الظاهر والباطن :
قال الفتى اخترت اليوم موضوع الظاهر والباطن فيزعم البعض أن الدين له ظاهر وباطن ويقولون أن الظاهر هو المفهوم العام لقواعد الدين والباطن جوهر الدين المستور فمن عمل بالظاهر والباطن معا فهو منا ومن عمل بأحدهما دون الأخر فليس منا .
قال المعلم :إن الدين ظاهر بمعنى واضح جلى ليس فيه خفاء .
قال الفتى :وما الأدلة على هذا ؟
أجاب المعلم :إن الدين بين واضح بدليل أقوال عدة منها قوله بسورة القيامة "إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه " وقوله بسورة النمل "كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون "وقوله بسورة هود"الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ".
قال الفتى :زدنى علما بالأمر .
قال المعلم :سأفرض معك أن للدين كما قالوا ظاهر وباطن وسأقول إذا كان الله هو الإله الظاهر فإن الإله الباطن هو الشيطان لأن كلاهما ضد للأخر وإذا قلنا أن الإسلام هو الظاهر فإن الباطن هو الكفر لأن ليس بعد الإسلام إلا الكفر فلا يوجد غيرهما ومعنى هذا هو .
قاطع الفتى المعلم قائلا:هو أن دين الله هو الكفر أى بمعنى أن دين الشيطان هو الإسلام
قال المعلم :وإذا كان الأمر هكذا فليس هناك فرق بين الكفر والإسلام لأنهما وجهان لعملة واحدة فى تلك الحال .
قال الفتى :هلا ضربت لى مثلا واضحا .
قال المعلم :يقول الله بسورة القلم "أفنجعل المسلمين كالمجرمين "ويقول بسورة الزمر "هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون "ويقول بسورة ص"أن نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض "فإذا فرضنا أن الظاهر هو عدم استواء المسلم بالكافر فإن الباطن هو عدم استواء الكافر بالمسلم وهذا هو نفس المعنى لأن فى كل من الظاهر والباطن استوى المعنى وهو عدم الاستواء فى الجزاء وهذا يبين لنا أننا لو فرضنا ذلك الفرض المستحيل بكون الدين ظاهر وباطن فإن الآيات لا يمكن تفسيرها كلها على حسب وجود ظاهر وباطن .
قال الفتى هلا ضربت لى مثلا أخر .
قال المعلم خذ مثلا قوله تعالى بسورة الواقعة "أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون "إن الله هنا يتحدث عن السحاب فإذا كان السحاب هو الظاهر فما هو باطنه ؟لا يوجد تفسير أخر له .
قال التلميذ وهذا يعنى أن الدين لا يمكن أن يوافق الكفرة على مذهبهم فى كل شىء .
قال المعلم صدقت ثم لو أن الله يستوى عنده الكفر والإسلام لأن كلاهما بمعنى واحد فى حالة الظاهر والباطن فلماذا بعث الله الرسل(ص)؟ثم لماذا أنزل الدين إذا كانت كل الأعمال سواء ؟إن الله عرفنا أنه أنزل الوحى ليكون حكما فقال بسورة المائدة "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "فهو حكم يحكم به الرسول أو الحاكم بين الناس مصداق لقوله بسورة المائدة "أن احكم بينهم بما أنزل الله ".
قال الفتى وما قول الإسلام فى قولهم أن المحرمات فى الوحى يراد بها أشخاص يكرههم الله أو يحب بعضهم وأن المباحات والفروض مراد بها أشخاص يجب حبهم ؟
قال المعلم لو كانت الأمور هكذا لذكر الله ذلك بدون إتعاب الناس فى الفهم ودعنا نسأل كيف نعادى أشخاص وكيف نحب أخرين دون أن نعرف أسباب ذلك وإذا كانت المحرمات أشخاص والمباحات أشخاص فأين الأحكام التى يتبين بها كيف نحبهم أو نكرههم بها ؟قطعا لا يوجد فى حالة القوم شىء ،ثم كيف نحدد أسماء المكروهين والمحبوبين إذا لم تكن مذكورة فى القرآن وإذا لم يعطى القرآن لنا لغة شفرة نفك بها ألفاظه المبيحة والمحرمة للأشياء ؟طبعا لا توجد كيفية ، ثم دعنا نتساءل وماذا عن القصص فى القرآن والذى يوجد فيه محرمات ومباحات هل هو أشخاص أم أنه خارج هذا التصنيف ؟اعتقد أنه لا توجد إجابات عند من يعتقدون ذلك الإعتقاد .
قال الفتى وماذا عن كون أشخاص محددين هم الذين يتولون تفسير الباطن ؟
قال المعلم إن التفسير ليس حكرا على عائلة معينة بدليل قوله تعالى بسورة النساء "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "فالمستنبطين قيل فيهم "منهم"أى من المسلمين ولم يقل من عائلة فلان أو علان ،هذا عن التفسير الذى هو قول واحد ليس فيه باطن ،ثم إن المسلمين سماهم الله أولوا العلم ولم يستثن منهم أحدا فقال بسورة آل عمران "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط "إذا فالعلم ليس حكرا على طائفة معينة .
قال الفتى إذا فما يسمى بتفسير الباطن هو تحريف للشريعة .
قال المعلم إن الأمر ما تقول فإن الله يقول بسورة الكهف"الحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا "فإذا كان الله لم يجعل له عوجا أى تحريفا أى ظلما فى أى شىء فكيف نحرفه عما يقول فنقول مثلا أن قوله "لا إله إلا هو "يعنى أى شىء أخر غير الله .
قال الفتى هل من أدلة أخرى ؟
قال المعلم توجد أدلة أخرى منها قوله تعالى بسورة الأنعام "ما فرطنا فى الكتاب من شىء "وقوله بسورة النحل "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء "وهذه الأقوال تعنى أن الله لم يترك شىء بدون إيجاد حكم له فإذا كانت كل الأشياء لها حكم فهل يتبقى للباطن شىء حتى يبينه لنا .
قال الفتى لا .
قال المعلم أما المراد بالظاهر والباطن فى قوله تعالى بسورة الأعراف "قل إن ربى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "فيعنى بالفواحش الظاهرة التى تم عملها فى العلن أمام الأخرين وبالفواحش الباطنة التى تمت بعيدا عن أعين وسمع الأخرين والله يحاسبنا على الاثنين بدليل قوله بسورة البقرة "وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ".