ثم يتناول الرجل ما سماه الحسد لعلى فيقول:
"الحسد لأمير المؤمنين
ومن فوائد حديث الطير أنّه كان هناك بين أصحاب رسول الله حتّى المقرّبين منهم، من كان في قلبه حسد بالنسبة لأمير المؤمنين ، وأنس بن مالك خادم رسول الله يكذب، لا مرّةً ولا مرّتين، يكذب مرّات لأجل الحسد الذي في قلبه على علي أمير المؤمنين، لكن أنساً كشف عن واقع حاله أكثر فأكثر، عندما ناشده أمير المؤمنين بحديث الغدير فأبى أن يشهد، وكتم الشهادة، وكتمان الشهادة ذنب كبير من كبائر المعاصي، حتّى أنّ أمير المؤمنين دعا عليه، وابتلي بالبرص إنّه لابدّ أنْ نعرف حقائق الأشخاص من خلال السنّة النبويّة، قبل أن نقرأ تراجمهم وأحوالهم في كتب التراجم، ففي السنّة وفي الأحاديث الواردة في المصادر المعتبرة ما يستكشف به حقائق حالات الأشخاص أكثر بكثير، وهذا ممّا لا يخفى على المتضلّعين بمثل هذه البحوث "
هنا الرجل يتهم بعض الصحابة المؤمنين بالكذب والحقد على بعضهم والدعاء على بعضهم لمجرد روايات تروى وهو أمر يناقض قوله تعالى ""وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم"
قد يحدث بين المؤمنين بعض الشجار والكراهية ولكنها لا تتحول لكتم الشهادة والكذب المتكرر وأكل الحقوق لأن من يفعل ذلك فقد كفر
ثم تناول الميلانى ما سماه ردود أهل السنة فى رد الحديث فقال :
"الجهة الثالثة:
محاولات القوم في ردّ حديث الطير:
فننتقل الآن إلى محاولات القوم في ردّ هذا الحديث وإبطاله، وفي المنع عن نقله وانتشاره وما صنعوا تتلخّص محاولاتهم في وجوه:
الأول: المناقشة في سند الحديث:
فإذا راجعتم كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لأبي الفرج ابن الجوزي، تجدونه يذكر هذا الحديث بسند أو ببعض أسانيده ويضعّفه ويسكت عن بعض الأسانيد الأخرى لكن ابن الجوزي أبا الفرج الحنبلي المتوفى سنة 597 هـ معروف بالتسرّع بالحكم، لا بالتضعيف فقط بل حتّى الحكم بالوضع، ولربّما ضعّف أو كذّب في كتبه أحاديث موجودة في الصحاح، وهذا ما دعا كبار المحدّثين من المحققين من أهل السنّة إلى التحذير من الاعتماد على حكم ابن الجوزي، في أي حديث من الأحاديث، وأنّه لابدّ من التثبّت والعجيب أنّهم ربّما ينسبون إلى ابن الجوزي أنّه أدرج حديث الطير في كتاب الموضوعات، راجعوا كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري وبعض الكتب الأخرى، ينسب إلى ابن الجوزي أنّه حكم على هذا الحديث بالوضع وأدرجه في كتاب الموضوعات والحال أنّه غير موجود في كتاب الموضوعات، نعم، موجود في كتاب العلل المتناهية، لكنّه ببعض إسناده، وإنّما يتكلّم على بعض رجال هذا الحديث في بعض الأسانيد ـ ونحن لا ندّعي أنّ كلّ أسانيده صحيحة ـ ويسكت عن البعض الأخر ويأتي من بعده ابن كثير، فيذكر في تاريخه حديث الطير، ويرويه عن عدّة من الأئمّة الأعلام، يرويه عن الترمذي، وعن أبي يعلى، وعن الحاكم، وعن الخطيب البغدادي، وعن ابن عساكر، وعن الذهبي، وعن غيرهم، إلى أنْ قال:وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي يقول: ورأيت مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر ابن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ، ثمّ وقفت على مجلّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلانيّ المتكلّم ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلاً: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه
أقول:
فدليل ابن كثير على ضعف هذا الحديث أنّ قلبه لا يساعد، قلب ابن كثير لا يساعد على قبول هذا الحديث، كما أنّ قلب أبي جهل لم يساعد على قبول القرآن والإسلام، فليكنْ، وأيّ مانع ؟ قلبه لا يساعد، لا يقول: إنّه موضوع، لا يقول: إنّه حديث مكذوب، لا يقول: في سنده كذا وكذا، لا يقول: الراوي ضعيف لقول فلان، لنصّ فلان على ضعفه، وأمثال ذلك، فإنّها مناقشات علميّة تسمع، إنّها مناقشات علميّة قابلة للبحث، قابلة للنظر، وأيّ مانع ! يقول: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه الرجوع إلى القلب من جملة أساليبهم في ردّ بعض الأحاديث، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط، وإلاّ لطال بنا المجلس عندما يريدون أنْ يردّوا حديثاً وقد أعيتهم السبل، فلم يمكنهم المناقشة في سنده بشكل من الإشكال، يلجأون إلى القَسَم أحياناً، كقولهم: والله إنّه موضوع، وأيّ دليل أقوى من هذا ؟! أوْ يلتجئون إلى قلوبهم: والقلب يشهد بأنّ هذا الحديث موضوع، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط في مستدرك الحاكم حديث عن علي : أخبرني رسول الله: «إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين»، قلت: يا رسول الله فمحبّونا ؟ قال: «من ورائكم» يقول الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه هذا حديث الحاكم، وما ذنبنا إنْ كان الحاكم كاذباً بنقل هذا الحديث وفي حكمه بصحّته، نحن المحبّون لأهل البيت ندخل الجنّة وراء أهل البيت، هم يدخلون ونحن وراءهم، لأننا نحبّ أهل البيت، وهذا لا يمكن لأحد إنكاره فيقول الذهبي في تلخيصه للمستدرك في ذيل هذا الحديث: الحديث منكر من القول يشهد القلب بوضعه ليته ناقش في سند الحديث، بضعف راو من رواته، يشهد القلب بوضعه !! ولماذا يشهد قلب الذهبي بوضع هذا الحديث ؟ الحديث يقول: إنّ أوّل من يدخل الجنّة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن ومحبّوهم من وراءهم، أيّ مانع من هذا ؟ وأيّ ضير على الذهبي حتّى يشهد قلبه بأنّ هذا الحديث موضوع ؟ ولماذا ؟ هل حبّ أهل البيت مانع من دخول الجنّة فيكون قلبه يشهد بوضع هذا الحديث ؟ أو يشُك في أنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة والحسنين أوّل من يدخل الجنّة ؟ أيشُك في هذا ؟ لماذا قلبه يشهد بوضعه ؟ فتأمّلوا في هذا
إذن، كانت المحاولة الأولى، المناقشة في سند الحديث والحكم بضعف الحديث، لكن الحديث في الصحاح كما ذكرنا، وله أسانيد صحيحة، وقسم كبير من أسانيده أنا بنفسي صحّحتها على ضوء كلمات كبار علماء الحديث وأئمّة الجرح والتعديل وهي في خارج الصحاح"
هنا الرجل كلامه صحيح فى أن الحديث لا يرد بمجرد أن القلب يرفضه ولكن استشهاده على صحة ما يقول هو الأخر بعدم عرضه على القرآن باطل فالجنة طبقا للمعروف لها ثمانية أبواب أحدهم وهو الثامن مقفل لكونه بين الجنة والنار ومن ثم فهناك سبعة أبواب مفتوحة لا يمكن أن يكون الخمسة أول من يدخل الجنة لأن دخول الجنة يكون فى صورة زمر أى جماعات ومن ثم إن شكل الخمسة جماعة فهناك ستة جماعات تدخل معهم فى نفس الوقت طبقا لقوله تعالى"وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا"
ثم تناول رد أهل السنة الثانى فقال :
"الثاني: تحريف اللفظ:
وهذا هو الطريق الثاني لردّ هذا الحديث، قد قرأنا بعض الألفاظ، وعرفتم كيف يكون التحريف أمّا أحمد بن حنبل، فقد قرأنا لفظ الحديث من كتاب فضائله أو مناقبه، فلنقرأ لفظ الحديث في مسنده فلاحظوا:
قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أُهديت لرسول الله ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتت به ـ كلمة الخادم تطلق على المرأة والرجل ـ فقال لها (ص): «ألم أنهك أن ترفعي شيئاً، فإنّ الله عزّ وجلّ يأتي برزق كلّ غد» هذا هو الحديث في مسند أحمد
ولك أن تقول: لعلّ هذا الحديث في قضيّة أُخرى لا علاقة لها بحديث الطير لكنْ عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد بعض ألفاظه بنفس هذا اللفظ وبنفس السند الذي أتى به أحمد، وفيه ما يتعلّق بعليّ وكونه أحبّ الخلق إلى الله إلى آخره، نعم، كنت أتصوّر أنّ هذا الحديث وارد في قضيّة لا علاقة لها بحديث الطير الذي نحن نبحث عنه، هذا تبادر إلى ذهني لأول وهلة، لكنّني دقّقت النظر في الأحاديث فوجدت الحديث حديث الطير، إلاّ أنّه جاء به بهذا الشكل، وهل الذي جاء في مسند أحمد من أحمد نفسه أو النسّاخ أو الطابعين لكتابه ؟ الله أعلم وأبو الشيخ الاصفهاني الذي ذكرناه مراراً، يروي هذا الحديث وفيه ما يتعلّق بأمير المؤمنين ، إلاّ أنّ ما يتعلّق بأنس، وكذب أنس، وخيانة أنس، هذا محذوف ومحرّف، لاحظوا:
عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول الله طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير»، فجاء علي فأكل معه، ثمّ هو يقول: فذكر الحديث انتهى وكأنّه يريد أنْ يحفظ الأمانة فلا يخون يضع كلمة: فذكر الحديث ومن العجيب إسقاط بعضهم كلا الفقرتين، ما يتعلّق بعلي وما يتعلّق بأنس، فأسقط كلتا الفقرتين وجاء فقط بذلك العذر الذي ذكر أنس في آخر القضية:عن أنس عن النبي قال: «لا يلام الرجل على حبّ قومه» حينئذ يقول ابن حجر العسقلاني: هذا طرف من حديث الطير
الثالث: تأويل الحديث وحمل مدلوله على خلاف ما هو ظاهر فيه فيحملون أوّلاً لفظ الحديث الذي يقول: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، يحملونه على أنّ المراد اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فحينئذ لا إشكال، لانّ مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، أي اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك راجعوا شروح مصابيح السنّة، راجعوا شروح المشكاة وكتاب التحفة الاثنا عشرية لوجدتم هذا التأويل موجوداً في كتبهم حول هذا الحديث وهل توافقون عليه ؟ وهل هناك مجال لقبول هذا التأويل بلا أيّ دليل ؟وقال صاحب التحفة الاثني عشرية: إنّ القضيّة إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة، فلذا لم يحضرا فحضر علي راجعوا كتاب التحفة الاثنا عشرية ، وهذا الكتاب عندهم من أحسن الكتب في باب الإمامة، أو في أبواب العقائد كلّها، وطبع مراراً وتكراراً طبعات مختلفة، وطبعوا خلاصته باللغة العربية مع تعاليق ذلك العدو من أعداء الدين، مراراً وتكراراً في البلاد المختلفة
أقول:
هل كانت هذه القضية في وقت كان أبو بكر وعمر في خارج المدينة المنوّرة ؟ والله لو كانا في خارج المدينة المنوّرة لما كان عندنا أي كلام، فنحن ما عندنا أي غرض في إثبات شيء أو في نفي شيء، لكنْ ماذا نفعل مع حديث النسائي، مع حديث أبي يعلى: إنّه جاء أبو بكر فردّه، جاء عمر فردّه، وأضاف صاحب المسند فقال: بأنّ عثمان أيضاً جاء وردّه ؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنوّرة، وأيّ ذنب لنا لو كان النسائي وغيره ورواة خبر حضورهم في المدينة كاذبين عليهم ؟!"
هناك أمر غريب عند الميلانى وهو أن يتهم الراوى الأول بالتحريف هو أو صاحب الكتاب المروى فيه الرواية وهو كلام يبين الجهل فالكذاب أو الواضع قد يكون أى واحد فى سلسلة الرواية عدا المؤمن الصحابى لأن الفساد واتباع الشهوات لا يكون فى عهد الصحابة المؤمنين بالرسالة وإنما فى عهد خلفهم كما قال تعالى "أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا"
ثم تناول الرد الرابع والمفروض أنه الثالث فقال :
"الرابع: المعارضة:
المعارضة لها وجه علمي، نحن نوافق على هذا، لانّ المعارضة هي الإتيان بحديث معتبر ليعارض به حديث معتبر آخر في مدلوله، فتلاحظ بينهما قواعد الجرح والتعديل لتقديم البعض على البعض الأخر، تلك القواعد المقررة في كتب السنّة، فهذا أُسلوب علمي للبحث والمناظرة، وأيُّ مانع من هذا، المعارضة وإلقاء التعارض بين الحديثين، ثمّ دراسة الحديثين بالسند والدلالة وإلى آخره عمل جميل وعلى القاعدة، وله وِجهةٌ علمية، ونحن مستعدون لدراسة ما يذكرونه معارضاً لحديث الطير بلا أيّ تعصّب، لكنْ أيّ شيء ذكروا ليعارضوا به حديث الطير ؟
في كتاب التحفة الاثنا عشرية استند إلى حديث: «إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» في مقابلة حديث الطير فوالله لو تمّ هذا الحديث سنداً ودلالة، حتّى لو ثبت اعتباره عندهم واتّفقوا على صحّته، فنحن نغضّ النظر عن انفراد القوم به، وقد قلنا منذ الأول أنّ الحديث الذي يريد كلّ طرف من الطرفين أن يستند إليه لابدّ وأن يكون مقبولاً عند الجانبين، نحن نغضّ النظر عن هذه الناحية، وندرس الحديث على ضوء كتبهم وأقوال علمائهم هم فقط، ولو تمّ لوافقنا ولرفعنا اليد عن حديث الطير المقبول بين الطرفين بواسطة حديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» ولكنْ ماذا نفعل وهم لا يقبلون بحديث الاقتداء بالشيخين، وسنقرأ ما يقولونه حول هذا الحديث بالتفصيل "
الرجل هنا يقول أن معارضة حديث الطير بحديث الاقتداء مرفوض لأن أهل السنة رفضوا حديث الاقتداء بالشيخين وقال أنه سيذكر أقوال أهل السنة فى رفضهم حديث الاقتداء ولكنه لم يتعرض لتلك المسألة على الإطلاق فى الكتاب
ثم تناول الرد الخامس فقال:
"الخامس:
بعد أنْ أعيتهم السبل العلمية في الظاهر وهي: المناقشات في السند أو الدلالة، يلجأون إلى طريقة أُخرى، وماذا نسمّي هذه الطريقة ؟ لا أدري الآن، لأقرأ لكم ما وجدته تحت هذا العنوان الذي عنونته أنا، فأنتم سمّوا ما فعلوا بأيّ تسمية تريدون !!أذكر لكم قضيّة الحافظ ابن السقا الواسطي المتوفى سنة 373 هـ:يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء بعد أن يصف ابن السقا بما يلي: الحافظ الإمام محدّث واسط، بعد أن يلقّبه بهذه الألقاب ينقل عن الحافظ السلفي يقول: سألت الحافظ خميساً الجوزي عن ابن السقا ؟ فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقّاءً بل لقب له، من وجوه الواسطيين وذي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وفلان وفلان وبارك الله في سنّه وعلمه، واتفق أنّه أملى حديث الطائر فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا عليه فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته لا يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم
أقول:ولم يذكر الراوي كلّ ما وقع على هذا المحدّث من ضرب وشتم وإهانة وغير ذلك، يكتفي بهذه العبارة: وثبوا عليه فأقاموه عن مجلسه وغسلوا موضعه، كأنّ الموضع الذي كان جالساً فيه تنجّس لإملائه طرق حديث الطير، وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته ولم يخرج فماذا تسمّون هذه الطريقة ؟ لا أدري هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة هذا الرجل في سير أعلام النبلاء، وفي كتاب تذكرة الحفّاظ أمّا الحاكم النيسابوري، فقد كان مصرّاً على صحّة حديث الطير، وعلى تصحيح حديث الطير
يقول في كتابه علوم الحديث : حديث الطير من مشهورات الأحاديث، وكان على أصحاب الصحاح أن يخرّجوه في الصحاح ويقول: ذاكرت به كثيراً من المحدثين ويقول: كتبت فيه كتاباً، أي كتب في جمع طرقه كتاباً ثمّ إنّه في المستدرك يروي هذا الحديث ويقول: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً وقد قلت لكم أنّ الرواة عن أنس هم أكثر من ثمانين شخصاً لا ثلاثين شخصاً
يقول: ثمّ صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة واضطرب القوم تجاه تصحيح الحاكم، وإخراج الحاكم هذا الحديث في مستدركه، وإصراره على صحّة هذا الحديث، وأصبحت قضيّة حديث الطير والحاكم قضيّة تذكر في أكثر الكتب المتعلّقة بالحاكم وبحديث الطير، أي حدثت هناك ضجّة من فعل الحاكم هذا، وقام القوم عليه وقامت قيامتهم، ولأجل هذا الحديث رماه بعضهم بالرفض فقال: الحاكم رافضي لكن الذهبي وابن حجر العسقلاني يقولان: الله يحبّ الإنصاف، ما الرجل برافضي فراجعوا لسان الميزان، وراجعوا سير أعلام النبلاء، وغير هذين الكتابين ثمّ جاء بعضهم وجعل يرمي كتاب المستدرك بأنّ هذا الكتاب ليس فيه ولا حديث واحد على شرط الشيخين وحينئذ يقول الذهبي: هذه مكابرة وغلو ثمّ نسبوا إلى الدارقطني أنّه لمّا بلغه أنّ الحاكم قد أخرج حديث الطير في المستدرك انتقد فعل الحاكم هذا لكن الذهبي يقول: إنّ الحاكم إنّما ألّف المستدرك بعد وفاة الدارقطني بمدة وحينئذ، إذا راجعتم كتاب طبقات الشافعية للسبكي رأيتموه ينقل عن الذهبي إنّ الحاكم سُئل عن حديث الطير فقال: لا يصحّ ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله ثمّ قال شيخنا: وهذه الحكاية سندها صحيح، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك يعني: إذا كان الحاكم يعتقد بأنّ الشيخين أفضل من علي، فلماذا أخرج الحديث في المستدرك ؟ ولماذا صحّحه ؟حينئذ يقول السبكي: قد جوّزت أنْ يكون زيد في كتابه يعني: حديث الطير زيد في كتاب المستدرك !! لاحظوا إلى أي حدٍّ يحاولون إسقاط حديث من الأحاديث، قد جوّزتُ أن يكون زيد في كتابه، أنْ لا يكون من روايات الحاكم
يقول السبكي: وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر بعدمه [ أي وجدت الحديث في كلّ النسخ ]وتذكّرت الدارقطني إنّه يستدرك حديث الطير، فغلب على ظنّي إنّه لم يوضع عليه [ أي إنّ الحديث لم يوضع على الحاكم، ولم يزده أحد في المستدرك ] ثمّ تأمّلت قول من قال: إنّه [ أي الحاكم ]أخرجه من الكتاب، فإنْ ثبت هذا صحّت الحكايات، ويكون خرّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه، ثمّ أخرجه منه لاعتقاده عدم صحّته كما في هذه الحكاية التي صحّح الذهبي سندها، ولكنّه بقي [ أي الحديث ] في بعض النسخ، إمّا لانتشار النسخ بالكتاب، أو لإدخال بعض الطاعنين في الشيخين إيّاه [ أي الحديث ] فيه [ أي في المستدرك ] فكلّ هذا جائز، والعلم عند الله تعالى هذا نصّ عبارة السبكي
أقول: هذه نماذج من محاولات القوم لاسقاط الحديث، ولإثبات أنّ الحاكم لم يروه في مستدركه، وذلك يكشف عن اضطراب القوم أمام تصحيح الحاكم وإخراجه هذا الحديث في كتابه
وهل اكتفوا بهذا ؟ لا، وهل استفادوا من هذه الأساليب شيئاً ؟ لا فما كان عليهم إلاّ أنْ يهجموا على الحاكم داره فيضربوه ويكسروا منبره الذي كان يجلس عليه ويحدّث، ويمنعوه من الخروج من داره وهلاّ فعلوا هذا من أوّل يوم، وقبل أن يتعبوا أنفسهم في التحقيق عن كتاب المستدرك باحتمال أنْ يكون هذا الحديث قد أدرجه بعض الطاعنين، فما أحسن هذا الطريق لإثبات الخلافة لأسيادهم !!وهكذا فعلوا مع غير الحاكم، مع كثير من أئمّتهم !! أما فعلوا مع النسائي في دمشق ؟ أما بقروا بطن الحافظ الكنجي في داخل المسجد لأنه كان يملي فضائل علي ؟ وأما فعلوا ؟ وأما فعلوا ؟ أمّا بعلماء الطائفة الشيعيّة، وبالأئمّة الاثني عشر، فأيّ شيء فعلوا ؟ وكيف عاملوا ؟وهكذا ثبتت الإمامة والخلافة للشيخين وللمشايخ فأيّ داع لكلّ ما قاموا به من المناقشة في السند، من المناقشة في الدلالة، من المعارضة، من تحريف اللفظ ؟ من ضرب وهتك لابن السقا والحاكم ؟ لماذا لا يقلّدون إمامهم وشيخ إسلامهم الذي قال: حديث الطير من الموضوعات المكذوبات فأراح نفسه من كلّ هذا التعب ؟وهذه فتوى ابن تيميّة، وتلك فتوى ابن كثير، وتلك أفعالهم وأعمالهم مع أئمّتهم كالحاكم وغيره، وتلك تحريفاتهم لألفاظ الحديث النبوي، وتلك خياناتهم تبعاً لخيانة صاحبهم أنس بن مالك، وتلك إمامة مشايخهم التي يريدون أن يثبتوها بهذه السبل "
الميلانى هنا يتعامل مع كتب أهل السنة بمكيالين والمراد اى حسب هواه فإن كان الحديث المرفوض عندهم مقبول عند الشيعة فإن كلامهم باطل وتحريف ويريدون إفساد الحديث وأما الأحاديث التى يرفضونها ولا علاقة لها بأحاديث الإمامة والأفضلية لعلى فكلامهم فيها صحيح وهو لا يتعرض له والمفترض أن مقياس العدل واحد فلا يقال أن هذا تحريف وباطل وأن الأخر صحيح فكم من أحاديث رفضها بعض أهل السنة وقبلها البعض الأخر منهم ومن يراجع كتب الفقه فى المذاهب الأربعة سيجد أن ما يقبله الحنفية مثلا يرفضه الحنبلية أو ما يقبله الشافعية برفضه المالكية وهلم جرا ونذكر من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة مسألة واحدة لنعرف أن القوم بعضهم يقبل رواية غير الآخرين وهى مسألة النجاسة ونحن لا نذكر سوى طرف واحد منها وهى :
فالنجاسة في اللغة : اسم لكل مستقذر وكذلك النجس " بكسر الجيم وفتحها وسكونها " والفقهاء يقسمون النجاسة إلى قسمين : حكمية . وحقيقية وفي تعريفهما اختلاف في المذاهب
( الحنابلة عرفوا النجاسة الحكمية بأنها الطارئة على محل طاهر قبل طروها فيشمل النجاسة التي لها جرم وغيرها متى تعلقت بشيء طاهر وأما النجاسة الحقيقية فهي عين النجس " بالفتح "
الشافعية : عرفوا النجاسة الحقيقية بأنها التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح وهي المراد بالعينية عندهم والنجاسة الحكمية بأنها التي لا جرم
لها ولا طعم ولا لون ولا ريح كبول جف ولم تدرك له صفة فإنه نجس
نجاسة حكمية
المالكية قالوا : النجاسة العينية هي ذات النجاسة والحكمية أثرها المحكوم على المحل به
الحنفية قالوا : إن النجاسة الحكمية هي الحدث الأصغر والأكبر وهو
وصف شرعي يحل بالأعضاء أو البدن كله يزيل الطهارة . والحقيقية ؟ ؟ هي الخبث وهو كل عين مستقذرة شرعا ) على أنهم يخصون النجس
بالفتح بما كان نجسا لذاته فلا يصح إطلاقه على ما كانت نجاسته عارضة وأما النجس " بالكسر " فإنه يطلق عندهم على ما كانت نجاسته
عارضة أو ذاتية فالدم يقال له : نجس ونجس " بالفتح والكسر " والثوب المتنجس يقال له : نجس " بالكسر " فقط
أما الأعيان النجسة فكثيرة :
الشافعية قالوا : بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة إلا ميتة الجراد ولكن
يعفى عنها إذا وقع شيء منها بنفسه في الماء أو المائع فإنه لا ينجسه إلا إذا تغير أما إذا طرحه إنسان أو حيوان أو تغير ما وقع فيه فإنه ينجس ولا يعفى عنه ) : منها ميتة الحيوان البري غير الآدمي إذا كان له دم ذاتي يسيل عند جرحه بخلاف ميتة الحيوان البحري فإنها طاهرة لقوله صلى الله عليه و سلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وبخلاف ميتة الآدمي فإنها طاهرة كما تقدم وبخلاف ميتة الحيوان البري الذي ليس له دم ذاتي يسيل عند جرحه كالجراد فإنها طاهرة ومنها أجزاء الميتة التي تحلها الحياة " وفي بيانها تفصيل المذاهب "
المالكية قالوا : إن أجزاء الميتة التي تحلها الحياة هي اللحم والجلد والعظم والعصب ونحوها بخلاف نحو الشعر والصوف والوبر وزغب الريش فإنها لا تحلها الحياة فليست بنجسة
الشافعية قالوا : إن جميع أجزاء الميتة من عظم ولحم وجلد وشعر وريش ووبر غير ذلك نجس لأنها تحلها الحياة عندهم
الحنفية قالوا إن لحم الميتة وجلدها مما تحله الحياة فهما نجسان بخلاف
نحو العظم والظفر والمنقار والمخلب والحافر والقرن والظلف والشعر إلا شعر الخنزير فإنها طاهرة لأنها لا تحلها الحياة لقوله صلى الله عليه
وسلم في شاة ميمونة : " إنما حرم أكلها " وفي رواية " لحمها " فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم فدخلت الأجزاء المذكورة ما لم تكن بها دسومة فإنها تكون متنجسة بسبب هذه الدسومة والعصب فيه روايتان : المشهور أنه طاهر وقال بعضهم : الأصح نجاسته
الحنابلة قالوا إن جميع أجزاء الميتة تحلها الحياة فهي نجاسة إلا الصوف والشعر والوبر والريش فإنها طاهرة واستدلوا على طهارتها بعموم
قوله تعالى : { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } لأن ظاهرها يعم حالتي الحياة والموت وقيس الريش على هذه الثلاثة )
وكذا الخارج من نحو دم . ومخاط وبيض . ولبن وأنفحة على تفصيل
الحنفية قالوا بطهارة ما خرج من الميتة من لبن وأنفحة وبيض رقيق
القشرة أو غليظها ونحو ذلك مما كان طاهرا حال الحياة
الحنابلة قالوا : بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض الخارج من ميتة ما يؤكل إن تصلب قشره
الشافعية قالوا : بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض إذا تصلب قشره
سواء كان من ميتة ما يؤكل لحمه أو غيره فإنه طاهر
المالكية قالوا بنجاسة جميع الخارج من الميتة ) ومنها الكلب . والخنزير
المالكية قالوا : كل حي طاهر العين ولو كلبا . أو خنزيرا ووافقهم الحنفية على طهارة عين الكلب ما دام حيا على الراجح إلا أن الحنفية قالوا بنجاسة لعابه حال الحياة تبعا لنجاسة لحمه بعد موته فلو وقع في بئر وخرج حيا ولم يصب فمه الماء لم يفسد الماء وكذا لو انتفض من بلله فأصاب شيئا لم ينجسه ) وما تولد منهما أو من أحدهما ولو مع غيره
أما دليل نجاسة الكلب فما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم
وهو " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات وأما
نجاسة الخنزير فبالقياس على الكلب لأنه أسوأ حالا منه لنص الشارع
على تحريمه وحرمة اقتنائه ومنها ما يرشح من الكلب والخنزير من لعاب ومخاط وعرق ودمع
المالكية قالوا : كل ذلك طاهر لقاعدة : أن كل حي وما رشح منه طاهر ) ومنها الدم بجميع أنواعه إلا الكبد . والطحال فإنهما طاهران للحديث المتقدم وكذا دم الشهيد ما دام عليه والمراد بالشهيد شهيد القتال الآتي بيانه في مباحث الجنازة وما بقي في لحم المذكاة أو عروقها . ودم السمك والقمل والبرغوث ودم الكنان وهي " دويبة حمراء شديدة اللسع " فهذه الدماء طاهرة وهناك دماء أخرى طاهرة في بعض المذاهب"