نقد كتاب أحكام الرضاع فى الإسلام
المؤلف سعد الدين بن محمد الكبي وهو يدور حول موضوع الرضاع فى الإسلام وقد تحدث عن أسباب الرضاع وما يحدثه من آثار كما تحدث عن جهل المعاصرين بذلك فقال :
"أما بعد،
فقد أباح الإسلام الرضاع، وهو أن يرضع الطفل من لبن امرأة غير أمه، وقد تدعو الحاجة إلى ذلك، كوفاة الأم مثلا، أو لعدم قدرتها على الرضاع، إما من انشغال أو عجز، كعدم وجود اللبن أصلا، أو لأسباب أخرى. وبناء على ذلك، فإنه يترتب على هذا الرضاع أحكام شرعية، من ثبوت المحرمية بين الرضيع وفروعه من جهة، وبين مرضعته ومن اتصل بها من جهة النسب من جهة ثانية.
ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين يجهلون ما يترتب على الرضاع، فضلا عن جهلهم بشروطه ومتى يثبت، ومتى لا يثبت، فيتساهلون به، فينشأ بسبب ذلك مشاكل اجتماعية، من أهمها فسخ النكاح بين من ثبتت بينهما المحرمية بسبب الرضاع، وبالتالي، تصبح المرأة ثيبا، فضلا عن انتهاك الأخ لعرض أخته من الرضاع وما شابه ذلك"
واستهل الكلام بالحديث عن النساء المحرمات بسبب الرضاع فقال :
"أنواع المحرمات في الشريعة:
لقد أطلق الشارع على من يحرمن على الإنسان اسم: (محرمات) قال تعالى: { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما }
وتنقسم المحرمات في الشريعة من حيث الجملة إلى ثلاثة أنواع:
1ـ محرمات بالنسب: كالأم، والأخت، والعمة، والخالة.
2ـ محرمات بالصهر:كزوجة الابن، وزوجة الأب، وأم الزوجة، وبنت الزوجة المدخول بأمها.
3ـ محرمات بالرضاع: وسيأتي بيان ذلك."
ثم حدثنا عن التبنى فقال :
"القرابة الاصطناعية (التبني):
ولم يأخذ الإسلام بالقرابة الاصطناعية (التبني) بل أهدرها إهدارا تاما، ولم يجعلها مانعا من موانع الزواج بالنسبة للمتبني والمتبنى، ولم يضع بالتالي أية أحكام خاصة بصدد هذه العلاقة الاصطناعية.
الفرق بين تحريم الرضاع في الشريعة والتبني في القانونين الكنسي والوضعي:
قال تعالى: " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم "
لقد أبطل الإسلام عادة التبني بعد أن كانت سائدة، ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية، علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية، وقال: " وما جعل أدعياءكم أبناءكم" ثم قال: " ذلكم قولكم بأفواهكم" والكلام لا يغير واقعا ولا ينشىء علاقة غير علاقة الدم، للخصائص التي تحملها النطفة، وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي"
وعادة الفقهاء عن الحديث عن قرابة الدم هو ضرب من الخيال فالقرابات ليست دموية وإنما قرابة زواج أو قرابة ولادة فالدم فى البشر مختلف حتى فيما بين الآباء والأبناء والبنات
وعرف الرضاع فقال :
"تعريف الرضاع وحكمه
تعريف الرضاع:
الرضاع بالفتح والكسر (رضاع - رضاع ): اسم من الإرضاع وهو اسم لمص الثدي وشرب لبنه وشرعا: اسم لحصول لبن امرأة أو ما يحصل منه في معدة طفل أو دماغه
وقال الجرجاني: هو مص الرضيع من ثدي الآدمية في مدة الرضاع
وعرفه بعض العلماء بأنه: مص من دون الحولين لبنا ثاب عن حمل، أو شربه ونحوه"
وتعرض لحكم الرضاع فقال أنه مباح فقال :
"حكم الرضاع:
الرضاع جائز في الأصل، قال تعالى: )وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ( وقال النبي (ص)عن ابنة حمزة : » إنها ابنة أخي من الرضاعة «وقال عن ابنة أم سلمة : » إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة "ورضعت عائشة من زوجة أبي القعيس بعد أن نزل الحجاب
وعن عائشة قالت: كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفي النبي (ص)وهن مما يقرأ من القرآن"
والأحاديث السابقة لا يصح منها شىء خاصة حديث نزول عشر أو خمس رضعات فى القرآن فلو كانت قرآنا ما زالت من المصحف ولكنها ليست فيه ومن ثم يكون الحديث كاذب لأن معناه هو إثبات تحريف القرآن وهو ما يتعارض مع قوله تعالى :
" وإنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ"
ثم ذكر أحكاما أخرى فقال :
"وقد يكون الرضاع مكروها، كالارتضاع بلبن المشركة ولبن الفجور، قال ابن قدامة: (كره الإمام أحمد الارتضاع بلبن الفجور والمشركات، وقال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز: اللبن يشتبه فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية، لأنه ربما أفضى إلى شبه أمه المرضعة في الفجور، ولأنه يخشى أن يميل إلى مرضعته في الدين. ويكره الارتضاع بلبن الحمقاء كيلا يشبهها الولد في الحمق، فإنه يقال: إن الرضاع يغير الطباع)"
وهذا الكلام خطأ واضح فاللبن طعام للجسد وليس طعام للنفس وهى الروح حتى يؤثر فيها ولو كان هذا صحيحا فكثير من الرسل(ص) كانت أمهاتهم كافرات ومع هذا كانوا مسلمين فلم يؤثر لبن الرضاعة على أنفسهم ومنهم النبى الخاتم(ص) حسب التاريخ وأمامنا فى القرآن الولد الكافر الذى رضع لبن أمه المسلمة ومع هذا كفر كما قال تعالى :
"والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين"
والخطأ هو كراهية الرضاع من الزانيات والكافرات وهذا الأمر منوط بالظروف فإن لم يوجد غيرهما فلا بأس ثم قال :
"وقد يكون للرضاع أحكام أخرى بحسب الحال، فقد يكون واجبا وذلك في حق من لها لبن ووجدت طفلا ليس له مرضعة، فيتعين عليها إرضاعه من باب إنقاذ نفس من الموت والهلاك"
ثم حدثنا عن شروط الرضاع المحرم فقال :
"شروط الرضاع المحرم:
إن للرضاع تأثيرا على المرضعة ومن يتصل بها من النسب، وعلى الرضيع وأولاده، إلا أن هذا التأثير لا يوجد إلا إذا تحقق الرضاع بشروطه المعتبرة شرعا وقد اختلف الفقهاء في شروط الرضاع، وهذا تفصيل القول في ذلك:
أولا: السن الذي يثبت فيه التحريم بالرضاع:
اختلف الفقهاء في السن الذي يثبت فيه التحريم بالرضاع، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرضاع الذي يثبت فيه التحريم ما كان في سن الحولين، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وصاحبي أبي حنيفة.
واستدلوا بقوله تعالى: ) والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة( فجعل تمام الرضاعة حولين . وبقوله تعالى: ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا( [الأحقاف/15] وعن عائشة أن رسول الله (ص) دخل عليها وعندها رجل، فتغير وجه النبي (ص)، فقالت: »يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال: انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة « .
وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله (ص): » لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام «.
ومعنى في الثدي، قال الشوكانيأي في أيام الثدي، وذلك حيث يرضع الصبي فيها).
وعن ابن عباس قال: ( لا رضاع إلا في الحولين ).
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): »لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم« .
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن التحريم يثبت إلى ثلاثين شهرا.
واستدل بقوله تعالى: ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (
وذهب الظاهرية إلى أن رضاع الكبير يحرم، لحديث سهلة بنت سهيل في قصة إرضاعها لسالم ، أن رسول الله (ص) قال لها: » أرضعيه تحرمي عليه« .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن إرضاع الكبير يجوز للحاجة ويثبت به التحريم، فقال:
(وهذا الحديث ـ أي حديث سهلة بنت سهيل في إرضاعها لسالم أخذت به عائشة وأبى غيرها من أزواج النبي (ص)أن يأخذن به مع أن عائشة روت عنه قال: » الرضاعة من المجاعة « لكنها رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة أو تغذية، فمتى كان المقصود الثاني لم يحرم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا هو إرضاع عامة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجة مالا يجوز لغيرها، وهذا قول متجه) .
الترجيح:
والراجح مذهب جمهور أهل العلم، وهو أن الرضاع لا يحرم إلا ما كان في الحولين، لقوله (ص): » إنما الرضاعة من المجاعة «وللأدلة السابقة المتقدمة في بيان أن الرضاع الذي يحرم ما كان في زمن الفطام في الحولين، لأنه هو السن الذي يتغذى فيه باللبن، فينبت به اللحم وينشز به العظم وأما الاستدلال بقوله تعالى: ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ( على ثبوت التحريم إلى الثلاثين، فإن مدة الحمل أدناها ستة أشهر فبقي للفصال حولان،وقد دل على ذلك قوله تعالى: ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (مع قوله: )والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين(فحولان للرضاع ويبقى للثلاثين ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل.
ويجاب عن حديث سهلة في قصة إرضاعها لسالم وهو كبير: أنه خاص له دون سائر الناس، وهذا ما صرح به أزواج النبي (ص)غير عائشة ، فعن أم سلمة كانت تقول: » أبى سائر أزواج النبي (ص)أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله (ص) لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا «.
فقياس غير سالم بسالم، قياس وإلحاق مع الفارق، لأن سالما كان دخوله جائزا على سهلة ، حيث كان ولدها بالتبني، وذلك عندما كان التبني جائزا، وهذا يدل على أن دخوله كان مباحا في الأصل، ولما حرم التبني، ووجد الحرج والمشقة من الاحتجاب لأنه كان بمثابة الولد، رخص الرسول (ص) في إرضاعه كبيرا ليستمر له ما كان في حقه مباحا، أما وبعد أن حرم التبني، فليس أحد من الرجال يكون دخوله على النساء مباحا فيطرأ الحرج والمشقة في حقه حتى نحتاج إلى إزالتهما فتأمل، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام في بيان مذهب الجمهور:
(والكبير إذا ارتضع من امرأته أو من غير امرأته لم تنشر بذلك حرمة الرضاع عند الأئمة الأربعة وجماهير العلماء، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وحديث عائشة في قصة سالم مولى أبي حذيفة مختص عندهم بذلك لأجل أنهم تبنوه قبل تحريم التبني) ."
الخلافات المذكورة لا تجوز مع وجود نص قطعى ثابت الدلالة وهو " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة "ومن ثم فحديث سالم لم يحدث ولا يمكن أن يشرع الرسول(ص) تشريعا من عند نفسه مع قوله تعالى :
" لم تحرم ما أحل الله لك"
ثم قال :
"ثانيا: عدد الرضعات التي يثبت معها التحريم:
وقد اختلف أهل العلم في العدد المحرم من الرضاع:
فذهب الإمامان مالك وأبو حنيفة إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهذا القول هو رواية ثانية عن الإمام أحمد وإليه ذهب أيضا ابن المسيب، والحسن، ومكحول، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والليث.
واحتجوا بقوله تعالى: ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة(وهذا لفظ مطلق يفيد الإطلاق وعدم التقييد، وبقوله (ص): » يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب«
وذهب داود الظاهري وابن المنذر، إلى أن أقل ما يحرم ثلاث رضعات، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد.
واستدلوا بمفهوم قوله (ص): » لا تحرم المصة ولا المصتان « وفي رواية عن أم الفضل بنت الحارث قالت: قال النبي (ص): » لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان« فمفهوم الحديث أن الثلاث تحرم.
وذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أن التحريم لا يكون بأقل من خمس رضعات، وهو قول ابن حزم أيضا.
واستدلوا بحديث عائشة قالت: »كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي (ص)وهن فيما يقرأ من القرآن «
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأحمد لصريح ما استدلا به، وهو صحيح محكم، ومن آخر ما نقل عنه (ص) في حياته.
ويجاب عن استدلال أبي حنيفة ومالك:
أنه مطلق، وقد تقرر في الأصول من وجوب حمل المطلق على المقيد، فقوله تعالى: )وأخواتكم من الرضاعة(وكذا قوله (ص): »يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب مطلق، يحمل على المقيد بخمس لقول عائشة » ثم نسخن بخمس معلومات « .
ويجاب عن استدلال داود بأنه عمل بالمفهوم، والمفهوم يعمل به ما لم يخالف منطوقا، وقد خالف هنا المنطوق من حديث عائشة : »ثم نسخن بخمس معلومات"
والرضاع يثبت برضعة واحدة فما فوقها ثم قال :
"حد الرضعة وشروطها:
وإذا كان التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعات معلومات، فما هو حد الرضعة الواحدة وما هي شروطها؟
أولا: حد الرضعة:
الرضعة هي المرة، فمتى التقم الصبي الثدي فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة، فأما إن قطع لضيق نفس، أو للانتقال من ثدي إلى ثدي ، أو لشيء يلهيه، أو قطعت عنه المرضعة، فإن لم يعد قريبا فهي رضعة، وإن عاد في الحال، فجميع ذلك رضعة واحدة على الراجح.
قال صديق حسن خان: الرضعة أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه باختياره لغير عارض.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: الرضعة ما كانت منفصلة عن أختها بزمن بين يظهر فيه الانفصال، وهذا هو اختيار ابن القيم، وشيخنا السعدي رحمه الله، وهو الأقرب للصواب، وبناء على ذلك، لو تحول الطفل عن ثدي المرضعة لأنه سمع صوتا أو حولته المرأة إلى ثديها الآخر، أو تركه لبكاء، فهذا لا يخرجها عن كونها رضعة، ولا يشترط أن تكون كل رضعة في يوم، بل ربما تكون الرضعة الأولى في الساعة الواحدة، والرضعة الثانية في الساعة الثانية وهكذا"
ثانيا: شروط الرضعة:
يشترط في الرضعات أن تكون متفرقات، وبهذا قال الشافعي وأحمد.
وقد اختلف أهل العلم في شروط الرضعة في مسائل:
1ـ السعوط والوجور:
فالسعوط: أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره.
والوجور: أن يصب اللبن في حلقه صبا من غير الثدي.
فمذهب جمهور أهل العلم أنه يثبت به التحريم، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، والشعبي والثوري، وبه قال مالك في الوجور.
والقول الثاني: لا يثبت التحريم، وهو مذهب داود، لأن هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله ورسوله بالرضاع.
وقد رجح ابن قدامة في المغني مذهب الجمهور فقال:
ولنا أن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم. والأنف سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفم. قال: والذي يحرم من ذلك ما كان مثل الرضاع وهو خمس، فإن ارتضع وكمل الخمس بالوجور، أو أوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم.
2ـ إذا عمل اللبن جبنا أو اختلط بالطعام:
ولو عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبي ثبت به التحريم عند الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الاسم.
قال في الهداية: وإن اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبا عند أبي حنيفة ، وقالا – أي محمد ويعقوب -: إذا كان اللبن غالبا يتعلق به التحريم . ثم قال: لهما: أن العبرة للغالب كما في الماء إذا لم يغيره شيء عن حاله، ولأبي حنيفة: أن الطعام أصل، واللبن تابع له في حق المقصود فصار كالمغلوب، ولا معتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده هو الصحيح لأن التغذي بالطعام هو الأصل.
وأما اللبن المشوب بغيره ـ المخلوط ـ فهو كاللبن المحض الذي لم يخالطه شيء وذلك في قول عند الحنابلة والقول الثاني: إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور والمزني، لأن الحكم للغالب كما أنه قول الحنفية، قال في الهداية: وإن اختلط بالدواء واللبن غالب تعلق به التحريم، لأن اللبن يبقى مقصودا فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول. وإذا اختلط اللبن بلبن الشاة وهو الغالب تعلق به التحريم.
3ـ الحقنة باللبن:
وأما الحقنة، فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد أنها لا تحرم، لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة.
ومذهب الشافعي أنها تحرم، وعن محمد بن الحسن الشيباني أنه تثبت به الحرمة كما يفسد به الصوم. وقد رجح ابن قدامة عدم التحريم لعدم إنبات اللحم وإنشاز العظم بذلك.
قال المطيعي في تكملة المجموع شرح المهذب: (وقد سألنا ولدنا التقي الطبيب أسامة أمين فراج، فأجاب:
لو أعطينا الطفل حقنة اللبن من الشرج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة، ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفمه كيفا وكما، وأما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منه ما يغذيه)
4ـ الحلب من نسوة متعددات:
قال في المغني: وإن حلب من نسوة وسقيه الصبي، فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن، لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعا محرما، فكذلك إذا شيب بلبن آخر.
5ـ إذا حلبت اللبن وسقته في أوقات متعددة:
قال في المغني: ولو حلبت في إناء دفعة واحدة ثم سقته في خمسة أوقات فهو خمس رضعات، وإن حلبت في إناء حلبات في خمسة أوقات ثم سقته دفعة واحدة، كان رضعة واحدة. قال: كما لو جعل الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات، ثم أكله دفعة واحدة، كان أكلة واحدة، وهو قول عند الشافعية.
6- الارتضاع بلبن امرأة ميتة:
هل يشترط للتحريم بالرضاع أن تكون المرضعة حية أثناء الارتضاع، فإذا شرب لبنها بعد موتها لم يحرم؟ اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يحرم لبن الميتة كما يحرم لبن الحية، لأن اللبن لا يموت، وهو قول أبي ثور والأوزاعي وابن القاسم وابن المنذر.
وذهب الشافعي إلى أنه لا ينشر الحرمة، وبه قال الخلال من الحنابلة، لأنه لبن ممن ليس بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم.
ورجح ابن قدامة إثبات التحريم، وقال: لأنه لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة، وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الإناء.
قال المطيعي في تكملة المجموع: ولو حلبت المرأة لبنها في وعاء، ثم ماتت، فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرما
فظهر أن مذهب الشافعية، أنهم يخصون عدم انتشار التحريم بما لو ارتضع من ثديها بعد موتها، أو حلب من ثديها في وعاء بعد موتها . أما لو احتلبت من ثديها في وعاء قبل موتها ثم شربه بعد موتها فإنه ينشر التحريم عندهم ."
الرضاعة تعنى البلع بلع لبن المرأة بأى وسيلة من قبل الطفل بالتقام الثدى أو بالشرب أو بالصب أو غيره مما يصل إلى حلقه والكلام عن الرضاع من الميتة هو ضرب من الخبل فلو حدث رضاع فلن ينزل شىء إلا نادرا وهى أن تكون المرضعة ماتت فى تلك الساعة وأما بعد تلك الساعة فالجسم يتوقف نهائيا عن العمل وتحدث عن لبن غير النساء من الأنواع الأخرى فقال :
7ـ الارتضاع من لبن غير الآدمية:
ولو ارتضع اثنان من لبن بهيمة فهل يصيران أخوين؟
لا تنتشر الحرمة بلبن غير الآدمية، فلو ارتضع اثنان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم."
ثم حدثنا عن رضاعة لبن الرجل وهو كلام غريب فقال :
8ـ الارتضاع بلبن رجل:
ولو ارتضعا من لبن رجل لم يصيرا أخوين، ولم تنتشر الحرمة بينه وبينهما، في قول عامة أهل العلم.
فإن ثاب لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم لأنه لم يثبت كونه امرأة، فلا يثبت التحريم مع الشك، والقول الثاني: يوقف أمر من يرضع كما يوقف الخنثى المشكل حتى ينكشف أمره."
وهذا الكلام يتعارض مع الطب فالرجل ليس لديه لبن فى أثدائه حتى يرضعها الطفل ولا أدرى من اين استقوا تلك المعلومة الخرافية
ثم حدثنا عن آثار الرضاع فقال:
"الآثار الشرعية المترتبة على الرضاع
إذا أرضعت المرأة طفلا رضاعا محرما، صار الطفل المرتضع ابنا للمرضعة بغير خلاف، وصار أيضا ابنا لمن ثاب اللبن بسببه وهو الزوج ـ زوج المرضعة لأنه صاحب اللبن ـ فصار الرضيع في تحريم النكاح وإباحة الخلوة والمسافرة كالابن تماما. وأولاده من البنين والبنات أولاد أولادهما وإن نزلت درجتهم، وجميع أولاد المرضعة ـ من زوجها صاحب اللبن ومن غيره ـ وجميع أولاد الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها إخوة المرتضع وأخواته، وأولاد أولادهما، أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم، وأم المرضعة جدته، وأبوها جده، وإخوتها أخواله، وأخواتها خالاته، وأبو الرجل جده، وأمه جدته، وإخوته أعمامه، وأخواته عماته، وجميع أقاربهما ينتسبون إلى المرتضع كما ينتسبون إلى ولدهما من النسب، لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة، فنشر التحريم إليهما، ونشر الحرمة إلى الرجل وأقاربه وهو الذي يسمى لبن الفحل.
والدليل في ذلك ما روت عائشة : »أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعد أن نزل الحجاب، فقالت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله (ص)فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله (ص)فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، قال: ائذني له فإنه عمك تربت يمينك « قال عروة: فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول: »حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب « .
وسئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين، فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما، هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا، اللقاح واحد.
التحريم من قبل المرتضع:
فأما التحريم من جهة المرتضع فلا ينتشر إلا إليه وإلى أولاده وإن نزلوا، ولا تنتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته، ولا إلى أصوله كأبيه وأمه، ولا إلى حواشيه كأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، فلا يحرم على المرضعة نكاح أبي الطفل الرضيع، ولا أخيه، ولا عمه ولا خاله، ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته، ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها ـ صاحب اللبن ـ إخوة الطفل المرتضع وأخواته.
ولا تثبت بقية الأحكام بالرضاع، من النفقة، والعتق إذا ملكه، ورد الشهادة ـ لأهل البيت ـ والإرث وغير ذلك."
وما قاله الرجل عن عدم انتشار الحرمة بعد الرجل وأولاده والمرأة وأولادها يخالف ما ذكره من أحاديث أبا القعيس ودخول أخو أبو القعيس على عائشة كما يخالف الحديث" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" فهو عام
والآية الكريمة لو أخدت على ظاهرها لكانت الحرمة لزواج الأم المرضعة وبناتها من الرضاعة فقط ولكن الحرمة ثابتة فى فى زواج أخو الراضع من أمه المرضعة وفى حرمة زواج أخوته الذكور من بنات المرضعة وفى حرمة زواج أخت المرضعة
وتحدث عن التحريم بلبن الزنى فقال :
"مسألة في التحريم بلبن الزنى:
اشترط الشافعية في نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذي ثار اللبن بوطئه، أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطئ، إما لكون الوطء في نكاح أو ملك يمين أو نكاح شبهة، فأما لبن الزاني أو النافي للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما وبه قال ابن حامد والخرقي من الحنابلة ودليلهم أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة، فلما لم تثبت حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها .
وذهب أبو بكر من الحنابلة إلى أن الحرمة تنتشر بين الزاني أو النافي باللعان وبين المرتضع، لأنه معنى ينشر الحرمة فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره كالوطء.
فأما المرضعة، فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع، وكذلك يحرم جميع أولادها وأقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع، كما في الرضاع باللبن المباح."
وهذا كلام خاطىء فالحرمة تنتشر بأى لبن زنى أو زواج سواء ثبت الزنى أمام القضاء وساعتها يحرم أم لم يثبت ويتحمل وزر ذلك المحرم الزناة إن لم يعلنوه وهو كفر من قبل الزناة لكتمهم الشهادة
وتحدث عن أمر لا يصح علميا وهو نزول اللبن من غير المتزوجة سواء كانت ثيبا أو عذراء فقال :
"الرضاع بلبن من غير وطء:
وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء فأرضعت به طفلا نشر الحرمة في أظهر الروايتين في مذهب أحمد وهو قول أبن حامد، ومذهب مالك والشافعي، وأبي ثور، والحنفية، وكل من يحفظ عنه ابن المنذر، لقول الله تعالى: { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوطء، ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال، فإذا كان هذا نادرا فجنسه معتاد .
والرواية الثانية في مذهب أحمد: لا تنشر الحرمة، لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال، فأشبه لبن الرجال، قال ابن قدامة: والأول أصح"
ولا وجود لهذا اللبن فاللبن ينتج من الحمل وليس دون حمل وإنما هى افرازات غير لبنية
ثم تحدث عن الشهادة على الرضاع فقال :
"الشهادة على الرضاع:
إذا شهدت امرأة واحدة على الرضاع حرم النكاح إذا كانت مرضية، وبهذا قال طاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب، وترجيح ابن قدامة .
لما روى عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي (ص) فذكرت ذلك له فقال: » كيف وقد زعمت
وفي رواية: قلت إنها كاذبة، قال: » كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ دعها عنك «
ويقبل فيه شهادة المرضعة على نفسها لحديث عقبة أن المرأة قالت: » قد أرضعتكما فقبل النبي (ص) شهادتها« ولا تقبل الشهادة على الرضاع إلا مفسرة ببيان عدد الرضعات وسن الرضاع."
والشهادة على الرضاع لا تصح من المرضعة وحدها فلابد معها من شاهدة أو شاهد وإن شهدت بذلك فهى تخير المخطوبين أو من يريدون الزواج وهم من يقررون ولكن شهادتها وحدها ليست كافية والمفروض فى الإسلام إن أرضعت امرأة طفل أن تشهد على ذلك غيرها ويذهبان معا لمحكمة البلد لتسجيل ذلك حتى يعرف القاضى من يجوز لهم الزواج ممن لا يجوز
وحدثنا عن المسألة التالية:
"في إقرار الرجل على نفسه:
قالوا: وإذا تزوج الرجل المرأة فأقر أن زوجته أخته من الرضاع انفسخ النكاح ويفرق بينهما ."
اقرار واحد لا يكفى فى إثبات شىء كهذا فلابد فى هذه الأمور من شهود وإلا كانت شهادة زور
وتحدث عن الشك فى الرضاع فقال :
"الشك في الرضاع:
إذا شكت المرضعة هل أرضعت الطفل أم لا؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات، لم يثبت التحريم، لأن الأصل واليقين عدم الرضاع.
وأما إذا شك: هل دخل اللبن في جوف الصبي، أو لم يدخل؟ قال شيخ الإسلام: ( فهنا لا نحكم بالتحريم بلا ريب، وإن علم أنه حصل في فمه، فإن حصول اللبن في الفم لا ينشر الحرمة باتفاق المسلمين )."
الأحكام تبنى على اليقين وليس على الشك وكما قلت لابد من شهود فلا يكفى قول امرأة حتى ولو كانت المرضعة فى تلك المسألة نظرا لنسيان النساء الذى قال تعالى فيه:
"فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"
ونصح المؤلف المرضعات بالنصائح التالية:
"نصائح للمرأة المرضعة:
وفي ختام هذا البحث أسجل بعض النصائح للنساء اللواتي يرضعن أطفالا من غيرهن فأقول:
1ـ ينبغي أن يكون إرضاعك بإذن زوجك، فإن علمت أنه لا يرضى بذلك فعليك الامتناع، لأن طاعة الزوج واجبة، ولا سيما إذا كان اللبن ثاب من وطئه .
فإن أرضعت المرأة رضيعا مع علمها بعدم رضى زوجها بذلك، تأثم ويترتب على هذا الرضاع آثاره من ثبوت المحرمية إذا حصل الرضاع بشروطه، لأن العبرة من التحريم وصول اللبن إلى الجوف وقد وصل .
2ـ ينبغي على من ترضع طفلا من غيرها أن تسجل كل رضعة على دفتر خاص مع بيان التاريخ، وتزيد ذلك كلما كررت الرضعات، فإذا بلغت الرضعات خمسا، فلا ضير بعد ذلك بترك التسجيل، لثبوت المحرمية .
3ـ الأفضل الإشهاد على الرضاع مع إثبات ذلك في الدفتر أو على الورق، وذلك لئلا ينسى أو يجحد في المستقبل .
4ـ الأفضل لمن أرضعت طفلا رضاعا محرما أن تسعى لتسجيل ذلك في سجل النفوس إن أمكن ذلك ."
وهذه النصائح يجمعها وجوب الإشهاد على الرضاع وتسجيله فى المحكمة فى البلدة وليس فى دفتر خاص لأن هذا الأمر ليس منوطا بها وحدها وإنما بعامة المسلمين والمسلمات