"إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "المعنى إن الذين كذبوا ويردون عن دين الرب والمصلى الأمن الذى وضعناه للبشر سيان القائم فيه والزائر ومن يفعل فيه كفر أى فسق نعطيه من عقاب شديد ،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى الذين كذبوا حكم الله وفسرهم بأنهم يصدون عن سبيل الله والمراد ويردون عن دين الله والمسجد الحرام والمراد والمصلى الأمن الذى جعلناه للناس والمراد الذى وضعناه للبشر أمان من الضرر والمراد بالبشر هنا العاكف فيه أى المقيم فى مكة والباد وهو الزائر لمكة من أجل الحج والعمرة ويبين لنا أن من يرد فيه بإلحاد أى من يفعل فى مكة وهى البيت الحرام ظلم أى فساد يذقه من عذاب أليم أى يدخله فى العقاب الكبير مصداق لقوله بسورةالفرقان "نذقه من عذاب كبير".
"وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود"المعنى وقد أظهرنا لإبراهيم (ص)قواعد البيت أن لا تعبد معى أحدا وأقم كعبتى للدائرين والواقفين أى الركع السجود ،يبين الله لنا أنه بوأ أى أظهر لإبراهيم (ص) مكان البيت أى قواعد أى أسس الكعبة وقال له أن لا تشرك بى شيئا أى أن لا تعبد معى أحدا وطهر بيتى أى وابن مسجدى للطائفين وهم الزائرين للكعبة بمكة والقائمين وهم المقيمين بمكة والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).
"وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق "المعنى وناد فى الخلق بالزيارة يجيئوك مشاة وعلى كل مركوب يجيئون من كل مكان بعيد،يبين الله أنه قال لإبراهيم (ص):وأذن فى الناس بالحج أى وناد فى البشر بالزيارة والمراد وأبلغ البشر حكم الله بزيارة البيت الحرام ،ثم بين له نتيجة الأذان وهو الإبلاغ وهى أن يأتيه الناس أى أن يجىء له البشر رجالا أى مشاة على أرجلهم وعلى كل ضامر أى وعلى كل مركوب يأتين من كل فج عميق أى يحضرون من كل مكان بعيد ومن هنا نعلم أن الحجاج إما مشاة على أرجلهم وهم الرجال وإما راكبين على الضامر وهو أى شىء يركب سواء حيوان أو آلة كما نعلم أنهم يأتون من كل بلد وليس من بلد واحد.
"ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "المعنى ليحضروا فوائد لهم ويطيعوا حكم الله فى أيام معروفات على ما أعطاهم من ذبيحة الأنعام فاطعموا منها وأعطوا المحتاج العاجز ثم ليتموا عهدهم أى ليتموا ميثاقهم وليزوروا فى المسجد الحرام ،يبين الله أنه قال لإبراهيم (ص)أن الزوار يأتوا ليشهدوا منافع لهم والمراد ليحضروا فوائد لهم أى ليأخذوا من رزق الله وهو اللحم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والمراد ويطيعوا حكم الله وهو الوحى فى أيام محددات فى ما أعطاهم من ذبيحة الأنعام وحكم الله فى بهيمة الأنعام هو أن الله قال للحجاج فكلوا منها واطعموا البائس الفقير والمراد اطعموا منها أى أن يأكلوا جزء من ذبيحة الأنعام والجزء الأخر يعطوه للإنسان المحتاج العاجز عن الكسب،وبين له بقية أسباب الحج وهى أن يقضوا تفثهم أى يوفوا نذورهم والمراد ليكملوا مواثيقهم وبألفاظ أخرى ليعملوا بقية أعمال الحج كالسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ،وليطوفوا بالبيت العتيق أى وليتواجدوا فى كل مكان فى المسجد الحرام والقول يبدو مكون من آيتين الأولى تتحدث بصيغة المضارع ليشهدوا وليوفوا والثانية تتحدث بصيغة الأمر فكلوا وأعطوا وكل منهما محذوف بعضه.
"ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"المعنى ذلك ومن يكبر شعائر الرب فهو أفضل له لدى خالقه وأبيحت لكم الأنعام إلا ما يقرأ عليكم فابتعدوا عن الأذى من الأصنام أى ابتعدوا عن قول الباطل ،يبين الله لنا أن من يعظم حرمات الله والمراد من يجل شعائر الرب مصداق لقوله بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله "أى ومن يفعل أحكام الرب فى الحج فهو خير له عند ربه والمراد فهو أحسن له لدى إلهه،ويبين لنا أنه أحلت أى أبيح لنا أكل لحم الأنعام إلا ما يتلى علينا والمراد إلا ما يبلغ لنا فى الوحى من المحرمات و ما ورد فى سور المائدة والبقرة والأنعام وغيرها ،ويطلب منا أن نجتنب الرجس من الأوثان والمراد أن نبتعد عن الضرر الأتى منه عبادة الأصنام وفسر هذا بأن يجتنبوا قول الزور والمراد أن يتركوا طاعة حديث الباطل وهو الطاغوت مصداق لقوله بسورة النحل"واجتنبوا الطاغوت" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق"المعنى مسلمين لحكم الله غير عاصين له ومن يعصى حكم الله فكأنما وقع من الجو فتأكله الطيور أو يرمى به الهواء فى مكان بعيد ،يطلب الله منا أن نجتنب الزور وفسر هذا بأن نكون حنفاء لله أى مخلصين الدين له مصداق لقوله بسورة غافر "مخلصين له الدين "والمراد أن نكون مسلمين أنفسنا لطاعة حكم الله وفسر هذا بأن نكون غير مشركين به أى غير عاصين لحكم الله ويبين لنا أن من يشرك بالله أى من يكفر بآيات الله مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يكفر بآيات الله"والمراد من يعصى حكم الله فكأنما خر من السماء أى وقع من الجو العالى فكانت نتيجة سقوطه هى أحد أمرين :
-تخطف الطير له والمراد أكل الطيور لجثته بعد تحطمه وموته .
-أن تهوى به الريح فى مكان سحيق والمراد أن يقذف به الهواء المتحرك فى موضع بعيد يهلك فيه وبهذا يرينا الله أن مصير المشرك هو الهلاك فى كل الأحوال .
"ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق "المعنى ذلك ومن يذبح ذبائح لله فإنها من طاعة النفوس لكم فيها فوائد إلى موعد محدد ثم مصيرها للبيت الحرام ،يبين الله لنا أن ذلك وهو الهلاك جزاء المشرك ،ثم يبين أن من يعظم شعائر الله والمراد أن من يذبح أنعام الله فإنها من تقوى القلوب أى فإن عمل الذبح فهذا من طاعة النفوس لحكم الله والمراد فإن فعله فإنه خضوع لحكم الله ،ويبين لنا أن الشعائر وهى الأنعام لنا فيها منافع إلى أجل مسمى والمراد لنا فيها فوائد إلى موعد محدد وهذه الفوائد هى الأكل منها لمدة يومين أو ثلاثة ويبين لنا أن محل الأنعام إلى البيت العتيق أى أن مصير الأنعام هو المسجد القديم والمراد أن موضع ذبح الأنعام هو فى البيت الحرام والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين "المعنى ولكل جماعة عينا مذبحا ليطيعوا حكم الرب فى الذى أعطاهم من ذبيحة الأنعام فربكم رب واحد فله أطيعوا وأفرح المطيعين ،يبين الله لنا أنه جعل لكل أمة منسك أى أنه عين لكل فرقة من الفرق مذبح عبر العصور والمراد مكان لذبح الأنعام هو فى مكة والسبب ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والمراد ليتبعوا حكم الرب فيما أعطاهم من ذبيحة الأنعام وهذا يعنى أن سبب تحديد المذبح هو طاعة حكم الله بذبح الأنعام المعطاة لهم من الله ،ويبين لنا أن إلهنا إله واحد والمراد أن ربنا رب واحد ومن ثم فالطاعة هى لحكمه وحده ويطلب منا أن نسلم له أى نطيع حكم الله ويطلب من نبيه(ص)أن يبشر المخبتين والمراد يخبر المؤمنين أن لهم أجر حسن من الله هو الجنة مصداق لقوله بسورة الكهف"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا "والخطاب فى أوله للناس ثم فى أخره وبشر للنبى(ص).
"الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "المعنى الذين إذا أطيع الله اطمأنت نفوسهم أى المطيعين برغم ما مسهم أى المتبعى الدين أى من الذى أوحينا لهم يعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن المخبتين هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والمراد الذين إذا اتبعوا حكم الله اطمأنت نفوسهم مصداق لقوله بسورة الرعد"ألا بذكر الله تطمئن القلوب "وفسرهم بأنهم الصابرين على ما أصابهم أى المطيعين حكم الله برغم ما نزل بهم من الضر أى البأس وهو النفع مصداق لقوله بسورة البقرة "والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس "وقوله بسورة الإنسان"واصبر لحكم ربك "فهم فى كل الأحوال يطيعون حكم الله وفسرهم بأنهم المقيمى الصلاة أى المطيعين للدين وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الصلاة "وفسرهم بأنهم مما رزقناهم ينفقون أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى يطيعون.
"والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون "المعنى والإبل خلقناها لكم من ذبائح الله لكم فيها نفع فأطيعوا حكم الله فيها صفوف فإذا رقدت جنوبها فاطعموا منها وأعطوا المحتاج أى العاجز هكذا خلقناها لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله لنا أن البدن وهى الإبل جعلها أى خلقها الله لنا من شعائر وهى ذبائح الله التى أباح ذبحها ولنا فيها خير أى نفع ،ويطلب الله منا أن نذكر اسم الله عليها صواف والمراد أن نطيع حكم الله بذبحها فى صفوف وهذا يعنى أن ذبح البدن يتم بطريقة منظمة حيث توقف فى صفوف ويتم ذبحها فى وقت معلوم فإذا وجبت جنوبها أى فإذا سقطت أجسامها والمراد فإذا توقفت أجسادها عن الحركة فيجب علينا أن نأكل أى نطعم منها ونطعم أى ونعطى اللحم منها القانع وهو المعتر وهو المحتاج العاجز أى البائس الفقير مصداق لقوله بنفس السورة "وأطعموا البائس الفقير"ويبين لنا أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهى الذبح سخرها لنا أى نفعنا بها والسبب لعلنا نشكره أى نطيع حكمه والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين "المعنى لن يأخذ الرب لحومها ولا دماؤها ولكن تصيبه الطاعة منكم هكذا خلقها لكم لتتبعوا الرب فيما أوحى لكم وأخبر المصلحين ،يبين الله لنا أنه لن ينال أى يأخذ والمراد لن يستفيد بلحوم الأنعام فى أكل ولا بدماءها فى شرب أو غيره وإنما يناله التقوى منكم أى تصيبه الطاعة منكم والمراد أن الله تصل لعلمه طاعتنا لحكمه فى الأنعام ويبين لنا أن كذلك سخرها لنا والمراد أن بالذبح نفعنا الله بالأنعام والسبب أن نكبر الله على ما هدانا والمراد أن نتبع الرب فيما أوحى لنا وهو هنا حكم ذبح الأنعام ويطلب الله من نبيه(ص)أن يبشر المحسنين والمراد أن يخبر المخبتين بأن لهم الجنة مصداق لقوله بنفس السورة "وبشر المخبتين "والخطاب فى معظمه للمؤمنين وفى آخره للنبى(ص)وبشر وما بعده له
"إن الله يدافع عن الذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور "المعنى إن الرب ينافح عن الذين صدقوا إن الرب لا يرحم كل خداع كذوب،يبين الله لنا أنه يدافع عن الذين أمنوا والمراد ينصر الذين صدقوا حكمه مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا"ويبين لنا أنه لا يحب كل خوان كفور أى لا يهدى أى لا يرحم كل مخادع مكذب بحكمه مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "
"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "المعنى سمح للذين يجاهدون بأنهم بخسوا وإن الرب على تأييدهم لفاعل، يبين الله أنه أذن أى سمح أى أباح القتال للذين يقاتلون وهم من يحاربون والسبب أنهم ظلموا أى بخسوا حقوقهم من الذين يقاتلونهم ،ويبين لنا أنه على نصرهم لقدير والمراد أنه لتأييدهم فى القتال فاعل وهذا يعنى أنه يجعلهم يغلبون عدوهم .والخطاب للنبى(ص)وما بعده
"الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز "المعنى الذين طردوا من بلادهم بغير جرم إلا أن يقولوا إلهنا الرب ولولا مقاومة الرب الخلق بعضهم ببعض لدكت صوامع أى بيع أى صلوات أى مساجد يطاع فيها وحى الله دوما وليساعدن الله من يطيعه إن الله لمتين غالب ،يبين الله لنا أن المظلومين المسموح لهم بالقتال هم الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق والمراد طردوا من بلادهم بدون جريمة يستحقون عليها الطرد إلا أن يقولوا ربنا الله والمراد دين إلهنا الرب هو العدل ،ويبين الله لنا أن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض والمراد لولا مقاومة أى صد الله الخلق بعضهم ببعض لحدث التالى :هدمت أى فسدت أى بطلت صوامع أى بيع أى صلوات أى مساجد أى بلاد أى أراضى مصداق لقوله بسورة البقرة "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"فالأرض التى يذكر فيها اسم الله كثيرا تفسد والمراد أن بلاد الإسلام التى يتبع فيها حكم الله دوما تعصى حكم الله بسبب عدم الدفع وهو مقاومة الباطل ،ويبين الله لنا أنه ينصر من ينصره أى يعين من يطيع حكمه والمراد يدافع عن من يتبع حكمه ،والله هو القوى أى المتين أى المعز العزيز أى الغالب على أمره .
"الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " المعنى الذين إن حكمناهم فى البلاد أطاعوا الدين أى اتبعوا الحق أى عملوا بالحق أى بعدوا عن الباطل ولله حكم الأشياء،يبين الله أن المنصورين هم الذين إن مكنهم الله فى الأرض والمراد الذين إن حكمهم الرب فى البلاد أى الذين إن استخلفهم فى البلاد أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وهو الإسلام وفسرهم بأنهم أتوا الزكاة أى اتبعوا الحق وفسرهم بأنهم أمروا بالمعروف أى عملوا بالقسط وهو العدل مصداق لقوله بسورة آل عمران "ويأمرون بالقسط"وفسرهم بأنهم نهوا عن المنكر أى ابتعدوا عن الفساد وهو كل حكم سوى حكم الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"وينهون عن الفساد "ويبين أن لله عاقبة الأمور والمراد له الحكم وهو الأمر فى المخلوقات مصداق لقوله بسورة الروم "لله الأمر من قبل ومن بعد " والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير "المعنى وإن يكفروا برسالتك فقد كفر قبلهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وشعب إبراهيم (ص)وشعب لوط(ص)وأهل مدين وكفر بموسى (ص)فاستدرجت المكذبين ثم أهلكتهم فكيف كان عقاب ؟،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس إن يكذبوه أى يكفروا بآيات الله المنزلة عليه فقد كذبت أى كفرت بآيات الله قبلهم قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وقوم أى شعب إبراهيم (ص)وقوم أى شعب لوط(ص)وأهل مدين وكذب أى كفر قوم فرعون بموسى (ص)مصداق لقوله بسورة الأنفال "كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله " فكانت النتيجة أن أملى الله للكافرين أى أعطى الله المكذبين الخير فى الدنيا ليزدادوا كفرا مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما "وبعد ذلك أخذهم أى أهلكهم ويسأل الله فكيف كان نكير أى عقاب مصداق لقوله بسورة غافر "فكيف كان عقاب"والغرض من السؤال وما قبله هو إخبار الرسول (ص)أن تكذيب الناس له أمر عادى حدث مع كل الرسل ومن ثم فعليه ألا يحزن بسبب ذلك .
"فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد "المعنى فكم من أهل بلد دمرناها وهى كافرة فهى خالية من ساكنيها ونهر مطموس وبيت مبنى ،يسأل الله :فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة والمراد فكم من أصحاب بلدة قصمناها وهى مذنبة مصداق لقوله بسورة الأنعام "فأهلكناهم بذنوبهم "والغرض من السؤال إخبار الكل أن الله دمر الكثير من الأقوام بسبب ظلمهم فهذه القرى خاوية على عروشها والمراد خالية من ساكنيها لموتهم وفيها بئر معطلة أى نهر والمراد مصدر للمياه جاف وفيها قصر مشيد أى بيت مبنى والمراد بيوت مبنية ليس بها ساكنيها والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور "المعنى أفلم يسافروا فى البلاد فتصبح لهم عقول يفهمون بها أى بصائر يعقلون بها فإنها لا تؤذى العيون ولكن تؤذى البصائر التى فى النفوس ،يسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم ينتقلوا فى البلاد فتكون لهم قلوب يعقلون بها أى أذان يسمعون بها والمراد عقول يفهمون بها ما حدث لمن سبقوهم ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس علموا ما حدث لمن سبقوهم ومع ذلك لم يتعظوا ،ويبين الله أن الدنيا لا تعمى الأبصار والمراد لا تخدع العيون التى تتم المشاهدة بها ولكن الدنيا تعمى القلوب التى فى الصدور أى تضل العقول التى فى النفوس والمراد أن متاع الدنيا يلغى البصائر من النفوس فتقود الشهوات النفس بدلا من العقل مصداق لقوله بسورة القيامة "بل الإنسان على نفسه بصيرة "أى عقل .
"ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون "المعنى ويطالبونك بالعقاب ولن ينقض الرب قوله وإن يوما لدى إلهك كألف عام مما تحسبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار يستعجلونه بالعذاب والمراد يطالبونه بسرعة مجىء العقاب وهو السيئة مصداق لقوله بسورة الرعد"ويستعجلونك بالسيئة "ويبين له أنه لن يخلف وعده والمراد لن ينقض قوله بنزول العذاب عليهم ،ويبين له أن قدر اليوم عنده أى فى أم الكتاب هو ألف سنة مما يعدون أى ألف عام مما يحصى الناس .
"وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير "المعنى وكم من أهل بلدة أعطيت لها وهى كافرة ثم أهلكتها وإلى المرجع،يسأل الله نبيه(ص)وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة والمراد وكم من أهل بلدة أعطيت لها الرزق كثيرا ثم دمرتها وهى مذنبة مصداق لقوله بسورة الأنعام"فأهلكناهم بذنوبهم "وإلى المصير أى المرجع مصداق لقوله بسورة الحديد "وإلى الله ترجع الأمور"والغرض من السؤال هو إخباره بكثرة ما أهلك الله من الأقوام الكافرة نتيجة ظلمهم والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"قل يا أيها الناس إنما أنا نذير مبين فالذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم"المعنى قل يا أيها الخلق إنما أنا مبلغ أمين فالذين صدقوا الوحى وفعلوا الحسنات لهم رحمة أى نفع عظيم والذين ساروا لأحكامنا معاندين أولئك أهل النار ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس وهم الخلق :يا أيها الناس أى الخلق إنما أنا نذير مبين أى رسول أمين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إنى لكم رسول أمين"أى مبلغ مخلص فالذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم مغفرة أى رحمة أى رزق كريم أى أجر كبير مصداق لقوله بسورة فاطر"لهم مغفرة وأجر كبير" والذين سعوا فى آياتنا معاجزين والمراد والذين عاشوا بأحكامنا كافرين أولئك أصحاب الجحيم أى أهل النار مصداق لقوله بسورة البقرة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار ".
"وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم "المعنى وما بعثنا من قبلك من مبعوث أى رسول إلا إذا أبلغ حرف الكافر فى قوله فيمحو الرب ما يقول الكافر ثم يثبت الرب أحكامه والرب خبير قاض،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما أرسل من قبله من رسول أى نبى والمراد ما بعث من قبل وجوده من مبعوث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته والمراد إلا إذا أبلغ الوحى غير الكافر فى كلامه وهذا يعنى أن كل الرسالات حرفت بعد أن أبلغها الرسل للناس ،وبعد التحريف كان الله ينسخ ما يلقى الشيطان أى يمحو الرب ما يقول الكافر من الباطل مصداق لقوله بسورة الشورى "ويمح الله الباطل"ثم يحكم آياته والمراد ويثبت أحكامه والمراد ويعيد أحكامه لسابق صحتها أى يحفظها من التحريف والله عليم حكيم أى خبير قاضى بالعدل والخطاب للنبى(ص) .
" ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد "المعنى ليكون الذى يقول الكافر سقطة للذين فى نفوسهم كفر والكافرة نفوسهم وإن الكافرين لفى الضلال الكبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يجعل ما يلقى الشيطان والمراد يجعل الذى يقول الكافر وهو المحرف للوحى فتنة أى سقطة للذين فى قلوبهم مرض وهم الذين فى نفوسهم كفر وفسرهم الله بأنهم القاسية قلوبهم أى الكافرة نفوسهم وهذا يعنى أنهم يصغون لهم ويقبلوه مصداق لقوله بسورة الأنعام "ولتصغى له أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون"ويبين لنا أن الظالمين وهم الكافرين فى شقاق بعيد أى فى ضلال كبير والمراد عذاب مستمر مصداق لقوله بسورة سبأ"فى العذاب والضلال البعيد"والخطاب للنبى(ص).