وأما الجهة الثانية عند الميلانى فقال فيها:
"الجهة الثانية:
وجه الاستدلال بالآية المباركة على الإمامة يتوقّف على بيان مفردات الآية المباركة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) فكلمة (إنّما) تدلّ على الحصر، لم ينكر أحد منهم دلالة إنّما على الحصر (وليّكم) هذه الولاية بأيّ معنى ؟ سنبحث عن معنى الولاية في حديث الغدير بالتفصيل، وأيضاً في حديث الولاية، عندنا آية الولاية وهي هذه الآية التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة، وعندنا حديث الولاية وهو قوله (ص): «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي»، فكلمة «الولاية» موجودة في هذه الآية المباركة بعنوان «وليّكم»، وأيضاً في ذلك الحديث بعنوان «وليّكم»"
بجرنا الرجل لرواية علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي وهو كلام لو عقله الرجل لعرف أنه يستوى بعبارة من العهد الجديد تقول " تؤمن اني انا في الاب و الاب في"
فالقائل يجعل على ومحمد فرد واحد كما أن يسوع والآب واحد وهو كلام لا يقوله إلا مجنون فعلى غير محمد ومحمد غير على ولا يمكن أن يكونا شخص واحد لأن القول بعدها وليّكم من بعدي يعنى أن محمد يموت أولا وعلى بعده فلو كان واحدا لماتا فى نفس الوقت وهو علم بالغيب ليس لأحد حتى محمد(ص) لأنه الله طالبه ان ينفى عن نفسه علم الغيب بقوله "ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
قم تعرض الميلانى لمعنى الولاية فقال:
"معنى الولاية:
الولاية مشترك، إمّا مشترك معنوي، وإمّا مشترك لفظي، نحن نعتقد بالدرجة الأولى أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً، فمعنى الولاية إذا قيل: فلان وليّ فلان، أي فلان هو القائم بأمر فلان، فلان ولي هذه الصغيرة، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة، فلان وليّ الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر، ولذا يقال للسلطان ولي، هذا المعنى هو واقع معنى الولاية ونجد هذا المعنى في كلّ مورد ذكر مورداً للولاية مثلاً: الصديق وليّ، الجار وليّ، الحليف وليّ، الأب وليّ، الله وليّ، ورسوله وليّ، وهكذا في الموارد الأخرى من الأولياء هذا المعنى موجود في جميع هذه الموارد، وهو القيام بالأمر، هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة، فلو تراجعون كتب اللغة تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلاً: الجار له الولاية أي الجار له الأولويّة في أن يقوم بأمور جاره، يعني لو أنّ مشكلة حدثت لشخص فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة والقيام بشؤون هذا الشخص يكون جاره، هذا حقّ الجوار، مثلاً الحليف كذلك، مثلاً الناصر أو الأخ، هذه كلّها ولايات، لكن المعنى الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالأمر هذا بناء على أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً، فمعنى ذلك أن يكون هناك مصاديق متعدّدة ومعاني متعدّدة للّفظ الواحد، مثل كلمة العين، كلمة العين مشترك لفظي، ويشترك في هذا: العين الجارية، والعين الباصرة، وعين الشمس، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب الأصوليّة
فالاشتراك ينقسم إلى اشتراك معنوي واشتراك لفظي، في الدرجة الأولى نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً، وعلى فرض كون المراد من الولاية المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي، فيكون من معاني لفظ الولاية: الأحقية بالأمر، الأولويّة بالأمر، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية، وحينئذ لتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معيّنة، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي وحينئذ لو رجعنا إلى القرائن الموجودة في مثل هذا المورد، لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة، وبعبارة أُخرى القرائن المقاميّة والقرائن اللفظيّة كلّها تدلّ على أنّ المراد من الولاية في هذه الآية المعنى الذي تقصده الإماميّة، وهو الأولويّة والأحقيّة بالأمر "
دحل الميلانى بنا هنا فى متاهات لغوية لا تغنى ولا تسمن من جوع ولو اكتفى بالمعنى الذى يقصده لكان أفضل من تسويد الصفحات بهذا الكلام الذى بلا فائدة
الولاية يختلف معناها من الله إلى رسوله (ص) والمؤمنين فولاية الله للمؤمنين هى نصره لهم فى الدنيا والأخرة وهى ما عبرت عنه الآية التالية "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا"
وولاية الرسول (ص)والمؤمنين لبعضهم هى تعاونهم على البر والتقوى كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على افثم والعدوان" وبألفاظ أحرى طاعتهم لأحكام الله
وأما حكاية الأحقية بالأمر فلا وجود لها مع قوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم " فالأمر شركة بين المسلمين جميعا لا فرق بينهم فى شىء
ويعترف الميلانى بأن معنى الولاية النصرة ولكنه يجادل فيما اعترف به ليعيدنا للمعنى الذى تدين به الشيعة وهو ولاية واحد من الناس فيقول:
"ومن جملة القرائن اللفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا المورد
يقول الفضل ابن روزبهان في ردّه على العلاّمة الحلّي: إنّ القرائن تدلّ على أنّ المراد من الولاية هنا النصرة، فـ (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة إلى آخر الآية المباركة فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنى النصرة، والنصرة أحد معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة، لكن الروايات أنفسها ونفس الروايات الواردة في القضيّة تنفي أن يكون المراد من الولاية هنا النصرة مثلاً هذه الرواية ـ وهي موجودة في تفسير الفخر الرازي، موجودة في تفسير الثعلبي، موجودة في كتب أُخرى ـ: أنّ النبيّ (ص)لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل، تضرّع إلى الله وقال: «اللهمّ إنّ أخي موسى سألك قال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزيراً مِنْ أهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً) فأوحيت إليه: (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى) ، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أُشدد به ظهري » قال أبو ذر: فوالله ما استتمّ رسول الله (ص)الكلمة حتّى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية: (إنّما وليّكم الله ورسوله) إلى آخر الآية
فهل يعقل وهل يرتضي عاقل فاهم له أدنى إلمام بالقضايا، وباللغة، وبأُسلوب القرآن، وبالقضايا الواردة عن رسول الله، هل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة ؟ بأن يكون رسول الله يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعلن إلى الملا إلى الناس، بأنّ عليّاً ناصركم، فيتضرّع رسول الله بهذا التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى في هذا المورد، فيطلب من الله نزول آية تفيد بأنّ عليّاً ناصر المؤمنين ؟ وهل كان من شك في كون عليّاً ناصراً للمؤمنين حتّى يتضرّع رسول الله في مثل هذا المورد، مع هذه القرائن، وبهذا الشكل من التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى، وقبل أن يستتمّ رسول الله كلامه تنزل الآية من قبل الله (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا) أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا إلى آخر الآية ؟ هل يعقل أن يكون المراد من (وليّكم) أي ناصركم في هذه الآية مع هذه القرائن ؟"
الميلانى هنا يحيلنا لحكاية لم ترد عند الرازى ولا عند الثعالبى فى تفاسيرهم وهو تضرع النبى(ص) وهو يذكرنى هنا بما يفعله الملاحدة عندما ينقلون عن بعضهم الكلام ليثبتوا أن هناك أصل نقلوا عنه فما نقله الميلانى لا وجود لها فى التفاسير المذكورة ولا غيرها
بعد ذلك يعرض الميلانى ما سماه الاعتراضات والرد عليها فيقول:
"الجهة الثالثة:
الاعتراضات والمناقشات وحينئذ، يأتي دور الاعتراضات:
أمّا اعتراض شيخ الإسلام ابن تيميّة، فقد عرفتم أنّه ليس باعتراض وإنّما هو افتراء، لا على الإماميّة فقط، وإنّما افتراء على عموم المفسّرين والمحدّثين من أهل السنّة أيضاً، افتراء على المتكلّمين من كبار علماء طائفته، وهذا ديدن هذا الرجل في كتابه، وقد تتبّعت كتابه من أوّله إلى آخره، واستخرجت منه النقاط التي لو اطّلعتم عليها لايّدتم من قال بكفر هذا الرجل، لا بكفره بل بكفر من سمّاه بشيخ الإسلام "
هذا الكلام سبق أن ناقشناه وقلنا أن ابن تيمية ذكر ما فى كتب أهل السنة والغالبية منهم مجمعة على أن معنى الآية عام وليس فى شخص
ثم ذكر الاعتراض الأول فقال:
"الاعتراض الأوّل:
هو الاعتراض في معنى الولاية، وقد ذكرناه وذكرنا أنّ قائله هو الفضل ابن روزبهان الذي ردّ على العلاّمة الحلّي بكتابه إبطال الباطل، وردّ عليه السيّد القاضي نور الله التستري بكتاب إحقاق الحق، وأيضاً ردّ عليه الشيخ المظفر في كتاب دلائل الصدق "
هنا الميلانى يذكر لنا من ردوا على ابن روزبهان ولكنه لا يذكر حجتهم ثم يقول :
"الاعتراض الثاني:
احتمال أن تكون الواو في (وهم راكعون) واو عاطفة لا واو حاليّة، وحينئذ يسقط الاستدلال، لانّا ـ نحن الطلبة ـ نقول: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، الاستدلال يتوقّف على أن تكون الواو هذه حاليّة، فالذي أعطى الخاتم، إعطاؤه كان حال كونه راكعاً، وهو علي أمّا لو كانت الواو عاطفة يكون المعنى (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أي هم يركعون، يؤتون الزكاة ويصلّون ويركعون، إذن لا علاقة للآية المباركة بالقضيّة، فهذا الاحتمال إنْ تمّ سقط الاستدلال لكنّ هذا الاحتمال يندفع بمجرّد نظرة سريعة إلى الروايات الواردة في القضيّة، تلك الروايات التي تجدونها بأقل تقدير لو ترجعون إلى الدر المنثور، لوجدتم الروايات هناك، وهي صريحة في كون الواو هذه حاليّة ففي هذا الكتاب وغيره من المصادر عدّة روايات وردت تقول: تصدّق علي وهو راكع ، حتّى في رواية تجدونها في الدر المنثور أيضاً هذه الرواية هكذا: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) سأل السائل، سأل ذلك المسكين الذي أعطاه الإمام خاتمه، سأله قائلاً: «على أيّ حال أعطاكه» ـ أي الخاتم ـ ؟ قال: أعطاني وهو راكع فالرسول نفسه يسأله: على أيّ حال أعطاكه ؟ يقول: أعطاني وهو راكع، فالواو حاليّة، ولا مجال لهذا الإشكال "
حسب الفقه عند السنة وعند الشيعة الحركات التى ليست من الصلاة تبطل الصلاة خاصة أنه كى يعطى وهو راكع الركوع المعروف حاليا السائل لابد أن يمد ذراعه ولابد أن يخلع الخاتم ومد الذراع لجانب يستوجب تحويل الوجه عن القبلة ولابد أن نطرح عدة أسئلة لنبين ان هذه الحكاية لم تحدث وهى :
كيف أخذ السائل الخاتم هل مد على ذراعه فخلعه السائل من كفه أو أن على خلعه وأعطاه له؟
من المعروف أن على يصلى فى الصف الأول فكيف وصل السائل له وهو دوما يكون على الباب فى الصف الأخير ؟
أننا لو تصورنا صفوف الصلاة الحالية فحركة الركوع وكذا السجود لا تدع بين الصفوف فجوة كى يمر منها السائل فكيف وصل السائل لعلى فى الصف المتقدم عابرا الصفوف التى قبله ولا مكان لدخوله او خروجه ؟
الصف يكون الواحد بجوار الأخر ومن ثم لو مد على ذراعه لاصطدم بكتف المجاور له من هنا أو من هناك ومن ثم لن يستطيع أن يمد الذراع يمينا أو يسارا فى وسط المصلين لأن الأكتاف تلامس بعضها
طبقا للتاريخ فعلى لم يكن يملك فى تلك الأيام شيئا كخاتم حتى يتصدق به فقد كان المؤمنون فقراء حتى أنهم لم يكونوا يجدون الطعام الذى يسد جوعهم فكيف يتصدق لخاتم؟وهو ما جعله الاعتراض الثالث فقال :
"الاعتراض الثالث:
هذا الاعتراض فيه أُمور:
الأمر الأوّل:
من أين كان لعلي ذلك الخاتم ؟ من أين حصل عليه ؟
الأمر الثاني:
ما قيمة هذا الخاتم وبأيّ ثمن كان يسوى في ذلك الوقت ؟ ولا يستحقّ شيء من هذا القبيل من الاعتراض أن ينظر إليه ويبحث عنه نعم يبقى:
الأمر الثالث:
وله وجه ما، وهو أنّه يفترض أن يكون علي (عليه السلام)في حال الصلاة منشغلاً بالله سبحانه وتعالى، منصرفاً عن هذا العالم، ولذا عندنا في بعض الروايات أنّه لمّا أُصيب في بعض الحروب بسهم في رجله وأُريد إخراج ذلك السهم من رجله، قيل انتظروا ليقف إلى الصلاة، وأخرجوا السهم من رجله وهو في حال الصلاة، لأنه حينئذ لا يشعر بالألم، المفترض أن يكون أمير المؤمنين هكذا، ففي أثناء الصلاة وهو مشغول بالله سبحانه وتعالى كيف يسمع صوت السائل ؟ وكيف يلتفت إلى السائل ؟ وكيف يشير إليه ويومي بالتقدم نحوه، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من أصبعه ؟ وهذا كلّه انشغال بأُمور دنيويّة، عدول عن التكلّم مع الله سبحانه وتعالى، والاشتغال بذلك العالم
هذا الإشكال قد يسمّى بإشكال عرفاني، لانّ الإشكال السابق مثلاً حيث أرادوا جعل الواو عاطفة لا حاليّة إشكال نحوي، وليكن الإشكال السابق عليه في الولاية إشكالاً لغوياً، فلنسمّ هذا الإشكال بالإشكال العرفاني، فالله سبحانه وتعالى عندما يخاطب أمير المؤمنين في الصلاة وعلي يخاطبه، وهما يتخاطبان، وهو منشغل بالله سبحانه وتعالى، كيف يلتفت إلى هذا العالم ؟
والجواب:
أوّلاً:
لقد عُدّت هذه القضيّة عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين، فلو كان لهذا الإشكال أدنى مجال لمّا عدّ فعله من مناقبه
وثانياً:
هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة ولعلّ الأفضل والأولى أنْ نرجع إلى أهل السنّة أنفسهم، الذين لهم ذوق عرفاني، في نفس الوقت الذي هم من أهل السنّة، ومن كبار أهل السنّة:
يقول الألوسي : قد سئل ابن الجوزي هذا السؤال، فأجاب بشعر، وقد سجّلت الشعر، والجواب أيضاً جواب عرفاني في نفس ذلك العالم، يقول:
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتهُ عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعَهُ سُكرُهُ حتّى تمكّن من فعلِ الصحاةِ فهذا واحدُ الناسِ
هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي، الذي نعتقد بأنّه متعصّب، لأنه في كثير من الموارد نرى أمثال ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما يعتمدون على كتب هذا الشخص في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه، أمّا في مثل هذا المورد يجيب عن السؤال بالشعر المذكور
أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع في صفاته الأضداد، هذا موجود في حال أمير المؤمنين، وإلاّ لم يكن واحد الناس، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول الله، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول الله، وإلى آخره فحينئذ هذا الإشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين، بأن يقال: إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلى الدنيا، انصرف إلى أمر دنيوي نعم وجدت في كتب أصحابنا ـ ولم أجد حتّى الآن هذه الرواية في كتب غير أصحابنا ـ: عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: تصدّقت بخاتمي أربعين مرّة ولم تنزل في حقّي آية إذن هذا الاعتراض أيضاً لا مجال له "
الرجل يحيلنا للتصوف فيجعل الرد أن ما يعترض به هو إشكال عرفانى وهو كلام يتهرب به من المشكلة وهو يحيلنا لكىم ابن الجوزى السنة ليصف لنا الإشكال ويحله بـن على له مناقب أى معجزات اى آيات وهو كلام يخالفه أن الله ألغى المعجزات وهى الآيات من بعث محمد (ص) فقال "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم قال :
"الاعتراض الرابع:
وهو الاعتراض المهم الذي له وجه علميّ، قالوا: بأنّ عليّاً مفرد، ولماذا جاءت الألفاظ بصيغة الجمع: (والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) هذا الإشكال له وجه، ولا يختصّ هذا الإشكال والاعتراض بهذه الآية، عندنا آيات أُخرى أيضاً، وآية المباهلة نفسها التي قرأناها أيضاً بصيغة الجمع، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلي، مع أنّ اللفظ لفظ جمع (أنفسنا وأنفسكم) وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع «النساء»، هذا الاعتراض يأتي في كثير من الموارد التي تقع مورد الاستدلال، وفي سائر البحوث العلمية المختلفة لا في بحث الإمامة فقط
الزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة، وليس من أصحابنا الإماميّة، صاحب الكشّاف وغير الكشّاف من الكتب الكثيرة في العلوم المختلفة، يجيب عن هذا الإشكال، وتعلمون أنّ الزمخشري تفسيره تفسير للقرآن من الناحيّة الأدبيّة والبلاغيّة، هذه ميزة تفسير الكشّاف للزمخشري، وهذا شيء معروف عن تفسير الزمخشري، وأهل الخبرة يعلمون بهذا يجيب الزمخشري عن هذا ما ملخّصه: بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذا الحد من الحرص على الإحسان إلى الفقراء والمساكين، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين، حتّى في أثناء الصلاة، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين، ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع هذا جواب الزمخشري فإذن، لا يوافق الزمخشري على هذا الاعتراض، بل يجيب عنه بوجه يرتضيه هو ويرتضيه كثير من العلماء الاخرين
ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ولم نوافق عليه، فقد وجدنا في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة الثابتة الصحيحة، وفي الاستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة: أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد، كثير من هذا الاستعمال موجود في القرآن وفي السنّة وفي الموارد الاُخرى، وهذا شيء موجود مضافاً إلى جواب يجيب به بعض علمائنا وعلمائهم: أنّه في مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعظّم هذه الفضيلة أو هذا الفعل من علي، وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلي ولما فعله في هذه القضيّة وتبقى نظرية أُخرى، أتذكّر أنّ السيّد شرف الدين يذكر هذه النظرية وهذا الجواب ويقول: لو أنّ الآية جاءت بصيغة المفرد، لبادر أعداء أمير المؤمنين من المنافقين إلى التصرّف في القرآن الكريم وتحريف آياته المباركات عداءً لأمير المؤمنين، إذ ليست هذه الآية وحدها بل هناك آيات أُخرى أيضاً جاءت بصيغة الجمع، والمراد فيها علي فقط، فلو أنّه جاء بصيغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلى التصرّف في القرآن الكريم
إنّه في مثل هذه الحالة يكون الكناية، صيغة الجمع، أبلغ من التصريح ـ بأن يأتي اللفظ بصيغة المفرد، والذي آمن وصلّى وتصدّق بخاتمه في الصلاة في الركوع أو آتى الزكاة وهو راكع ـ والروايات تقول هو علي، فيكون اللفظ وإن لم يكن صريحاً باسمه إلاّ أنّه أدل على التصريح، أدل على المطلب من التصريح، من باب الكناية أبلغ من التصريح يختار السيد شرف الدين هذا الوجه ويؤيّد هذا الوجه رواية واردة عن إمامنا الصادق بسند معتبر، يقول الراوي للإمام: لماذا لم يأت اسم علي في القرآن بصراحة بتعبيري أنا، لماذا لم يصرّح الله سبحانه وتعالى باسم علي في القرآن الكريم ؟ فأجاب الامام لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح في القرآن الكريم لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف في القرآن، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن (وإنّا له لحافظون)
وهذه وجوه تذكر جواباً عن السؤال: لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصيغة الجمع ؟ولعلّ أوفق الوجوه في أنظار عموم الناس وأقربها إلى الفهم: أنّ هذا الاستعمال له نظائر كثيرة في القرآن الكريم، وفي السنّة النبويّة، وفي الاستعمالات الصحيحة الفصيحة، ثم إن الروايات المعتبرة المتّفق عليها دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي إذن، مجيء اللفظ بصيغة الجمع لابدّ وأن يكون لنكتة، تلك النكتة ذكرها الزمخشري بشكل، والطبرسي بنحو آخر، والسيد شرف الدين بنحو ثالث، وهكذا وإذا راجعتم كتاب الغدير لوجدتم الشيخ الاميني يذكر قسماً من الايات التي جاءت بصيغة الجمع وأُريد منها الشخص الواحد، ويذكر الروايات والمصادر التي يُستند إليها في شأن نزول تلك الآيات الواردة بصيغة الجمع والمراد منها المفرد فإذن، لا غرابة في هذه الجهة "
الرجل هنا يذهب هنا وهناك ويأتينا لمصيبة لا يشعر بها وهو من يقول بها وهى أن الآيات التى أتت بلفظ الجمع كلها كانت فى أفراد وهو ما يعنى أن الشريعة نزلت فى أفراد مخصوصين وليس للناس كما يقول تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
القرآن نزلت آياته عامة والنادر منها هو النازل فى أشخاص محددة كالمظاهرة من زوجها والبرىء الذى اتهمه المؤمنون وطلاق زيد وبنوته ولو جمعنا الروايات التى تتحدث عن نزولها فى أفراد مخصوصة لكانت مصيبة لتعارض الروايات ولكون معناها أن الشريعة ليست صالحة لكل الناس ولكل عصر وزمان
وأما حكاية تحريف القرآن لز نزل فيه اسمه على فهراء يخالف قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
فالوحى محفوظ سواء ذكر فيه على أو لم يذكر ولكنها حجة للضحك بها على المغفلين
والرجل رغم كون الكتاب فى آية تخص على فى مذهبهم إلا أنه يأبى إلا أن يذكر أبو بكر ليسحب من تحته بساط الخلافة رغم أن كل الخلافات المذكورة لم يحدق منها أى شىء فهى تاريخ كاذب اخترعه الكفار لتفريق المسلمين وإضلالهم وقد نجحوا وفى هذا قال الميلانى:
" فحينئذ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف يبقى متردّداً في قبول استدلال أصحابنا بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين، فتكون الآية من جملة أدلّة إمامته عن طريق ثبوت الأولويّة له، تلك الأولويّة الثابتة لله ولرسوله، فيكون علي وليّاً للمؤمنين، كما أنّ النبي وليّ المؤمنين، وهذه المنقبة والفضيلة لم تثبت لغير علي، وقد ذكرنا منذ اليوم الأوّل أنّ طرف النزاع أبو بكر، وليس لأبي بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله "
وكما قلنا مات على وأبو بكر وغيرهم ولم يبق شىء من نزاعاتهم المزعومة ومع هذا بصر البعض من الفريقين على إثارة نزاعات ماتت ويجرون الفريقين للحرب المدمرة لكلاهما ولا يستفيد منها سوى أعداءهم ولا يتوقف أحد منهم فى الفريقين عن إثارة النزاعات القديمة بإصدار تلك الكتب والأولى أن يقولوا :
ما فات مات والمهم أن نصنع مستقبلنا ولكنهم لا يصنعون سوى الدمار