سر وحدتها
بسم الله الرحمن الرحيم هذه الحكاية المزجية بعضها خيال وبعضها حقائق مزجتها ببعضها وهى ثانى حكاية طويلة ألفتها عام 1404 هـ وقد كتبتها تحت تأثير قولة تقول لابد من إحياء بعض الكلمات العربية التى لا تستخدم إلا نادرا ومعظمها كان فى كتاب لغوى يسمى غراس الأساس صدر على حلقات فى مجلة الأزهر خلال العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجرى وقد نفذت القولة فى تلك الحكاية .
&&&&&&
العم حسنين رجل طال به العمر حتى بلغ الستين عاما عاش خلالها عصر الاحتلال وعاش عهد الثورة وما تلاها تزوج خلال تلك السنين أربع زيجات ماتت الواحدة تلو الأخرى عدا الأخيرة التى عاشت معه سبعة عشر عاما أنجبت فيهم ثلاث من البنات وولدين ثم انتقلت إلى الرفيق الأعلى ومن يومها والعم حسنين يعيش فى فراغ بعد أن تزوج بنيه عدا محمد- الذى أصيب بمرض نفسى بعد حادثة مرعبة – وتفرقوا فى البلاد وأدرك العم حسنين أنه لن يستطع صبرا على أن يعيش مع ابنه محمد دون أن يرعاهما أحد لذا فكر وأمعن التفكير فى خيارين لا ثالث بينهما اما الأول فهو تصفية أمواله وأملاكه فى البلدة ليعيش مع إحدى بناته أو ابنه الأصغر لكنه أعرض عن هذه الفكرة بعد تفكيره فيما قد ينجم إذا عاش مع أحد بنيه وأما الخيار الثانى فكان زواجه من إحدى الأرامل اللائى يعرفهن وهو ما اختاره إذ سرعان ما تبلورت الفكرة فى نفسه واختار إحداهن وهى أمينة زوجة حسين عبده يرحمه الله ومن ثم بعث يستشير أولاده فى الأمر فوافقوا كلهم وفى فترة قصيرة كان قد أعد العدة ورتب نفسه فذهب إلى بيت أمينة فقرع الباب ففتحت له الباب ورحبت به ترحيبا شديدا ودعته للدخول فدخل وجلس على الكنبة ملقيا السلام وقد حرص أن يكون على مبعدة منها فابتدرته قائلة خير يا شيخ حسنين فرد وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة خير إن شاء الله خير وعند ذلك دخلت فتاة يافعة تجاوزت العشرين بسبع أو ثمان سنوات تحمل صينية الشاى فوضعتها وانصرفت على عجل وقد توردت وجنتيها عندما رأته
أخذت الفتاة من حسنين لبه وعزفت على أوتار قلبه فلم يعى إلا وهو يقول لأمها :أنا طالب يد وفاء فردت أمينة وقطبت جبينها لكن يا شيخ حسنين البنت سنها صغير والفرق بينكم كبير فى السن فأجابها قائلا يا حاجة السن ليست مقياس والحمد لله المال موفور والعافية موجودة وستكون عندى فى أمان وكل حقوقها ستأخذها فردت ووجهها ما يزال على حالته لكن يا شيخ حسنين كل أم تخاف على ابنتها وتحب تضمن لها مستقبلها ولا مؤاخذة أنا خائفة على ابنتى من الفتنة والشيوخ الكبار كما تعرف زاهدين فى الدنيا ومشكلة محمد مشكلة كبيرة لأنه ممكن يعتدى عليها فأجاب قائلا إن كان على محمد فالمشكلة بسيطة يعيش فى جنب من البيت فردت عليه إن كان هذا صحيح فأنا موافقة لكن البنت لها رأيها فأجاب وقد تهلل وجهه إذن خذى رأيها فقامت إليها ودخلت عليها وقالت لها إن الشيخ حسنين أتى ليتزوجها فوافقت الفتاة من توها فتعجبت الأم من ذلك فكيف تفضل رجل أيام عمره فى الدنيا محدود على شباب يتمنون التراب الذى تمشى عليه وينتظرون إشارة من إصبعها الصغير كيف تفضل رجل أوهنته الأيام على شباب ما زالوا فى عنفوان قوتهم أسئلة كثيرة دارت فى عقل الأم التى شدهت من رأى ابنتها
بعدها قامت إلى حسنين ونقلت إليه رأى ابنتها بأمانة فما إن سمعه حتى اهتز كيانه واضطربت مشاعره فلم يشعر إلا ويده ممدودة إلى الأم وهو يقول فلنقرأ الفاتحة ونتفق على كل شىء الآن فاتفقا على كل شىء وحددا موعد البناء بها
ولكن نشأت مشكلة بين حسنين والحاجة أمينة هى هل يكون الزواج سرى بمعنى ألا يكون هناك مظاهر الفرح لأن حسنين كبر على هذه المظهريات لكن الحاجة أمينة أصرت على أن تجرى المظاهر بكاملها فلم يسع حسنين إلا الموافقة
كانت وفاء الإبنة المدللة مع أنها ليست الصغرى فلم يكن أبيها يجعلها تخرج من البيت إلا عند الضرورة وعلى العكس كانت الصغرى إخلاص التى كانت تذهب إلى الحقل وتعمل فى فلاحة الأرض مع أبيها لذا تعلمت شىء من العمل أما وفاء فكانت على نيتها ساذجة فكلما جاء خاطب يخطبها بكت وآنت فكانت بريئة طاهرة لا تعرف شىء كأنها مولودة لتوها من بطن أمها لذا فهى اختارت حسنين ليعوضها عن حنان أبيها الذى اختاره الله إلى جواره .
وفى شهر كان كل شىء قد تم وبنى بها حسنين ومارس معها حقوقه الزوجية لكنها لم تفطن لهذه الحقوق إلا بعد تفكير فهى لم تتزوجه إلا ليعوضها عن حنان أبيها بالحب الذى يغمرها به لا لكى يباشرها ،لقد كانت تربيتها قاصرة حيث جعلها أبيها بحبه لها وعدم إخراجها من البيت إلا قليلا منطوية على نفسها غير متفهمة إلا لمفهومين أو ثلاث هم الأب والأم والأقارب والإخوة لهذا هيأت نفسها على أن كل إنسان إما أبيها أو أمها أو أختها أو أخيها أو عمها أو خالها إلى آخر الأقارب ولقد فطن حسنين إلى هذه الحقيقة فحاول جاهدا أن يغير مفاهيمها القاصرة عن طريق الأمثلة المقربة مثل أختها وصويحباتها وفى أثناء ذلك حملت من حسنين فبدأ نظرة أولاده تتغير عندما علموا بحملها فقد كانت أنفسهم مشغولة بعيدة عما يشغل أبيهم الذى كاد أن يفنيه الدهر فلقد كانوا ينظرون من ناحية المادة فتنكبوا السبيل وتفرقوا ولقد كان هذا الحمل قنبلة فتيلها ساعة المخاض لكن إرادة الله سبحانه وتعالى أرادها ألا تنفجر فمات المولود بعد دقيقات من ولادته .
كان حسنين يتقى شر أولاده بما يبعثه إليهم من أموال كى ترتاح نفوسهم التى أقفرت من الحب ونضب معينها من البر والإحسان والعطف وكى تهدأ خواطرهم التى تذهب بهم كل مذهب شيطانى فلقد أبانت الأموال عن حسنين أولاده وعزبتهم عنه فأرته مبلغ جشعهم وتعطشهم على المال وسوء نيتهم تجاهه لقد أدرك أنه كان فى سبات عميق عنهم فلقد تنهنه عنهم أياما طوالا وأعطاهم ولم ينتظر الشكر وآثرهم على نفسه التى حرمها كثيرا من أجلهم .
أفبعد هذا يظهرون ما بطن ويضمرون الحقد عليه وعلى زوجته إنه يعرف داء أولاده ودوائهم ولو أراد أن يجعلهم يقبلون عليه فيقبلون يده ويستعطفونه لفعل لكنه لا يحب أن يراهم فى تلك الصورة المخزية فإن نفاقهم ومداهنتهم له أفضل من ذاك الموقف فهو يأنف أن يصنع ذلك ويتوسم أن يزول تصدع العلاقات بينه وبين أولاده
بسم الله الرحمن الرحيم هذه الحكاية المزجية بعضها خيال وبعضها حقائق مزجتها ببعضها وهى ثانى حكاية طويلة ألفتها عام 1404 هـ وقد كتبتها تحت تأثير قولة تقول لابد من إحياء بعض الكلمات العربية التى لا تستخدم إلا نادرا ومعظمها كان فى كتاب لغوى يسمى غراس الأساس صدر على حلقات فى مجلة الأزهر خلال العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجرى وقد نفذت القولة فى تلك الحكاية .
&&&&&&
العم حسنين رجل طال به العمر حتى بلغ الستين عاما عاش خلالها عصر الاحتلال وعاش عهد الثورة وما تلاها تزوج خلال تلك السنين أربع زيجات ماتت الواحدة تلو الأخرى عدا الأخيرة التى عاشت معه سبعة عشر عاما أنجبت فيهم ثلاث من البنات وولدين ثم انتقلت إلى الرفيق الأعلى ومن يومها والعم حسنين يعيش فى فراغ بعد أن تزوج بنيه عدا محمد- الذى أصيب بمرض نفسى بعد حادثة مرعبة – وتفرقوا فى البلاد وأدرك العم حسنين أنه لن يستطع صبرا على أن يعيش مع ابنه محمد دون أن يرعاهما أحد لذا فكر وأمعن التفكير فى خيارين لا ثالث بينهما اما الأول فهو تصفية أمواله وأملاكه فى البلدة ليعيش مع إحدى بناته أو ابنه الأصغر لكنه أعرض عن هذه الفكرة بعد تفكيره فيما قد ينجم إذا عاش مع أحد بنيه وأما الخيار الثانى فكان زواجه من إحدى الأرامل اللائى يعرفهن وهو ما اختاره إذ سرعان ما تبلورت الفكرة فى نفسه واختار إحداهن وهى أمينة زوجة حسين عبده يرحمه الله ومن ثم بعث يستشير أولاده فى الأمر فوافقوا كلهم وفى فترة قصيرة كان قد أعد العدة ورتب نفسه فذهب إلى بيت أمينة فقرع الباب ففتحت له الباب ورحبت به ترحيبا شديدا ودعته للدخول فدخل وجلس على الكنبة ملقيا السلام وقد حرص أن يكون على مبعدة منها فابتدرته قائلة خير يا شيخ حسنين فرد وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة خير إن شاء الله خير وعند ذلك دخلت فتاة يافعة تجاوزت العشرين بسبع أو ثمان سنوات تحمل صينية الشاى فوضعتها وانصرفت على عجل وقد توردت وجنتيها عندما رأته
أخذت الفتاة من حسنين لبه وعزفت على أوتار قلبه فلم يعى إلا وهو يقول لأمها :أنا طالب يد وفاء فردت أمينة وقطبت جبينها لكن يا شيخ حسنين البنت سنها صغير والفرق بينكم كبير فى السن فأجابها قائلا يا حاجة السن ليست مقياس والحمد لله المال موفور والعافية موجودة وستكون عندى فى أمان وكل حقوقها ستأخذها فردت ووجهها ما يزال على حالته لكن يا شيخ حسنين كل أم تخاف على ابنتها وتحب تضمن لها مستقبلها ولا مؤاخذة أنا خائفة على ابنتى من الفتنة والشيوخ الكبار كما تعرف زاهدين فى الدنيا ومشكلة محمد مشكلة كبيرة لأنه ممكن يعتدى عليها فأجاب قائلا إن كان على محمد فالمشكلة بسيطة يعيش فى جنب من البيت فردت عليه إن كان هذا صحيح فأنا موافقة لكن البنت لها رأيها فأجاب وقد تهلل وجهه إذن خذى رأيها فقامت إليها ودخلت عليها وقالت لها إن الشيخ حسنين أتى ليتزوجها فوافقت الفتاة من توها فتعجبت الأم من ذلك فكيف تفضل رجل أيام عمره فى الدنيا محدود على شباب يتمنون التراب الذى تمشى عليه وينتظرون إشارة من إصبعها الصغير كيف تفضل رجل أوهنته الأيام على شباب ما زالوا فى عنفوان قوتهم أسئلة كثيرة دارت فى عقل الأم التى شدهت من رأى ابنتها
بعدها قامت إلى حسنين ونقلت إليه رأى ابنتها بأمانة فما إن سمعه حتى اهتز كيانه واضطربت مشاعره فلم يشعر إلا ويده ممدودة إلى الأم وهو يقول فلنقرأ الفاتحة ونتفق على كل شىء الآن فاتفقا على كل شىء وحددا موعد البناء بها
ولكن نشأت مشكلة بين حسنين والحاجة أمينة هى هل يكون الزواج سرى بمعنى ألا يكون هناك مظاهر الفرح لأن حسنين كبر على هذه المظهريات لكن الحاجة أمينة أصرت على أن تجرى المظاهر بكاملها فلم يسع حسنين إلا الموافقة
كانت وفاء الإبنة المدللة مع أنها ليست الصغرى فلم يكن أبيها يجعلها تخرج من البيت إلا عند الضرورة وعلى العكس كانت الصغرى إخلاص التى كانت تذهب إلى الحقل وتعمل فى فلاحة الأرض مع أبيها لذا تعلمت شىء من العمل أما وفاء فكانت على نيتها ساذجة فكلما جاء خاطب يخطبها بكت وآنت فكانت بريئة طاهرة لا تعرف شىء كأنها مولودة لتوها من بطن أمها لذا فهى اختارت حسنين ليعوضها عن حنان أبيها الذى اختاره الله إلى جواره .
وفى شهر كان كل شىء قد تم وبنى بها حسنين ومارس معها حقوقه الزوجية لكنها لم تفطن لهذه الحقوق إلا بعد تفكير فهى لم تتزوجه إلا ليعوضها عن حنان أبيها بالحب الذى يغمرها به لا لكى يباشرها ،لقد كانت تربيتها قاصرة حيث جعلها أبيها بحبه لها وعدم إخراجها من البيت إلا قليلا منطوية على نفسها غير متفهمة إلا لمفهومين أو ثلاث هم الأب والأم والأقارب والإخوة لهذا هيأت نفسها على أن كل إنسان إما أبيها أو أمها أو أختها أو أخيها أو عمها أو خالها إلى آخر الأقارب ولقد فطن حسنين إلى هذه الحقيقة فحاول جاهدا أن يغير مفاهيمها القاصرة عن طريق الأمثلة المقربة مثل أختها وصويحباتها وفى أثناء ذلك حملت من حسنين فبدأ نظرة أولاده تتغير عندما علموا بحملها فقد كانت أنفسهم مشغولة بعيدة عما يشغل أبيهم الذى كاد أن يفنيه الدهر فلقد كانوا ينظرون من ناحية المادة فتنكبوا السبيل وتفرقوا ولقد كان هذا الحمل قنبلة فتيلها ساعة المخاض لكن إرادة الله سبحانه وتعالى أرادها ألا تنفجر فمات المولود بعد دقيقات من ولادته .
كان حسنين يتقى شر أولاده بما يبعثه إليهم من أموال كى ترتاح نفوسهم التى أقفرت من الحب ونضب معينها من البر والإحسان والعطف وكى تهدأ خواطرهم التى تذهب بهم كل مذهب شيطانى فلقد أبانت الأموال عن حسنين أولاده وعزبتهم عنه فأرته مبلغ جشعهم وتعطشهم على المال وسوء نيتهم تجاهه لقد أدرك أنه كان فى سبات عميق عنهم فلقد تنهنه عنهم أياما طوالا وأعطاهم ولم ينتظر الشكر وآثرهم على نفسه التى حرمها كثيرا من أجلهم .
أفبعد هذا يظهرون ما بطن ويضمرون الحقد عليه وعلى زوجته إنه يعرف داء أولاده ودوائهم ولو أراد أن يجعلهم يقبلون عليه فيقبلون يده ويستعطفونه لفعل لكنه لا يحب أن يراهم فى تلك الصورة المخزية فإن نفاقهم ومداهنتهم له أفضل من ذاك الموقف فهو يأنف أن يصنع ذلك ويتوسم أن يزول تصدع العلاقات بينه وبين أولاده