رسالة في تأثير الزمان والمكان على استنباط الأحكام
الكتاب تأليف جعفر السبحاني وموضوع الكتاب هو تأثير الزمان والمكان على استنباط الأحكام وفى هذا قال السبحانى:
"فهذه رسالة مختصرة وضعتها لتبيين تأثير الزمان والمكان أو تغير الأحوال والأوضاع في استنباط الأحكام الشرعية أولا، والأحكام الحكومية الصادرة لحل الأزمات ثانيا، عسى أن ينتفع بها المعنيون بهذه البحوث
قد يطرح الزمان والمكان بما أنهما ظرفان للحوادث والطوارى الحادثة فيهما، وقد يطرحان ويراد منهما المظروف، أي تغير أساليب الحياة والظروف الإجتماعية حسب تقدم الحضارة وتغيرها، والثاني هوالمراد من المقام ثم إنه يجب أن تفسر مدخلية الزمان والمكان بالمعنى المذكور في الإجتهاد، على وجه لا تعارض الأصول المسلمة في التشريع الإسلامي، ونشير إلى أصلين منها:
الأول: أن من مراتب التوحيد هو التوحيد في التقنين والتشريع، فلا مشرع ولا مقنن سواه، قال تعالى: "إن الحكم إلا لله " و"أمر ألا تعبدوا إلا إياه) والمراد من الحكم هوالحكم التشريعي بقرينة قوله:"أمر ألا تعبدوا إلا إياه" وقال سبحانه:"قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قلما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" (
الثاني: أن الرسول خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة
..."
والخلاصة أن الرجل كغيره من الفقهاء يؤمن بأن الأحكام تتغير بتغير حوادث الزمان والمكان دون النظر لنصوص الوحى وقد نقل الرجل من بطون كتب السنة والشيعة معا نصوصا لتلك النظرية التى تعارضها الأصول التى تكلم الرجل عنها فى المقدمة والتى تعنى ثبات الحلال والحرام ليوم القيامة فقال :
"ولعل أول من أشار إلى هذه المسألة من علمائنا هو المحقق الأردبيلي، حيث قال:ولا يمكن القول بكلية شيء بل تختلف الأحكام باعتبار الخصوصيات والأحوال والأزمان والأمكنة والأشخاص وهو ظاهر، وباستخراج هذه الاختلافات والانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف امتياز أهل العلم والفقهاء، شكر الله سعيهم ورفع درجاتهم
وهناك كلمة مأثورة عن الإمام الخميني حيث قال: إني على اعتقاد بالفقه الدارج بين فقهائنا وبالإجتهاد على النهج الجواهري، وهذا أمر لابد منه، لكن لا يعني ذلك ان الفقه الإسلامي لا يواكب حاجات العصر، بل إن لعنصري الزمان والمكان تأثيرا في الإجتهاد، فقد يكون لواقعة حكم لكنها تتخذ حكما آخر على ضوء الأصول الحاكمة على المجتمع وسياسته واقتصاده
إن القول بأن عنصري الزمان والمكان لا تمسان كرامة الأحكام المنصوصة في الشريعة مما اتفقت عليه أيضا كلمة أهل السنة حيث إنهم صرحوا بأن العاملين المذكورين يوثران في الأحكام المستنبطة عن طريق القياس والمصالح المرسلة والاستحسان وغيرها، فتغيير المصالح ألجأهم إلى تغيير الأحكام الإجتهادية لا المنصوصة، يقول مصطفى أحمد الزرقاء:
"وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية، أي التي قررها الاجتهاد بناء على القياس أو على دواعي المصلحة، وهي المقصودة من القاعدة المقررة «تغيير الأحكام بتغير الزمان»أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة، الناهية كحرمة المحرمات المطلقة وكوجوب التراضي في العقود، والتزام الإنسان بعقده، وضمان الضرر الذي يلحقه بغيره، وسريان إقراره على نفسه دون غيره، ووجوب منع الأذى وقمع الأجرام، وسد الذرائع إلى الفساد وحماية الحقوق المكتسبة، ومسئولية كل مكلف عن عمله وتقصيره، وعدم مؤاخذة بريء بذنب غيره، إلى غير ذلك من الأحكام والمبادىء الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها، فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان، بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها قد تتبدل باختلاف الأزمنة المحدثة وعلى هذا فيجب أن يفسر تأثير العاملين بشكل لا تمس الأصلين المتقدمين، أي أن نحترز أولا عن تشريع الحكم وجعله، وثانيا عن مس كرامة تأبيد الأحكام"
وتلك النصوص تتيح للفقهاء تفسير الأحكام على هواهم بدعاوى مختلفة مثل عدم وجود نص ومثل الاجتهاد وهو كلام يجعل الفقهاء شركاء لله فى الحكم مع أن كتاب الله قال أنه فى كتابه نص فى كل شىء ولم يستثن قضية من القضايا فقال :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقال "وكل شىء فصلناه تفصيلا"
وقال " ما فرطنا فى الكتاب من شىء"
ومن ثم المسألة من الأساس لا أصل لها وإنما من اخترعوها اخترعوها كى يبدلوا الأحكام فى صالح الحكام ومن معهم فالاجماع والقياس وما شاكل هذا الغرض من اختراعه الأساسى هو تطييب الدنيا للحكام وحواشيهم من الأغنياء
صحيح أن الكثير من الفقهاء الذين أتوا من بعد هذا الاختراع بقرون كانت نوايا الكثير منهم حسنة فى التيسير على الناس
الشريعة كما قلت أتت بكل شىء ومنها تغير الأحكام بسبب تغير المكان فمثلا الصوم يتغير حكمه يتغير المكان فالمقيم يصوم والمسافر يفطر كما قال تعالى " فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر"
ومثلا الجماع مباح فى ليل رمضان فى أى مكان من البيت كما قال تعالى " أخل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم" ولكن يحرم إذا جعل الرجل مكان من البيت معتكف حيث بحرم جماع النساء فى ذلك المكان لقوله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد"
ومثلا الجدال مباح مع أهل الأديان كما قال تعالى " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن " وقال " وجادلهم بالتى هى أحسن"ولكن الحكم يتغير حيث يحرم على من نوى الحج حتى ينتهى الجدال فى أى مكان يتواجد فيه من ساعة قيامه ببداية عمل الحج كما قال تعالى " فر رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج"
ومثلا المسلم إذا كان فى دولة الكفر يحرم على المسلمين ولايته كما قال تعالى "والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء"
فإذا انتقل لدولة المسلمين وجبت ولايته كما قال تعالى" والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
ومثلا الحج مباح فى زمن معين كما قال تعالى " الحج أشهر معلومات" فإذا تغير الزمن عن الأشهر الأربعة حرم الحج فى الثمانية أشهر الأخرى
والأحكام كثيرة فى الموضوع وفيما سبق أدلة واضحة لمن أراد الفهم
السبحانى فى التالى يحدثنا عن التأثير فيقول:
"وبما أن للزمان والمكان تأثيرا في استنباط الأحكام الشرعية أولا، والأحكام الحكومية ثانيا نبحث عن كلا الأمرين في فصلين مستقلين:
الفصل الأول:
تأثير الزمان والمكان في استنباط الأحكام الشرعية:
إن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في استنباط الأحكام الشرعية، والتأثير يرجع تارة إلى ناحية الموضوع وأخرى إلى جانب الحكم، وإليك البيان :
الأول: تأثير الزمان والمكان في صدق الموضوعات:
قد يراد من تبدل الموضوع تارة انقلابه إلى موضوع آخر كصيرورة الخمر خلا والنجس ترابا، وهذا غير مراد في المقام قطعا
وأخرى صدق الموضوع على مورد في زمان ومكان، وعدم صدقه على ذلك المورد في زمان ومكان آخر، وما هذا إلا لمدخلية الظروف والملابسات فيها ويظهر ذلك بالتأمل في الموضوعات التالية:
1 الاستطاعة 2 الفقر 3 الغنى 4 بذل النفقة للزوجة 5وإمساكها بالمعروف حسب قوله سبحانه:"فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف" فإن هذه العناوين موضوعات لأحكام شرعية، واضحة ولكن تختلف محققاتها حسب اختلاف الزمان والمكان، فمثلا:
1- التمكن من الزاد والراحلة التي هي عبارة أخرى عن الاستطاعة له محققات مختلفة عبر الزمان، فربما تصدق على مورد في ظرف ولا تصدق عليه في ظرف آخر، كما هو الحال في الامساك بالمعروف فإنها تختلف حسب الظروف الإجتماعية، وتبدل أساليب الحياة ولا بعد إذا قلنا أن فقير اليوم غني الأمس"
حكاية الزاد والراحلة تخالف كتاب الله فالحج على القادر على الركوب على الضامر وعلى الرجل وهو المشى كما قال تعالى"وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق"
ومن ثم لا يوجد من أساس الموضوع تغير فى شىء ثم قال:
"2- في صدق المثلي والقيمي، فقد جعل الفقهاء ضوابط للمثلي والقيمي، ففي ظلها عدوا الحبوب من قبيل المثليات، والأواني والألبسة من قبيل القيميات، وذلك لكثرة وجود المماثل في الأولى وندرته في الثانية، وكان ذلك الحكم سائدا حتى تطورت الصناعة تطورا ملحوظا، فأصبحت تنتج كميات هائلة من الأواني والمنسوجات لا تختلف واحدة عن الأخرى قيد شعرة، فأصبحت القيميات بفضل الإزدهار الصناعي مثليات"
المثليات والقيميات كلام فقهى لا أساس له فى الوحى ولو نظروا فى القول " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة" لعلموا أن المثلى كالبشر له قيمة عند الناس ثم قال :
"3- في صدق المكيل والموزون على شيء حيث أن الحكم الشرعي هو بيع المكيل بالكيل، والموزون بالوزن، لا بالعد، ولكن هذا يختلف حسب اختلاف البيئات والمجتمعات، ويلحق بكل حكمه"
كلام يخالف كلام الله فالوزن والكيل فى الإسلام واحد واختلاف المكاييل وال,زان وما شاكل هذا ناتج من الكفر السابق على الإسلام ولكن دولة المسلمين التعامل المالى فيها واحد وقال :
"4- ومن أحكامهما انه لا تجوز معاوضة المتجانسين متفاضلا إلا مثلا بمثل، إذا كانا من المكيل والموزون، دون المعدود، وهذا يختلف حسب اختلاف الزمان والمكان، فرب جنس يباع بالكيل والوزن في بلد وبالعد في بلد آخر، وهكذا يلحق بكل حكمه هذا كله حول تأثير عنصري الزمان والمكان في صدق الموضوع"
هذا الاختلاف هو ما أراده من اخترعوا تلك الأحكام فالسلع فى الإسلام لا تباع بتلك الطريقة فمثلا نبات يزرع فى أرض ريها سهل وحرثها سهل لا يكلف الزارع شىء غير نبات يكلف الزارع مالا فى الرى والحرث فالسلعة الواحدة تباع بثمنين أو أكثر على حسب تكلفتها حتى تحصد ويضاف لها الربح وهو المكسب على ألا يتعدى ضعف التكلفة كما قال تعالى " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة"
البيع بالتكلفة هو العدل وليس تبادل السلع حتى ولو تماثلت لأنه كما قلنا تكلفة سلعة فى مكان ما قد تكون أكثر أو اقل من تكلفتها فى مكان أخر
وتحدث السبحانى عن مناطات الأحكام فقال:
"الثاني: تأثيرهما في ملاكات الأحكام:
لا شك أن الأحكام الشرعية تابعة للملاكات والمصالح والمفاسد، فربما يكون مناط الحكم مجهولا ومبهما وأخرى يكون معلوما بتصريح من الشارع، والقسم الأول خارج عن محل البحث، وأما القسم الثاني فالحكم دائر مدار مناطه وملاكه فلو كان المناط باقيا فالحكم ثابت، وأما إذا تغير المناط حسب الظروف والملابسات يتغير الحكم قطعا، مثلا:
1 لا خلاف في حرمة بيع الدم بملاك عدم وجود منفعة محللة فيه، ولم يزل حكم الدم كذلك حتى اكتشف العلم له منفعة محللة تقوم عليها رحى الحياة، وأصبح التبرع بالدم إلى المرضى كإهداء الحياة لهم، وبذلك حاز الدم على ملاك آخر فحل بيعه وشراوه
2 ان قطع أعضاء الميت أمر محرم في الإسلام، قال رسول الله - (ص)-:«إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» ومن الواضح أن ملاك التحريم هو قط والتشفي، ولم يكن يومذاك أي فائدة تترتب على قطع أعضاء الميت سوى تلبية للرغبة النفسية ـ الانتقام ـ ولكن اليوم ظهرت فوائد جمة من وراء قطع أعضاء الميت، حيث صارت عملية زرع الأعضاء أمرا ضروريا يستفاد منها لنجاة حياة المشرفين على الموت
3 دلت الروايات على أن دية النفس تودى بالأنعام الثلاثة، والحلة اليمانية، والدرهم والدينار، ومقتضى الجمود على النص عدم التجاوز عن النقدين إلى الأوراق النقدية، غير ان الوقوف على دور النقود في النظام الاقتصادي، وانتشار أنواع كثيرة منها في دنيا اليوم، والنظر في الظروف المحيطة بصدور تلك الروايات، يشرف الفقيه على أن ذكر النقدين بعنوان انه أحد النقود الرائجة آنذاك، ولذلك يجزي دفعها من الأوراق النقدية المعادلة للنقدين الرائجة في زمانهم، وقد وقف الفقهاء على ملاك الحكم عبر تقدم الزمان"
ما ذكره السبحانى عن حرمة بيع الدم ثم احلاله وحرمة قطع أعضاء الميت ثم إحلالها وأن الدية تؤدى بالأنعام الثلاثة فقط ثم احلالها بالنقود هو كلام مرسل فكتاب الله لم يحرم تلك الأشياء فالمحرم هو أكل الدم كما قال تعالى ""حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام"
والمحرم فى الميت هو أكله كما قال تعالى" أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه"
وأما الدية فذكرها منكرة حتى تدفع بأى صورة مالية وفى حالة عدم القدرة على الدفع جهل الكفارة صيام شهرين فقال "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ومن ثم فالكلام عن أن الله يحرم الشىء ثم يحله كلام باطل بدليل قول السبحانى نفسه فى المقدمة " وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة
"
ثم تكلم عن التأثير فى كيفية تنفيذ الحكم فقال:
"الثالث: تأثيرهما في كيفية تنفيذ الحكم:
1-تضافرت النصوص على حلية الفيء والأنفال للشيعة في عصر الغيبة، ومن الأنفال المعادن والآجام وأراضي الموات، وقد كان الانتفاع بها في الأزمنة الماضية محدودا ما كان يثير مشكلة ، وأما اليوم ومع تطور الأساليب الصناعية وانتشارها بين الناس أصبح الانتفاع بها غير محدود، فلو لم يتخذ أسلوبا خاصا في تنفيذ الحكم لأدى إلى انقراضها أولا، وخلق طبقة اجتماعية مرفهة وأخرى بائسة فقيرة ثانيا فالظروف الزمانية والمكانية تفرض قيودا على إجراء ذلك الحكم بشكل جامع يتكفل إجراء أصل الحكم، أي حلية الأنفال للشيعة أولا، وحفظ النظام وبسط العدل والقسط بين الناس ثانيا، بتقسيم الثروات العامة عن طريق الحاكم الإسلامي الذي يشرف على جميع الشئون لينتفع الجميع على حد سواء
2- اتفق الفقهاء على أن الغنائم الحربية تقسم بين المقاتلين على نسق خاص بعد إخراج خمسها لأصحابها، لكن الغنائم الحربية في عصر صدور الروايات كانت تدور بين السيف والرمح والسهم والفرس وغير ذلك، ومن المعلوم أن تقسيمها بين المقاتلين كان أمرا ميسرا آنذاك، أما اليوم وفي ظل التقدم العلمي الهائل، فقد أصبحت الغنائم الحربية تدور حول الدبابات والمدرعات والحافلات والطائرات المقاتلة والبوارج الحربية، ومن الواضح عدم إمكان تقسيمها بين المقاتلين بل هو أمر متعسر، فعلى الفقيه أن يتخذ أسلوب ا في كيفية تطبيق الحكم على صعيد العمل ليجمع فيهما بين العمل بأصل الحكم والابتعاد عن المضاعفات الناجمة عنها
3- أن الناظر في فتاوى الفقهاء السابقين فيما يرجع إلى الحج من الطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح في منى يحس حرجا شديدا في تطبيق عمل الحج على هذه الفتاوى، ولكن تزايد وفود حجاج بيت الله عبر الزمان يوما بعد يوم أعطى للفقهاء روى وسيعة في تنفيذ تلك الأحكام على موضوعاتها، فأفتوا بجواز التوسع في الموضوع لا من باب الضرورة والحرج، بل لانفتاح آفاق جديدة أمامهم في الاستنباط"
الرجل يتكلم وكأن الفىء والأنفال أحكام متوقفة لا تنفذ وهو كلام يخالف قوله تعالى "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"
فإذا كان الرسول مات فالله موجود حى فكيف توقف الحكم بسبب الإمام المزعوم وهو ليس مذكور فيه وكذلك الأمر فى قوله تعالى "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"
فلا ذكر للإمام المزعوم فإن كان الرسول0ص) مات فبقية الناس موجودين فيها
ومكان الرسول(ص) هو الحاكم الذى اختاره المسلمون فليس من المعقول أن يظل المسلمون بلا حاكم طوال قرون تعد بالعشرات والمئات والآلاف فهذا تكريس لحكم الكفار للمسلمين
وأما الغنائم فليس فيها أى مشكلة فى التقسيم فإنما يوزع ثمنها وليس الأسلحة نفسها التى تكون غالبا خردة لا تصلح للعمل ومن ثم تباع غير الصالحة ويقسم الثمن على المستحقين بالعدل
وأما أمور الحج فلا يمكن لأحد التعديل فيها لأن الكعبة لا يمكن اجراء أى تغيير فيها وأتكلم عن كعبة الله الحقيقية وليس الكعبة الحالية لأن لا أحد يقدر على أجراء أى تغيير فيها إلا وأباده الله كما قال تعالى "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
وتكلم عن النظرة الجديدة للمسائل فقال:
"الرابع: تأثيرهما في منح نظرة جديدة نحو المسائل:
إن تغير الأوضاع والأحوال الزمنية تضفي للمجتهد نظرة جديدة نحو المسائل المطروحة في الفقه قديما وحديثا ولنذكر بعض الأمثلة:
1 كان القدماء ينظرون إلى البيع بمنظار ضيق ويفسرونه بنقل الأعيان وانتقالها، ولا يجيزون على ضوئها بيع المنافع والحقوق، غير ان تطور الحياة وظهور حقوق جديدة في المجتمع الإنساني ورواج بيعها وشرائها، حدا بالفقهاء إلى إعادة النظر في حقيقة البيع، فجوزوا بيع الامتيازات والحقوق عامة
2 أفتى القدماء بأن الإنسان يملك المعدن المركوز في أرضه تبعا لها دون أي قيد أو شرط، وكان الداعي من وراء تلك الفتوى هو بساطة الوسائل المستخدمة لذلك، ولم يكن بمقدور الإنسان الانتفاع إلا بمقدار ما يعد تبعا لأرضه، ولكن مع تقدم الوسائل المستخدمة للاستخراج، استطاع أن يتسلط على أوسع مما يعد تبعا لأرضه، فعلى ضوئه لا مجال للافتاء بأن صاحب الأرض يملك المعدن المركوز تبعا لأرضه بلا قيد أو شرط، بل يحدد بما يعد تبعا لها، وأما الخارج عنها فهواما من الأنفال أو من المباحات التي يتوقف تملكها على إجازة الأمام وليست هذه النظرة الشمولية مختصة بالفقه بل تعم أكثر العلوم"
كلام باطل ففى الإسلام لا يوجد حقوق اسمها الملكية الفكرية أو ملكية الاسم أو العلامة التجارية وكذلك ملكية الإنسان للأرض وما فيها من معدن أو غيره فكل هذا يخالف أن الملكية كلها مشتركة بين المسلمين كما قال تعالى "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" وقال " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين"
ومن ثم الملكية الخاصة فى الإسلام وهو تسمية خاطئة تتمثل فى مال الميراث النقدى او المعدنى الذهبى والفضى وحتى البيوت خى ملكية انتفاع فقط فإن مات لا يجوز تقسيمها لأن الإنسان لو ظلت البيوت تقسم سيحصل الكل فى نهاية على عدة أذرع تتمثل فى حجرة أو اقل فيفسد البيت وتتداخل الأسر فى الجلوس فيه وإنما المجتمع يعطيها لأحد الأولاد ويبنى للبقية بيوت مثلها
وتحدث عما سماع تعيين الأساليب فقال:
"الخامس: تأثيرهما في تعيين الأساليب:
إن هناك أحكاما شرعية لم يحدد الشارع أساليبها بل تركها مطلقة كي يختار منها في كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجا وأنجع في التقويم علاجا، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
1 الدفاع عن بيضة الإسلام قانون ثابت لا يتغير ولكن الأساليب المتخذة لتنفيذ هذا القانون موكولة إلى مقتضيات الزمان التي تتغير بتغيره، ولكن في إطار القوانين العامة فليس هناك في الإسلام أصل ثابت إلا أمر واحد وهو قوله سبحانه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" وأما غيرها فكلها أساليب لهذا القانون تتغير حسب تغير الزمان
2 نشر العلم والثقافة أصل ثابت في الإسلام، وأما تحقيق ذلك وتعيين كيفيته فهو موكول إلى الزمان، فعنصر الزمان دخيل في تطبيق الأصل الكلي حسب مقتضيات الزمان
3 التشبه بالكفار أمر مرغوب عنه حتى إن الرسول (ص)أمر بخضب الشيب وقال: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»، والأصل الثابت هو صيانة المسلمين عن التشبه بالكافرين، ولما اتسعت دائرة الإسلام واعتنقته شعوب مختلفة وكثر فيهم الشيب تغير الأسلوب ، ولما سئل علي عن ذلك، فقال: «إنما قال (ص)ذلك والدين قل، فأما الآن فقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار»
4 ان روح القضاء الإسلامي هو حماية الحقوق وصيانتها، وكان الأسلوب المتبع في العصور السابقة هو أسلوب القاضي الفرد، وقضاؤه على درجة واحدة قطعية، وكان هذا النوع من القضاء مؤمنا لهدف القضاء، ولكن اليوم لما دب الفساد إلى المحاكم وقل الورع اقتضى الزمان أن يتبدل أسلوب القضاء إلى أسلوب محكمة القضاة الجمع، وتعدد درجات المحاكم حسب المصلحة الزمانية التي أصبحت تقتضي زيادة الاحتياط"
الكلام عن كون الله جعل الدفاع عن الأرض ونشر العلم أساليبه متنوعة مفتوحة هو كلام خاطىء فالله جعل ثوابت وأما شىء كنوعية السلاح أو طريقة النشر فهو أمر يعود لإرادات المسلمين التى تخطط فهناك أسلحة متواجدة منذ القدم يمكن استخدامها فى أى عصر مثل الماء الذى يزيل الخطوط الدفاعية الحصينة ومثل التراب الذى يعتبر سلاحا فعالا ضد الأجهزة التقنية المتقدمة فبعض من التراب يجعل أجهزة الحاسب فى الصواريخ والطائرات وغيرها تتوقف
وأما القضاء فالله لم يقل أنها هناك درجة واحدة وإنما وضع نظام قضائى لا يحتاج لتعديل
وبين السبحانى خلاصة كلامه فقال:
" وقد ذكرنا كيفية ذلك في بحوثنا الفقهية
فزبدة القول هي:
1 ان عنصري الزمان والمكان لا تمسان حصر التشريع في الله سبحانه أولا، ولا كرامة الكبريات والأصول الشرعية ثانيا
2 تأثير عنصري الزمان والمكان في محققات الموضوع
3 تأثير عنصري الزمان والمكان في الوقوف على ملاكات الأحكام
4 تأثير عنصري الزمان والمكان في كيفية إجراء الحكم
5 تأثيرها في منح نظرة جديدة نحوالمسائل
6 تأثيرها في تعيين الأساليب
هذا كله في تأثيرهما في الاجتهاد واستنباط الأحكام الأولية، وأما تأثيرهما في الأحكام الحكومية فسيوافيك البحث عنه في الفصل الثاني:
التفسير الخاطىء أو تغيير الأحكام حسب المصالح قد ظهر مما ذكرنا ان القول بتأثير عنصري الزمان والمكان يجب أن يحدد بما لا يمس كرامة الأصلين السابقين: حصر التقنين بالله سبحانه وتعالى، تأبيد الأحكام الشرعية غير انه ربما يفسر التأثير بنحو خاطى وهو تغيير الأحكام الشرعية حسب المصالح الزمنية وبهذا يبرر مخالفة بعض
الخلفاء للكتاب والسنة قائلا بأن للحاكم الأخذ بالمصالح وتفسير الأحكام على ضوئها، ولنقدم نموذجا
دل الكتاب والسنة على بطلان الطلاق ثلاثا، وانه يجب أن يكون الطلاق واحدة بعد الأخرى، يتخلل بينها رجوع أو نكاح، فلو طلق ثلاثا مرة واحدة أو كرر الصيغة فلا يحتسب الأ طلاقا واحدا وقد جرى عليه رسول الله والخليفة الأول وكان (ص)لا يمضي من الطلاق الثلاث إلا واحدة منها، وكان الأمر على هذا إلى سنتين من خلافة عمر، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم
إن من المعلوم ان استخدام الرأي فيما فيه نص من كتاب أو سنة، أمر خاطى، ولو صح استخدامه فإنما هو فيما لا نصفيه، ولما كان ذلك يمس كرامة الخليفة جاء الآخرون يبررون عمله بتغير الأحكام، بالمصالح والمفاسد، ويعد ابن القيم أحد المتحمسين لهذا الموضوع فقال: لما رأى عمر بن الخطاب ان مفسدة تتابع النص في إيقاع الطلاق لا تندفع الأب إمضائها على الناس، ورأى مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الايقاع، أمضى عمل الناس وجعل الطلاق ثلاثا ثلاثا
يلاحظ عليه: أن إبطال الشريعة أمر محرم لا يستباح بأي عنوان، فلا يصح لنا تغيير الشريعة بالمعايير الإجتماعية من الصلاح والفساد، وأما مفسدة تتابع النص في إيقاع الطلاق الثلاث فيجب أن تدفع عن طريق آخر لا عن طريق إمضاء ما ليس بمشروع مشروعا
والعجب ان ابن القيم توجه إلى ذلك وقال: كان أسهل من ذلك (تصويب الطلقات ثلاثا) أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث، ويحرمه عليهم، ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله لئلا يقع المحذور الذي يترتب عليه، ثم نقل عن عمر بن الخطاب ندامته على التصويب،قال: قال عمر ابن الخطاب: ما ندمت على شيء مثل ندامتي على ثلاث "
كلام السبحانى هنا ينسف كل ما قاله فى الفصل السابق من تغييرات فى الأحكام بدعوة عدم وجود نص أو بدعوى الاجتهاد والغريب أنه كعادة المذهبيين يستخدم الكلام للذم فى المذهب المقابل فكما خالف الطلاق ثلاثا نصا فى القرآن فعند الشيعة أحكام كالإمامة تخالف نصوصا فالإمامة تخالف قوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"
ثم تعرض الفصل التالى للأحكام الحكومية فقال:
"الفصل الثاني:
دور الزمان والمكان في الأحكام الحكومية:
ثم إن ما ذكرناه يرجع إلى دور الزمان والمكان في عملية الاجتهاد والإفتاء، وأما دورهما في الأحكام الحكومية التي تدور مدار المصالح والمفاسد وليست من قبيل الأحكام الواقعية ولا الظاهرية، فلها باب واسع نأتي بكلام موجز فيه
إن تقدم العناوين الثانوية على الأولية يحل العقد والمشاكل في مقامين:
الأول: إذا كان هناك تزاحم بين الحكم الواقعي الأولي والحكم الثانوي، فيقدم الثاني على الأول، إما من باب الحكومة أو من باب التوفيق العرفي، كتقدم لا ضرر و لا حرج على الأحكام الضررية والحرجية، وهذا النوع من التقدم يرجع إلى باب الإفتاء والإستنباط
الثاني: إذا كان هناك تزاحم بين نفس الأحكام الواقعية بعضها مع بعض بحيث لو لم يتدخل في فك العقد، وحفظ الحقوق لحصلت مفاسد، وهنا يأتي دور الحاكم والفقيه الجامع للشرائط، المتصدي لمنصب الولاء، بتقديم بعض الأحكام الواقعية على بعض بمعنى تعيين أن المورد من
صغريات أي واحد من الحكمين الواقعيين، ولا يحكم الحاكم في المقام إلا بعد دقة وإمعان ودراسة للظروف الزمانية والمكانية ومشاورة العقلاء والخبراء
وبعبارة أخرى: إذا وقع التزاحم بين الأحكام الأولية فيقدم بعضها على بعض في ظل هذه العناوين الثانوية ويقوم الحاكم الإسلامي بهذه المهام بفضل الولاية المعطاة له، فتصير هذه العناوين مفاتيح بيد الحاكم، يرفع بها التزاحم والتنافي، فمعنى مدخلية الزمان والمكان في حكم الحاكم عبارة عن تأثيرهما في تعيين أن المقام صغرى لأي كبرى من الكبريات، وأي حكم من الأحكام الواقعية، فيكون حكمه بتقديم إحدى الكبريين شكلا إجرائيا للأحكام الواقعية ومراعاة لحفظ الأهم وتخطيطا لحفظ النظام وعدم اختلاله
وبذلك يظهر أن حكم الحاكم الإسلامي يتمتع بميزتين:
الأولى: إن حكمه بتقديم إحدى الكبريين، ليس حكما مستنبطا من الكتاب والسنة مباشرة وإن كان أساس الولاية وأصلها مستنبطا ومستخرجا منهما، إلا أن الحاكم لما اعتلى منصة الحكم ووقف على أن المقام من صغريات ذلك الحكم الواقعي دون الأخر للمقاييس التي عرفتها، يصير
حكمه حكوميا وولائيا في طول الأحكام الأولية والثانوية وليس الهدف من وراء تسويغ الحكم له غلا الحفاظ على الأحكام الواقعية برفع التزاحم، ولذلك سميناه حكما إجرائيا، ولائيا حكوميا لا شرعيا، لما عرفت من أن حكمه علاجي يعالج به تزاحم الأحكام الواقعية في ظل العناوين الثانوية، وما يعالج به حكم لا من سنخ المعالج، ولو جعلناه في عرض الحكمين لزم انخرام توحيد التقنين والتشريع
الثانية: إن حكم الحاكم لما كان نابعا عن المصالح العامة وصيانة القوانين الإسلامية لا يخرج حكمه عن إطار الأحكام الأولية والثانوية، ولأجل ذلك قلنا إنه يعالج التزاحم فيها، في ظل العناوين الثانوية
وبالجملة الفقيه الحاكم بفضل الولاية الإلهية يرفع جميع المشاكل الماثلة في حياتنا، فإن العناوين الثانوية التي تلوناها عليك أدوات بيد الفقيه يسد بها كل فراغ حاصل في المجتمع، وهي في الوقت نفسه تغير الصغريات ولا تمس كرامة الكبريات"
السبحانى هنا يكرس لألوهية الحاكم حيث يجعله متحكما فى التشريعات الخاصة بالحكومة وهو كلام يجعل كل الحكام طغاة بينما النص موجود فى القرارات المتعلقة بالأحكام وهو قوله تعالى :
"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
فأهل الذكر وهم العلماء هم من يبينون الأحكام وليس الحاكم سوى واحد منهم لأنه لا يمكن اختيار حاكم إلا وهو عالم كما قال تعالى " وزاده بسطة فى العلم والجسم"
وأما ما يسميه الحكومة فهو القرارات التى جعل المسلمين فيها مختارين والمسلمون يتخذونها معا وليس واحد منهم كما قال تعالى "وأمرهم شورى بينهم "
ويضرب السبحانى أمثلة على ما قاله فيقول:
"ولأجل توضيح المقام، نأتي بأمثلة نبين فيها مدخلية المصالح الزمانية والمكانية في حكم الحاكم وراء دخالتهما في فتوى المفتي
الأول: لا شك أن تقوية الإسلام والمسلمين من الوظائف الهامة، وتضعيف وكسر شوكتهم من المحرمات الموبقة، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن بيع وشراء التنباك أمر محلل في الشرع، والحكمان من الأحكام الأولية ولم يكن أي تزاحم بينهما إلا في فترة خاصة عندما أعطى الحاكم العرفي امتيازا للشركة الأجنبية، فصار بيعه وشراؤه بيدها، ولما أحس الحاكم الشرعي آنذاك ـ السيد الميرزا الشيرازي ان استعماله يوجب انشباب أظفار الكفار على هيكل المجتمع الإسلامي، حكم قدس سره بأن استعماله بجميع أنواع الاستعمال كمحاربة ولي العصر فلم يكن حكمه نابعا إلا من تقديم الأهم على المهم أو من نظائره، ولم يكن الهدف من الحكم إلا بيان أن المورد من صغريات حفظ مصالح الإسلام واستقلال البلاد، ولا يحصل إلا بترك استعمال التنباك بيعا وشراء وتدخينا وغيرها، فاضطرت الشركة حينئذ إلى فسخ العقد
الثاني: إن حفظ النفوس من الأمور الواجبة، وتسلط الناس على أموالهم وحرمة التصرف في أموالهم أمر مسلم في الإسلام أيضا، إلا أنه على سبيل المثال ربما يتوقف فتح الشوارع في داخل البلاد و خارجها على التصرف في الأراضي والأملاك، فلو استعد مالكها بطيب نفس منه فهو وإلا فللحاكم ملاحظة الأهم بتقديمه على المهم، ويحكم بجواز التصرف بلا إذن، غاية الأمر يضمن لصاحب الأراضي قيمتها السوقية
الثالث:إن إشاعة القسط والعدل مما ندب إليه الإسلام وجعله غاية لبعث الرسل، قال سبحانه: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"
ومن جانب إن الناس مسلطون على أموالهم يتقلبون فيها كيفما شاءوا، فإذا كان هناك تزاحم بين الحكمين الواقعيين، كما في احتكار المحتكر أيام الغلاء أو اجحاف أصحاب الحرف والصنعة وغيرهم، فللحاكم الإسلامي ـ حسب الولاية الإلهية ـ الإمعان والدقة والاستشارة والمشورة في حل الأزمة الاجتماعية حتى يتبين له أن المقام من صغريات أي حكم من الحكمين، فلو لم تحل العقد بالوعظ والنصيحة، فآخر الدواء الكي، أي: فتح المخازن وبيع ما احتكر بقيمة عادلة وتسعير الأجناس وغير ذلك
الرابع: لا شك أن الناس أحرار في تجاراتهم مع الشركات الداخلية والخارجية، إلا أن إجراء ذلك، إن كان موجبا لخلل في النظام الاقتصادي أو ضعف في البنية المالية للمسلمين، فللحاكم تقديم أهم الحكمين على الأخر حسب ما يرى من المصالح
الخامس: لو رأى الحاكم أن بيع العنب إلى جماعة لا يستعملونه إلا لصنع الخمر وتوزيعه بالخفاء، أورث فسادا عند بعض أفراد المجتمع وانحلالا في شخصيتهم، فله أن يمنع من بيع العنب إلى هؤلاء إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي لا يمكن للفقيه الحاكم غض النظر عن الظروف المحيطة به، حتى يتضح له أن المجال مناسب لتقديم أي الحكمين على الأخر وتشخيص الصغرى كما لا يخفى هذا كله حول مدخلية الزمان والمكان في الاجتهاد في مقام الإفتاء أولا ومنصة الحكم ثانيا، وأما سائر ما يرجع إلى ولاية الفقيه فنتركه إلى محله"
ما قاله السبحانى عن بيع وشراء التنباك وهو الدخان وكون حلال تك تحريمه بسبب الكفار هو كلام يدل على الجعل فالدخان مضر بصحة الناس وزمن ثم فهو حرام البيع والشراء لدخوله فى قوله تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من حرج"وأما نباتات الدخان فليس بحرام زراعتها لأنها تستخدم فى عمل الخبز وأشياء مفيدة
وأما فتح الشوارع وثقلها فهذا مرتبط أساسا بالتخطيط الذى يقوم به المهندسون مراعين فى الفتح والقفل أحكام متعددة منها الأمن والأمان ووجود مداخل للهواء والشمس وطرق للمشى وقضاء المصالح فكل هذا الحاكم لا دخل له به إلا عند وجود مخالفة للشرع