نقد كتاب البدر الذي انجلى في مسألة الولا
مؤلف الكتاب كما يقولون مجهول ويبدو أنه جلال الدين السيوطى لكونه معاصر لبدر الدين الماردينى كما أن السيوطى مولع بالجناس فى تسمية كتبه مثل آكام العقيان في أحكام الخصيان وأبواب السعادة في أسباب الشهادة والإتقان في علوم القرآن وإتحاف الاخصا في فضائل المسجد الأقصى وإتحاف الفرقة برفو الخرقة وإتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء وإتحاف الوفد بنبأ سورتي الخلع والحفد وإتمام الدراية لقراء النقاية وإتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة والأجر الجزل في الغزل والأجوبة الزكية عن الألغاز السبكية وهناك مجموعة من الكتب تبدأ بسؤال أو واقعة حدثت فى عصره ويقوم هو بالإجابة عليها كما فى هذا الكتاب مثل كتاب الإنصاف في تمييز الأوقاف فيقول فى مقدمته :
"مسألة - أمير وقف خانقاه ورتب بها شيخا وصوفية وجعل لهم دراهم وزيتا وصابونا وخبزا ولحما فضاق الوقف فهل يقدم الشيخ على الصوفية أو يصرف بينهم بالمحاصة وهل يقتصر على صنف من الأصناف التي عينها الواقف ويترك الباقي أو يأخذون من جميع الأصناف التي عينها الواقف بالمحاصة وهل تجوز الاستنابة في شيء من الوظائف أم لا.
وأيضا فى كتاب الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر يقول فى مقدمته :
"وقع في هذه الأيام أن رجلا له بيت بالروضة على شاطئ النيل أصله قديم على سمت جدران بيوت الجيران الأصلية ثم أحدث فيه من بضع عشرة سنة بروز ذرعه إلى صوب البحر نحو عشرين ذراعا بالذراع الشرعي بحيث خرج عن سمت بيوت الجيران القديمة ثم أراد في هذه الأيام أن يحدث فيه بروزا ثانيا قدام ذلك البروز الأول متصلا به فحفر له أساسا ذرعه إلى صوب البحر ستة عشر ذراعا بالذراع الشرعي بحيث يصير مجموع البروزين ستة وثلاثين ذراعا واقعة في حريم النهر"
كما أنه يقول عن الخبرى صاحب كتاب التلخيص فى علم الفرائض من أصحابنا والخبرى شافعى المذهب وكذلك السيوطى وهذا الكلام الذى أقوله لا قيمة علمية له فالعلم هو فى النصوص وليس فى الأسماء
يبدأ الكتاب يذكر السؤال وهو :
"وقع السؤال عن امرأة أعتقت عبد ثم ماتت وتركت ابنا ثم مات الابن وترك ابن عم له ثم مات العتيق فهل يرثه ابن عم ابن المعتقة، وذلك السائل وهو الشيخ بدر الدين المارديني فرضى هذا الوقت أن المفتين في عصرنا اختلفوا في هذا فأفتى بعضهم بإرثه وبعضهم بعدم إرثه، وسألني الشيخ بدر الدين من المصيب وهل تعرض للمسالة أحد من المصنفين"
وأجاب الرجل على سؤال الماردينى وهو أزهرى كان مؤذنا فى الأزهر وله بعض الكتب فى الرياضيات مثل تحفة الأحباب في علم الحساب وحاوى المختصرات في العمل بربع المقنطرات فقال:
" فأجبت بأن الصواب مع من أفتى بعدم إرثه فإن ذلك مقتضى الدليل ومقتضى نصوص الأصحاب قاطبة ثم وجدت ذلك مصرحا به وأنه لا خلاف فيه في مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وهو أصح الروايتين في مذهب أحمد بن حنبل فهذه ثلاثة أمور عقدت هذه الكراسة لبيانها وسميتها البدر الذي انجلى في مسألة الولا"
أفتى المؤلف هنا بعدم أحقية ابن العم فى وراثة العتيق الذى عتقته أم ابن عمه الأخر وماتت الأم ومات ابن العم الأخر ثم قام المؤلف بتفصيل إجابته وعززها بالنقول من كتب المذاهب فقال :
"فأقول: أما بيان كونه مقتضى الدليل فمن وجهين أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب) هذا الحديث هو عمدة الإرث بالولاء حيث شبه الولاء بالنسب وقد نص العلماء في هذا الحديث بخصوصه على أن المشبه دون المشبه به فجعلوا الولاء دون النسب في القوة قال السبكي شبه صلى الله عليه وسلم الولاء بالنسب والمشبه دون المشبه به وحينئذ فالقول بأن ابن العم يرث في هذه الصورة يؤدي إلى زيادة الولاء على النسب في القوى لأن ضابط الذي يرث بالولاء أن يكون بحيث لو مات المعتق يوم موت العتيق ورثه والمرأة لو ماتت وابن عم ولدها موجود لم يرثها بالإجماع فتوريثه بالولاء مع عدم توريثه بالنسب تقوية للولاء على النسب وهو خلاف ما اقتضاه الحديث، الوجه الثاني أن الأدلة قامت على أنه لا يرث بالولاء إلا عصبة المعتق ولهذا لم يرث إلا أصحاب الفروض وعصبة عصبة المعتق ليسوا عصبة للمعتق فلم يدخلوا تحت هذا اللفظ، وأمر ثالث وهو أن الأدلة قامت على أن الولاء لا يورث قال ابن الصباغ في الشامل لو كان الولاء يورث لكان الزوج والزوجة يرثانه وقد حصل الإجماع على أنهما لا يرثان الولاء وقام إمام الحرمين في النهاية أصل الباب أن عصبة المعتق لا يرثون الولاء كما يرثون الأملاك وحقوقها وإنما يرثون بالولاء بانتسابهم إلى المعتق فمقتضى العصوبة المحضة تقتضي توريثهم قال والدليل على أنهم لا يرثون الولاء أن الولاء لو كان موروثا لاقتضى القياس أن يستوي في استحقاقه بالإرث الرجال والنساء كسائر الحقوق، وقال الرافعي قوله صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) معناه قرابة وامتشاج كامتشاج النسب وقوله لا يباع ولا يوهب يعني أن نفس الولاء لا ينقل من شخص إلى شخص بعوض وغير عوض كما أن القرابة لا تنقل ويروى النهي عن بيع الولاء وهبته ولذلك لا يورث الولاء لكن يورث به كما أن النسب لا يورث ويورث به ومما يدل عليه أنه لو كان الولاء موروثا لاشترك في استحقاقه الرجال والنساء كسائر الحقوق انتهى كلام الرافعي، وإذا لم يورث الولاء لم يرث عصبة عصبة المعتق شيئا لأن عصبة المعتق إنما ورثوا بقرابتهم من المعتق لا بإرثهم الولاء الذي كان للمعتق وعصبة العصبة ليسوا بأقارب المعتق ولا ورثوا الولاء من العصبة فلم يرثوا به شيئا هذا مقتضى الدليل وأما بيان كون ذلك مقتضى نصوص الصحاب فمن وجوه أحدها أطباق الأصحاب على قولهم فإن لم يوجد المعتق فالاستحقاق لعصباته من النسب الذين يعصبون بأنفسهم فإن لم يوجد عصبات المعتق أحد فالمال المعتق لمعتق ثم لعصباته ثم لمعتق معتق المعتق وهكذا فجعلهم المال بعد عصبة المعتق لمعتق المعتق من غير واسطة صريح في أن عصبة العصبة لا يرثون شيئا وإلا لقالوا فإن لم يوجد من عصبات المعتق أحد فلعصبة عصبته فكانوا يذكرون عصبة العصبة قبل أن يذكروا معتق المعتق ولا يتخيل متخيل دخول عصبة العصبة في لفظ عصبة المعتق بحال لا معنى ولا لفظا وكيف يتخيل ذلك وعصبة العصبة ليسوا بعصبة للمعتق بل هم منه أجانب محض وإذا كان الفقهاء لم يروا الاقتصار على ذكر المعتق حتى تعرضوا لمعتق معتق المعتق ومن فوقه مصرحين بتأخيرهم عن عصبة المعتق فكيف يتصور إرث عصبة العصبة قبل معتق المعتق من غير تعرضهم له ولا تصريحهم به، ويزيد ذلك وضوحا عبارة الرافعي حيث قال إذا لم يكن المعتق حيا ورث بولائه أقرب عصابته ولا يرث أصحاب الفروض ولا الذين يتعصبون بغيرهم فإن لم يوجد للمعتق عصبة من النسب فالميراث لمعتق المعتق فإن لم يكن للعصبات معتق المعتق وهكذا فانظر إلى قوله فإن لم يوجد للمعتق عصبة من النسب تجده صريحا فيما ذكرناه فابن عم الولد ليس عصبة للمعتقة ولا نسيبا لها. الوجه الثاني: قول الرافعي للأصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا وهي أنه يرث العتيق بولاء المعتق ذكر يكون عصبة للمعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفته، وهذا الضابط يخرج عنه عصبة عصبة المعتق قطعا لأن المرأة لو ماتت وابن عم ولدها موجود لم يرثها إجماعا. الوجه الثالث: قال الرافعي ولا ميراث لغير عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده ولا شك أن عصبة العصبة غير عصبة المعتق فدخلوا في هذا النفي، وعبارة البغوي في التهذيب ولا ميراث لمعتق عصبة الميت إلا لمعتق أبيه أو لمعتق جده وإن علا وكذلك معتق عصبات المعتق لا يرث إلا معتق أبي المعتق أو معتق جده فإن من أعتق عبدا ثبت له الولاء على أولاده وعلى أولاد بنيه وإن سفلوا هذه عبارة البغوي في التهذيب فانظر كيف صرح بنفي الميراث عن معتق عصبات المعتق ومعنى العصبة من جملة أفراد عصبة العصبة فكما أنه لا ميراث له بهذا التصريح فكذلك باقي عصبة العصبة لأن العلة في ذلك كونه أجنبيا من المعتق فسواء في ذلك المعتق والنسب وإنما ورث معتق الأب والجد بالانجرار الذي وقع على الأحفاد فلو لم يكن في المسألة إلا هذا التصريح من البغوي لكان كافيا - هذا بعض ما اقتضته نصوص الأصحاب، وأما التصريح فقال صاحب المحيط من الحنفية ما نصه: ولو أعتق أمة ومات المعتق عن ابن والابن عن أخ لأمه ثم مات المعتق فالميراث لعصبة المعتق ولا شيء للأخ للأم لأنه أجنبي من المعتق قال وكذا لو كان للمعتق أخ لأمه لم يرث شيئا لأنه ليس بعصبة له - هذه عبارة المحيط فانظر كيف علل الأول بكونه أجنبيا من المعتق ولم يعلله بكونه صاحب فرض ولا عصبة كما علل بذلك في الصورة الثانية فدل بفرقه بين التعليلين على أنه لا يرث أحد من أقارب عصبة المعتق إذا كانوا أجانب من المعتق عصبة كانوا أو أصحاب فرض، وأصرح من ذلك عبارة شمس الأئمة السرخسي من الحنفية أيضا في كتابه المبسوط فانه قال وإذا أعتق الرجل الأمة ثم مات وترك ابنا ثم مات الابن وترك أخا من أمه ثم ماتت الأمة فميراثها لعصبة المعتق وليس للأخ من ذلك شيء لأن الولاء للمعتق وأخو ابن المعتق لأمه أجنبي من المعتق وكذا أخو المعتق لأمه لأنه ليس بعصبة له إنما هو صاحب فريضة ولا يخلف المعتق في ميراث معتق إلا من كان عصبة له هذه عبارته فان قلت هذه كلها علالات واحتمالات فإن لم تأت بنقل صريح وإلا لم تقبل شيئا مما ذكرت قلت اسمع يا أيها الرجل أنا عادتي في التقرير أن أبدأ أو لا بالإخفاء ثم انتقل إلى الإجلاء وآتى بالمحتملات ثم أثنى بالدامغات فأكسر بها رؤوسا وأحيي بها نفوسا فأقول يا أيها الناس لا يحل لأحد أن يفتى في دين الله بما تحدث به نفسه من غير اعتماد على نقول الأئمة وإذا كان الناس الآن لا يعتمدون فتوى المجتهد باجتهاده واستنباطه مع كون ذلك مقبولا شرعا لأنه مستند إلى أدلة وحجج ولا يقبلون منه إلا ما كان منقولا في المذهب فكيف يسوغ لمن ليس مجتهدا أن يفتى بغير نقل ولا استناد إلى حجة، هذه المسألة منقولة في الحاوي الكبير للماوردي وعبارته فلو أعتقت امرأة عبدا وماتت وخلفت أبنا وأخا ثم مات العبد المعتق كان ولاؤه للابن دون الأخ ولو مات الابن قبل موت العبد وخلف عما وخالا ثم مات العبد المعتق كان ولاؤه لخاله دون عمه لأن الخال أخو المعتقة والعم أجنبي منها - هذا قول من جعل الولاء لا يورث فأما على قول من جعله موروثا يجعل الولاء لعم الابن وإن كان أجنبيا من المعتقة دون الخال وإن كان أخاها لانتقال ماله إلى عمه دون خاله وقد بسط السبكي المسألة بسطا شافيا في كتابه الغيث المغدق فقال هذه مسألة اختلف الناس فيها وهي إذا ماتت المعتقة وخلفت ابنا وأخاها ثم مات ابنها وترك عصبته كأعمامه وبني عمه ثم مات العتيق وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فعن علي بن أبي طالب فيه روايتان أحدهما أن ميراثه لأخي مولاته لأنه أقرب عصبات المعتق فان انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها وبه قال أبان بن عثمان وقبيصة ابن ذؤيب وعطاء وطاووس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق، والرواية الأخرى عن علي أنه لعصبة الابن روى نحو ذلك عن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا يرجع إلى أن الولاء يورث كما يورث المال وقد روى عن أحمد نحو هذا واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال صاحب المغنى من الحنابلة والصحيح الأول فان الولاء لا يورث وإنما هو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصباته لم يرث شيئا وعصبات الابن غير عصبات أمه وحديث عمرو بن شعيب غلط قال حميد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث انتهى ما أورده السبكي هنا فانظر كيف صرح بأن عدم الإرث هو قول مالك والشافعي وأهل العراق بلا خلاف عندهم وأنه الصحيح من قول أحمد، ثم قال السبكي بعد ذلك اتفق جمهور العلماء على أن الولاء لا يورث ولا خلاف عندنا فيه، وروى نحو ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة ابن زيد وبه قال عطاء وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة وأبو الزناد والشافعي ومالك وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وهو المشهور عن أحمد وحكى الحنابلة ذلك عن طاووس أيضا وشذ شريح فقال الولاء كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته، وحكى القاضي حسين وغيره ذلك عن طاووس أيضا ونقله ابن المنذر عن الزبير يعنى ابن العوام ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد بن حنبل وغلطهما أبو بكر وغيره من أصحابه- هذا كله كلام السبكي فانظر كيف صرح بأنه لا خلاف عندنا في أن الولاء لا يورث ونقل ذلك عن مذهب مالك وأبي حنيفة ولم يحك عنهما خلافا وجعله المشهور من مذهب أحمد فعرف بذلك أن من أفتى في هذه الصورة بالإرث كان مخالفا للمذاهب الأربعة الثلاثة باتفاق وأحمد على المشهور من مذهبه، وعلم بذلك أن قول الماوردي فأما على قول من جعله موروثا يريد به قول من شذ كشريح ونحوه وهو خلاف قول أئمة المذاهب الأربعة"
تاهت هنا نفوس الفقهاء فبدلا من أن يحكموا كتاب الله الذى يقول " "وأولوا الأرحام بعضهم أولياء بعض فى كتاب "
فالورث فى كتاب الله للأقارب بالولادة وبالزواج فقط حكموا أنفسهم معتمدين على روايات لا تساعدهم على ما أفتوا بهم فالرواية القائلة :
"الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" ليس فيها ما يدل على الورث بسبب الولاء فتشبيه الولاء بالنسب يعنى أنه لا يمكن التنصل منه بأى طريقة حال ثبوته
كما أن النسب لا يعنى أن الأنسباء يرثون بعضهم البعض جميعا وإنما بعض منهم وهى دائرة البنوة والأبوة والعمومة والأجداد فمن خرج عنهم من بقية النسب لا يرث شيئا
والنسب وهو الانتساب للأب فقط ليس هو طريقة الوراثة لأن الورث يتم بالزواج أيضا حتى ترث الزوجة الزوج والزوج الزوجة
زد على هذا أن الله منع عن العبيد والإماء المعتقين أو غير المعتقين منفذ الورث وأباح للمعتق أو المالم أن يصنع معهم معروفا وهو أن يعطيهم بعضا من ماله بالوصية أو الهبة وهو ما أسماه الله فعل المعروف فقال :
"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا"
ولو رجع القوم لرواية أخرى وهى :
"أنا وارث من لا وارث له"
لعرفوا أن لا أحد يرث من لا وارث له سوى بيت المال الذى يتولاه الحاكم
ثم تناول المؤلف ما ذكر من روايات فى المسألة فقال :
" وقد راجعت سنن البيهقي فوجدته رجح قول الجمهور وعقد بابا احتج له فيه بحديث وآثار ثم عقد بابا ثانيا لمن قال أن الولاء يورث وروى فيه حديث عمرو بن شعيب وضعفه ثم تأوله على تقدير الصحة وروى فيه الرواية المعزوة إلى علي وخطأها من حيث الإسناد ثم روى عنه موافقة الجمهور ثم روى عن الزبير الرواية المعزوة إليه وتأولها ثم روى عن ابن الزبير أنه قضى بذلك قال عطاء فعيب ذلك على ابن الزبير، وقال محمد بن زيد بن المهاجر لما قضى به ابن الزبير سمعت القاسم بن محمد يقول سبحان الله أن الولاء ليس بمال موضوع يرثه من ورثه إنما المولى عصبة، وها أنا أسوق ما أورده البيهقي في البابين ثم ارتقى إلى جميع ما ورد في ذلك عن الصحابة فمن بعدهم مسندا مخرجا ليستفاد: قال البيهقي باب الولاء للكبر من عصبة المعتق وهو الأقرب فالأقرب منهم بالمعتق إذا كان قد مات المعتق، ثم أخرج فيه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم ورجل لعلة فهلك أحد اللذين لأم وترك مالا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالى وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال ابنه قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالى وقال أخوه ليس كذلك إنما أحرزت المال فأما الموالى فلا أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالى، وأخرج عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا الولاء للكبر، وأخرج عن النخعي أن عليا وعبد الله وزيدا قالوا الولاء للكبر، وأخرج عن الشعبي أن عليا رضي الله عنه قال إذا أعتقت المرأة عبدا أو أمة فهلكت وتركت ولدا ذكرا فولاء ذلك المولى لولدها ما كانوا ذكورا فإذا انقطعت الذكور رجع الولاء إلى أوليائها، وقال شريح يمضي الولاء على وجهه كما يمضي الميراث ولكن لا يورث الولاء أنثى إلا شيئا أعتقته، وأخرج من طريق مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان بن عفان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة تحت رجل من بني الحارث فماتت المرأة وتركت مالا ومواليا فورثها ابنها وزوجها ثم مات ابنها فقال ورثة ابنها لنا ولاء الموالى قد كان ابنها أحرزه وقال الجهنيون ليس كذلك إنما هم موالى صاحبتنا فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبانا بن عثمان للجهنيين بولاء الموالى، ثم قال البيهقي وقد روى فيه الحديث مرسل يؤكد ما مضى من الآثار وأخرجه من طريق يونس عن الزهري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المولى أخ في الدين ونعمة وأحق الناس بميراثه أقربهم من المعتق) ثم قال البيهقي باب من قال من أحرز الميراث أحرز الولاء وأخرج فيه من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن راب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فورثوا رباعها وولاء مواليها وكان عمرو بن العاصي عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو ابن العاص ومات مولى لها وترك مالا فخاصمه اخوتها إلى عمر بن الخطاب فقال عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان) قال فكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن إسماعيل أو إلى إسماعيل بن هشام فرفعهم إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت أراه فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة، قال البيهقي كذا في هذه الرواية قال وقد روينا عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أنهما قالا الولاء للكبر، ومرسل ابن المسيب عن عمر أصح من رواية عمرو بن شعيب قال وأما الحديث المرفوع فيه فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الولاء، ثم أخرج من طريق يزيد بن هرون أنا سفيان الثورى وشربك عن عمران بن مسلم بن رباح عن عبد الله بن مغفل قال سمعت عليا يقول الولاء شعبة من النسب فمن أحرز الميراث فقد أحرز الولاء، قال البيهقي كذا وجدته في هذه الرواية وهو خطأ وكان يزيد حمل رواية الثوري على رواية شريك وشريك وهم فيه وإنما لفظ الحديث ما رواه سليمان عن عمران بن مسلم عن عبد الله بن مغفل قال قال علي رضي الله عنه الولاء شعبة من الرق من أحرز الولاء أحرز الميراث قال البيهقي هذا هو الصحيح وكذلك رواه مسعر عن عمران وإنما معناه من كان له الولاء كان له الميراث بالولاء، ثم أخرج عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال الزبير بن العوام الولاء للذي يحوز الميراث، قال البيهقي وهذا يحتمل أن يكون المراد به أن الذي يحوز الميراث وهو العصبة الذي يأخذ جميع الميراث هو الذي يأخذ بالولاء دون أصحاب الفروض، ثم أخرج عن محمد بن زيد بن المهاجر أنه حضر القاسم بن محمد بن أبي بكر وطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن وهما يختصمان إلى ابن الزبير في ميراث أبي عمرو مولى عائشة وكان عبد الله ورث عائشة دون القاسم لأن أباه كان أخاها لأبيها وأمها وكان محمدا أخاها لأبيها ثم توفي عبد الله فورثه ابنه طلحة ثم توفي أبو عمرو فقضى به عبد الله بن الزبير- لطلحة قال فسمعت القاسم بن محمد يقول سبحان الله أن الولاء ليس بمال موضوع يرثه من ورثه إنما المولى عصبة قال البيهقي وروى ابن جريح عن عطاء توريث ابن الزبير ابن عبد الله بن الرحمن دون القاسم قال عطاء فعيب ذلك على ابن الزبير-هذا ما أورده البيهقي. وقد عقد سعيد بن منصور في سننه بابا لذلك فأخرج فيه عن إبراهيم النخعي قال قال شريح من ملك شيئا حياته فهو لورثته من بعد موته وقال علي وعبد الله وزيد الولاء للكبر، وأخرج عن الشعبي أن عمر وعليا وابن مسعود وزيدا كانوا يجعلون الولاء للكبر وان شريحا كان يقول الولاء بمنزلة المال يجرى مجرى الميراث وروى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في الأصل عن يعقوب عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي ابن كعب وزيد بن ثابت وأبي مسعود الأنصاري وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم أنهم قالوا الولاء للكبر، وروى عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم مثله قال وهو قول أبي حنيفة الذي يأخذ به وقول أبي يوسف ومحمد ثم روى عن يعقوب عن الأعمش عن إبراهيم عن شريح أنه قال الولاء بمنزلة المال قال وليس يأخذ بهذا أبو حنيفة ولا أبو يوسف ومحمد. "
من هذه الروايات لا نجد اتفاقا وإنما تناقضا والمسألة كلها لا أصل لها فالولاء فى القرآن لا يتعلق بالعبيد والإماء المعتقين وإنما يتعلق بمجهولى النسب كما قال تعالى :
"وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
فالمولى هو الذى لا يعرف والده وأهله وهم قد يكونون أحرارا أو يكونون عبيدا وإماء ومن ثم فمسألة الولاء المشهورة فى الفقه لا أصل لها فى كتاب الله
والرواية المنسوبة للنبى (ص) فى الفقرة السابقة وهى "المولى أخ في الدين ونعمة وأحق الناس بميراثه أقربهم من المعتق"
تناقض رواية "أنا وارث من لا وارث له "
فالوارث للمعتق الذى لا أقارب له هو الحاكم ممثلا فى بيت المال كما أن الرواية الأشهر فى الموضوع وهى رواية بريرة تقول :
"الولاء لمن أعتق "
فبناء عليها لا ولاء سوى للمعتق فقط ومن ثم فالولاء لا ينتقل لالن ولا بنت ولا غيرهم من الأقارب
وكرر الرجل نفس الخطأ فنقل نقولا تكرس ما سبق أن ذكره فقال :
"(فائدة) قولهم الولاء للكبر هو بضم الكاف وسكون الباء أكبر الجماعة ومعناه هنا الأقعد بالنسب - كذا في صحاح الجوهري ونهاية ابن الأثير وذكره الزركشي في شرح الجعبرية وزاد وليس المراد به الأكبر في السن وقال الخبري في التلخيص معنى قولهم الولاء للكبر أي هو لأقرب عصبات المولى يوم يموت العبد. مدرك آخر : قال السبكي الأصحاب كلهم مصرحون الشيخ أبو حامد وغيره بأن الولاء لا ينتقل ثم قال قد تقرر أن الولاء لا يورث ولكن هل نقول أنه بنفس العتق ثبت للمعتق وجميع عصباته أو ثبت للمعتق فقط وبعده يثبت لعصباته لا على جهة الإرث بل جهة أن ثبوته لهم كان بعد موت المعتق يخرج من كلام الأصحاب فيه وجهان والصحيح وظاهر الحديث في إلحاق الولاء بالنسب أنه بنفس العتق ثبت للجميع في حياة المعتق قال ولا شك أن كونه عتيقا للسيد يثبت نسبه بينه وبين عصبته حسا فأنا نقول عتيق ابن عم فلان ونحو ذلك، وأما ثبوت هذه النسبة شرعا فالحديث يقتضيها وتوقيفها على موت المعتق بعيد وأن أمكن القول به، ثم خرج على ذلك مسألة ما لو أعتق كافر عبدا مسلما وللمعتق ابن مسلم ثم مات العتيق في حياة المعتق فان ميراثه لابن المعتق المسلم على الأرجح لا لبيت المال بناء على أن الولاء يثبت للعصبة في حياة المعتق ومقابله رأي أنه لا يثبت لهم في حياته والمعتق قام به مانع الكفر فانتقل إرثه لبيت المال، ويوافق الأول قول الرافعي في الوصايا فيما إذا اعتق مريض عبدا ثم قتله السيد أنه لا يرث السيد من ديته لأنه قاتل بل أن كان له وارث أقرب من سيده فهي له وإلا فلأقرب عصبات السيد انتهى. إذا تقرر ذلك نشأ من هاتين القاعدتين أعني كونه لا ينتقض وكونه يثبت للعصبة في حياة المعتق أن عصبة العصبة لا يرثون شيئا لأنه لا سبيل إلى إثباته لمن هو أجنبي من المعتق في حال حياته ولا سبيل الى نقله فنشأ من ذلك أنهم لا يرثون منه شيئا. عود إلى بدء في نقول أخرى مصرحة من كتب سائر المذاهب: قال الخبري من أصحابنا في كتاب التلخيص في الفرائض إذا مات المولى قبل عبده لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث وقال شريح وأحمد هو موروث كما يورث المال وعن ابن مسعود نحوه والأول أصح عنه ثم قال امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت فتركت ابنا وأخا ثم مات العبد فماله لابن مولاته فان ترك ابنها أباه أو عمه أو ابن عمه فأخو المرأة أحق من عصبة ابنها في قول الجمهور، وعن عمر وعلي وشريح وسعيد بن المسيب والحسن وأحمد بن حنبل عصبة ابنها أولى وهو قياس قول عبد الله وكذلك أن مات أخو المرأة وخلف ابنا فهو أولى من عصبة الابن، وعلى القول الآخر عصبة الابن أولى انتهى، وهذا مثل ما تقدم في عبارة الماوردي وتلك أصرح حيث صرح بان القول الثاني قول من جعل الولاء موروثا، وفي الأصل لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ما نصه وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخاها ثم مات ابنها وترك أخاه لأبيه ثم مات العبد المعتق فان ميراثه لأخي المرأة ولا يكون لأخي ابنها من ميراثه شيء وكذلك لو كان لابنها ابنة لم ترث من ميراث المولى شيئا هذا نصه بحروفه وهو أصرح مما تقدم في عبارة المحيط والمبسوط، وفي المدونة في عقد موالي المرأة وميراثهم وجر الولاء ونقله وعقل موالي المرأة على قومها وميراثهم لها وان ماتت هي لولدها الذكور فان لم يكن لها ولد فذلك لذكور ولد ولدها دون الإناث وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي وإذا انقرض ولدها وولد ولدها رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين هم أقعد بها يوم يموت المولى دون عصبة الولد وقاله عدد من الصحابة والتابعين، وفي كتاب الرابض في خلاصة الفرائض تأليف أبي محمد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى بن عبد السلام المالكي ما نصه: كل امرأة تركت موالي فميراثهم كميراث مولى الرجل إلا في معنى واحد يرثهم بنوها وبنو بنيها وان سفلوا فإذا انقرضوا رجع الميراث بالولاء إلى عصبة الأم دون عصبة الولاء إلا أن يكون بنوها من عصبتها فتكون عصبتهم من عصبتها من قاله ابن القاسم، وفي المغني لابن قدامة الحنبلي ما نصه: لو أن المعتقة مات ابنها بعدها وقبل مولاها وترك عصبة كأعمامه وبني أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة أبيها يصيرانه لأخي مولاته لأنه أقرب عصبة المعتق فأن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها فأن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها، يروى نحو هذا عن علي وبه قال أبان ابن عثمان وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وطاووس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق، وروى عن علي رواية أخرى أنه لعصبة الابن، وروى نحو ذلك عن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا يرجع إلى أن الولاء يورث كما يورث المال، وقد روى عن أحمد نحو هذا واحتجوا بأن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده أن ريان بن حذيفة تزوج امرأة فولدت ثلاثة غلمة فماتت أمهم فورثوا عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك مالا فخاصمتهم اخوتها إلى عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان) وكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد ابن ثابت ورجل آخر قال فنحن فيه إلى الساعة - رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما قال والصحيح الأول فان الولاء لا يورث على ما ذكرنا من قبل وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصباته لم يرث شيء وعصبات الابن غير عصبات أمه فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها وحديث عمرو بن شعيب غلط قال حميد الناس يغلطون عمر بن شعيب في هذا الخبر فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من موالي معتقه إلا عصباته الأقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات انتهى كلام المغني."
كل هذه النقول كما سبق أن بينا تناقض كتاب الله فى الورث وفى الولاء فالمعتقين ليس فيهم ولاء وإنما الولاء لمجهولى النسب من المسلمين والورث هو للأقارب وأما المعتقين فلا يرثهم سوى أقاربهم وليس أهل من أعتقوهم أو من اعتقوهم فإن لم يكن لهم أقارب يرثونهم فالورث لبيت مال المسلمين
.