"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "المعنى إنك لا ترحم من وددت ولكن الرب يرحم من يؤمن وهو أعرف بالمرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يهدى من أحب والمراد لا يرحم من يريد أى لا يدخل الجنة من يود ولكن الله يهدى من يشاء والمراد ولكن الرب يرحم أى يدخل الجنة من يؤمن بحكمه مطيعا له والله أعلم بالمهتدين أى المرحومين أى الداخلين الجنة لإيمانهم وطاعتهم حكم الله .
"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا إن نطيع الوحى معك نطرد من بلادنا أو لم نخلق لهم مكانا مطمئنا يأتى له منافع كل نوع عطاء من عندنا ولكن أغلبهم لا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا والمراد إن نطيع حكم الله معك نطرد من بلادنا وهذا يعنى أن نتيجة إتباع الحق فى رأيهم هى إصابتهم بالظلم فى بلادهم وهو الطرد منها ويسأل الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا والمراد ألم نخلق لهم مكانا حصينا يجبى إليه ثمرات كل شىء والمراد يحضر لهم منافع كل نوع رزقا من لدنا أى عطاء من عندنا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أن الله وضع فى الأرض مكان منيع لا يظلمون فيه هو مكة التى يأتيها الرزق بكل أنواعه من عند الله ومع هذا تعلل الكفار أن سبب عدم إيمانهم هو عدم وجود أمان فى أرضهم فى حالة إيمانهم ويبين الله لنا أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس "ولكن أكثرهم لا يشكرون "والمراد أنهم لا يطيعون حكم الله .
"وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "المعنى وكم دمرنا من أهل بلدة رفضت رحمتها فتلك بيوتهم لم تشغل من بعدهم إلا قصيرا وكنا نحن المالكين ،يبين الله لنبيه (ص)أن كم من قرية أهلكها والمراد أن عدد أهالى البلدات التى قصمها أى دمرها الله كبير مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "والسبب أنها بطرت معيشتها أى رفضت حياتها وهى الجنة فى الآخرة مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان "أى المعيشة الحقة وهذا يعنى أنهم كذبوا وحى الله الذى يؤدى بهم للمعيشة الدائمة فتلك مساكنهم وهى بيوتهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا والمراد أنها لم تشغل بالسكان إلا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا وكان الله هو الوارث أى المالك لمساكنهم .
"وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلوا عليها آياتنا وما كنا ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون "المعنى وما كان إلهك معذب أهل البلاد حتى يرسل فى أصلها مبعوثا يبلغ لهم أحكامنا وما كنا معذبى أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان مهلك القرى والمراد ما كان معاقب أهل البلاد حتى يبعث فى أمها رسولا والمراد حتى يرسل إلى ناسها مبعوثا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "وهذا الرسول يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه ما كان مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون والمراد ما كان معذب أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون بحكمه وهذا يعنى أن سبب الهلاك هو الظلم أى الكفر والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص) .
"وما أوتيتم من شىء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون "المعنى والذى أعطيتم من رزق هو نفع المعيشة الأولى أى فائدتها والذى لدى الرب أحسن وأدوم أفلا تفهمون؟ ،يبين الله للناس أن ما أوتوا من شىء والمراد ما أعطوا من رزق فى دنياهم فهو متاع الحياة الدنيا وفسره بأنه زينة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأن ما عند الله خير وأبقى والمراد وأن الذى لدى الرب وهو متاع الجنة هو أفضل من متاع الدنيا وأدوم لأنه لا يفنى ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تبصرون "كما قال بسورة القصص والمراد أفلا تطيعون حكم الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.
"أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين "المعنى هل من أخبرناه خبرا نافعا فهو داخله كما أعطيناه نفع المعيشة الأولى ثم هو يوم البعث من المعذبين ،يسأل الله الناس :أفمن وعدناه وعدا حسنا أى هل من أخبرناه خبرا طيبا وهو دخول الجنة مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"فهو لاقيه والمراد فهو داخل الجنة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أى كمن لذذناه بنفع المعيشة الأولى ثم هو يوم القيامة وهو يوم البعث من المحضرين أى "من المعذبين "كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن داخل الجنة لا يستوى مع داخل النار وهو العذاب .
"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون "المعنى ويوم يخاطبهم فيسألهم أين مقاسمى الذين كنتم تعبدون ؟يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يناديهم أى يسأل الكفار على لسان الملائكة فيقول :أين شركاءى أى مقاسمى فى الملك الذين كنتم تزعمون أى تعبدون أى تقولون أنهم شفعاؤكم عندى مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون "والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا وجود لأى آلهة غير الله
"قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "المعنى قال الذين صدق فيهم الحديث إلهنا هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا تبنا لك ما كانوا إيانا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين حق عليهم القول والمراد أن الذين صدقت عليهم كلمة العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر "أفمن حق عليه كلمة العذاب"قالوا ربنا أى إلهنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمراد هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا وهذا يعنى أنهم أبعدوا الناس عن الحق كما أبعدهم عن الحق الذين من قبلهم وهذا معناه أن كل أمة تلقى المسئولية على سابقتها وهذا هو قول الكفار وأما الآلهة التى زعموا وجودها فقد قالوا :تبرأنا إليك والمراد تبنا لك أى أخلصنا لك ما كانوا إيانا يعبدون أى يطيعون وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة تنفى أن الكفار كانوا يتبعون إياهم والخطاب للنبى(ص).
"وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون "المعنى وقيل نادوا آلهتكم فنادوهم فلم يردوا عليهم وشاهدوا النار لو أنهم كانوا يعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قال الله لهم على لسان الملائكة :ادعوا شركاءكم والمراد نادوا آلهتكم المزعومة مصداق لقوله بسورة سبأ"ادعوا الذين زعمتم من دون الله "فدعوهم أى فنادوا عليهم لينقذوهم فلم يستجيبوا لهم والمراد لم ينقذوهم من العذاب ورأوا العذاب أى وشاهدوا العقاب والمراد فدخلوا النار لو أنهم كانوا يهتدون أى يعملون بالرشد فى الدنيا ما دخلوا النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"المعنى ويوم يخاطبهم فيقول بماذا رددتم على المبعوثين فأخفيت عليهم الأخبار يومذاك فهم لا يستفهمون ،فأما من أناب أى صدق وفعل حسنا فعسى أن يصبح من المرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب أى يسأل الله الكفار على لسان الملائكة فيقول :ماذا أجبتم المرسلين أى بماذا رددتم على الأنبياء ؟وفى هذا اليوم عميت عليهم الأنباء أى خفيت عليهم الأخبار والمراد أنهم جهلة بالأحداث فى هذا اليوم ومن ثم فهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء لأن "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " كما قال بسورة عبس وأما من تاب أى أناب لدين الله وفسر هذا بأنه آمن أى صدق حكم الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا مما فى حكم الله فعسى أن يكون من المفلحين وهم الفائزين بجنة الله مصداق لقوله بسورة مريم "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ".
"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "المعنى وإلهك ينشىء ما يريد ويصطفى ما كان لهم الاختيار ،علا أى ارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه يخلق ما يشاء والمراد أن خالقه يبدع ما يريد من الأفراد وهو يختار أى يصطفى منهم من يريد رسولا ،وسبحان أى تعالى الله عما يشركون والمراد أن طاعة الله فضلت أى علت على طاعة الذى يطيعون وهو الآلهة المزعومة فهو من يجب طاعته لكونه الإله الوحيد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "المعنى وإلهك يعرف الذى تخفى نفوسهم والذى يبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه وهو خالقه يعلم ما تكن صدور الناس والمراد يدرى الذى تكتم نفوس الناس وما يعلنون وهو الذى يظهرون أى يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ".
"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون "المعنى وهو الرب لا رب سواه له الطاعة فى الدنيا والقيامة أى له الملك ولجزاءه تعودون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله له الحمد أى الطاعة لحكم الرب وفسر هذا بأنه له الحكم وهو الأمر فى الكون مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "فى الأولى وهى الدنيا وفى الآخرة وهى القيامة ويبين الله للناس أنهم إليه يرجعون أى إليه يقلبون أى يحشرون والمراد يعودون لجزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "وقوله بسورة العنكبوت "وإليه تقلبون" والخطاب للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون "المعنى قل أعلمتم إن خلق الرب لكم الليل دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بنور أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس السؤال التالى :أرأيتم أى عرفونى إن جعل الله عليكم الليل وهو الظلام سرمدا أى إن خلق الله لكم الظلام مستمرا إلى يوم القيامة وهى البعث من إله غير الله يأتيكم بضياء والمراد من رب سوى الله يجيئكم بنور ؟أفلا تسمعون أى "أفلا تبصرون "كما قال بالآية التالية أى أفلا تعقلون ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إنارة الليل وأما غيره فلا يقدرون على إنارة الليل بالضوء إذا أراد الليل دائم حتى يوم القيامة وإن الواجب عليهم هو السماع أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون "المعنى قل عرفونى إن خلق الرب لكم النهار دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بليل ترتاحون فيه أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس أرأيتم والمراد أعلمونى إن جعل أى خلق الله لكم النهار سرمدا أى مستمرا من إله غير الله يأتيكم بليل أى يجيئكم بظلام تسكنون أى تنامون أى ترتاحون فيه ؟أفلا تبصرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بسورة يس والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إظلام النهار إذا أصبح سرمدا أى مستمرا حتى يوم القيامة وأما غيره فلا يقدرون على هذا إذا أراد الله أن يكون النهار دائما وعليه فالله وحده هو القادر على إظلام النهار حتى يسكن أى يرتاح الناس وإن الواجب عليهم هو البصر أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه .
"ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "المعنى ومن نفعه خلق لكم الليل والنهار لترتاحوا فيه ولتطلبوا من رزقه ولعلكم تطيعون ،يبين الله للناس أن من رحمته وهى نفعه لهم أن جعل أى خلق لهم الليل ليسكنوا فيه والمراد ليرتاحوا فيه وخلق النهار ليبتغوا من فضله والمراد ليطلبوا فيه من رزق الله وقد خلق الليل والنهار لعل الناس يشكرون أى "لعلكم تذكرون "كما قال بسورة النور والمراد لعلهم يطيعون حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون "المعنى ويوم يخاطبهم فيقول أين مقاسمى الذين كنتم تقولون وأخرجنا من كل جماعة مقرا فقلنا أظهروا دليلكم فعرفوا أن الحكم لله وبعد عنهم ما كانوا يزعمون ،يبين الله أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب والمراد يسأل الكفار على لسان الملائكة أين شركاءى أى مقاسمى الذين كنتم تزعمون أى تعبدون مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون"والغرض من السؤال إظهار عدم وجود آلهة مع الله ،والله ينزع من كل أمة شهيدا والمراد والله يجىء من كل جماعة مقر على قومه ليشهد عليهم بما فعلوه معه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النساء "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد"ويقول الله للكفار :هاتوا برهانكم والمراد أحضروا دليلكم على صدق زعمكم فلم يحضروا شيئا وعلموا أى عرفوا التالى أن الحق لله والمراد "والأمر يومئذ لله "كما قال بسورة الإنفطار وهذا يعنى أن الحكم العادل لله وضل عنهم ما كانوا يفترون والمراد وتبرأ منهم الذى كانوا يزعمون فى الدنيا والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.
"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "المعنى إن قارون كان من شعب موسى (ص)فطغى عليهم وأعطيناه من الأموال ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أصحاب البأس إذ قال له شعبه لا تطغى إن الرب لا يرحم الطاغين ،يبين الله لنا أن قارون كان من قوم وهم شعب موسى (ص)والمراد من بنى إسرائيل فبغى عليهم والمراد فسار فيهم بالظلم أى تكبر عليهم والسبب أن الله أتاه من الكنوز أى أعطاه من الأموال ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة والمراد ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أهل البأس وهذا يعنى أن الجماعة ذات الصحة إذا رفعت الأموال من على الأرض تألمت من ثقلها فتعجز عن حملها فقال له قومه وهم أهله :لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين أى لا تفسد إن الرب لا يرحم المفسدين مصداق لقوله بسورة القصص "إن الله لا يحب المفسدين "وهذا يعنى أنهم نهوه عن حكمهم بغير حكم الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس هو وما بعده من القصة .
"وابتغ فيما أتاك الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين "المعنى واطلب فيما أعطاك الله جنة القيامة ولا تترك منفعتك من الأولى وأصلح كما أصلح الله لك ولا ترتكب الظلم بالبلاد إن الرب لا يثيب الظالمين،يبين الله أن القوم نصحوا قارون فقالوا :وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة أى واطلب فى الذى أعطاك الرب المقام القادم والمراد اعمل فى المال بما يضمن لك دخول الجنة ولا تنس نصيبك من الدنيا أى ولا تترك منفعتك من الأولى والمراد ولا تترك متعتك التى أباحها الله لك فى الدنيا وفسروا هذا بقولهم وأحسن كما أحسن الله إليك والمراد وأصلح عملك كما أصلح الله لك حالك والمراد اعدل كما عدل الله معك وفسروا هذا بقولهم ولا تبغ الفساد فى الأرض والمراد ولا تصنع الظلم فى البلاد والمراد "ولا تمش فى الأرض مرحا "كما قال بسورة لقمان ،إن الله لا يحب المفسدين أى إن الرب لا يرحم الفرحين مصداق لقوله بنفس السورة "إن الله لا يحب الفرحين "وهم الكافرين .
"قال إنما أوتيته على علم عندى أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون "المعنى قال إنما أخذته بسبب معرفة لدى ،هل لم يعرف أن الرب قد دمر من قبله من الأمم من هو أعظم منه عزة وأكثر عددا ولا يستخبر عن خطاياهم الكافرون ،يبين الله أن قارون رد على قومه قائلا :إنما أوتيته على علم عندى والمراد لقد حصلت عليه بسبب معرفتى وهذا يعنى أن سبب وجود كل هذا المال عنده هو معرفته وليس لأحد فضل عليه سواء الله أو غيره ،ويسأل الله أو لم يعلم والمراد هل لم يدرى أن الله قد أهلك أى دمر من قبله من القرون وهم الجماعات من هو أشد أى أعظم منه قوة أى بطشا مصداق لقوله بسورة الزخرف "فأهلكنا أشد منهم بطشا "وأكثر جمعا أى وأعظم أولادا مصداق لقوله بسورة التوبة "وأكثر أموالا وأولادا "؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس هو أن قارون كان يعلم أن الله دمر من الأمم من هو أقوى وأكثر عددا ومع ذلك كفر ولم يتخذ عبرة مما حدث لهم وعلى الناس اتخاذ العبرة مما حدث له ويبين لنا أن المجرمون وهم الكافرون لا يسئلون عن ذنوبهم والمراد لا يستفهمون عن خطاياهم وهذا يعنى أن الله لا يستفهم من الكفار عن سيئاتهم لأنه عالم بها .
"فخرج على قومه فى زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو فضل حظ عظيم "المعنى فطلع على شعبه فى هيئته قال الذين يحبون المعيشة الأولى يا ليت لنا شبه الذى أعطى قارون إنه لصاحب غنى كبير، يبين الله لنا أن قارون خرج على قومه فى زينته والمراد طلع إلى شعبه فى هيئته وهى الحلى الذهبية وغيرها أى الأوزار كما بقوله بسورة طه "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم "فقال الذين يريدون الحياة الدنيا وهم الذين يحبون متاع المعيشة الأولى :يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون أى يا ليت لنا مقدار الذى أعطى قارون من المال إنه لذو حظ عظيم والمراد إنه لصاحب غنى واسع وهذا يعنى أنهم تمنوا أن يكون لهم مال مثل مال قارون .
"وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن أمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون "المعنى وقال الذين أعطوا الوحى العذاب لكم أجر الله أفضل لمن صدق وفعل حسنا أى لا يدخلها إلا المطيعون،يبين الله أن الذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الكتاب وهو الوحى مصداق لقوله بسورة آل عمران "الذين أوتوا الكتاب "قالوا للمتمنين:ويلكم والمراد العذاب نصيبكم ،ثواب الله خير والمراد الدار الآخرة وهى الجنة أفضل لمن آمن أى صدق الوحى وعمل صالحا أى وفعل حسنا وهم المتقون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وللدار الآخرة خير للذين يتقون "وفسروا هذا بقولهم ولا يلقاها إلا الصابرون والمراد ولا يدخل الجنة إلا المطيعون وهم ذوو الحظ العظيم مصداق لقوله بسورة فصلت "ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم "
"فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "المعنى فزلزلنا به وببيته الأرض فما كان له من جماعة ينقذونه من سوى الرب وما كان من الغالبين ،يبين الله لنا أن الله خسف أى زلزل بقارون وداره وهى قصره بمن فيه الأرض وهى اليابس المقام عليه فما كان له من فئة ينصرونه والمراد فما كان له من جماعة ينقذونه من عذاب الله وما كان من المنتصرين وهم الغالبين وهذا يعنى أنه لم يقدر على الهرب من العذاب .
"وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "المعنى وأصبح الذين أرادوا مقامه بالبارحة يقولون إن الرب يكثر العطاء لمن يريد من خلقه ويقلل لولا أن تفضل الرب علينا لزلزل بنا إنه لا يفوز المكذبون،يبين الله أن الذين تمنوا مكان قارون بالأمس وهم الذين أرادوا مقام قارون وهو ماله بالبارحة أصبحوا يقولون بعد أن شاهدوا هلاك قارون :ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر والمراد إن الرب يكثر النفع لمن يريد من خلقه ويقلل وهذا إقرار منهم بخطأ تمنيهم فالله يبتلى بالغنى كما يبتلى بالفقر وقالوا لولا أن من علينا أى لولا أن رحمنا الله لخسف بنا والمراد لزلزل بنا والمراد لأهلكنا ويكأنه لا يفلح الكافرون والمراد إنه لا يفوز المكذبون أى إنه لا يرحم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "إنه لا يفلح الظالمون ".
"تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "المعنى تلك جنة القيامة ندخلها الذين لا يعملون ظلما فى البلاد أى جورا أى الجنة للمطيعين،يبين الله أن الدار الآخرة وهى جنة القيامة يجعلها الله للذين لا يريدون علوا فى الأرض والمراد يسكنها الرب الذين لا يفعلون كفرا فى البلاد وفسر الله العلو بأنه الفساد وفسر الله هذا بأن العاقبة وهى الجنة للمتقين أى المطيعين لحكم الله .
"من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون "المعنى من أتى بالنافعة فله أحسن من النار ومن أتى بالفاسدة فلا يعطى الذين صنعوا الفاسدات إلا عقاب ما كانوا يفعلون ،يبين الله أن من جاء بالحسنة والمراد أن من أتى بنفسه المسلمة فى الآخرة فله خير منها والمراد فله جزاء أفضل من النار وهو الجنة وأما من جاء بالسيئة والمراد وأما من أتى بالكفر فلا يجزى الذين عملوا السيئات والمراد فلا يدخل الذين "اجترحوا السيئات "كما قال بسورة الجاثية وهى الخطايا إلا ما كانوا يعملون والمراد إلا عقاب الذى كانوا يفعلون وهو النار
"إن الذى فرض عليك القرآن لرادك لمعاد قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين "المعنى إن الذى أنزل لك الكتاب لمعيدك إلى مرجع قل إلهى أعرف من أتى بالإسلام ومن هو فى كفر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى فرض عليه القرآن والمراد الذى نزل له الكتاب وهى الوحى مصداق لقوله بسورة الأعراف "الذى نزل الكتاب "راده إلى معاد والمراد محييه فى وقت أخر بعد موته ويطلب الله منه أن يقول للناس ربى أعلم بمن جاء بالهدى والمراد خالقى أدرى بمن أتى بالحق وهو الإسلام ومن هو فى ضلال مبين أى على كفر ظاهر وهذا يعنى معرفة الله للمسلمين والكافرين .
"وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد أن أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها أخر لا إله إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون "المعنى وما كنت تريد أن ينزل عليك الوحى إلا نفع من إلهك فلا تصبحن ناصرا للكاذبين ولا يردنك عن أحكام الله بعد إذ ألقيت إليك وناد إلهك ولا تصبحن من الكافرين ولا تعبد مع الرب ربا أخر لا رب إلا هو كل مخلوق فان إلا جزاءه له الأمر وإليه تعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب والمراد أنه ما كان يريد أن يوحى له القرآن وبيانه إلا رحمة من ربه والمراد إلا نفع من خالقه وهذا يعنى أنه أراد من إلقاء الوحى له الخير له من عند الله وينهاه الله أن يكون ظهيرا للكافرين والمراد ألا يكون نصيرا أى مطيعا لحكم المكذبين لحكم الله وفسر هذا بقوله لا يصدنك عن آيات لله بعد إذ أنزلت إليه والمراد لا يردنك عن طاعة أحكام الرب أحد بعد أن أوحيت لك وفسر هذا بقوله وادع إلى ربك والمراد وأطع حكم إلهك وفسر هذا بقوله ولا تكونن من المشركين أى "فلا تكونن من الجاهلين"كما قال بسورة الأنعام والمراد لا تصبحن من الكافرين وفسر هذا بقوله ولا تدع مع الله إلها أخر والمراد ولا تطع مع حكم الله حكم رب أخر مزعوم ،ويبين له أن لا إله أى لا رب إلا الله وأن كل شىء وهو كل مخلوق هالك إلا وجهه والمراد كل مخلوق فان إلا جزاء الله وهو الجنة والنار وإليه ترجعون أى تعودون أى تحشرون مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "والمراد وإلى وجه وهو جزاء الله تعودون بعد الموت والخطاب وما قبله وما قبله وما قبله للنبى(ص) .