضارة النافعة حتى فرحوا وقالوا قد أصاب آباءنا الأذى والنفع فأهلكناهم فجأة أى هم لا يعلمون بوقت الهلاك،يبين الله لنا أنه بدل مكان السيئة الحسنة والمراد جعل مكان العذاب الرزق الكثير وهو فتح أبواب الرزق مصداق لقوله بسورة الأنعام"فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا"أى كما قال حتى عفوا والمراد رضوا بهذا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء والمراد قد أصاب آباءنا العذاب والرزق ،فكان رد الله عليهم أن أخذهم بغتة أن أهلكهم فجأة وفسر هذا بأنهم لا يشعرون أى هم لا يدرون بوقت مجىء الهلاك.
"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"المعنى ولو أن أصحاب البلدات صدقوا وأطاعوا حكم الله لأعطينا لهم أرزاق من السماء والأرض ولكن كفروا فأهلكناهم بالذى كانوا يكفرون ،يبين الله لنا أن أهل القرى وهم سكان البلاد لو أمنوا أى صدقوا حكم الله واتقوا أى أطاعوا حكم الله وهو ما سماه الله إقامة حكم الله لحدث التالى فتح عليهم بركات من السماء والأرض والمراد أعطى لهم الله أرزاق من فوقهم ومن تحتهم مصداق لقوله بسورة المائدة"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"ويبين لنا أن أهل القرى كذبوا أى كفروا بحكم الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بما كانوا يكسبون والمراد أن أهلكهم الله بالذى كانوا يذنبون وهذا يعنى أن سبب هلاكهم كسبهم وهو ذنوبهم مصداق لقوله بسورة الأنفال"فأهلكناهم بذنوبهم".
"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون "المعنى هل استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا نهارا وهم يلهون،يسأل الله أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بياتا وهم نائمون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عقابنا نهارا وهم يلهون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن عذاب الله يأتى فى أى وقت نهارا أو ليلا فى وقت نومهم أو فى وقت شغلهم وهو صحوهم وأن عذاب الله ليس مستحيل وإنما وارد فى أى وقت .
"أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "المعنى هلا استبعدوا كيد الله فلا يستبعد كيد الله إلا الناس المعذبون،يسأل الله أفأمنوا مكر الله والمراد هل استبعد الكفار عذاب الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون والمراد فلا يستبعد عذاب الله إلا الناس الهالكون ،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار المعذبون هم الذين يستبعدون أن يعذبهم الله بسبب كفرهم .
"أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون"المعنى أو لم يعلم الذين يملكون البلاد من بعد أصحابها أن لو نريد أهلكناهم بخطاياهم ونختم على نفوسهم فهم لا يؤمنون ،يبين الله لنا أن على الذين يرثون الأرض من بعد أهلها وهم الذين يملكون البلاد بعد موت سكانه السابقين أن يهدوا أى يعلموا أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم والمراد أخذناهم بخطاياهم أى أهلكناهم بسيئاتهم مصداق لقوله بسورة غافر"فأخذهم الله بذنوبهم "،ويبين الله لنا أنه يطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون والمراد أنه يختم على نفوس الناس فهم لا يفقهون مصداق لقوله بسورة المنافقون"فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" وهذا يعنى أن الله يضع حاجز على نفوسهم هو كفرهم فلا يؤمنون.
"تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين"المعنى تلك البلاد نحكى لك من أخبارها ولقد أتتهم مبعوثيهم بالآيات فما كانوا ليصدقوا بالذى كفروا به من قبل هكذا يختم الله على نفوس المكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن تلك القرى والمراد أن أهل البلدات يقص الله عليه من أنبائها والمراد يحكى له من أخبارهم ،ويبين له أنهم قد جاءتهم رسلهم بالبينات والمراد أتتهم أنبياءهم بالكتاب وهو الآيات مصداق لقوله بسورة فاطر"جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المبين " فما كانوا ليؤمنوا والمراد فما كانوا ليصدقوا بما كذبوا من قبل والمراد أنهم لا يوقنون بالذى كفروا به من قبل ويبين له أن كذلك أى بتكذيبهم للكتاب يطبع الله على قلوب الكافرين والمراد يختم أى يضع حاجزا على نفوس المكذبين لوحى الله هو تكذيبهم فلا يؤمنون بالكتاب وهو البينات والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده حتى نهاية قصة موسى (ص)
"وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "المعنى وما علمنا لأغلبهم من ميثاق أى لقد علمنا أغلبهم لكافرين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما وجد لأكثرهم من عهد والمراد ما علم لمعظم الناس من طاعة لوحيه وفسر هذا بأنه وجد أكثرهم فاسقين والمراد أنه علم أن معظمهم كافرين مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون"
"ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"المعنى ثم أرسلنا من بعد موتهم موسى (ص)ببيناتنا إلى فرعون وشعبه فاعلم كيف كان جزاء المعتدين ،يبين الله لرسوله(ص)أنه بعث موسى بآياته والمراد أنه أرسل موسى(ص)بسلطانه المبين وهو المعجزات إلى فرعون وملائه وهم شعبه ومعها الوحى وفى هذا قال بسورة هود"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين"فظلموا بها أى فكفروا بآيات الله مصداق لقوله بسورة الأنفال"كدأب قوم فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"ويطلب من نبيه(ص)أن ينظر كيف كان عاقبة المفسدين والمراد أن يعلم كيف كان هلاك المكذبين مصداق لقوله بسورة القصص"فانظر كيف كان عاقبة المكذبين".
"وقال موسى يا فرعون إنى رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معى بنى إسرائيل"المعنى وقال موسى(ص)يا فرعون إنى مبعوث من إله الكل واجب على أن لا أنسب إلى الله سوى العدل قد أتيتكم ببرهان من إلهكم فابعث معى أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص)قال لفرعون :يا فرعون إنى رسول من رب العالمين والمراد إنى مبعوث من خالق الجميع حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق والمراد فرض على أن لا أنسب إلى الله سوى الصدق وهذا معناه أنه يقول لفرعون العدل وليس الكذب ،وقال قد جئتكم ببينة من ربكم والمراد قد أتيتكم بسلطان من إلهكم وهذا يعنى أنه أتى ببرهان على صدق حديثه هو السلطان المبين مصداق لقوله بسورة الدخان"إنى أتيكم بسلطان مبين"وقال فأرسل معى بنى إسرائيل والمراد فابعث معى أولاد يعقوب(ص)نسير حيث نريد وهذا يعنى أنه يريد أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر فقط ولا يريد حربا أو غيرها.
"قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين "المعنى قال إن كنت أتيت ببرهان فأظهره إن كنت من العادلين،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال لموسى(ص)إن كنت جئت بأية والمراد إن كنت أتيت بمعجزة فأت بها أى فأظهرها برهان على أنك من الصادقين أى العادلين فى قولهم .
"فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين"المعنى فرمى خشبته فإذا هى حية كبرى وأخرج كفه فإذا هى منيرة للمشاهدين،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص) استجاب لطلب فرعون فألقى عصاه وهى خشبته التى يتكىء عليها فإذا هى ثعبان مبين أى حية كبرى مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين والمراد وأخرج كفه من تحت إبطه فإذا هى مضيئة للمشاهدين وهذا يعنى أن موسى(ص)جاء بمعجزتين الأولى العصا المتحولة لثعبان والثانية هى اليد المضيئة .
"قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون "المعنى قال الكبير من ناس فرعون إن هذا لمخادع خبير يود أن يطردكم من بلدكم فبماذا تشيرون ؟يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهو الكبير من قوم أى شعب فرعون وهو فرعون وقال :إن هذا لساحر عليم أى إن موسى(ص)لماكر خبير بالسحر وهذا اتهام له بممارسة السحر ،وقال يريد أن يخرجكم من أرضكم والمراد يحب أن يطردكم من بلدكم بسحره فماذا تأمرون والمراد فبماذا تشيرون والغرض من السؤال هو أن يعطوا رأيهم فى المسألة حتى ينفذه مع موسى(ص).
"قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم "المعنى قالوا واعده وأخاه وابعث فى البلدات جامعين يجيئوك بكل ماكر خبير،يبين الله لرسوله(ص) أن قوم فرعون قالوا له:أرجه وأخاه والمراد واعده وأخاه والمراد حدد معه ومع أخيه موعد لمقابلة فى السحر وأرسل أى"وابعث فى المدائن حاشرين"كما قال بسورة الشعراء والمراد وابعث فى البلاد وهى القرى والمدن جامعين يأتوك بكل ساحر عليم أى يحضرون لك كل مخادع خبير بالسحر ،وهذا يعنى أنهم يريدون منه إجراء مباراة حتى يظهر كذب موسى (ص)فى رأيهم.
"وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم من المقربين "المعنى وأتى المخادعون فرعون قالوا إن لنا لمالا إن كنا نحن الفائزين قال نعم وإنكم من الوجهاء ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة وهم المخادعون جاءوا فرعون والمراد أتوا فى قصر فرعون فقالوا له :إن لنا لأجرا والمراد إن لنا لمالا إن كنا نحن الغالبين أى الفائزين وهذا يعنى أنهم يطلبون المال مقابل فوزهم على موسى(ص)فقال لهم فرعون نعم أى لكم المال وإنكم لمن المقربين والمراد إنكم من الوجهاء وهم المستشارين له فى الحكم .
"قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين"المعنى قالوا يا موسى إما أن ترمى وإما نصبح نحن الرامين،يبين الله لنبيه(ص)أن فى يوم المباراة قال السحرة لموسى (ص)يا موسى إما أن تلقى أى ترمى والمراد تظهر سحرك وإما أن نكون نحن الملقين والمراد وإما أن نصبح نحن الرامين أى المظهرين لسحرنا أولا،وهذا يعنى أنهم خيروه بين أن يظهر سحره أولا أو أن يظهروا هم سحرهم أولا .
"قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "المعنى قال موسى (ص)ارموا فلما رموا خدعوا عيون البشر أى خوفوهم أى أتوا بخداع كبير،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهم ألقوا أى أظهروا سحركم ،فلما ألقوا أى لما أظهروا سحرهم سحروا أعين الناس والمراد خدعوا أبصار الخلق وفسر هذا بأنهم استرهبوهم أى خوفوهم بأسباب خيالية وفسر هذا بأنهم أتوا بسحر عظيم أى عملوا خداع كبير .
"وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون"المعنى وقلنا لموسى(ص)أن ارم خشبتك تبلع ما يصنعون فثبت الصدق وزال الذى كانوا يصنعون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أوحى أى ألقى أى قال لموسى(ص)"ألق عصاك والمراد ارم خشبتك على الأرض تلقف ما يأفكون أى تبتلع ما يصنعون مصداق لقوله بسورة طه"تلقف ما صنعوا "،فرمى موسى العصا فوقع الحق والمراد فثبت الصدق وهو العصا وأما ما كانوا يعملون فقد بطل والمراد أما ما كانوا يصنعون من السحر فقد زال أى اختفى وبقت العصا وحدها رمز الإعجاز وليس السحر .
"فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقى السحرة ساجدين قالوا أمنا برب العالمين رب موسى وهارون"المعنى فانهزموا عند ذلك وعادوا أذلاء وأصبح المخادعون مؤمنين قالوا صدقنا بإله الكل إله موسى(ص)وهارون(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن القوم غلبوا أى انهزموا هنالك أى فى ذلك المكان وانقلبوا صاغرين والمراد وعادوا خائبين وألقى السحرة ساجدين والمراد وأصبح المخادعون مؤمنين بالله اعترافا أن هذا لا يمكن أن يكون سحرا وقالوا :أمنا برب العالمين أى صدقنا بحكم خالق الجميع رب أى خالق موسى (ص)وهارون(ص) وبهذا يكون السحرة من أوائل من أمنوا بموسى (ص)من قوم فرعون .
"قال فرعون أأمنتم له قبل أن أذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون"المعنى قال فرعون هل صدقتم به قبل أن أقول لكم إن هذا لمكيدة دبرتموها فى البلدة لتطردوا منها أصحابها فسوف تعرفون أينا أشد عذابا ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون لما وجد السحرة أمنوا بموسى(ص)قال أأمنتم له قبل أن أذن لكم والمراد هل صدقتم به قبل أن أسمح لكم بالتصديق؟والغرض من السؤال إخبار السحرة أن من يريد الإيمان عليه أن يأخذ منه الإذن بهذا وكأنه لا يدرك أن الإيمان ليس عليه أى إذن من أى مخلوق وقال إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة والمراد إن الهزيمة هى مكيدة دبرتموها مع موسى(ص) فى البلدة والسبب أن تخرجوا منها أهلها والمراد أن تطردوا منها أصحابها وهذا اتهام لهم ولموسى (ص)بأنهم اتفقوا على الهزيمة حتى يستطيعوا هم حكم مصر ،وقال فسوف تعلمون فسوف تعرفون أينا أشد عذابا وأبقى مصداق لقوله بسورة طه"ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى".
"ولأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين"المعنى ولأبترن أيديكم وأقدامكم من تضاد ثم لأعلقنكم كلكم ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال للسحرة :ولأقطعن أيديكم وأرجلكم والمراد لأفصلن أيديكم وأقدامكم من خلاف أى من جهات متعاكسة من أجسامكم ثم لأصلبنكم أى لأعلقنكم بعد القطع على جذوع النخل جميعا مصداق لقوله بسورة طه"ولأصلبنكم فى جذوع النخل"وهذا يعنى أنه سيعاقبهم على إيمانهم ببتر يد من الجهة اليمنى ورجل من الجهة اليسرى أو العكس ثم يعلقهم على سيقان النخل حتى يموتوا .
"قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "المعنى قالوا إنا إلى جزاء إلهنا عائدون وما تغضب علينا إلا لأننا صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا إلهنا أنزل علينا سكينة وأمتنا مطيعين لك ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة قالوا لفرعون:إنا إلى ربنا منقلبون والمراد افعل ما تريد إنا إلى جنة إلهنا عائدون وهذا يعنى أن تهديده لن يجعلهم يكفرون برسالة موسى(ص)وقالوا وما تنقم منا إلا أن أمنا بآيات ربنا لما جاءتنا والمراد وما يغضبك علينا إلا أن صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا وهذا يعنى أنهم يعرفون أن سبب انتقامه منهم هو إيمانهم برسالة موسى(ص) وقالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين والمراد إلهنا أنزل فى قلوبنا سكينة وأمتنا مطيعين لك وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يعطيهم الطمأنينة حتى يقدروا على تحمل ألم عقاب فرعون ويطلبون أن يموتوا على الإسلام حتى يدخلوا الجنة
"وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أولادهم ونستحى نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"المعنى وقال الكبار من شعب فرعون هل تترك موسى وشعبه ليدمروا فى البلاد ويتركك وأربابك قال سنذبح عيالهم ونسبى إناثهم وإنا لهم غالبون،يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهم الكبار فى قوم وهم شعب فرعون قالوا لفرعون:أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض والمراد هل تدع موسى وشعبه ليظلمونا فى البلاد ويذرك وآلهتك والمراد ويترك عبادتك وأربابك ؟والغرض من السؤال هو إخبار فرعون أن هدف موسى وقومه هو حكم البلاد وترك عبادتهم لفرعون وآلهته وذلك بالفساد وهو الممثل فى رأيهم فى حكم الله فقال فرعون :سنقتل أبناءهم أى سنذبح عيالهم ونستحيى نساءهم أى ونستعبد إناثهم والمراد يتخذهم خدم وإنا فوقهم قاهرون والمراد وإنا لهم غالبون ،وهذا يعنى أن سياسة تعامل فرعون مع قوم موسى(ص)ستكون هى ذبح الأولاد واستعباد النساء وحكمهم بالقهر.
"قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"المعنى قال موسى (ص)لشعبه استمسكوا بحكم الله أى أطيعوه إن البلاد ملك لله يملكها من يريد من خلقه والجنة للمطيعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى لما عرف سياسة فرعون قال لقومه وهم أهله:استعينوا بالله والمراد احتموا منهم بطاعة حكم الله أى اصبروا أى اتبعوا حكم الله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والمراد إن البلاد ملك لله يعطيها من يريد من خلقه وهم الصالحون مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" وهذا يعنى أنه وعدهم بحكم البلاد إن أطاعوا حكم الله وقال والعاقبة للمتقين أى والجنة فى الآخرة للمطيعين لحكم الله
"قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون"المعنى قالوا :أصبنا من قبل أن تجيئنا ومن بعد ما جئتنا قال عسى إلهكم أن يدمر كارهكم ويحكمكم فى البلاد فيعلم كيف تفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص) أوذينا أى أضررنا أى أصابنا العذاب من قبل أن تأتينا أى تحضر عندنا ومن بعد ما جئتنا أى ومن بعد ما أتيتنا،وهذا يعنى أنهم عذبوا قبل عهد موسى (ص)وعذبوا بعد عهد موسى(ص) فقال لهم موسى (ص)عسى ربكم أى إلهكم أن يهلك عدوكم والمراد لعل الله يدمر قوم فرعون كارهيكم ويستخلفكم فى الأرض والمراد ويحكمكم فى البلاد أى يجعلكم ملوكا للبلاد كما قال بسورة المائدة "وجعلكم ملوكا"فينظر كيف تعملون أى فيعرف كيف تفعلون هل تطيعون حكمه أم تكفرون كما كفر قوم فرعون به.
"ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون "المعنى ولقد عاملنا شعب فرعون بالأمراض وقلة فى المنافع لعلهم يتوبون،يبين الله لنبيه(ص) أنه أخذ آل فرعون والمراد عاقب قوم فرعون بالسنين وهى الأمراض ونقص من الثمرات والمراد وقلة فى الأرزاق وهذا يعنى أنه أفسد محاصيلهم وتجارتهم وصناعتهم والسبب لعلهم يذكرون أى يضرعون أى يتوبون والمراد لعلهم يعودون لدين الله فلن يعودوا .
"فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة تطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فإذا أتتهم المنفعة قالوا لنا هذه وإن تأتهم أذية تشاءموا بموسى(ص)ومن معه ألا إنما عملهم لدى الله ولكن معظمهم لا يطيعون،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون إذا جاءتهم الحسنة والمراد إذا أتاهم نفع من الله قالوا لنا هذه وهذا يعنى إننا السبب فى تملكنا لهذه المنفعة وإن تصبهم سيئة والمراد وإن تمسهم أذية فإنهم يتطيروا بموسى(ص)ومن معه والمراد يتشاءموا بهم أى يقولون أن السبب فى نزول الأذى عليهم هو موسى (ص)وبنى إسرائيل ،ويبين الله له أن طائر القوم عند الله وهو عمل القوم مسجل لدى الله ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد ولكن أغلبهم لا يتبعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يوسف"ولكن أكثرهم لا يشكرون".
"وقالوا مهما تأتنا من آية لتسحرنا فما نحن لك بمؤمنين"المعنى وقالوا مهما تجيئنا به من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمصدقين،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون قالوا لموسى(ص):مهما تأتنا من آية والمراد مهما تحضر لنا من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمؤمنين أى بموقنين بها ،وهذا يعنى أنهم يخبرون موسى(ص)أنهم لن يصدقوا برسالته مهما جاء به من براهين معجزة وهى فى رأيهم خدع لأن كل ما يجىء به هو سحر أى خداع يخدعهم به وليس حق.
"وأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين"المعنى وبعثنا لهم الفيضان والجراد والقمل والضفادع والدم علامات بينات فكفروا وكانوا ناسا مكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه أرسل أى بعث على قوم فرعون الطوفان وهو فيضان الماء والجراد وهو حشرة طائرة تأكل الزروع والقمل وهو حشرة مؤذية توجد فى شعور الناس والضفادع وهى حيوانات برمائية لها أصوات مزعجة والدم وهو سائل أحمر وهى آيات مفصلات أى معجزات بينات واضحات مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولقد أتينا موسى تسع آيات بينات"فكانت النتيجة أنهم استكبروا أى كفروا بها أى كانوا قوما مجرمين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وكانوا قوما عالين "والمراد كانوا ناسا كافرين بحكم الله .
"ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل "المعنى ولما نزل عليهم العذاب قالوا يا موسى اقصد لنا إلهك بالذى عرف عندك لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنا أن قوم فرعون لما وقع عليهم الرجز والمراد لما أذاهم العذاب الممثل فى الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم قالوا لموسى(ص):يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك والمراد يا موسى(ص)نادى لنا إلهك بما قال لك فى مثل هذه الأحوال :لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك والمراد لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنرسلن معك بنى إسرائيل والمراد ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)وهذا يعنى أنهم يطلبون من موسى(ص)أن يدعو الله ليزيل عنهم العذاب واشترطوا أن يؤمنوا به ويتركوا بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد وهذا يرينا أنهم لا يريدون الإيمان حقا لأنهم اشترطوا على الله كما قالوا عنه لموسى(ص)ربك ولم يقولوا ربنا وبألفاظ أخرى أنهم لا يعرفون الله إلا وقت الضرر.
"فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون "المعنى فلما أزلنا عنهم العذاب إلى وقت هم واصلوه إذا هم يخالفون العهد،يبين الله لنبيه(ص)أنه لما كشف الرجز والمراد لما أزال العذاب عن قوم فرعون مصداق لقوله بسورة الزخرف"فلما كشفنا عنهم العذاب"إلى أجل هم بالغوه والمراد إلى موعد هم عائشون عنده وهو يوم إزالة العذاب إذا هم ينكثون أى ينقضون عهدهم بالإيمان بموسى(ص)وترك بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد .
"فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى فغضبنا عليهم فأهلكناهم فى البحر بأنهم كانوا كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنبيه(ص)أنه انتقم من قوم فرعون والمراد غضب عليهم فأغرقهم فى اليم والمراد أهلكهم فى البحر والسبب أنهم كذبوا بآيات الله والمراد بأنهم كفروا بأحكام الله أى"وكانوا بآياتنا يجحدون"كما قال بسورة فصلت فالتكذيب هو الجحود وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا عاصين لأحكام الله .
"وأورثنا القوم الذين استضعفوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون"المعنى وملكنا الناس الذين أذلوا منارات البلاد وظلماتها التى قدسناها وصدق حكم إلهك العادل على أولاد يعقوب(ص)بما أطاعوا حكمنا وأهلكنا الذى كان يفعل فرعون وشعبه والذى كانوا يبنون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أورث أى ملك أى مكن القوم الذين استضعفوا أى استذلوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها والمراد ملكهم منيرات وهى نفسها ظلمات البلد التى قدسها وهى الأرض المقدسة مكة مصداق لقوله بسورة المائدة"ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم" ويبين له أن كلمة الله الحسنى وهى وعد الله الصادق تم على بنى إسرائيل والمراد حدث لأولاد يعقوب (ص) بنصرهم على قوم فرعون والسبب ما صبروا أى بسبب ما أطاعوا حكم الله ويبين له أنه دمر ما كان يصنع فرعون وقومه والمراد أهلك كيد فرعون وهو خططه للقضاء على بنى إسرائيل وفى هذا قال بسورة غافر"وما كيد فرعون إلا فى تباب "ودمر ما كانوا يعرشون أى يبنون من مبانى يقصد بها عداوة الله كالصرح الذى أراد أن يطلع عليه فرعون لقتل إله موسى(ص).
"وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين" المعنى وعبرنا بأولاد يعقوب(ص) الماء فمروا على ناس يطوفون على أوثان لهم قالوا يا موسى(ص)اصنع لنا أوثانا كما لهم أرباب قال إنكم ناس تكفرون إن هؤلاء مدمر الذى هم عليه أى محرم الذى كانوا يفعلون قال أسوى الله أطلب لكم ربا وهو اختاركم من الناس،يبين الله لنبيه(ص)أنه جاوز أى عبر ببنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب(ص)البحر وهو اليم أى الماء فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم والمراد مروا فى طريقهم للأرض المقدسة على ناس يعبدون أوثان لهم فقالوا لموسى:اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والمراد اصنع لنا وثنا كما لهم أوثان وهذا يعنى أنهم يريدون إلها متجسدا فى صورة صنم فقال لهم موسى(ص)إنكم قوما تجهلون والمراد إنكم ناسا تكفرون بحكم الله وهذا اتهام لهم بتناسى حكم الله الذى منع عليهم عبادة أى وثن ،وقال إن هؤلاء متبر ما هم فيه والمراد إن عابدى الأوثان مدمر الذى هم فيه وقال أنه باطل ما كانوا يعملون أى محرم الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أن أوثان الكفار سيدمرها الله وأما أعمالهم وهى عبادة الأوثان فهى محرمة ،وقال أغير الله أبغيكم إلها والمراد"أغير الله أبغى ربا"كما قال بسورة الأنفال والمراد أسوى الله أختار لكم ربا؟والغرض من السؤال إخبارهم أنه لن يختار لهم إله سوى الله وقال وهو فضلكم على العالمين أى اختاركم من الناس مصداق لقوله بسورة الدخان"ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وهذا يعنى أن الله ميز القوم باتباعهم لدينه .
"وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم"المعنى وقد أنقذناكم من قوم فرعون يذيقونكم أشد العقاب يذبحون أولادكم ويستعبدون إناثكم وفى هذا اختبار من إلهكم كبير،يبين الله لبنى إسرائيل وإذ أنجيناكم من آل فرعون والمراد وقد أنقذناكم من شعب فرعون يسومونكم سوء العذاب والمراد يذيقونكم أعظم العقاب يقتلون أى "يذبحون أبناءكم"كما قال بسورة البقرة أى يذبحون أولادكم ويستحيون نساءكم والمراد ويستعبدون إناثكم وهذا يعنى استخدامهم الإناث فى خدمتهم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم والمراد وفى القتل والإستحياء اختبار من خالقكم كبير والسبب ليرى أيصبرون على طاعته أم يكفرون.
"وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" المعنى وواقتنا موسى(ص)ثلاثين يوما وأكملناها بعشر فتم ميعاد إلهه أربعين يوما وقال موسى(ص)لأخيه هارون(ص) اتلونى فى أهلى واعدل أى لا تطع دين الكافرين،يبين الله لنا أنه واعد موسى(ص)والمراد وقت لموسى(ص)ثلاثين ليلة فى الجبل وأتمها أى وأكملها بعشر ليال فتم ميقات ربه والمراد فكمل بهم مدة إلهه أربعين ليلة لغرض أراده الله وقال لموسى(ص)قبل ذهابه للميعاد لأخيه هارون(ص):اخلفنى فى قومى والمراد اتلونى فى حكم شعبى وأصلح والمراد تولى الحكم واعدل فى الحكم ولا تتبع سبيل المفسدين أى لا تطع دين الكافرين أى لا تطع أهواء الذين لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الجاثية"ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"وهذا يعنى أن يحكم بشرع الله ولا يحكم بشرع غيره.
"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين"المعنى ولما أتى موسى(ص)لموعدنا وحدثه إلهه قال إلهى اجعلنى أرى ذاتك قال لن تشاهدنى ولكن شاهد الجبل فإن ثبت فى موضعه فسوف تشاهدنى فلما ظهر أمر إلهه للجبل جعله مدمرا وسقط موسى(ص)ميتا فلما صحا قال طاعتك أنبت إليك وأنا أسبق المصدقين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما جاء ميقات ربه والمراد لما ذهب لموعد الله على الجبل وكلمه ربه أى وحدثه أى وأوحى له إلهه مصداق لقوله بسورة طه"وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى"فقال رب أرنى أنظر إليك والمراد إلهى اجعلنى أشاهدك وهذا يعنى أنه أراد أن يشاهد الله عيانا فقال الله له "لن ترانى" أى لن تشاهد ذاتى عيانا وهذا يعنى استحالة رؤية الله ولكن انظر للجبل والمراد ولكن شاهد الجبل فإن استقر مكانه أى فإن ثبت فى موضعه فسوف ترانى أى تشاهدنى وهذا يعنى أنه جعل الرؤية حادثة فيما لو ثبت الجبل فى مكانه ، فلما تجلى ربه للجبل والمراد فلما ظهر أمر الله للجبل جعله دكا أى أصبح مدمرا وخر موسى(ص)صعقا والمراد وسقط موسى(ص)مغشيا عليه ،ونحن نقول المجلى هو أمر الله لأنه لو تجلى للجبل لكان معنى ذلك أنه دخل المكان ومن ثم فهم يحل فى الأمكنة وهذا هو المحال لأنه لا يشبه خلقه فى وجودهم هم بمكان،فلما أفاق أى فلما استيقظ موسى(ص)من صعقته قال سبحانك أى الطاعة لك يا الله تبت إليك والمراد عدت لدينك وهذا يعنى أن طلب الرؤية ذنب يجب التوبة منه وأنا أول المؤمنين أى وأنا أسبق المسلمين مصداق لقوله بسورة الأنعام"وأنا أول المسلمين".
"قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين"المعنى قال يا موسى إنى اخترتك من الخلق لإبلاغ أحكامى أى لوحيى فاعمل بالذى أوحيت لك أى كن من المطيعين ،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)إنى اصطفيتك أى "اخترتك"كما قال بسورة طه على الناس والمراد وأنا اخترتك من الخلق برسالاتى أى بكلامى والمراد لإبلاغ أحكامى أى وحيى للناس فخذ ما أتيتك والمراد فأطع الذى أوحيت لك وفسر هذا بقوله وكن من الشاكرين أى الساجدين وهم المطيعين لحكم الله مصداق لقوله بسورة الحجر"وكن من الساجدين".
"وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين"المعنى وسجلنا له فى الصحف من كل حكم عبرة وتوضيحا لكل أمر فأطعها بعزم وطالب أهلك يعملوا بأفضلها سأشهدكم مقام الكافرين،يبين الله لنا أنه كتب لموسى(ص)فى الألواح والمراد سجل لموسى فى الصحف من كل شىء أى من كل قضية موعظة أى حكما وفسر هذا بأنه تفصيل لكل شىء أى بيان حكم لكل قضية وقال له خذها بقوة أى أطعها بعزم والمراد اتبعها بنية خالصة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها والمراد وطالب أهلك يعملوا بأفضلها وهذا يعنى أن يطالب بنى إسرائيل أن يعملوا بأفضل ما فى التوراة من أحكام ،وقال سأوريكم دار الفاسقين أى سأشهدكم مقام الكافرين وهذا يعنى أنه سيشهدهم عذاب الكفار
"سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى سأبعد عن أحكامى الذين يحكمون فى البلاد بغير العدل أى إن يعلموا كل حكم لا يصدقوا بها أى إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا أى إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا ذلك بأنهم كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنا أنه سيصرف عن آياته والمراد سيبعد عن طاعة أحكامه الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق أى يبغون مصداق لقوله بسورة الشورى "والذين يبغون فى الأرض بغير الحق"أى يحكمون فى البلاد بسوى العدل وفسرهم بأنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها والمراد إن يعلموا كل حكم يعرضوا عنها مصداق لقوله بسورة القمر"وإن يروا آية يعرضوا "والمراد إن يعرفوا حكم إلهى يكذبوا به وفسرهم بأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا وفسرهم هذا بأنهم إن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا وهذا يعنى أنهم يتبعوا غير دين المؤمنين مصداق لقوله بسورة النساء"ويتبع غير سبيل المؤمنين"ويبين لنا أن ذلك وهو دخول دار الفاسقين وهى النار بما كذبوا بآياتنا أى سبب دخولهم النار هو أنهم كفروا بأحكام الله وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا لأحكام الله عاصين .
"والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "المعنى والذين كفروا بأحكامنا وجزاء القيامة ضلت أفعالهم هل يعاقبون إلا بالذى كانوا يكسبون ،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله أى "الذين كفروا بأيات ربهم"كما قال بسورة الكهف فالذين كفروا بأحكام الله ولقاء الآخرة وهو حساب القيامة حبطت أى ضلت أعمالهم مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم"والمراد خسرت أفعالهم فلا قيمة لها عند الله فهى هباء منثورا،ويسأل هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أى "هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"كما قال بسورة يونس والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار يعاقبون بسبب ما كانوا يفعلون وهو الكفر .
"واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين "المعنى وعبد شعب موسى(ص)من بعد ذهابه للميقات من ذهبهم عجلا ذهبيا له صوت ألم يعلموا أنه لا يحدثهم أى لا يعرفهم دينا عبدوه وكانوا كافرين،يبين الله لنا أن قوم أى شعب موسى(ص)اتخذوا من بعده والمراد عبدوا من بعد ذهابه لميقات ربه فى الجبل عجلا جسدا أى عجلا ذهبيا مصنوع من حليهم أى ذهبهم الذى كانوا يلبسونه وكان له خوار أى صوت بسبب الهواء الذى يدخل من مقدمته فيخرج من مؤخرته ،ويسأل الله ألم يروا أنه لا يكلمهم أى "أفلا يرون ألا يرجع لهم قولا"كما قال بسورة طه والمراد ألم يعلم القوم أنه لا يحدثهم وفسر هذا بأنه لا يهديهم سبيلا والمراد لا يعلمهم دينا ؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم وإيانا أن الإله يتكلم أى يشرع حتى يعلم الناس دينهم وأما غير الإله فلا يتكلم أى فلا يشرع ومن ثم فليس إلها لأنه لا يعلم الناس دينا ،ويبين لنا أنهم اتخذوه وكانوا ظالمين والمراد عبدوا العجل وكانوا مجرمين مصداق لقوله بسورة يونس"وكانوا قوما مجرمين".
"ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين"المعنى ولما نزل فى أنفسهم أى علموا أنهم قد كفروا قالوا لئن لم يعفوا عنا إلهنا أى ينفعنا لنصبحن من المعذبين ،يبين الله لنا أن قوم موسى(ص) سقط فى أيديهم أى نزل فى نفوسهم الحق وفسر هذا بأنهم قد ضلوا والمراد علموا أنهم كفروا بعبادتهم للعجل فقالوا :لئن لم يرحمنا ربنا أى لئن لم ينفعنا إلهنا بعفوه وفسر هذا بقولهم يغفر لنا أى يعفوا عنا أى ينفعنا برحمته لنكونن من الخاسرين أى لنصبحن من المعذبين دنيا وآخرة.
"ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين "المعنى ولما عاد موسى (ص)إلى شعبه ثائرا غاضبا قال قبح الذى فعلتموه من بعد ذهابى للميقات استأخرتم حكم إلهكم ورمى الصحف وأمسك بشعر أخيه يشده له قال يا ابن والدتى إن الشعب استصغرونى وهموا يذبحوننى فلا تفرح بى الكارهين ولا تدخلنى فى جمع الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما رجع إلى قومه والمراد لما عاد لشعبه من الجبل كان غضبان أسفا أى ثائر مغتاظ من عملهم فقال لهم بئسما خلفتمونى والمراد ساء الذى عملتموه فى شرعى من بعدى أى من بعد ذهابى للميقات وهذا يعنى أنه يبين لهم سوء وقباحة ما صنعوه وقال لهم أعجلتم أمر ربكم والمراد استأخرتم حكم إلهكم أى هل طال عليكم عهد ربكم ؟كما قال بسورة طه"أفطال عليكم العهد"والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم كذبوا عهد الله له بأيام الميقات لأنهم استأخروا رجوعه بعد الثلاثين الذين أتمهم الله أربعين ،ويبين الله لنا أنه ألقى الألواح أى رمى الصحف التى كتب الله له فيها التوراة وأخذ برأس أخيه يجره إليه والمراد وأمسك شعر لحية ودماغ هارون(ص)يشده ناحيته فقال له هارون(ص):ابن أم والمراد يا ابن والدتى إن القوم استضعفونى والمراد إن الشعب استصغروا شأنى فلم يطيعوا أمرى وكادوا يقتلوننى أى وهموا يذبحوننى بسبب إنكارى عبادتهم للعجل فلا تشمت بى الأعداء والمراد لا تفرح فى الكارهين لنا ولا تجعلنى مع القوم الظالمين والمراد ولا تدخلنى فى زمرة الكافرين وهذا يعنى أنه لم يعبد العجل معهم.
"قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين"المعنى قال إلهى اعفو عنى وعن أخى أى اجعلنا فى جنتك وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال أى دعا الله:اغفر لى ولأخى والمراد اعفو عنى وعن أخى وفسر طلبه بقوله أدخلنا فى رحمتك أى اجعلنا فى جنتك مصداق لقوله بسورة الفتح"ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات"وأنت أرحم الراحمين أى "وأنت خير الراحمين "كما قال بسورة المؤمنون أى "وأنت خير الغافرين"فأرحم الراحمين هو خير الغافرين أى النافعين للمستغفرين.
"إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين"المعنى إن الذين عبدوا العجل سيصيبهم عقاب من خالقهم أى هوان فى المعيشة الأولى وهكذا نعاقب المجرمين،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)قل للقوم إن الذين اتخذوا العجل والمراد إن الذين عبدوا العجل سينالهم غضب من ربهم والمراد سيصيبهم سخط أى عذاب من إلههم مصداق لقوله بسورة المائدة"أن سخط الله عليهم"وذلة فى الحياة الدنيا أى خزى فى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة المائدة"لهم فى الدنيا خزى"وكذلك نجزى المفترين أى بالغضب والذلة نعاقب الظالمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى الظالمين".
"والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم"المعنى والذين صنعوا الذنوب ثم أنابوا من بعدها أى صدقوا إن إلهك من بعد التوبة لعفو نافع،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال للقوم:والذين عملوا السيئات أى والذين فعلوا الجرائم ثم تابوا أى عادوا للحق أى أمنوا أى أصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم والمراد إن إلهك من بعد التوبة وهى الإيمان أى الصلاح لعفو عنهم أى نافع لهم وهذا يعنى أنه سيغفر لمن تاب منهم عن عبادته للعجل.
"ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون"المعنى ولما ذهب عن موسى(ص) الغيظ أمسك الصحف وفى كتابتها نفع أى فائدة للذين لعذاب خالقهم يخافون،يبين الله لنا أن الغضب وهو الغيظ لما سكت أى ذهب عن موسى(ص)أخذ الألواح والمراد انحنى ومسك بصحف التوراة وفى نسختها والمراد فى كتابتها القول التالى :هدى أى رحمة للذين هم لربهم يرهبون والمراد التوراة نفع أى فائدة للذين هم لعذاب إلههم يخافون ومن ثم يطيعون التوراة وهذا يعنى أن الوحى يكون نافع لمن يخاف عذاب الله .
"واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين"المعنى واصطفى موسى(ص) من شعبه سبعين ذكرا لموعدنا فلما أماتتهم الزلزلة قال إلهى لو أردت دمرتهم وأنا أتدمرنا بالذى طلب المجانين منا إن هى إلا امتحانك تعاقب به من تريد وترحم من تريد أنت ناصرنا فاعفو عنا أى انفعنا وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص)اختار من قومه والمراد اصطفى من شعبه سبعين رجلا أى ذكرا والسبب ميقات أى الموعد الذى حدده الله لهم بناء على طلب الشعب رؤية الله بقولهم كما فى سورة البقرة"وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة "فأخذتهم الرجفة أى "فأخذتكم الصاعقة"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن الله أهلك السبعين رجلا بالزلزلة فقال موسى (ص)له:رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى والمراد إلهى لو أردت دمرتهم من قبل بسبب العجل وإياى بسبب طلبى الرؤية ،أتهلكنا بما فعل السفهاء والمراد أتدمرنا بالذى طلب المجانين ؟والغرض من القول إخبار الله بما يعلمه من قبل وهو أن السبعين رجلا لم يطلبوا الرؤية وإنما طلبها المجانين رغم ما أخبرهم موسى(ص)به من استحالة ذلك،وقال :إن هى إلا فتنتك أى إن هو إلا بلاؤك تضل به من تشاء وتهدى من تشاء أى "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"كما قال بسورة العنكبوت والمراد تعاقب بالسقوط فى البلاء من يسقط وترحم بالنجاح فى البلاء من يطيع حكمك ،وقال أنت ولينا أى إلهنا أى ناصرنا فاغفر لنا أى ارحمنا والمراد انفعنا أى أفدنا برحمتك وأنت خير الغافرين أى وأنت أحسن الراحمين أى النافعين لنا وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يتوب على القوم .
"واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون"المعنى واجعل لنا فى هذه الأولى نفع وفى القيامة إنا أنبنا لك قال عقابى أمس به من أريد ونفعى شمل كل مخلوق فسأجعلها للذين يطيعون أى يتبعون الحق أى الذين هم بأحكامنا يصدقون ،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة والمراد واجعل لنا فى هذه المعيشة الأولى رحمة وفى القيامة رحمة وهذا يعنى أنه يطلب من الله حكم الدنيا والجنة فى القيامة ،وقال إنا هدنا إليك أى إنا أنبنا إليك كما قال بسورة الممتحنة"وإليك أنبنا" ومن هنا جاءت تسميتهم يهودا أى تائبين أى منيبين لله فقال الله فى وحيه لموسى(ص)عذابى أصيب به من أشاء والمراد عقابى أسلطه على من أريد وهو من كفر بى ورحمتى وسعت كل شى والمراد ورزقى شمل كل مخلوق فى الدنيا فسأكتبها للذين يتقون والمراد فسأخصصها فى القيامة للذين يطيعون حكمى وفسرهم بأنهم الذين يؤتون الزكاة أى يتبعون الطهارة وهى الحق وفسرهم بأنهم الذين هم بآيات الله يؤمنون والمراد الذين هم بأحكام الله يوقنون أى يصدقون مصداق لقوله بسورة السجدة"وكانوا بآياتنا يوقنون".