"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا"فيضلونكم تعنى يريدون ردكم كفارا وقوله بسورة الأنعام "وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون "وقوله بسورة البقرة "ولكن لا يعلمون"فيضلون أنفسهم تعنى يهلكون أنفسهم ويشعرون تعنى يعلمون والمعنى أحبت جماعة من أصحاب الوحى السابق أن يردوكم عن إسلامكم وما يؤذون إلا أنفسهم وهم يعلمون أنهم يؤذون أنفسهم ،يبين الله أن طائفة من أهل الكتاب والمراد أن فريق من أصحاب الوحى السابق ودوا لو يضلوننا والمراد أرادوا لو يردونا عن دين الله ولكنهم فى الحقيقة يضلون أنفسهم والمراد يبعدون ذواتهم عن دين الله وهم لا يشعرون أى وهم يعلمون أنهم يؤذون أنفسهم بهذا رغم أنهم يضحكون على أنفسهم بأنهم مصلحون وليسوا مفسدين والخطاب للمؤمنين .
"يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون"يفسر الآية قوله بعدها"يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"فتكفرون تعنى تلبسون وآيات الله هى الحق المكتوم وتشهدون تعنى تعلمون ومعنى الآيتين يا أصحاب الوحى السابق لم تكذبون بأحكام الله وأنتم تعرفون الحق أى يا أصحاب الوحى السابق لماذا تخلطون العدل بالظلم أى تخفون العدل وأنتم تعرفون الحق وعقاب مخالفيه؟ يبين الله بسؤاله لأهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم يكفرون بآيات الله أى يلبسون الحق بالباطل أى يخلطون آيات الله بآيات الشهوات أى يكتمون الحق وهذا يعنى أنهم يكذبون أحكام الله وهم يشهدون أى يعلمون الحق ووجوب طاعته وعقاب من يخالفه وبألفاظ أخرى يثبت لهم أنهم قد كفروا رغم علمهم بالحق والخطاب لأهل الكتاب.
"وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا أخره لعلهم يرجعون "المعنى وقال فريق من أصحاب الوحى السابق لبعضهم :صدقوا بالذى أوحى للذين صدقوا بمحمد(ص)أول اليوم وكذبوا به نهايته لعلهم يرتدون،يبين الله للمؤمنين أن طائفة من أهل الكتاب والمراد جماعة من أصحاب الوحى السابق قالوا لبعض منهم :آمنوا بالذى أنزل على الذين أمنوا والمراد صدقوا بالقرآن الذى أوحى للذين صدقوا بمحمد(ص)وجه النهار أى أول اليوم واكفروا أخره أى وكذبوا به نهاية النهار وبينوا لهم سبب الإيمان ثم الكفر وهو أن يرجعوا والمراد أن يرتد المسلمين عن الإسلام والغرض من المكيدة هو أن المسلمين سيفكرون ويقولون ليس هذا بدين الله لأن أهل الكتاب ارتدوا عنه لما وجدوه دين أخر غير دين الله ومن ثم يرتدون عنه والخطاب للنبى (ص)هو وما بعده .
"ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن هدى الله هو الهدى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"قالوا نؤمن بما أنزل علينا"فدينهم هو ما أنزل عليهم كما زعموا وقوله بسورة آل عمران "إن الدين عند الله الإسلام"فهدى الله هو الإسلام وقوله بسورة آل عمران"بيدك الخير "فالفضل هو الخير والمعنى قالوا ولا تصدقوا إلا لمن أطاع حكمكم قل يا محمد(ص) إن دين الله هو الإسلام وقالوا إن الله لن يعطى أحد شبه الدين الذى أعطيتم أو يجادلوكم لدى إلهكم قل إن الخير بأمر الله يعطيه من يريد والله غنى خبير،يبين الله لرسوله (ص)ولنا أن أهل الكتاب قالوا لبعضهم :ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم والمراد ولا تصدقوا سوى من أطاع حكمكم وهذا يعنى أنهم يطلبون من بعضهم ألا يطيعوا إلا من كان على دينهم وطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لهم إن هدى أى دين الله هو الإسلام وليس دينكم ويبين لنا أنهم قالوا لبعضهم :أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم والمراد إن الله لن يعطى أحد شبه الدين الذى أعطاه لكم وهذا يعنى اعتقادهم أن وحى الله الأخير هو الذى نزل عليهم وقوله :أو يحاجوكم عند ربكم والمراد كما بسورة البقرة"أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم "أى ولا تحدثوا المسلمين بالذى أعطاه لكم حتى لا يجادلوكم به لدى إلهكم وهذا القول يبين لنا أنهم يعتقدون أن الله جاهل لا يعرف أقوالهم وأعمالهم ويطلب الله من رسوله(ص)أن يرد عليهم فيقول:إن الفضل بيد الله والمراد إن الخير وهو الوحى الإلهى ينزل بأمر الله يؤتيه من يشاء أى ينزله على من يريد والله واسع أى غنى عليم أى خبير بكل شىء والغرض من الرد هو إخبارهم بكذب أقوالهم وأن الوحى ليس حكر عليهم
"يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده"فرحمته هى فضله وقوله بسورة الأنعام"ذو رحمة واسعة"فالفضل العظيم هو الرحمة الواسعة والمعنى يعطى الوحى من يريد والله صاحب الرحمة الواسعة ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لأهل الكتاب:يختص برحمته من يشاء أى يعطى حكمه لمن يريد وهذا يعنى أن الله هو الذى اختاره للرسالة وليس هو ،والله ذو الفضل العظيم أى صاحب الرحمة الكبرى لمن اتبع دينه .
"ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يرده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المائدة "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب"يقولون تعنى يفترون والمعنى ومن أصحاب الوحى السابق من إن تعطه قنطار أمانة يرده لك عند طلبه ومنهم من إن تعطه دينار أمانة لا يرده لك عند طلبه إلا ما ظللت له مطالبا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى أذى الأخرين عقاب ويفترون على الله الباطل وهم يعرفون عقاب ذلك ،يبين الله لرسوله (ص)أن من أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق فريق منهم من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك والمراد من إن تعطه مالا كثيرا أمانة يردها لك عند طلبها ومنهم من إن تأمنه بدينار أى من تعطه مالا قليلا أمانة لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما والمراد لا يرد الأمانة لك إلا إذا ظللت له مطالبا برد الأمانة أى مكررا الطلب كثيرا حتى يتعب هو من طلبك لها فيعطيها لك والسبب فى فعلهم هذا هو قولهم :ليس علينا فى الأميين سبيل والمراد ليس علينا فى إيذاء الأمم الأخرى عقاب وهذا يعنى أنهم يطبقون ما زعموا أن الله أنزله عليهم وهو أن لا عقاب عليهم فى أذى الأخرين وهم بهذا يقولون على الله الكذب والمراد ينسبون إلى الله الباطل الذى لم ينزله عليهم وهم يعلمون أى يعرفون عقوبة من ينسب الباطل لله ،والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الفتح"ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما "فحب الله هو أجره العظيم وقوله بسورة آل عمران"إن الله يحب المحسنين"فالمتقين هم المحسنين والمعنى حقا من أتم ميثاق الله أى أطاع الله فإن الله يرحم المسلمين ،يبين الله لنا أن الجنة هى لمن أوفى بعهده أى أتم ميثاق الله أى اتقى أى أطاع دين الله وفسر هذا بأنه يحب المتقين أى يرحم المطيعين لدينه بإدخالهم الجنة ،والآية محذوف أولها وهو سؤال معناه هل الجنة للموفين بعهدهم أى المتقين؟.
"إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم فى الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"فعهد الله أى أيمانهم هو الهدى والثمن القليل هو الضلالة وقوله بسورة الشورى "وما له فى الآخرة من نصيب"فالخلاق هو النصيب وقوله بسورة فاطر"لهم عذاب شديد"والمعنى إن الذين يتركون دين الله أى ميثاقهم مع الله ويأخذون متاعا فانيا أولئك لا نصيب لهم فى الجنة أى لا يرحمهم الله أى لا يرأف بهم الله يوم البعث أى لا يطهرهم أى لهم عقاب شديد ،يبين الله لنا أن الذين يشترون بعهد الله وهم الذين يتركون طاعة دين الله أى أيمانهم وهو ميثاقهم مع الله ويأخذوا بدلا منه ثمنا قليلا أى متاعا فانيا هو متاع الدنيا لا خلاق لهم فى الأخرة والمراد لا مكان لهم فى الجنة وفسر هذا بأن الله لا يكلمهم أى لا يرحمهم وفسر هذا بأنه لا ينظر لهم يوم القيامة أى لا يرأف بهم يوم البعث وفسر هذا بأنه لا يزكيهم أى لا يعفو عن ذنوبهم وفسر هذا بأن لهم عذاب أليم أى عقاب شديد هو النار ،والآية رد على سؤال معناه من ليس لهم نصيب فى الأخرة والخطاب للنبى(ص).
"وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "فلى الألسن بالكتاب هو كتابة الكتاب بالأيدى وقوله بسورة المائدة "ويفترون على الله الكذب"فيقولون تعنى يفترون والمعنى وإن منهم جماعة يحرفون بكلامهم الوحى لتظنوه من الوحى وما هو من الوحى ويقولون هو من لدى الله وما هو من لدى الله ويفترون على الله الباطل وهم يعرفون عقاب ذلك،يبين الله للمؤمنين أن من أهل الكتاب فريق أى جماعة تفعل التالى :تلوى ألسنتها بالكتاب أى تحرف بكلامها كلام الله والسبب حتى يحسبه المؤمنون من الكتاب والمراد حتى يظنه المسلمون من كلام الله فيعملوا به فيضلوا عن دين الله وما هو من الله أى وليس هو من كلام الله ويقول الكتابيون عنه:هو من عند أى كلام الله المنزل وما هو من عند أى ليس كلام الله المنزل والكتابيون يقولون على الله الكذب والمراد ينسبون إلى الله الباطل وهو يعلمون أى يعرفون عقاب من يفعل هذا الفعل والخطاب للمؤمنين.
"ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الصف"كونوا أنصار الله"فعباد الله هم أنصاره والمعنى ما كان لإنسان أن يعطيه الله الوحى أى الحكمة أى النعمة ثم يقول للخلق أصبحوا مطيعين لى من دون الله ولكن أصبحوا مطيعين لله بالذى كنتم تعرفون من الوحى أى بالذى كنتم تحفظون ،يبين الله للناس أن ليس لبشر أى إنسان أتاه أى أعطاه الله الكتاب أى الحكم أى النبوة وهو وحى الله أن يقول للناس وهم الخلق:كونوا عبادا لى من دون الله والمراد أصبحوا مطيعين لحكمى أنا ولا تطيعوا حكم الله ومن ثم فلم يقل هذا عيسى(ص)ولا غيره من الرسل(ص)وإنما كانوا يقولون للناس:كونوا ربانيين أى أصبحوا عبيدا لله أى مطيعين لحكم الله بما كنتم تعلمون الكتاب أى بالذى كنتم تعرفون من الوحى الإلهى أى بما كنتم تدرسون أى بالذى كنتم تحفظون من الوحى الإلهى والخطاب للناس وما بعده.
"ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون"المعنى ولا يطالبكم أن تجعلوا الملائكة والرسل(ص)آلهة تطاع هل يطالبكم بالعصيان بعد إذ أنتم مطيعون لحكم الله ،يبين الله لنا أن أى نبى(ص)لا يمكن أن يأمرهم أى يدعوهم إلى إتخاذ الملائكة والنبيين أرباب والمراد إلى عبادة الملائكة والرسل(ص)آلهة من دون الله ،ويسألهم :أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون والمعنى هل النبى يدعوكم لتكذيب حكم الله بعد إذ أنتم مصدقون به مطيعون له ؟والغرض من السؤال هو إثبات استحالة دعوة النبى أى نبى الناس للكفر بعد إسلامهم والسبب كون ذلك سيجعله مجنون لأنه يدعو للشىء ونقيضه ومن ثم فأى نبى يعرف ذلك ومن ثم فهو لن يدعو للكفر بعد أن دعا للإسلام لأنه مصيره ساعتها هو العقاب الدنيوى وبعده النار.
"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "المعنى وقد فرض الله عهد الرسل(ص)لما أعطيتكم من وحى أى حكم ثم أتاكم مبعوث مؤمن بما عندكم لتصدقن به ولتؤيدنه قال هل اعترفتم وأخذتم على هذا عهدى قالوا اعترفنا قال فأقروا وأنا معكم من المقرين ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق النبيين والمراد فرض عهد على الرسل(ص)وهذا العهد تم أخذه على كل رسول فى عصره ولم يؤخذ جماعيا لإختلاف عصور الرسل(ص) والعهد المأخوذ هو أن الله سألهم هل إذا أتيتكم أى أعطيتكم الكتاب وهو الحكمة وهو الوحى ثم أتاكم رسول مصدق والمراد مؤمن بما معكم أى مؤمن بما عندكم من الوحى هل ستؤمنون به وتنصرونه أى هل ستصدقون برسالته وتؤيدونه؟وقد سأل الله على لسان الملائكة كل بمفرده فى عصره :هل اعترفتم ورضيتم على الإيمان به ونصره فى ميثاقى ؟فأجابوا :أقررنا أى وافقنا أى اعترفنا أى رضينا بذلك وهذا يعنى أن كل الرسل(ص)صدقوا برسالة محمد(ص)أى آمنوا به قبل بعثته وهذا يعنى أن محمد(ص)مذكور فى كل كتب الوحى منذ أول كتاب نزل على أدم(ص)،ويبين الله لنا أنه طلب من الرسل(ص)الشهادة وهى الإقرار بالعلم بأمر محمد(ص)ثم بين لهم أنه من الشاهدين أى العلماء بالأمر معهم والخطاب وما بعده للناس .
"فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون"فتولى تعنى يكفر والفاسقون تعنى الخاسرون والمعنى فمن كفر بعد هذا فأولئك هم الخاسرون،يبين الله لنا أنه قال للرسل(ص):من تولى بعد ذلك والمراد من كفر بعد الميثاق فأولئك هم المعذبون أى الذين يستحقون دخول النار .
"أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة"أفحكم الجاهلية يبغون"فغير دين الله هو الجاهلية وقوله بسورة الرعد"ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها"فأسلم تعنى سجد وقوله بسورة العنكبوت"وإليه تقلبون"فيرجعون تعنى يقلبون والمعنى أسوى حكم الله يريدون وله سجد من فى السموات والأرض رضا وجبرا إلا من كفر وإليه تعودون ؟يبين الله لنا أن الكفار يبغون غير دين الله والمراد يريدون طاعة حكم سوى حكم الله وهو حكم الجاهلية مع أن كل من فى السموات والأرض قد أسلم له أى أطاع حكم الله سواء طوعا أى رغبة منهم فى الطاعة أو كرها أى جبرا بسبب خوفهم منه عدا من كفر وهم من حق عليهم العذاب فى قوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب " والجميع إليه يرجعون أى إلى جزاء الله يعودون ثوابا أو عقابا والخطاب للنبى(ص)وما بعده ومحذوف منه ما معناه أسلموا أى كل المخلوقات إلا من كفر .
"قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"يفسر الجزء الأخير قوله بسورة البقرة"ونحن له عابدون "فمسلمون تعنى عابدون والمعنى قل يا محمد صدقنا بحكم الله أى ما أوحى إلينا وما أوحى إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاد يعقوب والذى أوحى لموسى وعيسى والرسل عليهم الصلاة والسلام من إلههم لا نميز بين أحد منهم ونحن له مطيعون ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للناس :آمنا بالله أى صدقنا بوحى الله وفسره الله بأنه ما أنزل علينا أى الذى أوحى للمسلمين فى عهد محمد(ص)وما أنزل أى أوحى لكل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهو أولاد يعقوب عليهم الصلاة والسلام وما أوتى أى والذى أوحى لموسى وعيسى والنبيون وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ،ويبين للناس أن المسلمين لا يفرقون بين أحد من رسل الله والمراد لا يؤمنون ببعض منهم ويكفرون بالبعض الأخر وإنما يؤمنون بهم كلهم وهم لله مسلمون أى مطيعون لحكم الله .
"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار"فإبتغاء دين غير دين الله هو الشرك بالله وكونه من الخاسرين فى الآخرة يعنى حرمانه من الجنة ودخوله النار والمعنى ومن يتخذ سوى الإسلام حكما يطاع فلن يرضى عنه وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله لنا أن الذى يعتنق أى يطيع دين سوى دين أى حكم الإسلام فى الدنيا لن يقبله الله منه والمراد لن يرضاه الله أى لن يأخذ منه عمله المبنى على هذا الدين وهذا المعتنق لغير الإسلام سيكون فى الآخرة وهى القيامة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار والخطاب للنبى(ص).
"كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المنافقون"إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله "فقولهم :نشهد إنك لرسول الله هو شهادتهم أن الرسول حق وقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين"فالظالمين هم الكافرين والمعنى كيف يرحم الله ناسا كذبوا بعد تصديقهم وأقروا أن النبى عدل وأتاهم الحق والله لا يرحم الناس الكافرين؟ يسأل الله :كيف يهدى قوم كفروا بعد إيمانهم أى كيف يرحم الله ناس كذبوا بحكم الله بعد تصديقهم به وفسر الله إيمانهم بأنهم شهدوا أن الرسول وهو محمد(ص)حق أى عادل فى تأدية الرسالة وقد جاءتهم البينات والمراد وقد أتتهم البراهين على رسالته والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن الله لا يهدى أى لا يرحم القوم الظالمين وهم الكافرين بحكم الله ويعاقبهم على كفرهم والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده.
"أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا"فلعنة الله هى جهنم وقوله بسورة فصلت"وهم لا ينصرون"فينظرون تعنى ينصرون وقوله بسورة البقرة "وما هم بخارجين من النار"فخالدين تعنى أنهم ليسوا خارجين من النار وقوله بسورة الأعراف"والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا "فأصلحوا تعنى آمنوا والمعنى أولئك عقابهم أن لهم غضب الله وعذاب الملائكة والخلق كلهم باقين فيها لا يرفع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون إلا الذين أنابوا من بعد كفرهم أى أسلموا فإن الله عفو نافع،يبين الله لنا أن المرتدين عقابهم هو لعنة الله خالدين فيها والمراد لهم عذاب الله باقين فيه لا يخفف عنهم أى لا يمنع عنهم العذاب فى أى وقت وفسر هذا بأنهم لا ينظرون أى لا يرحمون أبدا،ويبين لنا أن للمرتدين لعنة الملائكة والناس والمراد ذم الملائكة والمسلمين لهم وحربهم لهم وقد استثنى الله من المرتدين الذين تابوا أى عادوا إلى الإسلام بعد كفرهم أى أطاعوا حكم الله مرة أخرى فهؤلاء لا يدخلون عذاب الله ولا يجوز للملائكة والمسلمين حربهم لأن الله غفور رحيم أى يعفو عن ذنوبهم وينفعهم برحمته حيث يدخلهم الجنة.
"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"لم يكن الله ليغفر لهم "فعدم قبول الله لتوبتهم هو عدم غفرانه لهم وقوله بسورة النمل"وهم فى الآخرة هم الأخسرون"فالضالون هم الأخسرون والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله بعد تصديقهم به ثم استمر تكذيبهم لن ترضى إنابتهم وأولئك هم المعذبون ،يبين الله لنا أن الذين كفروا بعد إيمانهم والمراد الذين عصوا حكم الله بعد طاعتهم له تصديقا له ثم ازدادوا كفرا أى ثم استمر عصيانهم حتى موتهم لن تقبل توبتهم أى لن يغفر الله لهم كفرهم لو تابوا عند الموت مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن " وهم فى الآخرة هم الضالون أى المعذبون فى النار .
"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة يونس"ولو أن لكل نفس ظلمت ما فى الأرض لأفتدت به "فالذين كفروا هم كل نفس ظلمت وقوله بسورة البقرة "ولا يقبل منها عدل"فالعدل هنا هو ملء الأرض ذهبا وهو الفدية وقوله بسورة الرعد"أولئك لهم سوء الحساب"فالعذاب الأليم هو سوء الحساب وقوله بسورة الشورى"وما كان لهم من أولياء"فالناصرين هم الأولياء والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله وتوفوا وهم مكذبون به لن يؤخذ من أحدهم قدر الأرض ذهبا ولو بادل به أولئك لهم عقاب شديد وليس لهم منقذين،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى عصوا حكم الله وماتوا وهم كفار والمراد وهلكوا وهم عاصين لحكم الله لن يقبل الله منهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به والمراد لن يرضى الله أن يأخذ منه قدر الأرض ذهبا لو أراد أن يبادل به عقابه حتى يدخل الجنة وبالطبع ليس الغرض من القول سوى نفى وجود الفدية فى الأخرة لأن الذهب ليس موجودا مع الناس فى الأخرة لأنهم يجيئون فراداى ليس معهم شىء ،ويبين الله لنا أن الكفار لهم عذاب أليم والمراد عقاب كبير وليس لهم ناصرين أى ليس لهم منقذين من عقاب الله .
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم "يفسرها قوله تعالى بسورة آل عمران "وما تفعلوا من خير "فتنفقوا يعنى تفعلوا وما يحبون هو الخير والمعنى لن تدخلوا الجنة حتى تعملوا بما تصدقون وما تعملوا من عمل فإن الله به خبير ،يبين الله للمؤمنين أنهم لن ينالوا البر والمراد لن يدخلوا الجنة حتى ينفقوا مما يحبون والمراد حتى يعملوا بالذى يصدقون وهو حكم الله ،ويبين لهم أن ما ينفقون من شىء أى ما يعملوا من عمل صالح أو سيىء فالله به خبير يحاسب عليه ثوابا أو عقابا .
"كل الطعام كان حل لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة البقرة"إن كنتم مؤمنين"فصادقين تعنى مؤمنين والمعنى جميع أصناف الأكل كانت مباحة لأولاد يعقوب إلا الذى منع يعقوب(ص) نفسه منه من قبل أن توحى التوراة قل فهاتوا التوراة فاقرءوها إن كنتم مؤمنين بها ،يبين الله للمؤمنين واليهود أن الطعام والمراد كل أصناف الأكل من الأنعام كانت حل لبنى إسرائيل والمراد كانت مباحة لأولاد يعقوب إلا ما حرم إسرائيل(ص)على نفسه والمراد ما عدا الأصناف التى حرم يعقوب(ص)نفسه من أكلها وكان هذا قبل أن تنزل أى توحى التوراة إلى موسى(ص)بزمن طويل ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لليهود:فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين والمراد فهاتوا التوراة فاقرءوها لتعرفوا الحق إن كنتم مؤمنين بها وبالطبع رفضوا الطلب لمعرفتهم أن قراءة التوراة ستثبت كذب زعمهم والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"ويقولون على الله الكذب"فافترى تعنى يقول وقوله بسورة البقرة "فأولئك هم الخاسرون "فالظالمون هم الخاسرون والمعنى فمن نسب إلى الله الباطل من بعد هذا فأولئك هم المعذبون ،يبين الله لليهود وغيرهم أن من افترى على الله الكذب والمراد من نسب إلى الله الباطل الذى اخترعه من بعد ما عرف كذبه الأول فعليه أن يعرف أنه من الظالمين أى الكافرين الذين يستحقون دخول عذاب الله .
"إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين "يفسر القول قوله تعالى بسورة المائدة"جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"فهدى تعنى قيام والعالمين هم الناس وقوله بسورة البقرة"وأتموا الحج والعمرة لله"فوجوب الحج على الناس هو إتمام الحج له والمعنى إن أسبق مسجد بنى للبشر الذى بمكة أمنا وإعلاما للخلق فيه علامات ظاهرات جدران إبراهيم(ص)ومن أتاه كان مطمئنا ولله على الخلق زيارة المسجد من قدر إليه وصولا ومن كذب فإن الله غنى عن الخلق ،يبين الله لنا أن أول بيت وضع للناس والمراد أن أسبق مسجد بنى من أجل البشر هو البيت الموجود فى بكة وهى مكة المكرمة مباركا أى دائما هدى والمراد إعلاما للعالمين بالحق المكتوب فى اللوح المحفوظ فيه وهم الخلق فيه آيات بينات والمراد وفيه علامات ظاهرات هى مقام إبراهيم(ص) أى مبنى إبراهيم(ص)وهو القبلة أى الكعبة ،ويبين الله لنا أن له على الناس وهم الخلق حق هو حج البيت من استطاع إليه سبيلا والمراد عليهم زيارة الكعبة من قدر على الوصول إليها بأى وسيلة ،ويبين لنا أن من كفر أى عصى أمر الزيارة رغم قدرته على الزيارة فالله غنى عن العالمين أى غير محتاج للناس وهذا يعنى أنه فرض الحج عليهم لنفعهم وليس لنفع نفسه والخطاب للمؤمنين.