"إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم "قوله "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما"يفسره قوله تعالى بسورة الحج "ومن يعظم حرمات الله "وقوله بسورة البقرة "فلا إثم عليه" فشعائر الله هى حرماته والجناح هو عقاب الإثم والمعنى إن السعى بين مكان الصفا ومكان المروة من حرمات الله فمن قصد البيت فى أيام الحج أو من قصد البيت فى الأشهر الحرام فلا عقاب عليه أن يسعى بينهما ،يبين الله لنا أن السعى بين مكانى الصفا والمروة واجب من يتركه عليه جناح أى عقاب ممثل فى فدية أو نسك أو صيام ،وقوله "ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم "يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه "وقوله بسورة الإسراء"فأولئك كان سعيهم مشكورا "فتطوع الخير هو فعله هو السعي للخير وهو العمل الصالح وعدم كفر فعل الخير هو شكر الله له والمعنى ومن فعل صالحا فإن الله حامد خبير،يبين الله لنا أن من يتطوع خيرا أى يعمل صالحا فإن الله يشكره أى يثيبه عليه بالجنة وهو عليم به أى خبير بالعمل وفاعله فى كل وقت ،ومعنى الآية إن السعى بين مكان الصفا ومكان المروة من حرمات الله فمن قصد البيت أيام الحج أو قصده فى الأشهر الحرام فلا عقاب عليه إن سعى بينهما ومن عمل صالحا فإن الله مثيب له عارف بعمله،والخطاب للمؤمنين وهذه الآية محذوف قبلها أو بعدها عدة آيات تتحدث عن أعمال الحج .
"إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا"وقوله بسورة البقرة "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب "وقوله بسورة البقرة "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "وقوله بسورة التوبة "وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا والآخرة "فالمكتوم من البينات والهدى هو المخفى من الكتاب الذى هو نور واللاعنون هم الناس والملائكة ولعنة الله هى عذابه فى الدنيا والأخرة والمعنى إن الذين يخفون ما أوحينا من الأحكام أى الحق من بعد ما أبلغناه للخلق فى الوحى أولئك يعذبهم الله ويذمهم الذامون ،يبين الله لنا أن الذين يكتمون المنزل من البينات والمراد الذين يخفون الموحى به من أحكام الله بعد ما أبلغ الله للمسلمين الوحى المكتوم منهم يلعنهم الله أى يعذبهم فى الدنيا والآخرة ويلعنهم اللاعنون والمراد ويذمهم الذامون وبألفاظ أخرى يطلب لهم الناس والملائكة غضب الله ،والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده
"إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم " يفسره قوله تعالى بسورة النساء"إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله"وقوله بسورة هود "إلا من تاب وأمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة "فتابوا أى أصلحوا أى بينوا أى اعتصموا بالله أى أخلصوا دينهم لله والتوبة عليهم هى إدخالهم الجنة ومعنى الآية يلعنهم الله واللاعنون إلا الذين أنابوا أى أحسنوا أى أظهروا الحق فأولئك أغفر لهم وأنا الغفور النافع ،يبين الله لنا أن لعنته وهو عذابه ولعنة الناس والملائكة تمنع عن الذين تابوا أى عادوا للحق أى أصلحوا أى أحسنوا أى بينوا أى أظهروا الحق بطاعته ومن ثم يدخلون الجنة .
"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار "وقوله بسورة التوبة "وماتوا وهم فاسقون"وقوله بسورة النحل "فعليهم غضب من الله "فالذين كفروا أى كذبوا بآياتنا والموتى وهم كفار يعنى وهم فاسقون ولعنة الله هى غضبه وهى النار ومعنى الآية إن الذين كذبوا بآياتنا وتوفوا وهم فاسقون أولئك لهم غضب الله وذم الملائكة والخلق كلهم ،يبين الله لنا أن الذين كفروا وهم المكذبين بوحى الله وهم الذين ماتوا على تكذيبهم لهم لعنة أى عذاب الله ولعنة أى دعاء الملائكة والناس الذام لهم الطالب غضب الله لهم .
"خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة فاطر"والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها "وقوله بسورة المائدة"وما هم بخارجين من النار" وقوله بسورة البقرة "ولا هم ينصرون"فخالدين تعنى لا يموتوا أى ليسوا خارجين من النار و معنى ينظرون ينصرون ومعنى الآية باقين فيها لا يرفع عنهم العقاب أى لا يرحمون،يبين الله لنا أن الكفار الذين ماتوا على كفرهم هم فى لعنة أى عذاب الله خالدين أى مستمرين فى الإقامة بها لا يرفع عنهم العذاب أى ألم النار أى لا ينظرون أى لا يرحمون فى الآخرة.
"وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" يفسره قوله تعالى بسورة غافر"ذلكم الله ربكم خالق كل شىء لا إله إلا هو "فالإله هو خالق كل شىء والمعنى وربكم رب واحد لا رب سواه هو النافع المفيد،يبين الله للناس أن إلههم إله واحد والمراد أن خالقهم خالق واحد والمراد ليس له شريك فى ملكه ومن ثم فهو الإله المستحق للعبادة وحده وهو الرحمن الرحيم أى النافع المفيد للعباد .
"إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " قوله "إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار "يفسر قوله تعالى بسورة النور"يقلب الله الليل والنهار" فاختلاف الليل والنهار هو تقليبهما والمعنى إن فى إنشاء السموات والأرض وتغير الليل والنهار آيات لمن يفهم ،وقوله "والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس "يعنى والسفن التى تسير فى الماء بما يفيد الخلق،يبين الله لنا أن من آياته جرى الفلك فى البحر بما ينفع الناس والمراد سير السفن فى الماء بالذى يفيد الخلق وهو البضائع والسلع ،وقوله "وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها"يفسره قوله تعالى بسورة الأنعام "وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شىء "فإحياء الأرض بعد موتها هو إخراج نبات كل شىء من الأرض ومعنى الآية والذى أسقط من السحاب مطرا فبعث به الأرض بعد جدبها ،يبين الله لنا أن من آياته إنزال الماء من السماء لإحياء الأرض بعد موتها ،وقوله "وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض" يعنى وخلق فى الأرض من كل نوع وتسيير الهواء والغمام المعلق بين السماء والأرض ،يبين الله لنا أن من آياته بث كل دابة فى الأرض والمراد خلق كل نوع من أنواع المخلوقات فى الأرض ،وتصريف الرياح أى تسيير الهواء أى توجيهه إلى حيث يريد ،والسحاب المعلق بين السماء والأرض وهو الغمام المعلق فى الجو بين السماء والأرض وهذا يعنى أن السحب لا توجد فى غير المنطقة بين السماء والأرض،وقوله "لآيات لقوم يعقلون "يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران "لآيات لأولى الألباب "فالقوم الذين يعقلون هم أصحاب الألباب والمعنى لعلامات لناس يفهمون ومعنى الآية إن فى إنشاء السموات والأرض وتغير الليل والنهار والسفن التى تسير فى الماء بما يفيد الخلق والذى أسقط الله من السحاب من غيث فبعث به الأرض بعد جدبها وخلق فى الأرض من كل نوع وتوجيه الهواء حيث يريد والغمام المعلق بين السماء والأرض لعلامات لناس يفهمون ،والخطاب للمؤمنين.
"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العقاب"قوله"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"يفسره قوله بسورة الزمر"والذين اتخذوا من دونه أولياء"وقوله بسورة مريم"واتخذوا من دون الله آلهة "فالأنداد هم الأولياء هم الآلهة والمعنى ومن الخلق من يطيع من غير الله آلهة يطيعونهم كطاعة الله ،يبين الله لنا أن كثير من الناس وهم الخلق يجعل لله أندادا أى شركاء أى آلهة كما يدعون وهذه الآلهة هى أهواء أنفسهم الضالة مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " وهم يحبون أى يطيعون الشركاء كحب أى كطاعة الله وهذا يعنى أنهم يساوون بين الآلهة المزعومة وبين الله ،وقوله "والذين أمنوا أشد حبا لله يعنى والذين صدقوا أعظم طاعة لحكم الله ،يبين الله لنا أن المؤمنين بوحى الله أشد حبا لله أى أفضل طاعة لله والمراد أحسن إتباع لحكم الله حيث لا يشركون معه أحد ،وقوله "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " يفسره قوله تعالى بسورة الفرقان "وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا "وقوله بسورة النساء"وأن العزة لله جميعا"وقوله بسورة المائدة "إن الله شديد العقاب "فرؤية العذاب تعلم الكفار أن القوة وهى العزة لله وحده وإن الله شديد العذاب أى العقاب ومعنى القول ولو يعلم الذين كفروا حين يشاهدون العقاب أن العزة لله كلها أى أن الله عظيم العقاب ،يبين الله لنا أن الذين ظلموا أى كفروا بوحى الله حين يرون أى يدخلون العذاب يعلمون أن القوة وهى العزة أى القدرة على العقاب هى لله وحده كلها وفسر هذا بأنهم يعلمون أن الله شديد العذاب أى عظيم العقاب ،ومعنى الآية ومن الخلق من يتبع من سوى الله شركاء يتبعونهم كإتباع الله والذين صدقوا وحى الله أفضل إتباع لله ولو يشاهد الذين كفروا حين يدخلون العقاب أن العزة لله كلها أى أن الله عظيم العقاب والخطاب فى الآية للنبى(ص) وما بعدها.
"إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب "معنى الآية قد تخلى الذين أطيعوا عن الذين أطاعوا وشاهدوا العقاب وبعدت عنهم الرحمات ،يبين الله لنا أن الذين اتُبعوا وهم الذين أطيعوا من جانب الصغار قد تبرأوا من الذين اتًبعوا أى قد تخلوا عن الذين أطاعوهم والمراد أنهم نفوا مسئوليتهم عن إضلالهم ،ويبين لنا أنهم لما رأوا العذاب أسروا الندامة مصداق لقوله تعالى بسورة غافر"ورأوا بأسنا "وقوله بسورة يونس"وأسروا الندامة لما رأوا العذاب " فالعذاب هو البأس والمراد أنهم أخفوا الندم على كفرهم ،وتقطع الأسباب بهم هو بعد الرحمات عنهم والمراد أن الله منع عنهم رحمته وهى جنته.
"وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار"قوله "وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا"يعنى وقال الذين أطاعوا الكبار لو أن لنا عودة للدنيا فنتخلى عنهم كما تخلوا عنا ،يبين الله لنا أن الذين اتبعوا أى أطاعوا السادة الكبار لما رأوا تخلى السادة عنهم فى النار قالوا :لو كان لنا كرة أى عودة للحياة الدنيا لتخلينا عن السادة كما تخلوا عنا فى الآخرة وهذا يعنى أنهم يريدون الانتقام لأنفسهم وليس العودة للدنيا حتى يؤمنوا فيدخلوا الجنة ،وقوله "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار"يفسره قوله تعالى بسورة التوبة "وفى النار هم خالدون " فعدم الخروج من النار هو الخلود فيها والمعنى هكذا يذيقهم الله أفعالهم عذابات لهم وما هم بتاركين للنار،يبين الله لنا أنه يذيق الكفار بأعمالهم وهى سيئاتهم الحسرات وهى العذابات أى الآلام فى النار وهم ليسوا بخارجين من النار وهذا معناه أنهم يبقون فى جهنم دون موت ومعنى الآية وقال الذين أطاعوا السادة لو أن لنا عودة للدنيا فنتخلى عنهم كما تخلوا عنا هكذا يذيقهم الله جزاء أفعالهم عذابات لهم وما هم بتاركين النار.
"يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "قوله "يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا "يفسره قوله تعالى بسورة الأنعام "كلوا مما رزقكم الله "فالحلال الطيب هو رزق الله والمعنى يا أيها الخلق تناولوا من الذى فى البلاد مباحا نافعا ،يطلب الله من الناس أن يأكلوا مما فى الأرض الحلال الطيب والمراد أن يتناولوا الطعام المباح النافع لهم الموجود فى بلاد الأرض من نبات أو حيوان ،وقوله "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "يفسره قوله تعالى بسورة يس"أن لا تعبدوا الشيطان "وقوله بسورة الفرقان "وكان الشيطان للإنسان خذولا"فعدم إتباع الشيطان هو عدم عبادته وكون الشيطان عدو للإنسان هو خذلانه له والمعنى ولا تطيعوا وساوس الكافر إنه لكم كاره عظيم ،يبين الله لنا أن الواجب على الناس هو عدم إتباع خطوات الشيطان والمراد عدم طاعة وساوس الشهوة التى تأمر بكل كفر ويبين الله للناس أن الشيطان وهو الشهوة هى عدوهم المبين أى كارههم الظاهر العظيم ومعنى الآية يا أيها الخلق أطعموا من الذى فى البلاد نافعا مباحا ولا تطيعوا وساوس الهوى إنه لكم كاره عظيم والخطاب للناس وما بعده.
"إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "يفسره قوله تعالى بسورة النور "ومن يتبع الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" وقوله بسورة النحل "لتفتروا على الله الكذب" فالسوء هو الفحشاء هو المنكر والتقول على الله الذى لا يعلمون هو افتراء الكذب على الله ومعنى الآية إنما يدعوكم للكفر أى الجرم أى أن تنسبوا لله الذى لا تعرفون أنه وحى من الله ،يبين الله للناس أن الشيطان وهو الشهوة يأمرهم والمراد يدعوهم إلى السوء وهو الفحشاء أى التقول على الله والمراد يدعوهم لعمل الكفر .
"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" قوله "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله "فإتباع ما أنزل الله هو الإيمان به والمعنى وإذا قال المسلمون للناس أطيعوا الذى أوحى الله ،يبين الله لنا أن المسلمون إذا قالوا للكفار:اتبعوا ما أنزل الله أى أطيعوا وحى الله كان ردهم " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون "والذى يفسره قوله تعالى بسورة لقمان "قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا "وقوله بسورة المائدة "أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون "فألفينا تعنى وجدنا كما بسورة لقمان وعدم عقلهم يعنى عدم علمهم كما بسورة المائدة والمعنى قالوا إنما نطيع الذى وجدنا عليه آباءنا ،هل يتبعونه لو كان آباؤهم لا يعلمون حقا أى لا يفهمون ؟ ،يبين الله لنا أن رد الناس على المسلمين هو :بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا والمراد إنما نطيع ما وجدنا عليه الأباء وهذا يعنى أنهم لا يدعون طاعتهم لدين الأباء ،ويسأل الله :أو لو كان آباؤهم لا يعقلون أى لا يهتدون؟ والمراد هل لو كان آباؤهم لا يفهمون أى لا يفقهون الحق؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن آبائهم كانوا لا يفهمون والمراد أنهم مجانين لعدم إتباعهم الحق ومعنى الآية وإذا نصحوا أطيعوا ما أوحى الرب قالوا بل نطيع الذى وجدنا عليه آباءنا ،أيطيعونه لو كان آباؤهم لا يفهمون أمرا أى لا يفكرون والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون "قوله "ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء" يعنى وشبه الذين كذبوا كشبه الذى يزعق بالذى لا يعرف إلا أنه إخبار أى طلب ،يبين الله لنا أن قول الذين كفروا أى كذبوا بوحى الله:بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا يشبه دعاء أى نداء أى قول الذى ينعق أى يزعق بالذى لا يعرف فى الوحى الإلهى ،والغرض من التشبيه هو إثبات جهل الذين كفروا وجنونهم حتى أنهم يقولون ما يعرفون أنه ليس فى الوحى الإلهى ،وقوله "صم بكم عمى فهم لا يعقلون " يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "صم بكم عمى فهم لا يرجعون " فعدم العقل هو عدم الرجوع لدين الله والمعنى كافرون ظالمون فاسقون فهم لا يفقهون ،يبين الله لنا أن الكفار صم بكم أى لا يسمعون دعاء أى وحى الله وهم عمى أى لا يرون الحق ويرون الضلالة وهم لا يعقلون أى لا يطيعون الوحى الإلهى ،ومعنى الآية وشبه الذين كذبوا بوحى الله كشبه الذى يزعق بالذى لا يعلم إلا أنه إخبار أى طلب ،كافرون ظالمون فاسقون فهم لا يفهمون .
"يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " يفسره قوله تعالى بسورة النحل"واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون" وقوله بسورة سبأ"كلوا من رزق ربكم " وقوله بسورة النحل"فإياى فارهبون " وقوله بسورة فصلت "واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون "فأكل طيبات الرزق هو أكل رزق الرب وفسره بأنه الشكر لله أى السجود لله وتعبدون تعنى ترهبون ومعنى الآية يا أيها الذين صدقوا بوحى الله اعملوا من أحاسن الذى أوحينا لكم أى أطيعوا الله إن كنتم إياه تحبون ،يطلب الله من المؤمنين أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم والمراد أن يعملوا من أحسن الذى أوحى لهم وفسر الله هذا بأنه الشكر له أى الطاعة لوحى الله وذلك إن كانوا إياه يعبدون أى يحبون أى يريدون ثوابه ،والخطاب للمؤمنين وأيضا ما بعده.
"إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " يفسره قوله تعالى بسورة الأنعام "أو دما مسفوحا"وقوله بسورة المائدة "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " وقوله "فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم "فالدم يقصد به الدم المسفوح وما أهل لغير الله به هو الذى لم يذكر اسم الله عليه وذكر اسم أخر والاضطرار هو فى المخمصة وهى المجاعة والمعنى إنما منع عليكم الميتة والدم المسال ولحم الخنزير وما قصد به سوى الله فمن أجبر غير معتد أى ظالم فلا عقاب عليه إن الله عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أنه قد حرم عليهم أى منع عليهم أكل الأشياء التالية : الميتة وهى الحيوان النافق الذى هلك بخروج نفسه من جسمه دون ذبح ،والدم وهو السائل الذى ينزل من الحيوان عند ذبحه أو قطع عروق الدم فيه ،ولحم الخنزير وهو الألياف المحيطة بعظام الخنزير وهؤلاء الثلاثة ضارين بصحة الآكل،وما أهل به لغير الله والمراد الذى قصد به سوى الله فلم يذكر اسم الله عليه ،ويبين الله للمؤمنين أن من اضطر لأكل هذا الطعام المحرم والمراد أن من أجبر نفسه على تناول الطعام المحرم بسبب المجاعة التى لو لم يأكل المحرم فيها لمات من الجوع يكون غير باغ أى معتدى والمراد غير قاصد غير متعمد للأكل من الطعام المحرم ومن ثم لا إثم عليه أى لا عقاب وهذا يعنى أن متعمد أكل المحرمات فى غير المجاعة يعاقب نفس عقاب شارب الخمر،ويبين الله أنه غفور رحيم أى قابل توبة المستغفر لذنبه نافع له .
"إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "قوله "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب"يفسره قوله تعالى بسورة الأنعام "تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا"فالكتم هو إخفاء المنزل من الكتاب والمعنى إن الذين يخفون ما أوحى الله من الوحى ،وقوله "ويشترون به ثمنا قليلا "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "إن الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة" فطاعة كتاب الله هى العمل للأخرة والثمن القليل هو متاع الحياة الدنيا والمعنى ويأخذون بكتاب الله متاعا فانيا ،وقوله "أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار "يعنى أولئك ما يقدمون لأنفسهم إلا النار،وقوله "ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم "وقوله لهم عذاب شديد"فالنار تعنى عدم كلام أى نظر الله لهم تعنى عدم تزكيتهم تعنى دخولهم العذاب الأليم وهو الشديد والمعنى ولا يرحمهم الله يوم البعث أى لا يطهرهم أى لهم عقاب شديد،يبين الله لنا أن الذين يكتمون كتاب الله أى يخفون حكم الله عن الناس ويأخذون الثمن القليل وهو متاع الحياة الدنيا مقابل تركهم العمل بكتاب الله إنما يأكلون فى بطونهم النار والمراد أنهم يقدمون أنفسهم إلى النار وفسر هذا بأنه لا يكلمهم أى لا يرحمهم أى لا يزكيهم أى لا يطهرهم من ذنوبهم حتى لا يدخلهم الجنة وفسر هذا بأن لهم العذاب الأليم ومعنى الآية إن الذين يخفون ما أوحى الرب من الحكم ويأخذون مكانه متاعا قصيرا أولئك ما يقدمون لأنفسهم إلا النار أى لا يرحمهم الرب يوم البعث أى لا ينجيهم أى لهم عقاب شديد ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار" يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان "وقوله بسورة البقرة "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا يالآخرة"فالضلالة هى الكفر هى اشتهاء الحياة الدنيا الذى نتيجته العذاب والهدى هو الإيمان هو إتباع الهدى لنيل الآخرة الذى نتيجته المغفرة والمعنى أولئك الذين أخذوا الكفر بالإسلام أى العقاب بالرحمة فما أجرأهم على جهنم ،يبين الله لنا أن كاتمى كتاب الله هم الذين أطاعوا الضلالة فأورثهم هذا العذاب وتركوا الهدى الذى يورث إتباعه المغفرة ،والسؤال فما أصبرهم على النار ؟الغرض منه إخبارنا أن هذا الفريق الكافر جرىء على النار بما يفعله .
"ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر "الله نزل أحسن الحديث"وقوله بسورة سبأ"بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب والضلال البعيد"فالكتاب هو أحسن الحديث والشقاق البعيد هو الضلال البعيد وهو العذاب المستمر والمعنى ذلك بأن الله أوحى الوحى بالعدل وإن الذين تنازعوا فى الوحى لفى عذاب كبير،يبين الله لنا أن دخول القوم النار سببه هو أن الله قد أوحى القرآن وتفسيره وهو الوحى بالعدل وهو حكم الله وهم قد عرفوه ولم يعملوا به،ويبين لنا أن الذين اختلفوا فى الكتاب وهم الذين كذبوا بوحى الله بتنازعهم فيه فى شقاق بعيد أى فى عقاب مستمر ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" قوله "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" يعنى ليس الإسلام أن تتبعوا أنفسكم وقت المنير والمظلم ،يبين الله لنا أن البر وهو الإسلام ليس أن نولى وجوهنا أى نطيع أنفسنا وقت المشرق وهو النهار ووقت المغرب وهو الليل ،إذا الإسلام ليس أن نطيع أنفسنا نهارا وليلا وإنما أن نطيع حكم الله نهارا وليلا ،وقوله" ولكن البر من أمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة " ولكن البر من اتقى" فالمؤمن هو المتقى والمعنى ولكن المسلم من صدق بوحدانية الله ويوم القيامة والملائكة والوحى والرسل،يبين الله لنا أن البر وهو المسلم هو الذى يؤمن أى يصدق بكل من الله والمراد بوحدانية الله أى كونه الإله المستحق للعبادة وحده ويصدق باليوم الأخر وهو يوم القيامة ووجود الملائكة ووجود الكتاب وهو الوحى المنزل على كل الرسل(ص)ووجود النبيين وهم الرسل(ص) ،وقوله "وأتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب " يفسره قوله تعالى بسورة الإسراء" وأت ذا القربى حقه "فالمال هو الحق والمعنى وأعطى المتاع على عشقه له أهل القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين وابن الطريق والطالبين والعبيد،يبين الله لنا أن البر هو الذى يؤتى المال على حبه والمراد يعطى الحق رغم رغبته فى عدم الإعطاء كل من :ذوى القربى وهم الأقارب الواجب أن ينفق عليهم واليتامى وهم الذين مات آبائهم وهم أطفال والمساكين وهم الذين يعملون ولكن عائد العمل لا يكفيهم وابن السبيل وهو المسافر الذى ليس معه مال يكمل به رحلته لبلده والسائلين وهم الذين يطلبون المساعدة من المسلم وفى الرقاب والمراد وفى عتق العبيد والإماء،وقوله "وأقام الصلاة "يفسره قوله بعده "وأتى الزكاة "يفسره قوله بعده "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا "فإقامة الصلاة هى إيتاء الزكاة هى الوفاء بالعهد هو إقامة الدين مصداق لقوله تعالى بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "والمعنى والبر من أطاع الدين أى اتبع الطهارة من الذنوب بطاعة الله أى الطائعون لحكم ربهم إذا علموا به ،وقوله "والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس"يفسره قوله تعالى بسورة الحج"والصابرين على ما أصابهم "فالبأساء والضراء هى ما أصابهم والمعنى والمتبعين فى الضرر أى الأذى ووقت النفع ،يبين الله لنا أن المسلم هو الصابر أى الطائع لحكم الله وقت البأساء أى الضراء وهو الأذى ووقت البأس وهو القوة أى النفع أى الخير ، قوله "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " يعنى أولئك الذين أمنوا أى أولئك الذين أطاعوا حكم الله ،يبين الله لنا أن المسلم هو الذى صدق أى اتقى والمراد أمن بحكم الله وأطاعه والمعنى ليس الإسلام أن تتبعوا أهواءكم وقت النهار والليل ولكن المسلم من صدق بوحدانية الله ويوم القيامة والملائكة والوحى والرسل(ص)وأعطى الحق رغم رغبته فيه أهل القرابة وفاقدى الأباء والمحتاجين والمسافر والطالبين وفى العبيد وأطاع الدين أى اتبع الحق أى الطائعون لحكم ربهم إذا علموا به أى المطيعين فى الضرر أى الأذى ووقت النفع أولئك الذين أمنوا أى أولئك هم المطيعون لله .
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم "قوله "يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر أى العبد بالعبد وهو الرجل بالرجل وسمى الله الإنسان حرا لتصرفه فى نفسه بالكفر أو الإسلام وسماه عبدا لأنه عبد لله كما قال بسورة مريم"إن كل من فى السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا" والأنثى بالأنثى "يفسره قوله تعالى بسورة المائدة "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "والمعنى يا أيها الذين صدقوا بوحى الله فرض عليكم العقاب فى المذبوحين الرجل بالرجل أى الذكر بالذكر والمرأة بالمرأة ،يبين الله لنا أن القصاص فى القتلى وهو العقاب فى جرائم القتل يكون بقتل الحر بالحر أى العبد بالعبد أى الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وهذا يعنى قتل القاتل فى مقابل قتله للقتيل سواء اتحد الجنس أم اختلف لأن لكل منهم نفس كما قال بسورة المائدة"أن النفس بالنفس"،وقوله "فمن عفى له من أخيه شىء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان "يفسره قوله تعالى بسورة النساء"ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا"فالشىء هو الدية واتباعها بالمعروف أى أدائها بإحسان هو تسليمها إلى أهله والمعنى فمن تنازل له من أخيه دية فإعطاء بالبر أى إيتاء بالمعروف،يبين الله لنا أن ولى القتيل إذا عفى عن القاتل أى تنازل عن قتله فالواجب على القاتل هو شىء أى دية وهى مبلغ يقدر القاتل على دفعه وليس له قدر محدد وهذه الدية تتبع بالمعروف وفسر الله هذا بأنها تؤدى بإحسان والمراد تعطى لولى القتيل بالبر واليسر،وقوله "ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم "يفسره قوله تعالى بسورة المائدة "ومن عاد فينتقم الله منه "وقوله بسورة النساء"وأعد له عذابا عظيما " فالعذاب الأليم هو العظيم هو انتقام الله من القاتل والمعنى العفو عن القاتل رأفة من إلهكم أى فضل فمن قتل بعد هذا فله عقاب عظيم ،يبين الله لنا أن تشريع الله للعفو عن القاتل هو تخفيف أى رحمة أى رأفة من الله بالخلق ،وأما من يعتدى أى يقتل بعد هذا التشريع مرة أخرى فله عذاب أليم أى عقاب القتل فى الدنيا والنار فى الأخرة ومعنى الآية يا أيها الذين صدقوا فرض عليكم العقاب فى المذبوحين الرجل بالرجل أى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى فمن تنازل له من صاحبه دية فإعطاء بالبر أى إيتاء بالمعروف والعفو عن القاتل رأفة من إلهكم أى فضل فمن قتل بعد ذلك فله عقاب شديد،والخطاب للمؤمنين وما بعده وهناك جزء محذوف من القول ومعناه الرجل بالأنثى والأنثى بالرجل.
"ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة "فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون"وقوله بسورة طه"لأولى النهى"فأولى الألباب هم أولى النهى وتتقون تعنى تفلحون والمعنى ولكم فى الجزاء أمن يا أصحاب العقول لعلكم تطيعون فتفلحون ،يبين الله لنا أن فى القصاص حياة والمراد أن فى العقاب نجاة وبألفاظ أخرى أن تنفيذ عقوبة القتل وهى قتل القاتل تجلب الحياة أى الأمن للناس لأن الناس سيخافون من قتل بعضهم فلا يرتكبوا جريمة القتل ومن ثم تستمر الحياة وقد سمانا الله أولى الألباب أى النهى أى العقول بسبب تقوانا أى طاعتنا للأمر حتى نفلح فى الآخرة .
"كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "يفسر الآية قوله بنفس السورة "حقا على المحسنين "فالمتقين هم المحسنين والمعنى فرض عليكم إذا أتت أحدكم الوفاة إن خلف مالا الهبة للأبوين والأقارب بالعدل فرضا على المسلمين،يبين الله لنا أنه كتب أى فرض عليهم فى حالة حضور الموت وهو الوفاة إلى أحدهم الوصية وهى عطاء يهبه إن ترك خيرا والمقصود إن خلف متاعا من النقود والذهب والفضة وغيرهم من المعادن الثمينة لكل من:الوالدين وهم الأبوين والأقربين هم الأقارب من أولاد وزوجات وغيرهم والهبة تكون بالمعروف أى العدل وهذا حق على المتقين أى واجب على المسلمين وقد نسخ الله هذا الحكم بالميراث بقوله تعالى بسورة النساء"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر"والخطاب للمؤمنين وأيضا ما بعده وما بعده.
"فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم "يعنى فمن غيره بعدما علمه فإنما عقابه على الذين يغيرونه إن الله خبير محيط ،يبين الله للمؤمنين أن من يبدل كلام الوصية بعدما سمعه والمراد من يحرف كلام الوصية بعد الذى علمه من الموصى فإن الإثم وهو عقاب التحريف هو على الذين يبدلونه أى يحرفونه وهذا العقاب يشمل عقاب دنيوى هو عقاب شهادة الزور إن تم إثباتها على المحرف للوصية وعقاب آخروى وهو دخول النار ، ويبين الله لنا أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر وهذا يعنى أنه يعرف أى تبديل ومن ثم على من يريد التبديل الحذر من علم الله حتى لا يعاقب.
"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " يفسر القول قوله تعالى بسورة النساء"ولا جناح عليكم "وقوله بسورة البقرة "إنه هو التواب الرحيم "فالجناح هو الإثم والغفور هو الرحيم والمعنى فمن خشى من واهب ظلما أى جورا فوفق بينهم فلا عقاب عليه إن الله تواب رءوف ،يبين الله لنا أن المسلم الذى يحضر كلام الموصى وهو الواهب إذا عرف من كلام الموصى جنفا أى إثما أى ظلما أى جورا لواحد أو أكثر من أهله فعليه أن يصلح بينهما أى يوفق بين الموصى وهذا الواحد فيعدل الموصى كلامه فإن فعل المسلم الإصلاح فليس عليه إثم أى ذنب يستحق عليه العقاب من الله وإنما هو مأجور على إصلاحه ،ويبين الله لنا أنه غفور رحيم أى تواب لمن يستغفره رءوف به والغرض من ذكر هذا هو إبلاغ الموصى والشاهد أن الله يغفر لمن يرجع عن الخطأ وهو فى حالة الموصى الظلم فى الوصية وفى حالة الشاهد عدم الإصلاح بين الموصى والمظلوم فى الوصية وغير المصلح بين الموصى وأقاربه يعاقب عقابا دنيويا بشهوده على ظلم وهو عليه الإثم وهو العقاب له.