قراءة فى كتاب الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة
المؤلف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي والكتاب هو سؤال عن الاطلاء بالنورة وإجابة السيوطى عليه والسؤال ممثل فى الآتى:
"مسألة :
ما قولكم في الإطلاء بالنورة هل هو سنة مأثورة عن الشارع أم لا وهل الأحاديث الواردة في ذلك ثابتة أم لا كحديث أم سلمة الذي أخرجه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته بالنورة وسائر جسده كله وحديث عائشة الذي أخرجه الإمام أحمد قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهور وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم فإن قلتم بأن ذلك ثابت فما الجمع بينه وبين ما أخرجه أبو حاتم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه وقول الشيخ محي الدين النووي في فتاويه لم يثبت في ذلك شيء."
وكان الجواب من السيوطى هو :
"الجواب - الحمد لله قد وردت الأحاديث والآثار مرفوعة وموقوفة ومقطوعة موصولة ومرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين باستعمال النورة فهي مباحة غير مكروهة وهل يطلق عليها سنة محل توقف لأن السنة تحتاج إلى ثبوت الأمر بها كحلق العانة ونتف الابط وقص الشارب وقلم الأظفار وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان دليلا على السنة فقد يقال هنا أن هذا من الأمور العادية التي لا يدل فعله لها على السنية، وقد يقال أنه إنما فعل ذلك لبيان الجواز كسائر المباحات التي فعلها ولم توصف بأنها سنة، وقد يقال إنها سنة لما فيه من الاقتداء وقد يقال فيها بالاستحباب بناء على أن المستحب أخف مرتبة من السنة ومحل هذا كله مالم يقصد المتنور اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله أما إذا قصد ذلك فلا ريب في أنه مأجور وآت بسنة."
الرجل فى الفقرة السابقة لم يحدد كيفية الأمر لأن الأمر هو :
حلق الشعر وتقصيره وتنفيذ أحدهما واجب لقوله تعالى :
"محلقين رءوسكم ومقصرين"
وأما الوسيلة فقد تركها الله للناس فقد تكون النورة أو الموس أو المقص اختراع كبعض الدهانات ومن ثم أداة الحلق أو التقصير مباحة طالما لا تضر الإنسان أو تصيبه بمرض
ثم ذكر السيوطى الأحاديث الوارد فى الموضوع فقال:
"ذكر الأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم تنور
قال ابن ماجه في سننه حدثنا علي بن محمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا حماد بن سلمة عن أبي حاتم الزماني عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى بدأ بعورته فطلاها وسائر جسده أهله قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في كتابه الذي ألفه في الحمام هذا إسناد جيد وعبد الرحمن ابن عبد الله هذا ذكر صاحب الأطراف أنه أبو سعيد مولي بن هاشم فالله أعلم، ثم رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلى وولي عانته بيده وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أيضا إسناد جيد انتهى كلام ابن كثير
قلت وله طريق آخر قال الخرائطي في مساوي الأخلاق حدثنا القنطري ثنا يزيد بن خلد بن يزيد ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن كهيل عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك
وقال الخرائطي حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان ثنا سليمان بن سلمة الجنائزي ثنا سليمان ابن ناشرة قال سمعت محمد بن زياد الألهاني يقول كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارا لي فكان يدخل الحمام فقلت وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام وكان يتنور - أخرجه يعقوب ابن سفيان في تاريخه عن سليمان بن سلمة الحمصي ثنا بقية ثنا سليمان بن ناشرة به
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريقه، وهذا الحديث فات ابن كثير. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق موسى بن أيوب عن بقية عن عمر بن سليمان الدمشقي عن مكحول عن وائلة بن الأسقع قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متكئا وأطلى وأصابته الشمس ولبس الظلة قال أحمد سألت آدم ما الظلة قال البرطلة وأومأ بيده إلى رأسه، وهذا أيضا فات ابن كثير.
وقال سعيد بن منصور في سننه ثنا هشيم عن أبي المشرفي ليث بن أبي راشد عن أبي معشر عن إبراهيم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلى ولى عانته بيده - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن هشيم وشريك كلاهما عن أبي المشرفي به، قال ابن كثير وهو مرسل يتقوى بالموصول الذي أخرجه ابن ماجه
وقال سعيد بن منصور ثنا الصعدي بن سنان العقيلي عن محمد بن الزبير الحنظلي عن مكحول قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أكل متكئا وتنور
قلت هذا الحديث فات ابن كثير فلم يذكره وهو مرسل وقال أبو داود في المراسيل حدثنا أبو كامل الجحدري عن عبد الواحد هو ابن زياد عن صالح بن صالح عن أبي معشر زياد بن كليب أن رجلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ العانة كف الرجل ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى. وفي تاريخ ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمس عشرة. هذا الحديث فات ابن كثير وفيه فائدة نفيسة وهي ذكر التوقيت."
وهذه الأحاديث من الجائز وقوعها إلا الروايات التى تذكر أن رجل كان ينور للنبى(ص) حتى عانته فيتولاها هو فهذا محرم أن يرى الرجل عورة الرجل وإنما لو قال أن زوجاته كن يفعلن هذا لكان أمرا معقولا لجواز اطلاعهم على عورته
وتنوير رجل لرجل أو امرأة لامرأة غير جائز إلا أن يكون ولد لوالده أو العكس أو بنت لأمها أو العكس لأن هناك فئات معينة مباح لها الاطلاع على العورات كما فى قوله تعالى بسورة النور :
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهم أو اخوانهن أو بنى اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء"
وأما الأغراب فلا يجوز لهم الاطلاع على العورات إلا فى حالة عجز المتنور وعدم وجود أقارب له
ثم ذكر الأحاديث المروية عن الصحابة فى الموضوع فقال :
"ذكر الآثار عن الصحابة فمن بعدهم
أخرج الطبراني عن يعلي بن مرة الثقفي قال أطليت يوما ثم تخلقت بزعفران فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فناولته يدي فقلت يا رسول الله صلى على فقال ما هذا الذي على يدك قلت إني تنورت ثم تخلقت فقال ألك امرأة قلت لا قال ألك سرية قلت لا قال فانطلق فاغسله ثم اغسله ثلاث مرات فانطلقت فاغتسلت ثلاث مرات ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلى علي
وأخرج مسدد في مسنده والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أنه كان يدخل الحمام فينوره صاحب الحمام فإذا بلغ حقوه قال لصاحب الحمام أخرج
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن زياد الألهاني قال كان ثوبان جارا لنا وكان يدخل الحمام ويتنور
وأخرج البيهقي من طريق أسامة بن زيد الليثي عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يطلي فيأمرني أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو
وأخرج الخرائطي عن مكحول قال لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام دخلوا الحمامات وأطلوا بالنورة
وأخرج البيهقي من طريق عبد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام وكان يتنور في البيت ويلبس إزارا ويأمرني أطلي ما ظهر منه ثم يأمرني أن أخرج عنه فيلي فرجه"
فبما سبق نجد روايات تقول بتنور ابن عمر فى الحمام والرواية السابقة تنفى ذلك وتثبت تنوره فى بيته
ثم قال :
"وأخرج عبد الرزاق عن أم كلثوم قالت أمرتني عائشة فطليتها بالنورة ثم طليتها بالحناء على أثرها ما بين قرنها إلى قدمها من حصباء كانت بها"
وحديث اللى بالحناء باطل لأنه تغيير لخلق الله بتلوين الجلد والشعر استجابة لقول الشيطان:
" ولآملانهم فليغيرن خلق الله"
ثم قال السيوطى:
"وقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا مالك بن اسماعيل عن كامل عن حبيب قال دخل الحمام عطاء وطاووس ومجاهد فاطلوا فيه وحدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة أن سالما أطلى مرة، وأخرج ابن عساكر عن أبي عثمان والربيع وأبي حارثة قال بلغ عمر أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بعد النورة بخبز عصفر معجون بخمر فكتب إليه بلغني أنك تدلكت بخمر وأن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها وقد حرم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس."
وبالقطع الاطلاء بالنفس معنى صحيح وأما الاطلاء عبر رجل غريب العورة المغلظة وغيرها
وأما استخدام مواد محرمة فهو حرام
وذكر السيوطى حديثا يناقض أحاديث تنور الرسول(ص) بأنه لم يستخدم النورة فى حياته فقال :
"ذكر الحديث الوارد في أنه صلى الله عليه وسلم لم يتنور
قال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن - هو البصري - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطلون
قال ابن كثير: هذا من مراسيل الحسن وقد تكلم فيها ثم هو معارض بالأحاديث السابقة
وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال ما أدرى من أخبرني عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور
وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، كلاهما منقطع
وأخرج البيهقي من طريق مسلم الملائي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه قال البيهقي مسلم الملائي ضعيف الحديث فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذه أيضا عن أنس
قلت فرجع الأمر إلى أنه حديث واحد وهو أولا ضعيف وثانيا معارض بالأحاديث السابقة وهي أقوى منه سندا وأكثر عددا وثالثا أن تلك مثبتة وهذا ناف والقاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي خصوصا أن التي روت الإثبات باشرت الواقعة وهي من أمهات المؤمنين وهي أجدر بهذه القضية فإنها مما يفعل في الخلوة غالبا لا بين أظهر الناس وكلاهما من وجوه الترجيحات"
والخطأ هو القاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي فهذه ليست قاعدة وإنما وسوسة الشيطان فالنص نفى أو أثبت هو ما يثبت الحكم كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ثم قال مثبتا اختلاف الأحاديث فى الموضوع:
" فهذه خمسة أجوبة، وسادس وهو أنه على حسب اختلاف الأوقات فتارة كان يتنور وتارة كان يحلق ولا يتنور، وقد روى مثل هذا الاختلاف عن ابن عمر فتقدم من طرق عنه أنه كان يتنور، وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجاله موثقون عن مسكين بن عبد العزيز عن أبيه قال دخلت على عبد الله بن عمر وجاريته تحلق عنه الشعر فقال إن النورة ترق الجلد. فالجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه فعل الأمرين معا هذا في أوقات وهذا في أوقات، نعم ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره التنور ويعلله بأنه من النعيم. قال سعيد بن منصور حدثنا حبان بن علي عن محمد بن قيس الأسدي عن رجل قال كان عمر بن الخطاب يستطيب بالحديد
فقيل له ألا تنور قال إنها من النعيم وأنا أكرهها وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن محمد بن قيس الأسدي عن علي بن أبي عائشة قال كان عمر رجلا أهيب وكان يحلق عنه الشعر وذكرت له النورة فقال النورة من النعيم. وقد روي عنه ما يدل على أنه إنما كره الإكثار من ذلك. قال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد حدثنا بقية حدثني أرطاة بن المنذر حدثني بعضهم أن عمر بن الخطاب قال إياكم وكثرة الحمام وكثرة طلاء النورة والتوطي على الفرش فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين فهذا الأثر قاطع للنزاع، و أولى ما اعتمد في التوقيت حديث ابن عمر السابق وهو التنور كل شهر فيكره في أقل من ذلك، ثم رأيت في مساوي الأخلاق للخرائطي قال حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق ثنا عبد العزيز بن الخطاب ثنا حميد يعني ابن يعقوب مولي بني هاشم وكان ثقة عن العباس بن فضل عن القاسم عن أبي حازم عن ابن عباس قال يا أيها الناس اتقوا الله ولا تكذبوا فوالله ما أطلى نبي قط، لكن قال ابن الأثير في النهاية ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هواه وأصله من ميل الطلي وهي الأعناق واحدتها طلاة يقال أطلى الرجال اطلاء اذا مالت عنقه إلى أحد الشقين انتهى. وقال صاحب الملخص في غريب الحديث في حديثه عليه السلام ما أطلى نبي قط أي ما مالت طلاته أي عنقه أي ما جار، وقال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب في بعض الأحاديث ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هوى والأصل فيه ميل عنق الانسان يقال أطلى الرجل أي مالت عنقه للموت أو غيره، وذكر مثل ذلك أيضا صاحب القاموس."
وكل الموضوع لا أساس له فى الوحى فالوحى ذكر الحلق والتقصير وترك أدلة التقصير والحلق للناس شرط ألا يضروا أنفسهم دنيويا أو أخرويا
وحدثنا عن حديث تاريخى فى النورة فى الخاتمة فقال :
"(خاتمة):
روى البخاري في تاريخه وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قصة بلقيس قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي شعراء فقال سليمان ما يذهبه قالوا يذهبه الموس قال أثر الموس قبيح فجعلت الشياطين النورة فهو أول من جعلت له النورة
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد مثله وله طرق عن مجاهد وغيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في القصة أن الشياطين صنعوا له نورة من أصداف فطلوها فذهب الشعر."
وهذا الكلام هو تخريف فالنورة قديمة قدم البشر ولم تخترعها الجن والروايات متناقضة فمرة صنعت لسليمان(ص) ومرة صنعت بسبب ملكة سبأ وخلاصة الموضوع :
الحلق والتقصير أحدهما واجب وأما الأداة فمباح استخدام أى أداة ما دامت لا تمثل ضررا