سورة الأعراف
"بسم الله الرحمن الرحيم المص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات وحى أوحى إليك فلا يكن فى نفسك ضيق لتخبر به ونفع للمصدقين ،يبين الله لنبيه(ص)أن اسمه وهو حكمه وهو الرحمن الرحيم أى النافع المفيد قد حكم بالتالى :
أن الوحى هو المص كتاب أنزل إليه والمراد أن الوحى هو آيات أى أحكام وحى قد أوحى إليه من عند الله ،ويطلب الله منه ألا يكن فى صدره حرج والمراد ألا يصبح فى نفسه ضيق من القرآن لأنه سيجلب عليه أذى الناس ويبين له أن عليه أن ينذر به أى يبلغ به الناس والقرآن هو ذكرى للمؤمنين أى للذاكرين مصداق لقوله بسورة هود"ذكرى للذاكرين"وهذا يعنى أن القرآن نفع للمسلمين والخطاب للنبى(ص).
"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون"المعنى أطيعوا ما أوحى إليكم من إلهكم ولا تتخذوا من سواه آلهة قليلا ما تطيعون،يطلب الله من الناس أن يتبعوا ما أنزل لهم من ربهم والمراد أن يطيعوا الذى أوحى لهم من خالقهم وهو ملة إبراهيم(ص)مصداق لقوله بسورة آل عمران"فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا"وفسر هذا بأن لا يتبعوا من دونه أولياء أى لا يطيعوا من سوى حكم الله الأحكام الأخرى والمراد لا يطيعوا أهواء الضالين مصداق لقوله بسورة المائدة"ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا"ويبين لهم أنهم قليلا ما يذكرون أى ما يطيعون حكم الله والمراد قليلا ما يشكرون الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"قليلا ما تشكرون"والخطاب للناس.
"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين"المعنى وكم من أهل بلدة دمرناهم فأتاهم عذابنا ليلا أو وهم مظهرون فما كان قولهم حين أتاهم عذابنا إلا أن قالوا إنا كنا كافرين،يبين الله للناس أن كثير من القرى والمراد أهل البلاد أهلكهم أى دمرهم أى قصمهم مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية"وقد جاءهم البأس والمراد وقد نزل بهم العذاب بياتا أى ليلا وهم نائمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بياتا وهم نائمون" أو نزل بهم وهم قائلون أى وقت الظهر وهو الضحى كما قال بسورة الأعراف"أن يأتيهم بأسنا ضحى"فما كان دعواهم وهو قولهم إذ جاءهم بأسنا والمراد حين نزل بهم عذابنا:إنا كنا ظالمين أى "إنا كنا طاغين"كما قال بسورة القلم والمراد أنهم يعترفون أن العذاب نزل عليهم بسبب ظلمهم والخطاب وما بعده للناس.
"فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين"المعنى فلنحاسبن الذين بعث إليهم ولنحاسبن المبعوثين ولنخبرنهم بمعرفة أى ما كنا غافلين،يبين الله للناس أنه يسأل الذين أرسل إليهم والمراد سيحاسب الذين بعث لهم الرسل(ص)ويسأل المرسلين والمراد ويحاسب الأنبياء(ص)كل حسب عمله وفى هذا قال بسورة الأنعام"ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء"وسوف يقص عليهم بعلم والمراد سوف ينبىء الجميع بمعرفة والمراد سوف يخبر الكل بما عملوا مصداق لقوله بسورة التغابن"لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم"وفسر علمه بأنه ما كان من الغائبين والمراد الغافلين عن معرفة أعمال الخلق .
"والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون"المعنى والحكم يومذاك العدل فمن حسنت أعماله فأولئك هم الفائزون ومن ساءت أعماله فأولئك الذين أهلكوا أنفسهم بالذى كانوا يسيئون،يبين الله للناس أن الوزن وهو الحكم أى الملك مصداق لقوله بسورة الفرقان"والملك يومئذ الحق للرحمن"وهو الأمر لقوله بسورة الإنفطار"والأمر يومئذ لله"فالحكم فى يوم القيامة العدل لله ،ويبين لهم أن من ثقلت موازينه أى من حسنت أى من قبلت أعماله فأولئك هم المفلحون أى "أصحاب الجنة هم الفائزون"كما قال بسورة الحشر وأما من خفت موازينه أى ساءت أى رفضت أعماله أى كفر بآيات الله فأولئك الذين خسروا أى أهلكوا أى ظلموا أنفسهم والسبب ما كانوا بآياتنا يظلمون أى الذى كانوا بأحكام الله يجحدون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"والخطاب للناس .
"ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون"المعنى ولقد حكمناكم فى البلاد أى أعطينا لكم فيها منافع قليلا ما تطيعون الله،يبين الله للناس أنه مكنهم فى الأرض والمراد حكمهم فى بلاد الأرض وفسر هذا بأنه جعل لهم فيها المعايش والمراد خلق لهم فيها المنافع التى يتحكمون فيها وهم قليلا ما يشكرون أى يذكرون أى يطيعون حكم الله وفى هذا قال بسورة الأعراف"قليلا ما تذكرون"والخطاب للناس
"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين"ولقد أبدعناكم ثم عدلناكم ثم قلنا للملائكة أطيعوا آدم(ص)فأطاعوهإلا إبليس لم يكن من المطيعين،يبين الله للناس أنه خلقهم والمراد أنشأ بشر من طين ثم صوره أى نفخ فيه من روحه والمراد وضع فيه الحياة مصداق لقوله بسورة الحجر"وإذا قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين"،ويبين لهم أنه قال للملائكة اسجدوا لآدم(ص)والمراد أطيعوا أدم(ص)أى أقروا لأدم(ص) بالأفضلية فسجدوا أى فأطاعوا أمر الله بتفضيل آدم (ص) على أنفسهم بطاعة أمر آدم(ص) إلا إبليس لم يكن من الساجدين أى لم يكن من المطيعين للأمر والمراد لم يقر لآدم(ص) بالأفضلية فقد استكبر أى كان كافرا مصداق لقوله بسورة البقرة"فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين".
"قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين"المعنى قال ما حملك على ألا تطيع حين طالبتك بالطاعة قال أنا أفضل منه أبدعتنى من نار وأبدعته من طين،يبين الله للناس أن الله سأل إبليس :ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك والمراد ما حملك على ألا تفضل آدم(ص) على نفسك حين طالبتك بالإقرار بأفضليته عليكم والمراد ما السبب الذى جعلك لا تكرم آدم(ص)؟فقال أنا خير أى أحسن منه والسبب أنك خلقتنى أى أنشاتنى من نار وخلقته أى وأنشأته من طين وهذا الرد طبعا يظهر لنا جنون إبليس فهو يوضح أنه أفضل بسبب مادة خلقه التى لم تكن من صنعه ولو عقل وفكر لعرف أن النار هى فى النهاية رماد ومن ثم فهو مخلوق من رماد النار أى التراب وكذلك آدم(ص)ومن ثم فالمادة أصلا واحدة وإن اختلفت صورتها من نوع لأخر.
"قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال انظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين "المعنى قال فاخرج من الجنة فما يحق لك أن تعصى فيها أمرى فابتعد إنك من الأذلاء قال أخرنى إلى يوم يرجعون قال إنك من المؤخرين ليوم البعث،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس"فاهبط منها"والمراد "فاخرج منها "كما قال بسورة ص والمراد ابتعد عن الجنة إلى النار فما يكون لك أن تتكبر فيها والمراد فما يحق لك أن تعصى أمرى فى الجنة فاخرج منها أى فإنزل عنها إنك من الصاغرين أى الرجماء مصداق لقوله بسورة ص"فإنك رجيم"والمراد إنك من الملعونين أى المعذبين فى النار فرد إبليس فقال:انظرنى إلى يوم يبعثون أى أخرنى إلى يوم يعودون فى القيامة مصداق لقوله بسورة الإسراء"لئن أخرتن إلى يوم القيامة"وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يؤجل موته ليوم القيامة والسبب حتى يضل الخلق كما زعم فقال الله له:إنك من المنظرين أى المؤخرين والمراد إنك من الباقين حتى يوم القيامة وهذا يعنى أن إبليس لا يموت سوى فى يوم القيامة ولكنه بالطبع لا يعلم مكان الموت ولا ساعته.
"قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين"المعنى قال فبالذى أبعدتنى لأحرفن لهم دينك العادل ثم لأجيئنهم من أمامهم ومن ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تلق أغلبهم طائعين،يبين الله للناس أن إبليس قال له:فبما أغويتنى والمراد فالبذى أضللتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم والمراد لأحرفن لهم دينك الحق وهذا يعنى أن إبليس أقسم بآدم(ص)على أن يجعل دين الله العادل دين معوج حتى يضل الناس وقال لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم والمراد لأوسوسن لهم فى حاضرهم وفى مستقبلهم وفسر هذا بأنه يأتيهم عن أيمانهم أى فى حاضرهم وعن شمائلهم أى وفى مستقبلهم وهذا يعنى أن تقعيد أى تحريف الصراط المستقيم يكون عن طريق الوسوسة لهم فى وقتهم الحاضر وفى وقتهم المستقبل فالجهات الأربع هنا لا تدل على مكان وإنما تدل على استمرار الشيطان فى الوسوسة للإنسان فى كل وقت حيث يكون معهم فى كل وقت وهذا هو التزيين لهم فى الأرض وفيه قال بسورة الحجر"رب بما أغويتنى لأزينن لهم فى الأرض"ومن ثم قال:ولا تجد أكثرهم شاكرين والمراد ولا تبق معظمهم مطيعين لحكمك والمراد "وأكثرهم للحق كارهون"كما قال بسورة المؤمنون وهو قسم كاذب .
"قال فاخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين"المعنى قال فاهبط منها ملعونا خاذلا من قلدك منهم لأملأن النار منكم كلكم ،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس:فاخرج منها أى اهبط أى ابتعد عن الجنة أى اذهب مصداق لقوله بسورة الإسراء"قال فاذهب مذءوما مدحورا" أى ملعونا خاذلا لمن تبعك أى لمن أطاعك أى لمن قلد عصيانك لى منهم لأملأن جهنم والمراد لأدخلن النار منكم كلكم وهذا يعنى أن إبليس خرج من الجنة ملعونا وهو مدحور أى خاذل من قلدوه من الناس فى عصيان الله وسوف يدخلون النار كلهم .
"ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"المعنى ويا آدم(ص)أقم أنت وامرأتك فى الحديقة فإطعما من حيث أردتما ولا تذوقا هذه الشجرة فتصبحا من الكافرين،يبين الله للناس أنه قال لآدم(ص)يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة والمراد أقم أنت وامرأتك فى الحديقة وهذا يعنى أنه طلب منهما الإقامة فى مكان واحد هو الجنة وقال فكلا من حيث شئتما والمراد فإطعما من حيث أردتما وهذا يعنى أنه طلب منهما أن يأكلا من أى ثمر من ثمار أشجار الجنة إذا اشتهت أنفسهما ذلك وقال ولا تقربا هذه الشجرة والمراد ولا تأكلا من ثمر هذه الشجرة فتكونا من الظالمين أى الكافرين وهذا يعنى أن الله استثنى من أشجار الجنة شجرة محددة حددها للأبوين حتى لا يذوقا ثمرها وقد بين لهم عاقبة أكل ثمرها وهو كونهما من الظالمين أى العصاة وهذا هو أول أحكام الله للبشر .
"فوسوس لهما الشيطان ليبدى ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "المعنى فدعتهما الشهوة لتظهر لهما ما أخفى من عوراتهما وقالت ما منعكما إلهكما عن هذه الثمرة إلا أن تكونا ملوكا أى تصبحا من الباقين ،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس -وليس إبليس لأنه طرد من الجنة من قبل إلى النار -وسوس لهما أى حسن لهما الأكل من الشجرة والسبب أن تبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما والمراد أن تكشف لهما الذى خفى عنهما من عوراتهما ومن هنا نعلم أن جسد الأبوين ينقسم لقسمين فى الجنة الأول السوءة المكشوفة وهى الجزء الظاهر من الجسم والثانى السوءة المغطاة وهى الموراة أى الخفية من الجسم،فقالت لهما الشهوة:ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة والمراد ما منعكما إلهكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين والمراد حتى لا تصبحا من الملوك مصداق لقوله بسورة طه"يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"وفسر لهما هذا بأن يكونا من الخالدين أى الباقين لا يموتون أى لا يبلون وهذا يبين لنا أن الشهوة زعمت للأبوين أن سبب تحريم الشجرة هو أن يصبحا ملوكا أى خالدين وهذا يعنى أنها أطمعت الأبوين فى أمر محبب للنفس وهو الملك أى البقاء دون موت والخطاب وما سبقه وما تلاه من قصة آدم (ص) هو للناس.
"وقاسمهما إنى لكما من الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين" المعنى وحلف لهما إنى لكما من المخلصين فأوقعهما بخداع فلما أكلا الثمرة ظهرت لهما عوراتهما وظلا يقطعان عليهما من ورق الحديقة فأوحى لهما إلههما ألم أمنعكما عن تلكما الثمرة وأقل لكما أن الشهوة لكما كاره ظاهر،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس قاسمهما أى حلفت لهما على الأتى :إنى لكما من الناصحين أى المخلصين وهذه يعنى أن الشهوة بعد أن أطمعت الأبوين فى الخلود وهو الملك أرادت أن تزيد درجة الإطماع فأقسمت بالله على أنها ناصحة مخلصة فكانت النتيجة أن دلاهما بغرور والمراد أوقعهما بخداع وهذا يعنى أن الشهوة أوقعت الأبوين بالخداع الممثل فى القسم الكاذب وقد استجاب الأبوين فذاقا الشجرة أى "فأكلا منها"كما قال بسورة طه وكانت النتيجة أن بدت لهما سواءتهما أى ظهرت للأبوين عوراتهما المغطاة فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة والمراد فاستمرا يقطعان ويرميان عليهما من أوراق شجر الجنة وهى الحديقة حتى يغطيا العورات ومن هنا نعلم أن عورات الأبوين لم تنكشف من قبل فى الجنة،فناداهما ربهما والمراد فأوحى لهما الله:ألم أنهكما عن تلكما الشجرة والمراد ألم أمنع عليكم الأكل من ثمار هذه الشجرة وأقل لكما أن الشيطان وهو الشهوة عدو مبين أى كاره ظاهر ؟والغرض من السؤال تذكير الأبوين بارتكابهما للجريمة وهى العصيان للأمر الإلهى.
"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"المعنى قالا إلهنا أبخسنا أنفسنا وإن لم تعفو عنا أى تفيدنا لنصبحن من المعذبين،يبين الله للناس أن الأبوين قالا ربنا أى إلهنا ظلمنا أنفسنا والمراد نقصنا حق أنفسنا وإن لم تغفر لنا أى ترحمنا أى تعفو عنا أى تفيدنا بالعفو لنكونن من الخاسرين أى المعذبين وهذا يعنى أنهما طلبا المغفرة أى الرحمة من الله لذنبهما حتى لا يصبحا معذبين مثل إبليس فلما قالا أى ألقيا الإستغفار تاب الله عليهما أى غفر لهما مصداق لقوله بسورة البقرة"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه".
"قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"المعنى قال اخرجا بعضكم لبعض كاره ولكم فى البلاد مقام ونفع إلى وقت معلوم لى ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين :اهبطوا أى اخرجوا من الجنة والمراد انزلوا من الجنة للأرض بعضكم لبعض عدو أى كاره وهذا يعنى أن البشر سيكونون كارهين لبعضهم فى المستقبل ولكم فى الأرض مستقر أى مقام والمراد مكان للسكن ومتاع إلى حين ونفع إلى وقت محدد وهذا يعنى أن الأرض هى المكان الوحيد الصالح لإقامة الناس لأن فيها متاعهم أى منافعهم التى يحتاجون إليها حتى اليوم المحدد للقيامة.
"قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون"المعنى قال فيها تعيشون وفيها تتوفون ومنها تبعثون ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين:فيها تحيون أى تعيشون الحياة الأولى وفيها تموتون أى تتوفون أى تنتقلون للحياة فى البرزخ ومنها تخرجون أى تبعثون أى تعودون للحياة فى القيامة .
"يا بنى أدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون"المعنى يا أولاد أدم(ص)قد خلقنا لكم ثوبا يخفى عوراتكم أى ملابس وعمل الطاعة ذلك أفضل ذلك من أحكام الله لعلهم يطيعون،يخاطب الله بنى آدم وهم أولاد آدم(ص)فيقول لهم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سواءتكم أى ريشا والمراد قد أعطينا لكم ثيابا تغطى عوراتكم أى ملابسا،وهذا يعنى أن الله هو الذى علم الناس طريقة صنع اللباس وهو الملبس ووظيفة الملابس هى موارة السوءة وهى تغطية العورة ،وقال لهم ولباس التقوى والمراد وقد أنزلنا لكم عمل الطاعة لحكم الله وهذا يعنى أن الله أوحى للناس أن يعملوا الخير وهو طاعة حكم الله ،ويبين لهم أن ذلك خير أى الطاعة لحكم الله أحسن من عصيان حكمه ،ويبين لهم أن ذلك من آيات الله والمراد أن ما سبق ذكره من أحكام الله ذكرها لعلهم يذكرون أى يطيعون حكم الله .
"يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"المعنى يا أولاد الإنسان لا تخدعنكم الشهوة كما طردت والديكم من الحديقة يخلع عنهما ثيابهما ليشهدهما عوراتهما إنها تعرفكم وشيعتها من حيث لا تعرفونهم إنا خلقنا الشهوات أنصارا للذين لا يصدقون ،يطلب الله من بنى آدم وهم أولاد آدم(ص) ألا يفتنهم الشيطان والمراد ألا تخدعهم شهوات النفس كما أخرج أبويهم من الجنة والمراد كما خدعت والديهم فتسببت فى طردهما من الحديقة حيث ينزع عنهما لباسهما أى حيث تخلع عنهما ثيابهما والسبب ليريهما والمراد لتظهر لهما عوراتهما وهى الأشياء التى خجلا من رؤيتها،ويبين لهم أنه يراهم وقبيله من حيث لا يرونهم والمراد أن الشهوة تعرفهم هى وأنصارها من حيث لا يعرفونها وهذا يعنى أن الشهوات تخدع الإنسان من حيث لا يعرف ولا ينتظر،ويبين الله لهم أنه جعل الشياطين وهى الشهوات أولياء للذين لا يؤمنون والمراد أنصار للذين لا يصدقون حكم الله وهذا يعنى أن الشهوات تناصر صاحبها الكافر بتشجيعه على الكفر.
"وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون"المعنى وإذا صنعوا ذنبا قالوا لقينا عليه آباءنا والله وصانا بعمله قل إن الله لا يوصى بالذنب أتفترون على الله الذى تدرون؟يبين الله للنبى(ص)أن الكفار إذا فعلوا فاحشة والمراد إذا عملوا ذنبا أى جريمة قالوا وجدنا عليها آباءنا والمراد لقيناها فى دين آباءنا والله أمرنا بها والمراد والله وصانا بها وهذا يعنى أنهم ينسبون إباحة الذنوب إلى الله الذى قالها للأباء فى أديانهم ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء والمراد إن الله لا يوصى بالذنوب وهذا يعنى أن الله لا يفرض على الناس عمل الجرائم ويطلب منه أن يسألهم أتقولون على الله ما لا تعلمون والمراد هل تنسبون إلى الله الذى لا تعرفون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم ينسبون لله الباطل وهم يعلمون حقا أنه باطل والخطاب للنبى(ص).
"قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون"المعنى قل أوصى إلهى بالعدل وأسلموا أنفسكم عند كل حكم أى أطيعوه موحدين له الحكم كما خلقكم ترجعون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أمر ربى بالقسط والمراد أوصى إلهى الخلق بالعدل مصداق لقوله بسورة النحل"إن الله يأمر بالعدل"وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد والمراد وأسلموا أنفسكم عند كل حكم وهذا يعنى أن على الخلق أن يستسلموا لأى حكم من الله بطاعة الحكم وفسر هذا بقوله وادعوه مخلصين له الدين والمراد واتبعوه موحدين له الحكم وهذا يعنى أن يخصوا الله وحده بطاعة حكمه ويبين لهم أنه كما بدأهم يعودون والمراد كما خلقهم أول مرة يرجعون عند البعث والخطاب للنبى(ص).
"فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون"المعنى جماعة رحم وجماعة وقع بهم العقاب إنهم جعلوا الشهوات أنصار لهم من سوى الله ويظنون أنهم راشدون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس فريقين فريقا هدى أى جماعة رحمهم الله بإدخالهم الجنة وفريقا حق عليهم الضلالة والمراد وجماعة وجب لهم العذاب وهو دخول النار وفى هذا قال بسورة الشورى"فريق فى الجنة وفريق فى السعير"والسبب فى عذابهم أنهم اتخذوا الشياطين أولياء والمراد أنهم جعلوا لهم آلهة من غير الله هى الشهوات مصداق لقوله بسورة يس"واتخذوا من دون الله آلهة"ولذا يحسبون أنهم مهتدون أى يظنون أنهم محسنون أى أحسنوا العمل مصداق لقوله بسورة الكهف"وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"ومن ثم فهم يعتقدون أنهم مرحومون لو كان فيه قيامة والخطاب للنبى (ص)وهناك جزء محذوف فى أول القول .
"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"المعنى قل يا أولاد الإنسان أدوا طاعتكم لدى كل حكم واطعموا وارتووا ولا تفرطوا إنه لا يرحم المفرطين،يخاطب الله بنى آدم(ص) وهم أولاد الإنسان الأول فيقول :خذوا زينتكم عند كل مسجد والمراد افعلوا واجبكم لدى كل حكم وأخذ الزينة هو أخذ ما أتاهم الرسول(ص) وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الحشر"وما أتاكم الرسول فخذوه"وهذا يعنى طاعة كل حكم يأتى به ويطلب منهم فيقول كلوا أى اطعموا الطعام واشربوا أى ارتووا من الأشربة ولا يسرفوا أى لا يفرطوا فى طاعة حكم الله ويبين لهم أنه لا يحب المسرفين وهم الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم من يفرط فى طاعته .
"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين أمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون "المعنى قل من منع رزق الله الذى أباح لخلقه أى المباحات من النفع قل هى للذين صدقوا فى الحياة الأولى مسعدة يوم البعث كذلك نبين الأحكام لناس يعرفون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل للناس :من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والمراد من منع رزق الله الذى حلل لخلقه أى الطيبات من الرزق والمراد من منع النافعات من العطاء؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن من يحرم ما حلل الله من الرزق هو كافر مكذب بدين الله،ويطلب منه أن يقول لهم :هى أى الطيبات من الرزق للذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى خالصة أى مسعدة أى ممتعة لهم دون أى أذى فيها فى يوم القيامة وهو يوم البعث وهذا يعنى أن متاع الدنيا هو نفسه متاع الآخرة ولكنه ليس فيه أى شىء يؤذيهم كما فى الدنيا،ويبين لهم أنه كذلك يفصل الآيات لقوم يعلمون أى "كذلك يبين الله لكم آياته"كما قال بسورة البقرة والمراد بإبلاغ الوحى لهم يبين لهم الأحكام لناس يفهمون فيطيعونها والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.
"قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"المعنى قل إنما منع إلهى الذنوب ما أعلن منها وما أخفى أى الذنوب أى العمل بغير العدل أى أن تعبدوا مع الله الذى لم يوحى به حكما يبيحه أى أن تنسبوا إلى الله الذى حقا تدرون أنه الباطل،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للناس إنما حرم ربى والمراد لقد منع إلهى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والمراد الإثم ما أعلن منه وما أخفى مصداق لقوله بسورة الأنعام"وذروا ظاهر الإثم وباطنه"وما ظهر تعنى ارتكاب الذنب أمام الناس وما بطن تعنى ارتكاب الإثم بعيدا عن عيون الناس وفسر الله الفواحش بأنها الإثم وفسره بأنه البغى بغير الحق أى التكبر فى البلاد بالظلم مصداق لقوله بسورة الحجر"الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق "والمراد العمل بغير شرع الله وهو العدل وفسره بأنه أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والمراد وأن تطيعوا مع حكم الله الذى لم يوحى فيه حكما يبيح طاعته وفسره بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون والمراد أن يفتروا على الله الذى يعرفون أنه الكذب ويعملون به ولا فيما ما لا يعلمون تعنى حقا أى الذى حقا يعرفون،والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"المعنى لكل جماعة موعد فإذا أتى موعدهم لا يستأجلون وقتا ولا يسبقون ،يبين الله لنبيه(ص)أن لكل أمة أجل والمراد لكل فرد فى الجماعة موعد محدد للموت فإذا جاء أجلهم والمراد إذا أتى موعد موتهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والمراد لا يموتون بعد الموعد المحدد بوقت ولا يموتون قبل الموعد المحدد بوقت وإنما الهلاك يكون فى الموعد المحدد لا قبله ولا بعده.
"يا بنى آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "المعنى يا أولاد الإنسان إما يجيئكم مبعوثين منكم يبلغون لكم أحكامى فمن أطاع أى اتبع فلا عقاب عليهم أى لا يعذبون ،يخاطب الله بنى آدم(ص)وهم أولاد الإنسان فيقول:إما يأتينكم رسل منكم والمراد إما يجيئكم مبعوث من البشر يقصون عليكم آياتى أى "يتلون عليكم آيات ربكم"كما قال بسورة الزمر والمراد يبلغون لكم أحكامى وحيى فمن اتقى أى أصلح أى "فمن تبع هداى "كما قال بسورة البقرة والمراد فمن أطاع أى اتبع أحكامى فلا خوف عليهم والمراد فلا عقاب عليهم وفسرها بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون أى "لا يمسهم السوء"كما قال بسورة الزمر والخطاب وما بعده للناس وهم بنى آدم.
"والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"المعنى والذين كفروا بأحكامنا أى استعظموا على طاعتها أولئك أهل جهنم هم فيها مقيمون،يبين الله للناس أن الذين كذبوا بآياتنا وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى استعظموا طاعتها والمراد خالفوها أولئك أصحاب النار والمراد هم أهل الجحيم مصداق لقوله بسورة المائدة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم"هم فيها خالدون أى مقيمون والمراد باقون فى النار لا يخرجون منها .
"فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وكذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"المعنى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا وكفر بأحكامه أولئك يصيبهم حظهم من الحكم حتى إذا أتتهم ملائكتنا يميتونهم قالوا أين الذى كنتم تعبدون من سوى الله قالوا بعدوا عنا وأقروا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين لحكم الله،يبين الله لنا أن أظلم الناس وهو أكفرهم هو من افترى على الله كذبا والمراد من نسب إلى حكم الله باطلا وكذب بآياته أى "وكذب بالصدق إذ جاءه"كما قال بسورة الزمر والمراد وكفر بأحكام الله لما وصلته ويبين الله لنا أن أولئك الكفار ينالهم نصيبهم من الكتاب والمراد يأخذون حظهم من الحكم المكتوب لهم فى الكتاب الأعظم وهو عمرهم ورزقهم وعقابهم فى الدنيا حتى إذا جاءتهم رسلنا والمراد حتى إذا أتتهم ملائكة الله يتوفونهم أى يميتونهم قالوا لهم:أين ما كنتم تدعون من دون الله والمراد "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"؟كما قال بسورة الأنعام وهذا يعنى أنهم يقولون أين ما كنتم تعبدون من غير الله لينصروكم فيردوا ضلوا عنا والمراد تبرءوا منا وهذا يعنى أنهم انقلبوا عليهم ضدا فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين والمراد فاعترفوا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين بدين الله كما قال بسورة الملك"فاعترفوا بذنبهم".
"قال ادخلوا فى أمم من قبلكم من الجن والإنس فى النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون"المعنى قال اذهبوا مع فرق مضت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم كلما ولجت فرقة ذمت سابقتها حتى إذا تجمعوا فيها جميعا قالت أخراهم لأسبقهم إلهنا هؤلاء أبعدونا عن الحق فأعطهم عقابا زائدا فى الجحيم قال لكل زيادة ولكن لا تعرفون،يبين الله لنا أنه قال للكفار على لسان الملائكة:ادخلوا فى أمم قد خلت قبلكم من الجن والإنس فى النار والمراد اذهبوا مع فرق قد خلت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم وهذا يعنى أن الكفار يدخلون النار زمر أى جماعات كل أمة تدخل مع بعضها وكل أمة أى فرقة إذا دخلت أى ولجت أى أقامت فى النار لعنت أختها والمراد ذمت سابقتها وهذا يعنى أنهم يشتمون بعضهم على اعتبار أن كل واحدة منها أضلت السابقة عليها ،وإذا اداركوا فيها جميعا والمراد حتى إذا حشروا أى دخلوا فيها كلهم قالت أخراهم وهى المتأخرة زمنيا فى الدنيا لأولاهم وهى أسبق الفرق زمنيا :ربنا أى إلهنا هؤلاء أضلونا والمراد هؤلاء صدونا عن الحق فأتهم عذابا ضعفا فى النار والمراد فزدهم عقابا كثيرا فى السعير مصداق لقوله بسورة ص"فزدهم عذابا ضعفا فى النار" وهذا يعنى أن الأمة الأخرى تعتبر الأولى سبب ضلالها وليس هى ولذا يطلبون من الله زيادة العذاب للأمة الأولى فيرد الله عليهم على لسان الملائكة:لكل ضعف والمراد لكل زيادة والمراد استمرارية فى العقاب ولكن لا تعلمون أى ولكن لا تعرفون هذا وهذا يعنى أن الله حكم على الجميع بعذاب مضاعف أى مستمر.
"قالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون"المعنى قالت أسبقهم لمتأخرتهم فما كان لكم علينا من ميزة فادخلوا العقاب بالذى كنتم تعملون،يبين الله لنا أن الأمة الأولى وهى السابقة فى الزمن قالت للأمة الأخيرة :فما كان لكم علينا من فضل والمراد ليس لكم علينا ميزة تجعلكم تنقصون عنا فى العذاب فنحن سواء فيها كما قالوا بسورة غافر"إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد" وقالوا فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون والمراد فتألموا من العقاب بما كنتم تكفرون مصداق لقوله بسورة الأحقاف"فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"أى تعملون مصداق لقوله بسورة السجدة"وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون".
"إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين"المعنى إن الذين كفروا بأحكامنا أى خالفوها لا تتسع لهم منافذ الرحمة أى لا يسكنون الحديقة حتى يدخل الجمل فى خرم الإبرة وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى خالفوا الأحكام لا تفتح لهم أبواب السماء والمراد لا تتسع لهم منافذ الرحمة وهى الجنة وفسر الله هذا بأنهم لا يدخلون الجنة أى لا يسكنون الحديقة حتى يحدث التالى أن يلج الجمل فى سم الخياط والمراد أن يدخل الجمل من ثقب الإبرة وهو المستحيل ومن ثم لا أمل لهم فى دخول الجنة وبتلك الطريقة وهى دخولهم النار يجزى المجرمين أى يعاقب الكافرين مصداق لقوله بسورة فاطر"كذلك نجزى كل كفور" والخطاب وما قبله وما بعده للناس.
"لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين"المعنى لهم من النار فراش ومن أعلاهم ظلل وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الكفار لهم فى جهنم وهى النار مهاد أى فراش من النار المشتعلة أى ظلل أى قطع من النار ومن فوقهم غواش أى ظلل أى قطع من النار مصداق لقوله بسورة الزمر"لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل "وكذلك نجزى الظالمين أى هكذا يعاقب الله المجرمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى المجرمين".
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "المعنى والذين صدقوا الوحى وفعلوا الحسنات لا نحمل مخلوقا إلا استطاعته أولئك أهل الحديقة هم فيها مقيمون،يبين الله لنا أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات أولئك أصحاب الجنة والمراد سكان الحديقة هم فيها خالدون أى ماكثون أى باقون فيها مصداق لقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"ويبين الله لنا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على مخلوق إلا ما أتاه فى الوحى .
"ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" المعنى وأخرجنا الذى فى نفوسهم من كراهية تسير من أسفلهم العيون وقالوا الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنصل لولا أن أرشدنا الله لقد أتت أنبياء إلهنا بالعدل ونودوا أن تلكما الحديقة ملكتموها بما كنتم تحسنون ،يبين الله لنا أن الله نزع ما فى صدورهم من غل والمراد أن الله أخرج الذى فى نفوس المسلمين من كراهية تجاه بعضهم فأصبحوا إخوانا على سرر متقابلين وهم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير من أسفل أرضهم فى الجنة العيون ذات الأشربة اللذيذة وقال المسلمون:الحمد لله الذى هدانا لهذا والمراد الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله والمراد وما كنا لنصل لها لولا أن أرشدنا الله للحق فاتبعناه ،ويقولون لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمراد لقد أتى مبعوثى إلهنا بالعدل من الله وهذا اعتراف بدين الله ،ويبين لنا أنهم نودوا أى قيل لهم :أن تلكم الجنة أى الحديقة أورثتموها أى ملكتموها بما كنتم تعملون أى بالذى كنتم تسلمون .
"ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون" المعنى وقال أهل الحديقة لأهل السعير أن قد لقينا الذى أخبرنا صدقا فهل لقيتم الذى قال إلهكم صدقا قالوا نعم فنادى مناد بينهم أن غضب الله على الكافرين الذين يردون عن دين الله ويريدونها ظالمة وهم بالقيامة مكذبون،يبين الله لنا أن أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة نادوا أى قالوا لأصحاب النار وهم سكان الجحيم:أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا والمراد لقد لقينا الذى أخبرنا إلهنا صدقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا أى فهل لقيتم الذى أخبركم إلهكم صدقا ؟فقالوا لهم نعم لقد صدقنا وعده فأذن مؤذن بينهم والمراد فنادى ملاك بينهم أن لعنة الله على الظالمين أى غضب الله على الكافرين مصداق لقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين"وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"وقالوا مفسرين من هم الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله والمراد الذين يردون عن دين الله ويبغونها عوجا والمراد ويريدون الدنيا منحرفة أى ظالمة والمراد تحكم بالظلم وهم بالأخرة كافرون أى وهم بالقيامة مكذبون والمراد أنهم لا يؤمنون بها مصداق لقوله بسورة النحل"فالذين لا يؤمنون بالآخرة".
"وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون "المعنى وبينهما حاجز وعلى الأسوار رجال يعلمون كلا بعلاماتهم وخاطبوا أهل الحديقة أن خير لكم لم يسكنوها وهم يتمنون،يبين الله لنا أن بين أهل الجنة وأهل النار حجاب أى حاجز أى سور مصداق لقوله بسورة الحديد"فضرب بينهم بسور"وعلى الأعراف وهى الأسوار الممتدة بين الجنة والنار رجال والمراد ذكور من المسلمين يعرفون كلا بسيماهم والمراد يعلمون كل من الفريق الكافر والفريق المسلم بصفاتهم وهى أعمالهم فنادوا أصحاب الجنة والمراد فخاطبوا أهل الحديقة :أن سلام عليكم أى أن الرحمة لكم ،ولم يدخلوها والمراد ولم يسكن أهل الأسوار الجنة وهم يطمعون أى يتمنون دخولها .
"وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"المعنى وإذا اتجهت أنظارهم جهة أهل السعير قالوا إلهنا لا تدخلنا مع الناس المكذبين،يبين الله لنا أن أهل الأعراف إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار والمراد إذا ذهبت عيونهم ناحية سكان جهنم قالوا :ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين والمراد إلهنا لا تدخلنا مع الناس الكافرين فهم يطلبون إبعادهم عن جهنم.
"ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون"المعنى وخاطب أهل الأسوار ذكورا يعلمونهم بأعمالهم قالوا ما منعت عنكم العقاب فئتكم وما كنتم تكفرون؟،يبين الله لنا أن أصحاب الأعراف وهم أهل الأسوار بين الجنة والنار نادوا رجالا يعرفونهم بسيماهم والمراد خاطبوا ذكورا يعرفوهم من أعمالهم فى الدنيا فقالوا لهم:ما أغنى عنكم جمعكم والمراد ما منعت عنكم فئتكم والذى كنتم تعملون ؟والغرض من القول إخبارنا أن الجماعة والإستكبار لا يفيد بشىء فى الأخرة .
"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"المعنى هل هؤلاء الذين حلفتم لا يدخلهم الله الحديقة ؟اسكنوا الحديقة لا عقاب لكم أى لستم تعذبون،يبين الله لنا أن الله يقول لأهل الأعراف على لسان الملائكة"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينيلهم الله رحمة ؟والمراد هل الرجال الذين ناديتم هم الذين حلفتم لا يدخلهم الله الجنة؟وهذا يعنى أن سبب وجود القوم على الأعراف هو أنهم أقسموا فى الدنيا أن فلان وفلان لا يدخلون الجنة ولذا أجل الله دخولهم الجنة حتى يروهم فى النار ومن ثم يقول لهم ادخلوا الجنة والمراد اسكنوا الحديقة لا خوف عليكم أى لا عقاب عليكم وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون فى النار.
"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"المعنى وخاطب أهل الجحيم أهل الحديقة :أن ابعثوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله قالوا إن الله منعهما على المكذبين،يبين الله لنا أن أصحاب النار وهم سكان جهنم نادوا أى تكلموا مع أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة فقالوا :أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله والمراد أرسلوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله من المتع،وهذا يعنى أنهم يريدون رزق حسن يمتعون به بدلا من الرزق المؤلم فى النار ،فرد أهل الجنة :إن الله حرمهما على الكافرين والمراد إن الله منعهما على المكذبين لدينه وهذا هو قوله بسورة المائدة"إنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار".
"الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون"المعنى الذين جعلوا حكمهم شغلا أى تمتعا أى خدعتهم المعيشة الأولى فاليوم نتركهم كما كذبوا بجزاء يومهم هذا وما كانوا بأحكامنا يكفرون،يبين الله لنا أن الكافرين هم الذين اتخذوا دينهم لهوا أى لعبا والمراد الذين جعلوا ملتهم عبثا أى تمتعا بالدنيا وفسر هذا بأنهم غرتهم الحياة الدنيا والمراد خدعتهم شهواتهم بالمعيشة الأولى ،ويبين لنا أن اليوم وهو يوم القيامة ننساهم أى نتركهم دون رحمة والسبب كما نسوا لقاء يومهم هذا والمراد كما كذبوا بجزاء يوم القيامة وبما كانوا بآياتنا يجحدون والمراد وبالذى كانوا بأحكامنا يكفرون أى يظلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بما كانوا بآياتنا يظلمون "وهذا يعنى أن نسيانهم وهم عدم رحمتهم بسبب تكذيبهم بالقيامة وعصيان حكم الله.
"بسم الله الرحمن الرحيم المص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات وحى أوحى إليك فلا يكن فى نفسك ضيق لتخبر به ونفع للمصدقين ،يبين الله لنبيه(ص)أن اسمه وهو حكمه وهو الرحمن الرحيم أى النافع المفيد قد حكم بالتالى :
أن الوحى هو المص كتاب أنزل إليه والمراد أن الوحى هو آيات أى أحكام وحى قد أوحى إليه من عند الله ،ويطلب الله منه ألا يكن فى صدره حرج والمراد ألا يصبح فى نفسه ضيق من القرآن لأنه سيجلب عليه أذى الناس ويبين له أن عليه أن ينذر به أى يبلغ به الناس والقرآن هو ذكرى للمؤمنين أى للذاكرين مصداق لقوله بسورة هود"ذكرى للذاكرين"وهذا يعنى أن القرآن نفع للمسلمين والخطاب للنبى(ص).
"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون"المعنى أطيعوا ما أوحى إليكم من إلهكم ولا تتخذوا من سواه آلهة قليلا ما تطيعون،يطلب الله من الناس أن يتبعوا ما أنزل لهم من ربهم والمراد أن يطيعوا الذى أوحى لهم من خالقهم وهو ملة إبراهيم(ص)مصداق لقوله بسورة آل عمران"فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا"وفسر هذا بأن لا يتبعوا من دونه أولياء أى لا يطيعوا من سوى حكم الله الأحكام الأخرى والمراد لا يطيعوا أهواء الضالين مصداق لقوله بسورة المائدة"ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا"ويبين لهم أنهم قليلا ما يذكرون أى ما يطيعون حكم الله والمراد قليلا ما يشكرون الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"قليلا ما تشكرون"والخطاب للناس.
"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين"المعنى وكم من أهل بلدة دمرناهم فأتاهم عذابنا ليلا أو وهم مظهرون فما كان قولهم حين أتاهم عذابنا إلا أن قالوا إنا كنا كافرين،يبين الله للناس أن كثير من القرى والمراد أهل البلاد أهلكهم أى دمرهم أى قصمهم مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية"وقد جاءهم البأس والمراد وقد نزل بهم العذاب بياتا أى ليلا وهم نائمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بياتا وهم نائمون" أو نزل بهم وهم قائلون أى وقت الظهر وهو الضحى كما قال بسورة الأعراف"أن يأتيهم بأسنا ضحى"فما كان دعواهم وهو قولهم إذ جاءهم بأسنا والمراد حين نزل بهم عذابنا:إنا كنا ظالمين أى "إنا كنا طاغين"كما قال بسورة القلم والمراد أنهم يعترفون أن العذاب نزل عليهم بسبب ظلمهم والخطاب وما بعده للناس.
"فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين"المعنى فلنحاسبن الذين بعث إليهم ولنحاسبن المبعوثين ولنخبرنهم بمعرفة أى ما كنا غافلين،يبين الله للناس أنه يسأل الذين أرسل إليهم والمراد سيحاسب الذين بعث لهم الرسل(ص)ويسأل المرسلين والمراد ويحاسب الأنبياء(ص)كل حسب عمله وفى هذا قال بسورة الأنعام"ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء"وسوف يقص عليهم بعلم والمراد سوف ينبىء الجميع بمعرفة والمراد سوف يخبر الكل بما عملوا مصداق لقوله بسورة التغابن"لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم"وفسر علمه بأنه ما كان من الغائبين والمراد الغافلين عن معرفة أعمال الخلق .
"والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون"المعنى والحكم يومذاك العدل فمن حسنت أعماله فأولئك هم الفائزون ومن ساءت أعماله فأولئك الذين أهلكوا أنفسهم بالذى كانوا يسيئون،يبين الله للناس أن الوزن وهو الحكم أى الملك مصداق لقوله بسورة الفرقان"والملك يومئذ الحق للرحمن"وهو الأمر لقوله بسورة الإنفطار"والأمر يومئذ لله"فالحكم فى يوم القيامة العدل لله ،ويبين لهم أن من ثقلت موازينه أى من حسنت أى من قبلت أعماله فأولئك هم المفلحون أى "أصحاب الجنة هم الفائزون"كما قال بسورة الحشر وأما من خفت موازينه أى ساءت أى رفضت أعماله أى كفر بآيات الله فأولئك الذين خسروا أى أهلكوا أى ظلموا أنفسهم والسبب ما كانوا بآياتنا يظلمون أى الذى كانوا بأحكام الله يجحدون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"والخطاب للناس .
"ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون"المعنى ولقد حكمناكم فى البلاد أى أعطينا لكم فيها منافع قليلا ما تطيعون الله،يبين الله للناس أنه مكنهم فى الأرض والمراد حكمهم فى بلاد الأرض وفسر هذا بأنه جعل لهم فيها المعايش والمراد خلق لهم فيها المنافع التى يتحكمون فيها وهم قليلا ما يشكرون أى يذكرون أى يطيعون حكم الله وفى هذا قال بسورة الأعراف"قليلا ما تذكرون"والخطاب للناس
"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين"ولقد أبدعناكم ثم عدلناكم ثم قلنا للملائكة أطيعوا آدم(ص)فأطاعوهإلا إبليس لم يكن من المطيعين،يبين الله للناس أنه خلقهم والمراد أنشأ بشر من طين ثم صوره أى نفخ فيه من روحه والمراد وضع فيه الحياة مصداق لقوله بسورة الحجر"وإذا قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين"،ويبين لهم أنه قال للملائكة اسجدوا لآدم(ص)والمراد أطيعوا أدم(ص)أى أقروا لأدم(ص) بالأفضلية فسجدوا أى فأطاعوا أمر الله بتفضيل آدم (ص) على أنفسهم بطاعة أمر آدم(ص) إلا إبليس لم يكن من الساجدين أى لم يكن من المطيعين للأمر والمراد لم يقر لآدم(ص) بالأفضلية فقد استكبر أى كان كافرا مصداق لقوله بسورة البقرة"فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين".
"قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين"المعنى قال ما حملك على ألا تطيع حين طالبتك بالطاعة قال أنا أفضل منه أبدعتنى من نار وأبدعته من طين،يبين الله للناس أن الله سأل إبليس :ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك والمراد ما حملك على ألا تفضل آدم(ص) على نفسك حين طالبتك بالإقرار بأفضليته عليكم والمراد ما السبب الذى جعلك لا تكرم آدم(ص)؟فقال أنا خير أى أحسن منه والسبب أنك خلقتنى أى أنشاتنى من نار وخلقته أى وأنشأته من طين وهذا الرد طبعا يظهر لنا جنون إبليس فهو يوضح أنه أفضل بسبب مادة خلقه التى لم تكن من صنعه ولو عقل وفكر لعرف أن النار هى فى النهاية رماد ومن ثم فهو مخلوق من رماد النار أى التراب وكذلك آدم(ص)ومن ثم فالمادة أصلا واحدة وإن اختلفت صورتها من نوع لأخر.
"قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال انظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين "المعنى قال فاخرج من الجنة فما يحق لك أن تعصى فيها أمرى فابتعد إنك من الأذلاء قال أخرنى إلى يوم يرجعون قال إنك من المؤخرين ليوم البعث،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس"فاهبط منها"والمراد "فاخرج منها "كما قال بسورة ص والمراد ابتعد عن الجنة إلى النار فما يكون لك أن تتكبر فيها والمراد فما يحق لك أن تعصى أمرى فى الجنة فاخرج منها أى فإنزل عنها إنك من الصاغرين أى الرجماء مصداق لقوله بسورة ص"فإنك رجيم"والمراد إنك من الملعونين أى المعذبين فى النار فرد إبليس فقال:انظرنى إلى يوم يبعثون أى أخرنى إلى يوم يعودون فى القيامة مصداق لقوله بسورة الإسراء"لئن أخرتن إلى يوم القيامة"وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يؤجل موته ليوم القيامة والسبب حتى يضل الخلق كما زعم فقال الله له:إنك من المنظرين أى المؤخرين والمراد إنك من الباقين حتى يوم القيامة وهذا يعنى أن إبليس لا يموت سوى فى يوم القيامة ولكنه بالطبع لا يعلم مكان الموت ولا ساعته.
"قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين"المعنى قال فبالذى أبعدتنى لأحرفن لهم دينك العادل ثم لأجيئنهم من أمامهم ومن ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تلق أغلبهم طائعين،يبين الله للناس أن إبليس قال له:فبما أغويتنى والمراد فالبذى أضللتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم والمراد لأحرفن لهم دينك الحق وهذا يعنى أن إبليس أقسم بآدم(ص)على أن يجعل دين الله العادل دين معوج حتى يضل الناس وقال لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم والمراد لأوسوسن لهم فى حاضرهم وفى مستقبلهم وفسر هذا بأنه يأتيهم عن أيمانهم أى فى حاضرهم وعن شمائلهم أى وفى مستقبلهم وهذا يعنى أن تقعيد أى تحريف الصراط المستقيم يكون عن طريق الوسوسة لهم فى وقتهم الحاضر وفى وقتهم المستقبل فالجهات الأربع هنا لا تدل على مكان وإنما تدل على استمرار الشيطان فى الوسوسة للإنسان فى كل وقت حيث يكون معهم فى كل وقت وهذا هو التزيين لهم فى الأرض وفيه قال بسورة الحجر"رب بما أغويتنى لأزينن لهم فى الأرض"ومن ثم قال:ولا تجد أكثرهم شاكرين والمراد ولا تبق معظمهم مطيعين لحكمك والمراد "وأكثرهم للحق كارهون"كما قال بسورة المؤمنون وهو قسم كاذب .
"قال فاخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين"المعنى قال فاهبط منها ملعونا خاذلا من قلدك منهم لأملأن النار منكم كلكم ،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس:فاخرج منها أى اهبط أى ابتعد عن الجنة أى اذهب مصداق لقوله بسورة الإسراء"قال فاذهب مذءوما مدحورا" أى ملعونا خاذلا لمن تبعك أى لمن أطاعك أى لمن قلد عصيانك لى منهم لأملأن جهنم والمراد لأدخلن النار منكم كلكم وهذا يعنى أن إبليس خرج من الجنة ملعونا وهو مدحور أى خاذل من قلدوه من الناس فى عصيان الله وسوف يدخلون النار كلهم .
"ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"المعنى ويا آدم(ص)أقم أنت وامرأتك فى الحديقة فإطعما من حيث أردتما ولا تذوقا هذه الشجرة فتصبحا من الكافرين،يبين الله للناس أنه قال لآدم(ص)يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة والمراد أقم أنت وامرأتك فى الحديقة وهذا يعنى أنه طلب منهما الإقامة فى مكان واحد هو الجنة وقال فكلا من حيث شئتما والمراد فإطعما من حيث أردتما وهذا يعنى أنه طلب منهما أن يأكلا من أى ثمر من ثمار أشجار الجنة إذا اشتهت أنفسهما ذلك وقال ولا تقربا هذه الشجرة والمراد ولا تأكلا من ثمر هذه الشجرة فتكونا من الظالمين أى الكافرين وهذا يعنى أن الله استثنى من أشجار الجنة شجرة محددة حددها للأبوين حتى لا يذوقا ثمرها وقد بين لهم عاقبة أكل ثمرها وهو كونهما من الظالمين أى العصاة وهذا هو أول أحكام الله للبشر .
"فوسوس لهما الشيطان ليبدى ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "المعنى فدعتهما الشهوة لتظهر لهما ما أخفى من عوراتهما وقالت ما منعكما إلهكما عن هذه الثمرة إلا أن تكونا ملوكا أى تصبحا من الباقين ،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس -وليس إبليس لأنه طرد من الجنة من قبل إلى النار -وسوس لهما أى حسن لهما الأكل من الشجرة والسبب أن تبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما والمراد أن تكشف لهما الذى خفى عنهما من عوراتهما ومن هنا نعلم أن جسد الأبوين ينقسم لقسمين فى الجنة الأول السوءة المكشوفة وهى الجزء الظاهر من الجسم والثانى السوءة المغطاة وهى الموراة أى الخفية من الجسم،فقالت لهما الشهوة:ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة والمراد ما منعكما إلهكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين والمراد حتى لا تصبحا من الملوك مصداق لقوله بسورة طه"يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"وفسر لهما هذا بأن يكونا من الخالدين أى الباقين لا يموتون أى لا يبلون وهذا يبين لنا أن الشهوة زعمت للأبوين أن سبب تحريم الشجرة هو أن يصبحا ملوكا أى خالدين وهذا يعنى أنها أطمعت الأبوين فى أمر محبب للنفس وهو الملك أى البقاء دون موت والخطاب وما سبقه وما تلاه من قصة آدم (ص) هو للناس.
"وقاسمهما إنى لكما من الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين" المعنى وحلف لهما إنى لكما من المخلصين فأوقعهما بخداع فلما أكلا الثمرة ظهرت لهما عوراتهما وظلا يقطعان عليهما من ورق الحديقة فأوحى لهما إلههما ألم أمنعكما عن تلكما الثمرة وأقل لكما أن الشهوة لكما كاره ظاهر،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس قاسمهما أى حلفت لهما على الأتى :إنى لكما من الناصحين أى المخلصين وهذه يعنى أن الشهوة بعد أن أطمعت الأبوين فى الخلود وهو الملك أرادت أن تزيد درجة الإطماع فأقسمت بالله على أنها ناصحة مخلصة فكانت النتيجة أن دلاهما بغرور والمراد أوقعهما بخداع وهذا يعنى أن الشهوة أوقعت الأبوين بالخداع الممثل فى القسم الكاذب وقد استجاب الأبوين فذاقا الشجرة أى "فأكلا منها"كما قال بسورة طه وكانت النتيجة أن بدت لهما سواءتهما أى ظهرت للأبوين عوراتهما المغطاة فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة والمراد فاستمرا يقطعان ويرميان عليهما من أوراق شجر الجنة وهى الحديقة حتى يغطيا العورات ومن هنا نعلم أن عورات الأبوين لم تنكشف من قبل فى الجنة،فناداهما ربهما والمراد فأوحى لهما الله:ألم أنهكما عن تلكما الشجرة والمراد ألم أمنع عليكم الأكل من ثمار هذه الشجرة وأقل لكما أن الشيطان وهو الشهوة عدو مبين أى كاره ظاهر ؟والغرض من السؤال تذكير الأبوين بارتكابهما للجريمة وهى العصيان للأمر الإلهى.
"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"المعنى قالا إلهنا أبخسنا أنفسنا وإن لم تعفو عنا أى تفيدنا لنصبحن من المعذبين،يبين الله للناس أن الأبوين قالا ربنا أى إلهنا ظلمنا أنفسنا والمراد نقصنا حق أنفسنا وإن لم تغفر لنا أى ترحمنا أى تعفو عنا أى تفيدنا بالعفو لنكونن من الخاسرين أى المعذبين وهذا يعنى أنهما طلبا المغفرة أى الرحمة من الله لذنبهما حتى لا يصبحا معذبين مثل إبليس فلما قالا أى ألقيا الإستغفار تاب الله عليهما أى غفر لهما مصداق لقوله بسورة البقرة"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه".
"قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"المعنى قال اخرجا بعضكم لبعض كاره ولكم فى البلاد مقام ونفع إلى وقت معلوم لى ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين :اهبطوا أى اخرجوا من الجنة والمراد انزلوا من الجنة للأرض بعضكم لبعض عدو أى كاره وهذا يعنى أن البشر سيكونون كارهين لبعضهم فى المستقبل ولكم فى الأرض مستقر أى مقام والمراد مكان للسكن ومتاع إلى حين ونفع إلى وقت محدد وهذا يعنى أن الأرض هى المكان الوحيد الصالح لإقامة الناس لأن فيها متاعهم أى منافعهم التى يحتاجون إليها حتى اليوم المحدد للقيامة.
"قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون"المعنى قال فيها تعيشون وفيها تتوفون ومنها تبعثون ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين:فيها تحيون أى تعيشون الحياة الأولى وفيها تموتون أى تتوفون أى تنتقلون للحياة فى البرزخ ومنها تخرجون أى تبعثون أى تعودون للحياة فى القيامة .
"يا بنى أدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون"المعنى يا أولاد أدم(ص)قد خلقنا لكم ثوبا يخفى عوراتكم أى ملابس وعمل الطاعة ذلك أفضل ذلك من أحكام الله لعلهم يطيعون،يخاطب الله بنى آدم وهم أولاد آدم(ص)فيقول لهم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سواءتكم أى ريشا والمراد قد أعطينا لكم ثيابا تغطى عوراتكم أى ملابسا،وهذا يعنى أن الله هو الذى علم الناس طريقة صنع اللباس وهو الملبس ووظيفة الملابس هى موارة السوءة وهى تغطية العورة ،وقال لهم ولباس التقوى والمراد وقد أنزلنا لكم عمل الطاعة لحكم الله وهذا يعنى أن الله أوحى للناس أن يعملوا الخير وهو طاعة حكم الله ،ويبين لهم أن ذلك خير أى الطاعة لحكم الله أحسن من عصيان حكمه ،ويبين لهم أن ذلك من آيات الله والمراد أن ما سبق ذكره من أحكام الله ذكرها لعلهم يذكرون أى يطيعون حكم الله .
"يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"المعنى يا أولاد الإنسان لا تخدعنكم الشهوة كما طردت والديكم من الحديقة يخلع عنهما ثيابهما ليشهدهما عوراتهما إنها تعرفكم وشيعتها من حيث لا تعرفونهم إنا خلقنا الشهوات أنصارا للذين لا يصدقون ،يطلب الله من بنى آدم وهم أولاد آدم(ص) ألا يفتنهم الشيطان والمراد ألا تخدعهم شهوات النفس كما أخرج أبويهم من الجنة والمراد كما خدعت والديهم فتسببت فى طردهما من الحديقة حيث ينزع عنهما لباسهما أى حيث تخلع عنهما ثيابهما والسبب ليريهما والمراد لتظهر لهما عوراتهما وهى الأشياء التى خجلا من رؤيتها،ويبين لهم أنه يراهم وقبيله من حيث لا يرونهم والمراد أن الشهوة تعرفهم هى وأنصارها من حيث لا يعرفونها وهذا يعنى أن الشهوات تخدع الإنسان من حيث لا يعرف ولا ينتظر،ويبين الله لهم أنه جعل الشياطين وهى الشهوات أولياء للذين لا يؤمنون والمراد أنصار للذين لا يصدقون حكم الله وهذا يعنى أن الشهوات تناصر صاحبها الكافر بتشجيعه على الكفر.
"وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون"المعنى وإذا صنعوا ذنبا قالوا لقينا عليه آباءنا والله وصانا بعمله قل إن الله لا يوصى بالذنب أتفترون على الله الذى تدرون؟يبين الله للنبى(ص)أن الكفار إذا فعلوا فاحشة والمراد إذا عملوا ذنبا أى جريمة قالوا وجدنا عليها آباءنا والمراد لقيناها فى دين آباءنا والله أمرنا بها والمراد والله وصانا بها وهذا يعنى أنهم ينسبون إباحة الذنوب إلى الله الذى قالها للأباء فى أديانهم ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء والمراد إن الله لا يوصى بالذنوب وهذا يعنى أن الله لا يفرض على الناس عمل الجرائم ويطلب منه أن يسألهم أتقولون على الله ما لا تعلمون والمراد هل تنسبون إلى الله الذى لا تعرفون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم ينسبون لله الباطل وهم يعلمون حقا أنه باطل والخطاب للنبى(ص).
"قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون"المعنى قل أوصى إلهى بالعدل وأسلموا أنفسكم عند كل حكم أى أطيعوه موحدين له الحكم كما خلقكم ترجعون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أمر ربى بالقسط والمراد أوصى إلهى الخلق بالعدل مصداق لقوله بسورة النحل"إن الله يأمر بالعدل"وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد والمراد وأسلموا أنفسكم عند كل حكم وهذا يعنى أن على الخلق أن يستسلموا لأى حكم من الله بطاعة الحكم وفسر هذا بقوله وادعوه مخلصين له الدين والمراد واتبعوه موحدين له الحكم وهذا يعنى أن يخصوا الله وحده بطاعة حكمه ويبين لهم أنه كما بدأهم يعودون والمراد كما خلقهم أول مرة يرجعون عند البعث والخطاب للنبى(ص).
"فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون"المعنى جماعة رحم وجماعة وقع بهم العقاب إنهم جعلوا الشهوات أنصار لهم من سوى الله ويظنون أنهم راشدون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس فريقين فريقا هدى أى جماعة رحمهم الله بإدخالهم الجنة وفريقا حق عليهم الضلالة والمراد وجماعة وجب لهم العذاب وهو دخول النار وفى هذا قال بسورة الشورى"فريق فى الجنة وفريق فى السعير"والسبب فى عذابهم أنهم اتخذوا الشياطين أولياء والمراد أنهم جعلوا لهم آلهة من غير الله هى الشهوات مصداق لقوله بسورة يس"واتخذوا من دون الله آلهة"ولذا يحسبون أنهم مهتدون أى يظنون أنهم محسنون أى أحسنوا العمل مصداق لقوله بسورة الكهف"وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"ومن ثم فهم يعتقدون أنهم مرحومون لو كان فيه قيامة والخطاب للنبى (ص)وهناك جزء محذوف فى أول القول .
"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"المعنى قل يا أولاد الإنسان أدوا طاعتكم لدى كل حكم واطعموا وارتووا ولا تفرطوا إنه لا يرحم المفرطين،يخاطب الله بنى آدم(ص) وهم أولاد الإنسان الأول فيقول :خذوا زينتكم عند كل مسجد والمراد افعلوا واجبكم لدى كل حكم وأخذ الزينة هو أخذ ما أتاهم الرسول(ص) وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الحشر"وما أتاكم الرسول فخذوه"وهذا يعنى طاعة كل حكم يأتى به ويطلب منهم فيقول كلوا أى اطعموا الطعام واشربوا أى ارتووا من الأشربة ولا يسرفوا أى لا يفرطوا فى طاعة حكم الله ويبين لهم أنه لا يحب المسرفين وهم الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم من يفرط فى طاعته .
"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين أمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون "المعنى قل من منع رزق الله الذى أباح لخلقه أى المباحات من النفع قل هى للذين صدقوا فى الحياة الأولى مسعدة يوم البعث كذلك نبين الأحكام لناس يعرفون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل للناس :من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والمراد من منع رزق الله الذى حلل لخلقه أى الطيبات من الرزق والمراد من منع النافعات من العطاء؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن من يحرم ما حلل الله من الرزق هو كافر مكذب بدين الله،ويطلب منه أن يقول لهم :هى أى الطيبات من الرزق للذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى خالصة أى مسعدة أى ممتعة لهم دون أى أذى فيها فى يوم القيامة وهو يوم البعث وهذا يعنى أن متاع الدنيا هو نفسه متاع الآخرة ولكنه ليس فيه أى شىء يؤذيهم كما فى الدنيا،ويبين لهم أنه كذلك يفصل الآيات لقوم يعلمون أى "كذلك يبين الله لكم آياته"كما قال بسورة البقرة والمراد بإبلاغ الوحى لهم يبين لهم الأحكام لناس يفهمون فيطيعونها والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.
"قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"المعنى قل إنما منع إلهى الذنوب ما أعلن منها وما أخفى أى الذنوب أى العمل بغير العدل أى أن تعبدوا مع الله الذى لم يوحى به حكما يبيحه أى أن تنسبوا إلى الله الذى حقا تدرون أنه الباطل،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للناس إنما حرم ربى والمراد لقد منع إلهى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والمراد الإثم ما أعلن منه وما أخفى مصداق لقوله بسورة الأنعام"وذروا ظاهر الإثم وباطنه"وما ظهر تعنى ارتكاب الذنب أمام الناس وما بطن تعنى ارتكاب الإثم بعيدا عن عيون الناس وفسر الله الفواحش بأنها الإثم وفسره بأنه البغى بغير الحق أى التكبر فى البلاد بالظلم مصداق لقوله بسورة الحجر"الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق "والمراد العمل بغير شرع الله وهو العدل وفسره بأنه أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والمراد وأن تطيعوا مع حكم الله الذى لم يوحى فيه حكما يبيح طاعته وفسره بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون والمراد أن يفتروا على الله الذى يعرفون أنه الكذب ويعملون به ولا فيما ما لا يعلمون تعنى حقا أى الذى حقا يعرفون،والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"المعنى لكل جماعة موعد فإذا أتى موعدهم لا يستأجلون وقتا ولا يسبقون ،يبين الله لنبيه(ص)أن لكل أمة أجل والمراد لكل فرد فى الجماعة موعد محدد للموت فإذا جاء أجلهم والمراد إذا أتى موعد موتهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والمراد لا يموتون بعد الموعد المحدد بوقت ولا يموتون قبل الموعد المحدد بوقت وإنما الهلاك يكون فى الموعد المحدد لا قبله ولا بعده.
"يا بنى آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "المعنى يا أولاد الإنسان إما يجيئكم مبعوثين منكم يبلغون لكم أحكامى فمن أطاع أى اتبع فلا عقاب عليهم أى لا يعذبون ،يخاطب الله بنى آدم(ص)وهم أولاد الإنسان فيقول:إما يأتينكم رسل منكم والمراد إما يجيئكم مبعوث من البشر يقصون عليكم آياتى أى "يتلون عليكم آيات ربكم"كما قال بسورة الزمر والمراد يبلغون لكم أحكامى وحيى فمن اتقى أى أصلح أى "فمن تبع هداى "كما قال بسورة البقرة والمراد فمن أطاع أى اتبع أحكامى فلا خوف عليهم والمراد فلا عقاب عليهم وفسرها بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون أى "لا يمسهم السوء"كما قال بسورة الزمر والخطاب وما بعده للناس وهم بنى آدم.
"والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"المعنى والذين كفروا بأحكامنا أى استعظموا على طاعتها أولئك أهل جهنم هم فيها مقيمون،يبين الله للناس أن الذين كذبوا بآياتنا وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى استعظموا طاعتها والمراد خالفوها أولئك أصحاب النار والمراد هم أهل الجحيم مصداق لقوله بسورة المائدة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم"هم فيها خالدون أى مقيمون والمراد باقون فى النار لا يخرجون منها .
"فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وكذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"المعنى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا وكفر بأحكامه أولئك يصيبهم حظهم من الحكم حتى إذا أتتهم ملائكتنا يميتونهم قالوا أين الذى كنتم تعبدون من سوى الله قالوا بعدوا عنا وأقروا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين لحكم الله،يبين الله لنا أن أظلم الناس وهو أكفرهم هو من افترى على الله كذبا والمراد من نسب إلى حكم الله باطلا وكذب بآياته أى "وكذب بالصدق إذ جاءه"كما قال بسورة الزمر والمراد وكفر بأحكام الله لما وصلته ويبين الله لنا أن أولئك الكفار ينالهم نصيبهم من الكتاب والمراد يأخذون حظهم من الحكم المكتوب لهم فى الكتاب الأعظم وهو عمرهم ورزقهم وعقابهم فى الدنيا حتى إذا جاءتهم رسلنا والمراد حتى إذا أتتهم ملائكة الله يتوفونهم أى يميتونهم قالوا لهم:أين ما كنتم تدعون من دون الله والمراد "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"؟كما قال بسورة الأنعام وهذا يعنى أنهم يقولون أين ما كنتم تعبدون من غير الله لينصروكم فيردوا ضلوا عنا والمراد تبرءوا منا وهذا يعنى أنهم انقلبوا عليهم ضدا فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين والمراد فاعترفوا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين بدين الله كما قال بسورة الملك"فاعترفوا بذنبهم".
"قال ادخلوا فى أمم من قبلكم من الجن والإنس فى النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون"المعنى قال اذهبوا مع فرق مضت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم كلما ولجت فرقة ذمت سابقتها حتى إذا تجمعوا فيها جميعا قالت أخراهم لأسبقهم إلهنا هؤلاء أبعدونا عن الحق فأعطهم عقابا زائدا فى الجحيم قال لكل زيادة ولكن لا تعرفون،يبين الله لنا أنه قال للكفار على لسان الملائكة:ادخلوا فى أمم قد خلت قبلكم من الجن والإنس فى النار والمراد اذهبوا مع فرق قد خلت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم وهذا يعنى أن الكفار يدخلون النار زمر أى جماعات كل أمة تدخل مع بعضها وكل أمة أى فرقة إذا دخلت أى ولجت أى أقامت فى النار لعنت أختها والمراد ذمت سابقتها وهذا يعنى أنهم يشتمون بعضهم على اعتبار أن كل واحدة منها أضلت السابقة عليها ،وإذا اداركوا فيها جميعا والمراد حتى إذا حشروا أى دخلوا فيها كلهم قالت أخراهم وهى المتأخرة زمنيا فى الدنيا لأولاهم وهى أسبق الفرق زمنيا :ربنا أى إلهنا هؤلاء أضلونا والمراد هؤلاء صدونا عن الحق فأتهم عذابا ضعفا فى النار والمراد فزدهم عقابا كثيرا فى السعير مصداق لقوله بسورة ص"فزدهم عذابا ضعفا فى النار" وهذا يعنى أن الأمة الأخرى تعتبر الأولى سبب ضلالها وليس هى ولذا يطلبون من الله زيادة العذاب للأمة الأولى فيرد الله عليهم على لسان الملائكة:لكل ضعف والمراد لكل زيادة والمراد استمرارية فى العقاب ولكن لا تعلمون أى ولكن لا تعرفون هذا وهذا يعنى أن الله حكم على الجميع بعذاب مضاعف أى مستمر.
"قالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون"المعنى قالت أسبقهم لمتأخرتهم فما كان لكم علينا من ميزة فادخلوا العقاب بالذى كنتم تعملون،يبين الله لنا أن الأمة الأولى وهى السابقة فى الزمن قالت للأمة الأخيرة :فما كان لكم علينا من فضل والمراد ليس لكم علينا ميزة تجعلكم تنقصون عنا فى العذاب فنحن سواء فيها كما قالوا بسورة غافر"إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد" وقالوا فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون والمراد فتألموا من العقاب بما كنتم تكفرون مصداق لقوله بسورة الأحقاف"فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"أى تعملون مصداق لقوله بسورة السجدة"وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون".
"إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين"المعنى إن الذين كفروا بأحكامنا أى خالفوها لا تتسع لهم منافذ الرحمة أى لا يسكنون الحديقة حتى يدخل الجمل فى خرم الإبرة وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى خالفوا الأحكام لا تفتح لهم أبواب السماء والمراد لا تتسع لهم منافذ الرحمة وهى الجنة وفسر الله هذا بأنهم لا يدخلون الجنة أى لا يسكنون الحديقة حتى يحدث التالى أن يلج الجمل فى سم الخياط والمراد أن يدخل الجمل من ثقب الإبرة وهو المستحيل ومن ثم لا أمل لهم فى دخول الجنة وبتلك الطريقة وهى دخولهم النار يجزى المجرمين أى يعاقب الكافرين مصداق لقوله بسورة فاطر"كذلك نجزى كل كفور" والخطاب وما قبله وما بعده للناس.
"لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين"المعنى لهم من النار فراش ومن أعلاهم ظلل وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الكفار لهم فى جهنم وهى النار مهاد أى فراش من النار المشتعلة أى ظلل أى قطع من النار ومن فوقهم غواش أى ظلل أى قطع من النار مصداق لقوله بسورة الزمر"لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل "وكذلك نجزى الظالمين أى هكذا يعاقب الله المجرمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى المجرمين".
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "المعنى والذين صدقوا الوحى وفعلوا الحسنات لا نحمل مخلوقا إلا استطاعته أولئك أهل الحديقة هم فيها مقيمون،يبين الله لنا أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات أولئك أصحاب الجنة والمراد سكان الحديقة هم فيها خالدون أى ماكثون أى باقون فيها مصداق لقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"ويبين الله لنا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على مخلوق إلا ما أتاه فى الوحى .
"ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" المعنى وأخرجنا الذى فى نفوسهم من كراهية تسير من أسفلهم العيون وقالوا الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنصل لولا أن أرشدنا الله لقد أتت أنبياء إلهنا بالعدل ونودوا أن تلكما الحديقة ملكتموها بما كنتم تحسنون ،يبين الله لنا أن الله نزع ما فى صدورهم من غل والمراد أن الله أخرج الذى فى نفوس المسلمين من كراهية تجاه بعضهم فأصبحوا إخوانا على سرر متقابلين وهم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير من أسفل أرضهم فى الجنة العيون ذات الأشربة اللذيذة وقال المسلمون:الحمد لله الذى هدانا لهذا والمراد الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله والمراد وما كنا لنصل لها لولا أن أرشدنا الله للحق فاتبعناه ،ويقولون لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمراد لقد أتى مبعوثى إلهنا بالعدل من الله وهذا اعتراف بدين الله ،ويبين لنا أنهم نودوا أى قيل لهم :أن تلكم الجنة أى الحديقة أورثتموها أى ملكتموها بما كنتم تعملون أى بالذى كنتم تسلمون .
"ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون" المعنى وقال أهل الحديقة لأهل السعير أن قد لقينا الذى أخبرنا صدقا فهل لقيتم الذى قال إلهكم صدقا قالوا نعم فنادى مناد بينهم أن غضب الله على الكافرين الذين يردون عن دين الله ويريدونها ظالمة وهم بالقيامة مكذبون،يبين الله لنا أن أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة نادوا أى قالوا لأصحاب النار وهم سكان الجحيم:أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا والمراد لقد لقينا الذى أخبرنا إلهنا صدقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا أى فهل لقيتم الذى أخبركم إلهكم صدقا ؟فقالوا لهم نعم لقد صدقنا وعده فأذن مؤذن بينهم والمراد فنادى ملاك بينهم أن لعنة الله على الظالمين أى غضب الله على الكافرين مصداق لقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين"وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"وقالوا مفسرين من هم الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله والمراد الذين يردون عن دين الله ويبغونها عوجا والمراد ويريدون الدنيا منحرفة أى ظالمة والمراد تحكم بالظلم وهم بالأخرة كافرون أى وهم بالقيامة مكذبون والمراد أنهم لا يؤمنون بها مصداق لقوله بسورة النحل"فالذين لا يؤمنون بالآخرة".
"وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون "المعنى وبينهما حاجز وعلى الأسوار رجال يعلمون كلا بعلاماتهم وخاطبوا أهل الحديقة أن خير لكم لم يسكنوها وهم يتمنون،يبين الله لنا أن بين أهل الجنة وأهل النار حجاب أى حاجز أى سور مصداق لقوله بسورة الحديد"فضرب بينهم بسور"وعلى الأعراف وهى الأسوار الممتدة بين الجنة والنار رجال والمراد ذكور من المسلمين يعرفون كلا بسيماهم والمراد يعلمون كل من الفريق الكافر والفريق المسلم بصفاتهم وهى أعمالهم فنادوا أصحاب الجنة والمراد فخاطبوا أهل الحديقة :أن سلام عليكم أى أن الرحمة لكم ،ولم يدخلوها والمراد ولم يسكن أهل الأسوار الجنة وهم يطمعون أى يتمنون دخولها .
"وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"المعنى وإذا اتجهت أنظارهم جهة أهل السعير قالوا إلهنا لا تدخلنا مع الناس المكذبين،يبين الله لنا أن أهل الأعراف إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار والمراد إذا ذهبت عيونهم ناحية سكان جهنم قالوا :ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين والمراد إلهنا لا تدخلنا مع الناس الكافرين فهم يطلبون إبعادهم عن جهنم.
"ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون"المعنى وخاطب أهل الأسوار ذكورا يعلمونهم بأعمالهم قالوا ما منعت عنكم العقاب فئتكم وما كنتم تكفرون؟،يبين الله لنا أن أصحاب الأعراف وهم أهل الأسوار بين الجنة والنار نادوا رجالا يعرفونهم بسيماهم والمراد خاطبوا ذكورا يعرفوهم من أعمالهم فى الدنيا فقالوا لهم:ما أغنى عنكم جمعكم والمراد ما منعت عنكم فئتكم والذى كنتم تعملون ؟والغرض من القول إخبارنا أن الجماعة والإستكبار لا يفيد بشىء فى الأخرة .
"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"المعنى هل هؤلاء الذين حلفتم لا يدخلهم الله الحديقة ؟اسكنوا الحديقة لا عقاب لكم أى لستم تعذبون،يبين الله لنا أن الله يقول لأهل الأعراف على لسان الملائكة"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينيلهم الله رحمة ؟والمراد هل الرجال الذين ناديتم هم الذين حلفتم لا يدخلهم الله الجنة؟وهذا يعنى أن سبب وجود القوم على الأعراف هو أنهم أقسموا فى الدنيا أن فلان وفلان لا يدخلون الجنة ولذا أجل الله دخولهم الجنة حتى يروهم فى النار ومن ثم يقول لهم ادخلوا الجنة والمراد اسكنوا الحديقة لا خوف عليكم أى لا عقاب عليكم وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون فى النار.
"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"المعنى وخاطب أهل الجحيم أهل الحديقة :أن ابعثوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله قالوا إن الله منعهما على المكذبين،يبين الله لنا أن أصحاب النار وهم سكان جهنم نادوا أى تكلموا مع أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة فقالوا :أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله والمراد أرسلوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله من المتع،وهذا يعنى أنهم يريدون رزق حسن يمتعون به بدلا من الرزق المؤلم فى النار ،فرد أهل الجنة :إن الله حرمهما على الكافرين والمراد إن الله منعهما على المكذبين لدينه وهذا هو قوله بسورة المائدة"إنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار".
"الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون"المعنى الذين جعلوا حكمهم شغلا أى تمتعا أى خدعتهم المعيشة الأولى فاليوم نتركهم كما كذبوا بجزاء يومهم هذا وما كانوا بأحكامنا يكفرون،يبين الله لنا أن الكافرين هم الذين اتخذوا دينهم لهوا أى لعبا والمراد الذين جعلوا ملتهم عبثا أى تمتعا بالدنيا وفسر هذا بأنهم غرتهم الحياة الدنيا والمراد خدعتهم شهواتهم بالمعيشة الأولى ،ويبين لنا أن اليوم وهو يوم القيامة ننساهم أى نتركهم دون رحمة والسبب كما نسوا لقاء يومهم هذا والمراد كما كذبوا بجزاء يوم القيامة وبما كانوا بآياتنا يجحدون والمراد وبالذى كانوا بأحكامنا يكفرون أى يظلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بما كانوا بآياتنا يظلمون "وهذا يعنى أن نسيانهم وهم عدم رحمتهم بسبب تكذيبهم بالقيامة وعصيان حكم الله.