سورة الزمر
سميت بهذا الاسم لذكر الزمر فيها بقوله "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا "و"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ".
"بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين "المعنى بحكم الرب النافع المفيد إلقاء الوحى من الرب الناصر القاضى إنا أوحينا لك الوحى بالعدل فأطع الرب مستمرا له فى طاعة الحكم،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن الكتاب تنزيل من الله العزيز الحكيم والمراد أن القرآن وبيانه وحى من الرب الناصر القاضى بالحق ويبين له أنه أنزل له الكتاب بالحق والمراد أنه أوحى له القرآن وبيانه بالعدل وهو حكم الله ويطلب منه أن يعبد الله مخلصا له الدين والمراد أن يطيع حكم الله مديما له طاعة الإسلام والخطاب للنبى(ص).
"ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فى ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار "المعنى ألا لله الحكم الدائم والذين عبدوا من سواه أرباب قالوا ما نطيعهم إلا ليدنونا من الرب دنوا إن الرب يقضى بينهم فيما هم به يكذبون إن الرب لا يرحم من هو ظالم فاسق ،يبين الله لنبيه (ص)أن له الدين الخالص وهو الحكم الواصب أى المستمر أى الثابت مصداق لقوله بسورة النحل"وله الدين واصبا"والذين اتخذوا من دونه أولياء والمراد والذين عبدوا من سوى الله آلهة قالوا فى تبرير عبادتهم :ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والمراد ما نتبعهم إلا ليعطونا من الله رحمة وهذا يعنى أن سبب عبادتهم للآلهة المزعومة هو أنهم يعتقدون أن الآلهة ستجعل الله يعطيهم الزلفى وهى الجنة بواسطتها ويبين له أن الله يحكم بينهم أى "إن ربك يقضى بينهم "كما قال بسورة يونس فيما هم فيه يختلفون أى فيما هم به يكفرون وهو وجوب عبادة الله وحده ويبين له أنه لا يهدى من هو كاذب كفار والمراد لا يرحم من هو ظالم فاسق مصداق لقوله بسورة التوبة "إن الله لا يهدى الظالمين "و"إن الله لا يهدى الفاسقين "والخطاب للنبى(ص)وعبارة ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى محشورة فى القول وهى جزء من آية أخرى وهى قول للكفار جواب على سؤال سألهم إياه المسلمون.
"لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار "المعنى لو شاء الرب أن يختار ابنا من الذى يبدع طاعته هو الرب الأحد الغالب،يبين الله لنبيه (ص)أن الله لو أراد أى شاء أن يتخذ ولدا أى أن يختار ابنا أى لهوا لاصطفى مما يخلق ما يشاء أى لاختار من الذى يبدع ما يريد مصداق لقوله بسورة الأنبياء"لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا "وهذا يعنى أن الولد سيكون مخلوقا مختارا من بين الخلق ولكنه لم يرد،ويبين الله له أن سبحانه والمراد أن الطاعة لحكم الله وهو الواحد أى الأحد الذى لا شريك له القهار وهو الغالب لمن يريد والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار "المعنى أنشأ السموات والأرض للعدل يدخل الليل على النهار ويدخل النهار على الليل وخلق الشمس والقمر كل يتحرك لموعد محدد ألا هو الناصر العفو،يبين الله لنبيه (ص)أنه خلق أى أبدع أى أنشأ السموات والأرض بالحق والمراد ليحكما بالعدل وهو حكم الله وهو يكور أى يدخل الليل على النهار ويكور أى ويدخل النهار على الليل فيزيله وسخر أى خلق الشمس والقمر مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وخلق الليل والنهار والشمس والقمر"وكل منهما يجرى لأجل مسمى والمراد وكل منهما يتحرك حتى وقت محدد أى معدود مصداق لقوله بسورة هود"لأجل معدود"وهو العزيز أى الناصر لمن يريد الغفار وهو العفو أى النافع لمن يتوب إليه .
"خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون "المعنى أنشأكم من إنسان واحد ثم خلق منه امرأته وخلق لكم من الأنعام ثمانية أفراد يصوركم فى أرحام والداتكم طورا من بعد طور فى حواجز ثلاثة ذلكم الله إلهكم لا رب إلا هو فكيف تكفرون؟يبين الله للناس أنه خلقهم من نفس واحدة أى أبدعهم من فرد واحد هو الذكر ثم جعل منه زوجه والمراد ثم خلق منه أنثاه مصداق لقوله بسورة الحجرات"إنا خلقناكم من ذكر وأنثى "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج والمراد وخلق لكم من الأنعام ثمانية أفراد هى "من الضأن اثنين ومن المعز اثنين "و"ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين"كما قال بسورة الأنعام والاثنين هما الذكر والأنثى،والله هو الذى خلقهم فى بطون أمهاتهم خلقا من بعد خلق أى الذى أبدعهم فى أرحام والداتهم طورا من بعد طور أى مرحلة بعد مرحلة مصداق لقوله بسورة نوح"وقد خلقكم أطوارا"وهم فى ظلمات ثلاث أى فى حواجز ثلاثة تمنع عنهم ضوء الدنيا هى الرحم والعضلات فوقه والجلد الخارجى فوق العضلات ذلكم وهو الخالق هو الله ربكم أى إلهكم لا إله إلا هو والمراد لا رب سواه ويسألهم الله فأنى تصرفون أى فكيف تكفرون أى"فأنى تؤفكون"كما قال بسورة يونس والغرض من السؤال هو إخبارهم بضرورة التراجع عن الكفر والخطاب للناس وما بعده.
"إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور"المعنى إن تكذبوا فإن الرب مستغنى عنكم ولا يبيح لخلقه التكذيب لحكمه وإن تصدقوا يقبله منكم ولا تحمل نفس عقاب أخرى ثم إلى إلهكم معادكم فيخبركم بما كنتم تفعلون إنه خبير بنية النفوس،يبين الله للناس أنهم إن يكفروا فإن الله غنى عنكم والمراد إن تعصوا حكم الله فإن الرب غير محتاج لطاعتكم فهو مستغنى عنها وهو لا يرضى لعباده الكفر أى لا يبيح لخلقه العصيان والمراد "والله لا يحب الفساد"كما قال بسورة البقرة فهو قد حرم الكفر وإن تشكروا يرضه لكم والمراد وإن تسلموا يقبل الله إسلامكم منكم مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"ولا تزر وازرة وزر أخرى والمراد ولا يتحمل إنسان عقاب سعى إنسان أخر مصداق لقوله بسورة النجم"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"ثم إلى ربكم مرجعكم والمراد ثم إلى جزاء إلهكم عودتكم به البعث فينبئكم بما كنتم تعملون والمراد فيبين لكم ما كنتم تفعلون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النحل"وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون"وهو عليم بذات الصدور والمراد وهو عارف بنية النفوس ويحاسب عليها
"وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار "المعنى وإذا أصاب الفرد أذى نادى خالقه عائدا إليه ثم إذا أعطاه نفع منه ترك ما كان ينادى من قبل وخلق لله شركاء ليبعد عن دينه قل تلذذ بتكذيبك قليلا إنك من أهل الجحيم ،يبين الله للنبى (ص)أن الإنسان وهو الفرد الكافر إذا مسه ضر والمراد إذا أصابه شر أى أذى كان رد فعله هو أن دعا ربه أى نادى خالقه ليزيل عنه الأذى وهو منيب إليه والمراد مخلص الدين لله ثم إذا خوله نعمة منه والمراد ثم إذا أذاقه أى أعطاه رحمة أى نفع منه مصداق لقوله بسورة يونس"وإذا أذقنا الناس رحمة"نسى ما كان يدعوا إليه من قبل والمراد ترك طاعة ما كان ينادى من قبل وهو الله وجعل لله أندادا والمراد واخترع مع الله آلهة أخرى مصداق لقوله بسورة ق"الذى جعل مع الله إلها آخر " والسبب فى اختراعه لهذه الآلهة المزعومة هو أن يضل عن سبيله والمراد أن يبعد عن طاعة دين الله ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكافر:تمتع بكفرك قليلا أى تلذذ بتكذيبك أى بعصيانك دين الله وقتا يسيرا إنك من أصحاب النار أى "أصحاب الجحيم" كما قال بسورة المائدة وهذا يعنى أنه من سكان جهنم والخطاب للنبى(ص).
"أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب "المعنى أمن هو قائما أجزاء الليل مطيعا وصاحيا يخاف النار ويطلب ثواب إلهه قل هل يتساوى الذين يعرفون والذين لا يعرفون إنما يطيع أهل العقول ،يسأل الله هل يستوى من هو قانت آناء الليل ساجدا أى من هو متيقظ أجزاء الليل مطيعا وقائما أى ومتيقظا النهار مطيعا يحذر الآخرة أى يخاف العذاب مصداق لقوله بسورة الإسراء"ويخافون عذابه"ويرجو رحمة ربه والمراد ويريد جنة خالقه والمراد ويريد تجارة لن تبور مصداق لقوله بسورة فاطر"يرجون تجارة لن تبور "مع من يكفر فى الجزاء ؟ويفسر السؤال بسؤال أخر هو هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون والمراد هل يتساوى الذين يطيعون حكم الله والذين لا يطيعونه فى الجزاء؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المسلمين فى الجنة والكفار فى النار مصداق لقوله بسورة الحشر"لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون"ويبين لنا إنما يتذكر أولوا الألباب والمراد إنما يطيع حكم الله أهل العقول وهم المنيبين لله مصداق لقوله بسورة غافر"وما يتذكر إلا من ينيب".
"قل يا عبادى الذين أمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "المعنى قل يا خلقى الذين صدقوا اعبدوا خالقكم للذين أصلحوا فى هذه الأولى نصر وبلاد الرب كثيرة إنما يعطى المسلمون ثوابهم بدون عقاب ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول :يا عبادى أى يا مماليكى الذين آمنوا أى صدقوا حكم الرب :اتقوا ربكم أى "اعبدوا ربكم "كما قال بسورة النساء والمراد أطيعوا حكم إلهكم ،للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة والمراد للذين أسلموا فى هذه الأولى استخلاف فى الأرض أى حكم لها مصداق لقوله بسورة النور"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض"وأرض الله واسعة والمراد وبلاد الرب كثيرة فهاجروا إليها فرارا بدينكم مصداق لقوله بسورة النساء"ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والمراد إنما يدخل المسلمون جنتهم بدون فزع أى عقاب مصداق لقوله بسورة النمل "وهم من فزع يومئذ آمنون"والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص) ومنه للناس .
"قل إنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم "المعنى قل إنى أوصيت أن أطيع الرب مديما له الطاعة أى أوصيت لأن أصبح أسبق المطيعين قل إنى أخشى إن خالفت إلهى عقاب يوم كبير ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس إنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين والمراد إنى أوصيت أن أتبع الرب مستمرا لحكمه فى الاتباع وفسر هذا بقوله وأمرت أن أكون أول المسلمين والمراد وأوصيت أن أصبح أسبق المطيعين أى المؤمنين مصداق لقوله بسورة يونس"وأمرت أن أكون من المؤمنين "،إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى عليكم عقاب يوم محيط أى كبير مصداق لقوله بسورة هود"عذاب يوم محيط"وهذا يعنى أنه من حرصه على علاقته بهم يخاف عليهم من عقاب الله .
"قل الله أعبد مخلصا له دينى فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون "المعنى قل الرب أطيع مستمرا فى طاعتى فأطيعوا ما أردتم من سواه قل إن المعذبين الذين عذبوا أنفسهم وأسرهم يوم البعث ألا ذلك هو العذاب العظيم لهم من أعلاهم شرر ومن أسفلهم شرر ذلك يحذر الله من عبيده يا عبيدى فأطيعون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول الله أعبد والمراد حكم الرب أتبع مخلصا له دينى أى مديما له طاعتى لحكمه فاعبدوا ما شئتم من دونه والمراد فأطيعوا حكم الذى أردتم من سواه وهذا إخبار لهم بأنه مستمسك بدينه وعليهم أن يتمسكوا بدينهم إن كانوا على حق كما يزعمون،ويطلب منه أن يقول إن الخاسرين وهم الهالكين أى المعاقبين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم والمراد هم الذين أدخلوا أنفسهم وعوائلهم النار يوم القيامة وهو يوم البعث ألا ذلك وهو دخول النار هو الخسران المبين أى الهلاك العظيم، لهم من فوقهم ظلل أى لهم من أعلاهم غواش أى سحب تمطر مطرا معذبا هو الشرر ومن تحتهم ومن أسفل أرجلهم ظلل أى مهاد أى شرر خارج من الأرض معذبا لهم مصداق لقوله بسورة العنكبوت"يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "،ذلك أى أنواع العذاب يخوف الله به عباده أى يرهب الرب به خلقه ليطيعوه يا عبادى فاتقون أى يا خلقى فارهبون مصداق لقوله بسورة البقرة "وإياى فارهبون "والمراد فخافوا من عذابى فأطيعوا حكمى والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس .
"والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب "المعنى والذين تركوا الكفر كى لا يطيعوه أى عادوا إلى الرب لهم الخير فأفرح خلقى الذين يعلمون الحكم فيطيعون أفضله أولئك الذين رحمهم الله أى أولئك هم أهل العقول،يبين الله لنبيه (ص)أن البشرى وهى الجنات هى للذين اجتنبوا الطاغوت أى تركوا الرجس من الأوثان وهو الكفر مصداق لقوله بسورة الأحقاف"فاجتنبوا الرجس من الأوثان"أن يعبدوها أى لا يطيعوا الكفر وفسر هذا بأنهم أنابوا إلى الله أى عادوا لطاعة حكم الله ويطلب منه أن يبشر عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والمراد أن يفرح خلقه الذين يعلمون الوحى فيطيعون أفضل أحكامه بالجنات مصداق لقوله بسورة البقرة"وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات"أولئك الذين هداهم الله أى الذين رحمهم الله وفسرهم بأنهم أولوا الألباب أى أهل العقول التى أدخلتهم رحمة الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين .
"أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من النار "المعنى هل من وجب له حكم العقاب هل أنت تبعده عن العذاب؟يسأل الله نبيه (ص)أفمن حق عليه كلمة العذاب والمراد هل من وجب له دخول النار أفأنت تنقذ من النار والمراد هل أنت تبعده عن دخولها والغرض من السؤال هو إخباره أن لا أحد يقدر على إخراج كافر من النار مهما كان والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجرى من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد"المعنى أما الذين أطاعوا حكم خالقهم لهم حجرات من أعلاها حجرات مشيدة تسير من أسفلها العيون قول الرب لا ينقض الرب عهده ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين اتقوا ربهم وهم الذين أطاعوا حكم إلههم لهم غرف من فوقها غرف مبنية والمراد لهم مساكن من أعلاها مساكن مشيدة وهذا يعنى أن بيوت الجنة مكونة من عدة أدوار وهى تسير من تحتها الأنهار والمراد تسير من أسفل أرض الجنة العيون ذات الأشربة اللذيذة وهذا هو وعد الله أى عهد الله والله لا يخلف الميعاد والمراد والرب لا ينقض عهده وهو قوله للناس مصداق لقوله بسورة البقرة"فلن يخلف الله عهده ".
"ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب "المعنى ألم تعلم أن الرب أسقط من السحاب مطرا فجعله أنهارا فى اليابس ثم ينبت به نباتا متعددا ألوانه ثم يقوى فتشاهده عظيما ثم يجعله مدمرا إن فى ذلك لعبرة لأهل العقول،يسأل الله نبيه (ص)ألم تر أى هل لم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء والمراد أن الرب أسقط من السحاب مطرا فسلكه ينابيع فى الأرض والمراد فأسكنه مجارى فى اليابس مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وأنزلنا من السماء ماء فأسكناه فى الأرض "وهذا يعنى أنه جعله فى مجارى الماء ثم يخرج به زرعا مختلف ألوانه والمراد ثم ينبت به الله نباتات متعددة طلاءات جلودها ثم يهيج أى يقوى النبات فتراه مصفرا أى فتشاهده ناضجا صالحا ثم يجعله حطاما أى مدمرا وهذا يعنى أن النبى (ص)وكل إنسان عليه أن يعرف قدرة الله على الإحياء بالماء ثم الإماتة وأن كل نبات يمر بمرحلة الخلق من الماء ثم الهياج وهو النمو ثم الإصفرار وهو النضج ثم التحطم ويبين أن فى ذلك وهو الخلق والموت ذكرى أى برهان أى عبرة لأهل الأبصار وهى العقول مصداق لقوله بسورة آل عمران"إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار "والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده له.
"أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك فى ضلال مبين "المعنى هل من أسلم الله نفسه للحق فهو على دين من خالقه فالعذاب للبعيدة نفوسهم عن حكم الله أولئك فى بعد كبير،يسأل الله أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه والمراد هل من أخلص نفسه لطاعة حكم الحق فهو على هدى أى دين من إلهه كمن عصى دين ربه فى الجزاء؟والجواب لا يستوون ،ويبين له أن الويل وهو العذاب هو للقاسية قلوبهم من ذكر الله والمراد للمكذبة نفوسهم حكم الرب وفسر هذا بأنهم فى ضلال مبين أى عذاب بعيد أى مستمر مصداق لقوله بسورة سبأ"بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب والضلال البعيد".
"الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل فما له من هاد"المعنى الرب أوحى أفضل الحكم حكما متماثلا مثانى تطيع منه قلوب الذى يخافون خالقهم أى تخضع نفوسهم أى صدورهم لطاعة حكم الله ذلك نور الرب يرحم به من يريد ومن يبعد فما له من راحم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله أنزل أحسن الحديث والمراد أن الرب أوحى أفضل الحكم مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"وهو كتاب متشابه مثانى والمراد قرآنا متماثلا متشابها وهذا يعنى أنه كتاب واحد ليس فيه اختلافات وهو تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم والمراد أنه تطيع من القرآن قلوب الذين يخافون عذاب خالقهم وفسر هذا بأنه تلين جلودهم وفسرها بأنها قلوبهم إلى ذكر الله والمراد أنه تخضع نفوسهم لطاعة حكم الله وذلك هدى الله أى حكم الرب يهدى به من يشاء أى يرحم بطاعته من يريد ومن يضلل فما له من هاد والمراد ومن يعذب الله فما له من ولى يرحمه مصداق لقوله بسورة الكهف"ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون "المعنى هل من يمنع بنفسه شر العقاب يوم البعث كمن أوقع نفسه فى العقاب وقيل للكافرين ادخلوا عقاب ما كنتم تعملون ،يسأل الله أفمن يتقى بوجهه سوء العقاب يوم القيامة والمراد هل من يمنع بإسلام نفسه شر العقاب يوم البعث كمن أوقع نفسه فى شر العقاب يوم البعث؟بالقطع لا يستوون ويقال للظالمين وهم الكفار ذوقوا ما كنتم تكسبون والمراد ادخلوا عقاب الذى كنتم تعملون وهو النار مصداق لقوله بسورة العنكبوت"ذوقوا ما كنتم تعملون" .
"كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون"المعنى كفر الذين من قبلهم فجاءهم العقاب من حيث لا يعلمون فأصابهم الذل فى المعيشة الأولى ولعقاب القيامة أشد لو كانوا يعرفون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين من قبل الكفار فى عصر النبى (ص)كذبوا أى ضلوا أى مكروا مصداق لقوله بسورة الرعد"قد مكر الذين من قبلهم"أى كفروا فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون والمراد فجاءهم العقاب من حيث لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"من حيث لا يعلمون"والمراد أنهم يأتيهم من حيث لا يتوقعون زمانا ومكانا وفسر هذا بأنهم أذاقهم الخزى فى الحياة الدنيا والمراد أصابهم الهوان أى الذل فى المعيشة الأولى وعذاب الآخرة أكبر والمراد وعقاب القيامة أشد لو كانوا يعلمون أى يعرفون الحق