نقد كتاب المختصر في مسائل القضاء والقدر
المؤلف أو كما كتب الجامع المرتب هو وليد كمال شكر وقد استهل الحديث بالقول أن القدر من أصول الدين فقال :
وبعد
فإن الإيمان بالقدر من أصول الدين قال رسول الله ( عندما سئل عن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره ) "
والحديث لا يصح لوجوب الإيمان باليوم الأخر وأمور أخرى كما قال تعالى :
"يؤمنون بالله واليوم الأخر"ثم ذكر نصوصا أخرى فقال :
"والنصوص المخبرة بقدرة الله كثيرة قال تعالي{ وخلق كل شئ فقدره تقديرا } ( وقال عبد الله بن عمر كل شئ بقدر حتى العجز والكيس ) والكيس ضد العجز
( وقال ابن عمر أيضا لما أخبر عن قول معبد الجهنى ( أن الأمر أنف ) قال إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ) رواه مسلم وهذا دليل واضح علي بطلان عمل من لم يؤمن بالقدر بل دليل علي كفر من أنكره جملة)
وتحدث شكر معرفا القضاء والقدر فقال :
"تعريف القضاء والقدر
(( القدر لغة من قدرت الشيء أقدره قدرا وقدرا إذا أحطت بمقداره وعند أهل اللغة يستعمل في القضاء والحكم وشرعا ما سبق به العلم وجري به القلم مما هو كائن إلى الأبد وقد فرق العلماء بين القضاء والقدر فقالوا القدر هو العلم السابق منذ الأزل والقضاء هو وقوع الخلق علي وزن الأمر وحصول الشيء مطابقا للعلم وبالجملة فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر وقيل في الفرق بينهما عكس ذلك )) "
وما قدره الله لابد أن يقضى فالتقدير هو تقرير ما سيحدث والقضاء هو خلق ما سيحدث بعد حين فالفارق بينهما هو أن أولهما وهو القدر هو ما يسمى عند الناس بالمكتوب وأنا القضاء فهو تنفيذ أى خلق المكتوب
وتحدث عن اختلاف الناس فى القدر فبين فرقهم فقال :
"الاختلاف في مسألة القدر
الفرقة الأولى ( الجبرية ) :
وهؤلاء غالوا في إثبات القدر فسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا إن العبد مسير لا مخير ولا فرق بين الفعل الواقع باختياره كالذنب وبين الفعل الواقع رغما عنه كالسقوط من شاهق ولا شك أنهم ضالون وهم الجبرية لإنه مما علم ضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين فعل الاختيار وفعل الإجبار
لقد ترك هؤلاء العمل احتجاجا بالقدر قبل وقوعه واحتجوا بالقدر علي ما يقع منهم من أعمال مخالفة للشرع ووصل بهم الحال إلى عدم التفريق بين الكفر والإيمان لأن الجميع عندهم خلق الله ومنهم نشأت الإباحية الذين يقولون بسقوط الواجبات ورفع العقوبات وقد يغالون فيجعلون عين الموجودات هي الله وقالوا ليس في الكون معصية البتة فكل ما في الكون أراده وشاءه وكل مل في الكون أحبه ورضاه ومقالهم في نهاية الآمر يؤدي إلى الكفر بالله والتكذيب بكتبه وما أخبرت به الرسل
وهؤلاء الجبرية ينقسمون إلي :-
أ - الجبرية الخلص هؤلاء ينفون القدرة والإرادة الإنسانية فعندهم دقات القلب لا تختلف عن القتل والزنا من حيث مسئولية المرء عنها وهؤلاء يرد عليهم الشرع قال تعالي { واعملوا ما شئتم } {ولمن شاء منكم أن يستقيم } ويرد عليهم العقل حيث لا يمارى عاقل في أن هناك فرقا بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية
ب - الجبرية المستترين ( الأشاعرة ) وهؤلاء يثبتون قدرة ومشيئة للإنسان ولكن يقولون إنها لا يقع بها الفعل ولكن معها فيقترن وجود الفعل مع القدرة والمشيئة من غير أثر لها في الفعل فيقولون الله الخلق القطع عند مرور السكين أي بسبب السكين فعندهم السكين لا تقطع أما نحن فنقول الله يخلق القطع بالسكين أما أهل السنة فيقولون النار تحرق ويخلق الله الإحراق بالنار فمذهبهم هو مذهب الجبرية وإنما التفريق هو إثبات قدرة ومشيئة للعبد بلا أثر
ومن الجبرية تفرعت الإباحية الذين عدوا الكبائر والكفر كرامات فيقولون من كرامات الولي الفلاني أنه كان يأتي البغلة في الطريق ومن كرامات الولي الفلاني أنه صعد المنبر فقال أشهد أن لا إله لكم إلا إبليس ( صلي الله علية وسلم ) فقال الناس كفر كفر فسل السيف سوطا ونزل من علي المنبر ففر الناس من المسجد ( ذكره الشعراني علي أنه من كرامات الأولياء )
الرد علي الجبرية
يرد عليهم من وجوه عدة منها :-
أولا : إطلاق لفظ الجبر علي أفعال العباد خطا في الأصل حيث يطلقونه ويريدون به الإكراه ولما اختلف الرجلان قال أحدهما الله يجبر العباد وقال الآخر لا يجبرهم فتحاكما إلى الإمام أحمد فقال منكرا عليهما لا وإنما نقول يضل من يشاء ويهدى من يشاء واسم الله الجبار معناه أن الله جعلهم مريدين لما يريد دون إكراه "
هذا الرد غير مفيد فاللفظ يفيد نفس المعنى حسب المستعمل ثم قال :
ثانيا : الجبر علي الفعل لا يكون إلا من عاجز بمعني أنك تجبر غيرك وتكرهه علي الفعل وإذا عجزت أن تجعله يفعله باختياره والله لا يعجزه شئ فمن قدرته أنه يجعلهم يفعلون مراده دون إكراه ولعل هذا هو معني اسمه الجبار
ثالثا : إنكار الاختيار في فعل العبد نقص في العقل فشتان بين دقة قلب ودقة عزف وشتان بين سقوط من شاهق وقفز بمظلة وشتان بين زلقة رجل وضربه كرة
رابعا : زعمهم أن كل شئ خلقه الله فقد رضيه وأحبه باطل إذ كيف يحب الله من لعنهم وغضب عليهم وذمهم وتوعدهم
خامسا : زعمهم أن الأيمان بالقدر يستلزم ترك الأعمال يعارض صريح القرءان قال تعالي { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وقال أيضا {فامشوا في مناكبها}
وقال أيضا { فقاتلوا أئمة الكفر} ومقتضى قولهم أنهم يريدون ذرية دون زواج
...وقادهم ذلك والعياذ بالله إلي ما لا تحمد عقباه فأحدهم يري رجلا يفجر بزوجته فأقبل يضربها وهي تقول القضاء والقدر فقال لها يا عدوة الله أتذنبين وتعتذرين مثل هذا فقالت أوه تركت السنة وأخذت مذهب بن عباس فتبنه ورمي بالسوط فقال لها لولا أنت لضللت
فائدة : احتجاجهم بحديث أدم وموسى قال موسى " أهبط الناس بخطياتك إلى الأرض فقال أدم وكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال بأربعين سنة قال وهل وجدت فيها وعصي أدم ربه فغوي قال نعم قال أفتلومني علي عمل عملته كتبه الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنه " فحج أدم وموسى وليس في هذا حجة لهم فأدم لم يحتج بالقدر علي الذنب وموسى لم يلم أباه علي ذنب غفر له بل لامه علي المصيبة التي أخرجت أدم وذريته من الجنة وآدم احتج بالقدر علي المصيبة ( النيتجة ) لا علي الخطيئة فإن القدر يحتج به في المصائب لا عند المعايب والذنب بعد التوبة منه مصيبة والموضع الذي يضر به الاحتجاج بالقدر في الذنب قال المستقبل أو حالة الإصرار لا بعد التوبة"
وحديث الاحتجاج فى الجنة لا يصح لأن الجنة ليس فيها أى لغو اى باطل كما قال تعالى :
" لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما"
ثم قال :
الفرق الثانية (( القدرية )) نفاة القدر:
وهؤلاء غالوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون لله مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بفعله حتى غلا طائفة منهم وقالوا إن الله تعالي لا يعلم ما يفعله العباد إلا بعد أن يقع وهؤلاء غلاة القدرية
( وزعم هؤلاء كذبا وزورا أن الله إذا أمر العباد بأمر ونهاهم عن شئ لا يعلم من يطيعه منهم ممن يعصيه ولا يعلم من يدخل الجنة ممن يدخل النار إلا بعدما يعلمون فينفون مرتبة العلم ومرتبة الكتابة وهؤلاء سماهم النبي ( مجوس هذه الأمة حيث قالوا بوجود خالقين فعندهم الله خلق الذات والعبد خلق الفعل كما قالت المجوس النور خالق الخير والظلمة خالق الشر قال (لكل أمه مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم ) وقد نص مالك والشافعي وأحمد علي كفر من لم يقر بعلم الله "
والحديث لا يصح فالأمة لا تتحول فهى هى ,عن خرجت عن دينها فلا يمكن أن تكون امة المسلمين وإنما أمة الكفار ولفظ أمتى يناقض أن الأمة ليس أمته بل أمة الله أو المسلمين كما قال تعالى ط ,ان هذه أمتكم أمة واحدة" فلو كانت متفرقة فهى أمم وليست أمة واحدة
ثم ذكر شكر مثال جديد استدل به القوم وهو مثال معرفة المدرس بقدرات طلابه قبل الامتحان وفى هذا قال :
"ومثال المدرس ذكره الشيخ الشعراوي في كتابه القضاء والقدر وأن كان ظننا بالشعراوي أنه يقرب المسألة للناس ولا يقصد المعني الباطل أما مثال الكنترول بأن الذي يرصد النتيجة في الكنترول يعلم النتيجة قبل ظهورها فهو أسوا وأضل "
وتلك ألمثلة هى عملية شرح والله أعلم بمراد ضاربيها وتحدث عن شبهات القدرية فقال :
"القدرية يردون النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي تثبت القدر بحجة عدم موافقتها للعقل ومن ثم يحتجون بشبهات وتساؤلات ومن هذه الشبهات :-
- يقولون إذا كان الله قدر شيئا فلا بد أن يحدث ولا أثر لأفعالنا ولا لمشيئتنا
والجواب : أننا نطلب الرزق ونعلم أنه لابد من السعي عليه مع يقيننا بأن الله مقدر له قال تعالي { وفي السماء رزقكم وما توعدون } والأب والأم يرعيان ولديهما مع علمهما أن الله رازقه وحافظه واحتجاجهم هو احتجاج المشركين الذين قالوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه فهم بذلك يريدون الخروج من التكاليف الشرعية وهي كلمة حق يراد بها باطل
- يقولون لماذا لم يعط الله لكل إنسان إرادة وقدرة حسنة يفعل بها الخير لماذا جعل منهم أخيارا وأشرارا ؟
والجواب : أن الله أعلم بالشاكرين وأعلم بالظالمين وهو العليم الحكيم يضع الأشياء في مواضعها وقولهم معناه لم لم يعط الله أبا جهل الرسالة كما أعطاها النبي محمدا فالله سبحانه عدل مع الجميع وتفضل علي البعض وهو أعلم بالمهتدين وأن يوجد نهي عن المنكر دون وجود منكر تماما كمن يسأل ويقول أليس الله قادرا علي أيجاد طفل دون أب وأم - نعم قادر ولكن الله شاء أن يوجد الشي بأسبابه حكمة وعدلا "
والكلام عن حكاية اعطاء الخير معناه تغافل القوم أن أى ثواب وعقاب قائم على الطاعة والمعصية فلو كانت هناك طاعة فقط ما كان هناك ضرورة للثواب لأن الكل سيعيش فى سعادة بسبب ذلك ثم أورد حكايات فى رد أقوال القدرية فقال :
"وفي محاورات أهل السنة مع القدرية خير دليل علي تهافت عقولهم وسفاهة أفكارهم
( يذكر أهل العلم أن أعرابيا أتي عمرو بن عبيد فقال إن ناقتي سرقت فادع الله لي أن يردها علي فقال عمرو اللهم أن ناقة هذا الفقير قد سرقت ولم ترد سرقتها اللهم ردها عليه فقال الأعرابي الآن ذهبت ناقتي وأيست منها قال عمرو وكيف ذاك قال لأن الله إذا أراد ألا تسرق فسرقت لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع ونهض موليا
والقدرية النفاة حرموا الاستعانة بالله الواحد لأنهم زعموا أن الله لا يقدر علي أفعال العباد وأن العبد هو الخالق لفعله فكيف يستعينون بالله علي شئ لا يقدر عليه فهم لا يعتمدون إلا علي حولهم وقدرتهم وعملهم"
وكلام النفاة يتعارض مع قوله تعالى " وكان الله على كل شىء مقتدرا" وقوله" والله على كل شىء قدير"
وذكر شبهات أخرى فى الموضوع فقال :
"بعض الشبهات التي قد يتوهم منها تعارض بين الإيمان بالقدر والنصوص الشرعية:
أولا : قال تعالي { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } فكيف علم الله ما هو كائن ثم كتبه ثم يمحو بعد ذلك ويثبت وكذا قوله ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه ) متفق عليه وقد جاء في الأثر أن الله جعل عمر داود مائة بعد كان أربعين
و الجواب أن الأرزاق والأعمال نوعان:-
- نوع جرى به القلم وكتب في أم الكتاب فهذا لا يتغير ولا يتبدل
- نوع يزيد وينقص وهو ما في كتب الملائكة
والآجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلا فإن وصل رحمه فيأمره بأن يزيد في أجله ورزقه والملك لا يعلم أيزاد في ذلك أم ينقص لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لم يتقدم ولم يتأخر فكما قال ابن عباس الكتاب كتابان كتاب يمحوا الله ما يشاء منه ويثبت " الكتاب الذي بيد الملك " وكتاب لا يتغير فيه شئ وهو اللوح المحفوظ وهو المقصود بقوله تعالي { وعنده أم الكتاب } فاللوح المحفوظ مكتوب فيه علي سبيل المثال
أن عمر فلان مائة عام والكتاب الذي بيد الملك مكتوب فيه أن عمره ستين سنه فإن وصل رحمه فهي مائة وإلا فلا فالنتيجة النهائية مسطورة في اللوح المحفوظ والزيادة والنقصان أمر يحدث في الكتاب الذي بيد الملك كذلك الأمر في مسألة القدر والدعاء عندما يعترجان فيرد الدعاء القدر في هذه الحالة يكون مكتوبا في اللوح المحفوظ أن القدر سينزل ويرفعه الدعاء وكان ذلك في الكتاب مسطورا"
وهذه الاجابات تدل على الجهل فالعمر لا يزيد ولا ينقص كما هى نصوص كتاب الله والقدر لا يتغير لأن الإنسان لا يعلم به فكيف يعلم الإنسان أنه تغير وما هرب منه شكر وأمثاله هو ما عابوه على الشيعة من أمر البداء فحكاية رد الدعاء للقضاء وتبريرها هى نفسها هى حكاية البداء عند الشيعة
وأما المحو والإثبات فليس كما ظن المؤلف فالمحو يقصد به العفو عن السيئات كماقال تعالى :
"ويعفو عن السيئات"
كما يقصد به إزالة حكم الباطل وجعل حكم الحق مكانه فى الدنيا وفيه قال تعالى :
" ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته"
وهذا ليس معناه أن يمحو المقدر لأنه لو فعل ذلك لكان عيبا ونقصا فيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا
وتحدث عن الشبهة الثانية فقال :
"ثانيا : كيف يخلق الله الشر ويقدره ؟
والجواب أن الله لم يخلق الشر المحض بل فيه خير وحكمة فالشيء الواحد يكون خيرا باعتبار وشرا واعتبار فالله خلق إبليس يبتلي به عباده فمنهم من يمقته ويحاربه ويعاديه ويوالي الرحمن ولا يتبع الشيطان"
نلاحظ هنا تناقض الكلام فكيف يكون فى الشر خير ؟
وهنا ينفى الرجل كما نفى من اتهمهم قدرة الله على فعل كل شىء بنفى أنه خالق الشر المحض وهو ما يعارض قوله تعالى :
" والله على كل شىء قدير"
كما أنه يبتلى بالشر والخير كما قال:
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن العقيدة فقال :
عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر
قال شيخ الإسلام ( مذهب أهل السنة في هذا الباب ما دل عليه الكتاب والسنة وهو أن الله خالق كل شئ ومليكه وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بنفسها وصفاتها القائمة بها كالأفعال للذوات ) وهذا قول السلف قاطبة ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن
ومراتب القدر أربع :
المرتبة الأولى : العلم
وهي أن يؤمن الإنسان إيمانا جازما بأن الله بكل شئ عليم وأنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض جملة وتفصيلا سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وعندما نتحدث عن مرتبة العلم ينبغي أن نذكر بعض الأمور التي تتعلق بهذه المرتبة :-
أولا : علم الله للأشياء تفصيلي وليس إجماليا فقط كما يدعي الفلاسفة
ثانيا: علم الله سابق علي وجود الأشياء وهو ما يعبر عنه البعض ( بالعلم القديم ) كشيخ الإسلام في الوسطية أو العلم الأول أو العلم الأزلي قال تعالي{ وكان الله بكل شئ عليما } فقال سبحانه كان مع أنه لم يزل ولكن لفظ كان يرد علي من يقولون إن علم الله حادث
ثالثا: علم الله للخمس الغيبيات لا يشاركه فيه أحد قال تعالي
{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } وما جاء من نصوص فيها إخبار غير الله عن شئ من هذه الخمس لم يخرجها عن كونها من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها حيث إن المخبر عنها لا يخبر إلا بمتعلق من معلقاتها وهذا لا يخرجها عن كونها من الغيبيات التي استأثر الله بها فعندما يخبر النبي ( عن علامات الساعة لا يخبر عن وقتها وعندما أخبر النبي ( عن مصارع القوم بالتفصيل فقال هذا مصرع فلان علق ذلك علي المشيئة ومثله ما يكتبه الملك وما يعلمه الملك من الرزق والآجل قبل حصوله يعلقه علي المشيئة ( فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ) فضلا عن أن ما يكتبه الملك قابل للمحو والإثبات وهو متوقف علي مشيئة الله ولذا نجد جبريل يقول للنبي ( لو رأيتني وأنا أدس من وحال البحر في فم فرعون حين قال ( أمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنوا إسرائيل وأن من المسلمين ) يونس خشية أن تدركه الرحمة فهذا دليل علي أن أحد
لا يعلم نهاية أحد وعاقبته فلا يعلم الغيب تفصليا وجزما إلا الله "
وهذا الكلام متعارض مع بعضه فإما الله وحده هو من يعلم الغيب وهو الحق وإما أ يعلم البعض به جملة فهذا تخريف فلا فرق بين العلم جملة والعلم بالتفصيل لكون كله علم
وأما حكاية كتابة الملك فلا دليل عليها فالملائكة لا تكتب إلا ما أراد الله ولا يكتبون من عند أنفسهم كما قال تعالى "ويفعلون ما يؤمرون"
ثم قال :
رابعا : علم الله شامل لما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ومعني قولنا وما لم يكن كان كيف يكون أي يعلم لو آمن فرعون كيف كان حال إيمانه
وماذا سيكون مآله وهذه الجزئية يدخل فيها ملايين التفاصيل وكل ما جاء في القرءان بلفظ لو أو لولا فهو من هذا الباب قال تعالي { لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وقال أيضا { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا من يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } وقال أيضا { ولو أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}
وقد علم الله أن الغلام لو كبر لكفر فأماته مسلما علي الفطرة وقولهم إن الغلام طبع يوم طبع كافرا أي لو كبر أما هو فقد مات علي الفطرة
خامسا: هذا العلم السابق لا يحاسب الله العباد عليه بل لا يحاسبهم إلا علي علم المشاهدة كما لا يحاسبهم علي ما سطر في اللوح المحفوظ وإنما علي ما سطرته الملائكة من أعمالهم التي عملوها وإذا كان الله لا يحاسب العبد علي علمه السابق الذي سوف يفعله العبد ممن باب أولي لا يحاسبه علي علمه فيما لم يكن لو كان ( ككفر الغلام ) ولذلك قالوا ( كلمة الله أعلم بما كانوا عاملين ) في شأن أطفال المشركين ليس معناها أن الله سيدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار بناء علي علمه الأول و إنما قال النبي ( ذلك تعليما لأصحابه أن يردوا العلم إلى الله تماما كما مات ولد للمسلمين فقالت عائشة عصفور من عصافير الجنة فأنكر عليها النبي ( مع أنه هو الذي أخبر أنهم من أهل الجنة وقد عبر النبي ( في نص أخر بنفس اللفظ عن أبناء المسلمين مع أن هؤلاء لا يكاد يكون فيهم خلاف يذكر نقل هذا عن الإمام أحمد بدليل أنهم يشفعون لأهليهم فكيف لا يدخلون هم الجنان ويلحق بهذا الكلام تفسير الآيات أمثال
{ وحتى تعلم المجاهدين } قال المفسرون يعلم علما يحاسبهم عليه وهو علم المشاهدة قال بن عباس ليعلم أي ليري"
حساب الله يكون على ما وقع وهو نفسه ما كتب من قبل فلا فرق بينهما ولكن الحساب يكون بعد العمل وليس قبله لأن الله عادل لا يظلم أحد فيعاقبه على ما لم يفعل كما قال :
" كل نفس بما كسبت رهينة" ثم قال :
المرتبة الثانية : الكتابة
وهي أن نؤمن بأن الله كتب ما هو كائن إلي يوم القيامة في اللوح المحفوظ
قال تعالي { وكل شئ أحصيناه في إمام مبين } قال ( أن أول ما خلق الله القلم قال لهاكتب قال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) رواه الترمذي في سننه
وقال أيضا ( ( قدر الله المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) "
وهذا الكلام عن أن القلم هو من يكتبي يناقض كلام شكر عن كتابة الملائكة فى فقرة سابقة وهو" فضلا عن أن ما يكتبه الملك قابل للمحو والإثبات"
وقال شكر بتعدد الكتابات والتقديرات وهو كلام مخالف لصريح القرآن فقال :
وتتبع هذه الكتابة كتابات وتقديرات أخري :-
- التقدير يوم القبضتين فعن أبي الدرداء عن النبي ( قال ( خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمني فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم فقال للذي في يمينه إلي الجنة ولا أبالي وقال للذي في كفه اليسرى إلى النار ولا أبالي ) وعند شرح هذا الحديث يقول العلماء إن الله علي كل شئ قدير إلا أن قدرته تعالي مقرونة بحكمة متناهية والحكمة معناها وضع الشيء في موضعه فالله قبض من يستحق السعادة بيمنيه منة وفضلا وقبض من يستحق الشقاوة بشماله عدلا وقسطا وهو لا يسأل عما يفعل وهو يسألون وقوله تعالي ولا أبالي يعني لا تنفعني طاعة الطائعين ولا تضرني معصية العاصيين"
والحديث لا يصح فالذرية ليس من الأكتاف وإنما من الجهاز التناسلى كما أن السواد والبياض هنا عنصرية لأن معناه أكل السود فى النار وكل البيض فى الجنة وهو ما يناقض أن أهل النار وأهل الجنة من سود وبيض الألوان والحديث يتناقض مع كون كلتا يديه فهنا الله تعالى عن ذلك لديه كف يسرى ثم قال :
"- الكتابة والإنسان جنين في بطن أمه قال ( ( أن أحكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوما نطفة ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل أليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ) والظاهر أنهما كتابتان كتابه عند أربعين يوما وكتابه عند مائة وعشرين يوما وأما تحديد التنوع (فإذا مر بالنطفة ثنتان و أربعون ليلة ) كما في الحديث ذكر أو أنثي وقد ثبت في علم الأجنة أن ظهور الأعضاء التناسلية يبدأ في الأسبوع السابع والفرق بين النوعين يبدأ بعد الأسبوع السادس ويكتمل التشكيل بعد يوما ففي الأسبوع السابع تفرز انزيمات معينة عليها يتوقف نوع الجنين وان كانت الكرموزونات يمكن من خلالها تحديد نوع الجنين في أول التلقيح ولكن القطع النهائي هو للانزيم في الأسبوع السابع"
والحديث باطل لتعارضه مع كتاب الله فالحمل الثقيل وهو وضع النفس فى الجسد يكون بعد ثلاثة أشهر لقوله " وحماله وفصاله ثلاثون شهرا" والروح فى الحديث وهى النفس توضع 120يوم=4 شهور وهو تعارض فى الأخبار ثم قال :
- التقدير السنوي قال تعالي { حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم } قال الحسن البصري
والله الذي لا إله 'لا هو أنها لفي رمضان وأنها ليلة القدر يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله تعالي كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها"
ولا يوجد هذا التقدير لأنه متعلق بنزول القرآن كما فى قوله تعالى " إنا أنزلناه فى ليلة القدر"
كما لا يوجد تقدير يومى كما قال :
- التقدير اليومي قال تعالي { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } والتقدير اليومي هو إنفاذ المقدور علي العبد فلا يتقدم ما كتب ولا يتأخر عنه إن خيرا فخير وإن شرا فشر"
فهذا الشأن هو الخلق وليس التقدير لأن التقدير انتهى بكتابته فى لوح القدر وكذلك قوله :
- الكتابة بعد العمل قال تعالي { إن عليكم لحافظين كراما كاتبين } وهي التي عليها الحساب"
فهذه الكتابة هى كتابة الملائكة للعمل عند حدوثه أو بعده ثم حدثنا عن الإيمان فقال :
"المرتبة الثالثة الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة
المشيئة والقدرة من صفات الله عز وجل ومعني هذه المرتبة من مراتب القضاء والقدر أن نؤمن بأن ما في الكون من حركة أو سكون و لا خير أو شر ولا أفعال اضطرارية ولا اختيارية للمخلوقين إلا بمشيئة الله وقدرته وإرادته فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن قال تعالي { من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله علي صراط مستقيم}
ومما سبق تتضح لنا الإجابة الصحيحة علي السؤال الذي يقول
هل الإنسان مسير أم مخير ؟
والجواب هو ميسر فليس مسيرا بمعني أنه مجبور علي فعله فإن له مشيئة في فعله وليس مخيرا بمعني أنه لا سلطان لله عليه فإن لله مشيئة في فعله إذا هو مخير له قدرة ومشيئة ولكن قدرته ومشيئته تحت مشيئة الله وقدرته قال تعالي { لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}
وعليه فإن المشيئة لا تكون إلا كونية فالإرادة والقضاء والأمر كل منها ينقسم إلي كوني وشرعي ولفظ المشيئة لم يرد إلا في الكوني قال تعالي { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } ومعني هذا الكلام أن الإرادة والقضاء والأمر والإذن منها كوني وشرعي والكوني يدخل فيه كل ما وجد سواء أحبه الله أم أبغضه فالكوني كل ما وجد وكان بكلمة كن لذلك سمي كونيا أي كان ووجد فالله أراد وجود إبليس كونا وأمر مترفيها ففسقوا فيها كونا وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله كونا وإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون كونا
وأما الشرعي من الإرادة فهو كقوله تعالي { يريد الله بكم اليسر }
وفي القضاء كقوله تعالي { وقضي ربك ألا تعبد إلا إياه} وقد فسرها بن عربي بالقضاء الكوني فكفر إذ لازم قوله أن يكون كل من عبد صنما أو غيره فقد عبد الله ,
وفي الإذن الشرعي كقوله تعالي { أم لهم شركاء وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } شرعا ومن الأمر كقوله تعالي{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وهذا الأمر الشرعي ما عليه الثواب والعقاب"
وحكاية الإذن الكونى والشرعى واحدة فكله إذن الله وتحدث عن سبب وقوع الشر فقال :
"فإن قلت وما الحكمة من خلق الشر ودخوله تحت الأمر الكوني قيل الشر ليس شرا محضا و إنما فيه من أنواع الخير ما لأجلها قدره العليم الحكيم
والأشاعرة يثبتون للعبد مشيئة لا أثر لها في الفعل فهم في الحقيقة جبرية والمعتزلة يوجبون علي الله أن يفعل الأصلح للعبد وهذا باطل وهم ينفون خلق الله للفعل ومشيئته له
وقد كانت هذه المسألة سبب رجوع أبي الحسن الاشعري عن الاعتزال حيث سأل أستاذه فقال ثلاثة اخوة مات أحدهم كافرا و الثاني مؤمنا والثالث صغيرا أين الأول قال في النار
وأين الثاني قال في الجنة وأين الثالث قال لا ثواب وعقاب قال فإن الصغير سيقول لربه رب لم توفينني صغيرا فلو تركتني فكبرت لآمنت ولدخلت الجنة فقال الأستاذ والله يقول لو تركتك لكفرت ففعلت الأصلح بك فقال أبو الحسن فان الأول سينادي وهو في قعر الجحيم قائلا ولم يا رب لم تتوفني صغيرا حتى لا أدخل النار فبهت الأستاذ ورجع أبو الحسن عن مذهب المعتزلة
وأما أهل السنة فيثبتون للعبد قدرة ومشيئة بها يقع الفعل وعليها سيحاسب ولأجلها تنسب الأعمال للعبد وتصير من كسبه يسأل عنها ويثبتون فوق ذلك مشيئة لله وقدرة تقتضي أن يكون الإنسان عبدا مربوبا فمن أضله الله فبعدله ومن هداه فبرحمته يضع الشيء في موضعه وهذا معني العليم الحكيم وربك لا يظلم مثقال ذرة ولم يجبرهم لأن الجبر عجز ولن يدخل أهل النار النار إلا وحمد الله في قلوبهم لا يستطيعون إلى غير ذلك سبيلا"
وكلام الله هو أن مشيئة الله متوافقة مع مشيئة المخلوق بمعنى أن الله يجعله قادر عليها كما فى قول ‘براهيم" والله خلقكم وما تعملون " وفقال فى وقوعهما معا :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
وتحدث حديثا حسنا ناقض فيه بعض كلامه السابق فى الشر فقال :
"المرتبة الرابعة : الخلق
ومعناه أن نؤمن بأن الله علم ما الخلق عاملون ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ ثم شاء وجوده ثم خلق أفعال العباد ومشيئتهم التي بها فعلوا الخير والشر وهذا معني أن نؤمن بالقدر خيره وشره فنسبة الشر إلي الله هي نسبة خلق وإيجاد وليس أن تقدير الله - عز وجل - هو الشر ففعل الله ليس بشر لان فعل الله صفة من صفاته والله سبحانه وتعالي الخير كله في يديه والشر ليس إليه فليس من صفاته ولا من أفعاله شر ولكن الشر من مخلوقاته"
والخطأ القول أن الله سبحانه وتعالي الخير كله في يديه والشر ليس إليه فليس من صفاته ولا من أفعاله شر ولكن الشر من مخلوقاته وهو كلام متناقض فالله خالق الخير والشر معا ثم قال :
"والدليل علي خلق أفعال العباد قوله عز وجل { والله خلقكم وما تعملون }
لها وجهان من التفسير :
- أن تكون ما مصدرية فيكون التقدير وعملكم وهو الشرك
قال ( ( الله خالق كل صانع وصنعته)
- أن تكون ما موصولة فيكون التقدير والذي تعملون وعملهم كان هو صناعة الأصنام والصنم عبارة عن مادة + صنعة لأن المنبر مثلا عبارة عن خشب وصنعة ولا يصلح أبدا أن نقول عبارة عن خشب فقط وعليه فهو مادة + عمل = صنم
والله خلقه أي خلق مادته والعمل الذي به صار صنما فالآية علي هذا الوجه أيضا دليل علي خلق الله لأفعال العباد
وكذلك قول الله عز وجل { الله خالق كل شئ} فخلق الإنسان من عدم وخلق قدرته وإرادته لآن الإنسان لم يخلق قدرته وإرادته
وهذه المرتبة الأنسب فيها أن يستعمل لفظ " الجعل " بدل " الخلق " لان الخلق يشمل العموم " الله خالق كل شئ " والأفعال وردت بلفظ الجعل قال تعالي { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن } قال أيضا { وكذلك جعنا في كل قرية أكاير مجرميها }
وقال أيضا { وجعلناهم أئمة } فالخلق للذات والجعل للفعل
وتأمل تجد أن الله جعل هؤلاء أئمة وجعل هؤلاء مجرمين وقد يقال العدل أن يساوي بينها
فالجواب بل العدل أن يوضع الشيء في موضعه قال تعالي { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وقال أيضا { أليس الله بأعلم بالشاكرين }
والله خلق الفعل وليس معني ذلك أنه جبر العبد عليه فالفعل يتكون من أمرين القدرة عليه والإرادة له متي تخلف أحدهما لم يخرج الفعل إلي حيز الوجود وقد خلق الله في العبد الإرادة والقدرة آلتان بهما يفعل الفعل فكان بذلك خالقا للفعل الذي ينتجح عنهما ...
والمنهي عنه هو الخوض في القدر بالعقل أما بيان العقيدة الصحيحة فواجب وإلا فلماذا هذه الآيات البينات والنصوص النبوية في بيان هذا الآمر وتوضيحه"
والآية لها تفسير واحد صحيح وهو أن الله خلق الإنسان وأعماله خير أو شر
ثم حدثنا عن فوائد الإيمان بالقضاء والقدر فقال :
"أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المؤمن
الإيمان هو مأمن العبد عند النوائب الإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته وقضائه وقدره وملائكته وكتبة ورسله ولقائه
...فالإيمان بعلم الله المحيط يورث العبد تواضعا فلا يغتر بعلمه دينيا أو دنيويا حيث ضل الفلاسفة وبعض من يتسمون بالمثقفين أمثال نجيب محفوظ فاعتقدوا أن العلم يغني الإنسان عن الإله وهذا ما رمز إليه نجيب محفوظ في قصته ( أولاد حارتنا ) عندما قال وقتل الجبلاوي علي يد عرفة يقصد بالجبلاوي الإله وبعرفه العلم فهم يعتقدون أن العلم جعل الإنسان يستغني عن الإله
والإيمان بأن الله يعلم ما يكون يورث اطمئنانا بأن الله أحاط علما بما يدبره أعداء الدين مع قدرته تعالي أن يجعل كيدهم في نحورهم ويجعل تدميرهم تدبيرهم
والعلم بأن الله كتب كل شئ يورث رضي بقضاء الله وقدره وراحة في طلب الأرزاق وعدم خوف علي الأعمار والآجال فان ذلك كان في الكتاب مسطورا
والإيمان بمشيئة الله وخلقه لافعال العباد يورث خوفا وخشية تثمر تضرعا وتذللا ...فيتذلل العبد لربه أن يقيمه علي طاعته وألا يكله لنفسه فتقوده إلى الغواية والضلال فالإيمان بهذه المرتبة يجعل العبد يعبد الله خوفا ورجاء رغبة ورهبة وهكذا عباد الله الصالحون قال تعالي { إنهم كانوا يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }"
مما لاشك فيه أن المترتب على الإيمان بالقضاء والقدر كما فى كتاب الله هو طاعة أحكام الله ودخول الجنة
المؤلف أو كما كتب الجامع المرتب هو وليد كمال شكر وقد استهل الحديث بالقول أن القدر من أصول الدين فقال :
وبعد
فإن الإيمان بالقدر من أصول الدين قال رسول الله ( عندما سئل عن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره ) "
والحديث لا يصح لوجوب الإيمان باليوم الأخر وأمور أخرى كما قال تعالى :
"يؤمنون بالله واليوم الأخر"ثم ذكر نصوصا أخرى فقال :
"والنصوص المخبرة بقدرة الله كثيرة قال تعالي{ وخلق كل شئ فقدره تقديرا } ( وقال عبد الله بن عمر كل شئ بقدر حتى العجز والكيس ) والكيس ضد العجز
( وقال ابن عمر أيضا لما أخبر عن قول معبد الجهنى ( أن الأمر أنف ) قال إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ) رواه مسلم وهذا دليل واضح علي بطلان عمل من لم يؤمن بالقدر بل دليل علي كفر من أنكره جملة)
وتحدث شكر معرفا القضاء والقدر فقال :
"تعريف القضاء والقدر
(( القدر لغة من قدرت الشيء أقدره قدرا وقدرا إذا أحطت بمقداره وعند أهل اللغة يستعمل في القضاء والحكم وشرعا ما سبق به العلم وجري به القلم مما هو كائن إلى الأبد وقد فرق العلماء بين القضاء والقدر فقالوا القدر هو العلم السابق منذ الأزل والقضاء هو وقوع الخلق علي وزن الأمر وحصول الشيء مطابقا للعلم وبالجملة فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر وقيل في الفرق بينهما عكس ذلك )) "
وما قدره الله لابد أن يقضى فالتقدير هو تقرير ما سيحدث والقضاء هو خلق ما سيحدث بعد حين فالفارق بينهما هو أن أولهما وهو القدر هو ما يسمى عند الناس بالمكتوب وأنا القضاء فهو تنفيذ أى خلق المكتوب
وتحدث عن اختلاف الناس فى القدر فبين فرقهم فقال :
"الاختلاف في مسألة القدر
الفرقة الأولى ( الجبرية ) :
وهؤلاء غالوا في إثبات القدر فسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا إن العبد مسير لا مخير ولا فرق بين الفعل الواقع باختياره كالذنب وبين الفعل الواقع رغما عنه كالسقوط من شاهق ولا شك أنهم ضالون وهم الجبرية لإنه مما علم ضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين فعل الاختيار وفعل الإجبار
لقد ترك هؤلاء العمل احتجاجا بالقدر قبل وقوعه واحتجوا بالقدر علي ما يقع منهم من أعمال مخالفة للشرع ووصل بهم الحال إلى عدم التفريق بين الكفر والإيمان لأن الجميع عندهم خلق الله ومنهم نشأت الإباحية الذين يقولون بسقوط الواجبات ورفع العقوبات وقد يغالون فيجعلون عين الموجودات هي الله وقالوا ليس في الكون معصية البتة فكل ما في الكون أراده وشاءه وكل مل في الكون أحبه ورضاه ومقالهم في نهاية الآمر يؤدي إلى الكفر بالله والتكذيب بكتبه وما أخبرت به الرسل
وهؤلاء الجبرية ينقسمون إلي :-
أ - الجبرية الخلص هؤلاء ينفون القدرة والإرادة الإنسانية فعندهم دقات القلب لا تختلف عن القتل والزنا من حيث مسئولية المرء عنها وهؤلاء يرد عليهم الشرع قال تعالي { واعملوا ما شئتم } {ولمن شاء منكم أن يستقيم } ويرد عليهم العقل حيث لا يمارى عاقل في أن هناك فرقا بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية
ب - الجبرية المستترين ( الأشاعرة ) وهؤلاء يثبتون قدرة ومشيئة للإنسان ولكن يقولون إنها لا يقع بها الفعل ولكن معها فيقترن وجود الفعل مع القدرة والمشيئة من غير أثر لها في الفعل فيقولون الله الخلق القطع عند مرور السكين أي بسبب السكين فعندهم السكين لا تقطع أما نحن فنقول الله يخلق القطع بالسكين أما أهل السنة فيقولون النار تحرق ويخلق الله الإحراق بالنار فمذهبهم هو مذهب الجبرية وإنما التفريق هو إثبات قدرة ومشيئة للعبد بلا أثر
ومن الجبرية تفرعت الإباحية الذين عدوا الكبائر والكفر كرامات فيقولون من كرامات الولي الفلاني أنه كان يأتي البغلة في الطريق ومن كرامات الولي الفلاني أنه صعد المنبر فقال أشهد أن لا إله لكم إلا إبليس ( صلي الله علية وسلم ) فقال الناس كفر كفر فسل السيف سوطا ونزل من علي المنبر ففر الناس من المسجد ( ذكره الشعراني علي أنه من كرامات الأولياء )
الرد علي الجبرية
يرد عليهم من وجوه عدة منها :-
أولا : إطلاق لفظ الجبر علي أفعال العباد خطا في الأصل حيث يطلقونه ويريدون به الإكراه ولما اختلف الرجلان قال أحدهما الله يجبر العباد وقال الآخر لا يجبرهم فتحاكما إلى الإمام أحمد فقال منكرا عليهما لا وإنما نقول يضل من يشاء ويهدى من يشاء واسم الله الجبار معناه أن الله جعلهم مريدين لما يريد دون إكراه "
هذا الرد غير مفيد فاللفظ يفيد نفس المعنى حسب المستعمل ثم قال :
ثانيا : الجبر علي الفعل لا يكون إلا من عاجز بمعني أنك تجبر غيرك وتكرهه علي الفعل وإذا عجزت أن تجعله يفعله باختياره والله لا يعجزه شئ فمن قدرته أنه يجعلهم يفعلون مراده دون إكراه ولعل هذا هو معني اسمه الجبار
ثالثا : إنكار الاختيار في فعل العبد نقص في العقل فشتان بين دقة قلب ودقة عزف وشتان بين سقوط من شاهق وقفز بمظلة وشتان بين زلقة رجل وضربه كرة
رابعا : زعمهم أن كل شئ خلقه الله فقد رضيه وأحبه باطل إذ كيف يحب الله من لعنهم وغضب عليهم وذمهم وتوعدهم
خامسا : زعمهم أن الأيمان بالقدر يستلزم ترك الأعمال يعارض صريح القرءان قال تعالي { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وقال أيضا {فامشوا في مناكبها}
وقال أيضا { فقاتلوا أئمة الكفر} ومقتضى قولهم أنهم يريدون ذرية دون زواج
...وقادهم ذلك والعياذ بالله إلي ما لا تحمد عقباه فأحدهم يري رجلا يفجر بزوجته فأقبل يضربها وهي تقول القضاء والقدر فقال لها يا عدوة الله أتذنبين وتعتذرين مثل هذا فقالت أوه تركت السنة وأخذت مذهب بن عباس فتبنه ورمي بالسوط فقال لها لولا أنت لضللت
فائدة : احتجاجهم بحديث أدم وموسى قال موسى " أهبط الناس بخطياتك إلى الأرض فقال أدم وكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال بأربعين سنة قال وهل وجدت فيها وعصي أدم ربه فغوي قال نعم قال أفتلومني علي عمل عملته كتبه الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنه " فحج أدم وموسى وليس في هذا حجة لهم فأدم لم يحتج بالقدر علي الذنب وموسى لم يلم أباه علي ذنب غفر له بل لامه علي المصيبة التي أخرجت أدم وذريته من الجنة وآدم احتج بالقدر علي المصيبة ( النيتجة ) لا علي الخطيئة فإن القدر يحتج به في المصائب لا عند المعايب والذنب بعد التوبة منه مصيبة والموضع الذي يضر به الاحتجاج بالقدر في الذنب قال المستقبل أو حالة الإصرار لا بعد التوبة"
وحديث الاحتجاج فى الجنة لا يصح لأن الجنة ليس فيها أى لغو اى باطل كما قال تعالى :
" لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما"
ثم قال :
الفرق الثانية (( القدرية )) نفاة القدر:
وهؤلاء غالوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون لله مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بفعله حتى غلا طائفة منهم وقالوا إن الله تعالي لا يعلم ما يفعله العباد إلا بعد أن يقع وهؤلاء غلاة القدرية
( وزعم هؤلاء كذبا وزورا أن الله إذا أمر العباد بأمر ونهاهم عن شئ لا يعلم من يطيعه منهم ممن يعصيه ولا يعلم من يدخل الجنة ممن يدخل النار إلا بعدما يعلمون فينفون مرتبة العلم ومرتبة الكتابة وهؤلاء سماهم النبي ( مجوس هذه الأمة حيث قالوا بوجود خالقين فعندهم الله خلق الذات والعبد خلق الفعل كما قالت المجوس النور خالق الخير والظلمة خالق الشر قال (لكل أمه مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم ) وقد نص مالك والشافعي وأحمد علي كفر من لم يقر بعلم الله "
والحديث لا يصح فالأمة لا تتحول فهى هى ,عن خرجت عن دينها فلا يمكن أن تكون امة المسلمين وإنما أمة الكفار ولفظ أمتى يناقض أن الأمة ليس أمته بل أمة الله أو المسلمين كما قال تعالى ط ,ان هذه أمتكم أمة واحدة" فلو كانت متفرقة فهى أمم وليست أمة واحدة
ثم ذكر شكر مثال جديد استدل به القوم وهو مثال معرفة المدرس بقدرات طلابه قبل الامتحان وفى هذا قال :
"ومثال المدرس ذكره الشيخ الشعراوي في كتابه القضاء والقدر وأن كان ظننا بالشعراوي أنه يقرب المسألة للناس ولا يقصد المعني الباطل أما مثال الكنترول بأن الذي يرصد النتيجة في الكنترول يعلم النتيجة قبل ظهورها فهو أسوا وأضل "
وتلك ألمثلة هى عملية شرح والله أعلم بمراد ضاربيها وتحدث عن شبهات القدرية فقال :
"القدرية يردون النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي تثبت القدر بحجة عدم موافقتها للعقل ومن ثم يحتجون بشبهات وتساؤلات ومن هذه الشبهات :-
- يقولون إذا كان الله قدر شيئا فلا بد أن يحدث ولا أثر لأفعالنا ولا لمشيئتنا
والجواب : أننا نطلب الرزق ونعلم أنه لابد من السعي عليه مع يقيننا بأن الله مقدر له قال تعالي { وفي السماء رزقكم وما توعدون } والأب والأم يرعيان ولديهما مع علمهما أن الله رازقه وحافظه واحتجاجهم هو احتجاج المشركين الذين قالوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه فهم بذلك يريدون الخروج من التكاليف الشرعية وهي كلمة حق يراد بها باطل
- يقولون لماذا لم يعط الله لكل إنسان إرادة وقدرة حسنة يفعل بها الخير لماذا جعل منهم أخيارا وأشرارا ؟
والجواب : أن الله أعلم بالشاكرين وأعلم بالظالمين وهو العليم الحكيم يضع الأشياء في مواضعها وقولهم معناه لم لم يعط الله أبا جهل الرسالة كما أعطاها النبي محمدا فالله سبحانه عدل مع الجميع وتفضل علي البعض وهو أعلم بالمهتدين وأن يوجد نهي عن المنكر دون وجود منكر تماما كمن يسأل ويقول أليس الله قادرا علي أيجاد طفل دون أب وأم - نعم قادر ولكن الله شاء أن يوجد الشي بأسبابه حكمة وعدلا "
والكلام عن حكاية اعطاء الخير معناه تغافل القوم أن أى ثواب وعقاب قائم على الطاعة والمعصية فلو كانت هناك طاعة فقط ما كان هناك ضرورة للثواب لأن الكل سيعيش فى سعادة بسبب ذلك ثم أورد حكايات فى رد أقوال القدرية فقال :
"وفي محاورات أهل السنة مع القدرية خير دليل علي تهافت عقولهم وسفاهة أفكارهم
( يذكر أهل العلم أن أعرابيا أتي عمرو بن عبيد فقال إن ناقتي سرقت فادع الله لي أن يردها علي فقال عمرو اللهم أن ناقة هذا الفقير قد سرقت ولم ترد سرقتها اللهم ردها عليه فقال الأعرابي الآن ذهبت ناقتي وأيست منها قال عمرو وكيف ذاك قال لأن الله إذا أراد ألا تسرق فسرقت لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع ونهض موليا
والقدرية النفاة حرموا الاستعانة بالله الواحد لأنهم زعموا أن الله لا يقدر علي أفعال العباد وأن العبد هو الخالق لفعله فكيف يستعينون بالله علي شئ لا يقدر عليه فهم لا يعتمدون إلا علي حولهم وقدرتهم وعملهم"
وكلام النفاة يتعارض مع قوله تعالى " وكان الله على كل شىء مقتدرا" وقوله" والله على كل شىء قدير"
وذكر شبهات أخرى فى الموضوع فقال :
"بعض الشبهات التي قد يتوهم منها تعارض بين الإيمان بالقدر والنصوص الشرعية:
أولا : قال تعالي { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } فكيف علم الله ما هو كائن ثم كتبه ثم يمحو بعد ذلك ويثبت وكذا قوله ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه ) متفق عليه وقد جاء في الأثر أن الله جعل عمر داود مائة بعد كان أربعين
و الجواب أن الأرزاق والأعمال نوعان:-
- نوع جرى به القلم وكتب في أم الكتاب فهذا لا يتغير ولا يتبدل
- نوع يزيد وينقص وهو ما في كتب الملائكة
والآجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلا فإن وصل رحمه فيأمره بأن يزيد في أجله ورزقه والملك لا يعلم أيزاد في ذلك أم ينقص لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لم يتقدم ولم يتأخر فكما قال ابن عباس الكتاب كتابان كتاب يمحوا الله ما يشاء منه ويثبت " الكتاب الذي بيد الملك " وكتاب لا يتغير فيه شئ وهو اللوح المحفوظ وهو المقصود بقوله تعالي { وعنده أم الكتاب } فاللوح المحفوظ مكتوب فيه علي سبيل المثال
أن عمر فلان مائة عام والكتاب الذي بيد الملك مكتوب فيه أن عمره ستين سنه فإن وصل رحمه فهي مائة وإلا فلا فالنتيجة النهائية مسطورة في اللوح المحفوظ والزيادة والنقصان أمر يحدث في الكتاب الذي بيد الملك كذلك الأمر في مسألة القدر والدعاء عندما يعترجان فيرد الدعاء القدر في هذه الحالة يكون مكتوبا في اللوح المحفوظ أن القدر سينزل ويرفعه الدعاء وكان ذلك في الكتاب مسطورا"
وهذه الاجابات تدل على الجهل فالعمر لا يزيد ولا ينقص كما هى نصوص كتاب الله والقدر لا يتغير لأن الإنسان لا يعلم به فكيف يعلم الإنسان أنه تغير وما هرب منه شكر وأمثاله هو ما عابوه على الشيعة من أمر البداء فحكاية رد الدعاء للقضاء وتبريرها هى نفسها هى حكاية البداء عند الشيعة
وأما المحو والإثبات فليس كما ظن المؤلف فالمحو يقصد به العفو عن السيئات كماقال تعالى :
"ويعفو عن السيئات"
كما يقصد به إزالة حكم الباطل وجعل حكم الحق مكانه فى الدنيا وفيه قال تعالى :
" ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته"
وهذا ليس معناه أن يمحو المقدر لأنه لو فعل ذلك لكان عيبا ونقصا فيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا
وتحدث عن الشبهة الثانية فقال :
"ثانيا : كيف يخلق الله الشر ويقدره ؟
والجواب أن الله لم يخلق الشر المحض بل فيه خير وحكمة فالشيء الواحد يكون خيرا باعتبار وشرا واعتبار فالله خلق إبليس يبتلي به عباده فمنهم من يمقته ويحاربه ويعاديه ويوالي الرحمن ولا يتبع الشيطان"
نلاحظ هنا تناقض الكلام فكيف يكون فى الشر خير ؟
وهنا ينفى الرجل كما نفى من اتهمهم قدرة الله على فعل كل شىء بنفى أنه خالق الشر المحض وهو ما يعارض قوله تعالى :
" والله على كل شىء قدير"
كما أنه يبتلى بالشر والخير كما قال:
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن العقيدة فقال :
عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر
قال شيخ الإسلام ( مذهب أهل السنة في هذا الباب ما دل عليه الكتاب والسنة وهو أن الله خالق كل شئ ومليكه وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بنفسها وصفاتها القائمة بها كالأفعال للذوات ) وهذا قول السلف قاطبة ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن
ومراتب القدر أربع :
المرتبة الأولى : العلم
وهي أن يؤمن الإنسان إيمانا جازما بأن الله بكل شئ عليم وأنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض جملة وتفصيلا سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وعندما نتحدث عن مرتبة العلم ينبغي أن نذكر بعض الأمور التي تتعلق بهذه المرتبة :-
أولا : علم الله للأشياء تفصيلي وليس إجماليا فقط كما يدعي الفلاسفة
ثانيا: علم الله سابق علي وجود الأشياء وهو ما يعبر عنه البعض ( بالعلم القديم ) كشيخ الإسلام في الوسطية أو العلم الأول أو العلم الأزلي قال تعالي{ وكان الله بكل شئ عليما } فقال سبحانه كان مع أنه لم يزل ولكن لفظ كان يرد علي من يقولون إن علم الله حادث
ثالثا: علم الله للخمس الغيبيات لا يشاركه فيه أحد قال تعالي
{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } وما جاء من نصوص فيها إخبار غير الله عن شئ من هذه الخمس لم يخرجها عن كونها من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها حيث إن المخبر عنها لا يخبر إلا بمتعلق من معلقاتها وهذا لا يخرجها عن كونها من الغيبيات التي استأثر الله بها فعندما يخبر النبي ( عن علامات الساعة لا يخبر عن وقتها وعندما أخبر النبي ( عن مصارع القوم بالتفصيل فقال هذا مصرع فلان علق ذلك علي المشيئة ومثله ما يكتبه الملك وما يعلمه الملك من الرزق والآجل قبل حصوله يعلقه علي المشيئة ( فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ) فضلا عن أن ما يكتبه الملك قابل للمحو والإثبات وهو متوقف علي مشيئة الله ولذا نجد جبريل يقول للنبي ( لو رأيتني وأنا أدس من وحال البحر في فم فرعون حين قال ( أمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنوا إسرائيل وأن من المسلمين ) يونس خشية أن تدركه الرحمة فهذا دليل علي أن أحد
لا يعلم نهاية أحد وعاقبته فلا يعلم الغيب تفصليا وجزما إلا الله "
وهذا الكلام متعارض مع بعضه فإما الله وحده هو من يعلم الغيب وهو الحق وإما أ يعلم البعض به جملة فهذا تخريف فلا فرق بين العلم جملة والعلم بالتفصيل لكون كله علم
وأما حكاية كتابة الملك فلا دليل عليها فالملائكة لا تكتب إلا ما أراد الله ولا يكتبون من عند أنفسهم كما قال تعالى "ويفعلون ما يؤمرون"
ثم قال :
رابعا : علم الله شامل لما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ومعني قولنا وما لم يكن كان كيف يكون أي يعلم لو آمن فرعون كيف كان حال إيمانه
وماذا سيكون مآله وهذه الجزئية يدخل فيها ملايين التفاصيل وكل ما جاء في القرءان بلفظ لو أو لولا فهو من هذا الباب قال تعالي { لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وقال أيضا { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا من يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } وقال أيضا { ولو أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}
وقد علم الله أن الغلام لو كبر لكفر فأماته مسلما علي الفطرة وقولهم إن الغلام طبع يوم طبع كافرا أي لو كبر أما هو فقد مات علي الفطرة
خامسا: هذا العلم السابق لا يحاسب الله العباد عليه بل لا يحاسبهم إلا علي علم المشاهدة كما لا يحاسبهم علي ما سطر في اللوح المحفوظ وإنما علي ما سطرته الملائكة من أعمالهم التي عملوها وإذا كان الله لا يحاسب العبد علي علمه السابق الذي سوف يفعله العبد ممن باب أولي لا يحاسبه علي علمه فيما لم يكن لو كان ( ككفر الغلام ) ولذلك قالوا ( كلمة الله أعلم بما كانوا عاملين ) في شأن أطفال المشركين ليس معناها أن الله سيدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار بناء علي علمه الأول و إنما قال النبي ( ذلك تعليما لأصحابه أن يردوا العلم إلى الله تماما كما مات ولد للمسلمين فقالت عائشة عصفور من عصافير الجنة فأنكر عليها النبي ( مع أنه هو الذي أخبر أنهم من أهل الجنة وقد عبر النبي ( في نص أخر بنفس اللفظ عن أبناء المسلمين مع أن هؤلاء لا يكاد يكون فيهم خلاف يذكر نقل هذا عن الإمام أحمد بدليل أنهم يشفعون لأهليهم فكيف لا يدخلون هم الجنان ويلحق بهذا الكلام تفسير الآيات أمثال
{ وحتى تعلم المجاهدين } قال المفسرون يعلم علما يحاسبهم عليه وهو علم المشاهدة قال بن عباس ليعلم أي ليري"
حساب الله يكون على ما وقع وهو نفسه ما كتب من قبل فلا فرق بينهما ولكن الحساب يكون بعد العمل وليس قبله لأن الله عادل لا يظلم أحد فيعاقبه على ما لم يفعل كما قال :
" كل نفس بما كسبت رهينة" ثم قال :
المرتبة الثانية : الكتابة
وهي أن نؤمن بأن الله كتب ما هو كائن إلي يوم القيامة في اللوح المحفوظ
قال تعالي { وكل شئ أحصيناه في إمام مبين } قال ( أن أول ما خلق الله القلم قال لهاكتب قال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) رواه الترمذي في سننه
وقال أيضا ( ( قدر الله المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) "
وهذا الكلام عن أن القلم هو من يكتبي يناقض كلام شكر عن كتابة الملائكة فى فقرة سابقة وهو" فضلا عن أن ما يكتبه الملك قابل للمحو والإثبات"
وقال شكر بتعدد الكتابات والتقديرات وهو كلام مخالف لصريح القرآن فقال :
وتتبع هذه الكتابة كتابات وتقديرات أخري :-
- التقدير يوم القبضتين فعن أبي الدرداء عن النبي ( قال ( خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمني فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم فقال للذي في يمينه إلي الجنة ولا أبالي وقال للذي في كفه اليسرى إلى النار ولا أبالي ) وعند شرح هذا الحديث يقول العلماء إن الله علي كل شئ قدير إلا أن قدرته تعالي مقرونة بحكمة متناهية والحكمة معناها وضع الشيء في موضعه فالله قبض من يستحق السعادة بيمنيه منة وفضلا وقبض من يستحق الشقاوة بشماله عدلا وقسطا وهو لا يسأل عما يفعل وهو يسألون وقوله تعالي ولا أبالي يعني لا تنفعني طاعة الطائعين ولا تضرني معصية العاصيين"
والحديث لا يصح فالذرية ليس من الأكتاف وإنما من الجهاز التناسلى كما أن السواد والبياض هنا عنصرية لأن معناه أكل السود فى النار وكل البيض فى الجنة وهو ما يناقض أن أهل النار وأهل الجنة من سود وبيض الألوان والحديث يتناقض مع كون كلتا يديه فهنا الله تعالى عن ذلك لديه كف يسرى ثم قال :
"- الكتابة والإنسان جنين في بطن أمه قال ( ( أن أحكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوما نطفة ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل أليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ) والظاهر أنهما كتابتان كتابه عند أربعين يوما وكتابه عند مائة وعشرين يوما وأما تحديد التنوع (فإذا مر بالنطفة ثنتان و أربعون ليلة ) كما في الحديث ذكر أو أنثي وقد ثبت في علم الأجنة أن ظهور الأعضاء التناسلية يبدأ في الأسبوع السابع والفرق بين النوعين يبدأ بعد الأسبوع السادس ويكتمل التشكيل بعد يوما ففي الأسبوع السابع تفرز انزيمات معينة عليها يتوقف نوع الجنين وان كانت الكرموزونات يمكن من خلالها تحديد نوع الجنين في أول التلقيح ولكن القطع النهائي هو للانزيم في الأسبوع السابع"
والحديث باطل لتعارضه مع كتاب الله فالحمل الثقيل وهو وضع النفس فى الجسد يكون بعد ثلاثة أشهر لقوله " وحماله وفصاله ثلاثون شهرا" والروح فى الحديث وهى النفس توضع 120يوم=4 شهور وهو تعارض فى الأخبار ثم قال :
- التقدير السنوي قال تعالي { حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم } قال الحسن البصري
والله الذي لا إله 'لا هو أنها لفي رمضان وأنها ليلة القدر يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله تعالي كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها"
ولا يوجد هذا التقدير لأنه متعلق بنزول القرآن كما فى قوله تعالى " إنا أنزلناه فى ليلة القدر"
كما لا يوجد تقدير يومى كما قال :
- التقدير اليومي قال تعالي { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } والتقدير اليومي هو إنفاذ المقدور علي العبد فلا يتقدم ما كتب ولا يتأخر عنه إن خيرا فخير وإن شرا فشر"
فهذا الشأن هو الخلق وليس التقدير لأن التقدير انتهى بكتابته فى لوح القدر وكذلك قوله :
- الكتابة بعد العمل قال تعالي { إن عليكم لحافظين كراما كاتبين } وهي التي عليها الحساب"
فهذه الكتابة هى كتابة الملائكة للعمل عند حدوثه أو بعده ثم حدثنا عن الإيمان فقال :
"المرتبة الثالثة الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة
المشيئة والقدرة من صفات الله عز وجل ومعني هذه المرتبة من مراتب القضاء والقدر أن نؤمن بأن ما في الكون من حركة أو سكون و لا خير أو شر ولا أفعال اضطرارية ولا اختيارية للمخلوقين إلا بمشيئة الله وقدرته وإرادته فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن قال تعالي { من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله علي صراط مستقيم}
ومما سبق تتضح لنا الإجابة الصحيحة علي السؤال الذي يقول
هل الإنسان مسير أم مخير ؟
والجواب هو ميسر فليس مسيرا بمعني أنه مجبور علي فعله فإن له مشيئة في فعله وليس مخيرا بمعني أنه لا سلطان لله عليه فإن لله مشيئة في فعله إذا هو مخير له قدرة ومشيئة ولكن قدرته ومشيئته تحت مشيئة الله وقدرته قال تعالي { لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}
وعليه فإن المشيئة لا تكون إلا كونية فالإرادة والقضاء والأمر كل منها ينقسم إلي كوني وشرعي ولفظ المشيئة لم يرد إلا في الكوني قال تعالي { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } ومعني هذا الكلام أن الإرادة والقضاء والأمر والإذن منها كوني وشرعي والكوني يدخل فيه كل ما وجد سواء أحبه الله أم أبغضه فالكوني كل ما وجد وكان بكلمة كن لذلك سمي كونيا أي كان ووجد فالله أراد وجود إبليس كونا وأمر مترفيها ففسقوا فيها كونا وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله كونا وإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون كونا
وأما الشرعي من الإرادة فهو كقوله تعالي { يريد الله بكم اليسر }
وفي القضاء كقوله تعالي { وقضي ربك ألا تعبد إلا إياه} وقد فسرها بن عربي بالقضاء الكوني فكفر إذ لازم قوله أن يكون كل من عبد صنما أو غيره فقد عبد الله ,
وفي الإذن الشرعي كقوله تعالي { أم لهم شركاء وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } شرعا ومن الأمر كقوله تعالي{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وهذا الأمر الشرعي ما عليه الثواب والعقاب"
وحكاية الإذن الكونى والشرعى واحدة فكله إذن الله وتحدث عن سبب وقوع الشر فقال :
"فإن قلت وما الحكمة من خلق الشر ودخوله تحت الأمر الكوني قيل الشر ليس شرا محضا و إنما فيه من أنواع الخير ما لأجلها قدره العليم الحكيم
والأشاعرة يثبتون للعبد مشيئة لا أثر لها في الفعل فهم في الحقيقة جبرية والمعتزلة يوجبون علي الله أن يفعل الأصلح للعبد وهذا باطل وهم ينفون خلق الله للفعل ومشيئته له
وقد كانت هذه المسألة سبب رجوع أبي الحسن الاشعري عن الاعتزال حيث سأل أستاذه فقال ثلاثة اخوة مات أحدهم كافرا و الثاني مؤمنا والثالث صغيرا أين الأول قال في النار
وأين الثاني قال في الجنة وأين الثالث قال لا ثواب وعقاب قال فإن الصغير سيقول لربه رب لم توفينني صغيرا فلو تركتني فكبرت لآمنت ولدخلت الجنة فقال الأستاذ والله يقول لو تركتك لكفرت ففعلت الأصلح بك فقال أبو الحسن فان الأول سينادي وهو في قعر الجحيم قائلا ولم يا رب لم تتوفني صغيرا حتى لا أدخل النار فبهت الأستاذ ورجع أبو الحسن عن مذهب المعتزلة
وأما أهل السنة فيثبتون للعبد قدرة ومشيئة بها يقع الفعل وعليها سيحاسب ولأجلها تنسب الأعمال للعبد وتصير من كسبه يسأل عنها ويثبتون فوق ذلك مشيئة لله وقدرة تقتضي أن يكون الإنسان عبدا مربوبا فمن أضله الله فبعدله ومن هداه فبرحمته يضع الشيء في موضعه وهذا معني العليم الحكيم وربك لا يظلم مثقال ذرة ولم يجبرهم لأن الجبر عجز ولن يدخل أهل النار النار إلا وحمد الله في قلوبهم لا يستطيعون إلى غير ذلك سبيلا"
وكلام الله هو أن مشيئة الله متوافقة مع مشيئة المخلوق بمعنى أن الله يجعله قادر عليها كما فى قول ‘براهيم" والله خلقكم وما تعملون " وفقال فى وقوعهما معا :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
وتحدث حديثا حسنا ناقض فيه بعض كلامه السابق فى الشر فقال :
"المرتبة الرابعة : الخلق
ومعناه أن نؤمن بأن الله علم ما الخلق عاملون ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ ثم شاء وجوده ثم خلق أفعال العباد ومشيئتهم التي بها فعلوا الخير والشر وهذا معني أن نؤمن بالقدر خيره وشره فنسبة الشر إلي الله هي نسبة خلق وإيجاد وليس أن تقدير الله - عز وجل - هو الشر ففعل الله ليس بشر لان فعل الله صفة من صفاته والله سبحانه وتعالي الخير كله في يديه والشر ليس إليه فليس من صفاته ولا من أفعاله شر ولكن الشر من مخلوقاته"
والخطأ القول أن الله سبحانه وتعالي الخير كله في يديه والشر ليس إليه فليس من صفاته ولا من أفعاله شر ولكن الشر من مخلوقاته وهو كلام متناقض فالله خالق الخير والشر معا ثم قال :
"والدليل علي خلق أفعال العباد قوله عز وجل { والله خلقكم وما تعملون }
لها وجهان من التفسير :
- أن تكون ما مصدرية فيكون التقدير وعملكم وهو الشرك
قال ( ( الله خالق كل صانع وصنعته)
- أن تكون ما موصولة فيكون التقدير والذي تعملون وعملهم كان هو صناعة الأصنام والصنم عبارة عن مادة + صنعة لأن المنبر مثلا عبارة عن خشب وصنعة ولا يصلح أبدا أن نقول عبارة عن خشب فقط وعليه فهو مادة + عمل = صنم
والله خلقه أي خلق مادته والعمل الذي به صار صنما فالآية علي هذا الوجه أيضا دليل علي خلق الله لأفعال العباد
وكذلك قول الله عز وجل { الله خالق كل شئ} فخلق الإنسان من عدم وخلق قدرته وإرادته لآن الإنسان لم يخلق قدرته وإرادته
وهذه المرتبة الأنسب فيها أن يستعمل لفظ " الجعل " بدل " الخلق " لان الخلق يشمل العموم " الله خالق كل شئ " والأفعال وردت بلفظ الجعل قال تعالي { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن } قال أيضا { وكذلك جعنا في كل قرية أكاير مجرميها }
وقال أيضا { وجعلناهم أئمة } فالخلق للذات والجعل للفعل
وتأمل تجد أن الله جعل هؤلاء أئمة وجعل هؤلاء مجرمين وقد يقال العدل أن يساوي بينها
فالجواب بل العدل أن يوضع الشيء في موضعه قال تعالي { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وقال أيضا { أليس الله بأعلم بالشاكرين }
والله خلق الفعل وليس معني ذلك أنه جبر العبد عليه فالفعل يتكون من أمرين القدرة عليه والإرادة له متي تخلف أحدهما لم يخرج الفعل إلي حيز الوجود وقد خلق الله في العبد الإرادة والقدرة آلتان بهما يفعل الفعل فكان بذلك خالقا للفعل الذي ينتجح عنهما ...
والمنهي عنه هو الخوض في القدر بالعقل أما بيان العقيدة الصحيحة فواجب وإلا فلماذا هذه الآيات البينات والنصوص النبوية في بيان هذا الآمر وتوضيحه"
والآية لها تفسير واحد صحيح وهو أن الله خلق الإنسان وأعماله خير أو شر
ثم حدثنا عن فوائد الإيمان بالقضاء والقدر فقال :
"أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المؤمن
الإيمان هو مأمن العبد عند النوائب الإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته وقضائه وقدره وملائكته وكتبة ورسله ولقائه
...فالإيمان بعلم الله المحيط يورث العبد تواضعا فلا يغتر بعلمه دينيا أو دنيويا حيث ضل الفلاسفة وبعض من يتسمون بالمثقفين أمثال نجيب محفوظ فاعتقدوا أن العلم يغني الإنسان عن الإله وهذا ما رمز إليه نجيب محفوظ في قصته ( أولاد حارتنا ) عندما قال وقتل الجبلاوي علي يد عرفة يقصد بالجبلاوي الإله وبعرفه العلم فهم يعتقدون أن العلم جعل الإنسان يستغني عن الإله
والإيمان بأن الله يعلم ما يكون يورث اطمئنانا بأن الله أحاط علما بما يدبره أعداء الدين مع قدرته تعالي أن يجعل كيدهم في نحورهم ويجعل تدميرهم تدبيرهم
والعلم بأن الله كتب كل شئ يورث رضي بقضاء الله وقدره وراحة في طلب الأرزاق وعدم خوف علي الأعمار والآجال فان ذلك كان في الكتاب مسطورا
والإيمان بمشيئة الله وخلقه لافعال العباد يورث خوفا وخشية تثمر تضرعا وتذللا ...فيتذلل العبد لربه أن يقيمه علي طاعته وألا يكله لنفسه فتقوده إلى الغواية والضلال فالإيمان بهذه المرتبة يجعل العبد يعبد الله خوفا ورجاء رغبة ورهبة وهكذا عباد الله الصالحون قال تعالي { إنهم كانوا يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }"
مما لاشك فيه أن المترتب على الإيمان بالقضاء والقدر كما فى كتاب الله هو طاعة أحكام الله ودخول الجنة